فصل: باب رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْإِهْلَالِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ وَالْأَرْدِيَةِ وَالْأُزُرِ

وَلَبِسَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَةَ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ وَقَالَتْ لَا تَلَثَّمْ وَلَا تَتَبَرْقَعْ وَلَا تَلْبَسْ ثَوْبًا بِوَرْسٍ وَلَا زَعْفَرَانٍ وَقَالَ جَابِرٌ لَا أَرَى الْمُعَصْفَرَ طِيبًا وَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ بَأْسًا بِالْحُلِيِّ وَالثَّوْبِ الْأَسْوَدِ وَالْمُوَرَّدِ وَالْخُفِّ لِلْمَرْأَةِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لَا بَأْسَ أَنْ يُبْدِلَ ثِيَابَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر‏)‏ هذه الترجمة مغايرة للسابقة التي قبلها من حيث أن تلك معقودة لما لا يلبس من أجناس الثياب، وهذه لما يلبس من أنواعها‏.‏

والأزر بضم الهمزة والزاي جمع إزار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولبست عائشة الثياب المعصفرة وهي محرمة‏)‏ وصله سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد قال ‏"‏ كانت عائشة تلبس الثياب المعصفرة وهي محرمة ‏"‏ إسناده صحيح‏.‏

وأخرجه البيهقي من طريق ابن أبي مليكة ‏"‏ أن عائشة كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر الخفيف وهي محرمة ‏"‏ وأجاز الجمهور لبس المعصفر للمحرم‏.‏

وعن أبي حنيفة العصفر طيب وفيه الفدية، واحتج بأن عمر كان ينهي عن الثياب المصبغة، وتعقبه ابن المنذر بأن عمر كره ذلك لئلا يقتدي به الجاهل فيظن جواز لبس المورس والمزعفر، ثم ساق له قصة مع طلحة فيها بيان ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقالت‏)‏ أي عائشة ‏(‏لا تلثم‏)‏ بمثناة واحدة وتشديد المثلثة وهو على حذف إحدى التاءين‏.‏

وفي رواية أبي ذر تلتثم بسكون اللام وزيادة مثناة بعدها أي لا تغطي شفتها بثوب، وقد وصله البيهقي، وسقط من رواية الحموي من الأصل‏.‏

وقال سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا هشيم حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت تسدل المرأة جلبابها من فوق رأسها على وجهها ‏"‏ وفي ‏"‏ مصنف ابن أبي شيبة ‏"‏ عن عبد الأعلى عن هشام عن الحسن وعطاء قالا ‏"‏ لا تلبس المحرمة القفازين والسراويل ولا تبرقع ولا تلثم، وتلبس ما شاءت من الثياب إلا ثوبا ينفض عليها ورسا أو زعفرانا ‏"‏ وهذا يشبه ما ذكر في الأصل عن عائشة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال جابر‏)‏ أي ابن عبد الله الصحابي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا أرى المعصفر طيبا‏)‏ أي تطيبا‏.‏

وصله الشافعي ومسدد بلفظ ‏"‏ لا تلبس المرأة ثياب الطيب ولا أرى المعصفر طيبا ‏"‏ وقد تقدم الخلاف في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم تر عائشة بأسا بالحلي والثوب الأسود والمورد والخف للمرأة‏)‏ وصله البيهقي من طريق ابن باباه المكي ‏"‏ أن امرأة سألت عائشة‏:‏ ما تلبس المرأة في إحرامها‏؟‏ قالت عائشة تلبس من خزها وبزها وأصباغها وحليها ‏"‏ وأما المورد والمراد ما صبغ على لون الورد فسيأتي موصولا في ‏"‏ باب طواف النساء ‏"‏ في آخر حديث عطاء عن عائشة، وأما الخف فوصله ابن أبي شيبة عن ابن عمر والقاسم بن محمد والحسن وغيرهم‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله والخفاف وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها إلا وجهها فتسدل عليه الثوب سدلا خفيفا تستر به عن نظر الرجال‏:‏، ولا تخمره إلا ما روي عن فاطمة بنت المنذر قالت ‏"‏ كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر ‏"‏ تعني جدتها قال‏:‏ ويحتمل أن يكون ذلك التخمير سدلا كما جاء عن عائشة قالت ‏"‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بنا ركب سدلنا الثوب على وجوهنا ونحن محرمات فإذا جاوزنا رفعناه ‏"‏ انتهى‏.‏

وهذا الحديث أخرجه هو من طريق مجاهد عنها وفي إسناده ضعف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال إبراهيم‏)‏ أي النخعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا بأس أن يبدل ثيابه‏)‏ وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة كلاهما عن هشيم عن مغيرة وعبد الملك ويونس، أما مغيرة فعن إبراهيم، وأما عبد الملك فعن عطاء، وأما يونس فعن الحسن قالوا ‏"‏ يغير المحرم ثيابه ما شاء ‏"‏ لفظ سعيد‏.‏

وفي رواية ابن أبي شيبة ‏"‏ أنهم لم يروا بأسا أن يبدل المحرم ثيابه ‏"‏ قال سعيد ‏"‏ وحدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال‏:‏ كان أصحابنا إذا أتوا بئر ميمون اغتسلوا ولبسوا أحسن ثيابهم فدخلوا فيها مكة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْدِيَةِ وَالْأُزُرِ تُلْبَسُ إِلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ فَأَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَقَدِمَ مَكَّةَ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ أَجْلِ بُدْنِهِ لِأَنَّهُ قَلَّدَهَا ثُمَّ نَزَلَ بِأَعْلَى مَكَّةَ عِنْدَ الْحَجُونِ وَهُوَ مُهِلٌّ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَقْرَبْ الْكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يُقَصِّرُوا مِنْ رُءُوسِهِمْ ثُمَّ يَحِلُّوا وَذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَدَنَةٌ قَلَّدَهَا وَمَنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَهِيَ لَهُ حَلَالٌ وَالطِّيبُ وَالثِّيَابُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا فضيل‏)‏ هو بالتصغير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ترجل‏)‏ أي سرح شعره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وادهن‏)‏ قال ابن المنذر‏:‏ أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن والشيرج وأن يستعمل ذلك في جميع بدنه سوى رأسه ولحيته، وأجمعوا أن الطيب لا يجوز استعماله في بدنه، ففرقوا بين الطيب والزيت في هذا، فقياس كون المحرم ممنوعا من استعمال الطيب في رأسه أن يباح له استعمال الزيت في رأسه، وقد تقدمت الإشارة إلى الخلاف في ذلك قبل بأبواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏التي تردع‏)‏ بالمهملة أي تلطخ يقال ردع إذا التطخ، والردع أثر الطيب، وردع به الطيب إذا لزق بجلده، قال ابن بطال وقد روي بالمعجمة من قولهم أردغت الأرض إذا كثرت مناقع المياه فيها، والردغ بالغين المعجمة الطين انتهى‏.‏

ولم أر في شيء من الطرق ضبط هذه اللفظة بالغين المعجمة ولا تعرض لها عياض ولا ابن قرقول والله أعلم ووقع في الأصل تردع على الجلد قال ابن الجوزي‏:‏ الصواب حذف ‏"‏ على ‏"‏ كذا قال، وإثباتها موجه أيضا كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأصبح بذي الحليفة‏)‏ أي وصل إليها نهارا ثم بات بها كما سيأتي صريحا في الباب الذي بعده من حديث أنس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى استوى على البيداء أهل‏)‏ تقدم نقل الخلاف في ذلك وطريق الجمع بين المختلف فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وذلك لخمس بقين من ذي القعدة‏)‏ أخرج مسلم مثله من حديث عائشة، واحتج به ابن حزم في كتاب ‏"‏ حجة الوداع ‏"‏ له على أن خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان يوم الخميس، قال‏:‏ لأن أول ذي الحجة كان يوم الخميس بلا شك لأن الوقفة كانت يوم الجمعة بلا خلاف، وظاهر قول ابن عباس ‏"‏ لخمس ‏"‏ يقتضي أن يكون خروجه من المدينة يوم الجمعة بناء على ترك عد يوم الخروج، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا كما سيأتي قريبا من حديث أنس، فتبين أنه لم يكن يوم الجمعة فتعين أنه يوم الخميس‏.‏

وتعقبه ابن القيم بأن المتعين أن يكون يوم السبت بناء على عد يوم الخروج أو على ترك عده ويكون ذو القعدة تسعا وعشرين يوما انتهى‏.‏

ويؤيده ما رواه ابن سعد والحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ أن خروجه من المدينة كان يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة، وفيه رد على من منع إطلاق القول في التاريخ لئلا يكون الشهر ناقصا فلا يصح الكلام فيقول مثلا لخمس إن بقين بزيادة أداة الشرط، وحجة المجيز أن الإطلاق يكون على الغالب ومقتضى قوله أنه دخل مكة لأربع خلون من ذي الحجة أن يكون دخلها صبح يوم الأحد وبه صرح الواقدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والطيب والثياب‏)‏ أي كذلك، وقوله ‏"‏الحجون ‏"‏ بفتح المهملة بعدها جيم مضمومة هو الجبل المطل على المسجد بأعلى مكة على يمين المصعد وهناك مقبرة أهل مكة‏.‏

وسيأتي بقية شرح ما اشتمل عليه حديث ابن عباس هذا مفرقا في الأبواب‏.‏

*3*باب مَنْ بَاتَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى أَصْبَحَ

قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح‏)‏ يعني إذا كان حجه من المدينة، والمراد من هذه الترجمة مشروعية المبيت بالقرب من البلد التي يسافر منها ليكون أمكن من التوصل إلى مهماته التي ينساها مثلا، قال ابن بطال‏:‏ ليس ذلك من سنن الحج، إنما هو من جهة الرفق ليلحق به من تأخر عنه، قال ابن المنير‏:‏ لعله أراد أن يدفع توهم من يتوهم أن الإقامة بالميقات وتأخير الإحرام شبيه بمن تعداه بغير إحرام فبين أن ذلك غير لازم حتى ينفصل عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قاله ابن عمر‏)‏ يشير إلى حديثه المتقدم في ‏"‏ باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم على طريق الشجرة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ أَهَلَّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني ابن المنكدر‏)‏ كذا رواه الحفاظ من أصحاب ابن جريج عنه، وخالفهم عيسى بن يونس فقال ‏"‏ عن ابن جريج عن الزهري عن أنس ‏"‏ وهي رواية شاذة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبذي الحليفة ركعتين‏)‏ فيه مشروعية قصر الصلاة لمن خرج من بيوت البلد وبات خارجا عنها ولو لم يستمر سفره، واحتج به أهل الظاهر في قصر الصلاة في السفر القصير، ولا حجة فيه لأنه كابتداء سفر لا المنتهى، وقد تقدم البحث في ذلك في أبواب قصر الصلاة، وتقدم الخلاف في ابتداء إهلاله قريبا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَصَلَّى الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ قَالَ وَأَحْسِبُهُ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ

الشرح‏:‏

قوله في الرواية الثانية ‏(‏حدثنا عبد الوهاب‏)‏ هو ابن عبد المجيد الثقفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأحسبه‏)‏ الشك فيه من أبي قلابة، وقد تقدم في طريق ابن المنكدر التي قبلها بغير شك، وسيأتي بعد بابين من طريق أخرى عن أيوب بأتم من هذا السياق‏.‏

*3*باب رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْإِهْلَالِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب رفع الصوت بالإهلال‏)‏ قال الطبري‏:‏ الإهلال هنا رفع الصوت بالتلبية وكل رافع صوته بشيء فهو مهل به، وأما أهل القوم الهلال فأرى أنه من هذا لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم عند رؤيته انتهى‏.‏

وسيأتي اختيار البخاري خلاف ذلك بعد أبواب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسمعتهم يصرخون بهما جميعا‏)‏ أي بالحج والعمرة، ومراد أنس بذلك من نوى منهم القران، ويحتمل أن يكون على سبيل التوزيع، أي بعضهم بالحج وبعضهم بالعمرة قاله الكرماني‏.‏

ويشكل عليه قوله في الطريق الأخرى ‏"‏ يقول لبيك بحجة وعمرة معا ‏"‏ وسيأتي إنكار ابن عمر على أنس ذلك، سيأتي ما فيه في ‏"‏ باب التمتع والقران ‏"‏ وفيه حجة للجمهور في استحباب رفع الأصوات بالتلبية، وقد روى مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم من طريق خلاد بن السائب عن أبيه مرفوعا ‏"‏ جاءني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي يرفعون أصواتهم بالإهلال ‏"‏ ورجاله ثقات، إلا أنه اختلف على التابعي في صحابيه‏.‏

وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن بكر بن عبد الله المزني قال ‏"‏ كنت مع ابن عمر فلبى حتى أسمع ما بين الجبلين ‏"‏ وأخرج أيضا بإسناد صحيح من طريق المطلب بن عبد الله قال ‏"‏ كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تبح أصواتهم ‏"‏ واختلف الرواة عن مالك فقال ابن القاسم عنه‏:‏ لا يرفع صوته بالتلبية إلا في المسجد الحرام ومسجد منى‏.‏

وقال في الموطأ‏:‏ لا يرفع صوته بالتلبية في مسجد الجماعات، ولم يستثن شيئا‏.‏

ووجه الاستثناء أن المسجد الحرام جعل للحاج والمعتمر وغيرهما وكان الملبي إنما يقصد إليه فكان ذلك وجه الخصوصية، وكذلك مسجد منى‏.‏

*3*باب التَّلْبِيَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التلبية‏)‏ هي مصدر لبى أي قال‏:‏ لبيك، ولا يكون عامله إلا مضمرا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏لبيك‏)‏ هو لفظ مثنى عند سيبويه ومن تبعه‏.‏

وقال يونس‏:‏ هو اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدي وعلي‏.‏

ورد بأنها قلبت ياء مع المظهر‏.‏

وعن الفراء‏:‏ هو منصوب على المصدر، وأصله لبا لك فثني على التأكيد أي إلبابا بعد إلباب، وهذه التثنية ليست حقيقية بل هي للتكثير أو المبالغة، ومعناه إجابة بعد إجابة أو إجابة لازمة‏.‏

قال ابن الأنباري‏:‏ ومثله حنانيك أي تحننا بعد تحنن‏.‏

وقيل‏:‏ معنى لبيك اتجاهي وقصدي إليك، مأخوذ من قولهم داري تلك دارك أي تواجهها‏.‏

وقيل‏:‏ معناه محبتي لك مأخوذ من قولهم امرأة لبة أي محبة‏.‏

وقيل إخلاصي لك من قولهم حب لباب أي خالص‏.‏

وقيل أنا مقيم على طاعتك من قولهم لب الرجل بالمكان إذا أقام‏.‏

وقيل قربا منك من الإلباب وهو القرب‏.‏

وقيل خاضعا لك‏.‏

والأول أظهر وأشهر لأن المحرم مستجيب لدعاء الله إياه في حج بيته، ولهذا من دعي فقال لبيك فقد استجاب‏.‏

وقال ابن عبد البر قال جماعة من أهل العلم معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج انتهى‏.‏

وهذا أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم بأسانيدهم في تفاسيرهم عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد والأسانيد إليهم قوية، وأقوى ما فيه عن ابن عباس ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عنه قال‏:‏ ‏"‏ لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج، قال‏:‏ رب وما يبلغ صوتي‏؟‏ قال‏:‏ أذن وعلي البلاغ‏.‏

قال فنادى إبراهيم‏:‏ يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق، فسمعه من بين السماء والأرض، أفلا ترون أن الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون‏"‏، ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه ‏"‏ فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال، وأرحام النساء‏.‏

وأول من أجابه أهل اليمن، فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ ‏"‏ قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ وفي مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله تعالى لعباده بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الحمد‏)‏ روي بكسر الهمزة على الاستئناف وبفتحها على التعليل، والكسر أجود عند الجمهور‏.‏

وقال ثعلب لأن من كسر جعل معناه إن الحمد لك على كل حال، ومن فتح قال معناه لبيك لهذا السبب‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ لهج العامة بالفتح وحكاه الزمخشري عن الشافعي، قال ابن عبد البر‏:‏ المعنى عندي واحد لأن من فتح أراد لبيك لأن الحمد لك على كل حال، وتعقب بأن التقييد ليس في الحمد وإنما هو في التلبية‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ الكسر أجود لأنه يقتضي أن تكون الإجابة مطلقة غير معللة، وأن الحمد والنعمة لله على كل حال، والفتح يدل على التعليل فكأنه يقول‏:‏ أجبتك لهذا السبب والأول أعم فهو أكثر فائدة‏.‏

ولما حكى الرافعي الوجهين من غير ترجيح رجح النووي الكسر، وهذا خلاف ما نقله الزمخشري أن الشافعي اختار الفتح وأن أبا حنيفة اختار الكسر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والنعمة لك‏)‏ المشهور فيه النصب، قال عياض‏:‏ ويجوز الرفع على الابتداء ويكون الخير محذوفا والتقدير أن الحمد لك والنعمة مستقرة لك، قاله ابن الأنباري‏.‏

وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ قرن الحمد والنعمة وأفرد الملك لأن الحمد متعلق النعمة، ولهذا يقال الحمد لله على نعمه فجمع بينهما كأنه قال‏:‏ لا حمد إلا لك لأنه لا نعمة إلا لك، وأما الملك فهو معنى مستقل بنفسه ذكر لتحقيق أن النعمة كلها لله صاحب الملك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والملك‏)‏ بالنصب أيضا على المشهور ويجوز الرفع، وتقديره والملك كذلك‏.‏

ووقع عند مسلم من رواية موسى بن عقبة عن نافع وغيره عن ابن عمر ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوت به راحلته عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال‏:‏ لبيك ‏"‏ الحديث‏.‏

وللمصنف في اللباس من طريق الزهري عن سالم عن أبيه ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا يقول‏:‏ لبيك اللهم لبيك ‏"‏ الحديث‏.‏

وقال في آخره ‏"‏ لا يزيد على هذه الكلمات ‏"‏ زاد مسلم من هذا الوجه ‏"‏ قال ابن عمر‏:‏ كان عمر يهل بهذا ويزيد لبيك اللهم لبيك وسعديك والخير في يديك والرغباء إليك والعمل ‏"‏ وهذا القدر في رواية مالك أيضا عنه عن نافع عن ابن عمر أنه كان يزيد فيها فذكر نحوه، فعرف أن ابن عمر اقتدى في ذلك بأبيه‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة قال ‏"‏ كانت تلبية عمر ‏"‏ فذكر مثل المرفوع وزاد ‏"‏ لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك ذا النعماء والفضل الحسن ‏"‏ واستدل به على استحباب الزيادة على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، قال الطحاوي بعد أن أخرجه من حديث ابن عمر وابن مسعود وعائشة وجابر وعمرو بن معد يكرب‏:‏ أجمع المسلمون جميعا على هذه التلبية، غير أن قوما قالوا‏:‏ لا بأس أن يزيد فيها من الذكر لله ما أحب، وهو قول محمد والثوري والأوزاعي، واحتجوا بحديث أبي هريرة يعني الذي أخرجه النسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم قال ‏"‏ كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك إله الحق لبيك ‏"‏ وبزيادة ابن عمر المذكورة، وخالفهم آخرون فقالوا لا ينبغي أن يزاد على ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس كما في حديث عمرو بن معد يكرب ثم فعله هو ولم يقل لبوا بما شئتم مما هو من جنس هذا بل علمهم كما علمهم التكبير في الصلاة فكذا لا ينبغي أن يتعدى في ذلك شيئا مما علمه‏.‏

ثم أخرج حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه سمع رجلا يقول‏:‏ لبيك ذا المعارج‏؟‏ فقال إنه لذو المعارج، وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال فهذا سعد قد كره الزيادة في التلبية وبه نأخذ انتهى‏.‏

ويدل على الجواز ما وقع عند النسائي من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود قال ‏"‏ كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكره ففيه دلالة على أنه قد كان يلبي بغير ذلك، وما تقدم عن عمر وابن عمر، وروى سعيد بن منصور من طريق الأسود بن يزيد أنه كان يقول ‏"‏ لبيك غفار الذنوب ‏"‏ وفي حديث جابر الطويل في صفة الحج ‏"‏ حتى استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك إلخ ‏"‏ قال ‏"‏ وأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد عليهم شيئا منه، ولزم تلبيته ‏"‏ وأخرجه أبو داود من الوجه الذي أخرجه منه مسلم قال ‏"‏ والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئا ‏"‏ وفي رواية البيهقي ‏"‏ ذا المعارج وذا الفواضل ‏"‏ وهذا يدل على أن الاقتصار على التلبية المرفوعة أفضل لمداومته هو صلى الله عليه وسلم عليها وأنه لا بأس بالزيادة لكونه لم يردها عليهم وأقرهم عليها، وهو قول الجمهور وبه صرح أشهب، وحكى ابن عبد البر عن مالك الكراهة قال‏:‏ وهو أحد قولي الشافعي‏.‏

وقال الشيخ أبو حامد‏:‏ حكى أهل العراق عن الشافعي يعني في القديم أنه كره الزيادة على المرفوع، وغلطوا بل لا يكره ولا يستحب‏.‏

وحكى الترمذي عن الشافعي قال‏.‏

فإن زاد في التلبية شيئا من تعظيم الله فلا بأس، وأحب إلي أن يقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن ابن عمر حفظ التلبية عنه ثم زاد من قبله زيادة‏.‏

ونصب البيهقي الخلاف بين أبي حنيفة والشافعي فقال‏:‏ الاقتصار على المرفوع أحب، ولا ضيق أن يزيد عليها‏.‏

قال وقال أبو حنيفة إن زاد فحسن‏.‏

وحكي في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ عن الشافعي قال‏:‏ ولا ضيق على أحد في قول ما جاء عن ابن عمر وغيره من تعظيم الله ودعائه، غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك انتهى‏.‏

وهذا أعدل الوجوه، فيفرد ما جاء مرفوعا، وإذا اختار قول ما جاء موقوفا أو أنشأه هو من قبل نفسه مما يليق قاله على انفراده حتى لا يختلط بالمرفوع‏.‏

وهو شبيه بحال الدعاء في التشهد فإنه قال فيه ‏"‏ ثم ليتخير من المسألة والثناء ما شاء ‏"‏ أي بعد أن يفرغ من المرفوع كما تقدم ذلك في موضعه‏.‏

‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ لم يتعرض المصنف لحكم التلبية، وفيها مذاهب أربعة يمكن توصيلها إلى عشرة‏:‏ الأول أنها سنة من السنن لا يجب بتركها شيء، وهو قول الشافعي وأحمد‏.‏

ثانيها واجبة ويجب بتركها دم، حكاه الماوردي عن ابن أبي هريرة من الشافعية وقال إنه وجد للشافعي نصا يدل عليه، وحكاه ابن قدامة عن بعض المالكية والخطابي عن مالك وأبي حنيفة، وأغرب النووي فحكى عن مالك أنها سنة ويجب بتركها دم، ولا يعرف ذلك عندهم إلا أن ابن الجلاب قال‏:‏ التلبية في الحج مسنونة غير مفروضة‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ يريد أنها ليست من أركان الحج وإلا فهي واجبة ولذلك يجب بتركها الدم ولو لم تكن واجبة لم يجب، وحكى ابن العربي أنه يجب عندهم بترك تكرارها دم وهذا قدر زائد على أصل الوجوب‏.‏

ثالثها واجبة لكن يقوم مقامها فعل يتعلق بالحج كالتوجه على الطريق وبهذا صدر ابن شاس من المالكية كلامه في ‏"‏ الجواهر ‏"‏ له، وحكى صاحب ‏"‏ الهداية ‏"‏ من الحنفية مثله لكن زاد القول الذي يقوم مقام التلبية من الذكر كما في مذهبهم من أنه لا يجب لفظ معين‏.‏

وقال ابن المنذر قال أصحاب الرأي‏:‏ إن كبر أو هلل أو سبح ينوي بذلك الإحرام فهو محرم‏.‏

رابعها أنها ركن في الإحرام لا ينعقد بدونها حكاه ابن عبد البر عن الثوري وأبي حنيفة وابن حبيب من المالكية والزبيري من الشافعية وأهل الظاهر قالوا‏:‏ هي نظير تكبيرة الإحرام للصلاة، ويقويه ما تقدم من بحث ابن عبد السلام عن حقيقة الإحرام وهو قول عطاء أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عنه قال‏:‏ التلبية فرض الحج، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وطاوس وعكرمة، وحكى النووي عن داود أنه لا بد من رفع الصوت بها وهذا قدر زائد على أصل كونها ركنا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إِنِّي لَأَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ وَقَالَ شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ سَمِعْتُ خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي عطية‏)‏ هو مالك بن عامر وسيأتي الخلاف في اسمه في تفسير سورة البقرة، ورجال هذا الإسناد إلى عائشة كوفيون إلا شيخ البخاري، وأردف المصنف حديث ابن عمر بحديث عائشة لما فيه من الدلالة على أنه كان يديم ذلك، وقد تقدم أن في حديث جابر عند مسلم التصريح بالمداومة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه أبو معاوية‏)‏ يعني تابع سفيان وهو الثوري عن الأعمش وروايته وصلها مسدد في مسنده عنه وكذلك أخرجها الجوزقي من طريق عبد الله بن هشام عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال شعبة إلخ‏)‏ وصله أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة ولفظه مثل لفظ سفيان إلا أنه زاد فيه ‏"‏ ثم سمعتها تلبي وليس فيه قوله لا شريك لك ‏"‏ وهذا أخرجه أحمد عن غندر عن شعبة، وسليمان شيخ شعبة فيه هو الأعمش والطريقان جميعا محفوظان، وهو محمول على أن للأعمش فيه شيخين، ورجح أبو حاتم في ‏"‏ العلل ‏"‏ رواية الثوري ومن تبعه على رواية شعبة فقال إنها وهم، وخيثمة هو ابن عبد الرحمن الجعفي وأفادت هذه الطريق بيان سماع أبي عطية له من عائشة‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب التَّحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ

قَبْلَ الْإِهْلَالِ عِنْدَ الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال‏)‏ سقط من رواية المستملي لفظ التحميد، والمراد بالإهلال هنا التلبية، وقوله ‏"‏عند الركوب ‏"‏ أي بعد الاستواء على الدابة لا حال وضع الرجل مثلا في الركاب، وهذا الحكم - وهو استحباب التسبيح وما ذكر معه قبل الإهلال - قل من تعرض لذكره مع ثبوته، وقيل أراد المصنف الرد على من زعم أنه يكتفي بالتسبيح وغيره عن التلبية، ووجه ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أتى بالتسبيح وغيره ثم لم يكتف به حتى لبى‏.‏

ثم أورد المصنف حديث أنس وهو مشتمل على أحكام، فتقدم منها ما يتعلق بقصر الصلاة وبالإحرام وسيأتي ما يتعلق بالقران قريبا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ حَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ قَالَ وَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قِيَامًا وَذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا عَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَنَسٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب‏)‏ ظاهره أن إهلاله كان بعد صلاة الصبح، لكن عند مسلم من طريق أبي حسان عن ابن عباس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج ‏"‏ وللنسائي من طريق الحسن عن أنس ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالبيداء ثم ركب ‏"‏ ويجمع بينهما بأنه صلاها آخر ذي الحليفة وأول البيداء والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أهل بحج وعمرة‏)‏ يأتي الكلام عليه في ‏"‏ باب التمتع والقران ‏"‏ قريبا إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى كان يوم التروية‏)‏ بضم يوم لأن كان تامة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونحر النبي صلى الله عليه وسلم بدنات بيده قياما، وذبح بالمدينة كبشين أملحين‏.‏

قال أبو عبد الله‏)‏ و المصنف ‏(‏قال بعضهم‏:‏ هذا عن أيوب عن رجل عن أنس‏)‏ هكذا وقع عند الكشميهني، والبعض المبهم هنا ليس هو إسماعيل بن علية كما زعم بعضهم فقد أخرجه المصنف عن مسدد عنه في ‏"‏ باب نحر البدن قائمة ‏"‏ بدون هذه الزيادة، ويحتمل أن يكون حماد بن سلمة، فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أيوب لكن صرح بذكر أبي قلابة، ووهيب أيضا ثقة حجة فقد جعله من رواية أيوب عن أبي قلابة عن أنس فعرف أنه المبهم، وقد تابعه عبد الوهاب الثقفي على حديث ذبح الكبشين الأملحين عن أيوب عن أبي قلابة كما سيأتي في الأضاحي إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*بَاب مَنْ أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من أهل حين استوت به راحلته قائمة‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر مختصرا وقد تقدم الكلام عليه قريبا، ورواية صالح بن كيسان عن نافع من الأقران، وقد سمع ابن جريج من نافع كثيرا وروى هذا عنه بواسطة، وهو دال على قلة تدليسه والله أعلم‏.‏

*3*باب الْإِهْلَالِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ

وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذَا صَلَّى بِالْغَدَاةِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَرُحِلَتْ ثُمَّ رَكِبَ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَائِمًا ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَبْلُغَ الْحَرَمَ ثُمَّ يُمْسِكُ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذَا طُوًى بَاتَ بِهِ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ اغْتَسَلَ وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ فِي الْغَسْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الإهلال مستقبل القبلة‏)‏ زاد المستملي ‏"‏ الغداة بذي الحليفة ‏"‏ وسيأتي شرحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو معمر‏)‏ هو عبد الله بن عمرو لا إسماعيل القطيعي‏.‏

وقد وصله أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق عباس الدوري عن أبي معمر وقال‏:‏ ذكره البخاري بلا رواية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا صلى بالغداة‏)‏ أي صلى الصبح بوقت الغداة، وللكشميهني ‏"‏ إذا صلى الغداة ‏"‏ أي الصبح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرحلت‏)‏ بتخفيف الحاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏استقبل القبلة قائما‏)‏ أي مستويا على ناقته، أو وصفه بالقيام لقيام ناقته، وقد وقع في الرواية الثانية بلفظ ‏"‏ فإذا استوت به راحلته قائمة ‏"‏ وفهم الداودي من قوله ‏"‏ استقبل القبلة قائما ‏"‏ أي في الصلاة فقال‏:‏ في السياق تقديم وتأخير، فكأنه قال‏:‏ أمر براحلته فرحلت ثم استقبل القبلة قائما، أي فصلى صلاة الإحرام ثم ركب حكاه ابن التين قال‏:‏ وإن كان ما في الأصل محفوظا فلعله لقرب إهلاله من الصلاة انتهى‏.‏

ولا حاجة إلى دعوى التقديم والتأخير بل صلاة الإحرام لم تذكر هنا والاستقبال إنما وقع بعد الركوب، وقد رواه ابن ماجه وأبو عوانة في صحيحه من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ ‏"‏ كان إذا أدخل رجله في الغرز واستوت به ناقته قائما أهل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يمسك‏)‏ الظاهر أنه أراد يمسك عن التلبية، وكأنه أراد بالحرم المسجد، والمراد بالإمساك عن التلبية التشاغل بغيرها من الطواف وغيره لا تركها أصلا، وسيأتي نقل الخلاف في ذلك وأن ابن عمر كان لا يلبي في طوافه كما رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق عطاء قال ‏"‏ كان ابن عمر يدع التلبية إذا دخل الحرم، ويراجعها بعدما يقضي طوافه بين الصفا والمروة‏"‏‏.‏

وأخرج نحوه من طريق القاسم بن محمد عن ابن عمر‏.‏

قال الكرماني‏:‏ ويحتمل أن يكون مراده بالحرم منى يعني فيوافق الجمهور في استمرار التلبية حتى يرمي جمرة العقبة، لكن يشكل عليه قوله في رواية إسماعيل بن علية ‏"‏ إذا دخل أدنى الحرم ‏"‏ والأولى أن المراد بالحرم ظاهره لقوله بعد ذلك ‏"‏ حتى إذا جاء ذا طوى ‏"‏ فجعل غاية الإمساك الوصول إلى ذي طوى، والظاهر أيضا أن المراد بالإمساك ترك تكرار التلبية ومواظبتها ورفع الصوت بها الذي يفعل في أول الإحرام لا ترك التلبية رأسا والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذا طوى‏)‏ بضم الطاء وبفتحها وقيدها الأصيلي بكسرها‏:‏ واد معروف بقرب مكة ويعرف اليوم ببئر الزاهر، وهو مقصور منون وقد لا ينون، ونقل الكرماني أن في بعض الروايات ‏"‏ حتى إذا حاذى طوى ‏"‏ بحاء مهملة بغير همز وفتح الذال قال‏:‏ والأول هو الصحيح لأن اسم الموضع ذو طوى لا طوى فقط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزعم‏)‏ هو من إطلاق الزعم على القول الصحيح، وسيأتي من رواية ابن علية عن أيوب بلفظ ‏"‏ ويحدث‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه إسماعيل‏)‏ هو ابن علية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أيوب في الغسل‏)‏ أي وغيره لكن من غير مقصود الترجمة لأن هذه المتابعة وصلها المصنف كما سيأتي بعد أبواب ‏"‏ عن يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية به ‏"‏ ولم يقتصر فيه على الغسل بل ذكره كله إلا القصة الأولى وأوله ‏"‏ كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية ‏"‏ والباقي مثله، ولهذه النكتة أورد المصنف طريق فليح عن نافع المقتصرة على القصة الأولى بزيادة ذكر الدهن الذي ليست له رائحة طيبة، ولم يقع في رواية فليح التصريح باستقبال القبلة لكنه من لازم الموجه إلى مكة في ذلك الموضع أن يستقبل القبلة، وقد صرح بالاستقبال في الرواية الأولى وهما حديث واحد، إنما احتاج إلى رواية فليح للنكتة التي بينتها والله أعلم‏.‏

وبهذا التقرير يندفع اعتراض الإسماعيلي عليه في إيراده حديث فليح وأنه ليس فيه للاستقبال ذكر، قال المهلب‏:‏ استقبال القبلة بالتلبية هو المناسب، لأنها إجابة لدعوة إبراهيم، ولأن المجيب لا يصلح له أن يولي المجاب ظهره بل يستقبله، قال‏:‏ وإنما كان ابن عمر يدهن ليمنع بذلك القمل عن شعره، ويجتنب ما له رائحة طيبة صيانة للإحرام‏.‏

*3*باب التَّلْبِيَةِ إِذَا انْحَدَرَ فِي الْوَادِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التلبية إذا انحدر في الوادي‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس ‏"‏ أما موسى كأني أنظر إليه إذا انحدر إلى الوادي يلبي ‏"‏ وفيه قصة وسيأتي بها الإسناد بأتم من هذا السياق في كتاب اللباس‏.‏

وقوله ‏"‏أما موسى كأني أنظر إليه ‏"‏ قال المهلب‏:‏ هذا وهم من بعض رواته لأنه لم يأت أثر ولا خبر أن موسى حي وأنه سيحج، إنما أتى ذلك عن عيسى فاشتبه على الراوي، ويدل عليه قوله في الحديث الآخر ‏"‏ ليهلن ابن مريم بفج الروحاء ‏"‏ انتهى، وهو تغليط للثقات بمجرد التوهم، فسيأتي في اللباس بالإسناد المذكور بزيادة ذكر إبراهيم فيه أفيقال إن الراوي غلط فزاده‏؟‏ وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أبي العالية عن ابن عباس بلفظ ‏"‏ كأني أنظر إلى موسى هابطا من الثنية واضعا إصبعيه في أذنيه مارا بهذا الوادي وله جؤار إلى الله بالتلبية، قاله لما مر بوادي الأزرق ‏"‏ واستفيد منه تسمية الوادي، وهو خلف أمج بينه وبين مكة ميل واحد، وأمج بفتح الهمزة والميم وبالجيم قرية ذات مزارع هناك، وفي هذا الحديث أيضا ذكر يونس، أفيقال إن الراوي الآخر غلط فزاد يونس‏؟‏ وقد اختلف أهل التحقيق في معني قوله ‏"‏ كأني أنظر ‏"‏ على أوجه‏:‏ الأول هو على الحقيقة والأنبياء أحياء عند ربهم يرزقون فلا مانع أن يحجوا في هذا الحال كما ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم رأى موسى قائما في قبره يصلي، قال القرطبي‏:‏ حببت إليهم العبادة فهم يتعبدون بما يجدونه من دواعي أنفسهم لا بما يلزمون به، كما يلهم أهل الجنة الذكر‏.‏

ويؤيده أن عمل الآخرة ذكر ودعاء لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏دعواهم فيها سبحانك اللهم‏)‏ الآية، لكن تمام هذا التوجيه أن يقال إن المنظور إليه هي أرواحهم، فلعلها مثلت له صلى الله عليه وسلم في الدنيا كما مثلت له ليلة الإسراء، وأما أجسادهم فهي في القبور، قال ابن المنير وغيره‏:‏ يجعل الله لروحه مثالا فيرى في اليقظة كما يرى في النوم‏.‏

ثانيها كأنه مثلت له أحوالهم التي كانت في الحياة الدنيا كيف تعبدوا وكيف حجوا وكيف لبوا، ولهذا قال‏:‏ ‏"‏ كأني‏"‏‏.‏

ثالثها كأنه أخبر بالوحي عن ذلك فلشدة قطعه به قال‏:‏ ‏"‏ كأني أنظر إليه‏"‏‏.‏

رابعها كأنها رؤية منام تقدمت له فأخبر عنها لما حج عندما تذكر ذلك، ورؤيا الأنبياء وحي، وهذا هو المعتمد عندي لما سيأتي في أحاديث الأنبياء من التصريح بنحو ذلك في أحاديث أخر، وكون ذلك كان في المنام والذي قبله أيضا ليس ببعيد والله أعلم‏.‏

قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ توهيم المهلب للراوي وهم منه، وإلا فأي فرق بين موسى وعيسى لأنه لم يثبت أن عيسى منذ رفع نزل إلى الأرض إنما ثبت أنه سينزل‏.‏

قلت أراد المهلب بأن عيسى لما ثبت أنه سينزل كان كالمحقق فقال ‏"‏ كأني أنظر إليه ‏"‏ ولهذا استدل المهلب بحديث أبي هريرة الذي فيه ‏"‏ ليهلن ابن مريم بالحج ‏"‏ والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَذَكَرُوا الدَّجَّالَ أَنَّهُ قَالَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ أَسْمَعْهُ وَلَكِنَّهُ قَالَ أَمَّا مُوسَى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذْ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي يُلَبِّي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذ انحدر‏)‏ كذا في الأصول وحكى عياض أن بعض العلماء أنكر إثبات الألف وغلط رواته قال‏:‏ وهو غلط منه إذ لا فرق بين إذا وإذ هنا لأنه وصفه حالة انحداره فيما مضى‏.‏

وفي الحديث أن التلبية في بطون الأودية من سنن المرسلين، وأنها تتأكد عند الهبوط كما تتأكد عند الصعود‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ لم يصرح أحد ممن روي هذا الحديث عن ابن عون بذكر النبي صلى الله عليه وسلم قاله الإسماعيلي، ولا شك أنه مراد لأن ذلك لا يقوله ابن عباس من قبل نفسه ولا عن غير النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم‏.‏

*3*باب كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ

أَهَلَّ تَكَلَّمَ بِهِ وَاسْتَهْلَلْنَا وَأَهْلَلْنَا الْهِلَالَ كُلُّهُ مِنْ الظُّهُورِ وَاسْتَهَلَّ الْمَطَرُ خَرَجَ مِنْ السَّحَابِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَهُوَ مِنْ اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كيف تهل الحائض والنفساء‏)‏ أي كيف تحرم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أهل تكلم به إلخ‏)‏ هكذا في رواية المستملي والكشميهني‏.‏

وليس هذا مخالفا لما قدمناه من أن أصل الإهلال رفع الصوت لأن رفع الصوت يقع بذكر الشيء عند ظهوره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما أهل لغير الله به وهو من استهلال الصبي‏)‏ أي أنه من رفع الصوت بذلك فاستهل الصبي أي رفع صوته بالصياح إذا خرج من بطن أمه، وأهل به لغير الله أي رفع الصوت به عند الذبح للأصنام، ومنه استهلال المطر والدمع وهو صوت وقعه بالأرض ومن لازم ذلك الظهور غالبا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ قَالَتْ فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأهللنا بعمرة‏)‏ قال عياض‏:‏ اختلفت الروايات في إحرام عائشة اختلافا كثيرا‏.‏

قلت‏:‏ وسيأتي بسط القول فيه بعد بابين في ‏"‏ باب التمتع والقران‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال انقضي رأسك‏)‏ هو بالقاف وبالمعجمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وامتشطي وأهلي بالحج‏)‏ وهو شاهد الترجمة‏.‏

وقد سبق في كتاب الحيض بلفظ ‏"‏ وافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ‏"‏ وسيأتي بقية الكلام عليه بعد هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم طافوا طوافا آخر‏)‏ كذا للكشميهني والجرجاني، ولغيرهما ‏"‏ طوافا واحدا ‏"‏ والأول هو الصواب قاله عياض، قال الخطابي‏:‏ استشكل بعض أهل العلم أمره لها بنقض رأسها ثم بالامتشاط، وكان الشافعي يتأوله على أنه أمرها أن تدع العمرة وتدخل عليها الحج فتصير قارنة، قال‏:‏ وهذا لا يشاكل القصة‏.‏

وقيل إن مذهبها أن المعتمر إذا دخل مكة استباح ما يستبيحه الحاج إذا رمى الجمرة، قال‏:‏ وهذا لا يعلم وجهه‏.‏

وقيل كانت مضطرة إلى ذلك‏.‏

قال‏:‏ ويحتمل أن يكون نقض رأسها كان لأجل الغسل لتهل بالحج لا سيما إن كانت ملبدة فتحتاج إلى نقض الضفر، وأما الامتشاط فلعل المراد به تسريحها شعرها بأصابعها برفق حتى لا يسقط منه شيء ثم تضفره كما كان‏.‏

*3*باب مَنْ أَهَلَّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فجاز الإحرام على الإبهام، لكن لا يلزم منه جواز تعليقه إلا على فعل من يتحقق أنه يعرفه كما وقع في حديثي الباب، وأما مطلق الإحرام على الإبهام فهو جائز ثم يصرفه المحرم لما شاء لكونه صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك وهذا قول الجمهور، وعن المالكية لا يصح الإحرام على الإبهام وهو قول الكوفيين، قال ابن المنير‏:‏ وكأنه مذهب البخاري لأنه أشار بالترجمة إلى أن ذلك خاص بذلك الزمن لأن عليا وأبا موسى لم يكن عندهما أصل يرجعان إليه في كيفية الإحرام فأحالاه على النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الآن فقد استقرت الأحكام وعرفت مراتب الإحرام فلا يصح ذلك والله أعلم‏.‏

وكأنه أخذ الإشارة من تقييده بزمن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قاله ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يشير إلى ما أخرجه موصولا في ‏"‏ باب بعث علي إلى اليمن ‏"‏ من كتاب المغازي من طريق بكر بن عبد الله المزني عن ابن عمر فذكر فيه حديثا ‏"‏ فقدم علينا علي بن أبي طالب من اليمن حاجا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بـم أهللت فإن معنا أهلك، قال أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الحديث، إنما قال له ‏"‏ فإن معنا أهلك ‏"‏ لأن فاطمة كانت قد تمتعت بالعمرة وأحلت كما بينه مسلم من حديث جابر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ وَذَكَرَ قَوْلَ سُرَاقَةَ وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ قَالَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزاد محمد بن بكر عن ابن جريج‏)‏ يعني عن عطاء عن جابر، ثبت هذا التعليق في رواية أبي ذر وقد وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن بشار وأبو عوانة في صحيحه عن عمار بن رجاء كلاهما عن محمد بن بكر به، وسيأتي معلقا أيضا في المغازي من هذا الوجه مقرونا بطريق مكي بن إبراهيم أيضا هناك أتم، والمذكور في كل من الموضعين قطعة من الحديث، وأورد بقيته بهذين السندين معلقا وموصولا في كتاب الاعتصام، والمراد بقوله في طريق مكي ‏"‏ وذكر قول سراقة ‏"‏ أي سؤاله ‏"‏ أعمرتنا لعامنا هذا أو للأبد قال بل للأبد ‏"‏ وسيأتي موصولا في أبواب العمرة من وجه آخر عن عطاء عن جابر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وامكث حراما كما أنت‏)‏ في حديث ابن عمر المشار إليه قال ‏"‏ فأمسك فإن معنا هديا‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ الْهُذَلِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ سَمِعْتُ مَرْوَانَ الْأَصْفَرَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَمَنِ فَقَالَ بِمَا أَهْلَلْتَ قَالَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الصمد‏)‏ هو ابن عبد الوارث بن سعيد، ومروان الأصفر يقال اسم أبيه خاقان وهو أبو خلف البصري، وروي أيضا عن أبي هريرة وابن عمر وغيرهما من الصحابة، وليس له في البخاري عن أنس سوى هذا الحديث وهو من أفراد الصحيح قال الترمذي حسن غريب‏.‏

وقال الدارقطني في ‏"‏ الأفراد ‏"‏ لا أعلم رواه عن سليم بن حيان غير عبد الصمد بن عبد الوارث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قدم علي من اليمن‏)‏ سيأتي في المغازي ذكر سبب بعث علي إلى اليمن وأن ذلك قبل حجة الوداع وبيان ذلك من حديث البراء بن عازب ومن حديث بريدة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمٍ بِالْيَمَنِ فَجِئْتُ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ بِمَا أَهْلَلْتَ قُلْتُ أَهْلَلْتُ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ قُلْتُ لَا فَأَمَرَنِي فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَحْلَلْتُ فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي أَوْ غَسَلَتْ رَأْسِي فَقَدِمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ قَالَ اللَّهُ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن طارق بن شهاب‏)‏ في رواية أيوب بن عائذ الآتية في المغازي عن قيس بن مسلم ‏"‏ سمعت طارق بن شهاب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي موسى‏)‏ هو الأشعري‏.‏

وفي رواية أيوب المذكورة ‏"‏ حدثني أبو موسى‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومي باليمن‏)‏ سيأتي تحرير وقت ذلك وسببه في كتاب المغازي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو بالبطحاء‏)‏ زاد في رواية شعبة عن قيس الآتية في ‏"‏ باب متى يحل المعتمر ‏"‏ منيخ أي نازل بها وذلك في ابتداء قدومه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بم أهللت‏)‏ في رواية شعبة ‏"‏ فقال أحججت‏؟‏ قلت نعم قال بم أهللت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلت أهللت‏)‏ في رواية شعبة ‏"‏ قلت لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال أحسنت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأمرني فطفت‏)‏ في رواية شعبة ‏"‏ طف بالبيت وبالصفا والمروة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتيت امرأة من قومي‏)‏ في رواية شعبة ‏"‏ امرأة من قيس ‏"‏ والمبادر إلى الذهن من هذا الإطلاق أنها من قيس عيلان وليس بينهم وبين الأشعريين نسبة لكن في رواية أيوب بن عائذ امرأة من نساء بني قيس وظهر لي من ذلك أن المراد بقيس قيس بن سليم والد أبي موسى الأشعري وأن المرأة زوج بعض إخوته، وكان لأبي موسى من الإخوة أبو رهم وأبو بردة قيل ومحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو غسلت رأسي‏)‏ كذا فيه بالشك، وأخرجه مسلم من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بلفظ ‏"‏ وغسلت رأسي ‏"‏ بواو العطف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقدم عمر‏)‏ ظاهر سياقه أن قدوم عمر كان في تلك الحجة وليس كذلك بل البخاري اختصره، وقد أخرجه مسلم من طريق عبد الرحمن بن مهدي أيضا بعد قوله ‏"‏ وغسلت رأسي‏:‏ فكنت أفتي الناس بذاك في إمارة أبي بكر وإمارة عمر، فإني لقائم بالموسم إذ جاءني رجل فقال‏:‏ إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك ‏"‏ فذكر القصة وفيه ‏"‏ فلما قدم قلت يا أمير المؤمنين ما هذا الذي أحدثت في شأن النسك ‏"‏‏؟‏ فذكر جوابه‏.‏

وقد اختصره المصنف أيضا من طريق شعبة لكنه أبين من هذا ولفظه ‏"‏ فكنت أفتي به حتى كانت خلافة عمر فقال‏:‏ إن أخذنا ‏"‏ الحديث، ولمسلم أيضا من طريق إبراهيم بن أبي موسى الأشعري عن أبيه أنه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل رويدك ببعض فتياك الحديث‏.‏

وفي هذه الرواية تبيين عمر العلة التي لأجلها كره التمتع وهي قوله‏:‏ ‏"‏ قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن - أي بالنساء - ثم يروحوا في الحج تقطر رءوسهم ‏"‏ انتهى، وكان من رأي عمر عدم الترفه للحج بكل طريق، فكره لهم قرب عهدهم بالنساء لئلا يستمر الميل إلى ذلك بخلاف من بعد عهده به، ومن يفطم ينفطم‏.‏

وقد أخرج مسلم من حديث جابر أن عمر قال‏:‏ ‏"‏ افصلوا حجكم من عمرتكم فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم‏"‏‏.‏

وفي رواية ‏"‏ إن الله يحل لرسوله ما شاء، فأتموا الحج والعمرة كما أمركم الله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن نأخذ بكتاب الله إلخ‏)‏ محصل جواب عمر في منعه الناس من التحلل بالعمرة أن كتاب الله دال على منع التحلل لأمره بالإتمام فيقتضي استمرار الإحرام إلى فراغ الحج، وأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا دالة على ذلك لأنه لم يحل حتى بلغ الهدي محله، لكن الجواب عن ذلك ما أجاب به هو صلى الله عليه وسلم حيث قال ‏"‏ ولولا أن معي الهدي لأحللت ‏"‏ فدل على جواز الإحلال لمن لم يكن معه هدي، وتبين من مجموع ما جاء عن عمر في ذلك أنه منع منه سدا للذريعة‏.‏

وقال المازري‏:‏ قيل إن المتعة التي نهى عنها عمر فسخ الحج إلى العمرة، وقيل العمرة في أشهر الحج ثم الحج من عامه، وعلى الثاني إنما نهى عنها ترغيبا في الإفراد الذي هو أفضل لا أنه يعتقد بطلانها وتحريمها‏.‏

وقال عياض‏:‏ الظاهر أنه نهى عن الفسخ ولهذا كان يضرب الناس عليها كما رواه مسلم بناء على معتقده أن الفسخ كان خاصا بتلك السنة، قال النووي‏:‏ والمختار أنه نهى عن المتعة المعروفة التي هي الاعتمار في أشهر الحج ثم الحج من عامه وهو على التنزيه للترغيب في الإفراد كما يظهر من كلامه، ثم انعقد الإجماع على جواز التمتع من غير كراهة ونفي الاختلاف في الأفضل كما سيأتي في الباب الذي بعده، ويمكن أن يتمسك من يقول بأنه إنما نهي عن الفسخ بقوله في الحديث الذي أشرنا إليه قريبا من مسلم ‏"‏ أن الله يحل لرسوله ما شاء ‏"‏ والله أعلم‏.‏

وفي قصة أبي موسى وعلي دلالة على جواز تعليق الإحرام بإحرام الغير مع اختلاف آخر الحديثين في التحلل، وذلك أن أبا موسى لم يكن منه هدي فصار له حكم النبي صلى الله عليه وسلم، لو لم يكن معه هدي وقد قال ‏"‏ لولا الهدي لأحللت ‏"‏ أي وفسخت الحج إلى العمرة كما فعله أصحابه بأمره كما سيأتي، وأما علي فكان معه هدي فلذلك أمر بالبقاء على إحرامه وصار مثله قارنا‏.‏

قال النووي‏:‏ هذا هو الصواب، وقد تأوله الخطابي وعياض بتأويلين غير مرضيين انتهى‏.‏

فأما تأويل الخطابي فإنه قال‏:‏ فعل أبي موسى يخالف فعل علي، وكأنه أراد بقوله أهللت كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم أي كما يبينه لي ويعينه لي من أنواع ما يحرم به فأمره أن يحل بعمل عمرة لأنه لم يكن معه هدي، وأما تأويل عياض فقال‏:‏ المراد بقوله ‏"‏ فكنت أفتي الناس بالمتعة ‏"‏ أي بفسخ الحج إلى العمرة، والحامل لهما على ذلك اعتقادهما أنه صلى الله عليه وسلم كان مفردا مع قوله ‏"‏ لولا أن معي الهدي لأحللت ‏"‏ أي فسخت الحج وجعلته عمرة فلهذا أمر أبا موسى بالتحلل لأنه لم يكن معه هدي، بخلاف علي‏.‏

قال عياض‏:‏ وجمهور الأئمة على أن فسخ الحج إلى العمرة كان خاصا بالصحابة انتهى‏.‏

وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ ظاهر كلام عمر التفريق بين ما دل عليه الكتاب ودلت عليه السنة، وهذا التأويل يقتضي أنهما يرجعان إلى معنى واحد، ثم أجاب بأنه لعله أراد إبطال وهم من توهم أنه خالف السنة حيث منع من الفسخ فبين أن الكتاب والسنة متوافقان على الأمر بالإتمام وأن الفسخ كان خاصا بتلك السنة لإبطال اعتقاد الجاهلية أن العمرة لا تصح في أشهر الحج انتهى‏.‏

وأما إذا قلنا كان قارنا على ما هو الصحيح المختار فالمعتمد ما ذكر النووي والله أعلم‏.‏

وسيأتي بيان اختلاف الصحابة في كيفية التمتع في ‏"‏ باب التمتع والقران ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏

واستدل به على جواز الإحرام المبهم وأن المحرم به يصرفه لما شاء وهو قول الشافعي وأصحاب الحديث، ومحل ذلك ما إذا كان الوقت قابلا بناء على أن الحج لا ينعقد في غير أشهره كما سيأتي في الباب الذي يليه‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ

وَقَوْلِهِ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَرِهَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ كَرْمَانَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى الحج أشهر معلومات إلى قوله في الحج، وقوله يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج‏)‏ قال العلماء‏:‏ تقدير قوله‏:‏ ‏(‏الحج أشهر معلومات‏)‏ أي الحج حج أشهر معلومات أو أشهر الحج أو وقت الحج أشهر معلومات فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه‏.‏

وقال الواحدي‏:‏ يمكن حمله على غير إضمار وهو أن الأشهر جعلت نفس الحج اتساعا لكون الحج يقع فيها كقولهم ليل نائم‏.‏

وقال الشيخ أبو إسحاق في ‏"‏ المهذب ‏"‏‏:‏ المراد وقت إحرام الحج لأن الحج لا يحتاج إلى أشهر فدل على أن المراد وقت الإحرام به، وأجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال، لكن اختلفوا هل هي ثلاثة بكمالها وهو قول مالك ونقل عن ‏"‏ الإملاء ‏"‏ للشافعي، أو شهران وبعض الثالث وهو قول الباقين، ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون‏:‏ عشر ليال من ذي الحجة، وهل يدخل يوم النحر أو لا‏؟‏ قال أبو حنيفة وأحمد‏:‏ نعم‏.‏

وقال الشافعي في المشهور المصحح عنه‏:‏ لا‏.‏

وقال بعض أتباعه‏:‏ تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ‏.‏

واختلف العلماء أيضا في اعتبار هذه الأشهر هل هو على الشرط أو الاستحباب‏؟‏ فقال ابن عمر وابن عباس وجابر وغيرهم من الصحابة والتابعين‏:‏ هو شرط فلا يصح الإحرام بالحج إلا فيها، وهو قول الشافعي، وسيأتي استدلال ابن عباس لذلك في هذا الباب، واستدل بعضهم بالقياس على الوقوف وبالقياس على إحرام الصلاة وليس بواضح لأن الصحيح عند الشافعية أن من أحرم بالحج في غير أشهره انقلب عمرة تجزئه عن عمرة الفرض، وأما الصلاة فلو أحرم قبل الوقت انقلب بشرط أن يكون ظانا دخول الوقت لا عالما فاختلفا من وجهين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ أشهر الحج إلخ‏)‏ وصله الطبري والدارقطني من طريق ورقاء عن عبد الله بن دينار عنه قال ‏"‏ الحج أشهر معلومات، شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ‏"‏ وروى البيهقي من طريق عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثله والإسنادان صحيحان، وأما ما رواه مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال ‏"‏ من اعتمر في أشهر الحج - شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة - قبل الحج فقد استمتع ‏"‏ فلعله تجوز في إطلاق ذي الحجة جمعا بين الروايتين والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس إلخ‏)‏ وصله ابن خزيمة والحاكم والدارقطني من طريق الحاكم عن مقسم عنه قال ‏"‏ لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج، فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج ‏"‏ ورواه ابن جرير من وجه آخر عن ابن عباس قال ‏"‏ لا يصلح أن يحرم أحد بالحج إلا في أشهر الحج‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكره عثمان رضي الله عنه أن يحرم من خراسان أو كرمان‏)‏ وصله سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا هشيم حدثنا يونس بن عبيد أخبرنا الحسن هو البصري أن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان، فلما قدم على عثمان لامه فيما صنع وكرهه‏"‏‏.‏

وقال عبد الرزاق ‏"‏ أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال‏:‏ أحرم عبد الله بن عامر من خراسان، فقدم على عثمان فلامه وقال‏:‏ غزوت وهان عليك نسكك ‏"‏ وروى أحمد بن سيار في ‏"‏ تاريخ مرو ‏"‏ من طريق داود بن أبي هند قال ‏"‏ لما فتح عبد الله بن عامر خراسان قال‏:‏ لأجعلن شكري لله أن أخرج من موضعي هذا محرما، فأحرم من نيسابور، فلما قدم على عثمان لامه على ما صنع‏"‏‏.‏

وهذه أسانيد يقوي بعضها بعضا‏.‏

وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه من طريق محمد بن إسحاق أن ذلك كان في السنة التي قتل فيها عثمان، ومناسبة هذا الأثر للذي قبله أن بين خراسان ومكة أكثر من مسافة أشهر الحج، فيستلزم أن يكون أحرم في غير أشهر الحج فكره ذلك عثمان، وإلا فظاهره يتعلق بكراهة الإحرام قبل الميقات فيكون من متعلق الميقات المكاني لا الزماني‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَيَالِي الْحَجِّ وَحُرُمِ الْحَجِّ فَنَزَلْنَا بِسَرِفَ قَالَتْ فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلَا قَالَتْ فَالْآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَتْ فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ وَكَانَ مَعَهُمْ الْهَدْيُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْعُمْرَةِ قَالَتْ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ يَا هَنْتَاهُ قُلْتُ سَمِعْتُ قَوْلَكَ لِأَصْحَابِكَ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ قَالَ وَمَا شَأْنُكِ قُلْتُ لَا أُصَلِّي قَالَ فَلَا يَضِيرُكِ إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا قَالَتْ فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى فَطَهَرْتُ ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ قَالَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الْآخِرِ حَتَّى نَزَلَ الْمُحَصَّبَ وَنَزَلْنَا مَعَهُ فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنْ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افْرُغَا ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي قَالَتْ فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ وَفَرَغْتُ مِنْ الطَّوَافِ ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرَ فَقَالَ هَلْ فَرَغْتُمْ فَقُلْتُ نَعَمْ فَآذَنَ بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ فَارْتَحَلَ النَّاسُ فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ ضَيْرِ مِنْ ضَارَ يَضِيرُ ضَيْرًا وَيُقَالُ ضَارَ يَضُورُ ضَوْرًا وَضَرَّ يَضُرُّ ضَرًّا

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة عمرتها، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في الباب الذي بعده، وشاهد الترجمة منه قولها ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشهر الحج وليالي الحج وحرم الحج ‏"‏ فإن هذا كله يدل على أن ذلك كان مشهورا عندهم معلوما، وقوله فيه ‏"‏ وحرم الحج ‏"‏ بضم الحاء المهملة والراء أي أزمنته وأمكنته وحالاته، وروي بفتح الراء وهو جمع حرمة أي ممنوعات الحج، وقوله ‏"‏يا هنتاه ‏"‏ بفتح الهاء والنون - وقد تسكن النون - بعدها مثناة وآخرها هاء ساكنة كناية عن شيء لا يكره باسمه تقول في النداء للمذكر يا هن وقد تزاد الهاء في آخره للسكت فتقول يا هنه، وأن تشبع الحركة في النون فتقول يا هناه وتزاد في جميع ذلك للمؤنث مثناة‏.‏

وقال بعضهم الألف والهاء في آخره كهما في الندبة، وقوله ‏"‏قلت لا أصلي ‏"‏ كناية عن أنها حاضت، قال ابن المنير‏:‏ كنت عن الحيض بالحكم الخاص به أدبا منها، وقد ظهر أثر ذلك في بناتها المؤمنات فكلهن يكنين عن الحيض بحرمان الصلاة أو غير ذلك‏.‏

وقوله ‏"‏فلا يضرك ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فلا يضيرك ‏"‏ بكسر الضاد وتخفف التحتانية من الضير، وقوله ‏"‏النفر الثاني ‏"‏ هو رابع أيام منى، وقوله ‏"‏فإني انظر كما ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أنتظركما ‏"‏ بزيادة مثناة، وقوله ‏"‏حتى إذا فرغت ‏"‏ أي من الاعتمار وفرغت من الطواف وحذف الأول للعلم به‏.‏