فصل: باب قَوْلِ اللَّه تَعَالَى فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب نَفَقَةِ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب نفقة نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته‏)‏ ذكر فيه ثلاثة أحاديث‏:‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ لا تقتسم ورثتي دينارا ‏"‏ وقد تقدم بهذا الإسناد في أواخر الوقف، وقد تقدم ما يتعلق بشرحه قبل بباب، وسيأتي بقية ما يتعلق منه بالميراث في الفرائض واختلف في المراد بقوله ‏"‏ عاملي ‏"‏ فقيل الخليفة بعده، وهذا هو المعتمد وهو الذي يوافق ما تقدم في حديث عمر وقيل‏:‏ يريد بذلك العامل على النخل، وبه جرم الطبري وابن بطال وأبعد من قال‏:‏ المراد بعامله حافر قبره عليه الصلاة والسلام وقال ابن دحية في الخصائص‏:‏ المراد بعامله خادمه وقيل العامل على الصدقة وقيل العامل فيها كالأجير وقوله في هذه الرواية دينار ‏"‏ كذا وقع في رواية مالك عن أبي الزناد في الصحيحين، فقيل هو تنبيه بالأدنى على الأعلى وأخرجه مسلم من رواية سفيان بن عيينة عن أبي الزناد بلفظ ‏"‏ دينارا ولا درهما ‏"‏ وهي زيادة حسنة، وتابعه عليها سفيان الثوري عن أبي الزناد عند الترمذي في الشمائل واستدل به على أجرة القسام

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة الشعير الذي كان في رفها فكالته ففني، وسيأتي بسنده ومتنه وشرحه في الرقاق، وتقدم الإلمام بشيء من ذلك في ‏"‏ باب ما يستحب من الكيل ‏"‏ أوائل البيوع قال ابن المنير‏:‏ وجه دخول حديث عائشة في الترجمة أنها لو لم تستحق النفقة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لأخذ الشعير منها

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ قَالَ مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا سِلَاحَهُ وَبَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَةً

الشرح‏:‏

حديث أبي إسحاق وهو السبيعي عن عمرو بن الحارث ‏"‏ ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا سلاحه ‏"‏ الحديث وقد تقدم في الوصايا وأن شرحه يأتي مستوفى في أواخر المغازي، ووقع عند القابسي في أوله ‏"‏ حدثنا يحيى عن سفيان ‏"‏ فسقط عليه شيخ البخاري مسدد ولا بد منه، نبه عليه الجياني، ولو كان على ظاهر ما عنده لأمكن أن يكون يحيى هو ابن موسى أو ابن جعفر وسفيان هو ابن عيينة

*3*باب مَا جَاءَ فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَمَا نُسِبَ مِنْ الْبُيُوتِ إِلَيْهِنَّ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وما نسب من البيوت إليهن، وقول الله عز وجل ‏(‏وقرن في بيوتكن‏)‏ و ‏(‏لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم‏)‏ قال ابن المنير غرضه بهذه الترجمة أن يبين أن هذه النسبة تحقق دوام استحقاقهن للبيوت ما بقين، لأن نفقتهن وسكناهن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، والسر فيه حبسهن عليه ثم ذكر فيه سبعة أحاديث‏:‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى وَمُحَمَّدٌ قَالَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ

الشرح‏:‏

حديث عائشة ‏"‏ استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي ‏"‏ ذكره مختصرا

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي وَفِي نَوْبَتِي وَبَيْن سَحْرِي وَنَحْرِي وَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ قَالَتْ دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِسِوَاكٍ فَضَعُفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَأَخَذْتُهُ فَمَضَغْتُهُ ثُمَّ سَنَنْتُهُ بِهِ

الشرح‏:‏

حديثها ‏"‏ توفي في بيتي وفي نوبتي ‏"‏ وفيه ذكر السواك مع عبد الرحمن، وسيأتي الكلام عليهما مستوفى في أواخر المغازي إن شاء الله تعالى

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ مَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا بَلَغَ قَرِيبًا مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِمَا رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَفَذَا فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رِسْلِكُمَا قَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا

الشرح‏:‏

حديث صفية بنت حيي أنها جاءت تزوره وهو معتكف، والغرض منه قولها فيه ‏"‏ عند باب أم سلمة ‏"‏ وقد تقدم شرحه في الاعتكاف

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ ارْتَقَيْتُ فَوْقَ بَيْتِ حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّأْمِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر ‏"‏ ارتقيت فوق بيت حفصة ‏"‏ وقد تقدم شرحه في الطهارة

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ حُجْرَتِهَا

الشرح‏:‏

حديث عائشة كان يصلي العصر والشمس لم تخرج من حجرتها وقد تقدم شرحه في المواقيت

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَةَ فَقَالَ هُنَا الْفِتْنَةُ ثَلَاثًا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ

الشرح‏:‏

حديث عبد الله وهو ابن عمر ‏"‏ الفتنة هاهنا ‏"‏ وسيأتي شرحه في الفتن، والغرض منه قوله ‏"‏ وأشار نحو مسكن عائشة ‏"‏ واعترض الإسماعيلي بأن ذكر المسكن لا يناسب ما قصد، لأنه يستوي فيه المالك والمستعير وغيرهما

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ ابْنَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهَا وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ إِنْسَانٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرَاهُ فُلَانًا لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنْ الرَّضَاعَةِ الرَّضَاعَةُ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ

الشرح‏:‏

حديث عائشة ‏"‏ أنها سمعت صوت إنسان يستأذن في بيت حفصة ‏"‏ وقد تقدم بهذا الإسناد في الشهادات، ويأتي شرحه في الرضاع ‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في سياقه في الشهادات زيادة على سبيل الوهم في رواية أبي ذر، وكذا في رواية الأصيلي عن شيخه، وقد ضرب عليها في بعض نسخ أبي ذر والصواب حذفها، ولفظ الزيادة ‏"‏ فقلت يا رسول الله أراه فلانا لعم حفصة من الرضاعة فقالت عائشة ‏"‏ فهذا القدر زائد والصواب حذفه كما نبه عليه صاحب المشارق، قال الطبري‏:‏ قيل كان النبي صلى الله عليه وسلم ملك كلا من أزواجه البيت الذي هي فيه فسكن بعده فيهن بذلك التمليك، وقيل إنما لم ينازعهن في مساكنهن لأن ذلك من جملة مئونتهن التي كان النبي صلى الله عليه وسلم استثناها لهن مما كان بيده أيام حياته حيث قال ‏"‏ ما تركت بعد نفقة نسائي ‏"‏ قال‏:‏ وهذا أرجح، ويؤيده أن ورثتهن لم يرثن عنهن منازلهن، ولو كانت البيوت ملكا لهن لانتقلت إلى ورثتهن، وفي ترك ورثتهن حقوقهم منها دلالة على ذلك، ولهذا زيدت بيوتهن في المسجد النبوي بعد موتهن لعموم نفعه للمسلمين كما فعل فيما كان يصرف لهن من النفقات والله أعلم وادعى المهلب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حبس عليهن بيوتهن، ثم استدل به على أن من حبس دارا جاز له أن يسكن منها في موضع وتعقبه ابن المنير بمنع أصل الدعوى، ثم على التنزل لا يوافق ذلك مذهبه إلا إن صرح بالاستثناء، ومن أين له ذلك‏؟‏

*3*باب مَا ذُكِرَ مِنْ دِرْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَصَاهُ وَسَيْفِهِ وَقَدَحِهِ وَخَاتَمِهِ

وَمَا اسْتَعْمَلَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ قِسْمَتُهُ وَمِنْ شَعَرِهِ وَنَعْلِهِ وَآنِيَتِهِ مِمَّا يَتَبَرَّكُ أَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه، وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك‏)‏ الغرض من هذه الترجمة تثبيت أنه صلى الله عليه وسلم لم يورث ولا بيع موجودة، بل ترك بيد من صار إليه للتبرك به، ولو كانت ميراثا لبيعت وقسمت، ولهذا قال بعد ذلك ‏"‏ مما لم تذكر قسمته ‏"‏ وقوله ‏"‏ مما تبرك أصحابه ‏"‏ أي به، وحذفه للعلم به، كذا للأصيلي، ولأبي ذر عن شيخيه ‏"‏ شرك ‏"‏ بالشين من الشركة وهو ظاهر‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ مما يتبرك به أصحابه ‏"‏ وهو يقوي رواية الأصيلي وأما قول المهلب‏:‏ أنه إذا ترجم بذلك ليتأسى به ولاة الأمور في اتخاذ هذه الآلات، ففيه نظر، وما تقدم أولى وهو الأليق لدخوله في أبواب الخمس ثم ذكر فيه أحاديث ليس فيها مما ترجم به إلا الخاتم والنعل والسيف، وذكر فيه الكساء والإزار ولم يصرح بهما في الترجمة، فما ذكره في الترجمة ولم يخرج حديثه في الباب الدرع، ولعله أراد أن يكتب فيها حديث عائشة ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة ‏"‏ فلم يتفق ذلك، وقد سبق في البيوع والرهن ومن ذلك العصا ولم يقع لها ذكر في الأحاديث التي أوردها، ولعله أراد أن يكتب حديث ابن عباس ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان يستلم الركن بمحجن ‏"‏ وقد مضى في الحج وسيأتي في حديث علي في تفسير سورة ‏(‏والليل إذا يغشى‏)‏ ذكر المخصرة وأنه صلى الله عليه وسلم جعل ينكت بها في الأرض، وهي عصا يمسكها الكبير يتكئ عليها، وكان قضيبه صلى الله عليه وسلم من شوحط، وكانت عند الخلفاء بعده حتى كسرها جهجاه الغفاري في زمن عثمان ومن ذلك الشعر، ولعله أراد أن يكتب فيه حديث أنس الماضي في الطهارة في قول ابن سيرين ‏"‏ عندنا شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم صار إلينا من قبل أنس ‏"‏ وأما قوله ‏"‏ وآنيته ‏"‏ بعد ذكر القدح فمن عطف العام على الخاص، ولم يذكر في الباب من الآنية سوى القدح، وفيه كفاية لأنه يدل على ما عداه

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا اسْتُخْلِفَ بَعَثَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ وَكَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ وَخَتَمَهُ بِخَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ مُحَمَّدٌ سَطْرٌ وَرَسُولُ سَطْرٌ وَاللَّهِ سَطْرٌ

الشرح‏:‏

حديث أنس في الخاتم، والغرض منه قوله فيه ‏"‏ أن أبا بكر ختم الكتاب بخاتم النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فإنه مطابق لقوله في الترجمة ‏"‏ وما استعمل الخلفاء من ذلك، وسيأتي في اللباس فيه من الزيادة أنه كان في يد أبي بكر وفي يد عمر بعده وأنه سقط من يد عثمان، ويأتي شرحه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيُّ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ قَالَ أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسٌ نَعْلَيْنِ جَرْدَاوَيْنِ لَهُمَا قِبَالَانِ فَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ بَعْدُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمَا نَعْلَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

حديث أنس ‏"‏ أنه أخرج نعلين جرداوين ‏"‏ بالجيم أي لا شعر عليهما، وقيل خلقتين قوله‏:‏ ‏(‏لهما‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ لها ‏"‏ ‏(‏قبالان‏)‏ بكسر القاف وتخفيف الموحدة قوله‏:‏ ‏(‏فحدثني ثابت‏)‏ القائل هو عيسى بن طهمان راوي الحديث عن أنس، وكأنه رأى النعلين مع أنس ولم يسمع منه نسبتهما، فحدثه بذلك ثابت عن أنس، وسيأتي شرحه في اللباس أيضا إن شاء الله تعالى

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كِسَاءً مُلَبَّدًا وَقَالَتْ فِي هَذَا نُزِعَ رُوحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَ سُلَيْمَانُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ إِزَارًا غَلِيظًا مِمَّا يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ وَكِسَاءً مِنْ هَذِهِ الَّتِي يَدْعُونَهَا الْمُلَبَّدَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي بردة‏)‏ هو ابن أبي موسى قوله‏:‏ ‏(‏كساء ملبدا‏)‏ أي ثخن وسطه وصفق حتى صار يشبه اللبد، ويقال المراد هنا المرقع قوله‏:‏ ‏(‏وزاد سليمان‏)‏ هو ابن المغيرة ‏(‏عن حميد‏)‏ هو ابن هلال، وصله مسلم عن شيبان بن فروخ عن سليمان بن المغيرة به، وسيأتي بقية شرحه في كتاب اللباس أيضا

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَسَرَ فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ قَالَ عَاصِمٌ رَأَيْتُ الْقَدَحَ وَشَرِبْتُ فِيهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي حمزة‏)‏ هو السكري قوله‏:‏ ‏(‏عن عاصم عن ابن سيرين‏)‏ كذا للأكثر، ووقع في رواية أبي زيد المروزي بإسقاط ابن سيرين وهو خطأ، وقد أخرجه البزار في مسنده عن البخاري بهذا الإسناد وقال لا نعلم من رواه عن عاصم هكذا إلا أبا حمزة‏.‏

وقال الدار قطني‏:‏ خالفه شريك عن عاصم عن أنس لم يذكر ابن سيرين، والصحيح قول أبي حمزة، قلت‏:‏ قد رواه أبو عوانة عن عاصم ففصل بعضه عن أنس وبعضه عن ابن سيرين عن أنس، وسيأتي بيانه في الأشربة، ونبه على ذلك أبو علي الجياني وسيأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى قوله‏:‏ ‏(‏إن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ‏)‏ في رواية أبي ذر بضم المثناة على البناء للمفعول‏.‏

وفي رواية غيره بفتحها على البناء للفاعل والضمير للنبي صلى الله عليه وسلم أو لأنس، وجزم بعض الشراح بالثاني واحتج برواية بلفظ ‏"‏ فجعلت مكان الشعب سلسلة ‏"‏ ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون فجعلت بضم الجيم على البناء للمجهول فرجع إلى الاحتمال لإبهام الجاعل قوله‏:‏ ‏(‏قال عاصم‏)‏ هو الأحول الراوي ‏(‏رأيت القدح وشربت فيه‏)‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ كَثِيرٍ حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدُّؤَلِيِّ حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُمْ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَقْتَلَ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَقِيَهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَقَالَ لَهُ هَلْ لَكَ إِلَيَّ مِنْ حَاجَةٍ تَأْمُرُنِي بِهَا فَقُلْتُ لَهُ لَا فَقَالَ لَهُ فَهَلْ أَنْتَ مُعْطِيَّ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ وَايْمُ اللَّهِ لَئِنْ أَعْطَيْتَنِيهِ لَا يُخْلَصُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا حَتَّى تُبْلَغَ نَفْسِي إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ فَقَالَ إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ قَالَ حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبَدًا

الشرح‏:‏

حديث المسور بن مخرمة في خطبة علي بنت أبي جهل، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في النكاح، والغرض منه ما دار بين المسور ابن مخرمة وعلي بن الحسين في أمر سيف النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد المسور بذلك صيانة سيف النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يأخذه من لا يعرف قدره والذي يظهر أن المراد بالسيف المذكور ذو الفقار الذي تنفله يوم بدر ورأى فيه الرؤيا يوم أحد وقال الكرماني‏:‏ مناسبة ذكر المسور لقصة خطبة بنت أبي جهل عند طلبه للسيف من جهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحترز عما يوجب وقوع التكدير بين الأقرباء، أي فكذلك ينبغي أن تعطيني السيف حتى لا يحصل بينك وبين أقربائك كدورة بسببه، أو كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يراعي جانب بني عمه العبشميين فأنت أيضا راع جانب بني عمك النوفليين لأن المسور نوفلي، كذا قال، والمسور زهري لا نوفلي، قال‏:‏ أو كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب رفاهية خاطر فاطمة عليها السلام فأنا أيضا أحب رفاهية خاطرك لكونك ابن ابنها فأعطني السيف حتى أحفظه لك قلت‏:‏ وهذا الأخير هو المعتمد وما قبله ظاهر التكلف، وسأذكر إشكالا يتعلق بذلك في كتاب المناقب إن شاء الله تعالى

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ مُنْذِرٍ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ لَوْ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَاكِرًا عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرَهُ يَوْمَ جَاءَهُ نَاسٌ فَشَكَوْا سُعَاةَ عُثْمَانَ فَقَالَ لِي عَلِيٌّ اذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمُرْ سُعَاتَكَ يَعْمَلُونَ فِيهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ أَغْنِهَا عَنَّا فَأَتَيْتُ بِهَا عَلِيًّا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ضَعْهَا حَيْثُ أَخَذْتَهَا قَالَ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ قَالَ سَمِعْتُ مُنْذِرًا الثَّوْرِيَّ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ أَرْسَلَنِي أَبِي خُذْ هَذَا الْكِتَابَ فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى عُثْمَانَ فَإِنَّ فِيهِ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن سوقة‏)‏ بضم المهملة وسكون الواو ثقة عابد مشهور، وهو وشيخه منذر بن يعلى أبو يعلى الثوري كوفيان قرينان من صغار التابعين قوله‏:‏ ‏(‏لو كان علي ذاكرا عثمان‏)‏ زاد الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن قتيبة ‏"‏ ذاكرا عثمان بسوء ‏"‏ وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن محمد بن سوقة ‏"‏ حدثني منذر قال‏:‏ كنا عند ابن الحنفية فنال بعض القوم من عثمان فقال‏:‏ مه، فقلنا له أكان أبوك يسب عثمان‏؟‏ فقال ما سبه، ولو سبه يوما لسبه يوم جئته ‏"‏ فذكره قوله‏:‏ ‏(‏جاءه ناس فشكوا سعاة عثمان‏)‏ لم أقف على تعيين الشاكي ولا المشكو والسعاة جمع ساع وهو العامل الذي يسعى في استخراج الصدقة ممن تجب عليه ويحملها إلى الإمام قوله‏:‏ ‏(‏فقال لي علي‏:‏ اذهب إلى عثمان فأخبره أنها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي أن الصحيفة التي أرسل بها إلى عثمان مكتوب فيها بيان مصارف الصدقات، وقد بين في الرواية الثانية أنه قال له ‏"‏ خذ هذا الكتاب فإن فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقة ‏"‏ وفي رواية ابن أبي شيبة ‏"‏ خذ كتاب السعاة فاذهب به إلى عثمان ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏أغنها‏)‏ بهمزة مفتوحة ومعجمة ساكنة وكسر النون أي اصرفها تقول‏:‏ أغن وجهك عني أي اصرفه، ومثله قوله‏:‏ ‏(‏لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه‏)‏ أي يصده ويصرفه عن غيره، ويقال قوله ‏"‏ اغنها عنا ‏"‏ بألف وصل من الثلاثي وهي كلمة معناها الترك والإعراض، ومنه ‏(‏واستغنى الله‏)‏ أي تركهم الله لأن كل من استغنى عن شيء تركه تقول غني فلان عن كذا فهو غان بوزن علم فهو عالم‏.‏

وفي رواية ابن أبي شيبة ‏"‏ لا حاجة لنا فيه ‏"‏ وقيل كان علم ذلك عند عثمان فاستغنى عن النظر في الصحيفة‏.‏

وقال الحميدي في ‏"‏ الجمع ‏"‏‏:‏ قال بعض الرواة عن ابن عيينة‏:‏ لم يجد علي بدا حين كان عنده علم منه أن ينهيه إليه، ونرى أن عثمان إنما رده لأن عنده علما من ذلك فاستغنى عنه، ويستفاد من الحديث بذل النصيحة للأمراء وكشف أحوال من يقع منه الفساد من أتباعهم وللإمام التنقيب عن ذلك ويحتمل أن يكون عثمان لم يثبت عنده ما طعن به على سعاته، أو ثبت عنده وكان التدبير يقتضي تأخير الإنكار، أو كان الذي أنكره من المستحبات لا من الواجبات ولذلك عذره علي ولم يذكره بسوء قوله‏:‏ ‏(‏فأخبرته فقال‏:‏ ضعها حيث أخذتها‏)‏ في رواية ابن أبي شيبة ‏"‏ ضعه موضعه ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحميدي إلخ‏)‏ هو في ‏"‏ كتاب النوادر ‏"‏ له بهذا الإسناد، والحميدي من شيوخ البخاري في الفقه والحديث كما تقدم في أول هذا الكتاب وأراد بروايته هذه بيان تصريح سفيان بالتحديث، وكذا التصريح بسماع محمد بن سوقة من منذر، ولم أقف في شيء من طرقه على تعيين ما كان في الصحيفة، لكن أخرج الخطابي في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ من طريق عطية عن ابن عمر قال ‏"‏ بعث علي إلى عثمان بصحيفة فيها‏:‏ لا تأخذوا الصدقة من الرخة ولا من النخة ‏"‏ قال الخطابي‏:‏ النخة بنون ومعجمة أولا الغنم، والرخة براء ومعجمة أيضا أولاد الإبل انتهى وسنده ضعيف لكنه مما يحتمل

*3*باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِنَوَائِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَسَاكِينِ

وَإِيثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الصُّفَّةِ وَالْأَرَامِلَ حِينَ سَأَلَتْهُ فَاطِمَةُ وَشَكَتْ إِلَيْهِ الطَّحْنَ وَالرَّحَى أَنْ يُخْدِمَهَا مِنْ السَّبْيِ فَوَكَلَهَا إِلَى اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الدليل على أن الخمس‏)‏ أي خمس الغنيمة ‏(‏لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمساكين‏)‏ النوائب جمع نائبة وهو ما ينوب الإنسان من الأمر الحادث ‏(‏وإيثار النبي صلى الله عليه وسلم أهل الصفة والأرامل حين سألته فاطمة وشكت إليه الطحن‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ والطحين ‏"‏ ‏(‏والرحى أن يخدمها من السبي، فوكلها إلى الله تعالى‏)‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا عَلِيٌّ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ الرَّحَى مِمَّا تَطْحَنُ فَبَلَغَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَبْيٍ فَأَتَتْهُ تَسْأَلُهُ خَادِمًا فَلَمْ تُوَافِقْهُ فَذَكَرَتْ لِعَائِشَةَ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لَهُ فَأَتَانَا وَقَدْ دَخَلْنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْنَا لِنَقُومَ فَقَالَ عَلَى مَكَانِكُمَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي فَقَالَ أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَكَبِّرَا اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمَا مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ

الشرح‏:‏

حديث علي ‏"‏ أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن، فبلغها أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسبي، فأتته تسأله خادما ‏"‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ ألا أدلكما على خير مما سألتما ‏"‏ فذكر الذكر عند النوم، وسيأتي شرحه في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى، وليس فيه ذكر أهل الصفة ولا الأرامل، وكأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كعادته، وهو ما أخرجه أحمد من وجه آخر عن علي في هذه القصة مطولا وفيه ‏"‏ والله لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم ‏"‏ وفي حديث الفضل بن الحسن الضمري عن ضباعة أو أم الحكم بنت الزبير قالت ‏"‏ أصاب النبي صلى الله عليه وسلم سبيا، فذهبت أنا وأختي فاطمة نسأله، فقال سبقكما يتامى بدر ‏"‏ الحديث أخرجه أبو داود، وتقدم من حديث ابن عمر في الهبة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة أن ترسل الستر إلى أهل بيت بهم حاجة ‏"‏ قال إسماعيل القاضي‏:‏ هذا الحديث يدل على أن للإمام أن يقسم الخمس حيث يرى، لأن الأربعة الأخماس استحقاق للغانمين، والذي يختص بالإمام هو الخمس، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم ابنته وأعز الناس عليه من أقربيه وصرفه إلى غيرهم‏.‏

وقال نحوه الطبري‏:‏ لو كان سهم ذوي القربى قسما مفروضا لأخدم ابنته ولم يكن ليدع شيئا اختاره الله لها وامتن به على ذوي القربى، وكذا قال الطحاوي وزاد‏:‏ وأن أبا بكر وعمر أخذا بذلك وقسما جميع الخمس ولم يجعلا لذوي القربى منه حقا مخصوصا به بل بحسب ما يرى الإمام، وكذلك فعل علي قلت‏:‏ في الاستدلال بحديث علي هذا نظر، لأنه يحتمل أن يكون ذلك من الفيء، وأما خمس الخمس من الغنيمة فقد روى أبو داود من طريق عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن علي قال ‏"‏ قلت يا رسول الله إن رأيت أن توليني حقنا من هذا الخمس ‏"‏ الحديث، وله من وجه آخر عنه ‏"‏ ولأني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس فوضعته مواضعه حياته ‏"‏ الحديث، فيحتمل أن تكون قصة فاطمة وقعت قبل فرض الخمس والله أعلم وهو بعيد، لأن قوله تعالى ‏(‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه‏)‏ الآية نزلت في غزوة بدر، وقد مضي قريبا أن الصحابة أخرجوا الخمس من أول غنيمة غنموها من المشركين فيحتمل أن حصة خمس الخمس - وهو حق ذوي القربى من الفيء المذكور - لم يبلغ قدر الرأس الذي طلبته فاطمة فكان حقها من ذلك يسيرا جدا، يلزم منه أن لو أعطاها الرأس أثر في حق بقية المستحقين ممن ذكر وقال المهلب‏:‏ في هذا الحديث أن للإمام أن يؤثر بعض مستحقي الخمس على بعض، ويعطي الأوكد فالأوكد ويستفاد من الحديث حمل الإنسان أهله على ما يحمل عليه نفسه من التقلل والزهد في الدنيا والقنوع بما أعد الله لأوليائه الصابرين في الآخرة قلت‏:‏ وهذا كله بناء على ما يقتضيه ظاهر الترجمة، وأما مع الاحتمال الذي ذكرته أخيرا فلا يمكن أن يؤخذ من ذكر الإيثار عدم وقوع الاشتراك في الشيء، ففي ترك القسمة وإعطاء أحد المستحقين دون الآخر إيثار الآخذ على الممنوع، فلا يلزم منه نفي الاستحقاق وسيأتي مزيد في هذه المسألة بعد ثمانية أبواب

*3*باب قَوْلِ اللَّه تَعَالَى فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ

يَعْنِي لِلرَّسُولِ قَسْمَ ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَخَازِنٌ وَاللَّهُ يُعْطِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله تعالى ‏(‏فأن لله خمسه وللرسول‏)‏ يعني وللرسول قسم ذلك‏)‏ هذا اختيار منه لأحد الأقوال في تفسير هذه الآية، والأكثر على أن اللام في قوله ‏"‏ الرسول ‏"‏ للملك، وأن للرسول خمس الخمس من الغنيمة سواء حضر القتال أو لم يحضر، وهل كان يملكه أو لا‏؟‏ وجهان للشافعية، ومال البخاري إلى الثاني واستدل له قال إسماعيل القاضي‏:‏ لا حجة لمن ادعى أن الخمس يملكه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى ‏(‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول‏)‏ لأنه تعالى قال ‏(‏يسألونك عن الأنفال، قل الأنفال لله والرسول‏)‏ واتفقوا على أنه قبل فرض الخمس كان يعطي الغنيمة للغانمين بحسب ما يؤدي إليه اجتهاده، فلما فرض الخمس تبين للغانمين أربعة أخماس الغنيمة لا يشاركهم فيها أحد، وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم بنسبة الخمس إليه إشارة إلى أنه ليس للغانمين فيه حق بل هو مفوض إلى رأيه، وكذلك إلى الإمام بعده، وقد تقدم نقل الخلاف فيه في الباب الأول وأجمعوا على أن اللام في قوله تعالى ‏(‏لله‏)‏ للتبرك إلا ما جاء عن أبي العالية فإنه قال‏:‏ تقسم الغنيمة خمسة أسهم ثم السهم الأول يقسم قسمين قسم لله وهو للفقراء وقسم الرسول له، وأما من بعده فيضعه الإمام حيث يراه قوله‏:‏ ‏(‏وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنما أنا قاسم وخازن، والله يعطي‏)‏ لم يقع هذا اللفظ في سياق واحد، وإنما هو مأخوذ من حديثين‏:‏ أما حديث ‏"‏ إنما أنا قاسم ‏"‏ فهو طرف من حديث أبي هريرة المذكور في الباب، وتقدم في العلم من حديث معاوية بلفظ ‏"‏ وإنما أنا قاسم والله يعطي ‏"‏ في أثناء حديث وأما حديث ‏"‏ إنما أنا خازن والله يعطي ‏"‏ فهو طرف من حديث معاوية المذكور، ويأتي موصولا في الاعتصام بهذا اللفظ ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ وَمَنْصُورٍ وَقَتَادَةَ سَمِعُوا سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا مِنْ الْأَنْصَارِ غُلَامٌ فَأَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا قَالَ شُعْبَةُ فِي حَدِيثِ مَنْصُورٍ إِنَّ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ حَمَلْتُهُ عَلَى عُنُقِي فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ وُلِدَ لَهُ غُلَامٌ فَأَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا قَالَ سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي فَإِنِّي إِنَّمَا جُعِلْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ وَقَالَ حُصَيْنٌ بُعِثْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ قَالَ عَمْرٌو أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ سَالِمًا عَنْ جَابِرٍ أَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ الْقَاسِمَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سليمان‏)‏ هو الأعمش، وبين البخاري الاختلاف على شعبة‏:‏ هل أراد الأنصاري أن يسمي ابنه محمدا أو القاسم، وأشار إلى ترجح أنه أراد أن يسميه القاسم برواية سفيان - وهو الثوري - له عن الأعمش فسماه القاسم، ويترجح أنه أيضا من حيث المعنى لأنه لم يقع الإنكار من الأنصار عليه إلا حيث لزم من تسمية ولده القاسم أن يصير يكنى أبا القاسم، وسيأتي البحث في هذه المسألة في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى قوله‏:‏ ‏(‏قال شعبة في حديث منصور إن الأنصاري قال‏:‏ حملته على عنقي‏)‏ هذا يقتضي أن يكون الحديث من رواية جابر عن الأنصاري، بخلاف رواية غيره فإنها من مسند جابر قوله‏:‏ ‏(‏وقال حصين بعثت قاسما أقسم بينكم‏)‏ هو من رواية شعبة عن حصين أيضا كما سيأتي في الأدب قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمرو‏)‏ هو ابن مرزوق وهو من شيوخ البخاري، وطريقه هذه وصلها أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ وكأن شعبة كان تارة يحدث به عن بعض مشايخه دون بعض وتارة يجمعهم ويفصل ألفاظهم، وقوله ‏"‏لا تكنوا ‏"‏ وقع في رواية الكشميهني ‏"‏ ولا تكنوا ‏"‏ بفتح الكاف وتشديد النون‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلَامٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ لَا نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ وَلَا نُنْعِمُكَ عَيْنًا فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ الْقَاسِمَ فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ لَا نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ وَلَا نُنْعِمُكَ عَيْنًا

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَتْ الْأَنْصَارُ سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ

الشرح‏:‏

قوله في رواية سفيان عن الأعمش ‏"‏ لا نكنيك ولا ننعمك عينا ‏"‏ وقع في رواية الكشميهني بالجزم فيهما في الموضعين، ومعنى قوله ‏"‏ لا ننعمك عينا ‏"‏ لا نكرمك ولا تقر عينك بذلك، وسيأتي في الأدب من الزيادة من وجه آخر عن جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأنصاري‏:‏ سم ابنك عبد الرحمن‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ وَلَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ

الشرح‏:‏

حديث معاوية، وهو يشتمل على ثلاثة أحكام ‏"‏ من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ‏"‏ وقد تقدم شرح صدره في كتاب العلم، ويأتي شرح الأخير منه في الاعتصام، والغرض منه قوله ‏"‏ والله المعطي وأنا القاسم ‏"‏ وهذا مطابق لأحاديث الباب

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلَالٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا أُعْطِيكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أعطيكم ولا أمنعكم‏)‏ في رواية أحمد عن شريح بن النعمان عن فليح في أوله ‏"‏ والله المعطي ‏"‏ والمعنى لا أتصرف فيكم بعطية ولا منع برأيي، وقوله ‏"‏إنما أنا القاسم أضع حيث أمرت ‏"‏ أي لا أعطي أحدا ولا أمنع أحدا إلا بأمر الله، وقد أخرجه أبو داود من طريق همام عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ إن أنا إلا خازن‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ أَبِي عَيَّاشٍ وَاسْمُهُ نُعْمَانُ عَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن يزيد‏)‏ هو أبو عبد الرحمن المقري قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سعيد‏)‏ زاد المستملي ‏"‏ ابن أبي أيوب ‏"‏ وأبو الأسود هو النوفلي الذي يقال له يتيم عروة، والنعمان بن أبي عياش بالتحتانية والمعجمة أنصاري، وهو زرقي، وبذلك وصفه الدورقي، واسم أبي عياش عبيد، وقيل زيد بن معاوية بن الصامت قوله‏:‏ ‏(‏عن خولة الأنصارية‏)‏ في رواية الإسماعيلي بنت ثامر الأنصارية، وزاد في أوله ‏"‏ الدنيا خضرة حلوة، وإن رجالا ‏"‏ وأخرجه الترمذي من طريق سعيد المقبري عن أبي الوليد سمعت خولة بنت قيس وكانت تحت حمزة بن عبد المطلب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ إن هذا المال خضرة حلوة، من أصابه بحقه بورك له فيه، ورب متخوض فيما شاءت نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حسن صحيح، وأبو الوليد اسمه عبيد قلت‏:‏ فرق غير واحد بين خولة بنت ثامر وبين خولة بنت قيس، وقيل إن قيس بن قهد بالقاف لقبه ثامر وبذلك جزم علي بن المديني، فعلى هذا فهي واحدة، وقوله ‏"‏خضرة ‏"‏ أنت على تأويل الغنيمة بدليل قوله ‏"‏ من مال الله ‏"‏ ويحتمل ما هو أعم من ذلك وقوله ‏"‏ خضرة ‏"‏ أي مشتهاة، والنفوس تميل إلى ذلك وقوله ‏"‏ من مال الله ‏"‏ مظهر أقيم مقام المضمر إشعارا بأنه لا ينبغي التخوض في مال الله ورسوله والتصرف فيه بمجرد التشهي، وقوله ‏"‏ليس له يوم القيامة إلا النار ‏"‏ حكم مرتب على الوصف المناسب وهو الخوض في مال الله، ففيه إشعار بالغلبة قوله‏:‏ ‏(‏يتخوضون‏)‏ بالمعجمتين ‏(‏في مال الله بغير حق‏)‏ أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل، وهو أعم من أن يكون بالقسمة وبغيرها، وبذلك تناسب الترجمة ‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال الكرماني مناسبة حديث خولة للترجمة خفية، ويمكن أن تؤخذ من قوله ‏"‏ يتخوضون في مال الله بغير حق ‏"‏ أي بغير قسمة حق، واللفظ وإن كان عاما لكن خصصناه بالقسمة لتفهم منه الترجمة قلت‏:‏ ولا تحتاج إلى قيد الاعتذار لأن قوله ‏"‏ بغير ‏"‏ يدخل في عمومه الصورة المذكورة فيصح الاحتجاج به على شرطية القسمة في أموال الفيء والغنيمة بحكم العدل واتباع ما ورد في الكتاب والسنة، وكأن المصنف أراد بإيراده تخويف من يخالف ذلك ويستفاد من هذه الأحاديث أن بين الاسم والمسمى به مناسبة، لكن لا يلزم إطراد ذلك، وأن من أخذ من الغنائم شيئا بغير قسم الإمام كان عاصيا وفيه ردع الولاة أن يأخذوا من المال شيئا بغير حقه أو يمنعوه من أهله

*3*باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحِلَّتْ لَكُمْ الْغَنَائِمُ

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَهِيَ لِلْعَامَّةِ حَتَّى يُبَيِّنَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم أحلت لكم الغنائم‏)‏ كذا للجميع، ووقع عند ابن التين ‏"‏ أحلت لي ‏"‏ وهو أشبه، لأنه ذكر بهذا اللفظ في هذا الباب، وهذا الثاني طرف من حديث جابر الماضي في التيمم، وقد تقدم بيان ما كان من قبلنا يصنع في الغنيمة قوله‏:‏ ‏(‏وقال الله عز وجل ‏(‏وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها‏)‏ الآية‏)‏ هذه الآية نزلت في أهل الحديبية بالاتفاق، ولما انصرفوا من الحديبية فتحوا خيبر كما سيأتي في مكانه قوله‏:‏ ‏(‏فهي للعامة‏)‏ أي الغنيمة لعموم المسلمين ممن قاتل قوله‏:‏ ‏(‏حتى يبينه الرسول‏)‏ أي حتى يبين الرسول من يستحق ذلك ممن لا يستحقه، وقد وقع بيان ذلك بقوله تعالى ‏(‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه‏)‏ الآية، ثم ذكر فيه ستة أحاديث‏:‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

الشرح‏:‏

حديث عروة البارقي في الخيل، وقد تقدم الكلام عليه في الجهاد، والغرض منه قوله في آخره ‏"‏ الأجر والمغنم‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وسيأتي الكلام عليه في علامات النبوة، والغرض منه قوله ‏"‏ لتنفقن كنوزهما في سبيل الله ‏"‏ وقد أنفقت كنوزهما في المغانم

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ سَمِعَ جَرِيرًا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

حديث جابر بن سمرة مثله، وإسحاق هو ابن راهويه وجرير هو ابن عبد الحميد وعبد الملك هو ابن عمير وذكر أبو علي الجياني أنه لم ير إسحاق هذا منسوبا لأحد من الرواة، لكن وجدناه بعده في مسند إسحاق بهذا السياق، فغلب على الظن أنه المراد

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ

الشرح‏:‏

حديث جابر بن عبد الله ذكره مختصرا بلفظ ‏"‏ أحلت لي الغنائم ‏"‏ وقد تقدم شرحه مستوفى في التيمم

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ تكفل الله لمن جاهد في سبيله ‏"‏ وقد تقدم شرحه في أوائل الجهاد، والغرض منه قوله في آخره ‏"‏ من أجر أو غنيمة‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا وَلَا أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا وَلَا أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلَادَهَا فَغَزَا فَدَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ صَلَاةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلشَّمْسِ إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ فَجَاءَتْ يَعْنِي النَّارَ لِتَأْكُلَهَا فَلَمْ تَطْعَمْهَا فَقَالَ إِنَّ فِيكُمْ غُلُولًا فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمْ الْغُلُولُ فَلْيُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمْ الْغُلُولُ فَجَاءُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ الذَّهَبِ فَوَضَعُوهَا فَجَاءَتْ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الْغَنَائِمَ رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا

الشرح‏:‏

حديثه في قصة النبي الذي غزا القرية قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن المبارك‏)‏ كذا في جميع الروايات، لكن قال أبو نعيم في المستخرج ‏"‏ أخرجه البخاري عن محمد بن العلاء عن ابن المبارك أو غيره ‏"‏ وهذا الشك إنما هو من أبي نعيم، فقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى عن محمد بن العلاء عن ابن المبارك وحده به قوله‏:‏ ‏(‏غزا نبي من الأنبياء‏)‏ أي أراد أن يغزو، وهذا النبي هو يوشع بن نون كما رواه الحاكم من طريق كعب الأحبار وبين تسمية القرية كما سيأتي، وقد ورد أصله من طريق مرفوعة صحيحة أخرجها أحمد من طريق هشام عن محمد بن سيربن عن أبي هريرة قال ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس ‏"‏ وأغرب ابن بطال فقال في ‏"‏ باب استئذان الرجل الإمام ‏"‏‏:‏ في هذا المعنى حديث لداود عليه الصلاة والسلام أنه قال في غزوة خرج إليها ‏"‏ لا يتبعني من ملك بضع امرأة ولم يبن بها، أو بنى دارا ولم يسكنها ‏"‏ ولم أقف على ما ذكره مسندا، لكن أخرج الخطيب في ‏"‏ ذم النجوم ‏"‏ له من طريق أبي حذيفة والبخاري في ‏"‏ المبتدأ ‏"‏ له بإسناد له عن علي قال ‏"‏ سأل قوم يوشع منه أن يطلعهم على بدء الخلق وآجالهم، فأراهم ذلك في ماء من غمامة أمطرها الله عليهم، فكان أحدهم يعلم متى يموت، فبقوا على ذلك إلى أن قاتلهم داود على الكفر، فأخرجوا إلى داود من لم يحضر أجله فكان يقتل من أصحاب داود ولا يقتل منهم، فشكى إلى الله ودعاه فحبست عليهم الشمس فزيد في النهار فاختلطت الزيادة بالليل والنهار، فاختلط عليهم حسابهم ‏"‏ قلت‏:‏ وإسناده ضعيف جدا، وحديث أبي هريرة المشار إليه عند أحمد أولى، فإن رجال إسناده محتج بهم في الصحيح، فالمعتمد أنها لم تحبس إلا ليوشع، ولا يعارضه ما ذكره ابن إسحاق في ‏"‏ المبتدأ ‏"‏ من طريق يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه ‏"‏ أن الله لما أمر موسى بالمسير ببني إسرائيل أمره أن يحمل تابوت يوسف فلم يدل عليه حتى كاد الفجر أن يطلع، وكان وعد بني إسرائيل أن يسير بهم إذا طلع الفجر، فدعا ربه أن يؤخر الطلوع حتى فرغ من أمر يوسف ففعل، لأن الحصر إنما وقع في حق يوشع بطلوع الشمس فلا ينفي أن يحبس طلوع الفجر لغيره، وقد اشتهر حبس الشمس ليوشع حتى قال أبو تمام في قصيدة‏:‏ فوالله لا أدري أأحلام نائم ألمت بنا أم كان في الركب يوشع ولا يعارضه أيضا ما ذكره يونس بن بكير في زياداته في مغازي ابن إسحاق ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر قريشا صبيحة الإسراء أنه رأى العير التي لهم وأنها تقدم مع شروق الشمس، فدعا الله فحبست الشمس حتى دخلت العير ‏"‏ وهذا منقطع، لكن وقع في ‏"‏ الأوسط للطبراني ‏"‏ من حديث جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار ‏"‏ وإسناده حسن، ووجه الجمع أن الحصر محمول على ما مضى للأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم فلم تحبس الشمس إلا ليوشع وليس فيه نفي أنها تحبس بعد ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم وروى الطحاوي والطبراني في ‏"‏ الكبير ‏"‏ والحاكم والبيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ عن أسماء بنت عميس أنه صلى الله عليه وسلم دعا لما نام على ركبة علي ففاتته صلاة العصر فردت الشمس حتى صلى علي ثم غربت، وهذا أبلغ في المعجزة وقد أخطأ ابن الجوزي بإيراده له في ‏"‏ الموضوعات ‏"‏ وكذا ابن تيمية في ‏"‏ كتاب الرد على الروافض ‏"‏ في زعم وضعه والله أعلم وأما ما حكى عياض أن الشمس ردت للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق لما شغلوا عن صلاة العصر حتى غربت الشمس فردها الله عليه حتى صلى العصر - كذا قال وعزاه للطحاوي، والذي رأيته في ‏"‏ مشكل الآثار للطحاوي ‏"‏ ما قدمت ذكره من حديث أسماء فإن ثبت ما قال فهذه قصة ثالثة والله أعلم وجاء أيضا أنها حبست لموسى لما حمل تابوت يوسف كما تقدم قريبا وجاء أيضا أنها حبست لسليمان بن داود عليهما السلام وهو فيما ذكره الثعلبي ثم البغوي عن ابن عباس قال ‏"‏ قال لي علي‏:‏ ما بلغك في قول الله تعالى حكاية عن سليمان عليه الصلاة والسلام ‏(‏ردوها علي‏)‏ ‏؟‏ فقلت‏:‏ قال لي كعب‏:‏ كانت أربعة عشر فرسا عرضها، فغابت الشمس قبل أن يصلي العصر، فأمر بردها فضرب سوقها وأعناقها بالسيف فقتلها، فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما لأنه ظلم الخيل بقتلها، فقال علي‏:‏ كذب كعب، وإنما أراد سليمان جهاد عدوه فتشاغل بعرض الخيل حتى غابت الشمس فقال للملائكة الموكلين بالشمس بإذن الله لهم‏:‏ ردوها علي، فردوها عليه حتى صلى العصر في وقتها، وأن أنبياء الله لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم قلت‏:‏ أورد هذا الأثر جماعة ساكتين عليه جازمين بقولهم ‏"‏ قال ابن عباس قلت لعلي ‏"‏ وهذا لا يثبت عن ابن عباس ولا عن غيره، والثابت عن جمهور أهل العلم بالتفسير من الصحابة ومن بعدهم أن الضمير المؤنث في قوله‏:‏ ‏(‏ردوها‏)‏ للخيل والله أعلم قوله‏:‏ ‏(‏بضع امرأة‏)‏ بضم الموحدة وسكون المعجمة البضع يطلق على الفرج والتزويج والجماع، والمعاني الثلاثة لائقة هنا، ويطلق أيضا على المهر وعلى الطلاق‏.‏

وقال الجوهري‏:‏ قال ابن السكيت البضع النكاح يقال ملك فلان بضع فلانة قوله‏:‏ ‏(‏ولما يبن بها‏)‏ أي ولم يدخل عليها لكن التعبير بلما يشعر بتوقع ذلك قاله الزمخشري في قوله تعالى ‏(‏ولما يدخل الإيمان في قلوبكم‏)‏ ووقع في رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عند النسائي وأبي عوانة وابن حبان ‏"‏ لا ينبغي لرجل بنى دارا ولم يسكنها أو تزوج امرأة ولم يدخل بها ‏"‏ وفي التقييد بعدم الدخول ما يفهم أن الأمر بعد الدخول بخلاف ذلك فلا يخفى فرق بين الأمرين، وإن كان بعد الدخول ربما استمر تعلق القلب، لكن ليس هو كما قبل الدخول غالبا قوله‏:‏ ‏(‏ولم يرفع سقوفها‏)‏ في صحيح مسلم ومسند أحمد ‏"‏ ولما يرفع سقفها ‏"‏ وهو بضم القاف والفاء لتوافق هذه الرواية، ووهم من ضبط بالإسكان وتكلف في توجيه الضمير المؤنث للسقف قوله‏:‏ ‏(‏أو خلفات‏)‏ بفتح المعجمة وكسر اللام بعدها فاء خفيفة جمع خلفة وهي الحامل من النوق، وقد يطلق على غير النوق، و ‏"‏ أو ‏"‏ في قوله غنما أو خلفات للتنويع ويكون قد حذف وصف الغنم بالحمل لدلالة الثاني عليه، أو هو على إطلاقه لأن الغنم يقل صبرها فيخشى عليها الضياع بخلاف النوق فلا يخشى عليها إلا مع الحمل، ويحتمل أن يكون قوله ‏"‏ أو ‏"‏ للشك أي هل قال غنما بغير صفة أو خلفات أي بصفة أنها حوامل، كذا قال بعض الشراح، والمعتمد أنها للتنويع، فقد وقع في رواية أبي يعلى عن محمد بن العلاء ‏"‏ ولا رجل له غنم أو بقر أو خلفات ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهو ينتظر ولادها‏)‏ بكسر الواو وهو مصدر ولد ولادا وولادة قوله‏:‏ ‏(‏فغزا‏)‏ أي بمن تبعه ممن لم يتصف بتلك الصفة قوله‏:‏ ‏(‏فدنا من القرية‏)‏ هي أريحا بفتح الهمزة وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ومهملة مع القصر، سماها الحاكم في روايته عن كعب‏.‏

وفي رواية مسلم ‏"‏ فأدنى للقرية ‏"‏ أي قرب جيوشه لها قوله‏:‏ ‏(‏فقال للشمس إنك مأمورة‏)‏ في رواية سعيد بن المسيب ‏"‏ فلقي العدو عند غيبوبة الشمس ‏"‏ وبين الحاكم في روايته عن كعب سبب ذلك فإنه قال ‏"‏ أنه وصل إلى القرية وقت عصر يوم الجمعة، فكادت الشمس أن تغرب ويدخل الليل ‏"‏ وبهذا يتبين معنى قوله ‏"‏ وأنا مأمور ‏"‏ والفرق بين المأمورين أن أمر الجمادات أمر تسخير وأمر العقلاء أمر تكليف، وخطابه للشمس يحتمل أن يكون على حقيقته وأن الله تعالى خلق فيها تمييزا وإدراكا كما سيأتي البحث فيه في الفتن في سجودها تحت العرش واستئذانها من أن تطلع، ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل استحضاره في النفس لما تقرر أنه لا يمكن تحولها عن عادتها إلا بخرق العادة، وهو نحو قول الشاعر شكى إلي جملي طول السرى ومن ثم قال ‏"‏ اللهم احبسها ‏"‏ ويؤيد الاحتمال الثاني أن في رواية سعيد بن المسيب فقال ‏"‏ اللهم إنها مأمورة وإني مأمور فاحبسها علي حتى تقضي بيني وبينهم، فحبسها الله عليه ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏اللهم احبسها علينا‏)‏ في رواية أحمد ‏"‏ اللهم احبسها علي شيئا ‏"‏ وهو منصوب نصب المصدر، أي قدر ما تنقضي حاجتنا من فتح البلد، قال عياض‏:‏ اختلف في حبس الشمس هنا، فقيل ردت على أدراجها، وقيل وقفت، وقيل بطئت حركتها، وكل ذلك محتمل والثالث أرجح عند ابن بطال وغيره ووقع في ترجمة هارون بن يوسف الرمادي أن ذلك كان في رابع عشر حزيران وحينئذ يكون النهار في غاية الطول قوله‏:‏ ‏(‏فحبست حتى فتح الله عليه‏)‏ في رواية أبي يعلى ‏"‏ فواقع القوم فظفر ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏فجمع الغنائم فجاءت يعني النار‏)‏ في رواية عبد الرزاق عند أحمد ومسلم ‏"‏ فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار ‏"‏ زاد في رواية سعيد بن المسيب ‏"‏ وكانوا إذا غنموا غنيمة بعث الله عليها النار فتأكلها ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏فلم تطعمها‏)‏ أي لم تذق لها طعما، وهو بطريق المبالغة قوله‏:‏ ‏(‏فقال إن فيكم غلولا‏)‏ هو السرقة من الغنيمة كما تقدم قوله‏:‏ ‏(‏فليبايعني من كل قبيلة رجل فلزقت‏)‏ فيه حذف يظهر من سياق الكلام أي فبايعوه فلزقت قوله‏:‏ ‏(‏فلزقت يد رجلين أو ثلاثة‏)‏ في رواية أبي يعلى ‏"‏ فلزقت يد رجل أو رجلين ‏"‏ وفي رواية سعيد ابن المسيب ‏"‏ رجلان ‏"‏ بالجزم، قال ابن المنير جعل الله علامة الغلول إلزاق يد الغال، وفيه تنبيه على أنها يد عليها حق يطلب أن يتخلص منه، أو أنها يد ينبغي أن يضرب عليها ويحبس صاحبها حتى يؤدي الحق إلى الإمام، وهو من جنس شهادة اليد على صاحبها يوم القيامة قوله‏:‏ ‏(‏فيكم الغلول‏)‏ زاد في رواية سعيد بن المسيب ‏"‏ فقالا أجل غللنا ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعوها، فجاءت النار فأكلتها ثم أحل الله لنا الغنائم‏)‏ في رواية النسائي ‏"‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك‏:‏ أن الله أطعمنا الغنائم رحمة رحمناها وتخفيفا خففه عنا ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا‏)‏ في رواية سعيد بن المسيب ‏"‏ لما رأى من ضعفنا ‏"‏ وفيه إشعار بأن إظهار العجز بين يدي الله تعالى يستوجب ثبوت الفضل، وفيه اختصاص هذه الأمة بحل الغنيمة وكان ابتداء ذلك من غزوة بدر وفيها نزل قوله تعالى ‏(‏فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا‏)‏ فأحل الله لهم الغنيمة، وقد ثبت ذلك في الصحيح من حديث ابن عباس، وقد قدمت في أوائل فرض الخمس أن أول غنيمة خمست غنيمة السرية التي خرج فيها عبد الله بن جحش، وذلك قبل بدر بشهرين، ويمكن الجمح بما ذكر ابن سعد أنه صلى الله عليه وسلم أخر غنيمة تلك السرية حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم بدر قال المهلب‏:‏ في هذا الحديث أن فتن الدنيا تدعو النفس إلى الهلع ومحبة البقاء، لأن من ملك بضع امرأة ولم يدخل بها أو دخل بها وكان على قرب من ذلك فإن قلبه متعلق بالرجوع إليها ويجد الشيطان السبيل إلى شغل قلبه عما هو عليه من الطاعة، وكذلك غير المرأة من أحوال الدنيا، وهو كما قال، لكن تقدم ما يعكر على إلحاقه بما بعد الدخول وإن لم يطل بما قبله، ويدل على التعميم في الأمور الدنيوية ما وقع في رواية سعيد بن المسيب من الزيادة ‏"‏ أو له حاجة في الرجوع ‏"‏ وفيه أن الأمور المهمة لا ينبغي أن تفوض إلا لحازم فارغ البال لها، لأن من له تعلق ربما ضعفت عزيمته وقلت رغبته في الطاعة، والقلب إذا تفرق ضعف فعل الجوارح وإذا اجتمع قوي وفيه أن من مضى كانوا يغزون ويأخذون أموال أعدائهم وأسلابهم، لكن لا يتصرفون فيها بل يجمعونها، وعلامة قبول غزوهم ذلك أن تنزل النار من السماء فتأكلها، وعلامة عدم قبوله أن لا تنزل ومن أسباب عدم القبول أن يقع فيهم الغلول، وقد من الله على هذه الأمة ورحمها لشرف نبيها عنده فأحل لهم الغنيمة، وستر عليهم الغلول، فطوى عنهم فضيحة أمر عدم القبول، فلله الحمد على نعمه تترى ودخل في عموم أكل النار الغنيمة والسبي،

وفيه بعد لأن مقتضاه إهلاك الذرية ومن لم يقاتل من النساء، ويمكن أن يستثنوا من ذلك، ويلزم استثناؤهم من تحريم الغنائم عليهم، ويؤيده أنهم كانت لهم عبيد وإماء فلو لم يجز لهم السبي لما كان لهم أرقاء ويشكل على الحصر أنه كان السارق يسترق كما في قصة يوسف،ولم أر من صرح بذلك وفيه معاقبة الجماعة بفعل سفهائها وفيه أن أحكام الأنبياء قد تكون بحسب الأمر الباطن كما في هذه القصة، وقد تكون بحسب الأمر الظاهر كما في حديث ‏"‏ إنكم تختصمون إلي ‏"‏ الحديث، واستدل به ابن بطال على جواز إحراق أموال المشركين، وتعقب بأن ذلك كان في تلك الشريعة وقد نسخ بحل الغنائم لهذه الأمة، وأجيب عنه بأنه لا يخفى عليه ذلك ولكنه استنبط من إحراق الغنيمة بأكل النار جواز إحراق أمواش الكفار إذا لم يوجد السبيل إلى أخذها غنيمة، وهو ظاهر لأن هذا القدر لم يرد التصريح بنسخة فهو محتمل على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخه واستدل به أيضا على أن قتال آخر النهار أفضل من أوله، وفيه نظر لأن ذلك في هذه القصة إنما وقع اتفاقا كما تقدم، نعم في قصة النعمان بن مقرن مع المغيرة بن شعبة في قتال الفرس التصريح باستحباب القتال حين تزول الشمس وتهب الرياح، فالاستدلال به يغني عن هذا

*3*باب الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ بالتنوين ‏(‏الغنيمة لمن شهد الوقعة‏)‏ هذا لفظ أثر أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن طارق بن شهاب ‏"‏ أن عمر كتب إلى عمار أن الغنيمة لمن شهد الوقعة ‏"‏ ذكره في قصة

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْلَا آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فَتَحْتُ قَرْيَةً إِلَّا قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا صدقة‏)‏ هو ابن الفضل وقد تقدم هذا الحديث سندا ومتنا في المزارعة، ووجه أخذه من الترجمة أن عمر في هذا الحديث أيضا قد صرح بما دل عليه هذا الأثر إلا أنه عارض عنده حسن النظر لآخر المسلمين فيما يتعلق بالأرض خاصة فوقفها على المسلمين وضرب عليها الخراج الذي يجمع مصلحتهم، وتأول قوله تعالى ‏(‏والذين جاءوا من بعدهم‏)‏ الآية، وروى أبو عبيد في ‏"‏ كتاب الأموال ‏"‏ من طريق ابن إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر ‏"‏ أنه أراد أن يقسم السواد، فشاور في ذلك، فقال له علي‏:‏ دعهم يكونوا مادة للمسلمين، فتركهم ‏"‏ ومن طريق عبد الله بن أبي قيس ‏"‏ أن عمر أراد قسمة الأرض، فقال له معاذ‏:‏ إن قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم يبتدرون فيصير إلى الرجل الواحد أو المرأة، ويأتي القوم يسدون من الإسلام مسدا فلا يجدون شيئا فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم، فاقتضى رأي عمر تأخير قسم الأرض، وضرب الخراج عليها للغانمين ولمن يجيء بعدهم ‏"‏ فبقي ما عدا ذلك على اختصاص الغانمين به وبه قال الجمهور وذهب أبو حنيفة إلى أن الجيش إذا فصلوا من دار الإسلام مددا لجيش آخر فوافوهم بعد الفتح أنهم يشتركون معهم في الغنيمة، واحتج بما قسم صلى الله عليه وسلم للأشعريين لما قدموا مع جعفر من خيبر، وبما قسم النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يحضر الوقعة كعثمان في بدر ونحو ذلك، فأما قصة الأشعريين فسيأتي سياقها في غزوة خيبر، والجواب عنها سيأتي بعد أبواب، وأما الجواب عن مثل قصة عثمان فأجاب الجمهور عنها بأجوبة‏:‏ أحدها أن ذلك خاص به لا بمن كان مثله، ثانيها أن ذلك حيث كانت الغنيمة كلها للنبي صلى الله عليه وسلم عند نزول ‏(‏يسألونك عن الأنفال‏)‏ ثم نزلت بعد ذلك ‏(‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول‏)‏ فصارت أربعة أخماس الغنيمة للغانمين ثالثها على تقدير أن يكون ذلك بعد فرض الخمس فهو محمول على أنه إعطاء من الخمس، وإلى ذلك جنح المصنف كما سيأتي رابعها التفرقة بين من كان في حاجة تتعلق بمنفعة الجيش أو بإذن الإمام فيسهم له بخلاف غيره، وهذا مشهور مذهب مالك وقال ابن بطال‏:‏ لم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم في غير من شهد الوقعة إلا في خيبر، فهي مستثناة من ذلك فلا يجعل أصلا يقاس عليه فإنه قسم لأصحاب السفينة لشدة حاجتهم، ولذلك أعطى الأنصار عوض ما كانوا أعطوا المهاجرين أول ما قدموا عليهم قال الطحاوي‏:‏ ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم استطاب أنفس أهل الغنيمة بما أعطى الأشعريين وغيرهم، وهذا كله في الغنيمة المنقولة، وقد تقدم في المزارعة بيان الاختلاف في الأرض التي يملكها المسلمون عنوة، قال ابن المنذر‏:‏ ذهب الشافعي إلى أن عمر استطاب أنفس الغانمين الذين افتتحوا أرض السواد، وأن الحكم في أرض العنوة أن تقسم كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، وتعقب بأنه مخالف لتعليل عمر بقوله ‏"‏ لولا آخر المسلمين‏"‏، لكن يمكن أن يقال‏:‏ معناه لولا آخر المسلمين ما استطبت أنفس الغانمين، وأما قول عمر ‏"‏ كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ‏"‏ فإنه يريد بعض خيبر لا جميعها، قاله الطحاوي، وأشار إلى ما روي عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم خيبر عزل نصفها لنوائبه وما ينزل به، وقسم النصف الباقي بين المسلمين، فلم يكن لهم عمال فدفعوها إلى اليهود ليعملوها على نصف ما يخرج منها ‏"‏ الحديث، والمراد بالذي عزله ما افتتح صلحا، وبالذي قسمه ما افتتح عنوة، وسيأتي بيان ذلك بأدلته في المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ ترجم البخاري بأن الغنيمة لمن شهد الوقعة‏.‏

وأخرج قول عمر المقتضي لوقف الأرض المغنومة وهذا ضد ما ترجم به، ثم أجاب بأن المطابق لترجمته قول عمر ‏"‏ كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ‏"‏ فأومأ البخاري إلى ترجيح القسمة الناجزة، والحجة فيه أن الآتي الذي لم يوجد بعد لا يستحق شيئا من الغنيمة الحاضرة، بدليل أن الذي يغيب عن الوقعة لا يستحق شيئا بطريق الأولى، قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون البخاري أراد التوفيق بين ما جاء عن عمر أن الغنيمة لمن شهد الوقعة، وبين ما جاء عنه أنه يرى أن توقف الأرض، بحمل الأول على أن عمومه مخصوص بغير الأرض، قال ابن المنير‏:‏ وجه احتجاج عمر بقوله تعالى ‏(‏والذين جاءوا من بعدهم‏)‏ أن الواو عاطفة فيحصل اشتراك من ذكر في الاستحقاق والجملة في قوله تعالى ‏(‏يقولون‏)‏ في موضع الحال فهي كالشرط للاستحقاق، والمعنى أنهم يستحقون في حال الاستغفار، ولو أعربناها استئنافية للزم أن كل من جاء بعدهم يكون مستغفرا لهم والواقع بخلافه فتعين الأول، واختلف في الأرض التي أبقاها عمر بغير قسمة، فذهب الجمهور إلى أنه وقفها لنوائب المسلمين وأجرى فيها الخراج ومنع بيعها وقال بعض الكوفيين‏:‏ أبقاها ملكا لمن كان بها من الكفرة وضرب عليهم الخراج، وقد اشتد نكير كثير من فقهاء أهل الحديث على هذه المقالة، ولبسطها موضع غير هذا، والله أعلم‏.‏

*3*باب مَنْ قَاتَلَ لِلْمَغْنَمِ هَلْ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره‏)‏ ‏؟‏ ذكر فيه حديث أبي موسى ‏"‏ قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ الرجل يقاتل للمغنم ‏"‏ الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ وَيُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ مَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

حديث أبي موسى ‏"‏ قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ الرجل يقاتل للمغنم ‏"‏ الحديث، وقد تقدم شرحه في أثناء الجهاد، قال ابن المنير‏:‏ أراد البخاري أن قصد الغنيمة لا يكون منافيا للأجر ولا منقصا إذا قصد معه إعلاء كلمة الله، لأن السبب لا يستلزم الحصر، ولهذا يثبت الحكم الواحد بأسباب متعددة، ولو كان قصد الغنيمة ينافي قصد الإعلاء لما جاء الجواب عاما ولقال مثلا‏:‏ من قاتل للمغنم فليس هو في سبيل الله‏.‏

قلت‏:‏ وما ادعى أن مراد البخاري فيه بعد، والذي يظهر أن النقص من الأجر أمر نسبي كما تقدم تحرير ذلك في أوائل الجهاد، فليس من قصد إعلاء كلمة الله محضا في الأجر مثل من ضم إلى هذا القصد قصدا آخر من غنيمة أو غيرها‏.‏

وقال ابن المنير في موضع آخر‏:‏ ظاهر الحديث أن من قاتل للمغنم - يعني خاصة - فليس في سبيل الله وهذا لا أجر له البتة، فكيف يترجم له بنقص الأجر‏؟‏ وجوابه ما قدمته‏.‏