فصل: باب قَوْلُهُ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب قَوْلُهُ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ يُقَالُ أَوْحَى لَهَا أَوْحَى إِلَيْهَا وَوَحَى لَهَا وَوَحَى إِلَيْهَا وَاحِدٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة إذا زلزلت‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ ‏:‏ ‏(‏باب قوله فمن يعمل مثقال ذرة إلخ‏)‏ سقط ‏"‏ باب قوله ‏"‏ لغير أبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أوحي لها يقال أوحي لها وأوحي إليها ووحى لها ووحى إليها واحد‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏بأن ربك أوحى لها‏)‏ ‏:‏ قال العجاج‏:‏ أوحي لها القرار فاستقرت‏.‏

وقيل اللام بمعنى من أجل والموحى إليه محذوف أي أأوحي إلى الملائكة من أجل الأرض، والأول أصوب‏.‏

وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال ‏"‏ أوحي لها أوحي إليها ‏"‏ ثم ذكر فيه حديث أبي هريرة ‏"‏ الخيل لثلاثة ‏"‏ وفي آخره ‏"‏ فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر ‏"‏ الحديث، ثم ساقه من وجه آخر عن مالك بسنده المذكور مقتصرا على القصة الآخرة، وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب الجهاد‏.‏

*3*بَاب وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحُمُرِ فَقَالَ لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ

الشرح‏:‏

‏(‏لا يوجد شرح لهذا الحديث‏)‏‏.‏

*3*سُورَةُ وَالْعَادِيَاتِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْكَنُودُ الْكَفُورُ يُقَالُ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا رَفَعْنَا بِهِ غُبَارًا لِحُبِّ الْخَيْرِ مِنْ أَجْلِ حُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ لَبَخِيلٌ وَيُقَالُ لِلْبَخِيلِ شَدِيدٌ حُصِّلَ مُيِّزَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعاديات والقارعة‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره ‏"‏ والعاديات ‏"‏ حسب، والمراد بالعاديات الخيل، وقيل الإبل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ الكنود الكفور‏)‏ وصله الفريابي عن مجاهد بهذا‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مثله، ويقال إنه بلسان قريش الكفور وبلسان كنانة البخيل وبلسان كندة العاصي، وروى الطبراني من حديث أبي أمامة رفعه ‏"‏ الكنود الذي يأكل وحده، ويمنع رفده، ويضرب عبده‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقال فأثرن به نقعا رفعن به غبارا‏)‏ هو قول أبي عبيدة والمعنى أن الخيل التي أغارت صباحا أثرن به غبارا‏.‏

والضمير في ‏"‏ به ‏"‏ للصبح، أي أثرن به وقت الصبح‏.‏

وقيل للمكان، وهو وإن لم يجر له ذكر لكن دلت عليه الإثارة‏.‏

وقيل الضمير للعدو الذي دلت عليه العاديات‏.‏

وعند البزار والحاكم من حديث ابن عباس قال ‏"‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا فلبثت شهرا لا يأتيه خبرها، فنزلت ‏(‏والعاديات ضبحا‏)‏ ضبحت بأرجلها ‏(‏فالموريات قدحا‏)‏ قدحت الحجارة فأورت بحوافرها ‏(‏فالمغيرات صبحا‏)‏ صبحت القوم بغارة ‏(‏فأثرن به نقعا‏)‏ التراب ‏(‏فوسطن به جمعا‏)‏ صبحت القوم جميعا ‏"‏ وفي إسناده ضعف، وهو مخالف لما روى ابن مردويه بإسناد أحسن منه عن ابن عباس قال ‏"‏ سألني رجل عن العاديات فقلت‏:‏ الخيل، قال فذهب إلى علي فسأله فأخبره بما قلت، فدعاني فقال لي‏:‏ إنما العاديات الإبل من عرفة إلى مزدلفة ‏"‏ الحديث‏.‏

وعند سعيد بن منصور من طريق حارثة بن مضرب قال‏:‏ كان علي يقول هي الإبل، وابن عباس يقول هي الخيل‏.‏

ومن طريق عكرمة عنهما نحوه بلفظ ‏"‏ الإبل في الحج والخيل في الجهاد ‏"‏ وبإسناد حسن عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ هي الإبل‏.‏

وبإسناد صحيح عن ابن عباس‏:‏ ما ضبحت دابة قط إلا كلب أو فرس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لحب الخير، من أجل حب الخير، لشديد‏)‏ هو قول أبي عبيدة أيضا فسر اللام بمعنى من أجل، أي لأنه لأجل حب المال لبخيل، وقيل إنها للتعدية، والمعنى إنه لقوي مطيق لحب الخير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حصل ميز‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏حصل ما في الصدور‏)‏ أي ميز، وقيل جمع‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله‏:‏ ‏(‏حصل‏)‏ أي أخرج‏.‏

*3*سُورَةُ الْقَارِعَةِ

كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ كَغَوْغَاءِ الْجَرَادِ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا كَذَلِكَ النَّاسُ يَجُولُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ كَالْعِهْنِ كَأَلْوَانِ الْعِهْنِ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ كَالصُّوفِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة القارعة‏)‏ كذا لغير أبي ذر، واكتفى بذكرها مع التي قبلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كالفراش المبثوث كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضا‏.‏

كذلك الناس يجول بعضهم في بعض‏)‏ هو كلام الفراء، قال في قوله كالفراش‏:‏ يريد كغوغاء الجراد إلخ‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ الفراش طير لا ذباب ولا بعوض، والمبثوث المتفرق، وحمل الفراش على حقيقته أولى، والعرب تشبه بالفراش كثيرا كقول جرير‏:‏ إن الفرزدق ما علمت وقومه مثل الفراش غشين نار المصطلى وصفهم بالحرص والتهافت‏:‏ وفي تشبيه الناس يوم البعث بالفراش مناسبات كثيرة بليغة، كالطيش والانتشار والكثرة والضعف والذلة والمجيء بغير رجوع والقصد إلى الداعي والإسراع وركوب بعضهم بعضا والتطاير إلى النار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كالعهن كألوان العهن‏)‏ سقط هذا لأبي ذر، وهو قول الفراء قال‏:‏ كالعهن لأن ألوانها مختلفة كالعهن وهو الصوف‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة قال‏:‏ كالعهن كالصوف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقرأ عبد الله كالصوف‏)‏ سقط هذا لأبي ذر‏.‏

وهو بقية كلام الفراء، قال‏:‏ في قراءة عبد الله - يعني ابن مسعود ‏"‏ كالصوف المنفوش‏"‏‏.‏

*3*سُورَةُ أَلْهَاكُمْ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ التَّكَاثُرُ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة ألهاكم‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ كذا لأبي ذر، ويقال لها سورة التكاثر‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي هلال قال‏:‏ كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمونها المقبرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ التكاثر من الأموال والأولاد‏)‏ وصله ابن المنذر من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ لم يذكر في هذه السورة حديثا مرفوعا وسيأتي في الرقاق من حديث أبي بن كعب ما يدخل فيها

*3*سُورَةُ وَالْعَصْرِ

وَقَالَ يَحْيَى الْعَصْرُ الدَّهْرُ أَقْسَمَ بِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة والعصر‏)‏ العصر اليوم والليلة، قال الشاعر‏:‏ ولن يلبث العصران يوما وليلة إذا طلبا أن يدركا ما تيمما قال عبد الرزاق عن معمر قال الحسن‏:‏ العصر العشي‏.‏

وقال قتادة‏:‏ ساعة من ساعات النهار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال يحيى العصر الدهر أقسم به‏)‏ سقط يحيى لأبي ذر، وهو يحيى بن زياد الفراء، فهذا كلامه في ‏"‏ معاني القرآن‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ خسر ضلال‏.‏

ثم استثنى فقال‏:‏ إلا من آمن‏)‏ ثبت هذا هنا للنسفي وحده، ولم أره في شيء من التفاسير المسندة إلا هكذا عن مجاهد‏:‏ إن الإنسان لفي خسر، قال‏:‏ إلا من آمن‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ لم أر في تفسير هذه السورة حديثا مرفوعا صحيحا، لكن ذكر بعض المفسرين فيها حديث ابن عمر ‏"‏ من فاتته صلاة العصر ‏"‏ وقد تقدم في صفة الصلاة مشروحا‏.‏

*3*سُورَةُ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ

الْحُطَمَةُ اسْمُ النَّارِ مِثْلُ سَقَرَ وَ لَظَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة ويل لكل همزة - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ كذا لأبي ذر، ويقال لها أيضا سورة الهمزة، والمراد الكثير الهمز، وكذا اللمز‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور من حديث ابن عباس أنه سئل عن الهمزة قال‏:‏ المشاء بالنميمة، المفرق بين الإخوان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الحطمة اسم النار، مثل سقر ولظى‏)‏ هو قول الفراء، قال في قوله‏:‏ ‏(‏لينبذن‏)‏ أي الرجل وماله، ‏(‏في الحطمة‏)‏ اسم من أسماء النار، كقوله جهنم وسقر ولظى‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ يقال للرجل الأكول حطمة، أي الكثير الحطم‏.‏

*3*سُورَةُ أَلَمْ تَرَ

أَلَمْ تَرَ أَلَمْ تَعْلَمْ قَالَ مُجَاهِدٌ أَبَابِيلَ مُتَتَابِعَةً مُجْتَمِعَةً وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ سِجِّيلٍ هِيَ سَنْكِ وَكِلْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة ألم تر‏)‏ كذا لهم، ويقال لها أيضا سورة الفيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألم تر ألم تعلم‏)‏ كذا لغير أبي ذر‏.‏

وللمستملي ألم تر‏.‏

قال مجاهد‏:‏ ألم تر ألم تعلم، والصواب الأول فإنه ليس من تفسير مجاهد‏.‏

وقال الفراء‏:‏ ألم تخبر عن الحبشة والفيل، وإنما قال ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم يدرك قصة أصحاب الفيل لأنه ولد في تلك السنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبابيل‏:‏ متتابعة مجتمعة‏)‏ وصله الفريابي عن مجاهد في قوله أبابيل قال‏:‏ شتى متتابعة‏.‏

وقال الفراء‏:‏ لا واحد لها‏.‏

وقيل‏:‏ واحدها أبالة بالتخفيف، وقيل بالتشديد، وقيل أبول كعجول وعجاجيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ من سجيل هي سنك وكل‏)‏ وصله الطبري من طريق السدي عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ سنك وكل، طين وحجارة‏.‏

وقد تقدم في تفسير سورة هود، ووصله ابن أبي حاتم من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس، ورواه جرير بن حازم عن يعلى بن حكيم عن عكرمة، وروى الطبري من طريق عبد الرحمن بن سابط قال‏:‏ هي بالأعجمية سنك وكل‏.‏

ومن طريق حصين عن عكرمة قال‏:‏ كانت ترميهم بحجارة معها نار، قال‏:‏ فإذا أصابت أحدهم خرج به الجدري، وكان أول يوم رئي فيه الجدري

*3*سُورَةُ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ لِإِيلَافِ أَلِفُوا ذَلِكَ فَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَآمَنَهُمْ مِنْ كُلِّ عَدُوِّهِمْ فِي حَرَمِهِمْ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ لِإِيلَافِ لِنِعْمَتِي عَلَى قُرَيْشٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة لإيلاف‏)‏ قيل اللام متعلقة بالقصة التي في السورة التي قبلها ويؤيده أنهما في مصحف أبي بن كعب سورة واحدة‏.‏

وقيل متعلقة بشيء مقدر أي أعجب لنعمتي على قريش‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ لإيلاف ألفوا ذلك فلا يشق عليهم في الشتاء والصيف، وآمنهم من خوف قال‏:‏ من كل عدو في حرمهم‏)‏ وأخرج ابن مردويه من أوله إلى قوله والصيف من وجه آخر عن مجاهد عن ابن عباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عيينة لإيلاف‏:‏ لنعمتي على قريش‏)‏ هو كذلك في تفسير ابن عيينة رواية سعيد بن عبد الرحمن عنه، ولابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله‏.‏

‏(‏تنبيهان‏)‏ الأول قرأ الجمهور لإيلاف بإثبات الياء إلا ابن عامر فحذفها، واتفقوا على إثباتها في قوله ‏(‏إيلافهم‏)‏ إلا في رواية عن ابن عامر فكالأول، وفي أخرى عن ابن كثير بحذف الأولى التي بعد اللام أيضا‏.‏

وقال الخليل بن أحمد‏:‏ دخلت الفاء في قوله‏:‏ ‏(‏فليعبدوا‏)‏ لما في السياق من معنى الشرط، أي فإن لم يعبدوا رب هذا البيت لنعمته السالفة فليعبدوه للائتلاف المذكور‏.‏

الثاني لم يذكر في هذه السورة ولا التي قبلها حديثا مرفوعا، فأما سورة الهمزة ففي صحيح ابن حبان من حديث جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ يحسب أن ماله أخلده ‏"‏ يعني بفتح السين وأما سورة الفيل ففيها من حديث المسور الطويل في صلح الحديبية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حبسها حابس الفيل‏)‏ قد تقدم شرحه مستوفى في الشروط، وفيها حديث ابن عباس مرفوعا ‏"‏ إن الله حبس عن مكة الفيل ‏"‏ الحديث‏.‏

وأما هذه السورة فلم أر فيها حديثا مرفوعا صحيحا‏.‏

*3*سُورَةُ أَرَأَيْتَ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ يَدُعُّ يَدْفَعُ عَنْ حَقِّهِ يُقَالُ هُوَ مِنْ دَعَعْتُ يُدَعُّونَ يُدْفَعُونَ سَاهُونَ لَاهُونَ وَ الْمَاعُونَ الْمَعْرُوفَ كُلُّهُ وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ الْمَاعُونُ الْمَاءُ وَقَالَ عِكْرِمَةُ أَعْلَاهَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ وَأَدْنَاهَا عَارِيَّةُ الْمَتَاعِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة أرأيت‏)‏ كذا لهم، ويقال لها أيضا سورة الماعون‏.‏

قال الفراء‏:‏ قرأ ابن مسعود ‏"‏ أرأيتك الذي يكذب ‏"‏ قال‏:‏ والكاف صلة، والمعنى في إثباتها وحذفها لا يختلف، كذا قال، لكن التي بإثبات الكاف قد تكون بمعنى أخبرني، والتي بحذفها الظاهر أنها من رؤية البصر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ يدع يدفع عن حقه، يقال هو من دععت، يدعون يدفعون‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏يوم يدعون‏)‏ أي يدفعون، يقال دععت في قفاه أي دفعت‏.‏

وفي رواية أخرى ‏(‏يدع اليتيم‏)‏ قال وقال بعضهم‏:‏ يدع اليتيم مخففة، قلت‏:‏ وهي قراءة الحسن وأبي رجاء ونقل عن علي أيضا‏.‏

وأخرج الطبري من طريق مجاهد قال‏:‏ يدع يدفع اليتيم عن حقه‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏(‏يوم يدعون إلى نار جهنم دعا‏)‏ قال‏:‏ يدفعون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ساهون لاهون‏)‏ وصله الطبري أيضا من طريق مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏الذين هم عن صلاتهم ساهون‏)‏ ‏.‏

قال‏:‏ لاهون‏.‏

وقال الفراء كذلك فسرها ابن عباس، وهي قراءة عبد الله بن مسعود، وجاء ذلك في حديث أخرجه عبد الرزاق وابن مردويه من رواية مصعب بن سعد عن أبيه أنه سأله عن هذه الآية قال‏:‏ أو ليس كنا نفعل ذلك، الساهي هو الذي يصليها لغير وقتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والماعون المعروف كله‏.‏

وقال بعض العرب‏:‏ الماعون الماء‏.‏

وقال عكرمة‏:‏ أعلاها الزكاة المفروضة وأدناها عارية المتاع‏)‏ أما القول الأول فقال الفراء قال بعضهم‏:‏ أن الماعون المعروف كله، حتى ذكر القصعة والدلو والفأس ولعله أراد ابن مسعود فإن الطبري أخرج من طريق سلمة بن كهيل عن أبي المغيرة سأل رجل ابن عمر عن الماعون، قال‏:‏ المال الذي لا يؤدى حقه‏.‏

قال قلت‏:‏ إن ابن مسعود يقول هو المتاع الذي يتعاطاه الناس بينهم، قال‏:‏ هو ما أقول لك‏.‏

وأخرجه الحاكم أيضا وزاد في رواية أخرى عن ابن مسعود‏:‏ هو الدلو والقدر والفأس‏.‏

وكذا أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن مسعود بلفظ ‏"‏ كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر ‏"‏ وإسناده صحيح إلى ابن مسعود‏.‏

وأخرجه البزار والطبراني من حديث ابن مسعود مرفوعا صريحا‏.‏

وأخرج الطبراني من حديث أم عطية قالت‏:‏ ما يتعاطاه الناس بينهم‏.‏

وأما القول الثاني فقال الفراء سمعت بعض العرب يقول‏:‏ الماعون هو الماء، وأنشد ‏"‏ يصب صبيرة الماعون صبا‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وهذا يمكن تأويله وصبيرة جبل باليمن معروف وهو بفتح المهملة وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة وآخره راء، وأما قول عكرمة فوصله سعيد بن منصور بإسناد إليه باللفظ المذكور‏.‏

وأخرج الطبري والحاكم من طريق مجاهد عن على مثله‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ لم يذكر المصنف في تفسير هذه السورة حديثا مرفوعا، ويدخل فيه حديث ابن مسعود المذكور قبل

*3*سُورَةُ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ شَانِئَكَ عَدُوَّكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة إنا أعطيناك الكوثر‏)‏ هي سورة الكوثر‏.‏

وقد قرأ ابن محيصن إنا أنطيناك الكوثر بالنون، وكذا قرأها طلحة بن مصرف‏.‏

والكوثر فوعل من الكثرة سمي بها النهر لكثرة مائه وآنيته وعظم قدره وخيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شانئك عدوك‏)‏ في رواية المستملي‏:‏ وقال ابن عباس‏.‏

وقد وصله ابن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كذلك‏.‏

واختلف الناقلون في تعيين الشانئ المذكور فقيل هو العاصي بن وائل، وقيل أبو جهل، وقيل عقبة بن أبي معيط‏.‏

ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث‏:‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاءِ قَالَ أَتَيْتُ عَلَى نَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ مُجَوَّفًا فَقُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ

الشرح‏:‏

الأول حديث أنس وقد تقدم شرحه في أوائل المبعث في قصة الإسراء في أواخرها، ويأتي بأوضح من ذلك في أواخر كتاب الرقاق‏.‏

وقوله ‏"‏لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال‏:‏ أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوف، فقلت‏:‏ ما هذا يا جبريل‏؟‏ قال‏:‏ هذا الكوثر‏.‏

هكذا اقتصر على بعضه‏.‏

وساقه البيهقي من طريق إبراهيم بن الحسن عن آدم شيخ البخاري فيه فزاد بعد قوله الكوثر ‏"‏ والذي أعطاك ربك، فأهوى الملك بيده فاستخرج من طينه مسكا أذفر ‏"‏ وأورده البخاري بهذه الزيادة في الرقاق من طريق همام عن أبي هريرة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْكَاهِلِيُّ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَ سَأَلْتُهَا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ قَالَتْ نَهَرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاطِئَاهُ عَلَيْهِ دُرٌّ مُجَوَّفٌ آنِيَتُهُ كَعَدَدِ النُّجُومِ رَوَاهُ زَكَرِيَّاءُ وَأَبُو الْأَحْوَصِ وَمُطَرِّفٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ

الشرح‏:‏

الثاني حديث عائشة، وأبو عبيدة رواية عنها هو ابن عبد الله بن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عائشة قال سألتها‏)‏ في رواية النسائي ‏"‏ قلت لعائشة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن قوله تعالى إنا أعطيناك الكوثر‏)‏ في رواية النسائي ‏"‏ ماء الكوثر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هو نهر أعطيه نبيكم‏)‏ زاد النسائي ‏"‏ في بطنان الجنة‏.‏

قلت ما بطنان الجنة‏؟‏ قالت‏:‏ وسطها ‏"‏ انتهى‏.‏

وبطنان بضم الموحدة وسكون المهملة بعدها نون، ووسط بفتح المهملة والمراد به أعلاها أي أرفعها قدرا، أو المراد أعدلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شاطئاه‏)‏ أي حافتاه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏در مجوف‏)‏ أي القباب التي على جوانبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف عن أبي إسحاق‏)‏ أما زكريا فهو ابن أبي زائدة، وروايته عند علي ابن المديني عن يحيى بن زكريا عن أبيه، ولفظه قريب من لفظ أبي الأحوص‏.‏

وأما رواية أبي الأحوص وهو سلام ابن سليم فوصلها أبو بكر بن أبي شيبة عنه ولفظه ‏"‏ الكوثر نهر بفناء الجنة شاطئاه در مجوف؛ وفيه من الأباريق عدد النجوم ‏"‏ وأما رواية مطرف وهو ابن طريف بالطاء المهملة فوصلها النسائي من طريقه، وقد بينت ما فيها من زيادة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَوْثَرِ هُوَ الْخَيْرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ قَالَ أَبُو بِشْرٍ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَإِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ سَعِيدٌ النَّهَرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنْ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس من رواية أبي بشر عن سعيد بن جبير عنه أنه قال في الكوثر ‏"‏ هو الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه‏.‏

قال قلت لسعيد بن جبير عنه أنه قال في الكوثر‏:‏ فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد‏:‏ النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه‏"‏‏.‏

هذا تأويل من سعيد بن جبير جمع به بين حديثي عائشة وابن عباس، وكأن الناس الذين عناهم أبو بشر أبو إسحاق وقتادة ونحوهما ممن روي ذلك صريحا أن الكوثر هو النهر، وقد أخرج الترمذي من طريق ابن عمر رفعه ‏"‏ الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت ‏"‏ الحديث قال‏:‏ إنه حسن صحيح‏.‏

وفي صحيح مسلم من طريق المختار بن فلفل عن أنس ‏"‏ بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ غفا إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسما فقلنا‏:‏ ما أضحكك يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ نزلت على سورة‏.‏

فقرأ‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

إنا أعطيناك الكوثر إلى آخرها، ثم قال‏:‏ أتدرون ما الكوثر‏؟‏ قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

قال‏:‏ فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير، وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ‏"‏ الحديث‏.‏

وحاصل ما قاله سعيد بن جبير أن قول ابن عباس إنه الخير الكثير لا يخالف قول غيره إن المراد به نهر في الجنة، لأن النهر فرد من أفراد الخير الكثير، ولعل سعيدا أومأ إلى أن تأويل ابن عباس أولى لعمومه، لكن ثبت تخصيصه بالنهر من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فلا معدل عنه‏.‏

وقد نقل المفسرون في الكوثر أقوالا أخرى غير هذين تزيد على العشرة، منها قول عكرمة‏:‏ الكوثر النبوة، وقول الحسن‏:‏ الكوثر القرآن، وقيل تفسيره، وقيل الإسلام، وقيل إنه التوحيد، وقيل كثرة الأتباع، وقيل الإيثار، وقيل رفعة الذكر، وقيل نور القلب، وقيل الشفاعة، وقيل المعجزات؛ وقيل إجابة الدعاء، وقيل الفقه في الدين، وقيل الصلوات الخمس‏.‏

وسيأتي مزيد بسط في أمر الكوثر وهل الحوض النبوي هو أو غيره في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*سُورَةُ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ

يُقَالُ لَكُمْ دِينُكُمْ الْكُفْرُ وَلِيَ دِينِ الْإِسْلَامُ وَلَمْ يَقُلْ دِينِي لِأَنَّ الْآيَاتِ بِالنُّونِ فَحُذِفَتْ الْيَاءُ كَمَا قَالَ يَهْدِينِ وَ يَشْفِينِ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ الْآنَ وَلَا أُجِيبُكُمْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِي وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة قل يا أيها الكافرون‏)‏ وهي سورة الكافرين، ويقال لها أيضا المقشقشة أي المبرئة من النفاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقال لكم دينكم الكفر، ولي دين الإسلام‏.‏

ولم يقل ديني لأن الآيات بالنون فحذفت الياء كما فال يهدين ويشفين‏)‏ هو كلام الفراء بلفظه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره‏:‏ لا أعبد ما تعبدون إلخ‏)‏ سقط ‏"‏ وقال غيره ‏"‏ لأبي ذر والصواب إثباته لأنه ليس من بقية كلام الفراء بل هو كلام أبي عبيدة، قال في قوله تعالى ‏(‏لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد‏)‏ ‏:‏ كأنهم دعوه إلى أن يعبد آلهتهم ويعبدون إلهه فقال‏:‏ لا أعبد ما تعبدون في الجاهلية، ولا أنتم عابدون ما أعبد في الجاهلية والإسلام، ولا أنا عابد ما عبدتم الآن، أي لا أعبد الآن ما تعبدون ولا أجيبكم فيما بقي أن أعبد ما تعبدون وتعبدون ما أعبد انتهى‏.‏

وقد أخرج ابن أبي حاتم من حديث ابن عباس قال ‏"‏ قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ كف عن آلهتنا فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل فاعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فنزلت ‏"‏ وفي إسناده أبو خلف عبد الله بن عيسى، وهو ضعيف‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ لم يورد في هذه السورة حديثا مرفوعا، ويدخل فيها حديث جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الطواف قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ‏"‏ أخرجه مسلم، وقد ألزمه الإسماعيلي بذلك حيث قال في تفسير والتين والزيتون لما أورد البخاري حديث البراء ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بها في العشاء ‏"‏ قال الإسماعيلي‏:‏ ليس لإيراد هذا معنى هنا، وإلا للزمه أن يورد كل حديث وردت فيه قراءته لسورة مسماة في تفسير تلك السورة‏.‏

*3*سُورَةُ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة إذا جاء نصر الله‏)‏ وهي سورة النصر‏.‏

‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ ‏.‏

سقطت البسملة لغير أبي ذر‏.‏

وقد أخرج النسائي من حديث ابن عباس أنها آخر سورة نزلت من القرآن، وقد تقدم في تفسير براءة أنها آخر سورة نزلت‏.‏

والجمع بينهما أن أخرية سورة النصر نزولها كاملة، بخلاف براءة كما تقدم توجيهه، ويقال إن ‏(‏إذا جاء نصر الله‏)‏ نزلت يوم النحر وهو بمنى في حجة الوداع، وقيل عاش بعدها أحدا وثمانين يوما، وليس منافيا للذي قبله بناء على بعض الأقوال في وقت الوفاة النبوية‏.‏

وعند أبي حاتم من حديث ابن عباس ‏"‏ عاش بعدها تسع ليال ‏"‏ وعن مقاتل‏:‏ سبعا، وعن بعضهم ثلاثا، وقيل ثلاث ساعات وهو باطل‏.‏

وأخرج ابن أبي داود في ‏"‏ كتاب المصاحف ‏"‏ بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه كان يقرأ ‏"‏ إذا جاء فتح الله والنصر‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إِلَّا يَقُولُ فِيهَا سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي

الشرح‏:‏

حديث عائشة في مواظبته صلى الله عليه وسلم على التسبيح والتحميد والاستغفار وغيره في ركوعه وسجوده‏.‏

أورده من طريقين، وفي الأولى التصريح بالمواظبة على ذلك بعد نزول السورة‏.‏

وفي الثانية يتأول القرآن وقد تقدم شرحه في صفة الصلاة ومعنى قوله يتأول القرآن يجعل ما أمر به من التسبيح والتحميد والاستغفار في أشرف الأوقات والأحوال‏.‏

وقد أخرجه ابن مردويه من طريق أخرى عن مسروق عن عائشة فزاد فيه ‏"‏ علامة في أمتي أمرني ربي إذا رأيتها أكثر من قول سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيت جاء نصر الله، والفتح فتح مكة ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ‏"‏ وقال ابن القيم في الهدى‏:‏ كأنه أخذه من قوله تعالى ‏(‏واستغفره‏)‏ لأنه كان يجعل الاستغفار في خواتم الأمور، فيقول إذا سلم من الصلاة‏:‏ أستغفر الله ثلاثا‏.‏

وإذا خرج من الخلاء قال‏:‏ غفرانك‏.‏

وورد الأمر بالاستغفار عند انقضاء المناسك ‏(‏ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله‏)‏ الآية‏.‏

قلت‏:‏ ويؤخذ أيضا من قوله تعالى ‏(‏إنه كان توابا‏)‏ فقد كان يقول عند انقضاء الوضوء ‏"‏ اللهم اجعلني من التوابين‏"‏‏.‏

ن يجعل ما أمر به من التسبيح والتحميد والاستغفار في أشرف الأوقات والأحوال‏.‏

وقد أخرجه ابن مردويه من طريق أخرى عن مسروق عن عائشة فزاد فيه ‏"‏ علامة في أمتي أمرني ربي إذا رأيتها أكثر من قول سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيت جاء نصر الله، والفتح فتح مكة ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ‏"‏ وقال ابن القيم في الهدى‏:‏ كأنه أخذه من قوله تعالى ‏(‏واستغفره‏)‏ لأنه كان يجعل الاستغفار في خواتم الأمور، فيقول إذا سلم من الصلاة‏:‏ أستغفر الله ثلاثا‏.‏

وإذا خرج من الخلاء قال‏:‏ غفرانك‏.‏

وورد الأمر بالاستغفار عند انقضاء المناسك ‏(‏ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله‏)‏ الآية‏.‏

قلت‏:‏ ويؤخذ أيضا من قوله تعالى ‏(‏إنه كان توابا‏)‏ فقد كان يقول عند انقضاء الوضوء ‏"‏ اللهم اجعلني من التوابين‏"‏‏.‏

*3*باب قَوْلُهُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عباس أن عمر سألهم عن قوله‏:‏ ‏(‏إذا جاء نصر الله والفتح‏)‏ وسأذكر شرحه في الباب الذي يليه

*3*باب قَوْلُهُ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا تَوَّابٌ عَلَى الْعِبَادِ وَالتَّوَّابُ مِنْ النَّاسِ التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا، تواب على العباد‏.‏

والتواب من الناس التائب من الذنب‏)‏ هو كلام الفراء في موضعين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ فَدَعَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَقَالَ لِي أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَا قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْتُ هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ لَهُ قَالَ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَذَلِكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا فَقَالَ عُمَرُ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر‏)‏ أي من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار، وكانت عادة عمر إذا جلس للناس أن يدخلوا عليه على قدر منازلهم في السابقة، وكان ربما أدخل مع أهل المدينة من ليس منهم إذا كان فيه مزية تجبر ما فاته من ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكأن بعضهم وجد‏)‏ أي غضب ولفظ ‏"‏ وجد ‏"‏ الماضي يستعمل بالاشتراك بمعنى الغضب والحب والغنى واللقاء، سواء كان الذي يلقي ضالة أو مطلوبا أو إنسانا أو غير ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم تدخل هذا معنا، ولنا أبناء مثله‏)‏ ‏؟‏ ولابن سعد من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد ابن جبير ‏"‏ كان أناس من المهاجرين وجدوا على عمر في إدنائه ابن عباس ‏"‏ وفي تاريخ محمد بن عثمان بن أبي شيبة من طريقي عاصم بن كليب عن أبيه نحوه وزاد ‏"‏ وكان عمر أمره أن لا يتكلم حتى يتكلموا، فسألهم عن شيء فلم يجيبوا‏.‏

وأجابه ابن عباس، فقال عمر‏:‏ أعجزتم أن تكونوا مثل هذا الغلام‏؟‏ ثم قال‏:‏ إني كنت نهيتك أن تتكلم فتكلم الآن معهم‏.‏

وهذا القائل الذي عبر عنه هنا بقوله ‏"‏ بعضهم ‏"‏ هو عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة كما وقع مصرحا به عند المصنف في علامات النبوة من طريق شعبة عن أبي بشر بهذا الإسناد ‏"‏ كان عمر يدني ابن عباس، فقال له عبد الرحمن بن عوف‏:‏ إن لنا أبناء مثله ‏"‏ وأراد بقوله مثله أي في مثل سنه، لا في مثل فضله وقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لا أعرف لعبد الرحمن بن عوف ولدا في مثل سن ابن عباس، فإن أكبر أولاده محمد وبه كان يكنى، لكنه مات صغيرا وأدرك عمر من أولاده إبراهيم بن عبد الرحمن، ويقال إنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه إن كان كذلك لم يدرك من الحياة النبوية إلا سنة أو سنتين‏.‏

لأن أباه تزوج أمه بعد فتح مكة فهو أصغر من ابن عباس بأكثر من عشر سنين، فلعله أراد بالمثلية غير السن، أو أراد بقوله ‏"‏ لنا ‏"‏ من كان له ولد في مثل سن ابن عباس من البدريين إذ ذاك غير المتكلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال عمر‏:‏ إنه من حيث علمتم‏)‏ ‏.‏

في غزوة الفتح من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ إنه ممن علمتم ‏"‏ وفي رواية شعبة ‏"‏ إنه من حيث نعلم ‏"‏ وأشار بذلك إلى قرابته من النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى معرفته وفطنته، وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال ‏"‏ قال المهاجرون لعمر‏:‏ ألا تدعو أبناءنا كما تدعوا ابن عباس‏؟‏ قال ذاكم فتى الكهول، إن له لسانا سؤولا وقلبا عقولا ‏"‏ وأخرج الخرائطي في ‏"‏ مكارم الأخلاق ‏"‏ من طريق الشعبي، والزبير بن بكار من طريق عطاء بن يسار قالا ‏"‏ قال العباس لابنه‏:‏ إن هذا الرجل - يعني عمر - يدنيك، فلا تفشين له سرا، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا يسمع منك كذبا ‏"‏ وفي رواية عطاء بدل الثالثة، ولا تبتدئه بشيء حتى يسألك عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدعا ذات يوم فأدخله معهم‏)‏ في رواية للكشميهني ‏"‏ فدعاه ‏"‏ وفي غزوة الفتح ‏"‏ فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فما رئيت‏)‏ بضم الراء وكسر الهمزة، وفي غزوة الفتح من رواية المستملي ‏"‏ فما أريته ‏"‏ بتقديم الهمزة والمعنى واحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا ليريهم‏)‏ زاد في غزوة الفتح ‏"‏ مني ‏"‏ أي مثل ما رآه هو مني من العلم‏.‏

وفي رواية ابن سعد فقال ‏"‏ أما إني سأريكم اليوم منه ما تعرفون به فضله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما تقولون في قول الله تعالى‏:‏ إذا جاء نصر الله والفتح‏)‏ في غزوة الفتح ‏"‏ حتى ختم السورة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا جاء نصرنا وفتح علينا‏)‏ في رواية الباب الذي قبله ‏"‏ قالوا فتح المدائن والقصور‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسكت بعضهم فلم يقل شيئا‏)‏ في غزوة الفتح ‏"‏ وقال بعضهم لا ندري أو لم يقل بعضهم شيئا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال لي أكذاك تقول يا ابن عباس‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فما تقول‏)‏ ‏؟‏ في رواية ابن سعد ‏"‏ فقال عمر يا ابن عباس ألا تتكلم‏؟‏ فقال‏:‏ أعلمه متى يموت، قال‏:‏ إذا جاء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا جاء نصر الله والفتح‏)‏ زاد في غزوة الفتح ‏"‏ فتح مكة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وذلك علامة أجلك‏)‏ في رواية ابن سعد ‏"‏ فهو آيتك في الموت ‏"‏ وفي الباب الذي قبله ‏"‏ أجل أو مثل ضرب لمحمد، نعيت إليه نفسه، ووهم عطاء بن السائب فروى هذا الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ‏"‏ لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ نعيت إلى نفسي ‏"‏ أخرجه ابن مردويه من طريقه، والصواب رواية حبيب بن أبي ثابت التي في الباب الذي قبله بلفظ ‏"‏ نعيت إليه نفسه ‏"‏ وللطبراني من طريق عكرمة عن ابن عباس قال ‏"‏ لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح نعيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادا في أمر الآخرة‏"‏، ولأحمد من طريق أبي رزين عن ابن عباس قال ‏"‏ لما نزلت علم أن نعيت إليه نفسه‏"‏، ولأبي يعلى من حديث ابن عمر ‏"‏ نزلت هذه السورة في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الوداع‏"‏‏.‏

وسئلت عن قول الكشاف‏:‏ أن سورة النصر نزلت في حجة الوداع أيام التشريق، فكيف صدرت بإذا الدالة على الاستقبال‏؟‏ فأجبت بضعف ما نقله، وعلى تقدير صحته فالشرط لم يتكمل بالفتح، لأن مجيء الناس أفواجا لم يكن كمل، فبقية الشرط مستقبل‏.‏

وقد أورد الطيبي السؤال وأجاب بجوابين‏:‏ أحدهما أن ‏"‏ إذا ‏"‏ قد ترد بمعنى ‏"‏ إذ ‏"‏ كما في قوله تعالى ‏(‏وإذا رأوا تجارة‏)‏ الآية‏.‏

ثانيهما أن كلام الله قديم، وفي كل من الجوابين نظر لا يخفى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا ما تقول‏)‏ في غزوة الفتح ‏"‏ إلا ما تعلم ‏"‏ زاد أحمد وسعيد بن منصور في روايتهما عن هشيم عن أبي بشر في هذا الحديث في آخره ‏"‏ فقال عمر‏:‏ كيف تلومونني على حب ما ترون ‏"‏ ووقع في رواية ابن سعد أنه سألهم حينئذ عن ليلة القدر، وذكر جواب ابن عباس واستنباطه وتصويب عمر قوله، وقد تقدمت لابن عباس مع عمر قصة أخرى في أواخر سورة البقرة، لكن أجابوا فيها بقولهم‏:‏ الله أعلم، فقال عمر‏:‏ قولوا نعلم أو لا نعلم، فقال ابن عباس‏:‏ في نفسي منها شيء، الحديث‏.‏

وفيه فضيلة ظاهرة لابن عباس وتأثير لإجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه الله التأويل ويفقهه في الدين، كما تقدم في كتاب العلم‏.‏

وفيه جواز تحديث المرء عن نفسه بمثل هذا لإظهار نعمة الله عليه، وإعلام من لا يعرف قدره لينزله منزلته، وغير ذلك من المقاصد الصالحة، لا للمفاخرة والمباهاة‏.‏

وفيه جواز تأويل القرآن بما يفهم من الإشارات، وإنما يتمكن من ذلك من رسخت قدمه في العلم، ولهذا قال علي رضي الله تعالى عنه‏:‏ أو فهما يؤتيه الله رجلا في القرآن‏.‏

*3*سُورَةُ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة تبت يدا أبي لهب‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت البسملة لغير أبي ذر‏.‏

وأبو لهب هو ابن عبد المطلب واسمه عبد العزى‏.‏

وأمه خزاعية‏.‏

وكني أبا لهب إما بابنه لهب، وإما بشدة حمرة وجنته‏.‏

وقد أخرج الفاكهي من طريق عبد الله بن كثير قال‏:‏ إنما سمي أبا لهب لأن وجهه كان يتلهب من حسنه انتهى‏.‏

ووافق ذلك ما آل إليه أمره من أنه سيصلى نارا ذات لهب، ولهذا ذكر في القرآن بكنيته دون اسمه، ولكونه بها أشهر، ولأن في اسمه إضافة إلى الصنم‏.‏

ولا حجة فيه لمن قال بجواز تكنية المشرك على الإطلاق، بل محل الجواز إذا لم يقتض ذلك التعظيم له أودعت الحاجة إليه‏.‏

قال الواقدي‏:‏ كان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان السبب في ذلك أن أبا طالب لاحى أبا لهب فقعد أبو لهب على صدر أبي طالب فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بضبعي أبي لهب فضرب به الأرض، فقال له أبو لهب‏:‏ كلانا عمك، فلم فعلت بي هذا‏؟‏ والله لا يحبك قلبي أبدا‏.‏

وذلك قبل النبوة‏.‏

وقال له إخوته لما مات أبو طالب‏:‏ لو عضدت ابن أخيك لكنت أولى الناس بذلك‏.‏

ولقيه فسأله عمن مضى من آبائه فقال‏:‏ إنهم كانوا على غير دين، فغضب، وتمادى على عداوته‏.‏

ومات أبو لهب بعد وقعة بدر، ولم يحضرها بل أرسل عنه بديلا، فلما بلغه ما جرى لقريش مات غما‏.‏

الحديث‏:‏

تَبَابٌ خُسْرَانٌ تَتْبِيبٌ تَدْمِيرٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتب‏:‏ خسر‏.‏

تباب‏:‏ خسران‏)‏ وقع في رواية ابن مردويه في حديث الباب من وجه آخر عن الأعمش في آخر الحديث قال ‏"‏ فأنزل الله تبت يدا أبي لهب، قال يقول‏:‏ خسر وتب ‏"‏ أي خسر وما كسب يعني ولده ‏"‏ وقال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏وما كيد فرعون إلا في تباب‏)‏ قال‏:‏ في هلكة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تتبيب تدمير‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏وما زادوهم غير تتبيب‏)‏ أي تدمير وإهلاك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وَرَهْطَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ يَا صَبَاحَاهْ فَقَالُوا مَنْ هَذَا فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ قَالُوا مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا قَالَ فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ قَالَ أَبُو لَهَبٍ تَبًّا لَكَ مَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ وَقَدْ تَبَّ هَكَذَا قَرَأَهَا الْأَعْمَشُ يَوْمَئِذٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين‏)‏ كذا وقع في رواية أبي أسامة عن الأعمش، وقد تقدم البحث فيه في تفسير سورة الشعراء مع بقية مباحث هذا الحديث وفوائده‏.‏

*3*باب قَوْلُهُ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب‏)‏ ذكر فيه الحديث الذي قبله من وجه آخر‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ فهتف ‏"‏ أي صاح‏.‏

وقوله ‏"‏يا صباحاه ‏"‏ أي هجموا عليكم صباحا‏.‏

*3*باب قَوْلُهُ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله سيصلى نارا ذات لهب‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عباس المذكور مختصرا، مقتصرا على قوله ‏"‏ قال أبو لهب تبا لك ألهذا جمعتنا، فنزلت تبت يدا أبي لهب ‏"‏ وقد قدمت أن عادة المصنف غالبا إذا كان للحديث طرق أن لا يجمعها في باب واحد، بل يجعل لكل طريق ترجمة تليق به، وقد يترجم بما يشتمل عليه الحديث وإن لم يسقه في ذلك الباب اكتفاء بالإشارة، وهذا من ذلك

*3*باب قَوْلِهِ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ يُقَالُ مِنْ مَسَدٍ لِيفِ الْمُقْلِ وَهِيَ السِّلْسِلَةُ الَّتِي فِي النَّارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وامرأته حمالة الحطب‏)‏ قال أبو عبيدة‏:‏ كان عيسى بن عمر يقرأ ‏(‏حمالة الحطب‏)‏ بالنصب ويقول هو ذم لها‏.‏

قلت‏:‏ وقرأها بالنصب أيضا من الكوفيين عاصم‏.‏

واسم امرأة أبي لهب العوراء وتكنى أم جميل، وهي بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان والد معاوية، وتقدم لها ذكر في تفسير والضحى، يقال إن اسمها أروى والعوراء لقب، ويقال لم تكن عوراء وإنما قيل لها ذلك لجمالها‏.‏

وروى البزار بإسناد حسن عن ابن عباس قال ‏"‏ لما نزلت تبت يدا أبي لهب جاءت امرأة أبي لهب، فقال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لو تنحيت، قال‏:‏ إنه سيحال بيني وبينها، فأقبلت فقالت‏:‏ يا أبا بكر هجاني صاحبك، قال‏:‏ لا ورب هذه البنية، ما ينطق بالشعر ولا يفوه به‏.‏

قالت‏:‏ إنك لمصدق‏.‏

فلما ولت قال أبو بكر‏:‏ ما رأتك‏.‏

قال‏:‏ ما زال ملك يسترني حتى ولت‏.‏

وأخرجه الحميدي وأبو يعلى وابن أبي حاتم من حديث أسماء بنت أبي بكر بنحوه‏.‏

وللحاكم من حديث زيد بن أرقم ‏"‏ لما نزلت تبت يدا أبي لهب قيل لامرأة أبي لهب‏:‏ إن محمدا هجاك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ هل رأيتني أحمل حطبا، أو رأيت في جيدي حبلا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ حمالة الحطب تمشي بالنميمة‏)‏ وصله الفريابي عنه‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور من طريق محمد بن سيرين قال‏:‏ كانت امرأة أبي لهب تنم على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المشركين‏.‏

وقال الفراء‏:‏ كانت تنم فتحرش فتوقد بينهم العداوة، فكنى عن ذلك بحملها الحطب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في جيدها حبل من مسد يقال من مسد ليف المقل، وهي السلسلة التي في النار‏)‏ قلت هما قولان حكاهما الفراء في قوله تعالى ‏(‏حبل من مسد‏)‏ قال‏:‏ هي السلسلة التي في النار، ويقال المسد ليف المقل‏.‏

وأخرج الفريابي من طريق مجاهد قال في قوله‏:‏ ‏(‏حبل من مسد‏)‏ قال‏:‏ من حديد‏.‏

قال أبو عبيدة‏.‏

في عنقها حبل من نار، والمسد عند العرب حبال من ضروب

*3*سُورَةُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة قل هو الله أحد - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ ويقال لها أيضا سورة الإخلاص، وجاء في سبب نزولها من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب ‏"‏ إن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ انسب لنا ربك، فنزلت ‏"‏ أخرجه الترمذي والطبري وفي آخره قال ‏"‏ لم يلد ولم يولد لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت ولا شيء يموت إلا يورث، وربنا لا يموت ولا يورث ولم يكن له كفوا أحد، شبه ولا عدل ‏"‏ وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن أبي العالية مرسلا وقال‏:‏ هذا أصح، وصحح الموصول ابن خزيمة والحاكم، وله شاهد من حديث جابر عند أبي يعلى والطبري والطبراني في الأوسط‏.‏

الحديث‏:‏

يُقَالُ لَا يُنَوَّنُ أَحَدٌ أَيْ وَاحِدٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقال لا ينون أحد أي واحد‏)‏ كذا اختصره، والذي قاله أبو عبيدة‏:‏ الله أحد لا ينون، كفوا أحد أى واحد انتهى‏.‏

وهمزة أحد بدل من واو لأنه من الوحدة، وهذا بخلاف أحد المراد به العموم فإن همزته أصلية‏.‏

وقال الفراء‏:‏ الذي قرأ بغير تنوين يقول النون نون إعراب إذا استقبلتها الألف واللام حذفت، وليس ذلك بلازم انتهى‏.‏

وقرأها بغير تنوين أيضا نصر بن عاصم ويحيى بن أبي إسحاق، ورويت عن أبي عمرو أيضا، وهو كقول الشاعر ‏"‏ عمرو العلى هشم الثريد لقومه ‏"‏ الأبيات‏.‏

وقول الآخر ‏"‏ ولا ذاكر الله إلا قليلا ‏"‏ وهذا معنى قول الفراء ‏"‏ إذا استقبلها ‏"‏ أي إذا أتت بعدها‏.‏

وأغرب الداودي فقال‏:‏ إنما حذف التنوين لالتقاء الساكنين وهي لغة‏.‏

كذا قال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ اللَّهُ كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو الزناد‏)‏ لشعيب بن أبي حمزة فيه إسناد آخر أخرجه المصنف من حديث ابن عباس كما تقدم في تفسير سورة البقرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ قال الله تعالى‏)‏ تقدم في بدء الخلق من رواية سفيان الثوري عن أبي الزناد بلفظ ‏"‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم أراه يقول الله عز وجل ‏"‏ والشك فيه من المصنف فيما أحسب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الله تعالى كذبني ابن آدم‏)‏ سأذكر شرحه في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب قَوْلُهُ اللَّهُ الصَّمَدُ

وَالْعَرَبُ تُسَمِّي أَشْرَافَهَا الصَّمَدَ قَالَ أَبُو وَائِلٍ هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي انْتَهَى سُودَدُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله الله الصمد‏)‏ ثبتت هذه الترجمة لأبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعرب تسمى أشرافها الصمد‏)‏ ‏.‏

وقال أبو عبيدة الصمد السيد الذي يصمد إليه ليس فوقه أحد، فعلى هذا هو فعل بفتحتين بمعنى مفعول، ومن ذلك قول الشاعر‏:‏ ألا بكر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو وائل‏:‏ هو السيد الذي انتهى سؤدده‏)‏ ثبت هذا للنسفي هنا، وقد وصله الفريابي طريق الأعمش عنه، وجاء أيضا من طريق عاصم عن أبي وائل فوصله بذكر ابن مسعود فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ إِنِّي لَنْ أُعِيدَهُ كَمَا بَدَأْتُهُ وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُؤًا أَحَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤًا أَحَدٌ كُفُؤًا وَكَفِيئًا وَكِفَاءً وَاحِدٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق بن منصور‏)‏ كذا للجميع، قال المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏‏:‏ في بعض النسخ ‏"‏ حدثنا إسحاق بن نصر ‏"‏ قلت‏:‏ وهي رواية النسفي، وهما مشهوران من شيوخ البخاري ممن حدثه عن عبد الرزاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك‏)‏ في رواية أحمد عن عبد الرزاق ‏"‏ كذبني عبدي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وشتمني ولم يكن له ذلك‏)‏ ثبت هنا في رواية الكشميهني، وكذا هو عند أحمد، وسقط بقية الرواة عن الفربري وكذا النسفي، والمراد به بعض بني آدم، وهم من أنكر البعث من العرب وغيرهم من عباد الأوثان والدهرية ومن ادعى أن لله ولدا من العرب أيضا ومن اليهود والنصارى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أما تكذيبه إياي أن يقول إني لن أعيده كما بدأته‏)‏ كذا لهم بحذف الفاء في جواب ‏"‏ أما ‏"‏ وقد وقع في رواية الأعرج في الباب الذي قبله ‏"‏ فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني ‏"‏ وفي رواية أحمد ‏"‏ أن يقول فليعيدنا كما بدأنا ‏"‏ وهي من شواهد ورود صيغة أفعل بمعنى التكذيب، ومثله قوله‏:‏ ‏(‏قل فأتوا بالتوراة فاتلوها‏)‏ ، وقع في رواية الأعرج في الباب قبله ‏"‏ وليس بأول الخلق بأهون من إعادته ‏"‏ وقد تقدم الكلام على لفظ ‏"‏ أهون ‏"‏ في بدء الخلق وقول من قال إنها بمعنى هين وغير ذلك من الأوجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنا الصمد الذي لم ألد ولم أولد‏)‏ في رواية الأعرج ‏"‏ وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏ولم يكن لي كفوا أحد‏)‏ كذا للأكثر، وهو وزان ما قبله‏.‏

ووقع للكشميهني ‏"‏ ولم يكن له ‏"‏ وهو التفات، وكذا في رواية الأعرج ‏"‏ ولم يكن لي ‏"‏ بعد قوله ‏"‏ لم يلد ‏"‏ وهو التفات أيضا‏.‏

ولما كان الرب سبحانه واجب الوجود لذاته قديما موجودا قبل وجود الأشياء وكان كل مولود محدثا انتفت عنه الوالدية، ولما كان لا يشبهه أحد من خلقه ولا يجانسه حتى يكون له من جنسه صاحبة فتتوالد انتفت عنه الولدية، ومن هذا قوله تعالى ‏(‏أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة‏)‏ وقد تقدم في تفسير البقرة حديث ابن عباس بمعنى حديث أبي هريرة هذا، لكن قال في آخره ‏"‏ فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا ‏"‏ بدل قوله ‏"‏ وأنا الأحد الصمد إلخ ‏"‏ وهو محمول على أن كلا من الصحابيين حفظ في آخره ما لم يحفظ الآخر‏.‏

ويؤخذ منه أن من نسب غيره إلى أمر لا يليق به يطلق عليه أنه شتمه، وسبق في كتاب بدء الخلق تقرير ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كفوا وكفيئا وكفاء واحد‏)‏ أي بمعنى واحد وهو قول أبي عبيدة، والأول بضمتين والثاني بفتح الكاف وكسر الفاء بعدها تحتانية ثم الهمزة والثالث بكسر الكاف ثم المد‏.‏

وقال الفراء‏:‏ كفوا يثقل ويخفف، أي يضم ويسكن‏.‏

قلت‏:‏ وبالضم قرأ الجمهور، وفتح حفص الواو بغير همز‏.‏

وبالسكون قرأ حمزة وبهمز في الوصل ويبدلها واوا في الوقف، ومراد أبي عبيدة أنها لغات لا قراءات نعم روي في الشواذ عن سليمان بن علي العباسي أنه قرأ بكسر ثم مد، وروي عن نافع مثله لكن بغير مد‏.‏

ومعنى الآية أنه لم يماثله أحد ولم يشاكله، أو المراد نفي الكفاءة في النكاح نفيا للمصاحبة، والأول أولى، فإن سياق الكلام لنفي المكافأة عن ذاته تعالى‏.‏

*3*سُورَةُ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة قل أعوذ برب الفلق - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت البسملة لغير أبي ذر، وتسمى أيضا سورة الفلق‏.‏

الحديث‏:‏

وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْفَلَقُ الصُّبْحُ وَ غَاسِقٍ اللَّيْلُ إِذَا وَقَبَ غُرُوبُ الشَّمْسِ يُقَالُ أَبْيَنُ مِنْ فَرَقِ وَفَلَقِ الصُّبْحِ وَقَبَ إِذَا دَخَلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَأَظْلَمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ الفلق الصبح‏)‏ وصله الفريابي من طريقه، وكذا قال أبو عبيدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وغاسق الليل إذا وقب غروب الشمس‏)‏ وصله الطبري من طريق مجاهد بلفظ ‏"‏ غاسق إذا وقب الليل إذا دخل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقال أبين من فرق وفلق الصبح‏)‏ هو قول الفراء ولفظه ‏"‏ قل أعوذ برب الفلق‏:‏ الفلق الصبح، وهو أبين من فلق الصبح وفرق الصبح‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقب إذا دخل في كل شيء وأظلم‏)‏ هو كلام الفراء أيضا، وجاء في حديث مرفوع أن الغاسق القمر، أخرجه الترمذي والحاكم من طريق أبي سلمة عن عائشة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر فقال‏:‏ يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا، قال‏:‏ هذا الغاسق إذا وقب ‏"‏ إسناده حسن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ وَعَبْدَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنْ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَقَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قِيلَ لِي فَقُلْتُ فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عاصم‏)‏ هو ابن بهدلة‏.‏

القارئ وهو ابن أبي النجود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعبدة‏)‏ هو ابن أبي لبابة بموحدتين الثانية خفيفة وضم أوله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سألت أبي بن كعب‏)‏ سيأتي في تفسير السورة التي بعدها بأتم من هذا السياق ويشرح ثم إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*سُورَةُ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة قل أعوذ برب الناس‏)‏ وتسمى سورة الناس‏.‏

الحديث‏:‏

وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْوَسْوَاسِ إِذَا وُلِدَ خَنَسَهُ الشَّيْطَانُ فَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَهَبَ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ ثَبَتَ عَلَى قَلْبِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ الوسواس إذا ولد خنسه الشيطان، فإذا ذكر الله عز وجل ذهب، وإذا لم يذكر الله ثبت على قلبه‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره‏:‏ ويذكر عن ابن عباس، وكأنه أولى لأن إسناده إلى ابن عباس ضعيف، أخرجه الطبري والحاكم وفي إسناده حكيم بن جبير وهو ضعيف ولفظه ‏"‏ ما من مولود إلا على قلبه الوسواس فإذا عمل فذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس ‏"‏ ورويناه في الذكر لجعفر بن أحمد بن فارس من وجه آخر عن ابن عباس، وفي إسناده محمد بن حميد الرازي وفيه مقال ولفظه ‏"‏ يحط الشيطان فاه على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس ‏"‏ وأخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر عن ابن عباس ولفظه ‏"‏ يولد الإنسان والشيطان جاثم على قلبه، فإذا عقل وذكر اسم الله خنس، وإذا غفل وسوس ‏"‏ وجاثم بجيم ومثلثة، وعقل الأولى بمهملة وقاف والثانية بمعجمة وفاء‏.‏

ولأبي يعلى من حديث أنس نحوه مرفوعا وإسناده ضعيف، ولسعيد بن منصور من طريق عروة بن رويم قال‏:‏ سأل عيسى عليه السلام ربه أن يريه موضع الشيطان من ابن آدم فأراه، فإذا رأسه مثل رأس الحية، واضع رأسه على ثمرة القلب، فإذا ذكر العبد ربه خنس‏.‏

وإذا ترك مناه وحدثه‏.‏

قال ابن التين ينظر في قوله خنسه الشيطان فإن المعروف في اللغة خنس إذا رجع وانقبض‏.‏

وقال عياض‏:‏ كذا في جميع الروايات وهو تصحيف وتغيير، ولعله كان فيه نخسه أي بنون ثم خاء معجمة ثم سين مهملة مفتوحات، لما جاء في حديث أبي هريرة - يعني الماضي في ترجمة عيسى عليه السلام - قال‏:‏ لكن اللفظ المروي عن ابن عباس ليس فيه نخس، فلعل البخاري أشار إلى الحديثين معا، كذا قال وادعى فيه التصحيف، ثم فرع على ما ظنه من أنه نخس، والتفريع ليس بصحيح لأنه لو أشار إلى حديث أبي هريرة لم يخص الحديث بابن عباس، ولعل الرواية التي وقعت له باللفظ المذكور، وتوجيهه ظاهر، ومعنى يخنسه يقبضه أي يقبض عليه، وهو بمعنى قوله في الروايتين اللتين ذكرناهما عن ابن فارس وسعيد بن منصور، وقد أخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس قال‏:‏ الوسواس هو الشيطان، يولد المولود والوسواس على قلبه فهو يصرفه حيث شاء، فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل جثم على قلبه فوسوس‏.‏

وقال الصغاني‏:‏ الأولى خنسه مكان يخنسه قال‏:‏ فإن سلمت اللفظة من التصحيف فالمعنى أخره وأزاله عن مكانه لشدة نخسه وطعنه بإصبعه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ح وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ زِرٍّ قَالَ سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قُلْتُ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ أُبَيٌّ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي قِيلَ لِي فَقُلْتُ قَالَ فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش، وحدثنا عاصم عن زر‏)‏ القائل ‏"‏ وحدثنا عاصم ‏"‏ هو سفيان، وكأنه كان يجمعهما تارة ويفردهما أخرى وقد قدمت أن في رواية الحميدي التصريح بسماع عبدة وعاصم له من زر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سألت أبي كعب قلت أبا المنذر‏)‏ هي كنية أبي بن كعب، وله كنية أخرى أبو الطفيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقول كذا وكذا‏)‏ هكذا وقع هذا اللفظ مبهما، وكأن بعض الرواة أبهمه استعظاما له‏.‏

وأظن ذلك من سفيان فإن الإسماعيلي أخرجه من طريقي عبد الجبار بن العلاء عن سفيان كذلك على الإبهام، كنت أظن أولا أن الذي أبهمه البخاري لأنني رأيت التصريح به في رواية أحمد عن سفيان ولفظه ‏"‏ قلت لأبي إن أخاك يحكها من المصحف ‏"‏ وكذا أخرجه الحميدي عن سفيان ومن طريقه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ وكأن سفيان كان تارة يصرح بذلك وتارة يبهمه‏.‏

وقد أخرجه أحمد أيضا وابن حبان من رواية حماد بن سلمة عن عاصم بلفظ ‏"‏ إن عبد الله بن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه ‏"‏ وأخرج أحمد عن أبي بكر بن عياش عن عاصم بلفظ ‏"‏ إن عبد الله يقول في المعوذتين ‏"‏ وهذا أيضا فيه إبهام، وقد أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي قال ‏"‏ كان عبد الله بن مسعود يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول إنهما ليستا من كتاب الله‏.‏

قال الأعمش‏:‏ وقد حدثنا عاصم عن زر عن أبي بن كعب فذكر نحو حديث قتيبة الذي في الباب الماضي، وقد أخرجه البزار وفي آخره يقول ‏"‏ إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما ‏"‏ قال البزار‏.‏

ولم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة‏.‏

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأهما في الصلاة‏.‏

قلت‏:‏ هو في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر وزاد فيه ابن حبان من وجه آخر عن عقبة بن عامر ‏"‏ فإن استطعت أن لا تفوتك قراءتهما في صلاة فافعل ‏"‏ وأخرج أحمد من طريق أبي العلاء بن الشخير عن رجل من الصحابة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه المعوذتين وقال له‏:‏ إذا أنت صليت فاقرأ بهما ‏"‏ وإسناده صحيح ولسعيد بن منصور من حديث معاذ بن جبل ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح فقرأ فيهما بالمعوذتين ‏"‏ وقد تأول القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب ‏"‏ الانتصار ‏"‏ وتبعه عياض وغيره ما حكي عن ابن مسعود فقال‏:‏ لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن وإنما أنكر إثباتهما في المصحف، فإنه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيئا إلا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابته فيه، وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك، قال‏:‏ فهذا تأويل منه وليس جحدا لكونهما قرآنا‏.‏

وهو تأويل حسن إلا أن الرواية الصحيحة الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها‏:‏ ويقول إنهما ليستا من كتاب الله‏.‏

نعم يمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتمشى التأويل المذكور‏.‏

وقال غير القاضي‏:‏ لم يكن اختلاف ابن مسعود مع غيره في قرآنيتهما، وإنما كان في صفة من صفاتهما انتهى‏.‏

وغاية ما في هذا أنه أبهم ما بينه القاضي‏.‏

ومن تأمل سياق الطرق التي أوردتها للحديث استبعد هذا الجمع‏.‏

وأما قول النووي في شرح المهذب‏:‏ أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منهما شيئا كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح، ففيه نظر، وقد سبقه لنحو ذلك أبو محمد بن حزم فقال في أوائل ‏"‏ المحلى ‏"‏‏:‏ ما نقل عن ابن مسعود من إنكار قرآنية المعوذتين فهو كذب باطل‏.‏

وكذا قال الفخر الرازي في أوائل تفسيره‏:‏ الأغلب على الظن أن هذا النقل عن ابن مسعود كذب باطل‏.‏

والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل، والإجماع الذي نقله إن أراد شموله لكل عصر فهو مخدوش، وإن أراد استقراره فهو مقبول‏.‏

وقد قال ابن الصباغ في الكلام على مانعي الزكاة‏:‏ وإنما قاتلهم أبو بكر على منع الزكاة ولم يقل إنهم كفروا بذلك، وإنما لم يكفروا لأن الإجماع لم يكن يستقر‏.‏

قال‏:‏ ونحن الآن نكفر من جحدها‏.‏

قال‏:‏ وكذلك ما نقل عن ابن مسعود في المعوذتين، يعني أنه لم يثبت عنده القطع بذلك، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك‏.‏

وقد استشكل هذا الموضع الفخر الرازي فقال‏:‏ إن قلنا إن كونهما من القرآن كان متواترا في عصر ابن مسعود لزم تكفير من أنكرها، وإن قلنا إن كونهما من القرآن كان لم يتواتر في عصر ابن مسعود لزم أن بعض القرآن لم يتواتر‏.‏

قال‏:‏ وهذه عقدة صعبة‏.‏

وأجيب باحتمال أنه كان متوترا في عصر ابن مسعود لكن لم يتوتر عند ابن مسعود فانحلت العقدة بعون الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ قيل لي قل، فقلت‏.‏

قال فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ القائل فنحن نقول إلخ هو أبي بن كعب‏.‏

ووقع عند الطبراني في الأوسط أن ابن مسعود أيضا قال مثل ذلك، لكن المشهور أنه من قول أبي بن كعب فلعله انقلب على راوية‏.‏

وليس في جواب أبي تصريح بالمراد، إلا أن في الإجماع على كونهما من القرآن غنية عن تكلف الأسانيد بأخبار الآحاد، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب التفسير على خمسمائة حديث وثمانية وأربعين حديثا من الأحاديث المرفوعة وما في حكمها، الموصول من ذلك أربعمائة حديث وخمسة وستون حديثا والبقية معلقة وما في معناه، المكرر من ذلك فيه وفيما مضى أربعمائة وثمانية وأربعون حديثا، والخالص منها مائة حديث وحديث، وافقه مسلم على تخريج بعضها ولم يخرج أكثرها لكونها ليست ظاهرة في الرفع، والكثير منها من تفاسير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهي ستة وستون حديثا‏:‏ حديث أبي سعيد بن المعلى في الفاتحة، وحديث عمر ‏"‏ أبي أقرؤنا ‏"‏ وحديث ابن عباس ‏"‏ كذبني ابن آدم ‏"‏ وحديث أبي هريرة ‏"‏ لا تصدقوا أهل الكتاب ‏"‏ وحديث أنس ‏"‏ لم يبق ممن صلى القبلتين غيري ‏"‏ وحديث ابن عباس ‏"‏ كان في بني إسرائيل القصاص ‏"‏ وحديثه في تفسير ‏(‏وعلى الذين يطيقونه‏)‏ ، وحديث ابن عمر في ذلك، وحديث البراء ‏"‏ لما نزل رمضان كانوا لا يقربون النساء ‏"‏ وحديث حذيفة في تفسير ‏(‏ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة‏)‏ ، وحديث ابن عمر في ‏(‏نساؤكم حرث لكم‏)‏ ، وحديث معقل بن يسار في نزول ‏(‏ولا تعضلوهن‏)‏ ، وحديث عثمان في نزول ‏(‏والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا‏)‏ ، وحديث ابن عباس في تفسيرها، وحديث ابن مسعود في المتوفى عنها زوجها، وحديث ابن عباس عن عمر في ‏"‏ أيود أحدكم ‏"‏ وحديث ابن عمر في ‏(‏وإن تبدوا ما في أنفسكم‏)‏ ، وحديث ابن عباس في ‏(‏حسبنا الله‏)‏ ، وحديث ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين ‏"‏ الحديث، ووقع في آخر حديث أسامة بن زيد في قصة عبد الله بن أبي، وحديث ابن عباس ‏"‏ كان المال للولد ‏"‏ وحديثه ‏"‏ كان إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته ‏"‏ وحديثه في ‏(‏ولكل جعلنا موالي‏)‏ وحديثه ‏"‏ كنت أنا وأمي من المستضعفين‏"‏، وحديثه في نزول ‏(‏إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم‏)‏ ، وحديثه في نزول ‏(‏إن كان بكم أذى من مطر‏)‏ ، وحديث ابن مسعود في يونس بن متى، وحديث حذيفة في النفاق، وحديث عائشة في لغو اليمين، وحديثها عن أبيها في كفارة اليمين‏.‏

وحديث جابر في نزول ‏(‏قل هو القادر‏)‏ ، وحديث ابن عمر في الأشربة، وحديث ابن عباس في نزول ‏(‏لا تسألوا عن أشياء‏)‏ ، وحديث الحر بن قيس مع عمر في قوله ‏(‏خذ العفو‏)‏ ، وحديث ابن الزبير في تفسيرها، وحديث ابن عباس في تفسير ‏(‏الصم البكم‏)‏ ، وحديثه في تفسير ‏(‏إن يكن منكم عشرون صابرون‏)‏ وحديث حذيفة ‏"‏ ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة، وحديث ابن عباس في قصته مع ابن الزبير وفيه ذكر أبي بكر في الغار، وحديثه في تفسير ‏(‏يثنون صدورهم‏)‏ ، وحديث ابن مسعود في ‏(‏هيت لك‏)‏ و ‏(‏بل عجبت‏)‏ ، وحديث أبي هريرة في صفة مسترقي السمع، وحديث ابن عباس في تفسير ‏(‏عضين‏)‏ ، وحديث ابن مسعود في ‏"‏ الكهف ومريم من تلادى‏"‏، وحديثه ‏"‏ كنا نقول للحي إذا كثروا‏"‏، وحديث ابن عباس في تفسير ‏(‏وما جعلنا الرؤيا‏)‏ ، وحديث سعد بن أبي وقاص في ‏(‏الأخسرين أعمالا‏)‏ ، وحديث ابن عباس في تفسير ‏(‏ومن الناس من يعبد الله على حرف‏)‏ ، وحديث عائشة في نزول ‏(‏وليضربن بخمرهن‏)‏ ، وحديث ابن عباس في ‏(‏لرادك إلى معاد‏)‏ ، وحديث أبي سعيد في الصلاة على النبي، وحديث ابن عباس في جواب ‏"‏ إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي ‏"‏ وحديث عائشة في تفسير ‏(‏والذي قال لوالديه أف لكما‏)‏ ، وحديث عبد الله بن مغفل في البول في المغتسل، وحديث ابن عباس في تفسير ‏(‏أدبار السجود‏)‏ ، وحديثه في تفسير ‏(‏اللات‏)‏ ، وحديث عائشة في نزول ‏(‏بل الساعة موعدهم‏)‏ ، وحديث ابن عباس في تفسير ‏(‏ولا يعصينك في معروف‏)‏ ، وحديث أنس عن زيد بن أرقم في فضل الأنصار، وحديث ابن عباس في تفسير ‏(‏عتل بعد ذلك زنيم‏)‏ وحديثه في ذكر الأوثان التي كانت في قوم نوح، وحديثه في تفسير ‏(‏ترمي بشرر كالقصر‏)‏ ، وحديثه في تفسير ‏(‏لتركبن طبقا عن طبق‏)‏ ، وحديثه في تفسير ‏(‏فليدع ناديه‏)‏ ، وحديث عائشة في تفسير ذكر الكوثر، وحديث ابن عباس في تفسيره بالخير الكثير، وحديث أبي بن كعب في المعوذتين‏.‏

وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم خمسمائة وثمانون أثرا تقدم بعضها في بدء الخلق وغيره، وهي قليلة، وقد بينت كل واحد منها في موضعها‏.‏

ولله الحمد‏.‏