فصل: باب ذِكْرِ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب وَقْتُ الْمَغْرِبِ

وَقَالَ عَطَاءٌ يَجْمَعُ الْمَرِيضُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وقت المغرب‏.‏

وقال عطاء‏:‏ يجمع المريض بين المغرب والعشاء‏)‏ أشار بهذا الأثر في هذه الترجمة إلى أن وقت المغرب يمتد إلى العشاء، وذلك أنه لو كان مضيقا لانفصل عن وقت العشاء، ولو كان منفصلا لم يجمع بينهما كما في الصبح والظهر‏.‏

ولهذه النكتة ختم الباب بحديث ابن عباس الدال على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما، وأما الأحاديث التي أوردها في الباب فليس فيها ما يدل على أن الوقت مضيق، لأنه ليس فيها إلا مجرد المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها، وكانت تلك عادته صلى الله عليه وسلم في جميع الصلوات إلا فيما ثبت فيه خلاف ذلك كالإبراد وكتأخير العشاء إذا أبطئوا كما في حديث جابر والله أعلم‏.‏

وأما أثر عطاء فوصله عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج عنه، واختلف العلماء في المريض هل يحوز له أن يجمع بين الصلاتين كالمسافر لما فيه من الرفق به أو لا‏؟‏ فجوزه أحمد وإسحاق مطلقا، واختاره بعض الشافعية، وجوزه مالك بشرطه، والمشهور عن الشافعي وأصحابه المنع، ولم أر في المسألة نقلا عن أحد من الصحابة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ صُهَيْبٌ مَوْلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏الوليد‏)‏ هو ابن مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هو عطاء بن صهيب‏)‏ هو مولى رافع بن خديج شيخه، قال ابن حبان‏:‏ صحبه ست سنين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنه ليبصر مواقع نبله‏)‏ بفتح النون وسكون الموحدة، أي المواضع التي تصل إليها سهامه إذا رمى بها‏.‏

وروى أحمد في مسنده من طريق علي بن بلال عن ناس من الأنصار قالوا ‏"‏ كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب ثم نرجع فنترامى حتى نأتي ديارنا، فما يخفى علينا مواقع سهامنا ‏"‏ إسناده حسن، والنبل هي السهام العربية، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها، قاله ابن سيده، وقيل واحدها نبلة مثل تمر وتمرة، ومقتضاه المبادرة بالمغرب في أول وقتها بحيث أن الفراغ منها يقع والضوء باق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ قَدِمَ الْحَجَّاجُ فَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا إِذَا رَآهُمْ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَوْا أَخَّرَ وَالصُّبْحَ كَانُوا أَوْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏محمد بن جعفر‏)‏ هو غندر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن عمرو‏)‏ في مسلم من طريق معاذ عن شعبة عن سعد ‏"‏ سمع محمد بن عمرو بن الحسن‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قدم الحجاج‏)‏ بفتح الحاء المهملة وتشديد الجيم وآخره جيم هو ابن يوسف الثقفي، وزعم الكرماني أن الرواية بضم أوله قال‏:‏ وهو جمع حاج‏.‏

انتهى‏.‏

وهو تحريف بلا خلاف، فقد وقع في رواية أبي عوانة في صحيحه من طرق أبي النضر عن شعبة‏:‏ سألنا جابر بن عبد الله في زمن الحجاج وكان يؤخر الصلاة عن وقت الصلاة‏.‏

وفي رواية مسلم من طريق معاذ عن شعبة ‏"‏ كان الحجاج يؤخر الصلاة‏"‏‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ كان قدوم الحجاج المدينة أميرا عليها من قبل عبد الملك بن مروان سنة أربع وسبعين وذلك عقب قتل ابن الزبير، فأمره عبد الملك على الحرمين وما معهما، ثم نقله بعد هذا إلى العراق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالهاجرة‏)‏ ظاهره يعارض حديث الإبراد، لأن قوله كان يفعل يشعر بالكثرة والدوام عرفا قاله ابن دقيق العيد، ويجمع بين الحديثين بأن يكون أطلق الهاجرة على الوقت بعد الزوال مطلقا لأن الإبراد كما تقدم مقيد بحال شدة الحر وغير ذلك كما تقدم، فإن وجدت شروط الإبراد أبرد وإلا عجل، فالمعنى كان يصلي الظهر بالهاجرة إلا إن احتاج إلى الإبراد‏.‏

وتعقب بأنه لو كان ذلك مراده لفصل كما فصل في العشاء، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نقية‏)‏ بالنون أوله، أي خالصة صافية لم تدخلها صفرة ولا تغير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا وجبت‏)‏ أي غابت، وأصل الوجوب السقوط، والمراد سقوط قرص الشمس، وفاعل وحبت مستتر وهو الشمس‏.‏

وفي رواية أبي داود عن مسلم بن إبراهيم ‏"‏ والمغرب إذا غربت الشمس ‏"‏ ولأبي عوانة من طريق أبي النضر عن شعبة ‏"‏ والمغرب حين تجب الشمس ‏"‏ وفيه دليل على أن سقوط قرص الشمس يدخل به وقت المغرب، ولا يخفى أن محله ما إذا كان لا يحول بين رؤيتها غاربة وبين الرائي حائل، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعشاء أحيانا وأحيانا‏)‏ ولمسلم أحيانا يؤخرها وأحيانا يعجل، كان إذا رآهم قد اجتمعوا الخ ‏"‏ وللمصنف في ‏"‏ باب وقت العشاء ‏"‏ عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة ‏"‏ إذا كثر الناس عجل، وإذا قلوا أخر ‏"‏ ونحوه لأبي عوانة في رواية‏.‏

والأحيان جمع حين، وهو اسم مبهم يقع على القليل والكثير من الزمان على المشهور، وقيل الحين ستة أشهر وقيل أربعون سنة وحديث الباب يقوي المشهور‏.‏

وسيأتي الكلام على حكم وقت العشاء في بابه‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ إذا تعارض في شخص أمران أحدهما أن يقدم الصلاة في أول الوقت منفردا أو يؤخرها في الجماعة، أيهما أفضل‏؟‏ الأقرب عندي أن التأخير لصلاة الجماعة أفضل، وحديث الباب يدل عليه لقوله ‏"‏ وإذا رآهم أبطئوا أخر ‏"‏ فيؤخر لأجل الجماعة مع إمكان التقديم‏.‏

قلت‏:‏ ورواية مسلم بن إبراهيم التي تقدمت تدل على أخص من ذلك، وهو أن انتظار من تكثر بهم الجماعة أولى من التقديم، ولا يخفى أن محل ذلك ما إذا لم يفحش التأخير ولم يشق على الحاضرين، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كانوا أو كان‏)‏ قال الكرماني‏:‏ الشك من الراوي عن جابر، ومعناهما متلازمان لأن أيهما كان يدخل فيه الآخر، إن أراد النبي صلى الله عليه وسلم فالصحابة في ذلك كانوا معه، وإن أراد الصحابة فالنبي صلى الله عليه وسلم كان إمامهم، أي كان شأنه التعجيل لها دائما لا كما كان يصنع في العشاء من تعجيلها أو تأخيرها‏.‏

وخبر كانوا محذوف يدل عليه قوله يصليها، أي كانوا يصلون‏.‏

والغلس بفتح اللام ظلمة آخر الليل‏.‏

وقال ابن بطال ما حاصله‏:‏ فيه حذفان، حذف خبر كانوا وهو جائز كحذف خبر المبتدأ في قوله ‏(‏واللائي لم يحضن‏)‏ أي فعدتهن مثل ذلك، والحذف الثاني حذف الجملة التي بعد ‏"‏ أو ‏"‏ تقديره‏:‏ أو لم يكونوا مجتمعين‏.‏

قال ابن التين‏:‏ ويصح أن يكون كانوا هنا تامة غير ناقصة بمعنى الحضور والوقوع، فيكون المحذوف ما بعد ‏"‏ أو ‏"‏ خاصة‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ يحتمل أن يكون شكا من الراوي هل قال كان النبي صلى الله عليه وسلم، أو كانوا‏.‏

ويحتمل أن يكون تقديره‏:‏ والصبح كانوا مجتمعين مع النبي، أو كان النبي صلى الله عليه وسلم وحده يصليها بالغلس‏.‏

قلت‏:‏ والتقدير المتقدم أولى‏.‏

والحق أنه شك من الراوي، فقد وقعت في رواية مسلم ‏"‏ والصبح كانوا أو قال كان النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏، وفيه حذف واحد تقديره‏:‏ والصبح كانوا يصلونها أو كان النبي صلى الله عليه وسلم - يصليها بغلس، فقوله ‏"‏ بغلس ‏"‏ يتعلق بأي اللفظين كان هو الواقع، ولا يلزم من قوله ‏"‏ كانوا يصلونها ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن معهم، ولا من قوله ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أنه كان وحده، بل المراد بقوله ‏"‏ كانوا يصلونها ‏"‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه، وهكذا قوله ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها ‏"‏ أي بأصحابه، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ إِذَا تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سلمة‏)‏ هو ابن الأكوع، وهذا من ثلاثيات البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا توارت بالحجاب‏)‏ أي استترت، والمراد الشمس، قال الخطابي‏:‏ لم يذكرها اعتمادا على أفهام السامعين، وهو كقوله في القرآن ‏(‏حتى توارت بالحجاب‏)‏ ‏.‏

انتهى‏.‏

وقد رواه مسلم من طريق حاتم ابن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد بلفظ ‏"‏ إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب ‏"‏ فدل على أن الاختصار في المتن من شيخ البخاري، وقد صح بذلك الإسماعيلي، ورواه عبد بن حميد عن صفوان بن عيسى، وأبو عوانة والإسماعيلي من طريق صفوان أيضا عن يزيد بن أبي عبيد بلفظ ‏"‏ كان يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس حين يغيب حاجبها ‏"‏ والمراد حاجبها الذي يبقى بعد أن يغيب أكثرها، والرواية التي فيها ‏"‏ توارت ‏"‏ أصرح في المراد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعًا جَمِيعًا وَثَمَانِيًا جَمِيعًا

الشرح‏:‏

قد تقدم الكلام على حديث ابن عباس في الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر والله أعلم‏.‏

واستدل بهذه الأحاديث على ضعف حديث أبي بصرة بالموحدة ثم المهملة رفعه في أثناء حديث ‏"‏ ولا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد ‏"‏ والشاهد النجم‏.‏

*3*باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلْمَغْرِبِ الْعِشَاءُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من كره أن يقال للمغرب العشاء‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ عدل المصنف عن الجزم كأن يقول باب كراهية كذا لأن لفظ الخبر لا يقتضي نهيا مطلقا، لكن فيه النهي عن غلبة الأعراب على ذلك، فكأن المصنف رأى أن هذا القدر لا يقتضي المنع من إطلاق العشاء عليه أحيانا، بل يجوز أن يطلق على وجه لا يترك له التسمية الأخرى كما ترك ذلك الأعراب وقوفا مع عادتهم، قال‏:‏ وإنما شرع لها التسمية بالمغرب لأنه اسم يشعر بمسماها أو بابتداء وقتها، وكره إطلاق اسم العشاء عليها لئلا يقع الالتباس بالصلاة الأخرى، وعلى هذا لا يكره أيضا أن تسمى العشاء بقيد كأن يقول العشاء الأولى، ويؤيده قولهم العشاء الآخرة كما ثبت في الصحيح، وسيأتي من حديث أنس في الباب الذي يليه، ونقل ابن بطال عن غيره أنه لا يقال للمغرب العشاء الأولى ويحتاج إلى دليل خاص، أما من حديث الباب فلا حجة له‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ الْحُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْمَغْرِبِ قَالَ الْأَعْرَابُ وَتَقُولُ هِيَ الْعِشَاءُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد الوارث‏)‏ هو ابن سعيد التنوري، و قوله‏:‏ ‏(‏عن الحسين‏)‏ هو المعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عبد الله المزني‏)‏ كذا للأكثر لم يذكر اسم أبيه، زاد في رواية كريمة هو ابن مغفل بالغين المعجمة والفاء المشددة، وكذلك وقع منسوبا بذكر أبيه في رواية عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه عند الإسماعيلي وغيره، والإسناد كله بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تغلبكم‏)‏ قال الطيبي‏:‏ يقال غلبه على كذا غصبه منه أو أخذه منه قهرا، والمعنى لا تتعرضوا لما هو من عادتهم من تسمية المغرب بالعشاء والعشاء بالعتمة فيغصب منكم الأعراب اسم العشاء التي سماها الله بها‏.‏

قال‏:‏ فالنهي على الظاهر للأعراب وعلى الحقيقة لهم‏.‏

وقال غيره‏:‏ معنى الغلبة أنكم تسمونها اسما وهم يسمونها اسما، فإن سميتموها بالاسم الذي يسمونها به وافقتموهم، وإذا وافق الخصم خصمه صار كأنه انقطع له حتى غلبه، ولا يحتاج إلى تقدير غصب ولا أخذ‏.‏

وقال التوربشتي‏:‏ المعنى لا تطلقوا هذا الاسم على ما هو متداول بينهم فيغلب مصطلحهم على الاسم الذي شرعته لكم‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ الأعراب من كان من أهل البادية وإن لم يكن عربيا، والعربي من ينتسب إلى العرب ولو لم يسكن البادية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على اسم صلاتكم‏)‏ التعبير بالاسم يبعد قول الأزهري أن المراد بالنهي عن ذلك أن لا تؤخر صلاتها عن وقت الغروب، وكذا قول ابن المنير‏:‏ السر في النهي سد الذريعة لئلا تسمى عشاء فيظن امتداد وقتها عن غروب الشمس أخذا من لفظ العشاء ا هـ‏.‏

وكأنه أراد تقوية مذهبه في أن وقت المغرب مضيق، وفيه نظر، إذ لا يلزم من تسميتها المغرب أن يكون وقتها مضيقا، فإن الظهر سميت بذلك لأن ابتداء وقتها عند الظهيرة وليس وقتها مضيقا بلا خلاف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال وتقول الأعراب هي العشاء‏)‏ سر النهي عن موافقتهم على ذلك أن لفظ العشاء لغة هو أول ظلام الليل، وذلك من غيبوبة الشفق، فلو قيل للمغرب عشاء لأدى إلى أن أول وقتها غيبوبة الشفق، وقد جزم الكرماني بأن فاعل قال هو عبد الله المزني راوي الحديث، ويحتاج إلى نقل خاص لذلك وإلا فظاهر إيراد الإسماعيلي أنه من تتمة الحديث، فإنه أورده بلفظ ‏"‏ فإن الأعراب تسميها ‏"‏ والأصل في مثل هذا أن يكون كلاما واحدا حتى يقوم دليل على إدراجه‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ لا يتناول النهي تسمية المغرب عشاء على سبيل التغليب كمن قال مثلا‏:‏ صليت العشاءين، إذا قلنا إن حكمة النهي عن تسميتها عشاء خوف اللبس لزوال اللبس في الصيغة المذكورة، والله أعلم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ أورد الإسماعيلي حديث الباب من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه، واختلف عليه في لفظ المتن فقال هارون الحمال عنه كرواية البخاري‏.‏

قلت‏:‏ وكذلك رواه أحمد بن حنبل في مسنده وأبو خيثمة زهير بن حرب عند أبي نعيم في مستخرجه وغير واحد عن عبد الصمد، وكذلك رواه ابن خزيمة في صحيحه عن عبد الوارث بن عبد الصمد عن أبيه ا هـ‏.‏

وقال أبو مسعود الرازي عن عبد الصمد ‏"‏ لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فإن الأعراب تسميها عتمة ‏"‏ قلت‏:‏ وكذلك رواه علي بن عبد العزيز البغوي عن أبي معمر شيخ البخاري فيه أخرجه الطبراني عنه، وأخرجه أبو نعيم في مستخرجه عن الطبراني كذلك، وجنح الإسماعيلي إلى ترجيح رواية أبي مسعود لموافقته حديث ابن عمر - يعني الذي رواه مسلم - كما سنذكره في صدر الباب الذي يليه‏.‏

والذي يتبين لي أنهما حديثان‏:‏ أحدهما في المغرب، والآخر في العشاء، كانا جميعا عند عبد الوارث بسند واحد، والله تعالى أعلم‏.‏

*3*باب ذِكْرِ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ الْعِشَاءُ وَالْفَجْرُ وَقَالَ لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالْفَجْرِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَقُولَ الْعِشَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ كُنَّا نَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَأَعْتَمَ بِهَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعِشَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ عَائِشَةَ أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَتَمَةِ وَقَالَ جَابِرٌ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ وَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ وَقَالَ أَنَسٌ أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو أَيُّوبَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ذكر العشاء والعتمة ومن رآه واسعا‏)‏ غاير المصنف بين هذه الترجمة والتي قبلها مع أن سياق الحديثين الواردين فيهما واحد، وهو النهي عن غلبة الأعراب على التسميتين، وذلك لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إطلاق اسم العشاء على المغرب، وثبت عنه إطلاق اسم العتمة على العشاء، فتصرف المصنف في الترجمتين بحسب ذلك‏.‏

والحديث الذي ورد في العشاء أخرجه مسلم من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فإنها في كتاب الله العشاء، وأنهم يعتمون بحلاب الإبل‏"‏، ولابن ماجه نحوه من حديث أبي هريرة وإسناده حسن، ولأبي يعلى والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن عوف كذلك، زاد الشافعي في روايته في حديث ابن عمر ‏"‏ وكان ابن عمر إذا سمعهم يقولون العتمة صاح وغضب‏"‏‏.‏

وأخرج عبد الرزاق هذا الموقوف من وجه آخر عن ابن عمر، واختلف السلف في ذلك‏:‏ فمنهم من كرهه كابن عمر راوي الحديث، ومنهم من أطلق جوازه، نقله ابن أبي شيبة عن أبي بكر الصديق وغيره، ومنهم من جعله خلاف الأولى وهو الراجح، وسيأتي للمصنف، وكذلك نقله ابن المنذر عن مالك والشافعي واختاره، ونقل القرطبي عن غيره‏:‏ إنما نهى عن ذلك تنزيها لهذه العبادة الشرعية الدينية عن أن يطلق عليها ما هو اسم لفعلة دنيوية وهي الحلبة التي كانوا يجلبونها في ذلك الوقت ويسمونها العتمة‏.‏

قلت‏:‏ وذكر بعضهم أن تلك الحلبة إنما كانوا يعتمدونها في زمان الجدب خوفا من السؤال والصعاليك، فعلى هذا فهي فعلة دنيوية مكروهة لا تطلق على فعلة دينية محبوبة، ومعنى العتم في الأصل تأخير مخصوص‏.‏

وقال الطبري‏:‏ العتمة بقية اللبن تغبق بها الناقة بعد هوى من الليل، فسميت الصلاة بذلك لأنهم كانوا يصلونها في تلك الساعة‏.‏

وروى ابن أبي شيبة من طريق ميمون بن مهران قال‏:‏ قلت لابن عمر من أول من سمي صلاة العشاء العتمة‏؟‏ قال‏:‏ الشيطان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو هريرة‏)‏ شرع المصنف في إيراد أطراف أحاديث محذوفة الأسانيد كلها صحيحة مخرجة في أمكنة أخرى، حاصلها ثبوت تسمية هذه الصلاة تارة عتمة وتارة عشاء، وأما الأحاديث التي لا تسمية فيها بل فيها إطلاق الفعل كقوله ‏"‏ أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ففائدة إيراده لها الإشارة إلى أن النهي عن ذلك إنما هو لإطلاق الاسم، لا لمنع تأخير هذه الصلاة عن أول الوقت‏.‏

وحديث أبي هريرة المذكور وصله المصنف باللفظ الأول في ‏"‏ باب فضل العشاء جماعة‏"‏، وباللفظ الثاني وهو العتمة في ‏"‏ باب الاستهام في الأذان‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏)‏ هو المصنف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والاختيار‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ هذا لا يتناوله لفظ الترجمة فإن لفظ الترجمة يفهم التسوية وهذا ظاهر في الترجيح‏.‏

قلت‏:‏ لا تنافي بين الجواز والأولوية، فالشيئان إذا كانا جائزي الفعل قد يكون أحدهما أولى من الآخر، وإنما صار عنده أولى لموافقته لفظ القرآن، ويترجح أيضا بأنه أكثر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبأن تسميتها عشاء يشعر بأول وقتها بخلاف تسميتها عتمة لأنه يشعر بخلاف ذلك، وبأن لفظه في الترجمة لا ينافي ما ذكر أنه الاختيار، وهو واضح لمن نظره، لأنه قال ‏"‏ من كره ‏"‏ فأشار إلى الخلاف، ومن نقل الخلاف لا يمتنع عليه أن يختار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن أبي موسى‏)‏ سيأتي موصولا عند المصنف مطولا بعد باب واحد، وكأنه لم يجزم به لأنه اختصر لفظه، نبه على ذلك شيخنا الحافظ أبو الفضل، وأجاب به من اعترض على ابن الصلاح حيث فرق بين الصيغتين، وحاصل الجواب أن صيغة الجزم تدل على القوة، وصيغة التمريض لا تدل‏.‏

ثم بين مناسبة العدول في حديث أبي موسى عن الجزم مع صحته إلى التمريض بأن البخاري قد يفعل ذلك لمعنى غير التضعيف، وهو ما ذكره من إيراد الحديث بالمعنى، وكذا الاقتصار على بعضه لوجود الاختلاف في جوازه وإن كان المصنف يرى الجواز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس وعائشة‏)‏ أما حديث ابن عباس فوصله المصنف في ‏"‏ باب النوم قبل العشاء ‏"‏ كما سيأتي قريبا، وأما حديث عائشة بلفظ ‏"‏ أعتم بالعشاء ‏"‏ فوصله في ‏"‏ باب فضل العشاء ‏"‏ من طريق عقيل، وفي الباب الذي بعده من طريق صالح بن كيسان كلاهما عن الزهري عن عروة عنها، وأما حديثها بلفظ ‏"‏ أعتم بالعتمة ‏"‏ فوصله المصنف أيضا في ‏"‏ باب خروج النساء إلى المساجد بالليل ‏"‏ بعد ‏"‏ باب وضوء الصبيان ‏"‏ من كتاب الصلاة أيضا من طريق شعيب عن الزهري بالسند المذكور، وأخرجه الإسماعيلي من طريق عقيل أيضا ويونس وابن أبي ذئب وغيرهم عن الزهري بلفظ ‏"‏ أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة بالعشاء وهي التي يدعو الناس العتمة ‏"‏ وهذا يشعر بأن السياق المذكور من تصرف الراوي‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ معنى أعتم دخل في وقت العتمة، ويطلق أعتم بمعنى أخر لكن الأول هنا أظهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء‏)‏ هو طرف من حديث وصله المؤلف في ‏"‏ باب وقت المغرب ‏"‏ وفي ‏"‏ باب وقت العشاء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو برزة‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤخر العشاء‏)‏ هو طرف من حديث وصله المؤلف في ‏"‏ باب وقت العصر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أنس‏:‏ أخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء‏)‏ هو طرف من حديث وصله المؤلف في ‏"‏ باب وقت العشاء إلى نصف الليل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عمر وأبو أيوب وابن عباس‏:‏ صلى النبي صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء‏)‏ أما حديث ابن عمر فأسنده المؤلف في الحج بلفظ ‏"‏ صلى النبي صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا ‏"‏ أما حديث أبي أيوب فوصله أيضا بلفظ ‏"‏ جمع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بين المغرب والعشاء وأما حديث ابن عباس فوصله في ‏"‏ باب تأخير الظهر إلى العصر ‏"‏ كما تقدم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَالِمٌ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ أَرَأَيْتُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال سالم أخبرني عبد الله‏)‏ هو سالم بن عبد الله بن عمر، وشيخه عبد الله هو أبوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صلى لنا‏)‏ أي لأجلنا أو اللام بمعنى الباء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهي التي يدعونها الناس العتمة‏)‏ تقدم نظير ذلك في حديث أبي برزة في قوله ‏"‏ وكان يستحب أن يؤخر من العشاء التي تدعونها العتمة ‏"‏ وتقدم أيضا من حديث عائشة عند الإسماعيلي، وفي كل ذلك إشعار بغلبة استعمالهم لها بهذا الاسم، فصار من عرف النهي عن ذلك يحتاج إلى ذكره لقصد التعريف، قال النووي وغيره‏:‏ يجمع بين النهي عن تسميتها عتمة وبين ما جاء من تسميتها عتمة بأمرين‏:‏ أحدهما أنه استعمل ذلك لبيان الجواز وأن النهي للتنزيه لا للتحريم، والثاني بأنه خاطب بالعتمة من لا يعرف العشاء لكونه أشهر عندهم من العشاء، فهو لقصد التعريف لا لقصد التسمية‏.‏

ويحتمل أنه استعمل لفظ العتمة في العشاء لأنه كان مشتهرا عندهم استعمال لفظ العشاء للمغرب، فلو قال‏:‏ لو يعلمون ما في الصبح والعشاء، لتوهموا أنها المغرب‏.‏

قلت‏:‏ وهذا ضعيف لأنه قد ثبت في نفس هذا الحديث ‏"‏ لو يعلمون ما في الصبح والعشاء‏"‏، فالظاهر أن التعبير بالعشاء تارة وبالعتمة تارة من تصرف الرواة، وقيل إن النهي عن تسمية العشاء عتمة نسخ الجواز، وتعقب بأن نزول الآية كان قبل الحديث المذكور، وفي كل من القولين نظر للاحتياج في مثل ذلك إلى التاريخ، ولا بعد في أن ذلك كان جائزا، فلما كثر إطلاقهم له نهوا عنه لئلا تغلب السنة الجاهلية على السنة الإسلامية، ومع ذلك فلا يحرم ذلك بدليل أن الصحابة الذين رووا النهي استعملوا التسمية المذكورة وأما استعمالها في مثل حديث أبي هريرة فلرفع الالتباس بالمغرب، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهي التي يدعو الناس العتمة‏)‏ فيه إشعار بغلبة هذه التسمية عند الناس ممن لم يبلغهم النهي، وقد تقدم الكلام على متن الحديث في ‏"‏ باب السمر في العلم‏"‏‏.‏

*3*باب وَقْتِ الْعِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أَوْ تَأَخَّرُوا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وقت العشاء إذا اجتمع الناس أو تأخروا‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من قال إنها تسمى العشاء إذا عجلت والعتمة إذا أخرت، أخذا من اللفظين‏.‏

وأراد هذا القائل الجمع بوجه غير الأوجه المتقدمة فاحتج عليه المصنف بأنها قد سميت في حديث الباب في حال التقديم والتأخير باسم واحد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو هُوَ ابْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ وَالْعِشَاءَ إِذَا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ وَإِذَا قَلُّوا أَخَّرَ وَالصُّبْحَ بِغَلَسٍ

الشرح‏:‏

قد تقدم الكلام على حديث جابر في ‏"‏ باب وقت المغرب‏"‏‏.‏

*3*باب فَضْلِ الْعِشَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل العشاء‏)‏ لم أر من تكلم على هذه الترجمة، فإنه ليس في الحديثين اللذين ذكرهما المؤلف في هذا الباب ما يقتضي اختصاص العشاء بفضيلة ظاهرة، وكأنه مأخوذ من قوله ‏"‏ ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم ‏"‏ فعلى هذا في الترجمة حذف تقديره ‏"‏ باب فضل انتظار العشاء ‏"‏ والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى قَالَ عُمَرُ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَخَرَجَ فَقَالَ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ غَيْرَكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عروة‏)‏ عند مسلم في رواية يونس عن ابن شهاب ‏"‏ أخبرني عروة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وذلك قبل أن يفشو الإسلام‏)‏ أي في غير المدينة، وإنما فشا الإسلام في غيرها بعد فتح مكة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى قال عمر‏)‏ زاد المصنف من رواية صالح عن ابن شهاب في ‏"‏ باب النوم قبل العشاء ‏"‏‏:‏ ‏"‏ حتى ناداه عمر‏:‏ الصلاة‏"‏‏.‏

وهي بالنصب بفعل مضمر تقديره مثلا صل الصلاة، وساغ هذا الحذف لدلالة السياق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نام النساء والصبيان‏)‏ أي الحاضرون في المسجد، وإنما خصهم بذلك لأنهم مظنة قلة الصبر عن النوم، ومحل الشفقة والرحمة، بخلاف الرجال‏.‏

وسيأتي قريبا في حديث ابن عمر في هذه القصة ‏"‏ حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا ‏"‏ ونحوه في حديث ابن عباس، وهو محمول على أن الذي رقد بعضهم لأكلهم، ونسب الرقاد إلى الجميع مجازا‏.‏

وسيأتي الكلام على بقية هذا الحديث في ‏"‏ باب النوم قبل العشاء لمن غلب‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ كُنْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي الَّذِينَ قَدِمُوا مَعِي فِي السَّفِينَةِ نُزُولًا فِي بَقِيعِ بُطْحَانَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَكَانَ يَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ نَفَرٌ مِنْهُمْ فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَصْحَابِي وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ فَأَعْتَمَ بِالصَّلَاةِ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ عَلَى رِسْلِكُمْ أَبْشِرُوا إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرُكُمْ أَوْ قَالَ مَا صَلَّى هَذِهِ السَّاعَةَ أَحَدٌ غَيْرُكُمْ لَا يَدْرِي أَيَّ الْكَلِمَتَيْنِ قَالَ قَالَ أَبُو مُوسَى فَرَجَعْنَا فَفَرِحْنَا بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن بريد‏)‏ هو بالموحدة والراء بلفظ التصغير، وشيخه أبو بردة هو جده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في بقيع بطحان‏)‏ بفتح الموحدة من بقيع وضمها من بطحان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وله بعض الشغل في بعض أمره فأعتم بالصلاة‏)‏ فيه دلالة على أن تأخير النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الغاية لم يكن قصدا‏.‏

ومثله قوله في حديث ابن عمر الآتي قريبا ‏"‏ شغل عنها ليلة ‏"‏ وكذا قوله في حديث عائشة ‏"‏ أعتم بالصلاة ليلة ‏"‏ يدل على أن ذلك لم يكن من شأنه، والفيصل في هذا حديث جابر ‏"‏ كانوا إذا اجتمعوا عجل، وإذا أبطئوا أخر‏"‏‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ الشغل المذكور كان في تجهيز جيش، رواه الطبري من وجه صحيح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى ابهار الليل‏)‏ بالموحدة وتشديد الراء، أي طلعت نجومه واشتبكت، والباهر الممتلئ نورا، قاله أبو سعيد الضرير‏.‏

وعن سيبويه‏:‏ ابهار الليل كثرت ظلمته وابهار القمر كثر ضوؤه‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ ابهار‏:‏ انتصف مأخوذ من بهرة الشيء وهو وسطه، ويؤيده أن في بعض الروايات ‏"‏ حتى إذا كان قريبا من نصف الليل‏"‏، وهو في حديث أبي سعيد كما سيأتي، وسيأتي في حديث أنس عند المصنف ‏"‏ إلى نصف الليل‏"‏‏.‏

وفي الصحاح‏:‏ ابهار الليل ذهب معظمه وأكثره‏.‏

وعند مسلم من رواية أم كلثوم عن عائشة ‏"‏ حتى ذهب عامة الليل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على رسلكم‏)‏ بكسر الراء ويجوز فتحها، المعنى تأنوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن من نعمة الله‏)‏ بكسر همز إن، ووهم من ضبطه بالفتح، وأما قوله ‏"‏ أنه ليس أحد ‏"‏ فهو بفتح أنه للتعليل، واستدل بذلك على فضل تأخير صلاة العشاء، ولا يعارض ذلك فضيلة أول الوقت لما في الانتظار من الفضل، لكن قال ابن بطال‏:‏ ولا يصلح ذلك الآن للأئمة لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتخفيف وقال ‏"‏ إن فيهم الضعيف وذا الحاجة ‏"‏ فترك التطويل عليهم في الانتظار أولى‏.‏

قلت‏:‏ وقد روى أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري ‏"‏ صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة، فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل فقال‏:‏ إن الناس قد صلوا وأخذوا مضاجعهم، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة، ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذي الحاجة لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل ‏"‏ وسيأتي في حديث ابن عباس قريبا ‏"‏ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا‏"‏‏.‏

وللترمذي وصححه من حديث أبي هريرة ‏"‏ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه ‏"‏ فعلى هذا من وجد به قوة على تأخيرها ولم يغلبه النوم ولم يشق على أحد من المأمومين فالتأخير في حقه أفضل، وقد قرر النووي ذلك في شرح مسلم، وهو اختيار كثير من أهل الحديث من الشافعية وغيرهم، والله أعلم‏.‏

ونقل ابن المنذر عن الليث وإسحاق أن المستحب تأخير العشاء إلى قبل الثلث‏.‏

وقال الطحاوي‏:‏ يستحب إلى الثلث، وبه قال مالك وأحمد وأكثر الصحابة والتابعين، وهو قول الشافعي في الجديد‏.‏

وقال في القديم‏:‏ التعجيل أفضل، وكذا قال في الإملاء وصححه النووي وجماعة وقالوا‏:‏ إنه مما يفتى به على القديم، وتعقب بأنه ذكره في الإملاء وهو من كتبه الجديدة، والمختار من حيث الدليل أفضلية التأخير، ومن حيث النظر التفصيل، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرحى‏)‏ جمع فرحان على غير قياس، ومثله ‏"‏ وترى الناس سكرى ‏"‏ في قراءة، أو تأنيث فراح وهو نحو الرجال فعلت‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فرجعنا وفرحنا ‏"‏ ولبعضهم ‏"‏ فرجعنا فرحا ‏"‏ بفتح الراء على المصدر، ووقع عند مسلم كالرواية الأولى، وسبب فرحهم علمهم باختصاصهم بهذه العبادة التي هي نعمة عظمى مستلزمة للمثوبة الحسنى ما انضاف إلى ذلك من تجميعهم فيها خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏