فصل: باب الْإِزَارِ الْمُهَدَّبِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*2*كتاب اللباس

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب اللباس‏)‏ وقول الله تعالى ‏(‏قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده‏)‏ كذا للأكثر، وزاد ابن نعيم ‏(‏والطيبات من الرزق‏)‏ وللنسفي ‏"‏ قال الله تعالى ‏(‏قل من حرم زينة الله‏)‏ الآية ‏"‏ وكأنه أشار إلى سبب نزول الآية، وقد أخرجه الطبري من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏ كانت قريش تطوف بالبيت عراة يصفرون ويصفقون، فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏(‏قل من حرم زينة الله‏)‏ الآية ‏"‏ وسنده صحيح‏.‏

وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بأسانيد جياد عن أصحاب ابن عباس كمجاهد وعطاء وغيرهما نحوه، وكذا عن إبراهيم النخعي والسدي والزهري وقتادة وغيرهم أنها نزلت في طواف المشركين بالبيت وهم عراة‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن كثير عن طاوس في هذه الآية قال‏:‏ ‏"‏ لم يأمرهم بالحرير والديباج ولكن كانوا إذا طاف أحدهم وعليه ثيابه ضرب وانتزعت منه ‏"‏ يعني فنزلت‏.‏

وأخرج مسلم وأبو داود من حديث المسور بن مخرمة ‏"‏ سقط عني ثوبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ خذ عليك ثوبك، ولا تمشوا عراة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا، في غير إسراف ولا مخيلة‏)‏ ثبت هذا التعليق للمستملي والسرخسي فقط وسقط للباقين‏.‏

وهذا الحديث من الأحاديث التي لا توجد في البخاري إلا معلقة‏.‏

ولم يصله في مكان آخر، وقد وصله أبو داود الطيالسي والحارث بن أبي أسامة في مسنديهما من طريق همام بن يحيى عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ولم يقع الاستثناء في رواية الطيالسي، وذكره الحارث ولم يقع في روايته ‏"‏ وتصدقوا ‏"‏ وزاد في آخره ‏"‏ فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عباده، ووقع لنا موصولا أيضا في ‏"‏ كتاب الشكر ‏"‏ لأبن أبي الدنيا بتمامه‏.‏

وأخرج الترمذي في الفصل الأخير منه - وهي الزيادة المشار إليها - من طريق قتادة بهذا الإسناد، وهذا مصير من البخاري إلى تقوية شيخه عمرو بن شعيب، ولم أر في الصحيح إشارة إليها إلا في هذا الموضع‏.‏

وقد قلب هذا الإسناد بعض الرواة فصحف والد عمرو بن شعيب، وقوله‏:‏ ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ ذكر ابن أبي حاتم في ‏"‏ العلل ‏"‏ أنه سأل أباه عن حديث رواه أبو عبيدة الحداد عن همام عن قتادة عن عمرو بن سعيد عن أنس فذكر هذا الحديث فقال‏:‏ هذا خطأ، والصواب عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏.‏

ومناسبة ذكر هذا الحديث والأثر الذي بعده للآية طاهرة، لأن في التي قبلها ‏(‏كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين‏)‏ والإسراف مجاوزة الحد في كل فعل أو قول، وهو في الإنفاق أشهر، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏فلا يسرف في القتل‏)‏ والمخيلة بوزن عظيمة وهي بمعنى الخيلاء وهو التكبر‏.‏

وقال ابن التين هي بوزن مفعلة من اختال إذا تكبر قال والخيلاء بضم أوله وقد يكسر ممدودا التكبر‏.‏

وقال الراغب‏:‏ الخيلاء التكبر ينشأ عن فضيلة يتراءاها الإنسان من نفسه، والتخيل تصوير خيال الشيء في النفس، ووجه الحصر في الإسراف والمخيلة أن الممنوع من تناوله أكلا ولبسا وغيرهما إما لمعنى فيه وهو مجاوزة الحد وهو الإسراف‏.‏

وإما للتعبد كالحرير إن لم تثبت علة النهي عنه وهو الراجح، ومجاوزة الحد تتناول مخالفة ما ورد به الشرع فيدخل الحرام، وقد يستلزم الإسراف الكـبر وهو المخيلة قال الموفق عبد اللطيف البغدادي‏:‏ هذا الحديث جامع لفضائل تدبير الإنسان نفسه، وفيه تدبير مصالح النفس والجسد في الدنيا والآخرة، فإن السرف في كل شيء يضر بالحسد ويضر بالمعيشة فيؤدي إلى الإتلاف ويضر بالنفس إذ كانت تابعة للجسد في أكثر الأحوال، والمخيلة تضر بالنفس حيث تكسبها العجب وتضر بالآخرة حيث تكسب الإثم، وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ كل ما شئت واشرب ما شئت ما أخطأتك اثنتان‏:‏ سرف أو مخيلة‏)‏ وصله ابن أبي شيبة في مصنفه والدينوري في ‏"‏ المجالسة ‏"‏ من رواية ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس‏.‏

أما ابن أبي شيبة فذكره بلفظه‏.‏

وأما الدينوري فلم يذكر السرف‏.‏

وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه بلفظ ‏"‏ أحل الله الأكل والشرب ما لم يكن سرف أو مخيلة ‏"‏ وكذا أخرجه الطبري من رواية محمد بن ثور عن معمر به‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ ما أخطأتك ‏"‏ كذا للجميع بإثبات الهمزة بعد الطاء، وأورده ابن التين بحذفها قال‏:‏ والصواب إثباتها‏.‏

قال صاحب ‏"‏ الصحاح ‏"‏ أخطأت ولا تقل أخطيت‏.‏

وبعضهم يقوله‏.‏

ومعنى قوله ما أخطأتك أي تناول ما شئت من المباحات ما دامت كل خصلة من هاتين تجاوزك‏.‏

قال الكرماني ويحتمل أن تكون ‏"‏ ما ‏"‏ نافية أي لم يوقعك في الخطأ اثنتان‏.‏

قلت‏:‏ وفيه بعد، ورواية معمر ترده حيث قال‏:‏ ‏"‏ ما لم تكن سرف أو مخيلة ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ أو ‏"‏ قال الكرماني أتى بأو موضع الواو كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تطع منهم آثما أو كفورا‏)‏ على تقدير النفي، أي أن انتفاء الأمرين لازم فيه‏.‏

وحاصله أن اشتراط منع كل واحد منهما يستلزم اشتراط منعهما مجتمعين بطريق الأولى، قال ابن مالك‏:‏ هو جائز عند أمن اللبس كما قال الشاعر‏:‏ فقـالـوا لنـا ثنتـان لا بـد منهمـا صدور رماح أشرعت أو سلاسل

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ يُخْبِرُونَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إسماعيل‏)‏ هو ابن أبي أويس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم‏)‏ في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن نافع وعن عبد الله بن دينار وعن زيد بن أسلم بتكرير ‏"‏ عن ‏"‏ وعند الترمذي من رواية معن عن مالك ‏"‏ سمع كلهم يحدث ‏"‏ هكذا جمع مالك رواية الثلاثة، وقد روى داود بن قيس رواية زيد بن أسلم عنه بزيادة قصة قال‏:‏ ‏"‏ أرسلني أبي إلى ابن عمر قلت‏:‏ أدخل‏؟‏ فعرف صوتي فقال‏:‏ أي بني إذا جئت إلى قوم فقل‏:‏ السلام عليكم، فإن ردوا عليك فقل أدخل ‏"‏‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ ثم رأى ابنه وقد انجر إزاره فقال‏:‏ ارفع إزارك فقد سمعت ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

وأخرجه أحمد والحميدي جميعا عن سفيان بن عيينة عن زيد نحوه، ساقه الحميدي، واختصره أحمد، وسميا الابن عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر‏.‏

وأخرجه أحمد أيضا من طريق معمر عن زيد بن أسلم ‏"‏ سمعت ابن عمر ‏"‏ فذكره بدون هذه القصة، وزاد قصة أبي بكر المذكورة في الباب الذي بعده، وقصة أخرى لابن عمر تأتي الإشارة إليها بعد بابين، وحديث نافع أخرجه مسلم من رواية أيوب والليث وأسامة بن زيد كلهم عن نافع قال مثل حديث مالك وزادوا فيه ‏"‏ يوم القيامة‏"‏‏.‏

وقلت‏:‏ وهذه الزيادة ثابتة عند رواة ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن مالك أيضا، وأخرجها أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق القعنبي‏.‏

وأخرج الترمذي والنسائي الحديث من طريق أيوب عن نافع وفيه زيادة تتعلق بذيول النساء، وحديث عبد الله بن دينار أخرجه أحمد من طريق عبد العزيز بن مسلم عنه وفيه ‏"‏ يوم القيامة ‏"‏ وكذا في رواية سالم وغير واحد عن ابن عمر كما سيأتي في الباب الذي بعده‏.‏

*3*باب مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ مِنْ غَيْرِ خُيَلَاءَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من جر إزاره من غير خيلاء‏)‏ أي فهو مستثنى من الوعيد المذكور، لكن إن كان لعذر فلا حرج عليه، وإن كان لغير عذر فيأتي البحث فيه‏.‏

وقد سقطت هذه الترجمة لابن بطال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏زهير بن معاوية‏)‏ هو أبو خيثمة الجعفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من جر ثوبه‏)‏ سيأتي شرحه بعد ثلاثة أبواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال أبو بكر‏)‏ هو الصديق ‏(‏إن أحد شقي إزاري‏)‏ كذا بالتثنية للنسفي والكشميهني، ولغيرهما ‏"‏ شق ‏"‏ بالإفراد، والشق بكسر المعجمة الجانب ويطلق أيضا على النصف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يسترخي‏)‏ بالخاء المعجمة، وكان سبب استرخائه نحافة جسم أبي بكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا أن أتعاهد ذلك منه‏)‏ أي يسترخي إذا غفلت عنه، ووقع في رواية معمر عن زيد بن أسلم عند أحمد ‏"‏ إن إزاري يسترخي أحيانا ‏"‏ فكأن شده كان ينحل إذا تحرك بمشي أو غيره بغير اختياره، فإذا كان محافظا عليه لا يسترخي لأنه كلما كاد يسترخي شده‏.‏

وأخرج ابن سعد من طريق طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن عائشة قالت‏:‏ ‏"‏ كان أبو بكر أحنى لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه ‏"‏ ومن طريق قيس بن أبي حازم قال‏:‏ ‏"‏ دخلت على أبي بكر وكان رجلا نحيفا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لست ممن يصنعه خيلاء‏)‏ في رواية زيد بن أسلم ‏"‏ لست منهم ‏"‏ وفيه أنه لا حرج على من انجر إزاره بغير قصده مطلقا، وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه كان يكره جر الإزار على كل حال فقال ابن بطال هو من تشديداته، وإلا فقد روى هو حديث الباب فلم يخف عليه الحكم‏.‏

قلت‏:‏ بل كراهة ابن عمر محمولة على من قصد ذلك سواء كان عن مخيلة أم لا، وهو المطابق لروايته المذكورة، ولا يظن بابن عمر أنه يؤاخذ من لم يقصد شيئا وإنما يريد بالكراهة من انجر إزاره بغير اختياره ثم تمادى على ذلك ولم يتداركه وهذا متفق عليه، وإن اختلفوا هل الكراهة فيه للتحريم أو للتنزيه‏.‏

وفي الحديث اعتبار أحوال الأشخاص في الأحكام باختلافها، وهو أصل مطرد غالبا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ وَنَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلاً حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ وَثَابَ النَّاسُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَجُلِّيَ عَنْهَا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا وَقَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئاً فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يَكْشِفَهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني محمد‏)‏ لم أره منسوبا لأحد من الرواة، وأغفلت التنبيه على هذا الموضع بخصوصه في المقدمة، وقد صرح ابن السكن في موضعين غير هذا بأن محمدا الراوي عن عبد الأعلى هو ابن سلام، فيحمل هذا أيضا على ذلك‏.‏

وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن المثنى عن عبد الأعلى فيحتمل أن يكون هو المراد هنا والله أعلم‏.‏

وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى السامي بالمهملة البصري بالموحدة، ويونس هو ابن عبيد، والحسن هو البصري، وقد تقدم الحديث في صلاة الكسوف مع شرحه، والغرض منه هنا قوله‏:‏ ‏"‏ فقام يجر ثوبه مستعجلا ‏"‏ فإن فيه أن الجر إذا كان بسبب الإسراع لا يدخل في النهي، فيشعر بأن النهي يختص بما كان للخيلاء، لكن لا حجة فيه لمن قصر النهي على ما كان للخيلاء حتى أجاز لبس القميص الذي ينجر على الأرض لطوله كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ وثاب الناس ‏"‏ بمثلثة ثم موحدة أي رجعوا إلى المسجد بعد أن كانوا خرجوا منه‏.‏

*3*باب التَّشْمِيرِ فِي الثِّيَابِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التشمر في الثياب‏)‏ هو بالشين المعجمة وتشديد الميم‏:‏ رفع أسفل الثوب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا ابْنُ شُمَيْلٍ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ أَخْبَرَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ فَرَأَيْتُ بِلَالاً جَاءَ بِعَنَزَةٍ فَرَكَزَهَا ثُمَّ أَقَامَ الصَّلَاةَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي حُلَّةٍ مُشَمِّراً فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ إِلَى الْعَنَزَةِ وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ وَرَاءِ الْعَنَزَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني إسحاق‏)‏ هو ابن راهويه جزم بذلك أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ وابن شميل هو النضر، وعمر بن أبي زائدة هو الهمداني بسكون الميم الكوفي أخو زكريا، واسم أبي زائدة خالد ويقال هبيرة، ولعمر في البخاري أحاديث يسيرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال فرأيت‏)‏ كذا للأكثر هو معطوف على جمل من الحديث، فإن أوله ‏"‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في قبة حمراء من أدم ‏"‏ الحديث، وفيه‏:‏ ‏"‏ ثم رأيت بلالا الخ ‏"‏ هكذا أخرجه المصنف في أوائل الصلاة عن محمد بن عرعرة عن عمر بن أبي زائدة، فلما اختصره أشار إلى أن المذكور ليس أول الحديث‏.‏

ووقع للكشميهني في أوله ‏"‏ رأيت ‏"‏ وكذا في رواية النسفي، وكذا أخرجه أبو نعيم من مسند إسحاق بن راهويه عن النضر، وأخرجه من وجه آخر عن إسحاق قال‏:‏ أخبرنا أبو عامر العقدي حدثنا عمر بن أبي زائدة ‏"‏ وذكر أن رواية إسحاق عن النضر لم يقع فيها قوله‏:‏ ‏"‏ مشمرا ‏"‏ ووقع في روايته عن أبي عامر، وقد وقعت في الباب عن إسحاق عن النضر فيحتمل أن يكون إسحاق هو ابن منصور، ولم يقع لفظ ‏"‏ مشمرا ‏"‏ للإسماعيلي فإنه أخرجه من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن عمه عمر بلفظ ‏"‏ فخرج النبي صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى وبيص ساقيه ‏"‏ ثم قال‏:‏ ورواه الثوري عن عون بن أبي جحيفة فقال في حديثه ‏"‏ كأني أنظر إلى بريق ساقيه ‏"‏ قال الإسماعيلي‏:‏ وهذا هو التشمير ويؤخذ منه أن النهي عن كف الثياب في الصلاة محله في غير ذيل الإزار، ويحتمل أن تكون هذه الصورة وقعت اتفاقا، فإنها كانت في حالة السفر وهو محل التشمير‏.‏

*3*باب مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ بالتنوين ‏(‏ما أسفل من الكعبين فهو في النار‏)‏ كذا أطلق في الترجمة لم يقيده بالإزار كما في الخبر إشارة إلى التعميم في الإزار والقميص وغيرهما، وكأنه أشار إلى لفظ حديث أبي سعيد، وقد أخرجه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه أبو عوانة وابن حبان كلهم من طريق العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي سعيد ورجاله رجال مسلم، وكأنه أعرض عنه لاختلاف فيه وقع على العلاء وعلى أبيه فرواه أكثر أصحاب العلاء عنه هكذا، وخالفهم زيد بن أبي أنيسة فقال‏:‏ ‏"‏ عن العلاء عن نعيم المجمر عن أبي عمر ‏"‏ أخرجه الطبراني، ورواه محمد بن عمرو ومحمد بن إبراهيم التيمي جميعا عن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبي هريرة أخرجه النسائي، وصحح الطريقين النسائي ورجح الدار قطني الأول‏.‏

وأخرج أبو داود والنسائي وصححه الحاكم من حديث أبي جري بالجيم والراء مصغر واسمه جابر بن سليم رفعه قال في أثناء حديث مرفوع ‏"‏ وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، إياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة ‏"‏ وأخرج النسائي وصحح الحاكم أيضا من حديث حذيفة بلفظ ‏"‏ الإزار إلى أنصاف الساقين، فإن أبيت فأسفل، فإن أبيت فمن وراء الساقين، ولا حق للكعبين في الإزار‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ في رواية الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة ‏"‏ سمعت سعيدا المقبري سمعت أبا هريرة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار‏)‏ ‏"‏ ما ‏"‏ موصولة وبعض الصلة محذوف وهو كان، وأسفل خبره، وهو منصوب ويجوز الرفع، أي ما هو أسفل وهو أفعل تفضيل، ويحتمل أن يكون فعلا ماضيا، ويجوز أن تكون ‏"‏ ما ‏"‏ نكرة موصوفة بأسفل، قال الخطابي‏:‏ يريد أن الموضع الذي يناله الإزار من أسفل الكعبين في النار، فكنى بالثوب عن بدن لابسه، ومعناه أن الذي دون الكعبين من القدم يعذب عقوبة، وحاصله أنه من تسمية الشيء باسم ما جاوره أو حل فيه، وتكون ‏"‏ من ‏"‏ بيانية، ويحتمل أن تكون سببية، ويكون المراد الشخص نفسه، أو المعنى ما أسفل من الكعبين من الذي يسامت الإزار في النار، أو التقدير لابس ما أسفل من الكعبين الخ، أو التقدير أن فعل ذلك محسوب في أفعال أهل النار‏.‏

أو فيه فقديم وتأخير أي ما أسفل من الإزار من الكعبين في النار، وكل هذا استبعاد ممن قاله لوقوع الإزار حقيقة في النار، وأصله ما أخرج عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي رواد ‏"‏ أن نافعا سئل عن ذلك فقال‏:‏ وما ذنب الثياب‏؟‏ بل هو من القدمين ‏"‏ ا هـ‏.‏

لكن أخرج الطبراني من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن ابن عمر قال‏:‏ ‏"‏ رآني النبي صلى الله عليه وسلم أسبلت إزاري فقال‏:‏ يا ابن عمر، كل شيء يمس الأرض من الثياب في النار ‏"‏ وأخرج الطبراني بسند حسن عن ابن مسعود أنه ‏"‏ رأى أعرابيا يصلي قد أسبل فقال‏:‏ المسبل في الصلاة ليس من الله في حل ولا حرام ‏"‏ ومثل هذا لا يقال بالرأي، فعلى هذا لا مانع من حمل الحديث على ظاهره، ويكون من وادي ‏(‏إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم‏)‏ ، أو يكون في الوعيد لما وقعت به المعصية إشارة إلى أن الذي يتعاطى المعصية أحق بذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في النار‏)‏ في رواية النسائي من طريق أبي يعقوب وهو عبد الرحمن بن يعقوب ‏"‏ سمعت أبا هريرة يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار ‏"‏ بزيادة فاء، وكأنها دخلت لتضمين ما معنى الشرط أي ما دون الكعبين من قدم صاحب الإزار المسبل فهو في النار عقوبة له على فعله، وللطبراني من حديث ابن عباس رفعه ‏"‏ كل شيء جاوز الكعبين من الإزار في النار ‏"‏ وله من حديث عبد الله بن مغفل رفعه ‏"‏ أزرة المؤمن إلى أنصاف الساقين، وليس عليه حرج فيما بينه وبين الكعبين، وما أسفل من ذلك ففي النار ‏"‏ وهذا الإطلاق محمول على ما ورد من قيد الخيلاء، فهو الذي ورد فيه الوعيد بالاتفاق، وأما مجرد الإسبال فسيأتي البحث فيه في الباب الذي يليه، ويستثنى من إسبال الإزار مطلقا ما أسبله لضرورة كمن يكون بكعبيه جرح مثلا يؤذيه الذباب مثلا إن لم يستره بإزاره حيث لا يجد غيره، نبه على ذلك شيخنا في ‏"‏ شرح الترمذي ‏"‏ واستدل على ذلك بإذنه صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف في لبس القميص الحرير من أجل الحكة‏.‏

والجامع بينهما جواز تعاطي ما نهي عنه من أجل الضرورة، كما يجوز كشف العورة للتداوي، ويستثنى أيضا من الوعيد في ذلك النساء كما سيأتي البحث فيه في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من جر ثوبه من الخيلاء‏)‏ أي بسبب الخيلاء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَراً

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة بلفظ ‏"‏ لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا ‏"‏ ومثله لأبي داود والنسائي في حديث أبي سعيد المذكور قريبا‏.‏

والبطر بموحدة ومهملة مفتوحتين قال عياض‏:‏ جاء في الرواية ‏"‏ بطرا ‏"‏ بفتح الطاء على المصدر وبكسرها على الحال من فاعل جر أي جره تكبرا وطغيانا، وأصل البطر الطغيان عند النعمة، واستعمل بمعنى التكبر‏.‏

وقال الراغب‏:‏ أصل البطر دهش يعتري المرء عند هجوم النعمة عن القيام بحقها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا ينظر الله‏)‏ أي لا يرحمه، فالنظر إذا أضيف إلى الله كان مجازا، وإذا أضيف إلى المخلوق كان كناية، ويحتمل أن يكون المراد لا ينظر الله إليه نظر رحمة‏.‏

وقال شيخنا في ‏"‏ شرح الترمذي ‏"‏ عبر عن المعنى الكائن عند النظر بالنظر لأن من نظر إلى متواضع رحمه ومن نظر إلى متكبر مقته، فالرحمة والمقت متسببان عن النظر‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ نسبة النظر لمن يجوز عليه النظر كناية، لأن من اعتد بالشخص التفت إليه، ثم كثر حتى صار عبارة عن الإحسان وإن لم يكن هناك نظر، ولمن لا يجوز عليه حقيقة النظر وهو تقليب الحدقة والله منزه عن ذلك، فهو بمنعى الإحسان مجاز عما وقع في حق غيره كناية، وقوله‏:‏ ‏"‏ يوم القيامة ‏"‏ إشارة إلى أنه محل الرحمة المستمرة، بخلاف رحمة الدنيا فإنها قد تنقطع بما يتجدد من الحوادث‏.‏

ويؤيد ما ذكر من حمل النظر على الرحمة أو المقت ما أخرجه الطبراني وأصله في أبي داود من حديث أبي جري ‏"‏ إن رجلا ممن كان قبلكم لبس بردة فتبختر فيها، فنظر الله إليه فمقته، فأمر الأرض فأخذته ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من‏)‏ يتناول الرجال والنساء في الوعيد المذكور على هذا الفعل المخصوص، وقد فهمت ذلك أم سلمة رضي الله عنها فأخرج النسائي والترمذي وصححه من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر متصلا بحديثه المذكور في الباب الأول ‏"‏ فقالت أم سلمة‏:‏ فكيف تصنع النساء بذيولهن‏؟‏ فقال‏:‏ يرخين شبرا، فقالت‏:‏ إذا تنكشف أقدامهن؛ قال‏:‏ فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه ‏"‏ لفظ الترمذي‏.‏

وقد عزا بعضهم هذه الزيادة لمسلم فوهم، فإنها ليست عنده، وكأن مسلما أعرض عن هذه الزيادة للاختلاف فيها على نافع، فقد أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق عبيد الله بن عمر عن سليمان بن يسار عن أم سلمة، وأخرجه أبو داود من طريق أبي بكر بن نافع والنسائي من طريق أيوب بن موسى ومحمد بن إسحاق ثلاثتهم عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن أم سلمة، وأخرجه النسائي من رواية يحيى بن أبي كثير عن نافع عن أم سلمة نفسها وفيه اختلافات أخرى، ومع ذلك فله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه أبو داود من رواية أبي الصديق عن ابن عمر قال‏:‏ ‏"‏ رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين شبرا، ثم استزدنه فزادهن شبرا، فكن يرسلن إلينا فنذرع لهن ذراعا ‏"‏ وأفادت هذه الرواية قدر الذراع المأذون فيه وأنه شبران بشبر اليد المعتدلة، ويستفاد من هذا الفهم التعقب على من قال‏:‏ إن الأحاديث المطلقة في الزجر عن الإسبال مقيدة بالأحاديث الأخرى المصرحة بمن فعله خيلاء، قال النووي‏:‏ ظواهر الأحاديث في تقييدها بالجر خيلاء يقتضي أن التحريم مختص بالخيلاء، ووجه التعقب أنه لو كان كذلك لما كان في استفسار أم سلمة عن حكم النساء في جر ذيولهن معنى، بل فهمت الزجر عن الإسبال مطلقا سواء كان عن مخيلة أم لا، فسألت عن حكم النساء في ذلك لاحتياجهن إلى الإسبال من أجل ستر العورة، لأن جميع قدمها عورة، فبين لها أن حكمهن في ذلك خارج عن حكم الرجال في هذا المعنى فقط وقد نقل عياض الإجماع على أن المنع في حق الرجال دون النساء، ومراده منع الإسبال لتقريره صلى الله عليه وسلم أم سلمة على فهمها‏.‏

إلا أنه بين لها أنه عام مخصوص لتفرقته في الجواب بين الرجال والنساء في الإسبال، وتبيينه القدر الذي يمنع ما بعده في حقهن كما بين ذلك في حق الرجال‏.‏

والحاصل أن للرجال حالين‏:‏ حال استحباب، وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق وحال جواز وهو إلى الكعبين‏.‏

وكذلك للنساء حالان حال استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الشبر وحال جواز بقدر ذراع‏.‏

ويؤيد هذا التفصيل في حق النساء ما أخرجه الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من طريق معتمر عن حميد عن أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم شبر لفاطمة من عقبها شبرا وقال‏:‏ هذا ذيل المرأة ‏"‏ وأخرجه أبو يعلى بلفظ ‏"‏ شبر من ذيلها شبرا أو شبرين وقال لا تزدن على هذا ‏"‏ ولم يسم فاطمة‏.‏

قال الطبراني‏:‏ تفرد به معتمر عن حميد‏.‏

قلت‏:‏ و ‏"‏ أو ‏"‏ شك من الراوي، والذي جزم بالشبر هو المعتمد، ويؤيده ما أخرجه الترمذي من حديث أم سلمة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم شبر لفاطمة شبرا ‏"‏ ويستنبط من سياق الأحاديث أن التقييد بالجر خرج للغالب، وأن البطر والتبختر مذموم ولو لمن شمر ثوبه، والذي يجتمع من الأدلة أن من قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه مستحضرا لها شاكرا عليها غير محتقر لمن ليس له مثله لا يضره ما لبس من المباحات، ولو كان في غاية النفاسة‏.‏

ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل‏:‏ إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، فقال‏.‏

إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ وغمط ‏"‏ بفتح المعجمة وسكون الميم ثم مهملة‏:‏ الاحتقار‏.‏

وأما ما أخرجه الطبري من حديث علي ‏"‏ إن الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك صاحبه ‏"‏ فيدخل في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏تلك الدر الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض‏)‏ الآية فقد جمع الطبري بينه وبين حديث ابن مسعود بأن حديث علي محمول على من أحب ذلك ليتعظم به على صاحبه، لا من أحب ذلك ابتهاجا بنعمة الله عليه، فقد أخرج الترمذي وحسنه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه ‏"‏ إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ‏"‏ وله شاهد عند أبي يعلى من حديث أبي سعيد‏.‏

وأخرج النسائي وأبو داود وصححه ابن حبان والحاكم من حديث أبي الأحوص عوف بن مالك الجشمي عن أبيه ‏"‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ورآه رث الثياب‏:‏ إذا آتاك الله مالا فلير أثره عليك ‏"‏ أي بأن يلبس ثيابا تليق بحاله من النفاسة والنظافة ليعرفه المحتاجون للطلب منه، مع مراعاة القصد وترك الإسراف جمعا بين الأدلة‏.‏

‏(‏تكمله‏)‏ ‏:‏ الرجل الذي أبهم في حديث ابن مسعود هو سواد بن عمرو الأنصاري، وأخرجه الطبري من طريقه، ووقع ذلك لجماعة غيره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال النبي صلى الله عليه وسلم، أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم‏)‏ شك من آدم شيخ البخاري، وقد أخرجه مسلم من رواية غندر وغيره عن شعبة فقالوا‏:‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وكذا أخرجه من رواية الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بينما رجل‏)‏ زاد مسلم من طريق أبي رافع عن أبي هريرة ‏"‏ ممن كان قبلكم ‏"‏ ومن ثم أخرجه البخاري في ذكر بني إسرائيل كما مضى، وخفي هذا على بعض الشراح، وقد أخرجه أحمد من حديث أبي سعيد وأبو يعلى من حديث أنس وفي روايتهما أيضا ‏"‏ ممن كان قبلكم ‏"‏ وبذلك جزم النووي، وأما ما أخرجه أبو يعلى من طريق كريب قال‏:‏ ‏"‏ كنت أقود ابن عباس فقال‏:‏ حدثني العباس قال‏:‏ بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل يتبختر بين ثوبين ‏"‏ الحديث فهو ظاهر في أنه وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فسنده ضعيف، والأول صحيح، ويحتمل التعدد، أو الجمع بأن المراد من كان قبـل المخاطبين بذلك كأبي هريرة، فقد أخرج أبو بكر بن أبي شيبة وأبو يعلى وأصله عند أحمد ومسلم ‏"‏ أن رجلا من قريش أتى أبا هريرة في حلة يتبختر فيها فقال‏:‏ يا أبا هريرة إنك تكثر الحديث، فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئا‏؟‏ فقال‏:‏ والله إنكم لتؤذوننا، ولولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ليبيننه للناس ولا يكتمونه ما حدثتكم بشيء، سمعت ‏"‏ فذكر الحديث وقال في آخره ‏"‏ فوالله ما أدري لعله كان من قومك ‏"‏ وذكر السهيلي في ‏"‏ مبهمات القرآن ‏"‏ في سورة والصافات عن الطبري أن اسم الرجل المذكور الهيزن وأنه من أعراب فارس‏.‏

قلت‏:‏ وهذا أخرجه الطبري في التاريخ من طريق ابن جريج عن شعيب الجياني وجزم الكلاباذي في ‏"‏ معاني الأخبار ‏"‏ بأنه قارون، وكذا ذكر الجوهري في ‏"‏ الصحاح ‏"‏ وكأن المستند في ذلك ما أخرجه الحارث بن أبي أسامة من حديث أبي هريرة وابن عباس بسند ضعيف جدا قالا ‏"‏ خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكر الحديث الطويل وفيه ‏"‏ ومن لبس ثوبا فاختال فيه خسف به من شفير جهنم فيتجلجل فيها ‏"‏ لأن قارون لبس حلة فاختال فيها فخسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة‏.‏

وروى الطبري في التاريخ من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال‏:‏ ‏"‏ ذكر لنا أنه يخسف بقارون كل يوم قامة، وأنه يتجلجل فيها لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يمشي في حلة‏)‏ الحلة ثوبان أحدهما فوق الآخر، وقيل‏:‏ إزار ورداء وهو الأشهر، ووقع في رواية الأعرج وهمام جميعا عن أبي هريرة عند مسلم ‏"‏ بينما رجل يتبختر في برديه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تعجبه نفسه‏)‏ في رواية الربيع بن مسلم ‏"‏ فأعجبته جمته وبرداه ‏"‏ ومثله لأحمد في رواية أبي رافع، وفي حديث ابن عمر ‏"‏ بينا رجل يجر إزاره ‏"‏ هكذا هنا، وتقدم في أواخر ذكر بني إسرائيل بزيادة ‏"‏ من الخيلاء ‏"‏ والاقتصار على الإزار لا يدفع وجود الرداء، وإنما خص الإزار بالذكر لأنه هو الذي يظهر به الخيلاء غالبا‏.‏

ووقع في حديث أبي سعيد عند أحمد وأنس عند أبي يعلى ‏"‏ خرج في بردين يختال فيهما ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ إعجاب المرء بنفسه هو ملاحظته لها بعين الكمال مع نسيان نعمة الله، فإن احتقر غيره مع ذلك فهو الكبر المذموم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مرجل‏)‏ بتشديد الجيم ‏(‏جمته‏)‏ بضم الجيم وتشديد الميم هي مجتمع الشعر إذا تدلى من الرأس إلى المنكبين وإلى أكثر من ذلك، وأما الذي لا يتجاوز الأذنين فهو الوفرة، وترجيل الشعر تسريحه ودهنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذ خسف الله به‏)‏ في رواية الأعرج ‏"‏ فخسف الله به الأرض ‏"‏ والأول أظهر في سرعة وقوع ذلك به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهو يتجلجل إلى يوم القيامة‏)‏ في حديث ابن عمر ‏"‏ فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ‏"‏ وفي رواية الربيع بن مسلم عند مسلم ‏"‏ فهو يتجلجل في الأرض حتى تقوم الساعة ‏"‏ ومثله في رواية أبي رافع، ووقع في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد ‏"‏ حتى يوم القيامة ‏"‏ والتجلجل بجيمين التحرك، وقيل‏:‏ الجلجلة الحركة مع صوت‏.‏

وقال ابن دريد‏:‏ كل شيء خلطت بعضه ببعض فقد جلجلته‏.‏

وقال ابن فارس‏:‏ التجلجل أن يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد ويندفع من شق إلى شق، فالمعنى يتجلجل في الأرض أي ينزل فيها مضطربا متدافعا‏.‏

وحكى عياض أنه روي ‏"‏ يتجلل ‏"‏ بجيم واحدة ولام ثقيلة وهو بمعنى يتغطى، أي تغطيه الأرض‏.‏

وحكى عن بعض الروايات أيضا ‏"‏ يتخلخل ‏"‏ بخاءين معجمتين واستبعدها إلا أن يكون من قولهم خلخلت العظم إذا أخذت ما عليه من اللحم، وجاء في غير الصحيحين ‏"‏ يتخلخل ‏"‏ بحاءين مهملتين‏.‏

قلت‏:‏ والكل تصحيف إلا الأول، ومقتضى هذا الحديث أن الأرض لا تأكل جسد هذا الرجل فيمكن أن يلغز به فيقال‏:‏ كافر لا يبلى جسده بعد الموت‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ إِذْ خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلَّلُ فِي الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَابَعَهُ يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ يَرْفَعْهُ شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ عَمِّهِ جَرِيرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى بَابِ دَارِهِ فَقَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهو يتجلجل إلى يوم القيامة‏)‏ في حديث ابن عمر ‏"‏ فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ‏"‏ وفي رواية الربيع بن مسلم عند مسلم ‏"‏ فهو يتجلجل في الأرض حتى تقوم الساعة ‏"‏ ومثله في رواية أبي رافع، ووقع في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد ‏"‏ حتى يوم القيامة ‏"‏ والتجلجل بجيمين التحرك، وقيل‏:‏ الجلجلة الحركة مع صوت‏.‏

وقال ابن دريد‏:‏ كل شيء خلطت بعضه ببعض فقد جلجلته‏.‏

وقال ابن فارس‏:‏ التجلجل أن يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد ويندفع من شق إلى شق، فالمعنى يتجلجل في الأرض أي ينزل فيها مضطربا متدافعا‏.‏

وحكى عياض أنه روي ‏"‏ يتجلل ‏"‏ بجيم واحدة ولام ثقيلة وهو بمعنى يتغطى، أي تغطيه الأرض‏.‏

وحكى عن بعض الروايات أيضا ‏"‏ يتخلخل ‏"‏ بخاءين معجمتين واستبعدها إلا أن يكون من قولهم خلخلت العظم إذا أخذت ما عليه من اللحم، وجاء في غير الصحيحين ‏"‏ يتخلخل ‏"‏ بحاءين مهملتين‏.‏

قلت‏:‏ والكل تصحيف إلا الأول، ومقتضى هذا الحديث أن الأرض لا تأكل جسد هذا الرجل فيمكن أن يلغز به فيقال‏:‏ كافر لا يبلى جسده بعد الموت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه يونس‏)‏ يعني ابن يزيد ‏(‏عن الزهري‏)‏ وروايته تقدمت موصولة في أواخر ذكر بني إسرائيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يرفعه شعيب عن الزهري‏)‏ وصله الإسماعيلي من طريق أبي اليمان عنه بتمامه ولفظه ‏"‏ جر إزاره مسبلا من الخيلاء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهب بن جرير حدثنا أبي‏)‏ هو جرير بن أبي حازم بن زيد الأزدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمه جرير بن زيد‏)‏ هو أبو سلمة البصري قاله أبو حاتم الرازي، وليس لجرير بن زيد في البخاري سوى هذا الحديث، وقد خالف فيه الزهري فقال عن سالم عن أبي هريرة والزهري يقول ‏"‏ عن سالم عن أبيه ‏"‏ لكن قوى عند البخاري أنه عن سالم عن أبيه وعن أبي هريرة معا لشدة إتقان الزهري ومعرفته بحديث سالم ولقول جرير بن زيد في روايته ‏"‏ كنت مع سالم على باب داره فقال‏:‏ سمعت أبا هريرة ‏"‏ فإنها قرينة في أنه حفظ ذلك عنه‏.‏

ووقع عند أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق علي بن سعيد عن وهب بن جرير ‏"‏ فمر به شاب من قريش يجر إزاره فقال‏:‏ حدثنا أبو هريرة ‏"‏ وهذا أيضا مما يقوي أن جرير بن زيد ضبطه، لأن مثل هذه القصة لأبي هريرة قد رواها أبو رافع عنه كما قدمت أن مسلما أخرجها كذلك، وقد أخرجه النسائي في الزينة من ‏"‏ السنن ‏"‏ من رواية علي بن المديني عن وهب بن جرير بهذا السند فقال في روايته ‏"‏ عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة ‏"‏ وأورده ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن عمر عن أبي هريرة، وهو وهم نبه عليه المزي، وكأنه وقع في نسخته تصحيف ‏"‏ ابن عبد الله ‏"‏ فصارت عن عبد الله بن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمع النبي صلى الله عليه وسلم نحوه‏)‏ في رواية أبي نعيم المذكورة ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينما رجل يتبختر في حلة تعجبه نفسه خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ لَقِيتُ مُحَارِبَ بْنَ دِثَارٍ عَلَى فَرَسٍ وَهُوَ يَأْتِي مَكَانَهُ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِي فَقَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مَخِيلَةً لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقُلْتُ لِمُحَارِبٍ أَذَكَرَ إِزَارَهُ قَالَ مَا خَصَّ إِزَاراً وَلَا قَمِيصاً تَابَعَهُ جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَزَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ وَتَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَعُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَقُدَامَةُ بْنُ مُوسَى عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏محارب‏)‏ بالمهملة والموحدة وزن مقاتل، ودثار بكسر المهملة وتخفيف المثلثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مكانه الذي يقضي فيه‏)‏ كان محارب قد ولي قضاء الكوفة، قال عبد الله بن إدريس الأودي عن أبيه ‏"‏ رأيت الحكم وحمادا في مجلس قضائه ‏"‏ وقال سماك بن حرب ‏"‏ كان أهل الجاهلية إذا كان في الرجل ست خصال سودوه‏:‏ الحلم والعقل والسخاء والشجاعة والبيان والتواضع، ولا يكملن في الإسلام إلا بالعفاف، وقد اجتمعن في هذا الرجل ‏"‏ يعني محارب بن دثار‏.‏

وقال الداودي‏:‏ لعل ركوبه الفرس كان ليغيظ به الكفار ويرهب به العدو‏.‏

وتعقبه ابن التين بأن ركوب الخيل جائز فلا معنى للاعتذار عنه‏.‏

قلت‏:‏ لكن المشي أقرب إلى التواضع، ويحتمل أن منزله كان بعيدا عن منزل حكمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقلت لمحارب‏:‏ أذكر إزاره‏؟‏ قال‏:‏ ما خص إزارا ولا قميصا‏)‏ كان سبب سؤال شعبة عن الإزار أن أكثر الطرق جاءت بلفظ الإزار، وجواب محارب حاصله أن التعبير بالثوب يشمل الإزار وغيره، وقد جاء التصريح بما اقتضاه ذلك، فأخرج أصحاب السنن إلا الترمذي واستغربه ابن أبي شيبة من طريق عبد العزيز بن أبي داود عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر منها شيئا خيلاء ‏"‏ الحديث كحديث الباب‏.‏

وعبد العزيز فيه مقال‏.‏

وقد أخرج أبو داود من رواية يزيد بن أبي سمية عن ابن عمر قال‏:‏ ‏"‏ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص ‏"‏ وقال الطبري‏:‏ إنما ورد الخبر بلفظ الإزار لأن أكثر الناس في عهده كانوا يلبسون الإزار والأردية، فلما لبس الناس القميص والدراريع كان حكمها حكم الإزار في النهي‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ هذا قياس صحيح لو لم يأت النص بالثوب، فإنه يشمل جميع ذلك، وفي تصوير جر العمامة نظر، إلا أن يكون المراد ما جرت به عادة العرب من إرخاء العذبات، فمهما زاد على العادة في ذلك كان من الإسبال‏.‏

وقد أخرج النسائي من حديث جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه قال ‏"‏ كأني أنظر الساعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة قد أرخى طرفها بين كتفيه ‏"‏ وهل يدخل في الزجر عن جر الثوب تطويل أكمام القميص ونحوه‏؟‏ محل نظر، والذي يظهر أن من أطالها حتى خرج عن العادة كما يفعله بعض الحجازيين دخل في ذلك‏.‏

قال شيخنا في ‏"‏ شرح الترمذي ‏"‏ ما مس الأرض منها خيلاء لا شك في تحريمه‏.‏

قال‏:‏ ولو قيل بتحريم ما زاد على المعتاد لم يكن بعيدا، ولكن حدث للناس اصطلاح بتطويلها، وصار لكل نوع من الناس شعار يعرفون به، ومهما كان من ذلك على سبيل الخيلاء فلا شك في تحريمه، وما كان على طريق العادة فلا تحريم فيه ما لم يصل إلى جر الذيل الممنوع‏.‏

ونقل عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد على العادة وعلى المعتاد في اللباس من الطول والسعة‏.‏

قلت‏:‏ وسأذكر البحث فيه قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه جبلة‏)‏ بفتح الجيم والموحدة ‏(‏ابن سحيم‏)‏ بمهملتين مصغر، وقد وصل روايته النسائي من طريق شعبة عنه عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ من جر ثوبا من ثيابه من مخيلة فإن الله لا ينظر إليه ‏"‏ وأخرجه مسلم من طريق شعبة عن محارب بن دثار وجبلة بن سحيم جميعا عن ابن عمر ولم يسق لفظه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزيد بن أسلم‏)‏ تقدم الكلام عليه في أول اللباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزيد بن عبد الله‏)‏ أي ابن عمر يعني تابعوا محارب بن دثار في روايته عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ الثوب ‏"‏ لا بلفظ الإزار، جزم بذلك الإسماعيلي، ولم تقع لي رواية زيد موصولة بعد‏.‏

وقد أخرج أبو عوانة هذا الحديث من رواية ابن وهب عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله عن أبيه بلفظ ‏"‏ إن الذي يجر ثيابه من الخيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة ‏"‏ وسيأتي لمسلم مقرونا بسالم ونافع‏.‏

وأخرج البخاري من رواية ابن وهب عن عمر بن محمد بن زيد عن جده حديثا آخر‏.‏

فلعل مراده بقوله هنا عن أبيه جده والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الليث عن نافع يعني عن ابن عمر مثله‏)‏ وصله مسلم عن قتيبة عنه، ولم يسق لفظه بل قال مثل حديث مالك، وأخرجه النسائي عن قتيبة فذكره بلفظ الثوب، وكذا أخرجه من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتابعه موسى بن عقبة وعمر بن محمد وقدامة بن موسى عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من جر ثوبه خيلاء‏)‏ أما رواية موسى بن عقبة فتقدمت في أول الباب الثاني من كتاب اللباس، وأما رواية عمر بن محمد وهو ابن زيد بن عبد الله بن عمر فوصلها مسلم من طريق ابن وهب ‏"‏ أخبرني عمر بن محمد عن أبيه وسالم ونافع عن ابن عمر ‏"‏ بلفظ ‏"‏ الذي يجر ثيابه من المخيلة ‏"‏ الحديث‏.‏

وأما رواية قدامة بن موسى وهو ابن عمر بن قدامة بن مظعون الجمحي وهو مدني تابعي صغير وكان إمام المسجد النبوي وليس له في البخاري سوى هذا الموضع فوصلها أبو عوانة في صحيحه، ووقعت لنا بعلو في ‏"‏ الثقفيات ‏"‏ بلفظ حديث مالك المذكور أول كتاب اللباس‏.‏

قلت‏:‏ وكذا أخرجه مسلم من رواية حنظلة بن أبي سفيان عن سالم، وقد رواه جماعة عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ من جر إزاره ‏"‏ منهم مسلم بن يناق بفتح التحتانية وتشديد النون وآخره قاف ومحمد بن عباد بن جعفر كلاهما عند مسلم وعطية العوفي عند ابن ماجه، ورواه آخرون بلفظ ‏"‏ الإزار ‏"‏ والرواية بلفظ ‏"‏ الثوب ‏"‏ أشمل والله أعلم‏.‏

وفي هذه الأحاديث أن إسبال الإزار للخيلاء كبيرة، وأما الإسبال لغير الخيلاء فظاهر الأحاديث تحريمه أيضا، لكن استدل بالتقييد في هذه الأحاديث بالخيلاء على أن الإطلاق في الزجر الوارد في ذم الإسبال محمول على المقيد هنا، فلا يحرم الجر والإسبال إذا سلم من الخيلاء‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ مفهومه أن الجر لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد، إلا أن جر القميص وغيره من الثياب مذموم على كل حال‏.‏

وقال النووي‏:‏ الإسبال تحت الكعبين للخيلاء، فإن كان لغيرها فهو مكروه، وهكذا نص الشافعي على الفرق بين الجر للخيلاء ولغير الخيلاء، قال‏:‏ والمستحب أن يكون الإزار إلى نصف الساق، والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين، وما نزل عن الكعبين ممنوع منع تحريم إن كان للخيلاء وإلا فمنع تنزيه، لأن الأحاديث الواردة في الزجر عن الإسبال مطلقة فيجب تقييدها بالإسبال للخيلاء انتهى‏.‏

والنص الذي أشار إليه ذكره البويطي في مختصره عن الشافعي قال‏:‏ لا يجوز السدل في الصلاة ولا في غيرها للخيلاء، ولغيرها خفيف لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ا هـ، وقوله‏:‏ ‏"‏ خفيف ‏"‏ ليس صريحا في نفي التحريم بل هو محمول على أن ذلك بالنسبة للجر خيلاء، فأما لغير الخيلاء فيختلف الحال، فإن كان الثوب على قدر لابسه لكنه يسدله فهذا لا يظهر فيه تحريم، ولا سيما إن كان عن غير قصد كالذي وقع لأبي بكر، وإن كان الثوب زائدا على قدر لابسه فهذا قد يتجه المنع فيه من جهة الإسراف فينتهي إلى التحريم، وقد يتجه المنع فيه من جهة التشبه بالنساء وهو أمكن فيه من الأول، وقد صحح الحاكم من حديث أبي هريرة ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الرجل يلبس لبسة المرأة ‏"‏ وقد يتجه المنع فيه من جهة أن لابسه لا يأمن من تعلق النجاسة به، وإلى ذلك يشير الحديث الذي أخرجه الترمذي في ‏"‏ الشمائل ‏"‏ والنسائي من طريق أشعث بن أبي الشعثاء - واسم أبيه سليم - المحاربي عن عمته واسمها رهم بضم الراء وسكون الهاء وهي بنت الأسود بن حنظلة عن عمها واسمه عبيد بن خالد قال‏:‏ ‏"‏ كنت أمشي وعلي برد أجره، فقال لي رجل‏:‏ ارفع ثوبك فإنه أنقى وأبقى، فنظرت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت‏:‏ إنما هي بردة ملحاء، فقال‏:‏ أما لك في أسوة‏؟‏ قال‏:‏ فنظرت فإذا إزاره إلى أنصاف ساقيه ‏"‏ وسنده قبلها جيد، وقوله‏:‏ ‏"‏ ملحاء ‏"‏ بفتح الميم وبمهملة قبلها سكون ممدودة أي فيها خطوط سود وبيض، وفي قصة قتل عمر أنه قال للشاب الذي دخل عليه ‏"‏ ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك ‏"‏ وقد تقدم في المناقب، ويتجه المنع أيضا في الإسبال من جهة أخرى وهي كونه مظنة الخيلاء، قال ابن العربي‏:‏ لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه، ويقول لا أجره خيلاء، لأن النهي قد تناوله لفظا، ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حكما أن يقول لا أمتثله لأن تلك العلة ليست في، فإنها دعوى غير مسلمة، بل إطالته ذيله دالة على تكبره ا هـ ملخصا‏.‏

وحاصله أن الإسبال يستلزم جر الثوب وجر الثوب يستلزم الخيلاء ولو لم يقصد اللابس الخيلاء، ويؤيده ما أخرجه أحمد بن منيع من وجه آخر عن ابن عمر في أثناء حديث رفعه ‏"‏ وإياك وجر الإزار فإن جر الإزار من المخيلة ‏"‏ وأخرج الطبراني من حديث أبي أمامة ‏"‏ بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة إزار ورداء قد أسبل، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله ويقول‏:‏ عبدك وابن عبدك وأمتك، حتى سمعها عمرو فقال‏:‏ يا رسول الله إني حمش الساقين، فقال‏:‏ يا عمرو إن الله قد أحسن كل شيء خلقه، يا عمرو إن الله لا يحب المسبل ‏"‏ الحديث‏.‏

وأخرجه أحمد من حديث عمرو نفسه لكن قال في روايته ‏"‏ عن عمرو بن فلان ‏"‏ وأخرجه الطبراني أيضا فقال‏:‏ ‏"‏ عن عمرو بن زرارة ‏"‏ وفيه ‏"‏ وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع أصابع تحت ركبة عمرو فقال‏:‏ يا عمرو هذا موضع الإزار، ثم ضرب بأربع أصابع تحت الأربع فقال‏:‏ يا عمرو هذا موضع الإزار ‏"‏ الحديث ورجاله ثقات وظاهره أن عمرا المذكور لم يقصد بإسباله الخيلاء، وقد منعه من ذلك لكونه مظنة‏.‏

وأخرج الطبراني من حديث الشريد الثقفي قال‏:‏ ‏"‏ أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا قد أسبل إزاره فقال‏:‏ ارفع إزارك، فقال‏:‏ إني أحنف تصطك ركبتاي، قال‏:‏ ارفع إزارك، فكل خلق الله حسن ‏"‏ وأخرجه مسدد وأبو بكر بن أبي شيبة من طرق عن رجل من ثقيف لم يسم، وفي آخره ‏"‏ ذاك أقبح مما بساقك ‏"‏ وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود بسند جيد ‏"‏ أنه كان يسبل إزاره، فقيل له في ذلك فقال‏:‏ إني حمش الساقين ‏"‏ فهو محمول على أنه أسبله زيادة على المستحب، وهو أن يكون إلى نصف الساق، ولا يظن به أنه جاوز به الكعبين والتعليل يرشد إليه، ومع ذلك فلعله لم تبلغه قصة عمرو بن زرارة والله أعلم‏.‏

وأخرج النسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان من حديث المغيرة بن شعبة ‏"‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ برداء سفيان بن سهيل وهو يقول‏:‏ يا سفيان لا تسبل، فإن الله لا يحب المسبلين‏"‏‏.‏

*3*باب الْإِزَارِ الْمُهَدَّبِ

وَيُذْكَرُ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَحَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُمْ لَبِسُوا ثِيَاباً مُهَدَّبَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الإزار المهدب‏)‏ بدال مهملة ثقيلة مفتوحة، أي الذي له هدب؛ وهي أطراف من سدي بغير لحمة ربما قصد بها التجمل، وقد تفتل صيانة لها من الفساد‏.‏

وقال الداودي‏:‏ هي ما يبقى من الخيوط من أطراف الأردية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن الزهري وأبي بكر بن محمد وحمزة بن أبي أسيد ومعاوية بن عبد الله بن جعفر أنهم لبسوا ثيابا مهدبة‏)‏ قال ابن التين‏:‏ قيل يريد أنها غير مكفوفة الأسفل، وهذه الآثار لم يقع لي أكثرها موصولا‏.‏

أما الزهري فهو ابن شهاب الإمام المعروف، وأما أبو بكر بن محمد فهو ابن عمرو بن حزم الأنصاري قاضي المدينة، وأما حمزة بن أبي أسيد وهو بالتصغير الأنصاري الساعدي فوصله ابن سعد قال‏:‏ ‏"‏ أخبرنا معن بن عيسى حدثنا سلمة بن ميمون مولى أبي أسيد قال‏:‏ رأيت حمزة بن أبي أسيد الساعدي عليه ثوب مفتول الهدب‏.‏

وسلمة هذا لم يزد للبخاري في ترجمته على ما في هذا السند‏.‏

وذكره ابن حبان في ‏"‏ الثقات‏"‏‏.‏

وأما معاوية بن عبد الله بن جعفر أي ابن أبي طالب فهو مدني تابعي ما له في البخاري سوى هذا الموضع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جَالِسَةٌ وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ تَحْتَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ جِلْبَابِهَا فَسَمِعَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ قَوْلَهَا وَهُوَ بِالْبَابِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ قَالَتْ فَقَالَ خَالِدٌ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَا تَنْهَى هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا وَاللَّهِ مَا يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّبَسُّمِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ فَصَارَ سُنَّةً بَعْدُ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة امرأة رفاعة، والغرض منه قولها‏:‏ ‏"‏ ما معه إلا مثل الهدبة ‏"‏ وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الطلاق، والمراد بالهدبة الخصلة من الهدب ووقع في هذا الباب حديث مرفوع أخرجه أبو داود من حديث أبي جري جابر بن سليم قال‏:‏ ‏"‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو محتب بشملة، وقد وقع هدبها على قدميه ‏"‏ وقوله في آخر هذه الطريق‏:‏ ‏"‏ فصار سنة بعده ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ بعد ‏"‏ بغير ضمير، وهو من قول الزهري فيما أحسب‏.‏