فصل: باب سِقَايَةِ الْحَاجِّ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب إِذَا وَقَفَ فِي الطَّوَافِ

وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ يَطُوفُ فَتُقَامُ الصَّلَاةُ أَوْ يُدْفَعُ عَنْ مَكَانِهِ إِذَا سَلَّمَ يَرْجِعُ إِلَى حَيْثُ قُطِعَ عَلَيْهِ فَيَبْنِي وَيُذْكَرُ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا وقف في الطواف‏)‏ أي هل ينقطع طوافه أو لا، وكأنه أشار بذلك إلى ما روي عن الحسن أن من أقيمت عليه الصلاة وهو في الطواف فقطعه أن يستأنفه ولا يبني على ما مضى، وخالفه الجمهور فقالوا يبني، وقيده مالك بصلاة الفريضة وهو قول الشافعي، وفي غيرها إتمام الطواف أولى فإن خرج بنى‏.‏

وقال أبو حنيفة وأشهب يقطعه ويبني، واختار الجمهور قطعه للحاجة، ومال نافع طول القيام في الطواف بدعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء إلخ‏)‏ وصل نحوه عبد الرزاق عن ابن جريج ‏"‏ قلت لعطاء الطواف الذي يقطعه علي الصلاة وأعتد به أيجزئ‏؟‏ قال نعم، وأحب إلي أن لا يعتد به‏.‏

قال فأردت أن أركع قيل أن أتم سبعي، قال‏:‏ لا، أوف سبعك إلا أن تمنع من الطواف ‏"‏ وقال سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا هشيم حدثنا عبد الملك عن عطاء أنه كان يقول في الرجل يطوف بعض طوافه ثم تحضر الجنازة يخرج فيصلي عليها ثم يرجع فيقضي ما بقي عليه من طوافه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر نحوه عن ابن عمر‏)‏ وصل نحوه سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا إسماعيل بن زكريا عن جميل بن زيد قال‏:‏ رأيت ابن عمر طاف بالبيت فأقيمت الصلاة فصلى مع القوم، ثم قام فبني على ما مضى من طوافه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعبد الرحمن بن أبي بكر‏)‏ وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ‏"‏ أن عبد الرحمن بن أبي بكر طاف في إمارة عمرو بن سعيد على مكة - يعني في خلافة معاوية - فخرج عمرو إلى الصلاة، فقال له عبد الرحمن‏:‏ انظرني حتى أنصرف على وتر، فانصرف على ثلاثة أطواف - يعني ثم صلى - ثم أتم ما بقي ‏"‏ وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن ابن عباس قال ‏"‏ من بدت له حاجة وخرج إليها فليخرج على وتر من طوافه ويركع ركعتين ‏"‏ ففهم بعضهم منه أنه يجزئ عن ذلك ولا يلزمه الإتمام، ويؤيده ما رواه عبد الرزاق أيضا عن ابن جريج عن عطاء ‏"‏ إن كان الطواف تطوعا وخرج في وتر فإنه يجزئ عنه ‏"‏ ومن طريق أبي الشعثاء أنه أقيمت الصلاة وقد طاف خمسة أطواف فلم يتم ما بقي‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يذكر البخاري في الباب حديثا مرفوعا إشارة إلى أنه لم يجد فيه حديثا على شرطه، وقد أسقط ابن بطال من شرحه ترجمة الباب الذي يليه فصارت أحاديثه لترجمة ‏"‏ إذا وقف في الطواف ‏"‏ ثم استشكل إيراد كونه عليه الصلاة والسلام طاف أسبوعا وصلى ركعتين في هذا الباب، وأجاب بأنه يستفاد منه أنه عليه الصلاة والسلام لم يقف ولا جلس قي طوافه فكانت السنة فيه الموالاة‏.‏

*3*باب صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسُبُوعِهِ رَكْعَتَيْنِ

وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي لِكُلِّ سُبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ إِنَّ عَطَاءً يَقُولُ تُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَقَالَ السُّنَّةُ أَفْضَلُ لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبُوعًا قَطُّ إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب صلى النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين‏)‏ السبوع بضم المهملة والموحدة لغة قليلة في الأسبوع، قال ابن التين هو جمع سبع بالضم ثم السكون كبرد وبرود، ووقع في حاشية ‏"‏ الصحاح ‏"‏ مضبوطا بفتح أوله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال نافع إلخ‏)‏ وصله عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر أنه ‏"‏ كان يطوف بالبيت سبعا ثم يصلي ركعتين ‏"‏ وعن معمر عن أيوب عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان يكره قرن الطواف ويقول‏:‏ على كل سبع صلاة ركعتين، وكان لا يقرن‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال إسماعيل بن أمية‏)‏ وصله ابن أبي شيبة مختصرا قال ‏"‏ حدثنا يحيي بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن الزهري قال‏:‏ مضت السنة أن مع كل أسبوع ركعتين ‏"‏ ووصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري بتمامه، وأراد الزهري أن يستدل على أن المكتوبة لا تجزئ عن ركعتي الطواف بما ذكره من أنه صلى الله عليه وسلم لم يطف أسبوعا قط إلا صلى ركعتين، وفي الاستدلال بذلك نظر لأن قوله ‏"‏ إلا صلى ركعتين ‏"‏ أعم من أن يكون نفلا أو فرضا، لأن الصبح ركعتان فيدخل في ذلك لكن الحيثية مرعية، والزهري لا يخفى عليه هذا القدر فلم يرد بقوله ‏"‏ إلا صلى ركعتين ‏"‏ أي من غير المكتوبة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَيَقَعُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَالَ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أسوة حَسَنَةٌ قَالَ وَسَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ لَا يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

الشرح‏:‏

قال ‏"‏قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا ثم صلى خلف المقام ركعتين ‏"‏ الحديث، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في أبواب العمرة إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وطاف بين الصفا والمروة‏)‏ فيه تجوز، لأنه يسمى سعيا لا طوافا إذ حقيقة الطواف الشرعية فيه غير موجودة أو هي حقيقة لغوية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال وسألت‏)‏ القائل هو عمرو بن دينار الراوي عن ابن عمر، ووجه الدلالة منه لمقصود الترجمة وهو أن القران بين الأسابيع خلاف الأولى من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، وقد قال ‏"‏ خذوا عني مناسككم ‏"‏ وهذا قول أكثر الشافعية وأبي يوسف، وعن أبي حنيفة ومحمد يكره، وأجازه الجمهور بغير كراهة‏.‏

وروى ابن أبي شيبة بإسناد جيد عن المسور بن مخرمة أنه ‏"‏ كان يقرن بين الأسابيع إذا طاف بعد الصبح والعصر، فإذا طلعت الشمس أو غربت صلى لكل أسبوع ركعتين ‏"‏ وقال بعض الشافعية‏:‏ إن قلنا إن ركعتي الطواف واجبتان كقول أبي حنيفة والمالكية فلا بد من ركعتين لكل طواف‏.‏

وقال الرافعي‏:‏ ركعتا الطواف وإن قلنا بوجوبهما فليستا بشرط في صحة الطواف، لكن في تعليل بعض أصحابنا ما يقتضي اشتراطهما، وإذا قلنا بوجوبهما هل يجوز فعلهما عن قعود مع القدرة‏؟‏ فيه وجهان، أصحهما لا ولا يسقط بفعل فريضة كالظهر إذا قلنا بالوجوب، والأصح أنهما سنة كقول الجمهور‏.‏

*3*باب مَنْ لَمْ يَقْرَبْ الْكَعْبَةَ وَلَمْ يَطُفْ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى عَرَفَةَ وَيَرْجِعَ بَعْدَ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة‏)‏ أي لم يطف تطوعا، ويقرب بضم الراء ويجوز كسرها‏.‏

أورد فيه حديث ابن عباس في ذلك، وهو ظاهر فيما ترجم له، وهذا لا يدل على أن الحاج منع من الطواف قبل الوقوف، فلعله صلى الله عليه وسلم ترك الطواف تطوعا خشية أن يظن أحد أنه واجب، وكان يحب التخفيف على أمته، واجتزأ عن ذلك بما أخبرهم به من فضل الطواف بالبيت، ونقل عن مالك أن الحاج لا ينتفل بطواف حتى يتم حجه، وعنه الطواف بالبيت أفضل من صلاة النافلة لمن كان من أهل البلاد البعيدة وهو المعتمد‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ نقل ابن التين عن الداودي أن الطواف الذي طاقه النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة من فروض الحج ولا يكون إلا وبعده السعي‏.‏

ثم ذكر ما يتعلق بالمتمتع، قال ابن التين‏:‏ وقوله ‏"‏ من فروض الحج ‏"‏ ليس بصحيح لأنه كان مفردا والمفرد لا يجب عليه طواف القدوم لقدومه، وليس طواف القدوم للحج ولا هو فرض من فروضه، وهو كما قال‏.‏

*3*باب مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَارِجًا مِنْ الْمَسْجِدِ

وَصَلَّى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من صلى ركعتي الطواف خارجا من المسجد‏)‏ هذه الترجمة معقودة لبيان إجزاء صلاة ركعتي الطواف في أي موضع أراد الطائف وإن كان ذلك خلف المقام أفضل، وهو متفق عليه إلا في الكعبة أو الحجر، ولذلك عقبها بترجمة من صلى ركعتي الطواف خلف المقام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وصلى عمر خارجا من الحرم‏)‏ سيأتي شرحه في الباب الذي يلي الباب بعده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ الْغَسَّانِيُّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ وَلَمْ تَكُنْ أُمُّ سَلَمَةَ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَأَرَادَتْ الْخُرُوجَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِكِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى خَرَجَتْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أم سلمة قالت شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وحدثني محمد بن حرب إلخ‏)‏ هكذا عطف هذه على التي قبلها وساقه هنا على لفظ الرواية الثانية، وتجوز في ذلك فإن اللفظين مختلفان، وقد تقدم لفظ الرواية الأولى في ‏"‏ باب طواف النساء مع الرجال ‏"‏ ويأتي بعد بابين أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحيى بن أبي زكريا الغساني‏)‏ هو يحيى بن يحيى اشتهر باسمه واشتهر أبوه بكنيته، والغساني بغين معجمة وسين مهملة مشدودة نسبة إلى بني غسان، قال أبو علي الجياني‏:‏ وقع لأبي الحسن القابسي في هذا الإسناد تصحيف في نسب يحيى فضبطه بعين مهملة ثم شين معجمة‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ قيل هو العشاني بعين مهملة ثم معجمة خفيفة نسبة إلى بني عشانة، وقيل هو بالهاء يعني بلا نون نسبة إلى بني عشاه‏.‏

قلت‏:‏ وكل ذلك تصحيف، والأول هو المعتمد‏.‏

قال ابن قرقول‏:‏ رواه القابسي بمهملة ثم معجمة خفيفة وهو وهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن هشام‏)‏ هو ابن عروة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عروة عن أم سلمة‏)‏ كذا للأكثر، ووقع للأصيلي عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة، وقوله ‏"‏عن زينب ‏"‏ زيادة في هذه الطريق فقد أخرجه أبو علي بن السكن عن علي بن عبد الله بن مبشر عن محمد بن حرب شيخ البخاري فيه ليس فيه زينب‏.‏

وقال الدارقطني في ‏"‏ كتاب التتبع ‏"‏ في طريق يحيى بن أبي زكريا هذه‏:‏ هذا منقطع، فقد رواه حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها أم سلمة ولم يسمعه عروة عن أم سلمة انتهى‏.‏

ويحتمل أن يكون ذلك حديثا آخر فإن حديثها هذا في طواف الوداع كما بيناه قبل قليل، وأما هذه الرواية فذكرها الأثرم قال ‏"‏ قال لي أبو عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه يوم النحر بمكة‏.‏

قال أبو عبد الله‏:‏ هذا خطأ، فقد قال وكيع عن هشام عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه صلاة الصبح يوم النحر بمكة‏.‏

قال‏:‏ وهذا أيضا عجيب، ما يفعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بمكة‏؟‏ وقد سألت يحيى بن سعيد - يعني القطان - عن هذا فحدثني به عن هشام بلفظ أمرها أن توافي ليس فيه هاء‏.‏

قال أحمد‏:‏ وبين هذين فرق، فإذا عرف ذلك تبين التغاير بين القصتين، فإن إحداهما صلاة الصبح يوم النحر والأخرى صلاة صبح يوم الرحيل من مكة ‏"‏ وقد أخرج الإسماعيلي حديث الباب من طريق حسان بن إبراهيم وعلي بن هاشم ومحاضر بن المورع وعبدة بن سليمان، وهو عند النسائي أيضا من طريق عبدة كلهم عن هشام عن أبيه عن أم سلمة وهذا هو المحفوظ، وسماع عروة من أم سلمة ممكن فإنه أدرك من حياتها نيفا وثلاثين سنة وهو معها في بلد واحد، وقد تقدم الكلام على حديث أم سلمة في ‏"‏ باب طواف النساء مع الرجال ‏"‏ وموضع الحاجة منه هنا قوله في آخره ‏"‏ فلم يصل حتى خرجت ‏"‏ أي من المسجد أو من مكة، فدل على جواز صلاة الطواف خارجا من المسجد إذ لو كان ذلك شرطا لازما لما أقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك‏.‏

وفي رواية حسان عند الإسماعيلي ‏"‏ إذا قامت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك من وراء الناس وهم يصلون‏.‏

قالت ففعلت ذلك ولم أصل حتى خرجت ‏"‏ أي فصليت وبهذا ينطبق الحديث مع الترجمة، وفيه رد على من قال يحتمل أن تكون أكملت طوافها قبل فراغ صلاة الصبح ثم أدركتهم في الصلاة فصلت معهم صلاة الصبح ورأت أنها تجزئها عن ركعتي الطواف، وإنما لم يبت البخاري الحكم في هذه المسألة لاحتمال كون ذلك يختص بمن كان له عذر لكون أم سلمة كانت شاكية ولكون عمر إنما فعل ذلك لكونه طاف بعد الصبح وكان لا يرى التنفل بعده مطلقا حتى تطلع الشمس كما سيأتي واضحا بعد باب، واستدل به على أن من نسي ركعتي الطواف قضاهما حيث ذكرهما من حل أو حرم وهو قول الجمهور، وعن الثوري يركعهما حيث شاء ما لم يخرج من الحرم، وعن مالك إن لم يركعهما حتى تباعد ورجع إلى بلده فعليه دم، قال ابن المنذر‏:‏ ليس ذلك أكثر من صلاة المكتوبة وليس على من تركها غير قضائها حيث ذكرها‏.‏

*3*باب مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَلْفَ الْمَقَامِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من صلى ركعتي الطواف خلف المقام‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر الماضي قبل بابين، وسيأتي الكلام عليه في أبواب العمرة، وهو ظاهر فيما ترجم له‏.‏

وفي حديث جابر الطويل في صفة حجة الوداع عند مسلم ‏"‏ طاف ثم تلا ‏(‏واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى‏)‏ فصلى عند المقام ركعتين ‏"‏ قال ابن المنذر‏:‏ احتملت قراءته أن تكون صلاة الركعتين خلف المقام فرضا، لكن أجمع أهل العلم على أن الطائف تجزئه ركعتا الطواف حيث شاء، إلا شيئا ذكر عن مالك في أن من صلى ركعتي الطواف الواجب في الحجر يعيد، وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بذلك مستوفى في أوائل كتاب الصلاة في ‏"‏ باب قول الله تعالى واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى‏"‏‏.‏

*3*باب الطَّوَافِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ وَطَافَ عُمَرُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَرَكِبَ حَتَّى صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بِذِي طُوًى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الطواف بعد الصبح والعصر‏)‏ أي ما حكم صلاة الطواف حينئذ‏؟‏ وقد ذكر فيه آثارا مختلفة، ويظهر من صنيعه أنه يختار فيه التوسعة، وكأنه أشار إلى ما رواه الشافعي وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وغيرهما من حديث جبير بن مطعم ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ يا بني عبد مناف، من ولي منكم من أمر الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار ‏"‏ وإنما لم يخرجه لأنه ليس على شرطه، وقد أورد المصنف أحاديث تتعلق بصلاة الطواف، ووجه تعلقها بالترجمة إما من جهة أن الطواف صلاة فحكمهما واحد، أو من جهة أن الطواف مستلزم للصلاة التي تشرع بعده وهو أظهر، وأشار به إلى الخلاف المشهور في المسألة، قال ابن عبد البر‏:‏ كره الثوري والكوفيون الطواف بعد العصر والصبح، قالوا فإن فعل فليؤخر الصلاة، ولعل هذا عند بعض الكوفيين وإلا فالمشهور عند الحنفية أن الطواف لا يكره وإنما تكره الصلاة، قال ابن المنذر‏:‏ رخص في الصلاة بعد الطواف في كل وقت جمهور الصحابة ومن بعدهم، ومنهم من كره ذلك أخذا بعموم النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر وهو قول عمر والثوري وطائفة وذهب إليه مالك وأبو حنيفة‏.‏

وقال أبو الزبير‏:‏ رأيت البيت يخلو بعد هاتين الصلاتين ما يطوف به أحد‏.‏

وروى أحمد بإسناد حسن عن أبي الزبير عن جابر قال ‏"‏ كنا نطوف فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة، ولم نكن نطوف بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس ‏"‏ فال ‏"‏ وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ تطلع الشمس بين قرني شيطان‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر رضي الله عنها يصلي ركعتي الطواف ما لم تطلع الشمس‏)‏ وصله سعيد بن منصور من طريق عطاء ‏"‏ إنهم صلوا الصبح بغلس، وطاف ابن عمر بعد الصبح سبعا ثم التفت إلى أفق السماء فرأى أن عليه غلسا، قال‏:‏ فاتبعته حتى أنظر أي شيء يصنع فصلى ركعتين ‏"‏ قال وحدثنا داود العطار عن عمرو بن دينار ‏"‏ رأيت ابن عمر طاف سبعا بعد الفجر وصلى ركعتين وراء المقام ‏"‏ هذا إسناد صحيح، وهذا جار على مذهب ابن عمر في اختصاص الكراهة بحال طلوع الشمس وحال غروبها، وقد تقدم ذلك عنه صريحا في أبواب المواقيت، وروى الطحاوي من طريق مجاهد قال ‏"‏ كان ابن عمر يطوف بعد العصر ويصلي ما كانت الشمس بيضاء حية نقية، فإذا اصفرت وتغيرت طاف طوافا واحدا حتى يصلي المغرب، ثم يصلي ركعتين، وفي الصبح نحو ذلك ‏"‏ وقد جاء عن ابن عمر أنه كان لا يطوف بعد هاتين الصلاتين، قال سعيد بن أبي عروبة في ‏"‏ المناسك ‏"‏‏:‏ عن أيوب عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان لا يطوف بعد صلاة العصر ولا بعد صلاة الصبح‏"‏، وأخرجه ابن المنذر من طريق حماد عن أيوب أيضا، ومن طريق أخرى عن نافع ‏"‏ كان ابن عمر إذا طاف بعد الصبح لا يصلي حتى تطلع الشمس، وإذا طاف بعد العصر لا يصلي حتى تغرب الشمس ‏"‏ ويجمع بين ما اختلف عنه في ذلك بأنه كان في الأغلب يفعل ذلك، والذي يعتمد من رأيه عليه التفصيل السابق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وطاف عمر بعد الصبح فركب حتى صلى الركعتين بذي طوى‏)‏ وصله مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر به، وروى الأثرم عن أحمد عن سفيان عن الزهري مثله، إلا أنه قال ‏"‏ عن عروة ‏"‏ بدل حميد، قال أحمد‏:‏ أخطأ فيه سفيان، قال الأثرم‏:‏ وقد حدثني به نوح بن يزيد من أصله عن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري كما قال سفيان انتهى‏.‏

وقد رويناه بعلو في ‏"‏ أمالي ابن منده ‏"‏ من طريق سفيان ولفظه ‏"‏ أن عمر طاف بعد الصبح سبعا ثم خرج إلى المدينة، فلما كان بذي طوى وطلعت الشمس صلى ركعتين‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ نَاسًا طَافُوا بِالْبَيْتِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ قَعَدُوا إِلَى الْمُذَكِّرِ حَتَّى إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامُوا يُصَلُّونَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَعَدُوا حَتَّى إِذَا كَانَتْ السَّاعَةُ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ قَامُوا يُصَلُّونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حبيب‏)‏ هو المعلم كما جزم به المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ وقد ضاق على الإسماعيلي وأبي نعيم مخرجه فتركه الإسماعيلي، وأخرجه أبو نعيم من طريق البخاري هذه، والحسن بن عمر البصري شيخه جزم المزي بأنه الحسن بن عمر بن شقيق وهو من أهل البصرة وكان يتجر إلى بلخ فكان يقال له البلخي، وسيأتي له ذكر في كتاب اللباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قعدوا إلى المذكر‏)‏ بالمعجمة وتشديد الكاف أي الواعظ، وضبطه ابن الأثير في ‏"‏ النهاية ‏"‏ بالتخفيف بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه قال‏:‏ وأرادت موضع الذكر، إما الحجر، وإما الحجر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الساعة التي تكره فيها الصلاة‏)‏ أي التي عند طلوع الشمس، وكأن المذكورين كانوا يتحرون ذلك الوقت فأخروا الصلاة إليه قصدا فلذلك أنكرت عليهم عائشة هذا إن كانت ترى أن الطواف سبب لا تكره مع وجوده الصلاة في الأوقات المنهية، ويحتمل أنها كانت تحمل النهي على عمومه، ويدل لذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن عبد الملك عن عطاء عن عائشة أنها قالت ‏"‏ إذا أردت الطواف بالبيت بعد صلاة الفجر أو العصر فطف، وآخر الصلاة حتى تغيب الشمس أو حتى تطلع فصل لكل أسبوع ركعتين ‏"‏ وهذا إسناد حسن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الزَّعْفَرَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ قَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَطُوفُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَرَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَيُخْبِرُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهَا إِلَّا صَلَّاهُمَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد العزيز‏)‏ يعني بالإسناد المذكور وليس بمعلق، وكأن عبد الله بن الزبير استنبط جواز الصلاة بعد الصبح من جواز الصلاة بعد العصر فكان يفعل ذلك بناء على اعتقاده أن ذلك على عمومه، وقد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا في أواخر المواقيت قبيل الأذان، وبينا هناك أن عائشة أخبرت أنه صلى الله عليه وسلم لم يتركهما وأن ذلك من خصائصه، أعني المواظبة على ما يفعله من النوافل لا صلاة الراتبة في وقت الكراهة فأغنى ذلك عن أعادته هنا، والذي يظهر أن ركعتي الطواف تلتحق بالرواتب‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب الْمَرِيضِ يَطُوفُ رَاكِبًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب المريض يطوف راكبا‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس وحديث أم سلمة، والثاني ظاهر فيما ترجم له لقولها فيه ‏"‏ أني اشتكي ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليهما في ‏"‏ باب إدخال البعير المسجد للعلة ‏"‏ في أواخر أبواب المساجد، وأن المصنف حمل سبب طوافه صلى الله عليه وسلم راكبا على أنه كان عن شكوى، وأشار بذلك إلى ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس أيضا بلفظ ‏"‏ قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته ‏"‏ ووقع في حديث جابر عند مسلم ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ليراه الناس وليسألوه ‏"‏ فيحتمل أن يكون فعل ذلك للأمرين، وحينئذ لا دلالة فيه على جواز الطواف راكبا لغير عذر، وكلام الفقهاء يقتضي الجواز إلا أن المشي أولى، والركوب مكروه تنزيها، والذي يترجح المنع لأن طوافه صلى الله عليه وسلم وكذا أم سلمة كان قبل أن يحوط المسجد، ووقع في حديث أم سلمة ‏"‏ طوفي من وراء الناس ‏"‏ وهذا يقتضي منع الطواف في المطاف، وإذا حوط المسجد امتنع داخله، إذ لا يؤمن التلويث فلا يجوز بعد التحويط، بخلاف ما قبله فإنه كان لا يحرم التلويث كما في السعي، وعلى هذا فلا فرق في الركوب - إذا ساغ - بين البعير والفرس والحمار، وأما طواف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا فللحاجة إلى أخذ المناسك عنه ولذلك عده بعض من جمع خصائصه فيها، واحتمل أيضا أن تكون راحلته عصمت من التلويث حينئذ كرامة له فلا يقاس غيره عليه، وأبعد من استدل به على طهارة بول البعير وبعره، وقد تقدم حديث ابن عباس قبل أبواب، وزاد أبو داود في آخر حديثه ‏"‏ فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين ‏"‏ واستدل به للتكبير عند الركن، وتقدم الكلام على حديث أم سلمة أيضا‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ خالد هو الطحان، وخالد شيخه هو الحذاء‏.‏

*3*باب سِقَايَةِ الْحَاجِّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب سقاية الحاج‏)‏ ‏:‏ قال الفاكهي‏:‏ حدثنا أحمد بن محمد حدثنا الحسن بن محمد بن عبيد الله حدثنا ابن جريج عن عطاء قال‏:‏ سقاية الحاج زمزم‏.‏

وقال الأزرقي‏:‏ كان عبد مناف يحمل الماء في الروايا والقرب إلى مكة ويسكبه في حياض من أدم بفناء الكعبة للحجاج، ثم فعله ابنه هاشم بعده، ثم عبد المطلب؛ فلما حفر زمزم كان يشتري الزبيب فينبذه في ماء زمزم ويسقي الناس‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ لما ولي قصي بن كلاب أمر الكعبة كان إليه الحجابة والسقاية واللواء والرفادة ودار الندوة، ثم تصالح بنوه على أن لعبد مناف السقاية والرفادة والبقية للأخوين‏.‏

ثم ذكر نحو ما تقدم وزاد‏:‏ ثم ولي السقاية من بعد عبد المطلب ولده العباس - وهو يومئذ من أحدث إخوته سنا - فلم تزل بيده حتى قام الإسلام وهي بيده، فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، فهي اليوم إلى بني العباس‏.‏

وروى الفاكهي من طريق الشعبي قال ‏"‏ تكلم العباس وعلي وشيبة بن عثمان في السقاية والحجابة، فأنزل الله عز وجل ‏(‏أجعلتم سقاية الحاج‏)‏ الآية إلى قوله‏:‏ ‏(‏حتى يأتي الله بأمره‏)‏ قال‏:‏ حتى تفتح مكة‏"‏‏.‏

ومن طريق ابن أبي مليكة عن ابن عباس ‏"‏ أن العباس لما مات أراد علي أن يأخذ السقاية، فقال له طلحة‏:‏ أشهد لرأيت أباه يقوم عليها، وأن أباك أبا طالب لنازل في إبله بالأراك بعرفة‏.‏

قال فكف علي عن السقاية‏"‏‏.‏

ومن طريق ابن جريج قال ‏"‏ قال العباس‏:‏ يا رسول الله‏.‏

لو جمعت لنا الحجابة والسقاية، فقال‏:‏ إنما أعطيتكم ما ترزؤون ولم أعطكم ما ترزؤون ‏"‏ الأول بضم أوله وسكون الراء وفتح الزاي والثاني بفتح أوله وضم الزاي، أي أعطيتكم ما ينقصكم لا ما تنقصون به الناس‏.‏

وروى الطبراني والفاكهي حديث السائب المخزومي أنه كان يقول ‏"‏ اشربوا من سقاية العباس فإنه من السنة‏"‏، ثم ذكر البخاري في الباب حديثين‏:‏ أحدهما حديث ابن عمر في الإذن للعباس أن يبيت بمكة ليالي منى، وسيأتي الكلام عليه في أواخر صفة الحج‏.‏

ثانيهما حديث ابن عباس في قصة شربه صلى الله عليه وسلم من سراب السقاية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ فَاسْتَسْقَى فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا فَضْلُ اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ فَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا فَقَالَ اسْقِنِي قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ قَالَ اسْقِنِي فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا فَقَالَ اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ قَالَ لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ يَعْنِي عَاتِقَهُ وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو الواسطي، وقد مضى هذا الإسناد بعينه في أول الباب الذي قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاستسقى‏)‏ أي طلب الشرب‏.‏

والفضل هو ابن العباس أخو عبد الله، وأمه هي أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية، وهي والدة عبد الله أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنهم يجعلون أيديهم فيه‏)‏ في رواية الطبراني من طريق يزيد بن أبي زياد عن عكرمة في هذا الحديث ‏"‏ أن العباس قال له‏:‏ إن هذا قد مرث، أفلا أسقيك من بيوتنا‏؟‏ قال لا، ولكن اسقني مما يشرب منه الناس‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال اسقني‏)‏ زاد أبو علي بن السكن في روايته‏:‏ فناوله العباس الدلو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فشرب منه‏)‏ في رواية يزيد المذكورة ‏"‏ فأتى به فذاقه فقطب، ثم دعا بماء فكسره‏.‏

فال‏:‏ وتقطيبه إنما كان لحموضته، وكسره بالماء ليهون عليه شربه ‏"‏ وعرف بهذا جنس المطلوب شربه إذ ذاك‏.‏

وقد أخرج مسلم من طريق بكر بن عبد الله المزني قال ‏"‏ كنت جالسا مع ابن عباس فقال‏:‏ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفه أسامة فاستسقى، فأتيناه بإناء من نبيذ فشرب وسقى فضله أسامة وقال‏:‏ أحسنتم كذا فاصنعوا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لولا أن تغلبوا‏)‏ بضم أوله على البناء للمجهول، قال الداودي أي إنكم لا تتركوني أستقي، ولا أحب أن أفعل بكم ما تكرهون فتغلبوا، كذا قال‏.‏

وقال غيره‏:‏ معناه لولا أن تقع لكم الغلبة بأن يجب عليكم ذلك بسبب فعلي‏.‏

وقيل‏:‏ معناه لولا أن يغلبكم الولاة عليها حرصا على حيازة هذه المكرمة‏.‏

والذي يظهر أن معناه لولا أن تغلبكم الناس على هذا العمل إذا رأوني قد عملته لرغبتهم في الاقتداء بي فيغلبوكم بالمكاثرة لفعلت‏.‏

ويؤيد هذا ما أخرج مسلم من حديث جابر ‏"‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال‏:‏ انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن تغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ‏"‏ واستدل بهذا على أن سقاية الحاج خاصة ببني العباس، وأما الرخصة في المبيت ففيها أموال للعلماء هي أوجه للشافعية‏:‏ أصحها لا يختص بهم ولا بسقايتهم، واستدل به الخطابي على أن أفعاله للوجوب، وفيه نظر‏.‏

وفال ابن بزيزة‏:‏ أراد بقوله ‏"‏ لولا أن تغلبوا ‏"‏ قصر السقاية عليهم وأن لا يشاركوا فيها، واستدل به على أن الذي أرصد للمصالح العامة لا يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم ولا على آله تناوله، لأن العباس أرصد سقاية زمزم لذلك، وقد شرب منها النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ يحمل الأمر في مثل هذا على أنها مرصدة للنفع العام فتكون للغني في معني الهدية، وللفقير صدقة‏.‏

وفيه أنه لا يكره طلب السقي من الغير، ولا رد ما يعرض على المرء من الإكرام إذا عارضته مصلحة أولى منه، لأن رده لما عرض عليه العباس مما يؤتى به من نبيذ لمصلحة التواضع التي ظهرت من شربه مما يشرب منه الناس‏.‏

وفيه الترغيب في سقي الماء خصوصا ماء زمزم‏.‏

وفيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وحرص أصحابه على الاقتداء به وكراهة التقذر والتكره للمأكولات والمشروبات‏.‏

قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ وفيه أن الأصل في الأشياء الطهارة لتناوله صلى الله عليه وسلم من الشراب الذي غمست فيه الأيدي‏.‏

*3*باب مَا جَاءَ فِي زَمْزَمَ

وَقَالَ عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فُرِجَ سَقْفِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا افْتَحْ قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في زمزم‏)‏ كأنه لم يثبت عنده في فضلها حديث على شرطه صريحا، وقد وقع في مسلم من حديث أبي ذر ‏"‏ أنها طعام طعم ‏"‏ زاد الطيالسي من الوجه الذي أخرجه منه مسلم ‏"‏ وشفاء سقم ‏"‏ وفي المستدرك من حديث ابن عباس مرفوعا ‏"‏ ماء زمزم لما شرب له ‏"‏ رجاله موثقون، إلا أنه اختلف في إرساله ووصله وإرساله أصح، وله شاهد من حديث جابر، وهو أشهر منه أخرجه الشافعي وابن ماجه ورجاله ثقات إلا عبد الله بن المؤمل المكي فذكر العقيلي أنه تفرد به، لكن ورد من رواية غيره عند البيهقي من طريق إبراهيم بن طهمان ومن طريق حمزة الزيات كلاهما عن أبي الزبير بن سعيد عن جابر، ووقع في ‏"‏ فوائد ابن المقري ‏"‏ من طريق سويد بن سعيد عن ابن المبارك عن ابن أبي الموالي عن ابن المنكدر عن جابر، وزعم الدمياطي أنه على رسم الصحيح وهو كما قال من حيث الرجال إلا أن سويدا وإن أخرج له مسلم فإنه خلط وطعنوا فيه وقد شذ بإسناده، والمحفوظ عن ابن المبارك عن ابن المؤمل، وقد جمعت في ذلك جزءا، والله أعلم‏.‏

وسميت زمزم لكثرتها، يقال ماء زمزم أي كثير، وقيل لاجتماعها نقل عن ابن هشام‏.‏

وقال أبو زيد‏:‏ الزمزمة من الناس خمسون ونحوهم، وعن مجاهد‏:‏ إنما سميت زمزم لأنها مشتقة من الهزمة والهزمة الغمز بالعقب في الأرض، أخرجه الفاكهي بإسناد صحيح عنه، وقيل لحركتها قاله الحربي، وقيل لأنها زمت بالميزان لئلا تأخذ يمينا وشمالا، وستأتي قصتها في شأن إسماعيل وهاجر في أحاديث الأنبياء وقصة حفر عبد المطلب لها في أيام الجاهلية إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبدان‏)‏ سيأتي في أحاديث الأنبياء أتم منه بلفظ ‏"‏ وقال لي عبدان ‏"‏ وأورده هنا مختصرا، وقد وصله الجوزقي بتمامه عن الدغولي عن محمد بن الليث عن عبدان بطوله، وقد تقدم الكلام عليه في أوائل الصلاة‏.‏

والمقصود منه هنا قوله ‏"‏ ثم غسله بماء زمزم‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَدَّثَهُ قَالَ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ قَالَ عَاصِمٌ فَحَلَفَ عِكْرِمَةُ مَا كَانَ يَوْمَئِذٍ إِلَّا عَلَى بَعِيرٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ في رواية أبي ذر هو ابن سلام، والفزاري هو مروان بن معاوية وغلط من قال هو أبو إسحاق، وعاصم هو ابن سليمان الأحول، قال ابن بطال وغيره‏:‏ أراد البخاري أن الشرب من ماء زمزم من سنن الحج‏.‏

وفي ‏"‏ المصنف ‏"‏ عن طاوس قال ‏"‏ شرب نبيذ السقاية من تمام الحج ‏"‏ وعن عطاء ‏"‏ لقد أدركته وإن الرجل ليشربه فتلزق شفتاه من حلاوته ‏"‏ وعن ابن جريج عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر لم يكن يشرب من النبيذ في الحج ‏"‏ فكأنه لم يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب منه لأنه كان كثير الاتباع للآثار أو خشي أن يظن الناس أن ذلك من تمام الحج كما نقل عن طاوس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فحلف عكرمة ما كان يومئذ إلا على بعير‏)‏ عند ابن ماجه من هذا الوجه قال عاصم‏:‏ فذكرت ذلك لعكرمة فحلف بالله ما فعل - أي ما شرب قائما - لأنه كان حينئذ راكبا انتهى‏.‏

وقد تقدم أن عند أبي داود من رواية عكرمة عن ابن عباس أنه أناخ فصلى ركعتين، فلعل شربه من زمزم كان بعد ذلك، ولعل عكرمة إنما أنكر شربه قائما لنهيه عنه، لكن ثبت عن علي عند البخاري ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم شرب قائما ‏"‏ فيحمل على بيان الجواز‏.‏

*3*باب طَوَافِ الْقَارِنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب طواف القارن‏)‏ أي هل يكتفي بطواف واحد أو لا بد من طوافين، أورد فيه حديث عائشة في حجة الوداع وفيه ‏"‏ وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا ‏"‏ وحديث ابن عمر في حجة عام نزل الحجاج بابن الزبير أورده من وجهين في كل منهما أنه‏:‏ جمع بين الحج والعمرة أهل بالعمرة أولا ثم أدخل عليها الحج وطاف لهما طوافا واحدا كما في الطريق الأولى، وفي الطريق الثانية‏:‏ ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول، وفي هذه الرواية رفع احتمال قد يؤخذ من الرواية الأولى أن المراد بقوله طوافا واحدا أي طاف لكل منهما طوافا يشبه الطواف الذي للآخر، والحديثان ظاهران في أن القارن لا يجب عليه إلا طواف واحد كالمفرد، وقد رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن نافع عن ابن عمر أصرح من سياق حديثي الباب في الرفع ولفظه ‏"‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد ‏"‏ وأعله الطحاوي بأن الدراوردي أخطأ فيه وأن الصواب أنه موقوف، وتمسك في تخطئته بما رواه أيوب والليث وموسى بن عقبة وغير واحد عن نافع نحو سياق ما في الباب من أن ذلك وقع لابن عمر وأنه قال ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ‏"‏ لا أنه روى هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم اهـ، وهو تعليل مردود فالدراوردي صدوق، وليس ما رواه مخالفا لما رواه غيره، فلا مانع من أن يكون الحديث عند نافع على الوجهين‏.‏

واحتج الحنفية بما روي عن علي أنه ‏"‏ جمع بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين ثم قال‏:‏ هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ‏"‏ وطرقه عن علي عند عبد الرزاق والدارقطني وغيرهما ضعيفة، وكذا أخرج من حديث ابن مسعود بإسناد ضعيف نحوه‏.‏

وأخرج من حديث ابن عمر نحو ذلك وفيه الحسن بن عمارة وهو متروك، والمخرج في الصحيحين وفي السنن عنه من طرق كثيرة الاكتفاء بطواف واحد‏.‏

وقال البيهقي إن ثبتت الرواية أنه طاف طوافين فيحمل على طواف القدوم وطواف الإفاضة، وأما السعي مرتين فلم يثبت‏.‏

وقال ابن حزم‏:‏ لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لا عن أحد من أصحابه في ذلك شيء أصلا‏.‏

قلت‏:‏ لكن روى الطحاوي وغيره مرفوعا عن علي وابن مسعود ذلك بأسانيد لا بأس بها إذا اجتمعت، ولم أر في الباب أصح من حديثي ابن عمر وعائشة المذكورين في هذا الباب، وقد أجاب الطحاوي عن حديث ابن عمر بأنه اختلف عليه في كيفية إحرام النبي صلى الله عليه وسلم وإن الذي يظهر من مجموع الروايات عنه أنه صلى الله عليه وسلم أحرم أولا بحجة ثم فسخها فصيرها عمرة ثم تمتع بها إلى الحج، كذا قال الطحاوي مع جزمه قبل ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا‏.‏

وهب أن ذلك كما قال فلم لا يكون قول ابن عمر ‏"‏ هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أي أمر من كان قارنا أن يقتصر على طواف واحد، وحديث ابن عمر المذكور ناطق بأنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا فإنه مع قوله فيه تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف فعل القران حيث قال ‏"‏ بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج ‏"‏‏:‏ وهذا من صور القران، وغايته أنه سماه تمتعا لأن الإحرام عنده بالعمرة في أشهر الحج كيف كان يسمى تمتعا‏.‏

ثم أجاب عن حديث عائشة بأنها أرادت بقولها ‏"‏ وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا لهما طوافا واحدا ‏"‏ يعني الذين تمتعوا بالعمرة إلى الحج لأن حجتهم كانت مكية، والحجة المكية لا يطاف لها إلا بعد عرفة، قال‏:‏ والمراد بقولها ‏"‏ جمعوا بين الحج والعمرة ‏"‏ جمع متعة لا جمع قران انتهى‏.‏

وإني لكثير التعجب منه في هذا الموضع كيف ساغ له هذا التأويل، وحديث عائشة مفصل للحالتين فإنها صرحت بفعل من تمتع ثم من قرن حيث قالت ‏"‏ فطاف الذين أهلوا بالعمرة ثم حلوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى ‏"‏ فهؤلاء أهل التمتع ثم قالت ‏"‏ وأما الذين جمعوا إلخ ‏"‏ فهؤلاء أهل القران، وهذا أبين من أن يحتاج إلى إيضاح والله المستعان‏.‏

وقد روى مسلم من طريق أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول ‏"‏ لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا ‏"‏ ومن طريق طاوس عن عائشة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها‏:‏ يسعك طوافك لحجك وعمرتك ‏"‏ وهذا صريح في الإجزاء وإن كان العلماء اختلفوا فيما كانت عائشة محرمة به، قال عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل قال ‏"‏ حلف طاوس ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجه وعمرته إلا طوافا واحدا ‏"‏ وهذا إسناد صحيح، وفيه بيان ضعف ما روي عن علي وابن مسعود من ذلك، وقد روى آل بيت علي عنه مثل الجماعة، قال جعفر بن محمد الصادق عن أبيه أنه كان يحفظ عن علي ‏"‏ للقارن طواف واحد ‏"‏ خلاف ما يقول أهل العراق، ومما يضعف ما روي عن علي من ذلك أن أمثل طرقه عنه رواية عبد الرحمن بن أذينة عنه وقد ذكر فيها أنه ‏"‏ يمتنع على من ابتدأ الإهلال بالحج أن يدخل عليه العمرة، وأن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين ‏"‏ والذين احتجوا بحديثه لا يقولون بامتناع إدخال العمرة على الحج، فإن كانت الطريق صحيحة عندهم لزمهم العمل بما دلت عليه وإلا فلا حجة فيها‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ احتج أبو أيوب من طريق النضر بأنا أجزنا جميعا للحج والعمرة سفرا واحدا وإحراما واحدا وتلبية واحدة فكذلك يجزي عنهما طواف واحد وسعي واحد لأنهما خالفا في ذلك سائر العبادات‏.‏

وفي هدا القياس مباحث كثيرة لا نطيل بها‏.‏

واحتج غيره بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ‏"‏ وهو صحيح كما سلف فدل على أنها لا تحتاج بعد أن دخلت فيه إلى عمل آخر غير عمله، والحق أن المتبع في ذلك السنة الصحيحة وهي مستغنية عن غيرها، وقد تقدم الكلام على بقية حديث عائشة، وسيأتي الكلام على حديث ابن عمر في أبواب المحصر إن شاء الله تعالى، وننبه هناك على اختلاف الرواية فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا دَخَلَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَظَهْرُهُ فِي الدَّارِ فَقَالَ إِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَكُونَ الْعَامَ بَيْنَ النَّاسِ قِتَالٌ فَيَصُدُّوكَ عَنْ الْبَيْتِ فَلَوْ أَقَمْتَ فَقَالَ قَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أسوة حَسَنَةٌ ثُمَّ قَالَ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ مَعَ عُمْرَتِي حَجًّا قَالَ ثُمَّ قَدِمَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا آمن‏)‏ كذا للأكثر بالمد وفتح الميم الخفيفة أي أخاف، وللمستملي ‏"‏ لا أيمن ‏"‏ بياء ساكنة بين الهمزة والميم فقبل إنها إمالة، وقيل لغة تميمية وهي عندهم بكسر الهمزة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن حيل‏)‏ كذا للأكثر، وللكشميهني ‏"‏ وأن يحل ‏"‏ بضم الياء وفتح المهملة واللام ساكنة، وقوله في الطريق الثانية ‏"‏ بطوافه الأول ‏"‏ أي الذي طافه يوم النحر للإفاضة، وتوهم بعضهم أنه أراد طواف القدوم فحمله على السعي‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ فبه حجة لمالك في قوله أن طواف القدوم إذا وصل بالسعي يجزئ عن طواف الإفاضة لمن تركه جاهلا أو نسيه حتى رجع إلى بلده وعليه الهدي، قال‏:‏ ولا أعلم أحدا قال به غيره وغير أصحابه، وتعقب بأنه إن حمل قوله ‏"‏ طوافه الأول ‏"‏ على طواف القدوم فإنه أجزأ عن طواف الإفاضة كان ذلك دالا على الإجزاء مطلقا ولو تعمده لا بقيد الجهل والنسيان لا إذا حملنا قوله طوافه الأول على طواف الإفاضة يوم النحر أو على السعي، ويؤيد التأويل الثاني حديث جابر عند مسلم ‏"‏ لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافه الأول ‏"‏ وهو محمول على ما حمل عليه حديث ابن عمر المذكور والله أعلم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع هنا عقب الطريق الثانية لحديث ابن عمر المذكور في نسخة الصغاني تعلية السند المذكور لبعض الرواة ولفظه‏:‏ قال أبو إسحاق حدثنا قتيبة ومحمد بن رمح قالا حدثنا الليث مثله، وأبو إسحاق هذا إن كان هو المستملي فقد سقط بينه وبين قتيبة وابن رمح رجل وإن كان غيره فيحتمل أن يكون إبراهيم بن معفل النسفي الراوي عن البخاري والله أعلم‏.‏

*3*باب الطَّوَافِ عَلَى وُضُوءٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الطواف على وضوء‏)‏ أورد فيه حديث عائشة ‏"‏ أن أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم أنه توضأ ثم طاف ‏"‏ الحديث بطوله، وليس فيه دلالة على الاشتراط إلا إذا انضم إليه قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏خذوا عني مناسككم‏"‏، وباشتراط الوضوء للطواف قال الجمهور، وخالف فيه بعض الكوفيين، ومن الحجة عليهم قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت ‏"‏ غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ‏"‏ وسيأتي بيان الدلالة منه بعد بابين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْقُرَشِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ قَدْ حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَأَيْتُهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ آخِرُ مَنْ رَأَيْتُ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُضْهَا عُمْرَةً وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ عِنْدَهُمْ فَلَا يَسْأَلُونَهُ وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى مَا كَانُوا يَبْدَءُونَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَضَعُوا أَقْدَامَهُمْ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَا يَحِلُّونَ وَقَدْ رَأَيْتُ أُمِّي وَخَالَتِي حِينَ تَقْدَمَانِ لَا تَبْتَدِئَانِ بِشَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ الْبَيْتِ تَطُوفَانِ بِهِ ثُمَّ إِنَّهُمَا لَا تَحِلَّانِ وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ بِعُمْرَةٍ فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما كان يبدؤون بشيء حين يضعون أقدامهم من الطواف بالبيت‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ لا بد من زيادة لفظ ‏"‏ أول ‏"‏ بعد لفظ ‏"‏ أقدامهم ‏"‏ وأجاب الكرماني بأن معناه ما كانوا يبدؤون بشيء آخر حين يضعون أقدامهم في المسجد لأجل الطواف انتهى، وحاصله أنه لم يتعين حذف لفظ أول بل يجوز أن يكون الحذف في موضع آخر لكن الأول أولى لأن الثاني يحتاج إلى جعل من بمعنى من أجل وهو قليل، وأيضا فلفظ ‏"‏ أول ‏"‏ قد ثبت في بعض الروايات وثبت أيضا في مكان آخر من الحديث نفسه ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ حتى يضعوا ‏"‏ بدل ‏"‏ حين يضعون ‏"‏ وتوجيهه واضح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم إنهما لا تحلان‏)‏ أي سواء كان إحرامهما بالحج وحده أو بالقران خلافا لمن قال أن من حج مفردا فطاف حل بذلك كما تقدم عن ابن عباس‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ أمي ‏"‏ يعني أسماء بنت أبي بكر، وخالته هي عائشة، وقد تقدم الكلام على فوائد هذا الحديث في ‏"‏ باب من طاف إذا قدم‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال الداودي ما ذكر من حج عثمان هو من كلام عروة، وما قبله من كلام عائشة‏.‏

وقالا أبو عبد الملك‏:‏ منتهى حديث عائشة عند قوله ‏"‏ ثم لم تكن عمرة ‏"‏ ومن قوله ‏"‏ ثم حج أبو بكر إلخ ‏"‏ من كلام عروة انتهى، فعلى هذا يكون بعض هذا منقطعا لأن عروة لم يدرك أبا بكر ولا عمر، نعم أدرك عثمان، وعلى قول الداودي يكون الجميع متصلا وهو الأظهر‏.‏

*3*باب وُجُوبِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَجُعِلَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله‏)‏ أي وجوب السعي بينهما مستفاد من كونهما جعلا من شعائر الله قاله ابن المنير في الحاشية، وتمام هذا نقل أهل اللغة في تفسير الشعائر قال الأزهري‏:‏ الشعائر المقالة التي ندب الله إليها وأمر بالقيام عليها‏.‏

وقال الجوهري‏:‏ الشعائر أعمال الحج وكل ما جعل علما لطاعة الله‏.‏

ويمكن أن يكون الوجوب مستفادا من قول عائشة ‏"‏ ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة ‏"‏ وهو في بعض طرق حديثها المذكور في هذا الباب عند مسلم، واحتج ابن المنذر للوجوب بحديث صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تجراه - بكسر المثناة وسكون‏:‏ الجيم بعدها راء ثم ألف ساكنة ثم هاء - وهي إحدى نساء بني عبد الدار - قالت ‏"‏ دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى وإن مئزره ليدور من شدة السعي، وسمعته يقول‏:‏ اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي ‏"‏ أخرجه الشافعي وأحمد وغيرهما، وفي إسناد هذا الحديث عبد الله بن المؤمل وفيه ضعف، ومن ثم قال ابن المنذر‏:‏ إن ثبت فهو حجة في الوجوب‏.‏

قلت‏:‏ له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة مختصرة، وعند الطبراني عن ابن عباس كالأولى وإذا انضمت إلى الأولى قويت، واختلف على صفية بنت شيبة في اسم الصحابية التي أخبرتها به، ويجوز أن تكون أخذته عن جماعة، فقد وقع عند الدارقطني عنها ‏"‏ أخبرتني نسوة من بني عبد الدار ‏"‏ فلا يضره الاختلاف، والعمدة في الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏خذوا عني مناسككم‏"‏، واستدل بعضهم بحديث أبي موسى في إهلاله، وقد تقدم في أبواب المواقيت وفيه ‏"‏ طف بالبيت وبين الصفا والمروة ‏"‏ واختلف أهل العلم في هذا‏:‏ فالجمهور قالوا هو ركن لا يتم الحج بدونه، وعن أبي حنيفة واجب يجبر بالدم، وبه قال الثوري في الناسي لا في العامد، وبه قال عطاء، وعنه أنه سنة لا يجب بتركه شيء، وبه قال أنس فيما نقله ابن المنذر، واختلف عن أحمد كهذه الأقوال الثلاثة، وعند الحنفية تفصيل فيما إذا ترك بعض السعي كما هو عندهم في الطواف بالبيت، وأغرب ابن العربي فحكى الإجماع على أن السعي ركن في العمرة، وإنما الاختلاف في الحج‏.‏

وأغرب الطحاوي فقال في كلام له على المشعر الحرام‏:‏ قد ذكر الله أشياء في الحج لم يرد بذكرها إيجابها في قول أحد من الأمة من ذلك قوله‏:‏ ‏(‏إن الصفا والمروة من شعائر الله‏)‏ الآية، وكل أجمع على أنه لو حج ولم يطوف بهما أن حجه قد تم وعليه دم‏.‏

وقد أطنب ابن المنير في الرد عليه في حاشيته على ابن بطال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقُلْتُ لَهَا أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَتْ بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ كَانَتْ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَطَوَّفَ بِهِمَا وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا أَسْلَمُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ الْآيَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّاسَ إِلَّا مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ بِمَنَاةَ كَانُوا يَطُوفُونَ كُلُّهُمْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فِي الْقُرْآنِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَطُوفُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ الْآيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَأَسْمَعُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة إلخ‏)‏ الجواب محصله أن عروة احتج للإباحة باقتصار الآية على رفع الجناح فلو كان واجبا لما اكتفى بذلك لأن رفع الإثم علامة المباح، ويزداد المستحب بإثبات الأجر، ويزداد الوجوب عليهما بعقاب التارك، ومحل جواب عائشة أن الآية ساكتة عن الوجوب وعدمه مصرحة برفع الإثم عن الفاعل، وأما المباح فيحتاج إلى رفع الإثم عن التارك، والحكمة في التعبير بدلك مطلقة جواب السائلين لأنهم توهموا من كونهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية أنه لا يستمر في الإسلام فخرج الجواب مطابقا لسؤالهم، وأما الوجوب فيستفاد من دليل آخر، ولا مانع أن يكون الفعل واجبا ويعتقد إنسان امتناع إيقاعه على صفة مخصوصة فيقال له لا جناح عليك في ذلك، ولا يستلزم ذلك نفي الوجوب، ولا يلزم من نفي الإثم عن الفاعل نفي الإثم عن التارك، فلو كان المراد مطلق الإباحة لنفي الإثم عن التارك، وقد وقع في بعض الشواذ باللفظ الذي قالت عائشة أنها لو كانت للإباحة لكانت كذلك حكاه الطبري وابن أبي داود في ‏"‏ المصاحف ‏"‏ وابن المنذر وغيرهم عن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس، وأجاب الطبري بأنها محمولة على القراءة المشهورة و ‏"‏ لا ‏"‏ زائدة، وكذا قال الطحاوي‏.‏

وقال غيره‏:‏ لا حجة في الشواذ إذا خالفت المشهور‏.‏

وقال الطحاوي أيضا‏:‏ لا حجة لمن قال إن السعي مستحب بقوله ‏(‏فمن تطوع خيرا‏)‏ لأنه راجع إلى أصل الحج والعمرة لا إلى خصوص السعي لإجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يهلون‏)‏ أي يحجون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لمناة‏)‏ بفتح الميم والنون الخفيفة صنم كان في الجاهلية‏.‏

وقال ابن الكلبي‏:‏ كانت صخرة نصبها عمرو بن لحي لهذيل وكانوا يعبدونها، والطاغية صفة لها إسلامية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالمشلل‏)‏ بضم أوله وفتح المعجمة ولامين الأولى مفتوحة مثقلة هي الثنية المشرفة على قديد، زاد سفيان عن الزهري ‏"‏ بالمشلل من قديد ‏"‏ أخرجه مسلم وأصله للمصنف كما سيأتي في تفسير النجم، وله في تفسير البقرة من طريق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال ‏"‏ قلت لعائشة وأنا يومئذ حديث السن - فذكر الحديث وفيه - كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد ‏"‏ أي مقابله، وقديد بقاف مصغر قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه قاله أبو عبيد البكري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكان من أهل يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة‏)‏ وقوله بعد ذلك ‏(‏إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة‏)‏ ظاهره أنهم كانوا في الجاهلية لا يطوفون بين الصفا والمروة ويقتصرون على الطواف بمناة فسألوا عن حكم الإسلام في ذلك، ويصرح بذلك رواية سفيان المذكورة بلفظ ‏"‏ إنما كان من أهل بمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة ‏"‏ وفي رواية معمر عن الزهري ‏"‏ إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة ‏"‏ أخرجه البخاري تعليقا، ووصله أحمد وغيره‏.‏

وفي رواية يونس عن الزهري عند مسلم ‏"‏ إن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم وغسان يهلون لمناة فتحرجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة وكان ذلك سنة في آبائهم، من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة ‏"‏ فطرق الزهري متفقة، وقد اختلف فيه على هشام بن عروة عن أبيه فرواه مالك عنه بنحو رواية شعيب عن الزهري، ورواه أبو أسامة عنه بلفظ ‏"‏ إنما أنزل الله هذا في أناس من الأنصار كانوا إذا أهلوا لمناة في الجاهلية فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة ‏"‏ أخرجه مسلم، وظاهره يوافق رواية الزهري، وبذلك جزم محمد بن إسحاق فيما رواه الفاكهي من طريق عثمان بن ساج عنه ‏"‏ أن عمرو بن لحي نصب مناة على ساحل البحر مما يلي قديد، فكانت الأزد وغسان يحجونها ويعظمونها، إذا طافوا بالبيت وأفاضوا من عرفات وفرغوا من منى أتوا مناة فأهلوا لها، فمن أهل لها لم يطف بين الصفا والمروة - قال - وكانت مناة للأوس والخزرج والأزد من غسان ومن دان دينهم من أهل يثرب ‏"‏ فهذا يوافق رواية الزهري‏.‏

وأخرج مسلم من طريق أبي معاوية عن هشام هذا الحديث فخالف جميع ما تقدم ولفظه ‏"‏ إنما كان ذلك لأن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر يقال لهما أساف ونائلة فيطوفون بين الصفا والمروة ثم يحلون، فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية ‏"‏ فهذه الرواية تقتضي أن تحرجهم إنما كان لئلا يفعلوا في الإسلام شيئا كانوا يفعلونه في الجاهلية لأن الإسلام أبطل أفعال الجاهلية إلا ما أذن فيه الشارع، فخشوا أن يكون ذلك من أمر الجاهلية الذي أبطله الشارع، فهذه الرواية توجيهها ظاهر بخلاف رواية أبي أسامة فإنها تقتضي أن التحرج عن الطواف بين الصفا والمروة لكونهم كانوا لا يفعلونه في الجاهلية، ولا يلزم من تركهم فعل شيء في الجاهلية أن يتحرجوا من فعله في الإسلام، ولولا الزيادة التي في طريق يونس حيث قال وكانت سنة في آبائهم إلخ لكان الجمع بين الروايتين ممكنا بأن نقول‏:‏ وقع في رواية الزهري حذف تقديره أنهم كانوا يهلون في الجاهلية لمناة ثم يطوفون بين الصفا والمروة فكان من أهل أي بعد ذلك في الإسلام يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة لئلا يضاهي فعل الجاهلية‏.‏

ويمكن أيضا أن يكون في رواية أبي أسامة حذف تقديره كانوا إذا أهلوا أهلوا لمناة في الجاهلية، فجاء الإسلام فظنوا أنه أبطل ذلك فلا يحل لهم، ويبين ذلك رواية أبي معاوية المذكورة حيث قال فيها ‏"‏ فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية‏"‏، إلا أنه وقع فيها وهم غير هذا نبه عليه عياض فقال‏:‏ قوله لصنمين على شط البحر وهم، فإنهما ما كانا قط على شط البحر وإنما كانا على الصفا والمروة، إنما كانت مناة مما يلي جهة البحر انتهى‏.‏

وسقط من روايته أيضا إهلالهم أولا لمناة، فكأنهم كانوا يهلون لمناة فيبدؤون بها ثم يطوفون بين الصفا والمروة لأجل أساف ونائلة، فمن ثم تحرجوا من الطواف بينهما في الإسلام، ويؤيد ما ذكرناه حديث أنس المذكور في الباب الذي بعده بلفظ ‏"‏ أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة‏؟‏ فقال‏:‏ نعم، لأنها كانت من شعار الجاهلية ‏"‏ وروى النسائي بإسناد قوي عن زيد بن حارثة قال ‏"‏ كان على الصفا والمروة صنمان من نحاس يقال لهما أساف ونائلة كان المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما ‏"‏ الحديث، وروى الطبراني وابن أبي حاتم في التفسير بإسناد حسن من حديث ابن عباس قال ‏"‏ قالت الأنصار‏:‏ إن السعي بين الصفا والمروة من أمر الجاهلية، فأنزل الله عز وجل ‏(‏إن الصفا والمروة من شعائر الله‏)‏ الآية‏"‏، وروى الفاكهي وإسماعيل القاضي في ‏"‏ الأحكام ‏"‏ بإسناد صحيح عن الشعبي قال ‏"‏ كان صنم بالصفا يدعى أساف ووثن بالمروة يدعى نائلة، فكان أهل الجاهلية يسعون بينهما، فلما جاء الإسلام رمى بهما وقالوا‏:‏ إنما كان ذلك يصنعه أهل الجاهلية من أجل أوثانهم، فأمسكوا عن السعي بينهما، قال فأنزل الله تعالى ‏(‏إن الصفا والمروة من شعائر الله‏)‏ الآية ‏"‏ وذكر الواحدي في ‏"‏ أسبابه ‏"‏ عن ابن عباس نحو هذا وزاد فيه‏:‏ يزعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخا حجرين فوضعا على الصفا والمروة ليعتبر بهما، فلما طالت المدة عبدا‏.‏

والباقي نحو‏.‏

وروى الفاكهي بإسناد صحيح إلى أبي مجلز نحوه‏.‏

وفي ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ لعمر بن شبة بإسناد قوي عن مجاهد في هذه الآية قال‏:‏ قالت الأنصار أن السعي بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية، فنزلت‏.‏

ومن طريق الكلبي قال‏:‏ كان الناس أول ما أسلموا كرهوا الطواف بينهما لأنه كان على كل واحد منهما صنم فنزلت، فهذا كله يوضح قوة رواية أبي معاوية وتقدمها على رواية غيره، ويحتمل أن يكون الأنصار في الجاهلية كانوا فريقين منهم من كان يطوف بينهما على ما اقتضته رواية أبي معاوية، ومنهم من كان لا يقربهما على ما اقتضته رواية الزهري واشترك الفريقان في الإسلام على التوقف عن الطواف بينهما لكونه كان عندهم جميعا من أفعال الجاهلية، فيجمع بين الروايتين بهذا، وقد أشار إلى نحو هذا الجمع البيهقي والله أعلم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قول عائشة ‏"‏ سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بين الصفا والمروة ‏"‏ أي فرضه بالسنة، وليس مرادها نفي فرضيتها، ويؤيده قولها ‏"‏ لم يتم الله حج أحدكم ولا عمرته ما لم يطف بينهما‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن‏)‏ القائل هو الزهري، ووقع في رواية سفيان عن الزهري عند مسلم ‏"‏ قال الزهري‏:‏ فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فأعجبه ذلك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن هذا العلم‏)‏ كذا للأكثر، أي أن هذا هو العلم المتين، وللكشميهني ‏"‏ إن هذا لعلم ‏"‏ بفتح اللام وهي المؤكدة وبالتنوين على أنه الخبر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الناس إلا من ذكرت عائشة‏)‏ إنما ساغ له هذا الاستثناء مع أن الرجال الذين أخبروه أطلقوا ذلك لبيان الخبر عنده من رواية الزهري له عن عروة عنها، ومحصل ما أخبر به أبو بكر بن عبد الرحمن أن المانع لهم من التطوف بينهما أنهم كانوا يطوفون بالبيت وبين الصفا والمروة في الجاهلية، فلما أنزل الله الطواف بالبيت ولم يذكر الطواف بينهما ظنوا رفع ذلك الحكم فسألوا هل عليهم من حرج إن فعلوا ذلك، بناء على ما ظنوه من أن التطوف بينهما من فعل الجاهلية‏.‏

ووقع في رواية سفيان المذكورة ‏"‏ إنما كان من لا يطوف بينهما من العرب يقولون‏:‏ إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية ‏"‏ وهو يؤيد ما شرحناه أولا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين‏)‏ كذا في معظم الروايات بإثبات الهمزة وضم العين بصيغة المضارعة للمتكلم، وضبطه الدمياطي في نسخته بالوصل وسكون العين بصيغة الأمر، والأول أصوب فقد وقع في رواية سفيان المذكورة ‏"‏ فأراها نزلت ‏"‏ وهو بضم الهمزة أي أظنها، وحاصله أن سبب نزول الآية على هذا الأسلوب كان للرد على الفريقين‏:‏ الذين تحرجوا أن يطوفوا بينهما لكونه عندهم من أفعال الجاهلية، والذين امتنعوا من الطواف بينهما لكونهما لم يذكرا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى ذكر ذلك بعدما ذكر الطواف بالبيت‏)‏ يعني تأخر نزول آية البقرة في الصفا والمروة عن آية الحج وهي قوله تعالى ‏(‏وليطوفوا بالبيت العتيق‏)‏ ، ووقع في رواية المستملي وغيره ‏"‏ حتى ذكر بعد ذلك ما ذكر الطواف بالبيت ‏"‏ وفي توجيهه عسر، وكأن قوله ‏"‏ الطواف بالبيت ‏"‏ بدل من قوله ‏"‏ ما ذكر ‏"‏ بتقدير الأول إنما امتنعوا من السعي بين الصفا والمروة لأن قوله‏:‏ ‏(‏وليطوفوا بالبيت العتيق‏)‏ دل على الطواف بالبيت ولا ذكر للصفا والمروة فيه حتى نزل ‏(‏إن الصفا والمروة من شعائر الله‏)‏ بعد نزول ‏(‏وليطوفوا بالبيت‏)‏ أما الثاني فيجوز أن تكون ما مصدرية أي بعد ذلك الطواف بالبيت الطواف بين الصفا والمروة‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب مَا جَاءَ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا السَّعْيُ مِنْ دَارِ بَنِي عَبَّادٍ إِلَى زُقَاقِ بَنِي أَبِي حُسَيْنٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة‏)‏ أي في كيفيته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عمر إلخ‏)‏ وصله الفاكهي من طريق ابن جريج ‏"‏ أخبرني نافع قال‏:‏ نزل ابن عمر من الصفا، حتى إذا حاذى باب بني عباد سعى، حتى إذا انتهى إلى الزقاق الذي يسلك بين دار بني أبي حسين ودار بنت قرظة ‏"‏ ومن طريق عبيد الله بن أبي يزيد قال ‏"‏ رأيت ابن عمر يسعى من مجلس أبي عباد إلى زقاق ابن أبي حسين ‏"‏ قال سفيان هو بين هذين العلمين‏.‏

وروى ابن أبي شيبة من طريق عثمان بن الأسود عن مجاهد وعطاء قال ‏"‏ رأيتهما يسعيان من خوخة بني عباد إلى زقاق بني أبي حسين، قال فقلت لمجاهد، فقال‏:‏ هذا بطن المسيل الأول ‏"‏ ا هـ‏.‏

والعلمان اللذان أشار إليهما معروفان إلى الآن‏.‏

وروى ابن خزيمة والفاكهي من طريق أبي الطفيل قال ‏"‏ سألت ابن عباس عن السعي فقال‏:‏ لما بعث الله جبريل إلى إبراهيم ليريه المناسك عرض له الشيطان بين الصفا والمروة، فأمر الله أن يجيز الوادي‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ فكانت سنة ‏"‏ وسيأتي في أحاديث الأنبياء أن ابتداء ذلك كان من هاجر‏.‏

وروى الفاكهي بإسناد حسن عن ابن عباس قال ‏"‏ هذا ما أورثتكموه أم إسماعيل ‏"‏ وسيأتي حديثه في آخر الباب في سبب فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طَافَ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ خَبَّ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا وَكَانَ يَسْعَى بَطْنَ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقُلْتُ لِنَافِعٍ أَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَمْشِي إِذَا بَلَغَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ يُزَاحَمَ عَلَى الرُّكْنِ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَدَعُهُ حَتَّى يَسْتَلِمَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبيد‏)‏ زاد أبو ذر في روايته ‏"‏ هو ابن أبي حاتم ‏"‏ ولغيره ‏"‏ محمد بن عبيد بن ميمون ‏"‏ وهو الصواب وبه جزم أبو نعيم، ولعل حاتما اسم جد له إن كانت رواية أبي ذر فيه مضبوطة‏.‏

وقد ذكر أبو علي الجياني أنه رآه بخط أبي محمد الأصيلي في نسخته ‏"‏ حدثنا محمد بن عبيد بن حاتم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان إذا طاف الطواف الأول‏)‏ أي طواف القدوم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خب‏)‏ بفتح المعجمة وتشديد الموحدة وقد تقدم في ‏"‏ باب من طاف إذا قدم مكة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان يسعى بطن المسيل‏)‏ أي المكان الذي يجتمع فيه السيل، وقوله بطن منصوب على الظرف، وهذا مرفوع عن ابن عمر، وكأن المصنف بدأ بالموقوف عنه في الترجمة لكونه مفسرا لحد السعي، والمراد به شدة المشي وإن كان جميع ذلك يسمى سعيا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقلت لنافع‏)‏ القائل عبيد الله بن عمر المذكور، وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بالاستلام قبل بأبواب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ فَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ لَا يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر أيضا في طواف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة، أورده من وجهين، وقد تقدم في ‏"‏ باب صلى النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين ‏"‏ قال شيخنا ابن الملقن هنا قال صاحب المحيط من الحنفية‏:‏ لو بدأ بالمروة وختم بالصفا أعاد شوطا فإن البداءة واجبة، ولا أصل لما قال الكرماني أن الترتيب ليس بشرط ولكن تركه مكروه لترك السنة فيستحب إعادة الشوط‏.‏

قلت‏:‏ الكرماني المذكور عالم من الحنفية وليس هو شمس الدين شارح البخاري، وإنما نبهت على ذلك لئلا يتوهم أن شيخنا وقف على شرحه ونقل منه فإن هذا الكلام ما هو في شرح شمس الدين وشمس الدين شافعي المذهب يرى الترتيب شرطا في صحة السعي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ تَلَا لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أسوة حَسَنَةٌ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر أيضا في طواف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة، أورده من وجهين، وقد تقدم في ‏"‏ باب صلى النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين ‏"‏ قال شيخنا ابن الملقن هنا قال صاحب المحيط من الحنفية‏:‏ لو بدأ بالمروة وختم بالصفا أعاد شوطا فإن البداءة واجبة، ولا أصل لما قال الكرماني أن الترتيب ليس بشرط ولكن تركه مكروه لترك السنة فيستحب إعادة الشوط‏.‏

قلت‏:‏ الكرماني المذكور عالم من الحنفية وليس هو شمس الدين شارح البخاري، وإنما نبهت على ذلك لئلا يتوهم أن شيخنا وقف على شرحه ونقل منه فإن هذا الكلام ما هو في شرح شمس الدين وشمس الدين شافعي المذهب يرى الترتيب شرطا في صحة السعي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ قَالَ قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَ نَعَمْ لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ شَعَائِرِ الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا

الشرح‏:‏

حديث أنس في نزول قوله تعالى ‏(‏إن الصفا والمروة من شعائر الله‏)‏ وقد تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبله‏.‏

الرابع حديث ابن عباس ‏"‏ إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة ليري المشركين قوته ‏"‏ والمراد بالسعي هنا شدة المشي، وقد تقدم القول فيه في ‏"‏ باب بدء الرمل‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ إِنَّمَا سَعَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ زَادَ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو سَمِعْتُ عَطَاءً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏زاد الحميدي إلخ‏)‏ أي زاد التصريح بالتحديث من عمرو لسفيان ومن عطاء لعمرو، وهكذا رويناه في ‏"‏ مسند الحميدي ‏"‏ رواية بشر بن موسى عنه ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في المستخرج‏.‏

وأخرج مسلم في هذا الباب حديث جابر ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الركعتين بعد طوافه خرج إلى الصفا فقال‏:‏ أبدأ بما بدأ الله به ‏"‏ واستدل به على اشتراط البداءة بالصفا، ورواه النسائي بلفظ الأمر فقال ‏"‏ ابدؤوا بما بدأ الله به‏"‏‏.‏

‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ قال ابن عبد السلام المروة أفضل من الصفا لأنها تقصد بالذكر والدعاء أربع مرات بخلاف الصفا فإنما يقصد ثلاثا، قال‏:‏ وأما البداءة بالصفا فليس بوارد لأنه وسيلة‏.‏

قلت‏:‏ وفيه نظر لأن الصفا تقصد أربعا أيضا أولها عند البداءة فكل منهما مقصود بذلك ويمتاز بالابتداء، وعند التنزل يتعادلان، ثم ما ثمرة هذا التفضيل مع أن العبادة المتعلقة بهما لا تتم إلا بهما معا‏؟‏

*3*باب تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ

وَإِذَا سَعَى عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة‏)‏ جزم بالحكم الأول لتصريح الأخبار التي ذكرها في الباب بذلك، وأورد المسألة الثانية مورد الاستفهام للاحتمال وكأنه أشار إلى ما روي عن مالك في حديث الباب بزيادة ‏"‏ ولا بين الصفا والمروة ‏"‏ قال ابن عبد البر‏:‏ لم يقله أحد عن مالك إلا يحيى بن يحيي التميمي النيسابوري‏.‏

قلت‏:‏ فإن كان يحيي حفظه فلا يدل على اشتراط الوضوء للسعي لأن السعي يتوقف على تقدم طواف قبله فإذا كان الطواف ممتنعا امتنع لذلك لا لاشتراط الطهارة له‏.‏

وقد روي عن ابن عمر أيضا قال ‏"‏ تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ‏"‏ أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح قال‏:‏ وحدثنا ابن فضيل عن عاصم قلت لأبي العالية تقرأ الحائض‏؟‏ قال‏:‏ لا، ولا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة‏.‏

ولم يذكر ابن المنذر عن أحد من السلف اشتراط الطهارة للسعي إلا عن الحسن البصري، وقد حكى المجد بن تيمية من الحنابلة رواية عندهم مثله، وأما ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر بإسناد صحيح ‏"‏ إذا طافت ثم حاضت قبل أن تسعى بين الصفا والمروة فلتسع ‏"‏ وعن عبد الأعلى عن هشام عن الحسن مثله، وهذا إسناد صحيح عن الحسن فلعله يفرق بين الحائض والمحدث كما سيأتي‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ كأن البخاري فهم أن قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة ‏"‏ افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت‏"‏‏.‏

أن لها أن تسعى ولهذا قال‏:‏ وإذا سعى على غير وضوء ا هـ، وهو توجيه جيد لا يخالف التوجيه الذي قدمته وهو قول الجمهور، وحكى ابن المنذر عن عطاء قولين فيمن بدأ بالسعي قبل الطواف بالبيت، وبالإجزاء قال بعض أهل الحديث واحتج بحديث أسامة بن شريك ‏"‏ أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقال‏:‏ سعيت قبل أن أطوف، قال‏:‏ طف ولا حرج ‏"‏ وقال الجمهور‏:‏ لا يجزئه، وأولوا حديث أسامة على من سعى بعد طواف القدوم وقيل طواف الإفاضة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَتْ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي

الشرح‏:‏

حديث عائشة وفيه ‏"‏ افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ‏"‏ وهو بفتح التاء والطاء المهملة المشددة وتشديد الهاء أيضا أو هو على حذف إحدى التاءين وأصله تتطهري، ويؤيده قوله في رواية مسلم ‏"‏ حتى تغتسلي ‏"‏ والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل، لأن النهي في العبادات يقتضي الفساد وذلك يقتضي بطلان الطواف لو فعلته، وفي معنى الحائض الجنب والمحدث وهو قول الجمهور، وذهب جمع من الكوفيين إلى عدم الاشتراط، قال ابن أبي شيبة‏:‏ حدثنا غندر حدثنا شعبة سألت الحكم وحمادا ومنصورا وسليمان عن الرجل يطوف بالبيت على غير طهارة فلم يروا به بأسا‏.‏

وروي عن عطاء‏:‏ إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف فصاعدا ثم حاضت أجزأ عنها‏.‏

وفي هذا تعقب على النووي حيث قال في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏‏:‏ انفرد أبو حنيفة بأن الطهارة ليست بشرط في الطواف، واختلف أصحابه في وجوبها وجبرانه بالدم إن فعله ا هـ، ولم ينفردوا بذلك كما ترى، فلعله أراد انفرادهم عن الأئمة الثلاثة، لكن عند أحمد رواية أن الطهارة للطواف واجبة تجبر بالدم، وعند المالكية قول يوافق هذا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ ح وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلْحَةَ وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ وَمَعَهُ هَدْيٌ فَقَالَ أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَقَالُوا نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ وَحَاضَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَنَسَكَتْ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ فَلَمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ

الشرح‏:‏

حديث جابر في الإهلال بالحج وفيه قصة قدوم علي ومعه الهدي، وقصة عائشة ‏"‏ حاضت فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت ‏"‏ الحديث وسيأتي الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ باب عمرة التنعيم ‏"‏ من أبواب العمرة، والاحتياج منه لقوة ‏"‏ غير أنها لم تطف بالبيت‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ساقه المؤلف هنا رحمه الله بلفظ خليفة، وسيأتي لفظ محمد بن المثنى في ‏"‏ باب عمرة التنعيم‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فَقَدِمَتْ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ فَحَدَّثَتْ أَنَّ أُخْتَهَا كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ قَالَتْ كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى فَسَأَلَتْ أُخْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ هَلْ عَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ قَالَ لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا وَلْتَشْهَدْ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا سَأَلْنَهَا أَوْ قَالَتْ سَأَلْنَاهَا فَقَالَتْ وَكَانَتْ لَا تَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَدًا إِلَّا قَالَتْ بِأَبِي فَقُلْنَا أَسَمِعْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا قَالَتْ نَعَمْ بِأَبِي فَقَالَ لِتَخْرُجْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ أَوْ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى فَقُلْتُ أَلْحَائِضُ فَقَالَتْ أَوَلَيْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ وَتَشْهَدُ كَذَا وَتَشْهَدُ كَذَا

الشرح‏:‏

حديث حفصة ‏"‏ كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن، فقدمت امرأة فنزلت قصر بني خلف - وفيه - ويعتزل الحيض المصلى ‏"‏ وقد تقدم في الحيض وفي العيدين وتقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الحيض، والمحتاج إليه هنا قولها في آخره ‏"‏ أو ليس تشهد عرفة وتشهد كذا وتشهد كذا ‏"‏ فهو المطابق لقول جابر ‏"‏ فنسكت المناسك كلها إلا الطواف بالبيت ‏"‏ وكذا قولها ‏"‏ ويعتزل الحيض المصلى ‏"‏ فإنه يناسب قوله ‏"‏ إن الحائض لا تطوف بالبيت ‏"‏ لأنها إذا أمرت باعتزال المصلى كان اعتزالها للمسجد بل للمسجد الحرام بل للكعبة من باب الأولى‏.‏

*3*باب الْإِهْلَالِ مِنْ الْبَطْحَاءِ وَغَيْرِهَا لِلْمَكِّيِّ

وَلِلْحَاجِّ إِذَا خَرَجَ إِلَى مِنًى وَسُئِلَ عَطَاءٌ عَنْ الْمُجَاوِرِ يُلَبِّي بِالْحَجِّ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُلَبِّي يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إِذَا صَلَّى الظُّهْرَ وَاسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْلَلْنَا حَتَّى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَهْلَلْنَا مِنْ الْبَطْحَاءِ وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ جُرَيْجٍ لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا الْهِلَالَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَقَالَ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الإهلال من البطحاء وغيرها للمكي والحاج إذا خرج من منى‏)‏ كذا في معظم الروايات، وفي نسخة معتمدة من طريق أبي الوقت ‏"‏ إلى منى ‏"‏ وكذا ذكره ابن بطال في شرحه والإسماعيلي في مستخرجه ولا إشكال فيها، وعلى الأول فلعله أشار إلى الخلاف في ميقات المكي، قال النووي‏:‏ ميقات من بمكة من أهلها أو غيرهم نفس مكة على الصحيح، وقيل مكة وسائر الحرم ا هـ‏.‏

والثاني مذهب الحنفية، واختلف في الأفضل فاتفق المذهبان على أنه من باب المنزل، وفي قول للشافعي من المسجد، وحجة الصحيح ما تقدم في أول كتاب الحج من حديث ابن عباس ‏"‏ حتى أهل مكة يهلون منها ‏"‏ وقال مالك وأحمد وإسحاق‏:‏ يهل من جوف مكة ولا يخرج إلى الحل إلا محرما، واختلفوا في الوقت الذي يهل فيه‏:‏ فذهب الجمهور إلى أن الأفضل أن يكون يوم التروية، وروى مالك وغيره بإسناد منقطع وابن المنذر بإسناد متصل عن عمر أنه قال لأهل مكة ‏"‏ ما لكم يقدم الناس عليكم شعثا وأنتم تنضحون طيبا مدهنين، إذا رأيتم الهلال فأهلوا بالحج ‏"‏ وهو قول ابن الزبير ومن أشار إليهم عبيد بن جريج بقوله لابن عمر أهل الناس إذا رأوا الهلال، وقيل إن ذلك محمول على الاستحباب وبه قال مالك وأبو ثور‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ الأفضل أن يهل يوم التروية إلا المتمتع الذي لا يجد الهدي ويريد الصوم فيعجل الإهلال ليصوم ثلاثة أيام بعد أن يحرم، واحتج الجمهور بحديث أبي الزبير عن جابر وهو الذي علقه المصنف في هذا الباب، وقوله في الترجمة ‏"‏ للمكي ‏"‏ أي إذا أراد الحج، وقوله ‏"‏الحاج ‏"‏ أي الآفاقي إذا كان قد دخل مكة متمتعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسئل عطاء إلخ‏)‏ وصله سعيد بن منصور من طريقه بلفظ ‏"‏ رأيت ابن عمر في المسجد فقيل له‏:‏ قد رئي الهلال - فذكر قصة فيها - فأمسك حتى كان يوم التروية فأتى البطحاء، فلما استوت به راحلته أحرم ‏"‏ وروى مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ أن ابن عمر أهل لهلال ذي الحجة، وذلك أنه كان يرى التوسعة في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الملك إلخ‏)‏ الظاهر أن عبد الملك هو ابن أبي سليمان وقد وصله مسلم من طريقه عن عطاء عن جابر قال ‏"‏ أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة، فكبر ذلك علينا ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ أيها الناس أحلوا، فأحللنا، حتى كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج ‏"‏ وقد روى عبد الملك بن جريج نحو هذه القصة وسيأتي في أثناء حديث‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله ‏"‏ بظهر ‏"‏ أي وراء ظهورنا، وقوله ‏"‏أهللنا بالحج ‏"‏ أي جعلنا مكة من ورائنا في يوم التروية حال كوننا مهلين بالحج، فعلم أنهم حين الخروج من مكة كانوا محرمين، ويوضح ذلك ما بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو الزبير عن جابر أهللنا من البطحاء‏)‏ وصله أحمد ومسلم من طريق ابن جريج عنه عن جابر قال ‏"‏ أمرنا النبي إذا أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى، قال‏:‏ فأهللنا من الأبطح ‏"‏ وأخرجه مسلم مطولا من طريق الليث عن أبي الزبير فذكر قصة فسخهم الحج إلى العمرة، وقصة عائشة لما حاضت وفيه ‏"‏ ثم أهللنا يوم التروية ‏"‏ وزاد من طريق زهير عن أبي الزبير ‏"‏ أهللنا بالحج ‏"‏ وفي حديثه الطويل عنده نحو‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ يوم التروية سيأتي الكلام عليه في الترجمة التي بعد هذه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبيد بن جريج لابن عمر إلخ‏)‏ وصله المؤلف في أوائل الطهارة في اللباس بأتم من سياقه هنا، قال ابن بطال وغيره‏:‏ وجه احتجاج ابن عمر على ما ذهب إليه أنه يهل يوم التروية إذا كان بمكة بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إنما أهل حين انبعثت به راحلته بذي الحليفة، ولم يكن بمكة ولا كان ذلك يوم التروية من جهة أنه صلى الله عليه وسلم أهل من ميقاته من حين ابتدائه في عمل حجته واتصل له عمله ولم يكن بينهما مكث ربما انقطع به العمل‏.‏

فكذلك المكي إذا أهل يوم التروية اتصل عمله، بخلاف ما لو أهل من أول الشهر، وقد قال ابن عباس‏:‏ لا يهل أحد من مكة بالحج حتى يريد الرواح إلى منى‏.‏

*3*باب أَيْنَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب أين يصلي الظهر يوم التروية‏)‏ أي يوم الثامن من ذي الحجة وسمي التروية بفتح المثناة وسكون الراء وكسر الواو وتخفيف التحتانية لأنهم كانوا يروون فيها إبلهم ويتروون من الماء لأن تلك الأماكن لم تكن إذ ذاك فيها آبار ولا عيون، وأما الآن فقد كثرت جدا واستغنوا عن حمل الماء‏.‏

وقد روى الفاكهي في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ من طريق مجاهد قال‏:‏ قال عبد الله بن عمر‏:‏ يا مجاهد، إذا رأيت الماء بطريق مكة، ورأيت البناء يعلو أخاشبها، فخذ حذرك‏.‏

وفي رواية‏:‏ فاعلم أن الأمر قد أظلك‏.‏

وقيل في تسميته التروية أقوال أخرى شاذة‏:‏ منها أن آدم رأى فيه حواء واجتمع بها‏.‏

ومنها أن إبراهيم رأى في ليلته أنه يذبح ابنه فأصبح متفكرا يتروى‏.‏

ومنها أن جبريل عليه السلام أرى فيه إبراهيم مناسك الحج‏.‏

ومنها أن الإمام يعلم الناس فيه مناسك الحج‏.‏

ووجه شذوذها أنه لو كان من الأول لكان يوم الرؤية، أو من الثاني لكان يوم التروي بتشديد الواو، أو من الثالث لكان من الرؤيا، أو من الرابع لكان من الرواية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ عَقَلْتَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ قَالَ بِمِنًى قُلْتُ فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ قَالَ بِالْأَبْطَحِ ثُمَّ قَالَ افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عبد الله بن محمد‏)‏ هو الجعفي‏.‏

وإسحاق الأزرق هو ابن يوسف، وسفيان هو الثوري‏.‏

قال الترمذي بعد أن أخرجه‏:‏ صحيح يستغرب من حديث إسحاق الأزرق عن الثوري، يعني أن إسحاق تفرد به وأظن أن لهذه النكتة أردفه البخاري بطريق أبي بكر بن عياش عن عبد العزيز، ورواية أبي بكر وإن كان قصر فيها كما سنوضحه لكنها متابعة قوية لطريق إسحاق، وقد وجدنا له شواهد‏:‏ منها ما وقع في حديث جابر الطويل في صفة الحج عند مسلم ‏"‏ فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ‏"‏ الحديث‏.‏

وروى أبو داود والترمذي وأحمد والحاكم من حديث ابن عباس قال ‏"‏ صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمنى خمس صلوات ‏"‏ وله عن ابن عمر أنه ‏"‏ كان يحب - إذا استطاع - أن يصلي الظهر بمنى يوم التروية ‏"‏ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمنى، وحديث ابن عمر في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن نافع عنه موقوفا، ولابن خزيمة والحاكم من طريق القاسم بن محمد عن عبد الله بن الزبير قال ‏"‏ من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر وما بعدها والفجر بمنى ثم يغدون إلى عرفة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم النفر‏)‏ بفتح النون وسكون الفاء يأتي الكلام عليه في أواخر أبواب الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ لَقِيتُ أَنَسًا ح و حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ خَرَجْتُ إِلَى مِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَلَقِيتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَاهِبًا عَلَى حِمَارٍ فَقُلْتُ أَيْنَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْيَوْمَ الظُّهْرَ فَقَالَ انْظُرْ حَيْثُ يُصَلِّي أُمَرَاؤُكَ فَصَلِّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي‏)‏ لم أره منسوبا في شيء من الروايات، والذي يظهر لي أنه ابن المديني، وقد ساق المصنف الحديث على لفظ إسماعيل بن أبان، وإنما قدم طريق علي لتصريحه فيها بالتحديث بين أبي بكر وهو ابن عياش وعبد العزيز وهو ابن رفيع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلقيت أنسا ذاهبا‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ راكبا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏انظر حيث يصلي أمراؤك فصل‏)‏ هذا فيه اختصار يوضحه رواية سفيان وذلك أنه في رواية سفيان بين له المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الظهر يوم التروية وهو منى كما تقدم، ثم خشي عليه أن يحرص على ذلك فينسب إلى المخالفة أو تفوته الصلاة مع الجماعة فقال له صل مع الأمراء حيث يصلون‏.‏

وفيه إشعار بأن الأمراء إذ ذاك كانوا لا يواظبون على صلاة الظهر ذلك اليوم بمكان معين فأشار أنس إلى أن الذي يفعلونه جائز وإن كان الاتباع أفضل، ولما خلت رواية أبي بكر بن عياش عن القدر المرفوع وقع في بعض الطرق عنه وهم فرواه الإسماعيلي من رواية عبد الحميد بن بيان عنه بلفظ ‏"‏ أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر هذا اليوم‏؟‏ قال‏:‏ صلى حيث يصلي أمراؤك ‏"‏ قال الإسماعيلي‏:‏ قوله ‏"‏ صلى ‏"‏ غلط‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون كانت ‏"‏ صل ‏"‏ بصيغة الأمر كغيرها من الروايات فأشبع الناسخ اللام فكتب بعدها باء فقرأها الراوي بفتح اللام‏.‏

وأغرب الحميدي في جمعه فحذف لفظ فصل من آخر رواية أبي بكر ابن عياش فصار ظاهره أن أنسا أخبر أنه صلى حيث يصلي الأمراء، وليس كذلك فهذا بعينه الذي أطلق الإسماعيلي أنه غلط‏.‏

وقال أبو مسعود في ‏"‏ الأطراف ‏"‏‏:‏ جود إسحاق عن سفيان هذا الحديث ولم يجوده أبو بكر بن عياش‏.‏

قلت‏:‏ وهو كما قال، وقد قدمت عذر البخاري في تخريجه وأنه أراد به دفع من يتوقف في تصحيحه لتفرد إسحاق به عن سفيان‏.‏

ووقع في رواية عبد الله بن محمد في هذا الباب زيادة لفظة لم يتابعه عليها سائر الرواة عن إسحاق وهي قوله ‏"‏ أين صلى الظهر والعصر ‏"‏‏؟‏ فإن لفظ ‏"‏ العصر ‏"‏ لم يذكره غيره، فسيأتي في أواخر صفة الحج عن أبي موسى محمد بن المثنى عند المصنف، وكذا أخرجه ابن خزيمة عن أبي موسى، وأخرجه أحمد في مسنده عن إسحاق نفسه، وأخرجه مسلم عن زهير بن حرب، وأبو داود عن أحمد بن إبراهيم، والترمذي عن أحمد بن منيع ومحمد بن وزير، والنسائي عن محمد بن إسماعيل بن علية وعبد الرحمن بن محمد بن سلام، والدارمي عن أحمد بن حنبل ومحمد بن أحمد، وأبو عوانة في صحيحه عن سعدان بن يزيد، وابن الجارود في ‏"‏ المنتقى ‏"‏ عن محمد بن وزير، وسمويه في فوائده عن محمد بن بشار بندار، وأخرجه ابن المنذر والإسماعيلي من طريق بندار، زاد الإسماعيلي وزهير بن حرب وعبد الحميد بن بيان وأحمد بن منيع كلهم - وهم اثنا عشر نفسا - عن إسحاق الأزرق، ولم يقل أحد منهم في روايته ‏"‏ والعصر‏"‏، وادعى الداودي أن ذكر العصر هنا وهم وإنما ذكر العصر في النفس، وتعقب بأن النصر مذكور في هذه الرواية في الموضعين، وقد تقدم التصريح في حديث جابر عند مسلم بأنه صلى الظهر والعصر وما بعد ذلك إلى صبح يوم عرفة بمنى، فالزيادة في نفس الأمر صحيحة إلا أن عبد الله بن محمد تفرد بذكرها عن إسحاق دون بقية أصحابه والله أعلم‏.‏

‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ ليس لعبد العزيز بن رفيع عن أنس في الصحيحين إلا هذا الحديث الواحد، وله عن غير أنس أحاديث تقدم بعضها في ‏"‏ باب من طاف بعد الصبح ‏"‏ والمراد بالنفر الرجوع من منى بعد انقضاء أعمال الحج، والمراد بالأبطح المحصب كما سيأتي في مكانه‏.‏

وفي الحديث أن السنة أن يصلي الحاج الظهر يوم التروية بمنى وهو قول الجمهور، وروى الثوري في جامعه عن عمرو بن دينار فال‏:‏ رأيت ابن الزبير صلى الظهر يوم التروية بمكة‏.‏

وقد تقدمت رواية القاسم عنه أن السنة أن يصليها بمنى فلعله فعل ما نقله عمرو عنه لضرورة أو لبيان الجواز، وروى ابن المنذر من طريق ابن عباس قال ‏"‏ إذا زاغت الشمس فليرح إلى منى ‏"‏ قال ابن المنذر في حديث ابن الزبير‏:‏ أن من السنة أن يصلي الإمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى، قال به علماء الأمصار، قال‏:‏ ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه أوجب على من تخلف عن منى ليلة التاسع شيئا‏.‏

ثم روي عن عائشة أنها لم تخرج من مكة يوم التروية حتى دخل الليل وذهب ثلثه، قال ابن المنذر‏:‏ والخروج إلى منى في كل وقت مباح إلا أن الحسن وعطاء قالا‏:‏ لا بأس أن يتقدم الحاج إلى منى قبل يوم التروية بيوم أو يومين‏.‏

وكرهه مالك، وكره الإقامة بمكة يوم التروية حتى يمسي إلا إن أدركه وقت الجمعة فعليه أن يصليها قبل أن يخرج‏.‏

وفي الحديث أيضا الإشارة إلى متابعة أولي الأمر، والاحتراز عن مخالفة الجماعة‏.‏