فصل: باب عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب عمرة في رمضان‏)‏ كذا في جميع النسخ ولم يصرح في الترجمة بفضيلة ولا غيرها، ولعله أشار إلى ما روي عن عائشة قالت ‏"‏ خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان، فأفطر وصمت، وقصر وأتممت ‏"‏ الحديث أخرجه الدارقطني من طريق العلاء بن زهير عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد عن أبيه عنها وقال إن إسناده حسن‏.‏

وقال صاحب الهدى‏:‏ إنه غلط لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان‏.‏

قلت‏:‏ ويمكن حمله على أن قولها في رمضان متعلق بقولها خرجت ويكون المراد سفر فتح مكة فإنه كان في رمضان، واعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة من الجعرانة لكن في ذي القعدة كما تقدم بيانه قريبا، وقد رواه الدارقطني بإسناد آخر إلى العلاء بن زهير فلم يقل في الإسناد عن أبيه ولا قال فيه في رمضان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُخْبِرُنَا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَنَسِيتُ اسْمَهَا مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّينَ مَعَنَا قَالَتْ كَانَ لَنَا نَاضِحٌ فَرَكِبَهُ أَبُو فُلَانٍ وَابْنُهُ لِزَوْجِهَا وَابْنِهَا وَتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ قَالَ فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ أَوْ نَحْوًا مِمَّا قَالَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان، وقوله ‏"‏عن عطاء ‏"‏ في رواية مسلم عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد عن ابن جريج ‏"‏ أخبرني عطاء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها‏)‏ القائل نسيت اسمها ابن جريج، بخلاف ما يتبادر إلى الذهن من أن القائل عطاء، وإنما قلت ذلك لأن المصنف أخرج الحديث في ‏"‏ باب حج النساء ‏"‏ من طريق حبيب المعلم عن عطاء فسماها ولفظه ‏"‏ لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية‏:‏ ما منعك من الحج ‏"‏ الحديث، ويحتمل أن عطاء كان ناسيا لاسمها لما حدث به ابن جريج وذاكرا له لما حدث به حبيبا، وقد خالفه يعقوب بن عطاء فرواه عن أبيه عن ابن عباس قال ‏"‏ جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ حج أبو طلحة وابنه وتركاني‏.‏

فقال‏:‏ يا أم سليم عمرة في رمضان تعدل حجة معي ‏"‏ أخرجه ابن حبان، وتابعه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عطاء أخرجه ابن أبي شيبة، وتابعهما معقل الجزري لكن خالف في الإسناد قال ‏"‏ عن عطاء عن أم سليم ‏"‏ فذكر الحديث دون القصة، فهؤلاء ثلاثة يبعد أن يتفقوا على الخطأ، فلعل حبيبا لم يحفظ اسمها كما ينبغي، لكن رواه أحمد بن منيع في مسنده بإسناد صحيح ‏"‏ عن سعيد بن جبير عن امرأة من الأنصار يقال لها أم سنان أنها أرادت الحج ‏"‏ فذكر الحديث نحوه دون ذكر قصة زوجها، وقد اختلف في صحابيه على عطاء اختلافا آخر يأتي ذكره في ‏"‏ باب حج النساء‏"‏، وقد وقع شبيه بهذه القصة لام معقل أخرجه النسائي من طريق معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ‏"‏ عن امرأة من بني أسد يقال لها أم معقل قالت‏:‏ أردت الحج فاعتل بعيري، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ اعتمري في شهر رمضان فإن عمرة في رمضان تعدل حجة ‏"‏ وقد اختلف في إسناده فرواه مالك عن سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال ‏"‏ جاءت امرأة ‏"‏ فذكره مرسلا وأبهمها، ورواه النسائي أيضا من طريق عمارة بن عمير وغيره عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي معقل، ورواه أبو داود من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن رسول مروان عن أم معقل، والذي يظهر لي أنهما قصتان وقعتا لامرأتين، فعند أبي داود من طريق عيسى بن معقل عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أم معقل قالت ‏"‏ لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله، وأصابنا مرض فهلك أبو معقل، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجته جئت فقال‏.‏

ما منعك أن تحجي معنا‏؟‏ فذكرت ذلك له قال‏:‏ فهلا حججت عليه، فإن الحج من سبيل الله، فأما إذا فاتك فاعتمري في رمضان فإنها كحجة ‏"‏ ووقعت لأم طليق قصة مثل هذه أخرجها أبو علي بن السكن وابن منده في ‏"‏ الصحابة ‏"‏ والدولابي في ‏"‏ الكنى ‏"‏ من طريق طلق بن حبيب ‏"‏ أن أبا طليق حدثه أن امرأته قالت له - وله جمل وناقه - أعطني جملك أحج عليه، قال‏:‏ جملي حبيس في سبيل الله، قالت‏:‏ إنه في سبيل الله أن أحج عليه ‏"‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت أم طليق ‏"‏ وفيه ‏"‏ ما يعدل الحج قال عمرة في رمضان ‏"‏ وزعم ابن عبد البر أن أم معقل هي أم طليق لها كنيتان، وفيه نطر لأن أبا معقل مات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبا طليق عاش حتى سمع منه طلق ابن حبيب وهو من صغار التابعين فدل على تغاير المرأتين، ويدل عليه تغاير السياقين أيضا، ولا معدل عن تفسير المبهمة في حديث ابن عباس بأنها أم سنان أو أم سليم لما في القصة التي في حديث ابن عباس من التغاير للقصة التي في حديث غيره، ولقوله في حديث ابن عباس أنها أنصارية، وأما أم معقل فإنها أسدية، ووقعت لأم الهيثم أيضا والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن تحجي‏)‏ في رواية كريمة والأصيلي ‏"‏ أن تحجين ‏"‏ بزيادة النون وهي لغة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ناضح‏)‏ بضاد معجمة ثم مهملة أي بعير، قال ابن بطال‏:‏ الناضح البعير أو الثور أو الحمار الذي يستقي عليه، لكن المراد به هنا البعير لتصريحه في رواية بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس في رواية أبي داود بكونه جملا‏.‏

وفي رواية حبيب المذكورة ‏"‏ وكان لنا ناضحان ‏"‏ وهي أبين‏.‏

وفي رواية مسلم من طريق حبيب ‏"‏ كانا لأبي فلان زوجها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وابنه‏)‏ إن كانت هي أم سنان فيحتمل أن يكون اسم ابنها سنانا، وإن كانت هي أم سليم فلم يكن لها يومئذ ابن يمكن أن يحج سوى أنس‏.‏

وعلى هذا فنسبته إلى أبي طلحة بكونه ابنه مجازا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ننضح عليه‏)‏ بكسر الضاد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا كان رمضان‏)‏ بالرفع وكان تامة وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فإذا كان في رمضان‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن عمرة في رمضان حجة‏)‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ فإن عمرة فيه تعدل حجة ‏"‏ ولعل هذا هو السبب في قول المصنف ‏"‏ أو نحوا مما قال ‏"‏ قال ابن خزيمة‏:‏ في هذا الحديث أن الشيء يشبه الشيء ويجعل عدله إذا أشبهه في بعض المعاني لا جميعها، لأن العمرة لا يقضى بها فرض الحج ولا النذر‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ فيه دليل على أن الحج الذي ندبها إليه كان تطوعا لإجماع الأمة على أن العمرة لا تجزئ عن حجة الفريضة‏.‏

وتعقبه ابن المنير بأن الحجة المذكورة هي حجة الوداع، قال‏:‏ وكانت أول حجة أقيمت في الإسلام فرضا، لأن حج أبي بكر كان إنذارا‏.‏

قال‏:‏ فعلى هذا يستحيل أن تكون تلك المرأة كانت قامت بوظيفة الحج‏.‏

قلت‏:‏ وما قاله غير مسلم، إذ لا مانع أن تكون حجت مع أبي بكر وسقط عنها الفرض بذلك، لكنه بنى على أن الحج إنما فرض في السنة العاشرة حتى يسلم مما يرد على مذهبه من القول بأن الحج على الفور‏.‏

وعلى ما قاله ابن خزيمة فلا يحتاج إلى شيء مما بحثه ابن بطال‏.‏

فالحاصل أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض، للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض‏.‏

ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى الحديث نظير ما جاء أن ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ تعدل ثلث القرآن‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ حديث العمرة هذا صحيح، وهو فضل من الله ونعمة، فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها‏.‏

وقال ابن الجوزي‏:‏ فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد‏.‏

وقال غيره‏:‏ يحتمل أن يكون المراد عمرة فريضة في رمضان كحجة فريضة عمرة نافلة في رمضان كحجة نافلة‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ قوله ‏"‏ كحجة ‏"‏ يحتمل أن يكون على بابه، ويحتمل أن يكون لبركة رمضان، ويحتمل أن يكون مخصوصا بهذه المرأة‏.‏

قلت‏:‏ الثالث قال به بعض المتقدمين، ففي رواية أحمد بن منيع المذكورة قال سعيد بن جبير‏:‏ ولا نعلم هذا إلا لهذه المرأة وحدها‏.‏

ووقع عند أبي داود من حديث يوسف بن عبد الله بن سلام عن أم معقل في آخر حديثها ‏"‏ قال فكانت تقول‏:‏ الحج حجة والعمرة عمرة، وقد قال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لي، فما أدري ألي خاصة ‏"‏ تعني أو للناس عامة‏.‏

انتهى‏.‏

والظاهر حمله على العموم كما تقدم‏.‏

والسبب في التوقف استشكال ظاهره، وقد صح جوابه، والله أعلم‏.‏

‏(‏فصل‏)‏ لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا في أشهر الحج كما تقدم، وقد ثبت فضل العمرة في رمضان بحديث الباب، فأيهما أفضل‏؟‏ الذي يظهر أن العمرة في رمضان لغير النبي صلى الله عليه وسلم أفضل، وأما في حقه فما صنعه هو أفضل، لأن فعله لبيان جواز ما كان أهل الجاهلية يمنعونه، فأراد الرد عليهم‏.‏

بالقول والفعل، وهو لو كان مكروها لغيره لكان في حقه أفضل، والله أعلم‏.‏

وقال صاحب ‏"‏ الهدى ‏"‏‏:‏ يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يشتغل في رمضان من العبادة بما هو أهم من العمرة، وخشي من المشقة عل أمته إذ لو اعتمر في رمضان لبادروا إلى ذلك مع ما هم عليه من المشقة في الجمع بين العمرة والصوم، وقد كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته وخوفا من المشقة عليهم‏.‏

*3*باب الْعُمْرَةِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ وَغَيْرِهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب العمرة ليلة الحصبة وغيرها‏)‏ الحصبة بالمهملتين وموحدة وزن الضربة، والمراد بها ليلة المبيت بالمحصب‏.‏

وقد سبق الكلام على التحصيب في أواخر أبواب الحج، وأورد المصنف فيه حدث عائشة وفيه ‏"‏ فلما كان ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمن إلى التنعيم ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ فقه هذا الباب أن الحاج يجوز له أن يعتمر إذا تم حجه بعد انقضاء أيام التشريق، وليلة الحصبة هي ليلة النفر الأخير لأنها آخر أيام الرمي‏.‏

واختلف السلف في العمرة أيام الحج، فروى عبد الرزاق بإسناده عن مجاهد قال ‏"‏ سئل عمر وعلي وعائشة عن العمرة ليله الحصبة، فقال عمر‏:‏ هي خير من لا شيء‏.‏

وقال علي نحوه‏.‏

وقالت عائشة‏:‏ العمرة على قدر النفقة ‏"‏ انتهى وأشارت بذلك إلى أن الخروج لقصد العمرة من البلد إلى مكة أفضل من الخروج من مكة إلى أدنى الحل، وسيأتي تقرير ذلك بعد بابين، وسيأتي الكلام على الحديث بعد باب‏.‏

ومحمد شيخ البخاري فيه هو ابن سلام‏.‏

*3*باب عُمْرَةِ التَّنْعِيمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب عمرة التنعيم‏)‏ يعني هل تتعين لمن كان بمكة أم لا‏؟‏ وإذا لم تتعين هل لها فضل على الاعتمار من غيرها من جهات الحل أو لا‏؟‏ قال صاحب ‏"‏ الهدي ‏"‏ لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر مدة إقامته بمكة قبل الهجرة، ولا اعتمر بعد الهجرة إلا داخلا إلى مكة، ولم يعتمر قط خارجا من مكة إلى الحل ثم يدخل مكة بعمرة كما يفعل الناس اليوم، ولا ثبت عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك في حياته إلا عائشة وحدها انتهى‏.‏

وبعد أن فعلته عائشة بأمره دل على مشروعيته‏.‏

واختلف السلف في جواز الاعتمار في السنة أكثر من مرة، فكرهه مالك، وخالفه مطرف وطائفة من أتباعه وهو قول الجمهور، واستثنى أبو حنيفة يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، ووافقه أبو يوسف إلا في يوم عرفة، واستثنى الشافعي البائت بمنى لرمي أيام التشريق، وفيه وجه اختاره بعض الشافعية فقال بالجواز مطلقا كقول الجمهور والله أعلم‏.‏

واختلفوا أيضا هل يتعين التنعيم لمن اعتمر من مكة‏؟‏ فروى الفاكهي وغيره من طريق محمد بن سيرين قال ‏"‏ بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل مكة التنعيم ‏"‏ ومن طريق عطاء قال‏:‏ من أراد العمرة ممن هو من أهل مكة أو غيرها فليخرج إلى التنعيم أو إلى الجعرانة فليحرم منها، وأفضل ذلك أن يأتي وقتا أي ميقاتا من مواقيت الحج‏.‏

قال الطحاوي‏:‏ ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة لمن كان بمكة إلا التنعيم، ولا ينبغي مجاوزته كما لا ينبغي مجاوزة المواقيت التي للحج‏.‏

وخالفهم آخرون فقالوا‏:‏ ميقات العمرة الحل وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بالإحرام من التنعيم لأنه كان أقرب الحل من مكة‏.‏

ثم روي من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة في حديثها قالت ‏"‏ وكان أدنانا من الحرم التنعيم فاعتمرت منه ‏"‏ قال فثبت بذلك أن ميقات مكة للعمرة الحل، وأن التنعيم وغيره في ذلك سواء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ عَائِشَةَ وَيُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً سَمِعْتُ عَمْرًا كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ عَمْرٍو

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو‏)‏ هو ابن دينار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمع عمرو بن أوس‏)‏ يعني أنه سمع، ولفظ ‏"‏ أنه ‏"‏ مما يحذف من الإسناد خطأ في الغالب كما تحذف إحدى لفظتي ‏"‏ قال‏"‏‏.‏

وقد بين سفيان سماعه له من عمرو بن دينار آخره‏.‏

ووقع عن الحميدي عن سفيان ‏"‏ حدثنا عمرو بن دينار ‏"‏ قال سفيان‏:‏ هذا مما يعجب شعبة، يعني التصريح بالإخبار في جميع الإسناد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويعمرها من التنعيم‏)‏ معطوف على قوله ‏"‏ أمره أن يردف ‏"‏ وهذا يدل على أن إعمارها من التنعيم كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأصرح منه ما أخرجه أبو داود من طريق حفصة بنت عبد الرحمن بن أبى بكر عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ يا عبد الرحمن أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم ‏"‏ الحديث، ونحوه رواية مالك السابقة في أوائل الحج ابن شهاب عن عروة عن عائشة ‏"‏ أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن إلى التنعيم ‏"‏ ورواية الأسود عن عائشة السابقة في أواخر الحج ‏"‏ قال فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم ‏"‏ وسيأتي بعد باب من وجه آخر عن الأسود والقاسم جميعا عنها بلفظ ‏"‏ فاخرجي إلى التنعيم‏"‏، وهو صريح بأن ذلك كان عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك يفسر قوله في رواية القاسم عنها السابقة في أوائل الحج حيث أورده بلفظ ‏"‏ أخرج بأختك من الحرم‏"‏‏.‏

وأما ما رواه أحمد من طريق ابن أبي مليكة عنها في هذا الحديث قال ‏"‏ ثم أرسل إلى عبد الرحمن بن أبي بكر فقال‏:‏ احملها خلفك حتى تخرج من الحرم، فوالله ما قال فتخرجها إلى الجعرانة ولا إلى التنعيم ‏"‏ فهي رواية ضعيفة لضعف أبي عامر الخراز الراوي له عن ابن أبي مليكة، ويحتمل أن يكون قوله ‏"‏ فوالله إلخ ‏"‏ من كلام من دون عائشة قاله متمسكا بإطلاق قوله ‏"‏ فأخرج من الحرم ‏"‏ لكن الروايات المقيدة بالتنعيم مقدمة على المطلقة فهو أولى ولا سيما مع صحة أسانيدها والله أعلم‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ زاد أبو داود في روايته بعد قوله ‏"‏ إلى التنعيم ‏"‏‏:‏ ‏"‏ فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم فإنها عمرة متقبلة ‏"‏ وزاد أحمد في رواية له ‏"‏ وذلك ليلة الصدر ‏"‏ وهو بفتح المهملة والدال أي الرجوع من منى‏.‏

وفي قوله ‏"‏ فإذا هبطت بها ‏"‏ إشارة إلى المكان الذي أحرمت منه عائشة‏.‏

والتنعيم بفتح المثناة وسكون النون وكسر المهملة مكان معروف خارج مكة، وهو على أربعة أميال من مكة إلى جهة المدينة كما نقله الفاكهي‏.‏

وقال المحب الطبري‏:‏ التنعيم أبعد من أدنى الحل إلى مكة بقليل، وليس بطرف الحل بل بينهما نحو من ميل، ومن أطلق عليه أدنى الحل فقد تجوز‏.‏

قلت‏:‏ أو أراد بالنسبة إلى بقية الجهات‏.‏

وروى الفاكهي من طريق عبيد بن عمير قال‏:‏ إنما سمي التنعيم لأن الجبل الذي عن يمين الداخل يقال له ناعم، والذي عن اليسار يقال له منعم، والوادي نعمان‏.‏

وروى الأزرقي من طريق ابن جريج قال‏:‏ رأيت عطاء يصف الموضع الذي اعتمرت منه عائشة قال فأشار إلى الموضع الذي ابتنى فيه محمد بن علي بن شافع المسجد الذي وراء الأكمة، وهو المسجد الخرب‏.‏

ونقل الفاكهي عن ابن جريج وغيره أن ثم مسجدين يزعم أهل مكة أن الخرب الأدنى من الحرم هو الذي اعتمرت منه عائشة، وقيل هو المسجد الأبعد على الأكمة الحمراء، ورجحه المحب الطبري‏.‏

وقال الفاكهي‏:‏ لا أعلم إلا أني سمعت ابن أبي عمر يذكر عن أشياخه أن الأول هو الصحيح عندهم‏.‏

وفي هذا الحديث جواز الخلوة بالمحارم سفرا وحضرا، وإرداف المحرم محرمه معه‏.‏

واستدل به على تعين الخروج إلى الحل لمن أراد العمرة ممن كان بمكة، وهو أحد قولي العلماء، والثاني تصح العمرة ويجب عليه دم لترك الميقات، وليس في حديث الباب ما يدفع ذلك، واستدل به على أن أفضل جهات الحل التنعيم، وتعقب بأن إحرام عائشة من التنعيم إنما وقع لكونه أقرب جهة الحل إلى الحرم، لا أنه الأفضل، وسيأتي إيضاح هذا في ‏"‏ باب أجر العمرة على قدر التعب‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَطَاءٍ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلْحَةَ وَكَانَ عَلِيٌّ قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ وَمَعَهُ الْهَدْيُ فَقَالَ أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا إِلَّا مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ فَقَالُوا نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ وَأَنَّ عَائِشَةَ حَاضَتْ فَنَسَكَتْ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ قَالَ فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنْطَلِقُونَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَنْطَلِقُ بِالْحَجِّ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحَجَّةِ وَأَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا فَقَالَ أَلَكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا بَلْ لِلْأَبَدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عطاء‏)‏ هو ابن أبي رباح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة‏)‏ هذا مخالف لما رواه أحمد ومسلم وغيرهما من طريق الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ‏"‏ إن الهدي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وذوي اليسار ‏"‏ وسيأتي بعد بابين للمصنف من طريق أفلح عن القاسم بلفظ ‏"‏ ورجال من أصحابه ذوي قوة‏"‏‏.‏

ويجمع بينهما بأن كلا منهما ذكر من اطلع عليه، وقد روى مسلم أيضا من طريق مسلم القري وهو بضم القاف وتشديد الراء عن ابن عباس في هذا الحديث ‏"‏ وكان طلحة ممن ساق الهدي فلم يحل ‏"‏ وهذا شاهد لحديث جابر في ذكر طلحة في ذلك وشاهد لحديث عائشة في أن طلحة لم ينفرد بذلك وداخل في قولها ‏"‏ وذوي اليسار ‏"‏ ولمسلم من حديث أسماء بنت أبي بكر أن الزبير كان ممن كان معه الهدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏و كان على قدم من اليمن‏)‏ في رواية ابن جريج عن عطاء عند مسلم ‏"‏ من سعايته ‏"‏ وسيأتي بيان ذلك في أواخر المغازي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية ابن جريج عن عطاء عن جابر، وعن ابن جريج عن طاوس عن ابن عباس في هذا الحديث عند المصنف في الشركة ‏"‏ فقال أحدهما يقول لبيك بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال الآخر يقول لبيك بحجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يقيم على إحرامه وأشركه في الهدي ‏"‏ وقد تقدم بيان ذلك في ‏"‏ باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ في أوائل الحج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأصحابه أن يجعلوها عمرة‏)‏ زاد ابن جريج عن عطاء فيه ‏"‏ وأصيبوا النساء ‏"‏ قال عطاء ولم يعزم عليهم ولكن أحلهن لهم، يعني إتيان النساء، لأن من لازم الإحلال إباحة إتيان النساء، وقد تقدم شرح ذلك في آخر ‏"‏ باب التمتع والقران‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن عائشة حاضت‏)‏ في رواية عائشة نفسها كما تقدم أن حيضها كان بسرف قبل دخولهم مكة‏.‏

وفي رواية أبي الزبير عن جابر عند مسلم أن دخول النبي صلى الله عليه وسلم عليها وشكواها ذلك له كان يوم التروية، ووقع عند مسلم من طريق مجاهد عن عائشة أن طهرها كان بعرفة‏.‏

وفي رواية القاسم عنها ‏"‏ وطهرت صبيحة ليلة عرفة حتى قدمنا منى‏"‏، وله من طريقه ‏"‏ فخرجت في حجتي حتى نزلنا منى فتطهرت، ثم طفنا بالبيت ‏"‏ الحديث‏.‏

واتفقت الروايات كلها حتى أنها طافت طواف الإفاضة من يوم النحر‏.‏

واقتصر النووي في ‏"‏ شرح مسلم ‏"‏ على النقل عن أبي محمد بن حزم أن عائشة حاضت يوم السبت ثالث ذي الحجة وطهرت يوم السبت عاشره يوم النحر، وإنما أخذه ابن حزم من هذه الروايات التي في مسلم‏.‏

ويجمع بين قول مجاهد وقول القاسم أنها رأت الطهر وهي بعرفة ولم تتهيأ للاغتسال إلا بعد أن نزلت منى، وانقطع الدم عنها بعرفة وما رأت الطهر إلا بعد أن نزلت منى، وهذا أولى والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنطلق بالحج‏)‏ تمسك به من قال أن عائشة لما حاضت تركت عمرتها واقتصرت على الحج، وقد تقدم البحث فيه في ‏"‏ باب التمتع والقران‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن سراقة لقي النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة وهو يرميها‏)‏ يعني وهو يرمي جمرة العقبة‏.‏

وفي رواية يزيد بن زريع عن حبيب المعلم عند المصنف في كتاب التمني ‏"‏ وهو يرمي جمرة العقبة ‏"‏ هذا فيه بيان المكان الذي سأل فيه سراقة عن ذلك، ورواية مسلم من طريق ابن جريج عن عطاء عن جابر كذلك، وسياق مسلم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر يقتضي أنه قال له ذلك لما أمر أصحابه أن يجعلوا حجهم عمرة، وبذلك تمسك من قال إن سؤاله كان عن فسخ الحج عن العمرة، ويحتمل أن يكون السؤال وقع عن الأمرين لتعدد المكانين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألكم هذه خاصة يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ لا، بل للأبد‏)‏ في رواية يزيد بن زريع ‏"‏ ألنا هذه خاصة ‏"‏ وفي رواية جعفر عند مسلم ‏"‏ فقام سراقة فقال‏:‏ يا رسول الله، ألعامنا هذه أم للأبد‏؟‏ فشبك أصابعه واحدة في الأخرى وقال‏:‏ دخلت العمرة في الحج مرتين، لا بل للأبد أبدا ‏"‏ قال النووي‏:‏ معناه عند الجمهور أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إبطالا لما كان عليه الجاهلية، وقيل معناه جواز القران أي دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج، وقيل معناه سقط وجوب العمرة، وهذا ضعيف لأنه يقتضي النسخ بغير دليل، وقيل معناه جواز فسخ الحج إلى العمرة، قال‏:‏ وهو ضعيف‏.‏

وتعقب بأن سياق السؤال يقوي هذا التأويل، بل الظاهر أن السؤال وقع عن الفسخ والجواب وقع عما هو أعم من ذلك حتى يتناول التأويلات المذكورة إلا الثالث‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب الِاعْتِمَارِ بَعْدَ الْحَجِّ بِغَيْرِ هَدْيٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الاعتمار بعد الحج بغير هدي‏)‏ كأنه يشير بذلك إلى أن اللازم من قول من قال أن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة بكماله كما هو منقول في رواية عن مالك وعن الشافعي أيضا، ومن أطلق أن التمتع هو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج كما نقل ابن عبد البر فيه الاتفاق فقال لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقوله تعالى ‏(‏فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي‏)‏ هو الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج أن من أحرم بالعمرة في ذي الحجة بعد الحج فعليه الهدي، وحديث الباب دال على خلافه، لكن القائل بأن ذا الحجة كله من أشهر الحج يقول إن التمتع هو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج قبل الحج فلا يلزمهم ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحَجَّةِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ فَلْيُهِلَّ وَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ فَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحِضْتُ قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّةَ فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دَعِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلْتُ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَرْدَفَهَا فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِهَا فَقَضَى اللَّهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا صَوْمٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏خرجنا موافين لهلال ذي الحجة‏)‏ أي قرب طلوعه، وقد تقدم أنها قالت ‏"‏ خرجنا لخمس بقين من ذي القعدة ‏"‏ والخمس قريبة من آخر الشهر، فوافاهم الهلال وهم في الطريق لأنهم دخلوا مكة في الرابع من ذي الحجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأهللت بعمرة‏)‏ في رواية السرخسي ‏"‏ لأحللت ‏"‏ بالحاء المهملة أي من الحج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أرسل معي عبد الرحمن إلى التنعيم، فأردفها‏)‏ فيه التفات، لأن السياق يقتضي أن يقول فأردفني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مكان عمرتها‏)‏ تقدم توجيهه وأن المراد مكان عمرتها التي أرادت أن تكون منفردة عن الحج، قال عياض وغيره‏:‏ الصواب في الجمع بين الروايات المختلفة عن عائشة أنها أحرمت بالحج كما هو ظاهر رواية القاسم وغيره عنها، ثم فسخته إلى العمرة لما فسخ الصحابة، وعلى هذا يتنزل قول عروة عنها ‏"‏ أحرمت بعمرة ‏"‏ فلما حاضت وتعذر عليها التحلل من العمرة لأجل الحيض وجاء وقت الخروج إلى الحج أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة، واستمرت إلى أن تحللت، وعليه يدل قوله لها في رواية طاوس عنها عند مسلم ‏"‏ طوافك يسعك لحجك وعمرتك ‏"‏ وأما قوله لها ‏"‏ هذه مكان عمرتك ‏"‏ فمعناه العمرة المنفردة التي حصل لغيرها التحلل منها بمكة ثم أنشؤوا الحج مفردا، فعلى هذا فقد حصل لعائشة عمرتان‏.‏

وكذا قولها ‏"‏ يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع بحج ‏"‏ أي يرجعون بحج منفرد وعمرة منفردة، وأما قوله في هذا الحديث ‏"‏ فقضى الله حجها وعمرتها ولم يكن في شيء من ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم ‏"‏ فظاهره أن ذلك من قول عائشة، وكذا أخرجه مسلم وابن ماجه من رواية عبدة بن سليمان ومسلم من طريق ابن نمير والإسماعيلي من طريق علي بن مسهر وغيره، لكن قد تقدم الحديث في الحيض من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة إلخ فقال في آخره ‏"‏ قال هشام ولم يكن في شيء من ذلك إلخ ‏"‏ فتبين أنه في رواية يحيى القطان ومن وافقه مدرج، وكذا أخرجه أبو داود من طريق وهيب والحمادين عن هشام، ووقع في الحديث موضع آخر مدرج وهو قوله قبل ذلك ‏"‏ فقضى الله حجها وعمرتها ‏"‏ فقد بين أحمد في روايته عن وكيع عن هشام أنه من قول عروة، وبينه مسلم عن أبي كريب عن وكيع بيانا شافيا فإنه أخرجه عقب رواية عبدة عن هشام وقال فيه ‏"‏ فساق الحديث بنحوه ‏"‏ وقال في آخره ‏"‏ قال عروة فقضى الله حجها وعمرتها، قال هشام‏:‏ ولم يكن في ذلك هدي ولا صيام ولا صدقة ‏"‏ وساقه الجوزقي من طريق مسلم بهذا الإسناد بتمامه بغير حوالة، ورواه ابن جريج عن هشام فلم يذكر الزيادة أخرجه أبو عوانة، وكذا أخرجه الشيخان من طريق الزهري وأبي الأسود عن عروة بدون الزيادة، قال ابن بطال‏:‏ قوله ‏"‏ فقضى الله حجها وعمرتها ‏"‏ إلى آخر الحديث ليس من قول عائشة وإنما هو من كلام هشام بن عروة حدث به هكذا في العراق فوهم فيه، فظهر بذلك أن لا دليل فيه لمن قال إن عائشة لم تكن قارنة حيث قال‏:‏ لو كانت قارنة لوجب عليها الهدي للقران، وحمل قوله لها ‏"‏ ارفضي عمرتك ‏"‏ على ظاهره، لكن طريق الجمع بين مختلف الأحاديث تقتضي ما قررناه، وقد ثبت عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر كما تقدم، وروى مسلم من حديث جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى عنها ‏"‏ فيحمل على أنه صلى الله عليه وسلم أهدى عنها من غير أن يأمرها بذلك ولا أعلمها به، قال القرطبي‏:‏ أشكل ظاهر هذا الحديث ‏"‏ ولم يكن في ذلك هدي ‏"‏ على جماعة، حتى قال عياض‏:‏ لم تكن عائشة قارنة ولا متمتعة وإنما أحرمت بالحج ثم نوت فسخه إلى عمرة فمنعها من ذلك حيضها فرجعت إلى الحج فأكملته ثم أحرمت عمرة مبتدأة فلم يجب عليها هدي، قال‏:‏ وكأن عياضا لم يسمع قولها ‏"‏ كنت ممن أهل بعمرة ‏"‏ ولا قوله صلى الله عليه وسلم لها ‏"‏ طوافك يسعك لحجك وعمرتك ‏"‏ والجواب عن ذلك أن هذا الكلام مدرج قول هشام كأنه نفى ذلك بحسب علمه، ولا يلزم من ذلك نفيه في نفس الأمر‏.‏

ويحتمل أن يكون قوله ‏"‏ لم يكن في ذلك هدي ‏"‏ أي لم تتكلف له بل قام به عنها انتهى‏.‏

وقال ابن خزيمة‏:‏ معنى قوله ‏"‏ لم يكن في شيء من ذلك هدي ‏"‏ أي في تركها لعمل العمرة الأولى وإدراجها لها في الحج، ولا في عمرتها التي اعتمرتها من التنعيم أيضا، وهذا تأويل حسن والله أعلم‏.‏

*3*باب أَجْرِ الْعُمْرَةِ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب أجر العمرة على قدر النصب‏)‏ بفتح النون والمهملة أي التعب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ فَقِيلَ لَهَا انْتَظِرِي فَإِذَا طَهُرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي ثُمَّ ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أَوْ نَصَبِكِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن ابن عون‏)‏ هو معطوف على الإسناد المذكور، وقد بينه أحمد ومسلم من رواية بن علية عن ابن عون بالإسنادين وقال فيه‏:‏ يحدثان ذلك عن أم المؤمنين، ولم يسمها، قال فيه لا عرف حديث ذا من حديث ذا، وظهر بحديث يزيد بن زريع أنها عائشة وأنهما رويا ذلك عنها بخلاف بن يزيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يصدر الناس‏)‏ أي يرجعون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بمكان كذا وكذا‏)‏ في رواية إسماعيل ‏"‏ بحبل كذا ‏"‏ وضبطه في صحيح مسلم وغيره بالجيم وفتح الموحدة، لكن أخرجه الإسماعيلي من طريق حسين بن حسن عن ابن عون وضبطه بالحاء المهملة يعني وإسكان الموحدة، والمكان المبهم هنا هو الأبطح كما تبين في غير هذا الطريق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على قدر نفقتك أو نصبك‏)‏ قال الكرماني ‏"‏ أو ‏"‏ إما للتنويع في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإما شك من الراوي، والمعنى أن الثواب في العبادة يكثر بكثرة النصب أو النفقة، والمراد النصب الذي لا يذمه الشرع وكذا النفقة قاله النووي انتهى‏.‏

ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق أحمد بن منيع عن إسماعيل ‏"‏ على قدر نصبك أو على قدر تعبك ‏"‏ وهذا يؤيد أنه من شك الراوي، وفي روايته من طريق حسين بن حسن ‏"‏ على قدر نفقتك أو نصبك ‏"‏ أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأخرجه الدارقطني والحاكم من طريق هشام عن ابن عون بلفظ ‏"‏ أن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك ‏"‏ بواو العطف، وهذا يؤيد الاحتمال الأول‏.‏

وقوله في رواية ابن علية ‏"‏ لا أعرف حديث ذا من حديث ذا ‏"‏ قد أخرج الدارقطني والحاكم من وجه آخر ما يدل على أن السياق الذي هنا للقاسم، فإنهما أخرجا من طريق سفيان وهو الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في عمرتها ‏"‏ إنما أجرك في عمرتك على قدر نفقتك ‏"‏ واستدل به على أن الاعتمار لمن كان بمكة من جهة الحل القريبة أقل أجرا من الاعتمار من جهة الحل البعيدة وهو ظاهر هذا الحديث‏.‏

وقال الشافعي في ‏"‏ الإملاء ‏"‏‏:‏ أفضل بقاع الحل للاعتمار الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم منها، ثم التنعيم لأنه أذن لعائشة منها‏.‏

قال وإذا تنحى عن هذين الموضعين فأين أبعد حتى يكون أكثر لسفره كان أحب إلي، وحكى الموفق في ‏"‏ المغني ‏"‏ عن أحمد أن المكي كلما تباعد في العمرة كان أعظم لأجره‏.‏

وقال الحنفية‏:‏ أفضل بقاع الحل للاعتمار التنعيم، ووافقهم بعض الشافعية والحنابلة‏.‏

ووجهه من قدمناه أنه لم ينقل أن أحدا من الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم خرج من مكة إلى الحل ليحرم بالعمرة غير عائشة‏.‏

وأما اعتماره صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فكان حين رجع من الطائف مجتازا إلى المدينة، ولكن لا يلزمه من ذلك تعين التنعيم للفضل لما دل عليه هذا الخبر أن الفضل في زيادة التعب والنفقة، وإنما يكون التنعيم أفضل من جهة أخرى تساويه إلى الحل لا من جهة أبعد منه، والله أعلم‏.‏

وقال النووي‏:‏ ظاهر الحديث أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة، وهو كما قال، لكن ليس ذلك بمطرد، فقد يكون بعض العبادة أخف من بعض وهو أكثر فضلا وثوابا بالنسبة إلى الزمان كقيام ليلة القدر بالنسبة لقيام ليال من رمضان غيرها، وبالنسبة للمكان كصلاة ركعتين في المسجد الحرام بالنسبة لصلاة ركعات في غيره، وبالنسبة إلى شرف العبادة المالية والبدنية كصلاة الفريضة بالنسبة إلى أكثر من عدد ركعاتها أو أطول من قراءتها ونحو ذلك من صلاة النافلة، وكدرهم من الزكاة بالنسبة إلى أكثر منه من التطوع، أشار إلى ذلك ابن عبد السلام في ‏"‏ القواعد ‏"‏ قال‏:‏ وقد كانت الصلاة قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم وهي شاقة على غيره، وليست صلاة غيره مع مشقتها مساوية لصلاته مطلقا‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب الْمُعْتَمِرِ إِذَا طَافَ طَوَافَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ خَرَجَ هَلْ يُجْزِئُهُ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع‏)‏ أورد فيه حديث عائشة في عمرتها من التنعيم، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن ‏"‏ اخرج بأختك من الحرم فلتهل عمرة ثم افرغا من طوافكما ‏"‏ الحديث‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ لا خلاف بين العلماء أن المعتمر إذا طاف يخرج إلى بلده أنه يجزئه من طواف الوداع، كما فعلت عائشة‏.‏

انتهى‏.‏

وكأن البخاري لما لم يكن في حديث عائشة التصريح بأنها ما طافت للوداع بعد طواف العمرة لم يبت الحكم في الترجمة، أيضا فإن قياس من يقول إن إحدى العبادتين لا تندرج في الأخرى أن يقول بمثل ذلك هنا‏.‏

ويستفاد من قصة عائشة أن السعي إذا وقع بعد طواف الركن - إن قلنا إن طواف الركن يغني عن طواف الوداع - أن تخلل السعي بين الطواف والخروج لا يقطع أجزاء الطواف المذكور عن الركن والوداع معا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحُرُمِ الْحَجِّ فَنَزَلْنَا سَرِفَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَا وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ذَوِي قُوَّةٍ الْهَدْيُ فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ عُمْرَةً فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ قُلْتُ سَمِعْتُكَ تَقُولُ لِأَصْحَابِكَ مَا قُلْتَ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ قَالَ وَمَا شَأْنُكِ قُلْتُ لَا أُصَلِّي قَالَ فَلَا يَضِرْكِ أَنْتِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كُتِبَ عَلَيْكِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِنَّ فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِهَا قَالَتْ فَكُنْتُ حَتَّى نَفَرْنَا مِنْ مِنًى فَنَزَلْنَا الْمُحَصَّبَ فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقَالَ اخْرُجْ بِأُخْتِكَ الْحَرَمَ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افْرُغَا مِنْ طَوَافِكُمَا أَنْتَظِرْكُمَا هَا هُنَا فَأَتَيْنَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَالَ فَرَغْتُمَا قُلْتُ نَعَمْ فَنَادَى بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ فَارْتَحَلَ النَّاسُ وَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ خَرَجَ مُوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنزلنا بسرف‏)‏ في رواية أبي ذر وأبي الوقت ‏"‏ سرف ‏"‏ بحذف الباء، كذا لمسلم من طريق إسحاق بن عيسى بن الطباع عن أفلح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأصحابه من لم يكن معه هدي‏)‏ ظاهره أن أمره صلى الله عليه وسلم لأصحابه بفسخ الحج إلى العمرة كان بسرف قبل دخولهم مكة، والمعروف في غير هذه الرواية أن قوله لهم ذلك بعد دخول مكة، ويحتمل التعدد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلت لا أصلي‏)‏ كنت بذلك عن الحيض، وهي من لطيف الكنايات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كتب عليك‏)‏ كذا للأكثر على البناء لما لم يسم فاعله، ولأبي ذر ‏"‏ كتب الله عليك ‏"‏ وكذا لمسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكوني في حجتك‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ في حجك ‏"‏ وكذا المسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى نفرنا من منى فنزلنا المحصب‏)‏ في هذا السياق اختصار بينته رواية مسلم بلفظ ‏"‏ حتى نزلنا منى فتطهرت ثم طفت بالبيت فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدعا عبد الرحمن‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ عبد الرحمن بن أبي بكر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اخرج بأختك الحرم‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ من الحرم ‏"‏ وهي أوضح، وكذا لمسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتينا في جوف الليل‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ من آخر الليل ‏"‏ وهي أوفق لبقية الروايات، وظاهرها أنها أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم قبل أبواب أنها قالت ‏"‏ فلقيته وأنا منهبطة وهو مصعد ‏"‏ أو العكس، والجمع بينهما واضح كما سيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فارتحل الناس ومن طاف بالبيت‏)‏ هو من عطف الخاص على العام لأن ‏"‏ الناس ‏"‏ أعم من الطائفين، ولعلها أرادت بالناس من لم يطف طواف الوداع، ويحتمل أن يكون الموصول صفة الناس من باب توسط العاطف بين الصفة والموصوف كقوله تعالى ‏(‏إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض‏)‏ وقد أجاز سيبويه نحو مررت بزيد وصاحبك إذا أراد بالصاحب زيدا المذكور وهذا كله بناء على صحة هذا السياق، والذي يغلب عندي أنه وقع فيه تحريف، والصواب فارتحل الناس ثم طاف بالبيت إلخ، وكذا وقع عند أبي داود من طريق أبي بكر الحنفي عن أفلح بلفظ ‏"‏ فأذن في أصحابه بالرحيل، فارتحل فمر بالبيت قبل صلاة الصبح فطاف به حين خرج، ثم انصرف متوجها إلى المدينة ‏"‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ فأذن في أصحابه بالرحيل فخرج، فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح، ثم خرج إلى المدينة ‏"‏ وقد أخرجه البخاري من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ فارتحل الناس‏.‏

فمر متوجها إلى المدينة ‏"‏ أخرجه في ‏"‏ باب الحج أشهر معلومات ‏"‏ قال عياض‏:‏ قوله في رواية القاسم يعني هذه ‏"‏ فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في منزله فقال‏:‏ فهل فرغت‏؟‏ قلت نعم، فأذن بالرحيل ‏"‏ وفي رواية الأسود عن عائشة يعني التي مضت في ‏"‏ باب إذا حاضت بعدما أفاضت ‏"‏‏:‏ ‏"‏ فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة أو أنا مصعدة وهو منهبط منها ‏"‏ وفي رواية صفية عنها يعني عند مسلم ‏"‏ فاقبلنا حتى أتيناه وهو بالحصبة ‏"‏ وهذا موافق لرواية القاسم، وهما موافقان لحديث أنس يعني الذي مضى في ‏"‏ باب طواف الوداع ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم رقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به، قال‏:‏ وفي حديث الباب من الإشكال قوله ‏"‏ فمر بالبيت فطاف به ‏"‏ بعد أن قال لعائشة ‏"‏ أفرغت‏؟‏ قالت نعم ‏"‏ مع قولها في الرواية الأخرى أنه ‏"‏ توجه لطواف الوداع وهي راجعة إلى المنزل الذي كان به ‏"‏ قال فيحتمل أنه أعاد طواف الوداع لأن منزله كان بالأبطح وهو بأعلى مكة، وخروجه من مكة إنما كان من أسفلها، فكأنه لما توجه طالبا للمدينة اجتاز بالمسجد ليخرج من أسفل مكة فكرر الطواف ليكون آخر عهده بالبيت انتهى، والقاضي في هذا معذور لأنه لم يشاهد تلك الأماكن، فظن أن الذي يقصد الخروج إلى المدينة من أسفل مكة يتحتم عليه المرور بالمسجد، وليس كذلك كما شاهده من عاينه، بل الراحل من منزله بالأبطح يمر مجتازا من ظاهر مكة إلى حيث مقصده من جهة المدينة ولا يحتاج إلى المرور بالمسجد ولا يدخل إلى البلد أصلا، قال عياض‏:‏ وقد وقع في رواية الأصيلي في البخاري ‏"‏ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن طاف بالبيت ‏"‏ قال فلم يذكر أنه أعاد الطواف‏.‏

فيحتمل أن طوافه هو طواف الوداع وأن لقاءه لعائشة كان حين انتقل من المحصب كما عند عبد الرزاق أنه كره أن يقتدي الناس بإناخته بالبطحاء فرحل حتى أناخ على ظهر العقبة أو من ورائها ينتظرها، قال‏:‏ فيحتمل أن يكون لقاؤه لها كان في هذا الرحيل، وأنه المكان الذي عنته في رواية الأسود بقوله لها ‏"‏ موعدك بمكان كذا وكذا ‏"‏ ثم طاف بعد ذلك طواف الوداع انتهى‏.‏

وهذا التأويل حسن، وهو يقتضي أن الرواية التي عزاها للأصيلي مسكوت عن ذكر طواف الوداع فيها، وقد بينا أن الصواب فيها ‏"‏ فمر بالبيت فطاف به ‏"‏ بدل قوله ومن طاف بالبيت، ثم في عز وعياض ذلك إلى الأصيلي وحده نظر، فإن كل الروايات التي وقفنا عليها في ذلك سواء حتى رواية إبراهيم بن معقل النسفي عن البخاري والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏موجها‏)‏ بضم الميم وفتح الواو وتشديد الجيم‏.‏

وفي رواية ابن عساكر متوجها بزيادة تاء وبكسر الجيم، وقد تقدمت مباحث هذا الحديث قريبا‏.‏

*3*باب يَفْعَلُ فِي الْعُمْرَةِ مَا يَفْعَلُ فِي الْحَجِّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ يفعل في العمرة ‏"‏ وللكشميهني ‏"‏ ما يفعل في الحج ‏"‏ أي من التروك لا من الأفعال، أو المراد بعض الأفعال لا كلها، والأول أرجح لما يدل عليه سياق حديث يعلى بن أمية وقد تقدم تقريره في أوائل الحج مع مباحثه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَالَ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ يَعْنِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْخَلُوقِ أَوْ قَالَ صُفْرَةٌ فَقَالَ كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسُتِرَ بِثَوْبٍ وَوَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَقَالَ عُمَرُ تَعَالَ أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْوَحْيَ قُلْتُ نَعَمْ فَرَفَعَ طَرَفَ الثَّوْبِ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ لَهُ غَطِيطٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ كَغَطِيطِ الْبَكْرِ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ الْعُمْرَةِ اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ وَاغْسِلْ أَثَرَ الْخَلُوقِ عَنْكَ وَأَنْقِ الصُّفْرَةَ وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي، فأنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ لم أقف في شيء من الروايات على بيان المنزل حينئذ من القرآن، وقد استدل به جماعة من العلماء على أن من الوحي ما لا يتلى، لكن وقع عند الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من طريق أخرى أن المنزل حينئذ قوله تعالى‏.‏

(‏وأتموا الحج والعمرة لله‏)‏ ووجه الدلالة منه على المطلوب عموم الأمر بالإتمام، فإنه يتناول الهيآت والصفات والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنق الصفرة‏)‏ بفتح الهمزة وسكون النون، ووقع للمستملي هنا بهمزة وصل ومثناة مشددة من التقوى، قال صاحب ‏"‏ المطالع ‏"‏ وهي أوجه وإن رجعا إلى معنى واحد‏.‏

ووقع لابن السكن ‏"‏ اغسل أثر الخارق وأثر الصفرة ‏"‏ والأول هو المشهور‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَلَا أُرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَلَّا لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ كَانَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا زَادَ سُفْيَانُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ امْرِئٍ وَلَا عُمْرَتَهُ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قوله تعالى ‏(‏إن الصفا والمروة من شعائر الله‏)‏ ووجه الدلالة منه اشتراك الحج والعمرة في مشروعية السعي بين الصفا والمروة لقوله تعالى ‏(‏فمن حج البيت أو اعتمر‏)‏ وقد تقدمت مباحثه مستوفاة في ‏"‏ باب وجوب الصفا والمروة ‏"‏ في أثناء الحج‏.‏

وقوله ‏"‏أن لا يطوف بهما ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ بينهما‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏زاد سفيان وأبو معاوية عن هشام‏)‏ يعني عن أبيه عن عائشة قوله‏:‏ ‏(‏ما أتم الله حج امرئ إلخ‏)‏ أما رواية سفيان فوصلها الطبري من طريق وكيع عنه عن هشام فذكر الموقوف فقط وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن عائشة موقوفا أيضا، وأما رواية أبي معاوية فوصلها مسلم وقد تقدم الكلام على ما فيها من فائدة وبحث في الباب المشار إليه‏.‏