فصل: باب قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*2*كِتَاب تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اسْمَانِ مِنْ الرَّحْمَةِ الرَّحِيمُ وَالرَّاحِمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَالْعَلِيمِ وَالْعَالِمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب التفسير‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ كتاب تفسير القرآن ‏"‏ وأخر غيره البسملة والتفسير تفعيل من الفسر وهو البيان، تقول‏:‏ فسرت الشيء بالتخفيف أفسره فسرا، وفسرته بالتشديد أفسره تفسيرا إذا بينته‏.‏

وأصل الفسر نظر الطبيب إلى الماء ليعرف العلة‏.‏

وقيل‏:‏ هو من فسرت الفرس إذا ركضتها محصورة لينطلق حصرها‏.‏

وقيل هو مقلوب من سفر كجذب وجبذ، تقول‏:‏ سفر إذا كشف وجهه، ومنه أسفر الصبح إذا أضاء‏.‏

واختلفوا في التفسير والتأويل، قال أبو عبيدة وطائفة‏:‏ هما بمعنى‏.‏

وقيل التفسير هو بيان المراد باللفظ، والتأويل هو بيان المراد بالمعنى، وقيل في الفرق بينهما غير ذلك، وقد بسطته في أواخر كتاب التوحيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الرحمن الرحيم اسمان من الرحمة‏)‏ أي مشتقان من الرحمة، والرحمة لغة الرقة والانعطاف، وعلى هذا فوصفه به تعالى مجاز عن إنعامه على عباده، وهي صفة فعل لا صفة ذات‏.‏

وقيل‏:‏ ليس الرحمن مشتقا لقولهم وما الرحمن‏؟‏ وأجيب بأنهم جهلوا الصفة والموصوف، ولهذا لم يقولوا‏:‏ ومن الرحمن‏؟‏ وقيل‏:‏ هو علم بالغلبة لأنه جاء غير تابع لموصوف في قوله‏:‏ ‏(‏الرحمن على العرش استوى‏)‏ ‏(‏وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن‏)‏ ‏(‏قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن‏)‏ ‏(‏يوم نحشر المتقين إلى الرحمن‏)‏ وغير ذلك‏.‏

وتعقب بأنه لا يلزم من مجيئه غير تابع أن لا يكون صفة، لأن الموصوف إذا علم جاز حذفه وإبقاء صفته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الرحيم والراحم بمعنى واحد كالعليم والعالم‏)‏ هذا بالنظر إلى أصل المعنى، وإلا فصيغة فعيل من صيغ المبالغة، فمعناها زائد على معنى الفاعل، وقد ترد صيغة فعيل بمعنى الصفة المشبهة، وفيها أيضا زيادة لدلالتها على الثبوت، بخلاف مجرد الفاعل فإنه يدل على الحدوث ويحتمل أن يكون المراد أن فعيلا بمعنى فاعل لا بمعنى مفعول لأنه قد يرد بمعنى مفعول فاحترز عنه، واختلف هل الرحمن والرحيم بمعنى واحد كالندمان والنديم فجمع بينهما تأكيدا‏؟‏ أو بينهما مغايرة بحسب المتعلق فهو رحمن الدنيا ورحيم الآخرة لأن رحمته في الدنيا تعم المؤمن والكافر وفي الآخرة تخص المؤمن، أو التغاير بجهة أخرى فالرحمن أبلغ لأنه يتناول جلائل النعم وأصولها‏.‏

تقول فلان غضبان إذا امتلأ غضبا‏.‏

وأردف بالرحيم ليكون كالتتمة ليتناول ما دق‏.‏

وقيل الرحيم أبلغ لما يقتضيه صيغة فعيل، والتحقيق أن جهة المبالغة فيهما مختلفة‏.‏

وروى ابن جرير من طريق عطاء الخراساني أن غير الله لما تسمى بالرحمن كمسيلمة جيء بلفظ الرحيم لقطع التوهم فإنه لم يوصف بهما أحد إلا الله، وعن ابن المبارك‏:‏ الرحمن إذا سئل أعطى والرحيم إذا لم يسأل يغضب، ومن الشاذ ما روي عن المبرد وثعلب أن الرحمن عبراني والرحيم عربي، وقد ضعفه ابن الأنباري والزجاج وغيرهما، وقد وجد في اللسان العبراني لكن بالخاء المعجمة‏.‏

والله أعلم

*3*باب مَا جَاءَ فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ

وَسُمِّيَتْ أُمَّ الْكِتَابِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ وَالدِّينُ الْجَزَاءُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ بِالدِّينِ بِالْحِسَابِ مَدِينِينَ مُحَاسَبِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في فاتحة الكتاب‏)‏ أي من الفضل، أو من التفسير، أو أعم من ذلك، مع التقييد بشرطه في كل وجه‏.‏

الحديث‏:‏

وَسُمِّيَتْ أُمَّ الْكِتَابِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ وَالدِّينُ الْجَزَاءُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ بِالدِّينِ بِالْحِسَابِ مَدِينِينَ مُحَاسَبِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسميت أم الكتاب أنه‏)‏ بفتح الهمزة ‏(‏يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة‏)‏ هو كلام أبي عبيدة في أول‏"‏، مجاز القرآن ‏"‏ لكن لفظه ‏"‏ ولسور القرآن أسماء‏:‏ منها أن الحمد لله تسمى أم الكتاب لأنه يبدأ بها في أول القرآن، وتعاد قراءتها فيقرأ بها في كل ركعة قبل السورة، ويقال لها فاتحة الكتاب لأنه يفتتح بها في المصاحف فتكتب قبل الجميع ‏"‏ انتهى‏.‏

وبهذا تبين المراد مما اختصره المصنف‏.‏

وقال غيره‏:‏ سميت أم الكتاب لأن أم الشيء ابتداؤه وأصله، ومنه سميت مكة أم القرى لأن الأرض دحيت من تحتها‏.‏

وقال بعض الشراح‏:‏ التعليل بأنها يبدأ بها يناسب تسميتها فاتحة الكتاب لا أم الكتاب، والجواب أنه يتجه ما قال بالنظر إلى أن الأم مبدأ الولد، وقيل سميت أم القرآن لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى والتعبد بالأمر والنهي والوعد ولوعيد‏.‏

وعلى ما فيها من ذكر الذات والصفات والفعل‏.‏

واشتمالها على ذكر المبدأ والمعاد والمعاش‏.‏

ونقل السهيلي عن الحسن وابن سيرين ووافقهما بقي بن مخلد كراهية تسمية الفاتحة أم الكتاب، وتعقبه السهيلي‏.‏

قلت وسيأتي في حديث الباب تسميتها بذلك، ويأتي في تفسير الحجر حديث أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ أم القرآن هي السبع المثاني ‏"‏ ولا فرق بين تسميتها بأم القرآن وأم الكتاب‏.‏

ولعل الذي كره ذلك وقف عند لفظ الأم، وإذا ثبت النص طاح ما دونه‏.‏

وللفاتحة أسماء أخرى جمعت من آثار أخرى‏:‏ الكنز والوافية والشافعية والكافية وسورة الحمد لله وسورة الصلاة وسورة الشفاء والأساس وسورة الشكر وسورة الدعاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الدين الجزاء في الخير والشر‏.‏

كما تدين تدان‏)‏ هو كلام أبي عبيدة أيضا قال‏:‏ الدين الحساب والجزاء، يقال في المثل‏:‏ كما تدين تدان‏.‏

انتهى، وقد ورد هذا في حديث مرفوع أخرجه عبد الرازق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وهو مرسل رجاله ثقات‏.‏

ورواه عبد الرزاق بهذا الإسناد أيضا عن أبي قلابة عن أبي الدرداء موقوفا وأبو قلابة لم يدرك أبا الدرداء‏.‏

وله شاهد موصول من حديث ابن عمر أخرجه ابن عدي وضعفه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ بالدين بالحساب‏.‏

مدينين محاسبين‏)‏ وصله عبد بن حميد في التفسير من طريق منصور عن مجاهد في قوله تعالى ‏(‏كلا بل تكذبون بالدين‏)‏ قال‏:‏ بالحساب‏.‏

ومن طريق ورقاء بن عمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى ‏(‏فلولا إن كنتم غير مدينين‏)‏ غير محاسبين‏.‏

والأثر الأول جاء موقوفا عن ناس من الصحابة أخرجه الحاكم من طريق السدي عن مرة الهمداني عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله تعالى ‏(‏مالك يوم الدين‏)‏ قال‏:‏ هو يوم الحساب ويوم الجزاء وللدين معان أخرى‏:‏ منها العادة والحكم والحال والخلق والطاعة والقهر والملة والشريعة والورع والسياسة، وشواهد ذلك يطول ذكرها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي فَقَالَ أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ثُمَّ قَالَ لِي لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني خبيب‏)‏ بالمعجمة مصغر ‏(‏ابن عبد الرحمن‏)‏ أي ابن خبيب بن يساف الأنصاري، وحفص ابن عاصم أي ابن عمر بن الخطاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سعيد بن المعلى‏)‏ بين في رواية أخرى تأتي في تفسير الأنفال سماع خبيب له من حفص وحفص له من أبي سعيد، وليس لأبي سعيد هذا في البخاري سوى هذا الحديث‏.‏

واختلف في اسمه فقيل‏:‏ رافع، وقيل‏:‏ الحارث وقواه ابن عبد البر ووهى الذي قبله‏.‏

وقيل أوس وقيل بل أوس اسم أبيه والمعلى جده‏.‏

ومات أبو سعيد سنة ثلاث أو أربع وسبعين من الهجرة، وأرخ ابن عبد البر وفاته سنة أربع وسبعين، وفيه نظر بينته في كتابي في الصحابة‏.‏

‏(‏تنبيهان‏)‏ يتعلقان بإسناد هذا الحديث‏:‏ ‏(‏أحدهما‏)‏ نسب الغزالي والفخر الرازي وتبعه البيضاوي هذه القصة لأبي سعيد الخدري، وهو وهم، وإنما هو أبو سعيد بن المعلى، ‏(‏ثانيهما‏)‏ روى الواقدي هذا الحديث عن محمد بن معاذ عن خبيب بن عبد الرحمن بهذا الإسناد فزاد في إسناده عن أبي سعيد بن المعلى عن أبي بن كعب‏.‏

والذي في الصحيح أصح‏.‏

والواقدي شديد الضعف إذا انفرد فكيف إذا خالف‏.‏

وشيخه مجهول‏.‏

وأظن الواقدي دخل عليه حديث في حديث فإن مالكا أخرج نحو الحديث المذكور من وجه آخر فيه ذكر أبي بن كعب فقال‏:‏ عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي سعيد مولى عامر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب ‏"‏ ومن الرواة عن مالك من قال ‏"‏ عن أبي سعيد عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم ناداه ‏"‏ وكذلك أخرجه الحاكم، ووهم ابن الأثير حيث ظن أن أبا سعيد شيخ العلاء هو أبو سعيد بن المعلى، فإن ابن المعلى صحابي أنصاري من أنفسهم مدني، وذلك تابعي مكي من موالي قريش، وقد اختلف فيه على العلاء أخرجه الترمذي من طريق الدراوردي والنسائي من طريق روح بن القاسم وأحمد في طريق عبد الرحمن بن إبراهيم وابن خزيمة من طريق حفص بن ميسرة كلهم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‏"‏ خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب ‏"‏ فذكر الحديث وأخرجه الترمذي وابن خزيمة من طريق عبد الحميد بن جعفر والحاكم من طريق شعبة كلاهما عن العلاء مثله لكن قال ‏"‏ عن أبي هريرة رضي الله عنه ‏"‏ ورجح الترمذي كونه من مسند أبي هريرة، وقد أخرجه الحاكم أيضا من طريق الأعرج عن أبي هريرة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب ‏"‏ وهو مما يقوي ما رجحه الترمذي، وجمع البيهقي بأن القصة وقعت لأبي بن كعب ولأبي سعيد بن المعلى ويتعين المصير إلى ذلك لاختلاف مخرج الحديثين واختلاف سياقهما كما سأبينه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه‏)‏ زاد في تفسير الأنفال من وجه آخر عن شعبة ‏"‏ فلم آته حتى صليت ثم أتيته ‏"‏ وفي رواية أبي هريرة ‏"‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب وهو يصلي فقال‏:‏ أي أبي، فألتفت فلم يجبه، ثم صلى فخفف‏.‏

ثم انصرف فقال‏:‏ سلام عليك يا رسول الله قال‏:‏ ويحك ما منعك إذ دعوتك أن لا تجيبني ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألم يقل الله تعالى استجيبوا‏)‏ في حديث أبي هريرة ‏"‏ أو ليس تجد فيما أوحى الله إلي أن استجيبوا لله وللرسول الآية‏؟‏ فقلت‏:‏ بلى يا رسول الله، لا أعود إن شاء الله‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ نقل ابن التين عن الداودي أن في حديث الباب تقديما وتأخيرا، وهو قوله ‏"‏ ألم يقل الله استجيبوا لله وللرسول ‏"‏ قبل قول أبي سعيد ‏"‏ كنت في الصلاة ‏"‏ قال‏:‏ فكأنه تأول أن من هو في الصلاة خارج عن هذا الخطاب قال‏:‏ والذي تأول القاضيان عبد الوهاب وأبو الوليد أن إجابة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فرض يعصى المرء بتركه، وأنه حكم يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم قلت‏:‏ وما ادعاه الداودي لا دليل عليه، وما جنح إليه القاضيان من المالكية هو قول الشافعية على اختلاف عندهم بعد قولهم بوجوب الإجابة هل تبطل الصلاة أم لا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأعلمنك سورة هي أعظم السور‏)‏ في رواية روح في تفسير الأنفال ‏"‏ لأعلمنك أعظم سورة في القرآن ‏"‏ وفي حديث أبي هريرة أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ‏"‏ قال ابن التين معناه أن ثوابها أعظم من غيرها، واستدل به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض وقد منع ذبك الأشعري وجماعة، لأن المفضول ناقص عن درجة الأفضل وأسماء الله وصفاته وكلامه لا نقص فيها، وأجابوا عن ذلك بأن معنى التفاضل أن ثواب بعضه أعظم من ثواب بعض، فالتفضيل إنما هو من حيث المعاني لا من حيث الصفة، ويؤيد التفضيل قوله تعالى ‏(‏نأت بخير منها أو مثلها‏)‏ وقد روى ابن أبي حاتم من طريق علي ابن طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏نأت بخير منها‏)‏ أي في المنفعة والرفق والرفعة، وفي هذا تعقب على من قال‏:‏ فيه تقديم وتأخير والتقدير نأت منها بخير، وهو كما قيل في قوله تعالى ‏(‏من جاء بالحسنة فله خير منها‏)‏ لكن قوله في آية الباب ‏(‏أو مثلها‏)‏ يرجح الاحتمال الأول، فهو المعتمد، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أخذ بيدي‏)‏ زاد في حديث أبي هريرة ‏"‏ يحدثني وأنا أتباطأ مخافة أن يبلغ الباب قبل أن ينقضي الحديث‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألم تقل لأعلمنك سورة‏)‏ في حديث أبي هريرة ‏"‏ قلت يا رسول الله ما السورة التي قد وعدتني‏؟‏ قال‏:‏ كيف تقرأ في الصلاة‏؟‏ فقرأت عليه أم الكتاب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم‏)‏ في رواية معاذ في تفسير الأنفال ‏"‏ فقال‏:‏ هي الحمد لله رب العالمين، السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ‏"‏ وفي حديث أبي هريرة ‏"‏ فقال‏:‏ إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ‏"‏ وفي هذا تصريح بأن المراد بقوله تعالى ‏(‏ولقد آتيناك سبعا من المثاني‏)‏ هي الفاتحة‏.‏

وقد روى النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس ‏"‏ أن السبع المثاني هي السبع الطوال ‏"‏ أي السور من أول البقرة إلى آخر الأعراف ثم براءة، وقيل يونس‏.‏

وعلى الأول فالمراد بالسبع الآي لأن الفاتحة سبع آيات، وهو قول سعيد بن جبير‏.‏

واختلف في تسميتها ‏"‏ مثاني ‏"‏ فقيل لأنها تثنى كل ركعة أي تعاد، وقيل لأنها يثنى بها على الله تعالى، وقيل لأنها استثنيت لهذه الأمة لم تنزل على من قبلها، قال ابن التين‏:‏ فيه دليل على أن بسم الله الرحمن الرحيم ليست آية من القرآن، كذا قال، عكس غيره لأنه أراد السورة، ويؤيده أنه لو أراد ‏"‏ الحمد لله رب العالمين ‏"‏ الآية لم يقل هي السبع المثاني لأن الآية الواحدة لا يقال لها سبع فدل على أنه لو أراد بها السورة‏.‏

والحمد لله رب العالمين من أسمائها، وفيه قوة لتأويل الشافعي في حديث أنس قال‏:‏ كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين، قال الشافعي‏:‏ أراد السورة وتعقب بأن هذه السورة تسمى سورة الحمد لله، ولا تسمى الحمد لله رب العالمين، وهذا الحديث يرد هذا التعقب، وفيه أن الأمر يقتضي الفور لأنه عاتب الصحابي على تأخير إجابته‏.‏

وفيه استعمال صيغة العموم في الأحوال كلها قال الخطابي‏:‏ فيه أن حكم لفظ العموم أن يجري على جميع مقتضاه، وأن الخاص والعام إذا تقابلا كان العام منزلا على الخاص، لأن الشارع حرم الكلام في الصلاة على العموم، ثم استثنى منه إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة‏.‏

وفيه أن إجابة المصلي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لا تفسد الصلاة، هكذا صرح به جماعة من الشافعية وغيرهم‏.‏

وفيه بحث لاحتمال أن تكون إجابته واجبة مطلقا سواء كان المخاطب مصليا أو غير مصل، أما كونه يخرج بالإجابة من الصلاة أو لا يخرج فليس من الحديث ما يستلزمه‏.‏

فيحتمل أن تجب الإجابة ولو خرج المجيب من الصلاة، وإلى ذلك جنح بعض الشافعية، وهل يختص هذا الحكم بالنداء أو يشمل ما هو أعم حتى تجب إجابته إذا سأل‏؟‏ فيه بحث وقد جزم ابن حبان بأن إجابة الصحابة في قصة ذي اليدين كان كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والقرآن العظيم الذي أوتيته‏)‏ قال الخطابي‏:‏ في قوله ‏"‏ هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ‏"‏ دلالة على أن الفاتحة هي القرآن العظيم، وأن الواو ليست بالعاطفة التي تفصل بين الشيئين‏.‏

وإنما هي التي تجيء بمعنى التفصيل كقوله‏:‏ ‏(‏فاكهة ونخل ورمان‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏وملائكته ورسله وجبريل وميكال‏)‏ انتهى‏.‏

وفيه بحث لاحتمال أن يكون قوله‏:‏ ‏(‏والقرآن العظيم‏)‏ محذوف الخبر والتقدير ما بعد الفاتحة مثلا فيكون وصف الفاتحة انتهى بقوله ‏"‏ هي السبع المثاني ‏"‏ ثم عطف قوله ‏"‏ والقرآن العظيم ‏"‏ أب ما زاد على الفاتحة وذكر ذلك رعاية لنظم الآية ويكون التقدير‏:‏ والقرآن العظيم هو الذي أوتيته زيادة على الفاتحة‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ يستنبط من تفسير السبع المثاني بالفاتحة أن الفاتحة مكية وهو قول الجمهور، خلافا لمجاهد‏.‏

ووجه الدلالة أنه سبحانه أمتن على رسوله بها، وسورة الحجر مكية اتفاقا فيدل على تقديم نزول الفاتحة عليها‏.‏

قال الحسين بن الفضل‏:‏ هذه هفوة من مجاهد، لأن العلماء على خلاف قوله، وأغرب بعض المتأخرين فنسب القول بذنك لأبي هريرة والزهري وعطاء بن يسار، وحكى القرطبي أن بعضهم زعم أنها نزلت مرتين، وفيه دليل على أن الفاتحة سبع آيات، ونقلوا فيه الإجماع لكن جاء عن حسين بن علي الجعفي أنها ست آيات لأنه لم يعد البسملة وعن عمرو بن عبيد أنها ثمان آيات لأنه عدها وعد ‏(‏أنعمت عليهم‏)‏ وقيل لم يعدها وعد ‏(‏إياك نعبد‏)‏ وهذا أغرب الأقوال‏.‏

*3*باب غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب غير المغضوب عليهم ولا الضالين‏)‏ قال أهل العربية ‏"‏ لا ‏"‏ زائدة لتأكيد معنى النفي المفهوم من غير، لئلا يتوهم عطف الضالين على الذين أنعمت‏.‏

وقيل لا بمعنى غير، ويؤيده قراءة عمر ‏"‏ غير المغضوب عليهم وغير الضالين ‏"‏ ذكرها أبو عبيد وسعيد بن منصور بإسناد صحيح، وهي للتأكيد أيضا وروى أحمد وابن حبان من حديث عدي بن حاتم ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ المغضوب عليهم اليهود، ولا الضالين النصارى ‏"‏ هكذا أورده مختصرا، وهو عند الترمذي في حديث طويل‏.‏

وأخرجه ابن مردويه بإسناد حسن عن أبي ذر، وأخرجه أحمد من طريق عبد الله بن شقيق أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم نحوه‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ لا أعلم بين المفسرين في ذلك اختلافا، قال السهيلي‏:‏ وشاهد ذلك قوله تعالى في اليهود ‏(‏فباءوا بغضب على غضب‏)‏ وفي النصارى ‏(‏قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا‏)‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في موافقة الإمام في التأمين، وقد تقدم شرحه في صفة الصلاة، وروى أحمد وأبو داود والترمذي من حديث وائل بن حجر قال ‏"‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال‏:‏ آمين، ومد بها صوته ‏"‏ وروى أبو داود وابن ماجه نحوه من حديث أبي هريرة‏.‏

*3*سورة الْبَقَرَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم سورة البقرة‏)‏ كذا لأبي ذر وسقطت البسملة لغيره‏.‏

واتفقوا على أنها مدنية وأنها أول سورة أنزلت بها‏.‏

وسيأتي قول عائشة ‏"‏ ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولم يدخل عليها إلا بالمدينة‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى وعلم آدم الأسماء‏)‏ كذا لأبي ذر وسقطت لغيره ‏"‏ باب قول الله‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و قَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ لَوْ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ أَنْتَ أَبُو النَّاسِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ ذَنْبَهُ فَيَسْتَحِي ائْتُوا نُوحًا فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ سُؤَالَهُ رَبَّهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ فَيَسْتَحِي فَيَقُولُ ائْتُوا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا كَلَّمَهُ اللَّهُ وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ نَفْسٍ فَيَسْتَحِي مِنْ رَبِّهِ فَيَقُولُ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ وَكَلِمَةَ اللَّهِ وَرُوحَهُ فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ ائْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَيَأْتُونِي فَأَنْطَلِقُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنَ لِي فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُقَالُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَحْمَدُهُ بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي مِثْلَهُ ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَقُولُ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى خَالِدِينَ فِيهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسلم‏)‏ هو ابن إبراهيم، وهشام هو الدستوائي، وساق المصنف حديث الشفاعة لقول أهل الموقف لآدم وعلمك أسماء كل شيء، واختلف في المراد بالأسماء‏:‏ فقيل أسماء ذريته، وقيل أسماء الملائكة، وقيل أسماء الأجناس دون أنواعها، وقيل أسماء كل ما في الأرض، وقيل أسماء كل شيء حتى القصعة‏.‏

وقد غفل المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ فنسب هذه الطريقة إلى كتاب الإيمان وليس لها فيه ذكر‏.‏

وإنما هي في التفسير‏.‏

وسيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏)‏ هو المصنف‏.‏

*3*باب

قَالَ مُجَاهِدٌ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ أَصْحَابِهِمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ اللَّهُ جَامِعُهُمْ عَلَى الْخَاشِعِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا قَالَ مُجَاهِدٌ بِقُوَّةٍ يَعْمَلُ بِمَا فِيهِ وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ مَرَضٌ شَكٌّ وَمَا خَلْفَهَا عِبْرَةٌ لِمَنْ بَقِيَ لَا شِيَةَ لَا بَيَاضَ وَقَالَ غَيْرُهُ يَسُومُونَكُمْ يُولُونَكُمْ الْوَلَايَةُ مَفْتُوحَةٌ مَصْدَرُ الْوَلَاءِ وَهِيَ الرُّبُوبِيَّةُ إِذَا كُسِرَتْ الْوَاوُ فَهِيَ الْإِمَارَةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْحُبُوبُ الَّتِي تُؤْكَلُ كُلُّهَا فُومٌ وَقَالَ قَتَادَةُ فَبَاءُوا فَانْقَلَبُوا وَقَالَ غَيْرُهُ يَسْتَفْتِحُونَ يَسْتَنْصِرُونَ شَرَوْا بَاعُوا رَاعِنَا مِنْ الرُّعُونَةِ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُحَمِّقُوا إِنْسَانًا قَالُوا رَاعِنًا لَا يَجْزِي لَا يُغْنِي خُطُوَاتِ مِنْ الْخَطْوِ وَالْمَعْنَى آثَارَهُ ابْتَلَى اخْتَبَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا لهم بغير ترجمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال مجاهد إلى آخر ما أورده عنه من التفاسير‏)‏ سقط جميع ذلك للسرخسي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى شياطينهم‏:‏ أصحابهم من المنافقين والمشركين‏)‏ وصله عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏وإذا خلوا إلى شياطينهم‏)‏ قال‏:‏ إلى أصحابهم، فذكره‏.‏

ومن طريق شيبان عن قتادة قال‏:‏ إلى إخوانهم من المشركين ورءوسهم وقادتهم في الشر‏.‏

وروى الطبراني نحوه عن ابن مسعود، ومن طريق ابن عباس قال‏:‏ كان رجال من اليهود إذا لقوا الصحابة قالوا إنا على دينكم، وإذا خلوا إلى شياطينهم - وهم أصحابهم - قالوا‏:‏ إنا معكم‏.‏

والنكتة في تعدية خلوا بإلى مع أن أكثر ما يتعدى بالباء أن الذي يتعدى بالباء يحتمل الانفراد والسخرية تقول‏:‏ خلوت به إذا سخرت منه، والذي يتعدى بإلى نص في الانفراد، أفاد ذلك الطبري ويحتمل أن يكون ضمن ‏"‏ خلا ‏"‏ معنى ذهب‏.‏

وعلى طريقة الكوفيين بأن حروف الجر تتناوب، فإلى بمعنى الباء أو بمعنى مع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏محيط بالكافرين‏:‏ الله جامعهم‏)‏ وصله عبد بن حميد بالإسناد المذكور عن مجاهد، ووصله الطبري من وجه آخر عنه وزاد ‏"‏ في جهنم ‏"‏ ومن طريق ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏محيط بالكافرين‏)‏ قال منزل بهم النقمة‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ قوله‏:‏ ‏(‏والله محيط بالكافرين‏)‏ جملة مبتدأ وخبر اعترضت بين جملة ‏(‏يجعلون أصابعهم‏)‏ وجملة ‏(‏يكاد البرق يخطف أبصارهم‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صبغة‏:‏ دين‏)‏ وصله عبد بن حميد من طريق منصور عن مجاهد قال قوله صبغة الله أي دين الله، ومن طريق ابن أبي نجيح عنه قال‏:‏ صبغة الله أي فطرة الله، ومن طريق قتادة قال‏:‏ إن اليهود تصبغ أبناءها تهودا، وكذلك النصارى، وإن صبغة الله الإسلام، وهو دين الله الذي بعث به نوحا ومن بعده انتهى وقراءة الجمهور ضبغة بالنصب وهو مصدر انتصب عن قوله‏:‏ ‏(‏ونحن له مسلمون‏)‏ على الأرجح، وقيل منصوب على الإغراء أي ألزموا، وكأن لفظ صبغة ورد بطريق المشاكلة لأن النصارى كانوا يغمسون من ولد منهم في ماء المعمودية ويزعمون أنهم يطهرونهم بذلك، فقيل للمسلمين ألزموا صبغة الله فإنها أطهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على الخاشعين‏:‏ على المؤمنين حقا‏)‏ وصله عبد بن حميد عن شبابة بالسند المذكور عن مجاهد، وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية قال في قوله‏:‏ ‏(‏إلا على الخاشعين‏)‏ قال‏:‏ يعني الخائفين، ومن طريق مقاتل بن حبان قال‏:‏ يعني به المتواضعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بقوة يعمل بما فيه‏)‏ وصله عبد بالسند المذكور، وروى ابن أبي حاتم والطبري من طريق أبي العالية قال القوة الطاعة، ومن طريق قتادة والسدي قال‏:‏ القوة الجد والاجتهاد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو العالية‏:‏ مرض شك‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق أبي جعفر الرازي عن أبي العالية في قوله تعالى ‏(‏في قلوبهم مرض‏)‏ أي شك، ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله، ومن طريق عكرمة قال‏:‏ الرياء‏.‏

ومن طريق قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏فزادهم الله مرضا‏)‏ أي نفاقا وروى الطبري من طريق قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏في قلوبهم مرض‏)‏ قال ريبة وشك في أمر الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما خلفها عبرة لمن بقي‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق أبي جعفر الرازي عن أبي العالية في قوله ‏(‏فجعلناها نكالا لما بين يديها‏)‏ أي عقوبة لما خلا من ذنوبهم ‏(‏وما خلفها‏)‏ أي عبرة لمن بقي بعدهم من الناس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا شية فيها لا بياض فيها‏)‏ تقدم في ترجمة موسى من أحاديث الأنبياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره يسومونكم يولونكم‏)‏ هو بضم أوله وسكون الواو والغير المذكور هو أبو عبيد القاسم بن سلام ذكره كذلك في ‏"‏ الغريب المصنف ‏"‏ وكذا قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في ‏"‏ المجاز ‏"‏ ومنه قول عمرو بن كلثوم‏:‏ إذا ما الملك سام الناس خسفا أبينا أن نقر الخسف فينا ويحتمل أن يكون السوم بمعنى الدوام أي يديمون تعذيبكم، ومنه سائمة الغنم لمداومتها الرعي‏.‏

وقال الطبري معنى يسومونكم يوردونكم أو يذيقونكم أو يولونكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الولاية مفتوحة‏)‏ أي مفتوحة الواو ‏(‏مصدر الولاء وهي الربوبية وإذا كسرت الواو فهي الإمارة‏)‏ هو معنى كلام أبي عبيدة، قال في قوله تعالى ‏(‏هنالك الولاية لله الحق‏)‏ ‏:‏ الولاية بالفتح مصدر الولي‏.‏

وبالكسر‏.‏

ووليت العمل والأمر تليه‏.‏

وذكر البخاري هذه الكلمة وإن كانت في الكهف لا في البقرة ليقوى تفسير يسومونكم يولونكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال بعضهم‏:‏ الحبوب التي تؤكل كلها فوم‏)‏ هذا حكاه الفراء في معاني القرآن عن عطاء وقتادة قال‏:‏ الفوم كل حب يختبز وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما‏:‏ أن الفوم الحنطة، وحكى ابن جرير أن في قراءة ابن مسعود الثوم بالمثلثة‏.‏

وبه فسره سعيد بن جبير وغيره، فإن كان محفوظا فالفاء تبدل من الثاء في عدة أسماء فيكون هذا منها والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال قتادة فباءوا فانقلبوا‏)‏ وصله عبد بن حميد من طريقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره‏:‏ يستفتحون يستنصرون‏)‏ هو تفسير أبي عبيدة، وروى مثله الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس‏.‏

ومن طريق، الضحاك عن ابن عباس قال‏:‏ أي يستطهرون‏.‏

وروى ابن إسحاق في السيرة النبوية عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ لهم قالوا‏:‏ فينا وفي اليهود نزلت، وذلك أنا كنا قد علوناهم في الجاهلية فكانوا يقولون‏:‏ إن نبيا سيبعث قد أظل زمانه فنقتلكم معه، فلما بعث الله نبيه واتبعناه كفروا به‏.‏

فنزلت‏.‏

وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن ابن عباس مطولا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شروا باعوا‏)‏ هو قول أبي عبيدة أيضا، قال في قوله‏:‏ ‏(‏ولبئس ما شروا به أنفسهم‏)‏ أي باعوا، وكذا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق السدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏راعنا عن الرعونة، إذا أرادوا أن يحمقوا إنسانا قالوا راعنا‏)‏ قلت هذا على قراءة من نون وهي قراءة الحسن البصري وأبي حيوة، ووجهه أنها صفة لمصدر محذوف أي لا تقولوا قولا راعنا أي قولا ذا رعونة‏.‏

وروى ابن أبي حاتم من طريق عباد بن منصور عن الحسن قال‏:‏ الراعن السخري من القول، نهاهم الله أن يسخروا من محمد‏.‏

ويحتمل أن يضمن القول التسمية أي لا تسموا نبيكم راعنا‏.‏

الراعن الأحمق والأرعن مبالغة فيه‏.‏

وفي قراءة أبي بن كعب ‏"‏ لا تقولوا راعونا ‏"‏ وهي بلفظ الجمع‏.‏

وكذا في مصحف ابن مسعود وفيه أيضا ‏"‏ أرعونا ‏"‏ وقرأ الجمهور ‏(‏راعنا‏)‏ بغير تنوين على أنه فعل أمر من المراعاة‏.‏

إنما نهوا عن ذلك لأنها كلمة تقتضي المساواة، وقد فسرها مجاهد‏:‏ لا تقولوا اسمع منا ونسمع منك‏.‏

وعن عطاء‏:‏ كانت لغة تقولها الأنصار فنهوا عنها‏.‏

وعن السدي قال‏:‏ كان رجل يهودي يقال له رفاعة بن زيد يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له‏:‏ ارعني سمعك واسمع غير مسمع، فكان المسلمون يحسبون أن في ذلك تفخيما للنبي صلى الله عليه وسلم فكانوا يقولون ذلك فنهوا عنه، وروى أبو نعيم في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ بسند ضعيف جدا عن ابن عباس قال‏:‏ راعنا بلسان اليهود السبب القبيح فسمع سعد بن معاذ ناسا من اليهود خاطبوا بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ لئن سمعتها من أحد منكم لأضربن عنقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تجزي‏:‏ لا تغني‏)‏ هو قول أبي عبيدة في قوله تعالى ‏(‏لا تجزي نفس عن نفس شيئا‏)‏ أي لا تغني، وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال‏:‏ يعني لا تعني نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خطوات من الخطو والمعنى آثاره‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏لا تتبعوا خطوات الشيطان‏)‏ ‏:‏ هي الخطأ واحدتها خطوة ومعناها آثار الشيطان، وروى ابن أبي حاتم من طريق عكرمة قال‏:‏ خطوات الشيطان نزغات الشيطان‏.‏

ومن طريق مجاهد خطوات الشيطان خطاه‏.‏

ومن طريق القاسم بن الوليد‏:‏ قلت لقتادة فقال‏:‏ كل معصية الله فهي من خطوات الشيطان، وروى سعيد بن منصور عن أبي مجلز قال‏:‏ خطوات الشيطان النذور في المعاصي‏.‏

كذا قال‏.‏

واللفظ أعم من ذلك فمن في كلامه مقدرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابتلى اختبر‏)‏ هو تفسير أبي عبيدة والأكثر‏.‏

وقال الفراء‏:‏ أمره، وثبت هذا في نسخة الصغاني

*3*باب قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله تعالى‏:‏ فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون‏)‏ الأنداد جمع ند بكسر النون وهو النظير، وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية قال‏:‏ الند العدل‏.‏

ومن طريق الضحاك عن ابن عباس قال‏:‏ الأنداد الأشباه وسقط لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ لأبي ذر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قُلْتُ إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ

الشرح‏:‏

حديث ابن مسعود ‏"‏ أي الذنب أعظم ‏"‏ وسيأتي شرحه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْمَنُّ صَمْغَةٌ وَالسَّلْوَى الطَّيْرُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى - إلى - يظلمون‏)‏ كذا لأبي ذر، وسقط له لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ وساق الباقون الآية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ المن صمغة‏)‏ أي بفتح الصاد المهملة وسكون الميم ثم غين معجمة ‏(‏والسلوى‏:‏ الطير‏)‏ وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله، وكذا قال عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء، وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال‏:‏ كان المن ينزل على الشجر فيأكلون منه ما شاءوا‏.‏

ومن طريق عكرمة قال‏:‏ ‏"‏ كان مثل الرب الغليظ ‏"‏ أي بضم الراء بعدها موحدة‏.‏

ومن طريق السدي قال كان مثل الترنجيبل‏.‏

ومن طريق سعيد بن بشير عن قتادة قال‏:‏ كان المن يسقط عليهم سقوط الثلج أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل‏.‏

وهذه الأقوال كلها لا تنافي فيها‏.‏

ومن طريق وهب بن منبه قال‏:‏ المن خبز الرقاق‏.‏

وهذا مغاير لجميع ما تقدم والله أعلم‏.‏

وروى ابن أبي حاتم أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال‏:‏ السلوى طائر يشبه السماني‏.‏

ومن طريق وهب بن منبه قال‏:‏ هو السماني وعنه قال‏:‏ هو طير سمين مثل الحمام‏.‏

ومن طريق عكرمة قال‏:‏ طير أكبر من العصفور‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ

الشرح‏:‏

حديث سعيد بن زيد في الكمأة من المن‏.‏

وسيأتي شرحه في كتاب الطب‏.‏

ووقع في رواية ابن عيينة عن عبد الملك بن عمير في حديث الباب ‏"‏ من المن الذي أنزل على بني إسرائيل ‏"‏ وبه تظهر مناسبة ذكره في التفسير، والرد على الخطابي حيث قال‏:‏ لا وجه لإدخال هذا الحديث هنا قال لأنه ليس المراد في الحديث أنها نوع من المن المنزل على بني إسرائيل فإن ذاك شيء كان يسقط عليهم كالترنجبيل، والمراد أنها شجرة تنبت بنفسها من غير استنبات ولا مؤنة انتهى‏.‏

وقد عرف وجه إدخاله هنا، ولو كان المراد ما ذكره الخطابي، والله أعلم‏.‏

*3*باب وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا

وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ رَغَدًا وَاسِعٌ كَثِيرٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق غيره الآية إلى قوله‏:‏ ‏(‏المحسنين‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رغدا‏)‏ واسعا كثيرا هو من تفسير أبي عبيدة قال‏:‏ الرغد الكثير الذي لا يتعب يقال قد أرغد فلان إذا أصاب عيشا واسعا كثيرا‏.‏

وعن الضحاك عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏وكلا منها رغدا حيث شئتما‏)‏ قال‏:‏ الرغد سعة المعيشة، أخرجه الطبري‏.‏

وأخرج من طريق السدي عن رجاله قال‏:‏ الرغد الهنيء، ومن طريق مجاهد قال‏:‏ الرغد الذي لا حساب فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ فَبَدَّلُوا وَقَالُوا حِطَّةٌ حَبَّةٌ فِي شَعَرَةٍ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في قوله تعالى ‏(‏وقولوا حطة‏)‏ وقد تقدم ذكره في قصة موسى من أحاديث الأنبياء وأحلت بشرحه على تفسير سورة الأعراف، وسأذكره هناك إن شاء الله تعالى، وقوله في أول هذا الإسناد ‏"‏ حدثنا محمد ‏"‏ لم يقع منسوبا إلا في رواية أبي علي بن السكن عن الفربري فقال ‏"‏ محمد بن سلام ‏"‏ ويحتمل عندي أن يكون محمد بن يحيى الذهلي، فإنه يروى عن عبد الرحمن بن مهدي أيضا، وأما أبو على الجياني فقال‏:‏ الأشبه أنه محمد بن بشار‏.‏