فصل: باب رَمْيِ الْجِمَارِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب هَلْ يَبِيتُ أَصْحَابُ السِّقَايَةِ أَوْ غَيْرُهُمْ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى‏)‏ مقصوده بالغير من كان له عذر من مرض أو شغل كالحطابين والرعاء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ ح و حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْعَبَّاسَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ وَأَبُو ضَمْرَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله‏)‏ هو ابن عمر العمري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا اقتصر عليه وأحال به على ما بعده، ولفظه عند الإسماعيلي من طريق إبراهيم بن موسى عن عيسى بن يونس المذكور في الإسناد ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للعباس أن يبيت بمكة أيام منى من أجل سقايته‏"‏‏.‏

قوله في طريق ابن جريج ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن‏)‏ كذا اقتصر عليه أيضا وأحال به على ما بعده، ولفظه عند أحمد في مسنده عن محمد بن بكر المذكور في الإسناد ‏"‏ أذن للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه أبو أسامة‏)‏ أي تابع ابن نمير، وصله مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة قال حدثنا ابن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله ولفظه مثل رواية ابن نمير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعقبة بن خالد‏)‏ وصله عثمان بن أبي شيبة في مسنده عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو ضمرة‏)‏ يعني أنس بن عياض، وقد تقدم في ‏"‏ باب سقاية الحاج ‏"‏ في أثناء أبواب الطواف ولفظه مثل رواية ابن نمير، والنكتة في استظهار البخاري بهذه المتابعات بعد إيراده له من ثلاثة طرق لشك وقع في رواية يحيى بن سعيد القطان في وصله، فقد أخرجه أحمد عن يحيى عن عبيد الله عن نافع قال‏:‏ ولا أعلمه إلا عن ابن عمر، قال الإسماعيلي‏:‏ وقد وصله أيضا بغير شك موسى بن عقبة والدراوردي وعلي بن مسهر ومحمد بن فليح وغيرهم كلهم عن عبيد الله وأرسله ابن المبارك عن عبيد الله‏.‏

قلت‏:‏ الظاهر أن عبيد الله كان ربما شك في وصله بدليل رواية يحيى القطان، وكأنه كان في أكثر أحواله يجزم بوصله بدليل رواية الجماعة، وفي الحديث دليل على وجوب المبيت بمنى وأنه من مناسك الحج لأن التعبير بالرخصة يقتضي أن مقابلها عزيمة وأن الإذن وقع للعلة المذكورة، وإذا لم توجد أو ما في معناها لم يحصل الإذن، وبالوجوب قال الجمهور، وفي قول للشافعي ورواية عن أحمد وهو مذهب الحنفية أنه سنة ووجوب الدم بتركه مبني على هذا الخلاف ولا يحصل المبيت إلا بمعظم الليل، وهل يختص الإذن بالسقاية وبالعباس أو بغير ذلك من الأوصاف المعتبرة في هذا الحكم‏؟‏ فقيل يختص الحكم بالعباس وهو جمود، وقيل يدخل معه آله، وقيل قومه وهم بنو هاشم، وقيل كل من احتاج إلى السقاية فله ذلك‏.‏

ثم قيل أيضا يختص الحكم بسقاية العباس حتى لو عملت سقاية لغيره لم يرخص لصاحبها في المبيت لأجلها، ومنهم من عممه وهو الصحيح في الموضعين، والعلة في ذلك إعداد الماء للشاربين، وهل يختص ذلك بالماء أو يلتحق به ما في معناه من الأكل وغيره‏؟‏ محل احتمال‏.‏

وجزم الشافعية بإلحاق من له مال يخاف ضياعه أو أمر يخاف فوته أو مريض يتعاهده بأهل السقاية، كما جزم الجمهور بإلحاق الرعاء خاصة، وهو قول أحمد واختاره ابن المنذر، أعني الاختصاص بأهل السقاية والرعاء لإبل، والمعروف عن أحمد اختصاص العباس بذلك وعليه اقتصر صاحب المغني‏.‏

وقال المالكية‏:‏ يجب الدم في المذكورات سوى الرعاء، قالوا‏:‏ وهن ترك المبيت بغير عذر وجب عليه دم عن كل ليلة‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ عن كل ليلة إطعام مسكين، وقيل عنه التصدق بدرهم وعن الثلاث دم وهي رواية عن أحمد، والمشهور عنه وعن الحنفية لا شيء عليه، وقد تقدم الكلام على سقاية العباس في الباب المشار إليه في أول الكلام على هذا الباب‏.‏

وفي الحديث أيضا استئذان الأمراء والكبراء فيما يطرأ من المصالح والأحكام وبدار من استؤمر إلى الأذن عند ظهور المصلحة‏.‏

والمراد بأيام منى ليلة الحادي عشر واللتين بعده، ووقع في رواية روح عن ابن جريج عند أحمد أن مبيت تلك الليلة بمنى، وكأنه عنى ليلة الحادي عشر لأنها تعقب يوم الإفاضة، وأكثر الناس يفيضون يوم النحر ثم في الذي يليه وهو الحادي عشر‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب رَمْيِ الْجِمَارِ

وَقَالَ جَابِرٌ رَمَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى وَرَمَى بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب رمي الجمار‏)‏ أي وقت رميها أو حكم الرمي، وقد اختلف فيه‏:‏ فالجمهور على أنه واجب يجبر تركه بدم، وعند المالكية سنة مؤكدة فيجبر، وعندهم رواية أن رمي جمرة العقبة ركن يبطل الحج بتركه، ومقابله قول بعضهم إنها إنما تشرع حفظا للتكبير فإن تركه وكبر أجزأه حكاه ابن جرير عن عائشة وغيرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال جابر رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى‏.‏

الحديث‏)‏ وصله مسلم وابن خزيمة وابن حبان من طريق ابن جريج ‏"‏ أخبرني أبو الزبير عن جابر قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة ضحى يوم النحر وحده، ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس ‏"‏ ورواه الدارمي عن عبيد الله بن موسى عن ابن جريج بلفظ التعليق، لكن قال ‏"‏ وبعد ذلك عند زوال الشمس ‏"‏ ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن عيسى بن يونس عن ابن جريج ‏"‏ أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا ‏"‏ فذكره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ وَبَرَةَ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَتَى أَرْمِي الْجِمَارَ قَالَ إِذَا رَمَى إِمَامُكَ فَارْمِهْ فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ قَالَ كُنَّا نَتَحَيَّنُ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ رَمَيْنَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن وبرة‏)‏ بفتح الواو والموحدة، هو ابن عبد الرحمن المسلي بضم الميم وسكون المهملة بعدها لام كوفي ثقة، رجال الإسناد إلى ابن عمر كوفيون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏متى أرمي الجمار‏)‏ يعني في غير يوم الأضحى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فارمه‏)‏ بهاء ساكنة للسكت، وقوله‏:‏ ‏(‏إذا رمى إمامك فارمه‏)‏ يعني الأمير الذي على الحج، وكأن ابن عمر خاف عليه أن يخالف الأمير فيحصل له منه ضرر فلما أعاد عليه المسألة لم يسعه الكتمان فأعلمه بما كانوا يفعلونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رواه ابن عيينة عن مسعر بهذا الإسناد فقال فيه ‏"‏ فقلت له أرأيت إن أخر إمامي ‏"‏ أي الرمي فذكر له الحديث أخرجه ابن أبي عمر في مسنده عنه ومن طريقه الإسماعيلي، وفيه دليل على أن السنة أن يرمي الجمار في غير يوم الأضحى بعد الزوال وبه قال الجمهور، وخالف فيه عطاء وطاوس فقالا‏:‏ يجوز قبل الزوال مطلقا، ورخص الحنفية في الرمي في يوم النفر قبل الزوال‏.‏

وقال إسحاق‏:‏ إن رمى قبل الزوال أعاد، إلا في اليوم الثالث فيجزئه‏.‏

*3*باب رَمْيِ الْجِمَارِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب رمي الجمار من بطن الوادي‏)‏ كأنه أشار بذلك إلى رد ما رواه ابن أبي شيبة وغيره عن عطاء ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلو إذا رمى الجمرة ‏"‏ لكن يمكن الجمع بين هذا وبين حديث الباب بأن التي ترمى من بطن الوادي هي جمرة العقبة لكونها عند الوادي بخلاف الجمرتين الأخريين، ويوضح ذلك قوله في حديث ابن مسعود في الطريق الآتية بعد باب بلفظ ‏"‏ حين رمى جمرة العقبة ‏"‏ وكذا روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون عن عمر ‏"‏ أنه رمى جمرة العقبة في السنة التي أصيب فيها وفي غيرها من بطن الوادي ‏"‏ ومن طريق الأسود ‏"‏ رأيت عمر رمى جمرة العقبة من فوقها ‏"‏ وفي إسناد هذا الثاني حجاج بن أرطأة وفيه ضعف، وسنذكر بقية الكلام عليه هناك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ رَمَى عَبْدُ اللَّهِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي فَقُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا فَقَالَ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ بِهَذَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الله بن الوليد‏)‏ هو العدني هكذا رويناه موصولا في ‏"‏ جامع سفيان الثوري ‏"‏ رواية العدني عنه من طريق عبد الرحمن بن منده بإسناده إلى عبد الله بن الوليد، وفائدة هذا التعليق بيان سماع سفيان وهو الثوري له من الأعمش‏.‏

وتمتاز جمرة العقبة عن الجمرتين الأخريين بأربعة أشياء‏:‏ اختصاصها بيوم النحر، وأن لا يوقف عندها، وترمى ضحى، ومن أسفلها استحبابا‏.‏

*3*باب رَمْيِ الْجِمَارِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ

ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب رمي الجمار بسبع حصيات، ذكره ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يشير بذلك إلى حديث ابن عمر الموصول عنده بعد بابين ويأتي الكلام عليه هناك، وأشار في الترجمة إلى رد ما رواه قتادة عن ابن عمر قال ‏"‏ ما أبالي رميت الجمار بست أو سبع ‏"‏ وأن ابن عباس أنكر ذلك، وقتادة لم يسمع من ابن عمر، أخرجه ابن أبي شيبة من طريق قتادة، وروى من طريق مجاهد‏:‏ من رمى بست فلا شيء عليه‏.‏

ومن طريق طاوس‏:‏ يتصدق بشيء‏.‏

وعن مالك والأوزاعي‏:‏ من رمى بأقل من سبع وفاته التدارك يجبره بدم‏.‏

وعن الشافعية‏:‏ في ترك حصاة مد، وفي ترك حصاتين مدان، وفي ثلاثة فأكثر دم‏.‏

وعن الحنفية‏:‏ إن ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث فنصف صاع وإلا فدم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَرَمَى بِسَبْعٍ وَقَالَ هَكَذَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن إبراهيم‏)‏ هو ابن يزيد النخعي، ورواية الحكم عنه لهذا الحديث مختصرة، وقد ساقها الأعمش عنه أتم من هذا كما سيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه‏.‏

*3*بَاب مَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَآهُ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ

الشرح‏:‏

‏(‏لا يوجد شرح‏)‏ ‏.‏

*3*باب يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ

قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يكبر مع كل حصاة، قاله ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يأتي الكلام عليه بعد باب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ وَالسُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ وَالسُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ قَالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَاسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ حَتَّى إِذَا حَاذَى بِالشَّجَرَةِ اعْتَرَضَهَا فَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ قَالَ مِنْ هَا هُنَا وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ قَامَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الواحد‏)‏ هو ابن زياد البصري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت الحجاج‏)‏ يعني ابن يوسف الأمير المشهور، ولم يقصد الأعمش الرواية عنه فلم يكن بأهل لذلك وإنما أراد أن يحكي القصة ويوضح خطأ الحجاج فيها بما ثبت عمن يرجع إليه في ذلك، بخلاف الحجاج وكان لا يرى إضافة السورة إلى الاسم فرد عليه إبراهيم النخعي بما رواه عن ابن مسعود من الجواز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جمرة العقبة‏)‏ هي الجمرة الكبرى، وليست من منى بل هي حد منى من جهة مكة، وهي التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها على الهجرة، والجمرة اسم لمجتمع الحصى سميت بذلك لاجتماع الناس بها، يقال تجمر بنو فلان إذا اجتمعوا، وقيل إن العرب تسمي الحصى الصغار جمارا فسميت تسمية الشيء بلازمه، وقيل لأن آدم أو إبراهيم لما عرض له إبليس فحصبه جمر بين يديه أي أسرع فسميت بذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاستبطن الوادي‏)‏ في رواية أبي معاوية عن الأعمش ‏"‏ فقيل له - أي لعبد الله بن مسعود - إن ناسا يرمونها من فوقها ‏"‏ الحديث أخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حاذى‏)‏ بمهملة وبالذال المعجمة من المحاذاة، و قوله‏:‏ ‏(‏اعترضها‏)‏ أي الشجرة يدل على أنه كان هناك شجرة عند الجمرة، وقد روى ابن أبي شيبة عن الثقفي عن أيوب قال ‏"‏ رأيت القاسم وسالما ونافعا يرمون من الشجرة ‏"‏ ومن طريق عبد الرحمن بن الأسود ‏"‏ أنه كان إذا جاوز الشجرة رمى العقبة من تحت غصن من أغصانها‏"‏‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏فرمى‏)‏ أي الجمرة‏.‏

وفي رواية الحكم عن إبراهيم في الباب الذي قبله ‏"‏ جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ‏"‏ ووقع في رواية أبي صخرة عن عبد الرحمن بن يزيد ‏"‏ لما أتى عبد الله جمرة العقبة استبطن الوادي واستقبل القبلة ‏"‏ أخرجه الترمذي، والذي قبله هو الصحيح، وهذا شاذ في إسناده المسعودي وقد اختلط، وبالأول قال الجمهور، وجزم الرافعي من الشافعية بأنه يستقبل الجمرة ويستدبر القبلة، وقيل يستقبل القبلة ويجعل الجمرة عن يمينه، وقد أجمعوا على أنه من حيث رماها جاز سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه أو يساره أو من فوقها أو من أسفلها أو وسطها، والاختلاف في الأفضل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة‏)‏ قال ابن المنير خص عبد الله سورة البقرة بالذكر لأنها التي ذكر الله فيها الرمي، فأشار إلى أن فعله صلى الله عليه وسلم مبين لمراد كتاب الله تعالى‏.‏

قلت‏:‏ ولم أعرف موضع ذكر الرمي من سورة البقرة، والظاهر أنه أراد أن يقول أن كثيرا من أفعال الحج مذكور فيها فكأنه قال هذا مقام الذي أنزلت عليه أحكام المناسك، منبها بذلك على أن أفعال الحج توقيفية‏.‏

وقيل خص البقرة بذلك لطولها وعظم قدرها وكثرة ما فيها من الأحكام، أو أشار بذلك إلى أنه يشرع الوقوف عندها بقدر سورة البقرة والله أعلم‏.‏

واستدل بهذا الحديث على اشتراط رمي الجمرات واحدة واحدة لقوله ‏"‏ يكبر مع كل حصاة ‏"‏ وقد قال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ خذوا عني مناسككم ‏"‏ وخالف في ذلك عطاء وصاحبه أبو حنيفة فقالا‏:‏ لو رمى السبع دفعة واحدة أجزأه‏.‏

وفيه ما كان الصحابة عليه من مراعاة حال النبي صلى الله عليه وسلم في كل حركة وهيئة ولا سيما في أعمال الحج، وفيه التكبير عند رمي حصى الجمار، وأجمعوا على أن من لم يكبر فلا شيء عليه‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ زاد محمد بن عبد الرحمن بن يزيد النخعي عن أبيه في هذا الحديث عن ابن مسعود ‏"‏ أنه لما فرغ من رمي جمرة العقبة قال‏:‏ اللهم اجعله حجا مبرورا، وذنبا مغفورا‏"‏‏.‏

*3*باب مَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَلَمْ يَقِفْ

قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من رمى جمرة العقبة ولم يقف، قاله ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ سيأتي موصولا في الباب الذي بعده، وعند أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه، ولا نعرف فيه خلافا‏.‏

*3*باب إِذَا رَمَى الْجَمْرَتَيْنِ يَقُومُ وَيُسْهِلُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا رمى الجمرتين يقوم مستقبل القبلة ويسهل‏)‏ المراد بالجمرتين ما سوى جمرة العقبة، وهي التي يبدأ بها في الرمي في أول يوم ثم تصير أخيرة في كل يوم بعد ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِلَ فَيَقُومَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلًا وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيَسْتَهِلُ وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلًا وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُومُ طَوِيلًا ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا طلحة بن يحيى‏)‏ أي ابن النعمان بن أبي عياش الزرقي الأنصاري المدني نزيل بغداد، وثقه ابن معين‏.‏

وقال أحمد‏:‏ مقارب الحديث‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ ليس بقوي، وزعم ابن طاهر أنه ليس له في البخاري سوى هذا الحديث‏.‏

قلت‏:‏ لكنه لم يحتج به على انفراده، فقد استظهر له بمتابعة سليمان بن بلال في الباب الذي بعده‏.‏

وبمتابعة عثمان بن عمر أيضا كلاهما عن يونس كما سيأتي بعد باب، وتابعهم عبد الله بن عمر النميري عن يونس عند الإسماعيلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الجمرة الدنيا‏)‏ بضم الدال وبكسرها أي القريبة إلى جهة مسجد الخيف‏.‏

وهي أول الجمرات التي ترمى من ثاني يوم النحر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يسهل‏)‏ بضم أوله وسكون المهملة أي يقصد السهل من الأرض وهو المكان المصطحب الذي لا ارتفاع فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يأخذ ذات الشمال‏)‏ أي يمشي إلى جهة شماله ‏(‏فيقوم طويلا‏)‏ في رواية سليمان ‏"‏ فيقوم قياما طويلا‏"‏، وسيأتي الكلام فيه بعد باب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويرفع يديه‏)‏ أي في الدعاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يرمي الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال‏)‏ أي ليقف داعيا في مكان لا يصيبه الرمي‏.‏

وفي رواية سليمان ‏"‏ ثم يرمي الجمرة الوسطى كذلك فيأخذ ذات الشمال ‏"‏ وفي رواية عثمان ‏"‏ ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي فيقف مستقبل القبلة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يرمي جمرة ذات العقبة‏)‏ هو نحو ‏"‏ يا نساء المؤمنات ‏"‏ أي يأتي الجمرة ذات العقبة، وثبت كذلك في رواية سليمان‏.‏

وفي رواية عثمان بن عمر ‏"‏ ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم ينصرف‏)‏ في رواية سليمان ‏"‏ ولا يقف عندها‏"‏‏.‏

*3*باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ جَمْرَةِ الدُّنْيَا وَالْوُسْطَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب رفع اليدين عند جمرة الدنيا والوسطى‏)‏ قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم لما تضمنه حديث ابن عمر هذا مخالفا إلا ما روي عن مالك من ترك رفع اليدين عند الدعاء بعد رمي الجمار، فقال ابن المنذر‏:‏ لا أعلم أحدا أنكر رفع اليدين في الدعاء عند الجمرة إلا ما حكاه ابن القاسم عن مالك انتهى، ورده ابن المنير بأن الرفع لو كان هنا سنة ثابتة ما خفي عن أهل المدينة، وغفل رحمه الله تعالى عن أن الذي رواه من أعلم أهل المدينة من الصحابة في زمانه، وابنه سالم أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة، والراوي عنه ابن شهاب عالم المدينة ثم الشام في زمانه، فمن علماء المدينة إن لم يكونوا هؤلاء‏؟‏ والله المستعان‏.‏

*3*باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ

وَقَالَ مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ تَقَدَّمَ أَمَامَهَا فَوَقَفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو وَكَانَ يُطِيلُ الْوُقُوفَ ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ الْيَسَارِ مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا قَالَ الزُّهْرِيُّ سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ مِثْلَ هَذَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الدعاء عند الجمرتين‏)‏ أي وبيان مقداره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال محمد حدثنا عثمان بن عمر‏)‏ قال أبو علي الجياني‏:‏ اختلف في محمد هذا فنسبه أبو علي بن السكن فقال‏:‏ محمد بن بشار‏.‏

قلت‏:‏ وهو المعتمد‏.‏

وقال الكلاباذي‏:‏ هو محمد بن بشار أو محمد بن المثنى‏.‏

وجزم غيره بأنه الذهلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الزهري سمعت إلخ‏)‏ هو بالإسناد المصدر به الباب، ولا اختلاف بين أهل الحديث أن الإسناد بمثل هذا السياق موصول، وغايته أنه من تقديم المتن على بعض السند، وإنما اختلفوا في جواز ذلك‏.‏

وأغرب الكرماني فقال‏:‏ هذا الحديث من مراسيل الزهري، ولا يصير بما ذكره آخرا مسندا لأنه قال يحدث بمثله لا بنفسه‏.‏

كذا قال؛ وليس مراد المحدث بقوله في هذا ‏"‏ بمثله ‏"‏ إلا نفسه، وهو كما لو ساق المتن بإسناد ثم عقبه بإسناد آخر ولم يعد المتن بل قال ‏"‏ بمثله‏"‏، ولا نزاع بين أهل الحديث في الحكم بوصل مثل هذا، وكذا عند أكثرهم لو قال ‏"‏ بمعناه ‏"‏ خلافا لمن يمنع الرواية بالمعنى‏.‏

وقد أخرج الحديث المذكور الإسماعيلي عن ابن ناجية عن محمد بن المثنى وغيره عن عثمان بن عمر وقال في آخره ‏"‏ قال الزهري سمعت سالما يحدث بهذا عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فعرف أن المراد بقوله مثله نفسه، وإذا تكلم المرء في غير فنه أتى بهذه العجائب‏.‏

وفي الحديث مشروعية التكبير عند رمي كل حصاة، وقد أجمعوا على أن من تركه لا يلزمه شيء، إلا الثوري فقال يطعم، وإن جبره بدم أحب إلي‏.‏

وعلى الرمي بسبع وقد تقدم ما فيه‏.‏

وعلى استقبال القبلة بعد الرمي والقيام طويلا‏.‏

وقد وقع تفسيره فيما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عطاء ‏"‏ كان ابن عمر يقوم عند الجمرتين مقدار ما يقرأ سورة البقرة ‏"‏ وفيه التباعد من موضع الرمي عند القيام للدعاء حتى لا يصيب رمي غيره‏.‏

وفيه مشروعية رفع اليدين في الدعاء، وترك الدعاء والقيام عن جمرة العقبة، ولم يذكر المصنف حال الرامي في المشي والركوب‏.‏

وقد روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ‏"‏ أن ابن عمر كان يمشي إلى الجمار مقبلا ومدبرا ‏"‏ وعن جابر أنه ‏"‏ كان لا يركب إلا من ضرورة‏"‏

*3*باب الطِّيبِ بَعْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ وَالْحَلْقِ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة‏)‏ أورد فيه حديث عائشة ‏"‏ طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي حين أحرم ولحله حين أحل قبل أن يطوف ‏"‏ الحديث، ومطابقته للترجمة من جهة أنه صلى الله عليه وسلم لما أفاض من مزدلفة لم تكن عائشة مسايرته، وقد ثبت أنه استمر راكبا إلى أن رمى جمرة العقبة، فدل ذلك على أن تطييبها له وقع بعد الرمي، وأما الحلق قبل الإفاضة فلأنه صلى الله عليه وسلم حلق رأسه بمنى لما رجع من الرمي، وأخذه من حديث الباب من جهة التطيب فإنه لا يقع إلا بعد التحلل، والتحلل الأول يقع بأمرين من ثلاثة‏:‏ الرمي والحلق والطواف، فلولا أنه حلق بعد أن رمى لم يتطيب‏.‏

وفي هذا الحديث حجة لمن أجاز الطيب وغيره من محظورات الإحرام بعد التحلل الأول، ومنعه مالك، وروي عن عمر وابن عمر وغيرهما، وقد تقدم الكلام على حديث الباب مستوفى في ‏"‏ باب الطيب عند الإحرام ‏"‏ وأحلت على هذا السياق هناك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ وَكَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ يَقُولُ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ وَبَسَطَتْ يَدَيْهَا

الشرح‏:‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله ‏"‏ حين أحرم ‏"‏ أي حين أراد الإحرام، وقوله ‏"‏حين أحل ‏"‏ أي لما وقع الإحلال، وإنما كان كذلك لأن الطيب بعد وقوع الإحرام لا يجوز، والطيب عند إرادة الحل لا يجوز لأن المحرم ممنوع من الطيب‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب طَوَافِ الْوَدَاعِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب طواف الوداع‏)‏ قال النووي‏:‏ طواف الوداع واجب يلزم بتركه دم على الصحيح عندنا وهو قول أكثر العلماء‏.‏

وقال مالك وداود وابن المنذر‏:‏ هو سنة لا شيء في تركه انتهى والذي رأيته في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ لابن المنذر أنه واجب للأمر به إلا أنه لا يجب بتركه شيء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمر الناس‏)‏ كذا في رواية عبد الله بن طاوس عن أبيه على البناء لما لم يسم فاعله والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا قوله ‏"‏ خفف ‏"‏ وقد رواه سفيان أيضا عن سليمان الأحول عن طاوس فصرح فيه بالرفع ولفظه عن ابن عباس قال ‏"‏ كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ‏"‏ أخرجه مسلم هو والذي قبله عن سعيد بن منصور عن سفيان بالإسنادين فرقهما، فكأن طاوسا حدث به على الوجهين، ولهذا وقع في رواية كل من الراويين عنه ما لم يقع في رواية الآخر، وفيه دليل على وجوب طواف الوداع للأمر المؤكد به وللتعبير في حق الحائض بالتخفيف كما تقدم، والتخفيف لا يكون إلا من أمر مؤكد، واستدل به على أن الطهارة شرط لصحة الطواف، وسيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ تَابَعَهُ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي خَالِدٌ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن قتادة‏)‏ سيأتي بعد باب من وجه آخر عن ابن وهب التصريح بتحديث قتادة، ويأتي الكلام هناك، والمقصود منه هنا قوله في آخره ‏"‏ ثم ركب إلى البيت فطاف به‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه الليث‏)‏ أي تابع عمرو بن الحارث في روايته لهذا الحديث عن قتادة بطريق أخرى إلى قتادة، وقد وصله البزار والطبراني من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث، وخالد شيخ الليث هو ابن يزيد، وذكر البزار والطبراني أنه تفرد بهذا الحديث عن سعيد وأن الليث تفرد به عن خالد وأن سعيد بن أبي هلال لم يرو عن قتادة عن أنس غير هذا الحديث‏.‏

*3*باب إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت‏)‏ أي هل يجب عليها طواف الوداع أو يسقط، وإذا وجب هل يجبر بدم أم لا‏؟‏ وقد تقدم معنى هذه الترجمة في كتاب الحيض بلفظ ‏"‏ باب المرأة تحيض بعد الإفاضة ‏"‏ قال ابن المنذر‏:‏ قال عامة الفقهاء بالأمصار‏:‏ ليس على الحائض التي قد أفاضت طواف وداع‏.‏

وروينا عن عمر بن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضا لطواف الوداع، وكأنهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الإفاضة إذ لو حاضت قبله لم يسقط عنها‏.‏

ثم أسند عن عمر بإسناد صحيح إلى نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ طافت امرأة بالبيت يوم النحر ثم حاضت، فأمر عمر بحبسها بمكة بعد أن ينفر الناس حتى تطهر وتطوف بالبيت ‏"‏ قال‏:‏ وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك، وبقي عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة‏.‏

يشير بذلك إلى ما تضمنته أحاديث هذا الباب‏.‏

وقد روى ابن أبي شيبة من طريق القاسم بن محمد ‏"‏ كان الصحابة يقولون‏.‏

إذا أفاضت المرأة قبل أن تحيض فقد فرغت، إلا عمر فإنه كان يقول‏:‏ يكون آخر عهدها بالبيت ‏"‏ وقد وافق عمر على رواية ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم غيره، فروى أحمد وأبو داود والنسائي والطحاوي - واللفظ لأبي داود - من طريق الوليد بن عبد الرحمن عن الحارث بن عبد الله بن أوس الثقفي قال‏:‏ ‏"‏ أتيت عمر فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ثم تحيض، قال‏:‏ ليكن آخر عهدها بالبيت‏.‏

فقال الحارث كذلك أفتاني - وفي رواية أبي داود هكذا حدثني - رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ واستدل الطحاوي بحديث عائشة وبحديث أم سليم على نسخ حديث الحارث في حق الحائض‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاضَتْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ قَالُوا إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ قَالَ فَلَا إِذًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حاضت‏)‏ أي بعد أن أفاضت يوم النحر كما تقدم في ‏"‏ باب الزيارة يوم النحر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذكر‏)‏ كذا في هذه الرواية بضم الذال على البناء للمجهول، وقد تقدم في الباب المذكور من وجه آخر أن عائشة هي التي ذكرت له ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحابستنا‏)‏ أي مانعتنا من التوجه من مكة في الوقت الذي أردنا التوجه فيه، ظنا منه صلى الله عليه وسلم أنها ما طافت طواف إفاضة، وإنما قال ذلك لأنه كان لا يتركها ويتوجه، ولا يأمرها بالتوجه معه وهي باقية على إحرامها، فيحتاج إلى أن يقيم حتى تطهر وتطوف وتحل الحل الثاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالوا‏)‏ سيأتي في الطريق التي في آخر الباب أن صفية هي قالت ‏"‏ بلى ‏"‏ وفي رواية الأعرج عن أبي سلمة عن عائشة التي مضت في باب الزيارة يوم النحر ‏"‏ حججنا فأفضنا يوم النحر، فحاضت صفية، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله فقلت‏:‏ يا رسول الله إنها حائض ‏"‏ الحديث، وهذا مشكل لأنه صلى الله عليه وسلم إن كان علم أنها طافت طواف الإفاضة فكيف يقول أحابستنا هي‏؟‏ وإن كان ما علم فكيف يريد وقاعها قبل التحلل الثاني‏؟‏ ويجاب عنه بأنه صلى الله عليه وسلم ما أراد ذلك منها إلا بعد أن استأذنه نساؤه في طواف الإفاضة فأذن لهن فكان بانيا على أنها قد حلت، فلما قيل له إنها حائض جوز أن يكون وقع لها قبل ذلك حتى منعها من طواف الإفاضة فاستفهم عن ذلك فأعلمته عائشة أنها طافت معهن فزال عنه ما خشيه من ذلك والله أعلم‏.‏

وقد سبق في كتاب الحيض من طريق عمرة عن عائشة أنه قال لهم ‏"‏ لعلها تحبسنا، ألم تكن طافت معكن‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى ‏"‏ وسأذكر بقية اختلاف ألفاظ هذه القصة في آخر الباب إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا إذا‏)‏ أي فلا حبس علينا حينئذ، أي إذا أفاضت فلا مانع لنا من التوجه لأن الذي يجب عليها قد فعلته‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ سَأَلُوا ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ امْرَأَةٍ طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ قَالَ لَهُمْ تَنْفِرُ قَالُوا لَا نَأْخُذُ بِقَوْلِكَ وَنَدَعُ قَوْلَ زَيْدٍ قَالَ إِذَا قَدِمْتُمْ الْمَدِينَةَ فَسَلُوا فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَسَأَلُوا فَكَانَ فِيمَنْ سَأَلُوا أُمُّ سُلَيْمٍ فَذَكَرَتْ حَدِيثَ صَفِيَّةَ رَوَاهُ خَالِدٌ وَقَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حماد‏)‏ هو ابن زيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أهل المدينة‏)‏ أي بعض أهلها وقد رواه الإسماعيلي من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب بلفظ ‏"‏ أن ناسا من أهل المدينة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال لهم تنفر‏)‏ زاد الثقفي ‏"‏ فقالوا‏:‏ لا نبالي أفتيتنا أو لم تفتنا، زيد بن ثابت يقول لا تنفر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكان فيمن سألوا أم سليم‏)‏ في رواية الثقفي ‏"‏ فسألوا أم سليم وغيرها فذكرت صفية ‏"‏ كذا ذكره مختصرا، وساقه الثقفي بتمامه قال ‏"‏ فأخبرتهم أن عائشة قالت لصفية‏.‏

أفي الخيبة أنت‏؟‏ إنك لحابستنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما ذاك‏؟‏ قالت عائشة‏:‏ صفية حاضت، قيل إنها قد أفاضت، قال‏:‏ فلا إذا‏.‏

فرجعوا إلى ابن عباس فقالوا وجدنا الحديث كما حدثتناه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رواه خالد‏)‏ يعني الحذاء ‏(‏وقتادة عن عكرمة‏)‏ أما رواية خالد فوصلها البيهقي من طريق معلى بن منصور عن هشيم عنه عن عكرمة عن ابن عباس قال ‏"‏ إذا طافت يوم النحر ثم حاضت فلتنفر ‏"‏ وقال زيد بن ثابت ‏"‏ لا تنفر حتى تطهر وتطوف بالبيت‏.‏

ثم أرسل زيد بعد ذلك إلى ابن عباس‏:‏ إني وجدت الذي قلت كما قلت ‏"‏ وأما رواية قتادة فوصلها أبو داود الطيالسي في مسنده قال‏:‏ حدثنا هشام هو الدستوائي عن قتادة عن عكرمة قال ‏"‏ اختلف ابن عباس وزيد بن ثابت في المرأة إذا حاضت وقد طافت بالبيت يوم النحر، فقال زيد‏:‏ يكون آخر عهدها بالبيت‏.‏

وقال ابن عباس‏:‏ تنفر إن شاءت، فقالت الأنصار‏:‏ لا نتابعك يا ابن عباس وأنت تخالف زيدا، فقال‏:‏ سلوا صاحبتكم أم سليم - يعني فسألوها - فقالت‏:‏ حضت بعدما طفت بالبيت فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنفر، وحاضت صفية فقالت لها عائشة حبستنا فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنفر ‏"‏ ورواه سعيد بن أبي عروبة في كتاب المناسك الذي رويناه من طريق محمد بن يحيى القطعي عن عبد الأعلى عنه قال‏:‏ عن قتادة عن عكرمة نحوه‏.‏

وقال فيه ‏"‏ لا نتابعك إذا خالفت زيد بن ثابت ‏"‏ وقال فيه ‏"‏ وأنبئت أن صفية بنت حيي حاضت بعدما طافت بالبيت يوم النحر فقالت لها عائشة‏:‏ الخيبة لك حبستنا، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تنفر ‏"‏ وهكذا أخرجه إسحاق في مسنده عن عبدة عن سعيد وفي آخره ‏"‏ وكان ذلك من شأن أم سليم أيضا‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ طريق قتادة هذه هي المحفوظة، وقد شذ عباد بن العوام فرواه عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مختصرا في قصة أم سليم أخرجه الطحاوي من طريقه انتهى‏.‏

ولقد اختصر البخاري حديث عكرمة جدا، ولولا تخريج هذه الطرق لما ظهر المراد منه، فلله الحمد على ما أنعم به وتفضل‏.‏

وقد روى هذه القصة طاوس عن ابن عباس متابعا لعكرمة، أخرجه مسلم والنسائي والإسماعيلي من طريق الحسن بن مسلم عن طاوس ‏"‏ كنت مع ابن عباس إذ قال له زيد بن ثابت‏:‏ تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت‏؟‏ فقال ابن عباس‏:‏ أما لا فسل فلانة الأنصارية هل أمرها النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال فرجع إليه فقال‏:‏ ما أراك إلا قد صدقت ‏"‏ لفظ مسلم، وللنسائي ‏"‏ كنت عند ابن عباس فقال له زيد بن ثابت أنت الذي تفتي ‏"‏ وقال فيه ‏"‏ فسألها، ثم رجع وهو يضحك فقال‏:‏ الحديث كما حدثتني ‏"‏ وللإسماعيلي بعد قوله أنت الذي إلخ ‏"‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فلا تفت بذلك‏.‏

قال‏:‏ فسل فلانة ‏"‏ والباقي نحو سياق مسلم، وزاد في إسناده عن ابن جريج قال‏:‏ وقال عكرمة بن خالد عن زيد وابن عباس نحوه وزاد فيه ‏"‏ فقال ابن عباس سل أم سليم وصواحبها هل أمرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك‏؟‏ فسألهن، فقلن‏:‏ قد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ‏"‏ وقد عرف برواية عكرمة الماضية أن الأنصارية هي أم سليم، وأما صواحبها فلم أقف على تسميتهن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا أَفَاضَتْ قَالَ وَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ إِنَّهَا لَا تَنْفِرُ ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لَهُنَّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسلم‏)‏ هو ابن إبراهيم، ووهيب هو ابن خالد وابن طاوس هو عبد الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رخص‏)‏ بضم الراء على البناء لما لم يسم فاعله، ووقع في رواية يحيى بن حسان عن وهيب عند النسائي ‏"‏ رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال وسمعت ابن عمر‏)‏ القائل ذلك هو طاوس بالإسناد المذكور، بينه النسائي في روايته المذكورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم سمعته يقول بعد‏)‏ سيأتي أن ذلك كان قبل موت ابن عمر بعام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهن‏)‏ هذا من مراسيل الصحابة، وكذا ما أخرجه النسائي والترمذي وصححه والحاكم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال من حج فليكن آخر عهده بالبيت، إلا الحيض رخص لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فإن ابن عمر لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وسنوضح ذلك، فعند النسائي من طريق إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عمر أنه كان يقول قريبا من سنتين عن الحائض لا تنفر حتى يكون آخر عهدها بالبيت‏.‏

ثم قال بعد‏:‏ أنه رخص للنساء‏.‏

وله وللطحاوي من طريق عقيل عن الزهري عن طاوس أنه سمع ابن عمر يسأل عن النساء إذا حضن قبل النفر وقد أفضن يوم النحر فقال‏:‏ إن عائشة كانت تذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخصة لهن وذلك قبل موته بعام‏.‏

وفي رواية الطحاوي قبل موت ابن عمر بعام‏.‏

وروى ابن أبي شيبة أن ابن عمر كان يقيم على الحائض سبعة أيام حتى تطوف طواف الوداع، قال الشافعي‏:‏ كأن ابن عمر سمع الأمر بالوداع ولم يسمع الرخصة أولا ثم بلغته الرخصة فعمل بها، وقد تقدم شيء من الكلام على هذا الحديث في أواخر الحيض‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ فَقَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَمْ يَحِلَّ وَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَطَافَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَحَلَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْيُ فَحَاضَتْ هِيَ فَنَسَكْنَا مَنَاسِكَنَا مِنْ حَجِّنَا فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ لَيْلَةُ النَّفْرِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ أَصْحَابِكَ يَرْجِعُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ غَيْرِي قَالَ مَا كُنْتِ تَطُوفِينَ بِالْبَيْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا قُلْتُ لَا قَالَ فَاخْرُجِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ وَمَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَخَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ وَحَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْرَى حَلْقَى إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا أَمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ بَلَى قَالَ فَلَا بَأْسَ انْفِرِي فَلَقِيتُهُ مُصْعِدًا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ وَقَالَ مُسَدَّدٌ قُلْتُ لَا تَابَعَهُ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ فِي قَوْلِهِ لَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن منصور‏)‏ هو ابن المعتمر، وإبراهيم هو النخعي والأسود هو خاله وهو نخعي أيضا، وقد سبق الكلام على حديث عائشة فيما يتعلق بطواف الحائض في ‏"‏ باب تقضي الحائض المناسك إلا الطواف ‏"‏ ويأتي الكلام على حديث عمرتهما في أبواب العمرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليلة الحصبة‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ ليلة الحصباء ‏"‏ وقوله بعده ‏"‏ ليلة النفر ‏"‏ عطف بيان لليلة الحصباء، والمراد بتلك الليلة التي يتقدم النفر من منى قبلها فهي شبيهة بليلة عرفة، وفيه تعقب على من قال كل ليلة تسبق يومها إلا ليلة عرفة فإن يومها يسبقها، فقد شاركتها ليلة النفر في ذلك‏.‏

قوله فيه ‏(‏ما كنت تطوفين بالبيت ليالي قدمنا مكة‏؟‏ قلت لا‏)‏ كذا للأكثر‏.‏

وفي رواية أبي ذر عن المستملي ‏"‏ قلت بلى ‏"‏ وهي محمولة على أن المراد ما كنت أطوف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحاضت صفية‏)‏ أي في أيام منى، سيأتي في أبواب الإدلاج من المحصب أن حيضها كان ليلة النفر، زاد الحاكم عن إبراهيم عند مسلم ‏"‏ لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفر إذا صفية على باب خبائها كئيبة حزينة، فقال عقرى ‏"‏ الحديث، وهذا يشعر بأن الوقت الذي أراد منها ما يريد الرجل من أهله كان بالقرب من وقت النفر من منى، واستشكله بعضهم بناء على ما فهمه أن ذلك كان وقت الرحيل، وليس ذلك بلازم لاحتمال أن يكون الوقت الذي أراد منها ما أراد سابقا على الوقت الذي رآها فيه على باب خبائها الذي هو وقت الرحيل، بل ولو اتحد الوقت لم يكن ذلك مانعا من الإرادة المذكورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عقرى حلقى‏)‏ بالفتح فيهما ثم السكون وبالقصر بغير تنوين في الرواية، ويجوز في اللغة التنوين وصوبه أبو عبيد، لأن معناه الدعاء بالعقر والحلق، كما يقال سقيا ورعيا ونحو ذلك من المصادر التي يدعى بها، وعلى الأول هو نعت لا دعاء، ثم معنى عقري عقرها الله أي جرحها وقيل جعلها عاقرا لا تلد، وقيل عقر قومها‏.‏

ومعنى حلقي حلق شعرها وهو زينة المرأة، أو أصابها وجع في حلقها، أو حلق قومها بشؤمها أي أهلكهم‏.‏

وحكى القرطبي أنها كلمة تقولها اليهود للحائض، فهذا أصل هاتين الكلمتين، ثم اتسع العربي في قولهما بغير إرادة حقيقتهما كما قالوا قاتله الله وتربت يداه ونحو ذلك، قال القرطبي وغيره‏:‏ شتان بين قوله صلى الله عليه وسلم هذا لصفية وبين قوله لعائشة لما حاضت منه في الحج ‏"‏ هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ‏"‏ لما يشعر به من الميل لها والحنو عليها بخلاف صفية‏.‏

قلت‏:‏ وليس فيه دليل على اتضاع قدر صفية عنده، لكن اختلف الكلام باختلاف المقام، فعائشة دخل عليها وهي تبكي أسفا على ما فاتها من النسك فسلاها بذلك، وصفية أراد منها ما يريد الرجل من أهله فأبدت المانع فناسب كلا منهما ما خاطبها به في تلك الحالة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا بأس انفري‏)‏ هو بيان لقوله في الرواية الماضية أول الباب ‏"‏ فلا إذا ‏"‏ وفي رواية أبي سلمة ‏"‏ قال اخرجوا ‏"‏ وفي رواية عمرة ‏"‏ قال اخرجي ‏"‏ وفي رواية الزهري عن عروة عن عائشة في المغازي ‏"‏ فلتنفر ‏"‏ ومعانيها متقاربة، والمراد بها كلها الرحيل من منى إلى جهة المدينة‏.‏

وفي أحاديث الباب أن طواف الإفاضة ركن، وأن الطهارة شرط لصحة الطواف، وأن طواف الوداع واجب وقد تقدم ذلك، واستدل به على أن أمير الحاج يلزمه أن يؤخر الرحيل لأجل من تحيض ممن لم تطف للإفاضة، وتعقب باحتمال أن تكون إرادته صلى الله عليه وسلم تأخير الرحيل إكراما لصفية كما احتبس بالناس على عقد عائشة‏.‏

وأما الحديث الذي أخرجه البزار من حديث جابر وأخرجه البيهقي في فوائده من طريق أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ أميران وليسا بأميرين‏:‏ من تبع جنازة فليس له أن ينصرف حتى تدفن أو يأذن أهلها، والمرأة تحج أو تعتمر مع قوم فتحيض قبل طواف الركن فليس لهم أن ينصرفوا حتى تطهر أو تأذن لهم ‏"‏ فلا دلالة فيه على الوجوب إن كان صحيحا، فإن في إسناد كل منهما ضعفا شديدا‏.‏

وقد ذكر مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ أنه يلزم الجمال أن يحبس لها إلى انقضاء أكثر مدة الحيض، وكذا على النفساء‏.‏

واستشكله ابن المواز بأن فيها تعريضا للفساد كقطع الطريق، وأجاب عياض بأن محل ذلك مع أمن الطريق كما أن محله أن كون مع المرأة محرم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مسدد‏:‏ قلت لا‏.‏

وتابعه جرير عن منصور في قوله لا‏)‏ هذا التعليق لم يقع في رواية أبي ذر وثبت لغيره، فأما رواية مسدد فرويناها كذلك في مسنده رواية أبي خليفة عنه قال ‏"‏ حدثنا أبو عوانة ‏"‏ فذكر الحديث بسنده ومتنه وقال فيه ‏"‏ ما كنت طفت ليالي قدمنا‏؟‏ قلت‏:‏ لا ‏"‏ وأما رواية جرير فوصلها المصنف في ‏"‏ باب التمتع والقران ‏"‏ عن عثمان بن أبي شيبة عنه وقال فيه ‏"‏ ما كنت طفت ليالي قدمنا مكة‏؟‏ قلت‏:‏ لا ‏"‏ وهذا يؤيد صحة ما وقع في رواية المستملي حيث وقع عنده بلى موضع لا كما تقدم، وتقدم توجيهه‏.‏

*3*باب مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْأَبْطَحِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح‏)‏ أي البطحاء التي بين مكة ومنى، وهي ما انبطح من الوادي واتسع‏.‏

وهي التي يقال لها المحصب والمعرس، وحدها ما بين الجبلين إلى المقبرة‏.‏

وقد تقدم الكلام على حديث أنس الأول في ‏"‏ باب أين يصلي الظهر يوم التروية ‏"‏ وهو مطابق لما ترجم به هنا‏.‏

وفي سياق حديث أنس الثاني ما يشعر بأنه صلى بالأبطح وهو المحصب مع ذلك المغرب والعشاء ورقد، ثم ركب إلى البيت فطاف به أي طواف الوداع، وأما قوله فيه ‏"‏ أنه صلى الظهر ‏"‏ فلا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال لأنه رمى فنفر فنزل المحصب فصلى الظهر به‏.‏

*3*باب الْمُحَصَّبِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب المحصب‏)‏ بمهملتين ثم موحدة بوزن ‏"‏ محمد ‏"‏ أي ما حكم النزول به‏؟‏ وقد نقل ابن المنذر الاختلاف في استحبابه مع الاتفاق على أنه ليس من المناسك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إِنَّمَا كَانَ مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ يَعْنِي بِالْأَبْطَحِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن هشام‏)‏ هو ابن عروة‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون عن سفيان حدثنا هشام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنما كان منزلا‏)‏ في رواية مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام ‏"‏ نزول الأبطح ليس بسنه إنما نزله ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أسمح‏)‏ أي أسهل لتوجهه إلى المدينة ليستوي في ذلك البطيء والمعتدل، ويكون مبيتهم وقيامهم في السحر ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تعني بالأبطح‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ تعني الأبطح ‏"‏ بحذف الموحدة‏.‏

وفي رواية مسلم المذكورة ‏"‏ كان أسمح لخروجه إذا خرج‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة ‏(‏قال عمرو‏)‏ هو ابن دينار، وعطاء هو ابن أبي رباح، قال الدارقطني هذا الحديث سمعه سفيان من الحسن بن صالح عن عمرو بن دينار، يعني أنه دلسه هنا عن عمرو، وتعقب بأن الحميدي أخرجه في مسنده عن سفيان قال ‏"‏ حدثنا عمرو ‏"‏ وكذلك أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي خيثمة عن سفيان فانتفت تهمة تدليسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس التحصيب بشيء‏)‏ أي من أمر المناسك الذي يلزم فعله قاله ابن المنذر، وقد روى أحمد من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة قالت ‏"‏ ثم ارتحل حتى نزل الحصبة قالت والله ما نزلها إلا من أجلي ‏"‏ وروى مسلم وأبو داود وغيرهما من طريق سليمان بن يسار عن أبي رافع قال ‏"‏ لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ولكن جئت فضربت قبته فجاء فنزل ‏"‏ ا ه، لكن لما نزله النبي صلى الله عليه وسلم كان النزول به مستحبا اتباعا له لتقريره على ذلك‏.‏

وقد فعله الخلفاء بعده كما رواه مسلم من طريق عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ينزلون الأبطح ‏"‏ وسيأتي للمصنف في الباب الذي يليه، لكن ليس فيه ذكر أبي بكر، ومن طريق أخرى عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرى التحصيب سنة، قال نافع ‏"‏ وقد حصب رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده ‏"‏ فالحاصل أن من نفي أنه سنة كعائشة وابن عباس أراد أنه ليس من المناسك فلا يلزم بتركه شيء، ومن أثبته كابن عمر أراد دخوله في عموم التأسي بأفعاله صلى الله عليه وسلم لا الإلزام بذلك، ويستحب أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به بعض الليل كما دل عليه حديث أنس، ويأتي نحوه من حديث ابن عمر في الباب الذي يليه‏.‏

*3*باب النُّزُولِ بِذِي طُوًى قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ وَالنُّزُولِ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب النزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة، والنزول بالبطحاء التي بذي الحليفة‏)‏ أي قبل أن يدخل المدينة، والمقصود بهذه الترجمة الإشارة إلى أن اتباعه صلى الله عليه وسلم في النزول بمنازله لا يختص بالمحصب، وقد تقدم الكلام على مكان الدخول إلى مكة في أوائل الحج، والنزول ببطحاء ذي الحليفة صريح في حديث الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بذي الطوى‏)‏ كذا للمستملي والسرخسي بإثبات الألف واللام ولغيرهما بحذفهما‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَبِيتُ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ ثُمَّ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا لَمْ يُنِخْ نَاقَتَهُ إِلَّا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَأْتِي الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ فَيَبْدَأُ بِهِ ثُمَّ يَطُوفُ سَبْعًا ثَلَاثًا سَعْيًا وَأَرْبَعًا مَشْيًا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَنْطَلِقُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَكَانَ إِذَا صَدَرَ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنِيخُ بِهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بين الثنيتين‏)‏ أي التي بين الثنيتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم ينخ ناقته إلا عند باب المسجد‏)‏ أي إذا بات بذي طوى ثم أصبح ركب ناقته فلم ينخها إلا بباب المسجد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيصلي سجدتين‏)‏ وفي رواية الكشميهني ركعتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان إذا صدر‏)‏ أي رجع متوجها نحو المدينة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ سُئِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ الْمُحَصَّبِ فَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ نَزَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يُصَلِّي بِهَا يَعْنِي الْمُحَصَّبَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ أَحْسِبُهُ قَالَ وَالْمَغْرِبَ قَالَ خَالِدٌ لَا أَشُكُّ فِي الْعِشَاءِ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سئل عبيد الله‏)‏ يعني ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو وابن عمر‏)‏ هو عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل وعن عمر منقطع وعن ابن عمر موصول، ويحتمل أن يكون نافع سمع ذلك من ابن عمر فيكون الجميع موصولا ويدل عليه رواية عبد الرزاق التي قدمتها في الباب الذي قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن نافع‏)‏ هو معطوف على الإسناد الذي قبله وليس بمعلق، وقد رواه البيهقي من طريق حميد بن مسعدة عن خالد بن الحارث مثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يصلي بها يعني المحصب‏)‏ قيل فسر الضمير المؤنث بلفظ مذكر وأراد البقعة، ولأن من أسمائها البطحاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال خالد‏)‏ هو ابن الحارث راوي أصل الإسناد وهو مؤيد للعطف الذي قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا أشك في العشاء‏)‏ يريد أنه شك في ذكر المغرب، وقد رواه سفيان بن عيينة بغير شك في المغرب ولا غيرها عن أيوب، وعن عبيد الله بن عمر جميعا عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان يصلي بالأبطح الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم يهجع هجعة ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي، وهو عند أبي داود من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني وعن أيوب عن نافع كلاهما عن ابن عمر‏.‏

*3*باب مَنْ نَزَلَ بِذِي طُوًى إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَقْبَلَ بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ دَخَلَ وَإِذَا نَفَرَ مَرَّ بِذِي طُوًى وَبَاتَ بِهَا حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ يَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من نزل بذي طوى إذا رجع من مكة‏)‏ تقدم الكلام على النزول بذي طوى والمبيت بها إلى الصبح لمن أراد أن يدخل مكة في أوائل الحج، والمقصود بهذه الترجمة مشروعية المبيت بها أيضا للراجع من مكة، وغفل الداودي فظن أن هذا المبيت متحد بالمبيت بالمحصب فجعل ذا طوى هو المحصب، وهو غلط منه، وإنما يقع المبيت بالمحصب في الليلة التي تلي يوم النفر من منى فيصبح سائرا إلى أن يصل إلى ذي طوى فينزل بها ويبيت، فهذا الذي يدل عليه سياق حديث الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال محمد بن عيسى‏)‏ هو ابن الطباع أخو إسحاق البصري‏.‏

حدثنا ‏(‏حماد‏)‏ اختلف في حماد هذا فجزم الإسماعيلي بأنه ابن سلمة، وجزم المزي بأنه ابن زيد فلم يذكر حماد بن سلمة في شيوخ محمد بن عيسى وذكر حماد بن زيد، ولم تقع في رواية محمد بن عيسى موصولة‏.‏

وقد أخرج الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق حماد بن زيد عن أيوب طرفا من الحديث وليس فيه مقصود الترجمة، وهذا الطرف تقدم في ‏"‏ باب الاغتسال لدخول مكة ‏"‏ من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب، وأخرجه الإسماعيلي هنا عن الحسن بن سفيان عن محمد بن أبان عن حماد بن سلمة عن أيوب، ولم يذكر مقصود الترجمة، فلم يتضح لي صحة ما قال أن حمادا في التعليق عن محمد بن عيسى هذا هو ابن سلمة، بل الظاهر أنه ابن زيد والله أعلم‏.‏

وليس لمحمد بن عيسى هذا في البخاري سوى هذا الموضع وآخر في كتاب الأدب سيأتي بسط القول فيه إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإذا نفر مر بذي طوى‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وإذا نفر مر من ذي طوى إلخ ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ وليس هذا أيضا من مناسك الحج‏.‏

قلت وإنما يؤخذ منه أماكن نزوله صلى الله عليه وسلم ليتأسى به فيها، إذ لا يخلو شيء من أفعاله عن حكمة‏.‏

*3*باب التِّجَارَةِ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ وَالْبَيْعِ فِي أَسْوَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية‏)‏ أي جواز ذلك، والموسم بفتح الميم وسكون الواو وكسر المهملة قال الأزهري سمي بذلك لأنه معلم يجتمع إليه الناس مشتق من السمة وهي العلامة، وذكر في حديث الباب من أسواق الجاهلية اثنين وترك اثنين سنذكرهما إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ ذُو الْمَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عمرو بن دينار‏)‏ في رواية إسحاق بن راهويه في مسنده عن عيسى بن يونس عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ هذا هو المحفوظ، ووقع عند الإسماعيلي عن المنيعي عن عثمان بن أبي شيبة عن يحيي بن أبي زائدة عن ابن جريج عن عمرو عن ابن الزبير، قال الإسماعيلي‏:‏ كذا في كتابي وعليه صح‏.‏

قلت‏:‏ وهو وهم من بعض رواته كأنه دخل عليه حديث في حديث، فإن حديث ابن الزبير عند ابن عيينة وابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد عنه وهو أخصر من سياق ابن عباس، وقد رواه ابن عيينة عن عمرو عن ابن عباس ثم لم يختلف عليه في ذلك، كذلك رواه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن أبي زائدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان ذو المجاز‏)‏ بفتح الميم وتخفيف الجيم وفي آخره زاي وهو بلفظ ضد الحقيقة، وعكاظ بضم المهملة وتخفيف الكاف وفي آخره ظاء مشالة، زاد ابن عيينة عن عمر وكما سيأتي في أوائل البيوع وفي تفسير البقرة ‏"‏ ومجنة ‏"‏ وهي بفتح الميم وكسر الجيم وتشديد النون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏متجر الناس في الجاهلية‏)‏ أي مكان تجارتهم وفي رواية ابن عيينة ‏"‏ أسواقا في الجاهلية ‏"‏ فأما ذو المجاز فذكر الفاكهي من طريق ابن إسحاق أنها كانت بناحية عرفة إلى جانبها، وعند الأزرقي من طريق هشام بن الكلبي أنه كان لهذيل على فرسخ من عرفة، ووقع في شرح الكرماني أنه كان بمنى وليس بشيء، لما رواه الطبري عن مجاهد أنهم كانوا لا يبيعون ولا يبتاعون في الجاهلية بعرفة ولا منى، لكن سيأتي عن تخريج الحاكم خلاف ذلك‏.‏

وأما عكاظ فعن ابن إسحاق أنها فيما بين نخلة والطائف إلى بلد يقال له الفتق بضم الفاء والمثناة بعدها قاف، وعن ابن الكلبي أنها كانت وراء قرن المنازل بمرحلة على طريق صنعاء، وكانت لقيس وثقيف‏.‏

وأما مجنة فعن ابن إسحاق أنها كانت بمر الظهران إلى جبل يقال له الأصغر، وعن ابن الكلبي كانت بأسفل مكة على بريد منها غربي البيضاء وكانت لكنانة، وذكر من أسواق العرب في الجاهلية أيضا حباشة بضم المهملة وتخفيف الموحدة وبعد الألف معجمة، وكانت في ديار بارق نحو قنوني بفتح القاف وبضم النون الخفيفة وبعد الواو نون مقصورة من مكة إلى جهة اليمن على ست مراحل، قال وإنما لم يذكر هذه السوق في الحديث لأنها لم تكن من مواسم الحج، وإنما كانت تقام في شهر رجب، قال الفاكهي‏.‏

ولم تزل هذه الأسواق قائمة في الإسلام إلى أن كان أول ما ترك منها سوق عكاظ في زمن الخوارج سنة تسع وعشرين ومائة وآخر ما ترك منها سوق حباشة في زمن داود بن عيسى بن موسى العباسي في سنة سبع وتسعين ومائة‏.‏

ثم أسند عن ابن الكلبي أن كل شريف كان إنما يحضر سوق بلده إلا سوق عكاظ فإنهم كانوا يتوافون بها من كل جهة، فكانت أعظم تلك الأسواق‏.‏

وقد وقع ذكرها في أحاديث أخرى منها حديث ابن عباس ‏"‏ أنطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ‏"‏ الحديث في قصه الجن، وقد مضى في الصلاة ويأتي في التفسير‏.‏

وروى الزبير بن بكار في ‏"‏ كتاب النسب ‏"‏ من طريق حكيم بن حزام أنها كانت تقام صبح هلال ذي القعدة إلى أن يمضي عشرون يوما، قال‏:‏ ثم يقام سوق مجنة عشرة أيام إلى هلال ذي الحجة، ثم يقوم سوق ذي المجاز ثمانية أيام، ثم يتوجهون إلى منى للحج‏.‏

وفي حديث أبي الزبير عن جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في الموسم بمجنة وعكاظ يبلغ رسالات ربه ‏"‏ الحديث أخرجه أحمد وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كأنهم‏)‏ أي المسلمين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كرهوا ذلك‏)‏ في رواية ابن عيينة ‏"‏ فكأنهم تأثموا ‏"‏ أي خشوا من الوقوع في الإثم للاشتغال في إياها النسك بغير العبادة‏.‏

وأخرج الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ من طريق عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس ‏"‏ إن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق المجاز ومواسم الحج، فخافوا البيع وهم حرم، فأنزل الله تعالى ‏(‏لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلا من ربكم‏)‏ في مواسم الحج ‏"‏ قال فحدثني عبيد بن عمير أنه كان يقرأها في المصحف، ولأبي داود وإسحاق بن راهويه من طريق مجاهد عن ابن عباس ‏"‏ كانوا لا يتجرون بمنى، فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات ‏"‏ وقرأ هذه الآية، وأخرجه إسحاق في مسنده من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ كانوا يمنعون البيع والتجارة في أيام الموسم يقولون‏:‏ إنها أيام ذكر، فنزلت ‏"‏ وله من وجه آخر عن مجاهد عن ابن عباس ‏"‏ كانوا يكرهون أن يدخلوا في حجهم التجارة حتى نزلت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى نزلت إلخ‏)‏ سيأتي في تفسير البقرة عن ابن عمر قول آخر في سبب نزولها‏.‏

قولها ‏(‏في مواسم إلخ‏)‏ قال الكرماني‏:‏ هو كلام الراوي ذكره تفسيرا انتهى‏.‏

وفاته ما زاده المصنف في آخر حديث ابن عيينة في البيوع ‏"‏ قرأها ابن عباس ‏"‏ ورواه ابن عمر في مسنده عن ابن عيينة وقال في آخره ‏"‏ وكذلك كان ابن عباس يقرأها ‏"‏ وروى الطبري بإسناد صحيح عن أيوب عن كرمة أنه كان يقرأها كذلك، فهي على هذا من القراءة الشاذة وحكمها عند الأئمة حكم التفسير، واستدل بهذا الحديث على جواز البيع والشراء للمعتكف قياسا على الحج، والجامع بينهما العبادة، وهو قول الجمهور‏.‏

وعن مالك كراهة ما زاد على الحاجة كالخبز إذا لم يجد من يكفيه، وكذا كرهه عطاء ومجاهد والزهري، ولا ريب أنه خلاف الأولى، والآية إنما نفت الجناح ولا يلزم من نفيه نفي أولوية مقابله‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب الِادِّلَاجِ مِنْ الْمُحَصَّبِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الإدلاج من المحصب‏)‏ وقع في رواية لأبي ذر الإدلاج بسكون الدال والصواب تشديدها فإنه بالسكون سير أول الليل وبالتشديد سير آخره وهو المراد هنا، والمقصود الرحيل من مكان المبيت بالمحصب سحرا وهو الواقع في قصة عائشة، ويحتمل أن تكون الترجمة لأجل رحيل عائشة مع أخيها للاعتمار فإنها رحلت معه من أول الليل فقصد المصنف التنبيه على أن المبيت ليس بلازم وأن السير من هناك من أول الليل جائز، وسيأتي الكلام على حديث عائشة قريبا في أبواب العمرة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ فَقَالَتْ مَا أُرَانِي إِلَّا حَابِسَتَكُمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْرَى حَلْقَى أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قِيلَ نَعَمْ قَالَ فَانْفِرِي قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ النَّفْرِ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلْقَى عَقْرَى مَا أُرَاهَا إِلَّا حَابِسَتَكُمْ ثُمَّ قَالَ كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَانْفِرِي قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ أَكُنْ حَلَلْتُ قَالَ فَاعْتَمِرِي مِنْ التَّنْعِيمِ فَخَرَجَ مَعَهَا أَخُوهَا فَلَقِينَاهُ مُدَّلِجًا فَقَالَ مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبي‏)‏ هو حفص بن غياث والإسناد كله إلى عائشة كوفيون، وليس في المتن الذي ساقه من طريق حفص مقصود الترجمة، وإنما أشار إلى أن القصة التي في روايته وفي رواية محاضر واحدة‏.‏

وقد تقدم لكلام على قصة صفية قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزادني محمد‏)‏ وقع في رواية أبي علي بن السكن ‏"‏ محمد بن سلام ‏"‏ ومحاضر بضم الميم وجاء مهملة خفيفة وبعد الألف ضاد معجمة لم يخرج عنه البخاري في كتابه إلا تعليقا، لكن هذا الموضع ظاهر الوصل، ويأتي الكلام على حديث عائشة مستوفي إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ فخرج معها أخوها ‏"‏ هو عبد الرحمن بن أبي بكر كما سيأتي، وقوله فيه ‏"‏ فلقيناه ‏"‏ أي إنهما لقيا النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏مدلجا‏)‏ هو بتشديد الدال أي سائرا من آخر الليل، فإنهما لما رجعا إلى المنزل بعد أن قضت عائشة العمرة صادفا النبي صلى الله عليه وسلم متوجها إلى طواف الوداع، وقوله ‏"‏موعدك كذا وكذا ‏"‏ أي موضع المنزلة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ اشتمل كتاب الحج من أوله إلى أبواب العمرة على ثلثمائة واثني عشر حديثا، المعلق منها سبعة وخمسون حديثا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى مائة وأحد وتسعون حديثا والخالص منها مائة وأحد وعشرون حديثا، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث جابر في ‏"‏ الإهلال ‏"‏ ‏"‏ إذا استقلت الراحلة ‏"‏ وحديث أنس في ‏"‏ الحج على رحل رث ‏"‏ وحديث عائشة ‏"‏ لكن أفضل الجهاد حج مبرور ‏"‏ وحديث ابن عباس في نزول ‏(‏وتزودوا فإن خير الزاد التقوى‏)‏ ، وحديث عمر ‏"‏ حد لأهل نجد قرنا ‏"‏ وحديثه ‏"‏ وقل عمرة في حجة ‏"‏ وحديث ابن عباس ‏"‏ انطلق من المدينة بعدما ترجل وادهن ‏"‏ وحديثه أنه سئل عن متعة الحج، وحديث أبي سعيد ‏"‏ ليحجن البيت وليعتمرن بعد يأجوج ومأجوج ‏"‏ وحديث ابن عباس في هدم الكعبة على يد الأسود، وحديثه في ترك دخول الكعبة وفيها الأصنام، وحديث ابن عمر في استلام الحجر وتقبيله، وحديث عائشة في طوافها حجرة من الرجال، وحديث ابن عباس ‏"‏ مر برجل يطوف وقد خزم أنفه ‏"‏ وحديث الزهري المرسل ‏"‏ لم يطف إلا صلى ركعتين ‏"‏ وحديث ابن عباس ‏"‏ قدم فطاف وسعى ‏"‏ وحديث عائشة في كراهة الطواف بعد الصبح، وحديث ابن عباس في الشرب من سقاية العباس، وحديث ابن عمر في تعجيل الوقوف، وحديث ابن عباس ‏"‏ ليس البر بالإيضاع ‏"‏ وحديثه في تقديم الضعفة، وحديث عمر في إفاضة المشركين من مزدلفة، وحديث المسور ومروان في الهدي، وحديث ابن عمر في النحر في المنحر، وحديث جابر في السؤال عن الحلق قبل الذبح، وحديث ابن عمر ‏"‏ حلق في حجته ‏"‏ وحديث ابن عباس ‏"‏ أخر الزيارة إلى الليل ‏"‏ وحديث عائشة في ذلك، وحديث جابر في رمي جمرة العقبة ضحى وبعد ذلك بعد الزوال، وحديث ابن عمر في هذا المعنى، وحديثه ‏"‏ كان يرمي الجمرة الدنيا يسبع ويكبر مع كل حصاة ‏"‏ وحديثه في نزول المحصب، وحديث ابن عباس ‏"‏ كان ذو المجاز وعكاظ‏"‏‏.‏

وفيه من الآثار الموقوفة عن الصحابة والتابعين ستون أثرا أكثرها معلق‏.‏

والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَبْوَابُ الْعُمْرَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - أبواب العمرة‏.‏

باب وجوب العمرة وفضلها‏)‏ سقطت البسملة لأبي ذر، وثبتت الترجمة هكذا في روايته عن المستملي، وسقط عنده عن غيره ‏"‏ أبواب العمرة ‏"‏ وثبت لأبي نعيم في المستخرج ‏"‏ كتاب العمرة ‏"‏ وللأصيلي وكريمة ‏"‏ باب العمرة وفضلها ‏"‏ حسب‏.‏

والعمرة في اللغة الزيارة، وقيل إنها مشتقة من عمارة المسجد الحرام، وجزم المصنف بوجوب العمرة، وهو متابع في ذلك للمشهور عن الشافعي وأحمد وغيرهما من أهل الأثر، والمشهور عن المالكية أن العمرة تطوع وهو قول الحنفية، واستدلوا بما رواه الحجاج بن أرطأة عن محمد بن المنكدر عن جابر ‏"‏ أتى أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن العمرة أواجبة هي‏؟‏ فقال‏:‏ لا، وأن تعتمر خير لك ‏"‏ أخرجه الترمذي، والحجاج ضعيف‏.‏

وقد روى ابن لهيعة عن عطاء عن جابر مرفوعا ‏"‏ الحج والعمرة فريضتان ‏"‏ أخرجه ابن عدي، وابن لهيعة ضعيف ولا يثبت في هذا الباب عن جابر شيء، بل روى ابن الجهم المالكي بإسناد حسن عن جابر ‏"‏ ليس مسلم إلا عليه عمرة ‏"‏ موقوف على جابر، واستدل الأولون بما ذكر في هذا الباب وبقول صبي بن معبد لعمر ‏"‏ رأيت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما‏.‏

فقال له‏:‏ هديت لسنة نبيك ‏"‏ أخرجه أبو داود‏.‏

وروى ابن خزيمة وغيره في حديث عمر سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام فوقع فيه ‏"‏ وإن تحج وتعتمر ‏"‏ وإسناده قد أخرجه مسلم لكن لم يسق لفظه، وبأحاديث أخر غير ما ذكر، وبقوله تعالى ‏(‏وأتموا الحج والعمرة لله‏)‏ أي أقيموهما‏.‏

وزعم الطحاوي أن معنى قول ابن عمر ‏"‏ العمرة واجبة ‏"‏ أي وجوب كفاية، ولا يخفى بعده مع اللفظ الوارد عن ابن عمر كما سنذكره، وذهب ابن عباس وعطاء وأحمد إلى أن العمرة لا تجب على أهل مكة وإن وجبت على غيرهم‏.‏

*3*باب وُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَفَضْلِهَا

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عمر‏)‏ هذا التعليق وصله ابن خزيمة والدارقطني والحاكم من طريق ابن جريج أخبرني نافع أن ابن عمر كان يقول ‏"‏ ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة وعمرة واجبتان من استطاع سبيلا، فمن زاد شيئا فهو خير وتطوع ‏"‏ وقال سعيد بن أبي عروبة في المناسك عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ الحج والعمرة فريضتان‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏)‏ هذا التعليق وصله الشافعي وسعيد بن منصور كلاهما عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمعت طاوسا يقول سمعت ابن عباس يقول ‏"‏ والله إنها لقرينتها في كتاب الله‏:‏ وأتموا الحج والعمرة لله ‏"‏ وللحاكم من طريق عطاء عن ابن عباس ‏"‏ الحج والعمرة فريضتان ‏"‏ وإسناده ضعيف، والضمير في قوله ‏"‏ لقرينتها ‏"‏ للفريضة وكان أصل الكلام أن يقول لقرينته لأن المراد الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سمي‏)‏ قال ابن عبد البر‏:‏ تفرد سمي بهذا الحديث واحتاج إليه الناس فيه فرواه عنه مالك والسفيانان وغيرهما حتى أن سهيل بن أبي صالح حدث به عن سمي عن أبي صالح فكأن سهيلا لم يسمعه من أبيه، وتحقق بذلك تفرد سمي به فهو من غرائب الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما‏)‏ أشار ابن عبد البر إلى أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر قال‏:‏ وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى تعميم ذلك، ثم بالغ في الإنكار عليه، وقد تقدم التنبيه على الصواب في ذلك أوائل مواقيت الصلاة‏.‏

واستشكل بعضهم كون العمرة كفارة مع أن اجتناب الكبائر يكفر فماذا تكفر العمرة‏؟‏ والجواب أن تكفير العمرة مقيد بزمنها، وتكفير الاجتناب عام لجميع عمر العبد، فتغايرا من هذه الحيثية‏.‏

وأما مناسبة الحديث لأحد شقي الترجمة وهو وجوب العمرة فمشكل، بخلاف الشق الآخر وهو فضلها فإنه واضح، وكأن المصنف والله أعلم أشار إلى ما ورد في بعض طرق الحديث المذكور وهو ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعا ‏"‏ تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابع بينهما تنفي الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد‏.‏

وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة ‏"‏ فإن ظاهره التسوية بين أصل الحج والعمرة فيوافق قول ابن عباس ‏"‏ إنها لقرينتها في كتاب الله ‏"‏ وأما إذا اتصف الحج بكونه مبرورا فذلك قدر زائد، وقد تقدم الكلام على المراد به في أوائل الحج‏.‏

ووقع عند أحمد وغيره من حديث جابر مرفوعا ‏"‏ الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة‏.‏

قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بر الحج‏؟‏ قال إطعام الطعام وإفشاء السلام ‏"‏ ففي هذا تفسير المراد بالبر في الحج، ويستفاد من حديث ابن مسعود المذكور المراد بالتكفير المبهم في حديث أبي هريرة، وفي حديث الباب دلالة على استحباب الاستكثار من الاعتمار خلافا لقول من قال يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة كالمالكية ولمن قال مرة في الشهر من غيرهم واستدل لهم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة، وأفعاله على الوجوب أو الندب، وتعقب بأن المندوب لم ينحصر في أفعاله، فقد كان يترك الشيء وهو يستحب فعله لرفع المشقة عن أمته، وقد ندب إلى ذلك بلفظه فثبت الاستحباب من غير تقييد‏.‏

واتفقوا على جوازها في جميع الأيام لمن لم يكن متلبسا بأعمال الحج، إلا ما نقل عن الحنفية أنه يكره في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، ونقل الأثرم عن أحمد‏:‏ إذا اعتمر فلا بد أن يحلق أو يقصر، فلا يعتمر بعد ذلك إلى عشرة أيام ليمكن حلق الرأس فيها، قال ابن قدامة‏:‏ هذا يدل على كراهة الاعتمار عنده في دون عشرة أيام‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ قوله ‏"‏ العمرة إلى العمرة ‏"‏ يحتمل أن تكون إلى بمعنى مع فيكون التقدير العمرة مع العمرة مكفرة لما بينهما، وفي الحديث أيضا إشارة إلى جواز الاعتمار قبل الحج وهو من حديث ابن مسعود الذي أشرنا إليه عند الترمذي وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه‏.‏

*3*باب مَنْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من اعتمر قبل الحج‏)‏ أي هل تجزئه العمرة أم لا‏؟‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ فَقَالَ لَا بَأْسَ قَالَ عِكْرِمَةُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِثْلَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن محمد‏)‏ هو المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن عكرمة بن خالد‏)‏ هو المخزومي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سأل‏)‏ هذا السياق يقتضي أن هذا الإسناد مرسل لأن ابن جريج لم يدرك زمان سؤال عكرمة لابن عمر، ولهذا استظهر البخاري بالتعليق عن ابن إسحاق المصرح بالاتصال ثم بالإسناد الآخر عن ابن جريج، فهو يرفع هذا الإشكال المذكور حيث قال عن ابن جريج قال ‏"‏ قال عكرمة ‏"‏ فإن قيل إن ابن جريج ربما دلس فالجواب أن ابن خزيمة أخرجه من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج قال ‏"‏ قال عكرمة بن خالد ‏"‏ فذكره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا بأس‏)‏ زاد أحمد وابن خزيمة ‏"‏ فقال لا بأس على أحد أن يعتمر قبل أن يحج‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عكرمة‏)‏ هو ابن خالد بالإسناد المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال إبراهيم بن سعد إلخ‏)‏ وصله أحمد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد بالإسناد المذكور ولفظه ‏"‏ حدثنا عكرمة بن خالد بن العاصي المخزومي قال‏:‏ قدمت المدينة في نفر من أهل مكة فلقيت عبد الله بن عمر فقلت‏:‏ إنا لم نحج قط، أفنعتمر من المدينة‏؟‏ قال‏:‏ نعم، وما يمنعكم من ذلك‏؟‏ فقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمره كلها قبل حجه‏.‏

قال فاعتمرنا ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ هذا يدل على أن فرض الحج كان قد نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قبل اعتماره، ويتفرع عليه هل الحج على الفور أو التراخي، وهذا يدل على أنه على التراخي، قال‏:‏ وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة دال على ذلك انتهى‏.‏

وقد نوزع في ذلك إذ لا يلزم من صحة تقديم أحد النسكين على الآخر نفي الفورية فيه‏.‏

وقد تقدم في أول الحج نقل الخلاف في ابتداء فرض الحج، وسيأتي الكلام على عدة عمر النبي صلى الله عليه وسلم في الباب الذي يليه، ومن الصريح في الترجمة الأثر المذكور في آخر الباب الذي يليه عن مسروق وعطاء ومجاهد قالوا ‏"‏ اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج ‏"‏ وحديث البراء في ذلك أيضا‏.‏

*3*باب كَمْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أورد فيه حديث عائشة وابن عمر في أنه اعتمر أربعا، وكذا حديث أنس، وختم بحديث البراء أنه اعتمر مرتين، والجمع بينه وبين أحاديثهم أنه لم يعد العمرة التي قرنها بحجته لأن حديثه مقيد بكون ذلك وقع في ذي القعدة والتي في حجته كانت في ذي الحجة، وكأنه لم يعد أيضا التي صد عنها وإن كانت وقعت في ذي القعدة أو عدها ولم يعد عمرة الجعرانة لخفائها عليه كما خفيت على غيره كما ذكر ذلك محرش الكعبي فيما أخرجه الترمذي، وروى يونس بن بكبر في ‏"‏ زيادات المغازي ‏"‏ وعبد الرزاق جميعا عن عمر بن ذر عن مجاهد عن أبي هريرة قال ‏"‏ اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر في ذي القعدة ‏"‏ وهو موافق لحديث عائشة وابن عمر وزاد عليه تعيين الشهر، لكن روى سعيد بن منصور عن الدراوردي عن هشام عن أبيه عن عائشة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر‏:‏ عمرتين في ذي القعدة وعمرة في شوال ‏"‏ إسناده قوي، وقد رواه ابن مالك عن هشام عن أبيه مرسلا‏.‏

لكن قولها ‏"‏ في شوال ‏"‏ مغاير لقول غيرها ‏"‏ في ذي القعدة ‏"‏ ويجمع بينهما بأن يكون ذلك وقع في آخر شوال وأول ذي القعدة، ويؤيده ما رواه ابن ماجه بإسناد صحيح عن مجاهد عن عائشة ‏"‏ لم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ذي القعدة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ صَلَاةَ الضُّحَى قَالَ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلَاتِهِمْ فَقَالَ بِدْعَةٌ ثُمَّ قَالَ لَهُ كَمْ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعًا إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ قَالَ وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُجْرَةِ فَقَالَ عُرْوَةُ يَا أُمَّاهُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ مَا يَقُولُ قَالَ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ قَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلَّا وَهُوَ شَاهِدُهُ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا جرير‏)‏ هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المسجد‏)‏ يعني مسجد المدينة النبوية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جالس إلى حجرة عائشة‏)‏ في رواية مفضل عن منصور عند أحمد ‏"‏ فإذا ابن عمر مستند إلى حجرة عائشة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإذا أناس‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فإذا ناس ‏"‏ بغير ألف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال بدعة‏)‏ تقدم الكلام على ذلك والبحث فيه في أبواب التطوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال له‏)‏ يعني عروة، وصرح به مسلم في روايته عن إسحاق بن راهويه عن جرير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أربع‏)‏ كذا للأكثر ولأبي ذر ‏"‏ قال أربعا ‏"‏ أي اعتمر أربعا‏.‏

قال ابن مالك‏:‏ الأكثر في جواب الاستفهام مطابقة اللفظ والمعنى، وقد يكتفي بالمعنى، فمن الأول قوله تعالى ‏(‏قال هي عصاي‏)‏ في جواب ‏(‏وما تلك بيمينك يا موسى‏)‏ ومن الثاني قوله عليه الصلاة والسلام ‏"‏ أربعين ‏"‏ في جواب قولهم ‏"‏ كم يلبث ‏"‏ فأضمر يلبث ونصب به أربعين، ولو قصد تكميل المطابقة لقال أربعون، لأن الاسم المستفهم به في موضع الرفع، فظهر بهذا أن النصب والرفع جائزان في مثل قوله أربع، إلا أن النصب أقيس وأكثر نظائر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إحداهن في رجب‏)‏ كذا وقع في رواية منصور عن مجاهد، وخالفه أبو إسحاق فرواه عن مجاهد عن ابن عمر، قال ‏"‏ اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، فبلغ ذلك عائشة فقالت‏:‏ اعتمر أربع عمر ‏"‏ أخرجه أحمد وأبو داود فاختلفا، جعل منصور الاختلاف في شهر العمرة وأبو إسحاق الاختلاف في عدد الاعتمار، ويمكن تعدد السؤال بأن يكون ابن عمر سئل أولا عن العدد فأجاب فردت عليه عائشة فرجع إليها، فسأل مرة ثانية فأجاب بموافقتها‏.‏

ثم سئل عن الشهر فأجاب بما في ظنه‏.‏

وقد أخرج أحمد من طريق الأعمش عن مجاهد قال ‏"‏ سأل عروة بن الزبير ابن عمر في أي شهر اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ في رجب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكرهنا أن نرد عليه‏)‏ زاد إسحاق في روايته ‏"‏ ونكذبه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسمعنا استنان عائشة‏)‏ أي حس مرور السواك على أسنانها‏.‏

وفي رواية عطاء عن عروة عند مسلم ‏"‏ وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عمرات‏)‏ يجوز في ميمها الحركات الثلاث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا أماه‏)‏ كذا للأكثر بسكون الهاء، ولأبي ذر ‏"‏ يا أمه ‏"‏ بسكون الهاء أيضا بغير ألف، وقول عروة لهذا بالمعنى الأخص لكونها خالته وبالمعنى الأعم لكونها أم المؤمنين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يرحم الله أبا عبد الرحمن‏)‏ هو عبد الله بن عمر ذكرته بكنيته تعظيما له ودعت له إشارة إلى أنه نسي، و قوله‏:‏ ‏(‏وما اعتمر‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏عمرة إلا وهو‏)‏ أي ابن عمر ‏(‏شاهده‏)‏ أي حاضر معه‏.‏

وقالت ذلك مبالغة في نسبته إلى النسيان، ولم تنكر عائشة على ابن عمر إلا قوله إحداهن في رجب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما اعتمر في رجب قط‏)‏ زاد عطاء عن عروة عند مسلم في آخره ‏"‏ قال وابن عمر يسمع، فما قال لا ولا نعم، سكت‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجَبٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عروة بن الزبير سألت عائشة‏)‏ كذا أورده مختصرا، وأخرجه مسلم من هذا الوجه مطولا ذكر فيه قصة ابن عمر وسؤاله له نحو ما رواه مجاهد، إلا أنه لم يقل فيه ‏"‏ كم اعتمر ‏"‏ وقد أشرت إلى ما فيه من فائدة زائدة، وأغرب الإسماعيلي فقال‏:‏ هذا الحديث لا يدخل في باب كم اعتمر وإنما يدخل في باب متى اعتمر ا ه، وجوابه أن غرض البخاري الطريق الأولى، وإنما أورد هذه لينبه على الخلاف في السياق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ سَأَلْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعٌ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ وَعُمْرَةٌ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ وَعُمْرَةُ الْجِعِرَّانَةِ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ أُرَاهُ حُنَيْنٍ قُلْتُ كَمْ حَجَّ قَالَ وَاحِدَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعمرة الجعرانة إذ قسم غنيمة أراه حنين‏)‏ كذا وقع هنا بنصب غنيمة بغير تنوين، وكأن الراوي طرأ عليه شك فأدخل بين المضاف والمضاف إليه لفظ ‏"‏ أراه ‏"‏ وهو بضم الهمزة أي أظنه‏.‏

وقد رواه مسلم عن هدبة عن همام بغير شك فقال ‏"‏ حيث قسم غنائم حنين ‏"‏ وسقط من رواية حسان هذه العمرة الرابعة، ولهذا استظهر المصنف بطريق أبي الوليد التي ذكرها في آخر الحديث وهو قوله ‏"‏ وعمرة مع حجته ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم من طريق عبد الصمد عن هشام، فتبين بهذا أن التقصير فيه من حسان شيخ البخاري‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ العمرة الرابعة في هذا الحديث داخلة في ضمن الحج لأنه صلى الله عليه وسلم إما أن يكون قارنا أو متمتعا فالعمرة حاصلة أو مفردا، لكن أفضل أنواع الإفراد لا بد فيه من العمرة في تلك السنة، ورسول الله لا يترك الأفضل انتهى‏.‏

وليس ما ادعى أنه الأفضل متفقا عليه بين العلماء، فكيف ينسب فعل ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يحتج به إذا نسب لأحد فعله على ما يختار بعض المجتهدين رجحانه‏.‏

قوله في رواية أبي الوليد ‏"‏ اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث ردوه، ومن القابل عمرة الحديبية ‏"‏ قال ابن التين هذا أراه وهما لأن التي ردوه فيها هي عمرة الحديبية وأما التي من قابل فلم يردوه منها‏.‏

قلت‏:‏ لا وهم في ذلك لأن كلا منهما كان من الحديبية، ويحتمل أن يكون قوله ‏"‏ عمرة الحديبية ‏"‏ يتعلق بقوله حيث ردوه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ رَدُّوهُ وَمِنْ الْقَابِلِ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ وَعُمْرَةً فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ حَدَّثَنَا هُدْبَةُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ وَقَالَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَّا الَّتِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَتَهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ وَمِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هدبة حدثنا همام و قال اعتمر‏)‏ أي بالإسناد المذكور وهو ‏"‏ عن قتادة أن أنس بن مالك أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته ‏"‏ الحديث كذا ساقه مسلم عن هداب بن خالد وهو هدبة المذكور، وقوله ‏"‏إلا التي مع حجته ‏"‏ استشكل ابن التين هذا الاستثناء فقال‏.‏

هو كلام زائد، والصواب أربع عمر‏:‏ في ذي القعدة عمرة من الحديبية الحديث، قال‏.‏

وقد عد التي مع حجته في الحديث فكيف يستثنيها أولا‏؟‏ وأجاب عياض بأن الرواية صواب، وكأنه قال في ذي القعدة منها ثلاث والرابعة عمرته في حجته، أو المعنى كلها في ذي القعدة إلا التي اعتمر في حجته لأن التي في حجته كانت في ذي الحجة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَأَلْتُ مَسْرُوقًا وَعَطَاءً وَمُجَاهِدًا فَقَالُوا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ وَقَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏شريح بن مسلمة‏)‏ بمعجمة أوله ومهملة آخره، وإبراهيم بن يوسف أي ابن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي، ورجال هذا الحديث كلهم كوفيون إلا عطاء ومجاهدا، وقد سبق الكلام عليه وتقدم الكلام على الخلاف فيما كان صلى الله عليه وسلم به محرما في حجته والجمع بين ما اختلف فيه من ذلك فأغنى عن إعادته، والمشهور عن عائشة أنه كان مفردا وحديثه هذا يشعر بأنه كان قارنا، وكذا ابن عمر أنكر على أنس كونه كان قارنا مع أن حديثه هذا يدل على أنه كان قارنا لأنه لم ينقل أنه اعتمر بعد حجته فلم يبق إلا أنه اعتمر مع حجته، ولم يكن متمتعا لأنه اعتذر عن ذلك بكونه ساق الهدي، واحتاج ابن بطال إلى تأويل ما وقع عن عائشة وابن عمر هنا فقال‏:‏ إنما تجوز نسبة العمرة الرابعة إليه باعتبار أنه أمر الناس بها وعملت بحضرته لا أنه صلى الله عليه وسلم اعتمرها بنفسه، ومن تأمل ما تقدم من الجمع استغنى عن هذا التأويل المتعسف‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ في عدهم عمرة الحديبية التي صد عنها ما يدل على أنها عمرة تامة، وفيه إشارة إلى صحة قول الجمهور إنه لا يجب القضاء على من صد عن البيت خلافا للحنفية، ولو كانت عمرة للقضية بدلا عن عمرة الحديبية لكانتا واحدة، وإنما سميت عمرة القضية والقضاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاضي قريشا فيها لا أنها وقعت قضاء عن العمرة التي صد عنها إذ لو كان كذلك لكانتا عمرة واحدة‏.‏

وفيه دلالة على جواز الاعتمار في أشهر الحج بخلاف ما كان عليه المشركون‏.‏

وفي هذا الحديث أن الصحابي الجليل المكثر الشديد الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم قد يخفى عليه بعض أحواله، وقد يدخله الوهم والنسيان لكونه غير معصوم‏.‏

وفيه رد بعض العلماء على بعض وحسن الأدب في الرد وحسن التلطف في استكشاف الصواب إذا ظن السامع خطأ المحدث‏.‏

وقال النووي‏:‏ سكوت ابن عمر على إنكار عائشة يدل على أنه كان اشتبه عليه أو نسي أو شك‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ عدم إنكاره على عائشة يدل على أنه كان على وهم وأنه رجع لقولها، وقد تعسف من قال‏:‏ إن ابن عمر أراد بقوله ‏"‏ اعتمر في رجب ‏"‏ عمرة قبل هجرته لأنه وإن كان محتملا لكن قول عائشة ما اعتمر في رجب يلزم منه عدم مطابقة ردها عليه لكلامه ولا سيما وقد بينت الأربع وإنها لو كانت قبل الهجرة فما الذي كان يمنعه أن يفصح بمراده فيرجع الإشكال‏؟‏ وأيضا فإن قول هذا القائل لأن قريشا كانوا يعتمرون في رجب يحتاج إلى نقل، وعلى تقديره فمن أين له أنه صلى الله عليه وسلم وافقهم‏؟‏ وهب أنه وافقهم فكيف اقتصر على مرة‏؟‏