فصل: باب الْمُكَاتِبِ وَنُجُومِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ نَجْمٌ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب إِذَا أَتَاهُ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه‏)‏ أي فليجلسه معه ليأكل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَليُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ عِلَاجَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني محمد بن زياد‏)‏ هو الجمحي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة‏)‏ هكذا أورده، ويفهم منه إباحة ترك إجلاسه معه، وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ أكلة ‏"‏ بضم أوله أي لقمة، والشك فيه من شعبة كما سأبينه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ ولي علاجه ‏"‏ زاد في الأطعمة ‏"‏ وحره‏"‏‏.‏

واستدل به على أن قوله في حديث أبي ذر الماضي ‏"‏ فأطعموهم مما تطعمون ‏"‏ ليس على الوجوب‏.‏

*3*باب الْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَنَسَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَالَ إِلَى السَّيِّدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب العبد راع في مال سيده‏)‏ أي ويلزمه حفظه، ولا يعمل إلا بإذنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونسب صلى الله عليه وسلم المال إلى السيد‏)‏ كأنه يشير بذلك إلى حديث ابن عمر ‏"‏ من باع عبدا وله مال فماله للسيد ‏"‏ وقد تقدمت الإشارة إليه في ‏"‏ باب من باع نخلا قد أبرت ‏"‏ من كتاب البيوع وفي كتاب الشرب، وكلام ابن بطال يشير إلى أن ذلك مستفاد من قوله ‏"‏ العبد راع في مال سيده ‏"‏ فإنه قال في شرح حديث الباب‏:‏ فيه حجة لمن قال إن العبد لا يملك، وتعقبه ابن المنير بأنه لا يلزم من كونه راعيا في مال سيده أن لا يكون هو له مال، فإن قيل فاشتغاله برعاية مال سيده يستوعب أحواله، فالجواب أن المطلق لا يفيد العموم، ولا سيما إذا سيق لغير قصد العموم، وحديث الباب إنما سيق للتحذير من الخيانة والتخويف بكونه مسئولا ومحاسبا، فلا تعلق له بكونه يملك أو لا يملك انتهى‏.‏

وقد تقدم الكلام على مسألة كونه هل يملك قبل ستة أبواب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏والمرأة في بيت زوجها راعية‏)‏ إنما قيد بالبيت لأنها لا تصل إلى ما سواه غالبا إلا بإذن خاص، وسيأتي بسط القول في ذلك في أوائل كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب إِذَا ضَرَبَ الْعَبْدَ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه‏)‏ العبد بالنصب على المفعولية والفاعل محذوف للعلم به، وذكر العبد ليس قيدا بل هو من جملة الأفراد الداخلين في ذلك، وإنما خص بالذكر لأن المقصود هنا بيان حكم الرقيق، كذا قرره بعض الشراح، وأظن المصنف أشار إلى ما أخرجه في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ من طريق محمد بن عجلان أخبرني سعيد عن أبي هريرة فذكر الحديث بلفظ ‏"‏ إذا ضرب أحدكم خادمه‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ فُلَانٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ

الشرح‏:‏

قوله في الإسناد ‏(‏حدثني محمد بن عبيد الله‏)‏ هو ابن ثابت المدني؛ ورجال الإسناد كلهم مدنيون، وكأن أبا ثابت تفرد به عن ابن وهب، فإني لم أره في شيء من المصنفات إلا من طريقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال وأخبرني ابن فلان‏)‏ قائل ذلك هو أبو ثابت فهو موصول وليس بمعلق، وفاعل قال هو ابن وهب، وكأنه سمعه من لفظ مالك وبالقراءة على الآخر‏.‏

وكان ابن وهب حريصا على تمييز ذلك‏.‏

وأما ‏"‏ ابن فلان ‏"‏ فقال المزي‏:‏ يقال هو ابن سمعان، يعني عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان المدني، وهو يوهم تضعيف ذلك، وليس كذلك فقد جزم بذلك أبو نصر الكلاباذي وغيره‏.‏

وقاله قبله بعض القدماء أيضا؛ فوقع في رواية أبي ذر الهروي في روايته عن المستملي‏:‏ قال أبو حرب الذي قال ‏"‏ ابن فلان ‏"‏ هو ابن وهب، وابن فلان هو ابن سمعان‏.‏

قلت‏:‏ وأبو حرب هذا هو بيان وقد أخرجه الدار قطني في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ من طريق عبد الرحمن بن خراش بكسر المعجمة عن البخاري ‏"‏ قال حدثنا أبو ثابت محمد بن عبيد الله المدني ‏"‏ فذكر الحديث لكن قال بدل قوله ابن فلان ‏"‏ ابن سمعان ‏"‏ فكأن البخاري كنى عنه في الصحيح عمدا لضعفه، ولما حدث به خارج الصحيح نسبه، وقد بين ذلك أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ بما خرجه من طريق العباس بن الفضل عن أبي ثابت وقال فيه ‏"‏ ابن سمعان ‏"‏ وقال بعده‏:‏ أخرجه البخاري عن أبي ثابت فقال ابن فلان وأخرجه في موضع آخر فقال ابن سمعان، وابن سمعان المذكور مشهور بالضعف متروك الحديث كذبه مالك وأحمد وغيرهما وماله في البخاري شيء إلا في هذا الموضع، ثم إن البخاري لم يسق المتن من طريقه مع كونه مقرونا بمالك بل ساقه على لفظ الرواية الأخرى وهي رواية همام عن أبي هريرة، وقد أخرجه مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ فليتق ‏"‏ بدل ‏"‏ فليجتنب ‏"‏ وهي رواية أبي نعيم المذكورة، وأخرجه مسلم أيضا من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ إذا ضرب ‏"‏ ومثله للنسائي من طريق عجلان، ولأبي داود من طريق أبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة وهو يفيد أن قوله في رواية همام ‏"‏ قاتل ‏"‏ بمعنى قتل، وأن المفاعلة فيه ليست على ظاهرها ويحتمل أن تكون على ظاهرها ليتناول ما يقع عند دفع الصائل مثلا فينهى دافعه عن القصد بالضرب إلى وجهه، ويدخل في النهي كل من ضرب في حد أو تعزير أو تأديب وقد وقع في حديث أبي بكرة وغيره عند أبي داود وغيره في قصة التي زنت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها وقال‏:‏ ‏"‏ ارموا واتقوا الوجه ‏"‏ وإذا كان ذلك في حق من تعين إهلاكه فمن دونه أولى‏.‏

قال النووي‏:‏ قال العلماء إنما نهي عن ضرب الوجه لأنه لطيف يجمع المحاسن، وأكثر ما يقع الإدراك بأعضائه، فيخشى من ضربه أن تبطل أو تتشوه كلها أو بعضها، والشين فيها فاحش لظهورها وبروزها، بل لا يسلم إذا ضربه غالبا من شين ا هـ‏.‏

والتعليل المذكور حسن، لكن ثبت عند مسلم تعليل آخر، فإنه أخرج الحديث المذكور من طريق أبي أيوب المراغي عن أبي هريرة وزاد ‏"‏ فإن الله خلق آدم على صورته ‏"‏ واختلف في الضمير على من يعود‏؟‏ فالأكثر على أنه يعود على المضروب لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه، ولولا أن المراد التعليل بذلك لم يكن لهذه الجملة ارتباط بما قبلها‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ أعاد بعضهم الضمير على الله متمسكا بما ورد في بعض طرقه ‏"‏ إن الله خلق آدم على صورة الرحمن ‏"‏ قال‏:‏ وكأن من رواه أورده بالمعنى متمسكا بما توهمه فغلط في ذلك‏.‏

وقد أنكر المازري ومن تبعه صحة هذه الزيادة ثم قال‏:‏ وعلى تقدير صحتها فيحمل على ما يليق بالباري سبحانه وتعالى‏.‏

قلت‏:‏ الزيادة أخرجها ابن أبي عاصم في ‏"‏ السنة ‏"‏ والطبراني من حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات وأخرجها ابن أبي عاصم أيضا من طريق أبي يونس عن أبي هريرة بلفظ يرد التأويل الأول قال‏:‏ ‏"‏ من قاتل فليجتنب الوجه فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن ‏"‏ فتعين إجراء ما في ذلك على ما تقرر بين أهل السنة من إمراره كما جاء من غير اعتقاد تشبيه، أو من تأويله على ما يليق بالرحمن جل جلاله، وسيأتي في أول كتاب الاستئذان من طريق همام عن أبي هريرة رفعه‏:‏ خلق الله آدم على صورته الحديث، وزعم بعضهم أن الضمير يعود على آدم أي على صفته أي خلقه موصوفا بالعلم الذي فضل به الحيوان وهذا محتمل، وقد قال المازري‏:‏ غلط ابن قتيبة فأجرى هذا الحديث على ظاهره وقال‏:‏ صورة لا كالصور انتهى‏.‏

وقال حرب الكرماني في ‏"‏ كتاب السنة ‏"‏ سمعت إسحاق بن راهويه يقول‏:‏ صح أن الله خلق آدم على صورة الرحمن‏.‏

وقال إسحاق الكوسج سمعت أحمد يقول هو حديث صحيح وقال الطبراني في كتاب السنة ‏"‏ حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ قال رجل لأبي إن رجلا قال خلق الله آدم على صورته - أي صورة الرجل - فقال‏:‏ كذب هو قول الجهمية ‏"‏ انتهى‏.‏

وقد أخرج البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ وأحمد من طريق ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ لا تقولن قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته ‏"‏ وهو ظاهر في عود الضمير على المقول له ذلك، وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم أيضا من طريق أبي رافع عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورة وجهه ‏"‏ ولم يتعرض النووي لحكم هذا النهي، وظاهره التحريم‏.‏

ويؤيده حديث سويد بن مقرن الصحابي ‏"‏ أنه رأى رجلا لطم غلامه فقال‏:‏ أو ما علمت أن الصورة محترمة ‏"‏ أخرجه مسلم وغيره‏.‏

*3*باب الْمُكَاتِبِ وَنُجُومِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ نَجْمٌ

وَقَوْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ

وَقَالَ رَوْحٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إِذَا عَلِمْتُ لَهُ مَالًا أَنْ أُكَاتِبَهُ قَالَ مَا أُرَاهُ إِلَّا وَاجِبًا وَقَالَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ تَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ قَالَ لَا ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسًا الْمُكَاتَبَةَ وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ فَأَبَى فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ كَاتِبْهُ فَأَبَى فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ وَيَتْلُو عُمَرُ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا فَكَاتَبَهُ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِنَّ بَرِيرَةَ دَخَلَتْ عَلَيْهَا تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا وَعَلَيْهَا خَمْسَةُ أَوَاقٍ نُجِّمَتْ عَلَيْهَا فِي خَمْسِ سِنِينَ فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ وَنَفِسَتْ فِيهَا أَرَأَيْتِ إِنْ عَدَدْتُ لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً أَيَبِيعُكِ أَهْلُكِ فَأُعْتِقَكِ فَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَعَرَضَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا لَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَنَا الْوَلَاءُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب المكاتب ونجومه في كل سنة نجم، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏والذين يبتغون الكتاب‏)‏ الآية‏)‏ ساقوها إلى قوله‏:‏ ‏(‏الذي آتاكم‏)‏ إلا النسفي فقال بعد قوله في كل سنة ‏(‏وآتوهم من مال الله الذي آتاكم‏)‏ ‏.‏

ونجم الكتابة هو القدر المعين الذي يؤديه المكاتب في وقت معين، وأصله أن العرب كانوا يبنون أمورهم في المعاملة على طلوع النجم والمنازل لكونهم لا يعرفون الحساب فيقول أحدهم‏:‏ إذا طلع النجم الفلاني أديت حقك، فسميت الأوقات نجوما بذلك، ثم سمي المؤدي في الوقت نجما‏.‏

وعرف من الترجمة اشتراط التأجيل في الكتابة، وهو قول الشافعي وقوفا مع التسمية بناء على أن الكتابة مشتقة من الضم، وهو ضم بعض النجوم إلى بعض، وأقل ما يحصل به الضم نجمان، وبأنه أمكن لتحصيل القدرة على الأداء‏.‏

وذهب المالكية والحنفية إلى جواز الكتابة الحالة، واختاره بعض الشافعية كالروياني‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ لا نص لمالك في ذلك إلا أن محققي أصحابه شبهوه ببيع العبد من نفسه، واختار بعض أصحاب مالك أن لا يكون أقل من نجمين كقول الشافعي، واحتج الطحاوي وغيره بأن التأجيل جعل رفقا بالمكاتب لا بالسيد، فإذا قدر العبد على ذلك لا يمنع منه وهذا قول الليث، وبأن سلمان كاتب - بأمر النبي صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر تأجيلا، وقد تقدم ذكر خبره، وبأن عجز المكاتب عن القدر الحال لا يمنع صحة الكتابة كالبيع في المجلس، كمن اشترى ما يساوي درهما بعشرة دراهم حالة وهو لا يقدر حينئذ إلا على درهم نفذ البيع مع عجزه عن أكثر الثمن، وبأن الشافعية أجازوا السلم الحال ولم يقفوا مع التسمية مع أنها مشعرة بالتأجيل‏.‏

وأما قول المصنف ‏"‏ في كل سنة نجم ‏"‏ فأخذه من صورة الخبر الوارد في قصة بريرة كما سيأتي التصريح به بعد باب، ولم يرد المصنف أن ذلك شرط فيه، فإن العلماء اتفقوا على أنه لو وقع التنجيم بالأشهر جاز، ولم يثبت لفظ نجم في آخره في رواية النسفي، واختلف في المراد بالخير في قوله‏:‏ ‏(‏إن علمتم فيهم خيرا‏)‏ كما سيأتي بعد بابين، وروى ابن إسحاق عن خاله عبد الله بن صبيح بفتح المهملة عن أبيه قال‏:‏ ‏"‏ كنت مملوكا لحويطب بن عبد العزى، فسألته الكتابة فأبى، فنزلت‏:‏ ‏(‏والذين يبتغون الكتاب‏)‏ الآية ‏"‏ أخرجه ابن السكن وغيره في ترجمة صبيح في الصحابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال روح عن ابن جريج‏:‏ قلت لعطاء‏:‏ أواجب علي إذا علمت له مالا أن أكاتبه، قال‏:‏ ما أراه إلا واجبا‏)‏ وصله إسماعيل القاضي في ‏"‏ أحكام القرآن ‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏ حدثنا علي بن المديني حدثنا روح بن عبادة بهذا‏"‏، وكذلك أخرجه عبد الرزاق والشافعي من وجهين آخرين عن ابن جريج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمرو بن دينار قلت لعطاء أتأثره عن أحد‏؟‏ قال‏:‏ لا‏)‏ هكذا وقع في جميع النسخ التي وقعت لنا عن الفربري، وهو ظاهر في هذا الأثر من رواية عمرو بن دينار عن عطاء، وليس كذلك بل وقع في الرواية تحريف لزم منه الخطأ، والذي وقع في رواية إسماعيل المذكورة ‏"‏ وقاله لي أيضا عمرو بن دينار ‏"‏ والضمير يعود على القول بوجوبها، وقائل ذلك هو ابن جريج وهو فاعل ‏"‏ قلت لعطاء ‏"‏ وقد صرح بذلك في رواية إسماعيل حيث قال فيها بالسند المذكور ‏"‏ قال ابن جريج وأخبرني عطاء ‏"‏ وكذلك أخرجه عبد الرزاق والشافعي - ومن طريقه البيهقي - عن عبد الله بن الحارث كلاهما عن ابن جريج وقالا فيه‏:‏ ‏"‏ وقالها عمرو بن دينار ‏"‏ والحاصل أن ابن جريج نقل عن عطاء التردد في الوجوب وعن عمرو بن دينار الجزم به أو موافقة عطاء‏.‏

ثم وجدته في الأصل المعتمد من رواية النسفي عن البخاري على الصواب بزيادة الهاء في قوله وقال عمرو بن دينار ولفظه ‏"‏ وقاله عمرو بن دينار ‏"‏ أي القول المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أخبرني أن موسى بن أنس أخبره أن سيرين سأل أنسا المكاتبة وكان كثير المال‏)‏ لقائل ‏"‏ ثم أخبرني ‏"‏ هو ابن جريج أيضا، ومخبره هو عطاء، ووقع مبينا كذلك في رواية إسماعيل المذكورة ولفظه ‏"‏ قال ابن جريج وأخبرني عطاء أن موسى بن أنس بن مالك أخبره أن سيرين أبا محمد بن سيرين سأل‏.‏

‏"‏ فذكره، ووقع في رواية عبد الرزاق عن ابن جريج ‏"‏ أخبرني مخبر أن موسى بن أنس أخبره ‏"‏ وقد عرف اسم المخبر من رواية روح، وظاهر سياقه الإرسال فإن موسى لم يذكر وقت سؤال سيرين من أنس الكتابة، وقد رواه عبد الرزاق والطبري من وجه آخر متصلا من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال‏:‏ ‏"‏ أرادني سيرين على المكاتبة فأبيت، فأتى عمر بن الخطاب ‏"‏ فذكر نحوه‏.‏

وسيرين المذكور يكنى أبا عمرة، وهو والد محمد بن سيرين الفقيه المشهور وإخوته، وكان من سبي عين التمر اشتراه أنس في خلافة أبي بكر، وروى هو عن عمر وغيره، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانطلق إلى عمر‏)‏ زاد إسماعيل بن إسحاق في روايته ‏"‏ فاستعداه عليه ‏"‏ وزاد في آخر القصة ‏"‏ وكاتبه أنس ‏"‏ وروى ابن سعد من طريق محمد بن سيرين قال‏:‏ ‏"‏ كاتب أنس أبي على أربعين ألف درهم ‏"‏ وروى البيهقي من طريق أنس بن سيرين عن أبيه قال‏:‏ ‏"‏ كاتبني أنس على عشرين ألف درهم ‏"‏ فإن كانا محفوظين جمع بينهما بحمل أحدهما على الوزن والآخر على العدد، ولابن أبي شيبة من طريق عبيد الله بن أبي بكر بن أنس قال‏:‏ ‏"‏ هذه مكاتبة أنس عندنا‏:‏ هذا ما كاتب أنس غلامه سيرين‏:‏ كاتبه على كذا وكذا ألف وعلى غلامين يعملان مثل عمله ‏"‏ واستدل بفعل عمر على أنه كان يرى بوجوب الكتابة إذا سألها العبد، لأن عمر لما ضرب أنسا على الامتناع دل على ذلك، وليس ذلك بلازم لاحتمال أنه أدبه على ترك المندوب المؤكد، وكذلك ما رواه عبد الرزاق‏:‏ ‏"‏ أن عثمان قال لمن سأله الكتابة‏:‏ لولا آية من كتاب الله ما فعلت ‏"‏ فلا يدل أيضا على أنه كان يرى الوجوب‏.‏

ونقل ابن حزم القول بوجوبها عن مسروق والضحاك، زاد القرطبي‏:‏ وعكرمة‏.‏

وعن إسحاق بن راهويه أن مكاتبته واجبة إذا طلبها، ولكن لا يجبر الحاكم السيد على ذلك‏.‏

وللشافعي قول بالوجوب، وبه قال الظاهرية، واختاره ابن جرير الطبري‏.‏

قال ابن القصار‏:‏ إنما علا عمر أنسا بالدرة على وجه النصح لأنس، ولو كانت الكتابة لزمت أنسا ما أبى، وإنما ندبه عمر إلى الأفضل‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ لما ثبت أن رقبة العبد وكسبه ملك لسيده دل على أن الأمر بكتابته غير واجب، لأن قوله‏:‏ ‏"‏ خذ كسبي وأعتقني ‏"‏ يصير بمنزلة قوله أعتقني بلا شيء وذلك غير واجب اتفاقا ومحل الوجوب عند من قال به إن كان العبد قادرا على ذلك ورضي السيد بالقدر الذي تقع به المكاتبة‏.‏

وقال أبو سعيد الإصطخري‏:‏ القرينة الصارفة للأمر في هذا عن الوجوب الشرط في قوله‏:‏ ‏(‏إن علمتم فيهم خيرا‏)‏ فإنه وكل الاجتهاد في ذلك إلى المولى، ومقتضاه أنه إذا رأى عدمه لم يجبر عليه، فدل على أنه غير واجب‏.‏

وقال غيره‏:‏ الكتابة عقد غرر، وكان الأصل أن لا تجوز، فلما وقع الإذن فيها كان أمرا بعد منع والأمر بعد المنع للإباحة، ولا يرد على هذا كونها مستحبة لأن استحبابها ثبت بأدلة أخرى، ثم أورد المصنف قصة بريرة من عدة طرق في جميع أبواب الكتابة، فأورد في هذه الترجمة طريق الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة تعليقا، ووصله الذهلي في ‏"‏ الزهريات ‏"‏ عن أبي صالح كاتب الليث عن الليث، والمحفوظ رواية الليث له عن ابن شهاب نفسه بغير واسطة، وسيأتي في الباب الذي يليه عن قتيبة عن الليث، وأخرجه مسلم أيضا عن قتيبة، وكذلك أخرجه النسائي والطحاوي وغيرهما من طريق ابن وهب عن رجال من أهل العلم منهم يونس والليث كلهم عن ابن شهاب، وهذا هو المحفوظ أن يونس رفيق الليث فيه لا شيخه، ووقع التصريح بسماع الليث له من ابن شهاب عن أبي عوانة من طريق مروان بن محمد، وعند النسائي من طريق ابن وهب كلاهما عن الليث‏.‏

وقد وقع في هذه الرواية المعلقة أيضا مخالفة للروايات المشهورة في موضع فيه نظر وهو قوله في المتن ‏"‏ وعليها خمس أواقي نجمت عليها في خمس سنين ‏"‏ والمشهور ما في رواية هشام بن عروة الآتية بعد بابين عن أبيه ‏"‏ أنها كاتبت على تسع أواق في كل عام أوقية ‏"‏ وكذا في رواية ابن وهب عن يونس عند مسلم، وقد جزم الإسماعيلي بأن الرواية المعلقة غلط، ويمكن الجمع بأن التسع أصل والخمس كانت بقيت عليها، وبهذا جزم القرطبي والمحب الطبري، ويعكر عليه قوله في رواية قتيبة ‏"‏ ولم تكن أدت من كتابتها شيئا ‏"‏ ويجاب بأنها كانت حصلت الأربع أواق قبل أن تستعين عائشة، ثم جاءتها وقد بقي عليها خمس‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ يجاب بأن الخمس هي التي كانت استحقت عليها بحلول نجومها من جملة التسع الأواقي المذكورة في حديث هشام، ويؤيده قوله في رواية عمرة عن عائشة الماضية في أبواب المساجد ‏"‏ فقال أهلها إن شئت أعطيت ما يبقى ‏"‏ وذكر الإسماعيلي أنه رأى في الأصل المسموع على الفربري في هذه الطريق أنها كاتبت على خمسة أوساق وقال‏:‏ إن كان مضبوطا فهو يدفع سائر الأخبار‏.‏

قلت‏:‏ لم يقع في شيء من النسخ المعتمدة التي وقفنا عليها إلا الأواقي، وكذا في نسخة النسفي عن البخاري، وكان يمكن على تقدير صحته أن يجمع بأن قيمة الأوساق الخمسة تسع أواق، لكن يعكر عليه قوله‏:‏ ‏"‏ في خمس سنين ‏"‏ فيتعين المصير إلى الجمع الأول‏.‏

وقوله في هذه الرواية ‏"‏ فقالت عائشة ونفست فيها ‏"‏ هو بكسر الفاء جملة حالية أي رغبت‏.‏

*3*باب مَا يَجُوزُ مِنْ شُرُوطِ الْمُكَاتَبِ وَمَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ

فِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يجوز من شروط المكاتب، ومن اشترط شرطا ليس في كتاب الله‏)‏ جمع في هذه الترجمة بين حكمين، وكأنه فسر الأول بالثاني، وأن ضابط الجواز ما كان في كتاب الله، وسيأتي في الشروط أن المراد بما ليس في كتاب الله ما خالف كتاب الله‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ المراد بكتاب الله هنا حكمه من كتابه أو سنة رسوله أو إجماع الأمة‏.‏

وقال ابن خزيمة‏:‏ ليس في كتاب الله أي ليس في حكم الله جوازه أو وجوبه، لا أن كل من شرط شرطا لم ينطق به الكتاب يبطل، لأنه قد يشترط في البيع الكفيل فلا يبطل الشرط، ويشترط في الثمن شروط من أوصافه أو من نجومه ونحو ذلك فلا يبطل‏.‏

وقال النووي‏:‏ قال العلماء الشروط في البيع أقسام، أحدها يقتضيه إطلاق العقد كشرط تسليمه، الثاني شرط فيه مصلحة كالرهن وهما جائزان اتفاقا، الثالث اشتراط العتق في العبد وهو جائز عند الجمهور لحديث عائشة وقصة بريرة، الرابع ما يزيد على مقتضى العقد ولا مصلحة فيه للمشتري كاستثناء منفعته فهو باطل‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏ ليس في كتاب الله ‏"‏ أي ليس مشروعا في كتاب الله تأصيلا ولا تفصيلا، ومعنى هذا أن من الأحكام ما يؤخذ تفصيله من كتاب الله كالوضوء، ومنها ما يؤخذ تأصيله دون تفصيله كالصلاة، ومنها ما أصل أصله كدلالة الكتاب على أصلية السنة والإجماع وكذلك القياس الصحيح، فكل ما يقتبس من هذه الأصول تفصيلا فهو مأخوذ من كتاب الله تأصيلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيه عن ابن عمر‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره ‏"‏ فيه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وكأنه أشار بذلك إلى حديث ابن عمر الآتي في الباب الذي يليه، وقد مضى بلفظ الاشتراط في ‏"‏ باب البيع والشراء مع النساء ‏"‏ من كتاب البيوع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لِأَهْلِهَا فَأَبَوْا وَقَالُوا إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لَنَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ قَالَ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن بريرة‏)‏ هي بفتح الموحدة بوزن فعيلة، مشتقة من البرير وهو ثمر الأراك‏.‏

وقيل إنها فعيلة من البر بمعنى مفعولة كمبرورة، أو بمعنى فاعلة كرحيمة، هكذا وجهه القرطبي‏.‏

والأول أولى لأنه صلى الله عليه وسلم غير اسم جويرية وكان اسمها برة وقال‏:‏ ‏"‏ لا تزكوا أنفسكم ‏"‏ فلو كانت بريرة من البر لشاركتها في ذلك‏.‏

وكانت بريرة لناس من الأنصار كما وقع عند أبي نعيم، وقيل لناس من بني هلال قاله ابن عبد البر، ويمكن الجمع‏.‏

وكانت تخدم عائشة قبل أن تعتق كما سيأتي في حديث الإفك، وعاشت إلى خلافة معاوية، وتفرست في عبد الملك بن مروان أنه يلي الخلافة فبشرته بذلك وروى هو ذلك عنها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت‏)‏ كذا في هذه الرواية، وهي نظير رواية مالك عن هشام بن عروة الآتية في الشروط بلفظ ‏"‏ إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت ‏"‏ وظاهره أن عائشة طلبت أن يكون الولاء لها إذا بذلت جميع مال المكاتبة‏.‏

ولم يقع ذلك إذ لو وقع ذلك لكان اللوم على عائشة بطلبها ولاء من أعتقها غيرها‏.‏

وقد رواه أبو أسامة عن هشام بلفظ يزيل الإشكال فقال بعد قوله‏:‏ ‏"‏ أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت‏"‏‏.‏

وكذلك رواه وهيب عن هشام، فعرف بذلك أنها أرادت أن تشتريها شراء صحيحا ثم تعتقها إذ العتق فرع ثبوت الملك، ويؤيده قوله في بقية حديث الزهري في هذا الباب ‏"‏ فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ابتاعي فأعتقي ‏"‏ وهو يفسر قوله في رواية مالك عن هشام ‏"‏ خذيها ‏"‏ ويوضح ذلك أيضا قوله في طريق أيمن الآتية ‏"‏ دخلت على بريرة وهي مكاتبة فقالت‏:‏ اشتريني وأعتقيني، قالت نعم ‏"‏ وقوله في حديث ابن عمر ‏"‏ أرادت عائشة أن تشتري جارية فتعتقها ‏"‏ وبهذا يتجه الإنكار على موالي بريرة، إذ وافقوا عائشة على بيعها ثم أرادوا أن يشترطوا أن يكون الولاء لهم، ويؤيده قوله في رواية أيمن المذكورة ‏"‏ قالت لا تبيعوني حني تشترطوا ولائي ‏"‏ وفي رواية الأسود الآتية في الفرائض عن عائشة ‏"‏ اشتريت بريرة لأعتقها، فاشترط أهلها ولاءها ‏"‏ وسيأتي قريبا في الهبة من طريق القاسم عن عائشة ‏"‏ أنها أرادت أن تشتري بريرة وأنهم اشترطوا ولاءها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ارجعي إلى أهلك‏)‏ المراد بالأهل هنا السادة، والأهل في الأصل الآل، وفي الشرع من تلزم نفقته على الأصح عند الشافعية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن شاءت أن تحتسب‏)‏ هو من الحسبة بكسر المهملة أي تحتسب الأجر عند الله ولا يكون لها ولاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية هشام ‏"‏ فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألني فأخبرته ‏"‏ وفي رواية مالك عن هشام ‏"‏ فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت‏:‏ إني عرضت عليهم فأبوا، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وفي رواية أيمن الآتية ‏"‏ فسمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو بلغه ‏"‏ زاد في الشروط من هذا الوجه فقال‏:‏ ‏"‏ ما شأن بريرة ‏"‏ ولمسلم من رواية أبي أسامة، ولابن خزيمة من رواية حماد بن سلمة كلاهما عن هشام ‏"‏ فجاءتني بريرة والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فقالت لي فيما بيني وبينها‏:‏ ما أراد أهلها، فقلت‏:‏ لاها الله إذا، ورفعت صوتي وانتهرتها، فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فسألني فأخبرته ‏"‏ لفظ ابن خزيمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابتاعي فأعتقي‏)‏ هو كقوله في حديث ابن عمر‏:‏ ‏"‏ لا يمنعك ذلك ‏"‏ وليس في ذلك شيء من الإشكال الذي وقع في رواية هشام الآتية في الباب الذي يليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن شرط‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ وإن اشترط‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مائة مرة‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ مائة شرط ‏"‏ وكذا هو في رواية هشام وأيمن، قال النووي‏:‏ معنى قوله‏:‏ ‏"‏ ولو اشترط مائة شرط ‏"‏ أنه لو شرط مائة مرة توكيدا فهو باطل، ويؤيده قوله في الرواية الأخيرة‏:‏ ‏"‏ إن شرط مائة مرة ‏"‏ وإنما حمله على التأكيد لأن العموم في قوله‏:‏ ‏"‏ كل شرط ‏"‏ وفي قوله‏:‏ ‏"‏ من اشترط شرطا ‏"‏ دال على بطلان جميع الشروط المذكورة فلا حاجة إلى تقييدها بالمائة فإنها لو زادت عليها كان الحكم كذلك لما دلت عليها الصيغة‏.‏

نعم الطريق الأخيرة من رواية أيمن عن عائشة بلفظ ‏"‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ الولاء لمن أعتق وإن اشترطوا مائة شرط ‏"‏ وإن احتمل التأكيد لكنه ظاهر في أن المراد به التعدد، وذكر المائة على سبيل المبالغة والله أعلم‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏ ولو كان مائة شرط ‏"‏ خرج مخرج التكثير، يعني أن الشروط الغير المشروعة باطلة ولو كثرت، ويستفاد منه أن الشروط المشروعة صحيحة وسيأتي التنصيص على ذلك في كتاب الشروط إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَرَادَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً لِتُعْتِقَهَا فَقَالَ أَهْلُهَا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكِ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ

الشرح‏:‏

قوله عن ابن عمر ‏(‏أرادت عائشة‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ عن يحيى بن يحيى النيسابوري عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عائشة ‏"‏ فصار من مسند عائشة، وأشار ابن عبد البر إلى تفرده عن مالك بذلك، وليس كذلك فقد أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن الربيع عن الشافعي عن مالك كذلك وكذا أخرجه البيهقي في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ من طريق الربيع، ويمكن أن يكون هنا ‏"‏ عن ‏"‏ لا يراد بها أداة الرواية بل في السياق شيء محذوف تقديره عن قصة عائشة في إرادتها شراء بريرة، وقد وقع نظير ذلك في قصة بريرة، ففي النسائي من طريق يزيد بن رومان ‏"‏ عن عروة عن بريرة أنها كان فيها ثلاث سنين ‏"‏ قال النسائي‏:‏ هذا خطأ والصواب رواية عروة عن عائشة‏.‏

قلت‏:‏ وإذا حمل على ما قررته لم يكن خطأ، بل المراد عن قصة بريرة، ولم يرد الرواية عنها نفسها‏.‏

وقد قررت هذه المسألة بنظائرها فيما كتبته على ابن الصلاح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يمنعك‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ لا يمنعنك ‏"‏ بنون التأكيد، والأول رواية مسلم‏.‏