فصل: باب الْأَضْحَى وَالْمَنْحَرِ بِالْمُصَلَّى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*1*المجلد العاشر

*2*كتاب الأضاحي

*3*باب سُنَّةِ الْأُضْحِيَّةِ

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ هِيَ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كتاب الأضاحي باب سنة الأضحية‏)‏ كذا لأبي ذر والنسفي، ولغيرهما سنة الأضاحي، وهو جمع أضحية بضم الهمزة ويجوز كسرها ويجوز حذف الهمزة فتفتح الضاد والجمع ضحايا، وهي أضحاة، والجمع أضحى وبه سمي يوم الأضحى، وهو يذكر ويؤنث، وكأن تسميتها اشتقت من اسم الوقت الذي تشرع فيه، وكأنه ترجم بالسنة إشارة إلى مخالفة من قال بوجوبها، قال ابن حزم‏:‏ لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة، وصح أنها غير واجبة عن الجمهور، ولا خلاف في كونها من شرائع الدين، وهي عند الشافعية والجمهور سنة مؤكدة على الكفاية، وفي وجه للشافعية من فروض الكفاية، وعن أبي حنيفة تجب على المقيم الموسر، وعن مالك مثله في رواية لكن لم يقيد بالمقيم، ونقل عن الأوزاعي والليث مثله، وخالف أبو يوسف من الحنفية وأشهب من المالكية فوافقا الجمهور‏.‏

وقال أحمد‏:‏ يكره تركها مع القدرة، وعنه واجبة، وعن محمد بن الحسن هي سنة غير مرخص في تركها، قال الطحاوي وبه نأخذ، وليس في الآثار ما يدل على وجوبها ا هـ‏.‏

وأقرب ما يتمسك به للوجوب حديث أبي هريرة رفعه ‏"‏ من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا ‏"‏ أخرجه ابن ماجه وأحمد ورجاله ثقات، لكن اختلف في رفعه ووقفه، والموقوف أشبه بالصواب قاله الطحاوي وغيره، ومع ذلك فليس صريحا في الإيجاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عمر‏:‏ هي سنة ومعروف‏)‏ وصله حماد بن سلمة في مصنفه بسند جيد إلى ابن عمر، وللترمذي محسنا من طريق جبلة بن سحيم أن رجلا سأل ابن عمر عن الأضحية‏:‏ أهي واجبة‏؟‏ فقال‏:‏ ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بعده، قال الترمذي‏:‏ العمل على هذا عند أهل العلم أن الأضحية ليست بواجبة، وكأنه فهم من كون ابن عمر لم يقل في الجواب نعم أنه لا يقول بالوجوب، فإن الفعل المجرد لا يدل على ذلك، وكأنه أشار بقوله ‏"‏ والمسلمون ‏"‏ إلى أنها ليست من الخصائص، وكان ابن عمر حريصا على اتباع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك لم يصرح بعدم الوجوب، وقد احتج من قال بالوجوب بما ورد في حديث مخنف بن سليم رفعه ‏"‏ على أهل كل بيت أضحية ‏"‏ أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي، ولا حجة فيه لأن الصيغة ليست صريحة في الوجوب المطلق، وقد ذكر معها العتيرة، ولبست بواجبة عند من قال بوجوب الأضحية‏.‏

واستدل من قال بعدم الوجوب بحديث ابن عباس ‏"‏ كتب علي النحر ولم يكتب عليكم ‏"‏ وهو حديث ضعيف أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني والدار قطني وصححه الحاكم فذهل، وقد استوعبت طرقه ورجاله في ‏"‏ الخصائص ‏"‏ من تخريج أحاديث الرافعي، وسيأتي شيء من المباحث في وجوب الأضحية في الكلام على حديث البراء في حديث أبي بردة بن نيار بعد أبواب‏.‏

ثم ذكر المصنف حديث البراء وأنس في أمر من ذبح قبل الصلاة بالإعادة، وسيأتي شرحهما مستوفى بعد أبواب

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ الْإِيَامِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَقَدْ ذَبَحَ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً فَقَالَ اذْبَحْهَا وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ قَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ

الشرح‏:‏

قوله في حديث البراء ‏"‏ إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر ‏"‏ وقع في بعض الروايات ‏"‏ في يومنا هذا نصلي ‏"‏ بحذف ‏"‏ أن ‏"‏ وعليها شرح الكرماني فقال‏:‏ هو مثل ‏"‏ تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ‏"‏ وهو على تنزيل الفعل منزلة المصدر، والمراد بالسنة هنا في الحديثين معا الطريقة لا السنة بالاصطلاح التي تقابل الوجوب، والطريقة أعم من أن تكون للوجوب أو للندب، فإذا لم يقم دليل على الوجوب بقي الندب وهو وجه إيرادها في هذه الترجمة‏.‏

وقد استدل من قال بالوجوب بوقوع الأمر فيهما بالإعادة، وأجيب بأن المقصود بيان شرط الأضحية المشروعة، فهو كما لو قال لمن صلى راتبة الضحى مثلا قبل طلوع الشمس‏:‏ إذا طلعت الشمس فأعد صلاتك، وقوله في حديث البراء ‏"‏ وليس من النسك في شيء ‏"‏ النسك يطلق ويراد به الذبيحة ويستعمل في نوع خاص من الدماء المراقة، ويستعمل بمعنى العبادة وهو أعم يقال فلان ناسك أي عابد، وقد استعمل في حديث البراء بالمعنى الثالث وبالمعنى الأول أيضا في قوله في الطريق الأخرى ‏"‏ من نسك قبل الصلاة فلا نسك له ‏"‏ أي من ذبح قبل الصلاة فلا ذبح له أي لا يقع عن الأضحية، وقوله فيه ‏"‏ وقال مطرف ‏"‏ يعني ابن طريف بالطاء المهملة وزن عظيم، وعامر هو الشعبي، وقد تقدمت رواية مطرف موصولة في العيدين وتأتي أيضا بعد ثمانية أبواب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إسماعيل‏)‏ هو ابن علية، وأيوب هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين، والإسناد كله بصريون‏.‏

*3*باب قِسْمَةِ الْإِمَامِ الْأَضَاحِيَّ بَيْنَ النَّاسِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قسمة الإمام الأضاحي بين الناس‏)‏ أي بنفسه أو بأمره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ بَعْجَةَ الْجُهَنِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَارَتْ لِي جَذَعَةٌ قَالَ ضَحِّ بِهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏هشام‏)‏ هو الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن بعجة‏)‏ في رواية مسلم من طريق معاوية بن سلام عن يحيى أخبرني بعجة بن عبد الله، وهو بفتح الموحدة وسكون المهملة بعدها جيم، واسم جده بدر، وهو تابعي معروف ما له في البخاري إلا هذا الحديث، وقد أزالت رواية مسلم ما يخشى من تدليس يحيى بن أبي كثير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عقبة‏)‏ في رواية مسلم المذكورة أن عقبة بن عامر أخبره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قسم النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ضحايا‏)‏ سيأتي بعد أربعة أبواب أن عقبة هو الذي باشر القسمة، وتقدم في الشركة ‏"‏ باب وكالة الشريك للشريك في القسمة ‏"‏ وأورده فيه أيضا، وأشار إلى أن عقبة كان له في تلك الغنم نصيب باعتبار أنها كانت من الغنائم، وكذا كان للنبي صلى الله عليه وسلم فيها نصيب، ومع هذا فوكله في قسمتها وقدمت له هناك توجيها آخر، وهذا التوجيه أقوى منه‏.‏

قال ابن المنير يحتمل أن يكون المراد أنه أطلق عليها ضحايا باعتبار ما يئول إليه الأمر، ويحتمل أن يكون عينها للأضحية ثم قسمها بينهم ليحوز كل واحد نصيبه، فيؤخذ منه جواز قسمة لحم الأضحية بين الورثة ولا يكون ذلك بيعا، وهي مسألة خلاف للمالكية، قال‏:‏ وما أرى البخاري مع دقة نظره قصد بالترجمة إلا هذا، كذا قال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصارت لعقبة‏)‏ أي ابن عامر ‏(‏جذعة‏)‏ بفتح الجيم والذال المعجمة هو وصف لسن معين من بهيمة الأنعام، فمن الضأن ما أكمل السنة وهو قول الجمهور، وقيل دونها‏.‏

ثم اختلف في تقديره فقيل ابن ستة أشهر وقيل ثمانية وقيل عشرة، وحكى الترمذي عن وكيع أنه ابن ستة أشهر أو سبعة أشهر‏.‏

وعن ابن الأعرابي أن ابن الشابين يجذع لستة أشهر إلى سبعة وابن الهرمين يجذع لثمانية إلى عشرة، قال والضأن أسرع إجذاعا من المعز، وأما الجذع من المعز فهو ما دخل في السنة الثانية ومن البقر ما أكمل الثالثة ومن الإبل ما دخل في الخامسة، وسيأتي بيان المراد بها هنا قريبا، وأنها كانت من المعز بعد أربعة أبواب‏.‏

*3*باب الْأُضْحِيَّةِ لِلْمُسَافِرِ وَالنِّسَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الأضحية للمسافر والنساء‏)‏ فيه إشارة إلى خلاف من قال إن المسافر لا أضحية عليه، وقد تقدم نقله في أول الباب، وإشارة إلى خلاف من قال إن النساء لا أضحية عليهن، ويحتمل أن يشير إلى خلاف من منع من مباشرتهن التضحية، فقد جاء عن مالك كراهة مباشرة المرأة الحائض للتضحية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَحَاضَتْ بِسَرِفَ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ مَكَّةَ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ مَا لَكِ أَنَفِسْتِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ مَا هَذَا قَالُوا ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سفيان‏)‏ هو ابن عيينة، ولم يسمع مسدد من سفيان الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن القاسم‏)‏ في رواية علي بن عبد الله عن سفيان ‏"‏ سمعت عبد الرحمن بن القاسم ‏"‏ وتقدمت في كتاب الحيض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بسرف‏)‏ بفتح المهملة وكسر الراء مكان معروف خارج مكة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنفست‏)‏ ‏؟‏ قيده الأصيلي وغيره بضم النون أي حضت، ويجوز الفتح‏.‏

وقيل هو في الحيض بالفتح فقط وفي النفاس بالفتح والضم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر‏)‏ تقدم في الحج من وجه آخر عن عائشة أخصر من هذا، وتقدم شرحه مبينا هناك‏.‏

وقوله ‏"‏ضحى النبي صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بالبقر ‏"‏ ظاهر في أن الذبح المذكور كان على سبيل الأضحية، وحاول ابن التين تأويله ليوافق مذهبه فقال‏:‏ المراد أنه ذبحها وقت ذبح الأضحية وهو ضحى يوم النحر، قال‏:‏ وإن حمل على ظاهره فيكون تطوعا لا على أنها سنة الأضحية، كذا قال ولا يخفى بعده، واستدل به الجمهور على أن ضحية الرجل تجزي عنه وعن أهل بيته، وخالف في ذلك الحنفية، وادعى الطحاوي أنه مخصوص أو منسوخ ولم يأت لذلك بدليل، قال القرطبي‏:‏ لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كل واحدة من نسائه بأضحية مع تكرار سني الضحايا ومع تعددهن، والعادة تقضي بنقل ذلك لو وقع كما نقل غير ذلك من الجزئيات، ويؤيده ما أخرجه مالك وابن ماجه والترمذي وصححه من طريق عطاء بن يسار ‏"‏ سألت أبا أيوب‏:‏ كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال؛ كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون، حتى تناهى الناس كما ترى‏"‏‏.‏

*3*باب مَا يُشْتَهَى مِنْ اللَّحْمِ يَوْمَ النَّحْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يشتهى من اللحم يوم النحر‏)‏ أي اتباعا للعادة بالالتذاذ بأكل اللحم يوم العيد‏.‏

وقال الله تعالى ‏(‏ليذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام‏)‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ وَذَكَرَ جِيرَانَهُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَلَا أَدْرِي بَلَغَتْ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لَا ثُمَّ انْكَفَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كَبْشَيْنِ فَذَبَحَهُمَا وَقَامَ النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ فَتَوَزَّعُوهَا أَوْ قَالَ فَتَجَزَّعُوهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا صدقة‏)‏ هو ابن الفضل، وابن علية هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم‏.‏

قوله ‏(‏فقام رجل‏)‏ هو أبو بردة بن نيار كما في حديث البراء‏.‏

قوله ‏(‏إن هذا يوم يشتهى فيه اللحم‏)‏ في رواية داود بن أبي هند الشعبي عند مسلم ‏"‏ فقال يا رسول الله، إن هذا يوم اللحم فيه مكروه ‏"‏ وفي لفظ له ‏"‏ مقروم ‏"‏ وهو بسكون القاف، قال عياض رويناه في مسلم من طريق الفارسي والسجزي ‏"‏ مكروه ‏"‏ ومن طريق العذري ‏"‏ مقروم ‏"‏ وقد صوب بعضهم هذه الرواية الثانية وقال معناه يشتهى فيه اللحم يقال قرمت إلى اللحم وقرمته إذا اشتهيته فهو موافق للرواية الأخرى ‏"‏ إن هذا يوم يشتهى فيه اللحم ‏"‏ قال عياض‏:‏ وقال بعض شيوخنا صواب الرواية ‏"‏ اللحم فيه مكروه ‏"‏ بفتح الحاء وهو اشتهاء اللحم والمعنى ترك الذبح والتضحية وإبقاء أهله فيه بلا لحم حتى يشتهوه مكروه، قال وقال لي الأستاذ أبو عبد الله بن سليمان معناه ذبح ما لا يجزي في الأضحية مما هو لحم ا هـ، وبالغ ابن العربي فقال‏:‏ الرواية بسكون الحاء هنا غلط وإنما هو اللحم بالتحريك، يقال لحم الرجل بكسر الحاء يلحم بفتحها إذا كان يشتهي اللحم، وأما القرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏ فقال تكلف بعضهم ما لا يصح رواية أي اللحم بالتحريك ولا معنى وهو قول الآخر معنى المكروه أنه مخالف للسنة قال وهو كلام من لم يتأمل سياق الحديث فإن هذا التأويل لا يلائمه، إذ لا يستقيم أن يقول إن هذا اليوم اللحم فيه مخالف للسنة وإني عجلت لأطعم أهلي، قال‏:‏ وأقرب ما يتكلف لهذه الرواية أن معناه اللحم فيه مكروه التأخير فحذف لفظ التأخير لدلالة قوله عجلت‏.‏

وقال النووي‏:‏ ذكر الحافظ أبو موسى أن معناه هذا يوم طلب اللحم فيه مكروه شاق قال‏:‏ وهو معنى حسن قلت‏:‏ يعني طلبه من الناس كالصديق والجار، فاختار هو أن لا يحتاج أهله إلى ذلك فأغناهم بما ذبحه عن الطلب‏.‏

ووقع في رواية منصور عن الشعبي كما مضى في العيدين ‏"‏ وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، فأحببت أن تكون شاتي أول ما يذبح في بيتي ‏"‏ ويظهر لي أن بهذه الرواية يحصل الجمع بين الروايتين المتقدمتين، وأن وصفه اللحم بكونه مشتهى وبكونه مكروها لا تناقض فيه وإنما هو باعتبارين‏:‏ فمن حيث أن العادة جرت فيه بالذبائح فالنفس تتشوق له يكون مشتهى، ومن حيث توارد الجميع عليه حتى يكثر يصير ممولا فأطلقت عليه الكراهة لذلك، فحيث وصفه بكونه مشتهى أراد ابتداء حاله، وحيث وصفه بكونه مكروها أراد انتهاءه، ومن ثم استعجل بالذبح ليفوز بتحصيل الصفة الأولى عند أهله وجيرانه‏.‏

ووقع في رواية فراس عن الشعبي عند مسلم ‏"‏ فقال خالي‏:‏ يا رسول الله قد نكست عن ابن لي ‏"‏ وقد استشكل هذا، وظهر لي أن مراده أنه ضحى لأجله للمعنى الذي ذكره في أهله وجيرانه، فخص ولده بالذكر أنه أخص بذلك عنده حتى يستغني ولده بما عنده عن التشوف إلى ما عند غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وذكر جيرانه‏)‏ في رواية عاصم عند مسلم وإني عجلت فيه نسيكتي لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا أدري أبلغت الرخصة من سواه أم لا‏)‏ قد وقع في حديث البراء اختصاصه بذلك كما سيأتي بعد أبواب، ويأتي البحث فيه، كأن أنسا لم يسمع ذلك، وقد روى ابن عون عن الشعبي حديث البراء وعن ابن سيرين حديث أنس فكان إذا حدث حديث البراء يقف عند قوله ‏"‏ ولن تجزي عن أحد بعدك ‏"‏ ويحدث بقول أنس ‏"‏ لا أدري أبلغت الرخصة غيره أم لا ‏"‏ ولعله استشكل الخصوصية بذلك لما جاء من ثبوت ذلك لغير أبي بردة كما سيأتي بيانه قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم انكفأ‏)‏ مهموز أي مال يقال كفأت الإناء إذا أملته، والمراد أنه رجع عن مكان الخطبة إلى مكان الذبح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقام الناس‏)‏ كذا هنا، وفي الرواية الآتية في ‏"‏ باب من ذبح قبل الصلاة أعاد ‏"‏ فتمسك به ابن التين في أن من ذبح قبل الإمام لا يجزئه، وسيأتي البحث فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى غنيمة‏)‏ بغين معجمة ونون مصغر ‏(‏فتوزعوها أو قال فتجزعوها‏)‏ شك من الراوي، والأول بالزاي من التوزيع وهو التفرقة أي تفرقوها، والثاني بالجيم والزاي أيضا من الجزع وهو القطع أي اقتسموها حصصا، وليس المراد أنهم اقتسموها بعد الذبح فأخذ كل واحد قطعة من اللحم وإنما المراد أخذ حصة من الغنم، والقطعة تطلق على الحصة من كل شيء، فبهذا التقرير يكون المعنى واحدا وإن كان ظاهره في الأصل الاختلاف‏.‏

*3*باب مَنْ قَالَ الْأَضْحَى يَوْمُ النَّحْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من قال الأضحى يوم النحر‏)‏ قال ابن المنير أخذه من إضافة اليوم إلى النحر حيث قال ‏"‏ أليس يوم النحر ‏"‏ واللام للجنس فلا يبقى نحر إلا في ذلك اليوم، قال والجواب على مذهب الجماعة أن المراد النحر الكامل واللام تستعمل كثيرا للكمال كقوله ‏"‏ الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ واختصاص النحر باليوم العاشر قول حميد بن عبد الرحمن ومحمد بن سيرين وداود الظاهري، وعن سعيد بن جبير وأبي الشعثاء مثله إلا في منى فيجوز ثلاثة أيام، ويمكن أن يتمسك لذلك بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه ‏"‏ أمرت بيوم الأضحى عيدا جعله الله لهذه الأمة ‏"‏ الحديث صححه ابن حبان‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ التمسك بإضافة النحر إلى اليوم الأول ضعيف مع قوله تعالى ‏(‏ليذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام‏)‏ ويحتمل أن يكون أراد أن أيام النحر الأربعة أو الثلاثة لكل واحد منها اسم يخصه، فالأضحى هو اليوم العاشر والذي يليه يوم القر والذي يليه يوم النفر الأول والرابع يوم النفر الثاني‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ مراده أنه يوم تنحر فيه الأضاحي في جميع الأقطار، وقيل مراده لا ذبح إلا فيه خاصة، يعني كما تقدم نقله عمن قال به‏.‏

وزاد مالك‏:‏ ويذبح أيضا في يومين بعده‏.‏

وزاد الشافعي اليوم الرابع، قال وقيل يذبح عشرة أيام ولم يعزه لقائل، وقيل إلى آخر الشهر وهو عن عمر بن عبد العزيز وأبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وغيرهم‏.‏

وقال به ابن حزم متمسكا بعدم ورود نص بالتقييد‏.‏

وأخرج ما رواه ابن أبي شيبة من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار قالا عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، قال‏:‏ وهذا سند صحيح إليهما، لكنه مرسل فيلزم من يحتج بالمرسل أن يقول به‏.‏

قلت‏:‏ وسيأتي عن أبي أمامة ابن سهل في الباب الذي يليه شيء من ذلك، وبمثل قول مالك قال الثوري وأبو حنيفة وأحمد، وبمثل قول الشافعي قال الأوزاعي‏.‏

قال ابن بطال تبعا للطحاوي‏:‏ ولم ينقل عن الصحابة غير هذين القولين، وعن قتادة ستة أيام بعد العاشر‏.‏

وحجة الجمهور حيث جبير بن مطعم رفعه ‏"‏ فجاج منى منحر، وفي كل أيام التشريق ذبح ‏"‏ أخرجه أحمد لكن في سنده انقطاع، ووصله الدار قطني ورجاله ثقات، واتفقوا على أنها تشرع ليلا كما تشرع نهارا إلا رواية عن مالك وعن أحمد أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ قُلْنَا بَلَى قَالَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالاً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ أَلَا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ وَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ قَالَ صَدَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ مَرَّتَيْنِ

الشرح‏:‏

حديث محمد - وهو ابن سيرين - عن ابن أبي بكرة وهو عبد الرحمن وقد تقدم شرحه في العلم، وفي ‏"‏ باب الخطبة أيام منى ‏"‏ من كتاب الحج شيء منه، وكذا في تفسير براءة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاث متواليات إلى قوله ورجب مضر‏)‏ هذا هو الصواب وهو عدها من سنتين، ومنهم من عدها سنة واحدة فبدأ بالمحرم لكن الأول أليق ببيان المتوالية‏.‏

وشذ من أسقط رجبا وأبدله بشوال زاعما أنه بذلك تتوالى الأشهر الحرم وأن ذلك المراد بقوله تعالى ‏(‏فسيحوا في الأرض أربعة أشهر‏)‏ حكاه ابن التين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال وأحسبه‏)‏ هو ابن سيرين كأنه كان يشك في هذه اللفظة وقد ثبتت في رواية غيره‏.‏

وكذا قوله ‏"‏ فكان محمد إذا ذكره ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ذكر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يكون أوعى له من بعض من سمعه‏)‏ كذا للأكثر بالواو أي أكثر وعيا له وتفهما فيه، ووقع في رواية الأصيلي والمستملي ‏"‏ أرعى ‏"‏ بالراء من الرعاية ورجحها بعض الشراح‏.‏

وقال صاحب ‏"‏ المطالع ‏"‏‏:‏ هي وهم، وقوله ‏"‏قال ألا هل بلغت ‏"‏ القائل هو النبي صلى الله عليه وسلم وهو بقية الحديث، ولكن الراوي فصل بين قوله ‏"‏ بعض من سمعه ‏"‏ وبين قوله‏:‏ ‏"‏ ألا هل بلغت ‏"‏ بكلام ابن سيرين المذكور‏.‏

*3*باب الْأَضْحَى وَالْمَنْحَرِ بِالْمُصَلَّى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الأضحى والنحر بالمصلى‏)‏ قال ابن بطال هو سنة للإمام خاصة عند مالك، قال مالك فيما رواه ابن وهب‏:‏ إنما يفعل ذلك لئلا يذبح أحد قبله، زاد المهلب‏:‏ وليذبحوا بعده على يقين، وليتعلموا منه صفة الذبح‏.‏

وذكر فيه المؤلف حديث ابن عمر من وجهين‏:‏ أحدهما موقوف، والثاني مرفوع ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى ‏"‏ وهو اختلاف على نافع، وقيل بل المرفوع يدل على الموقوف لأن قوله في الموقوف كان في منحر النبي صلى الله عليه وسلم يريد به المصلى بدلالة الحديث المرفوع المصرح بذلك‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ هو مذهب مالك أن الإمام يبرز أضحيته للمصلى فيذبح هناك، وبالغ بعض أصحابه وهو أبو مصعب فقال‏:‏ من لم يفعل ذلك لم يؤتم به‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ قال أبو حنيفة ومالك لا يذبح حتى يذبح الإمام إن كان ممن يذبح، قال ولم أر له دليلا‏.‏

*3*باب فِي أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ وَيُذْكَرُ سَمِينَيْنِ

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ قَالَ كُنَّا نُسَمِّنُ الْأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب أضحية النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين‏)‏ أي لكل منهما قرنان معتدلان، والكبش فحل الضأن في أي سن كان، واختلف في ابتدائه فقيل إذا أثنى وقيل إذا أربع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر سمينين‏)‏ أي في صفة الكبشين، وهي في بعض طرق حديث أنس من رواية شعبة عن قتادة، أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق الحجاج بن محمد عن شعبة، وقد ساقه المصنف في الباب من طريق شعبة عنه وليس فيه ‏"‏ سمينين ‏"‏ وهو المحفوظ عن شعبة‏.‏

وله طريق أخرى أخرجها عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن عائشة أو عن أبي هريرة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين فذبح أحدهما عن محمد وآل محمد والآخر عن أمته من شهد لله بالتوحيد وله بالبلاغ ‏"‏ وقد أخرجه ابن ماجه من طريق عبد الرزاق لكن وقع في النسخة ‏"‏ ثمينين ‏"‏ بمثلثة أوله بدل السين والأول أولى، وابن عقيل المذكور في سنده مختلف فيه، وقد اختلف عليه في إسناده‏:‏ فقال زهير بن محمد وشريك وعبيد الله بن عمرو كلهم عنه عن علي بن الحسين عن أبي رافع، وخالفهم الثوري كما ترى‏.‏

ويحتمل أن يكون له في هذا الحديث طريقان، وليس في روايته في حديث أبي رافع لفظ ‏"‏ سمينين‏"‏‏.‏

وأخرج أبو داود من وجه آخر عن جابر ‏"‏ ذبح النبي صلى الله عليه وسلم كبشين أقرنين أملحين موجوءين‏"‏، قال‏:‏ الخطابي الموجوء - يعني بضم الجيم وبالهمز - منزوع الأنثيين، والوجاء الخصاء، وفيه جواز الخصي في الضحية، وقد كرهه بعض أهل العلم لنقص العضو، لكن ليس هذا عيبا لأن الخصاء يفيد اللحم طيبا وينفي عنه الزهومة وسوء الرائحة‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ حديث أبي سعيد يعني الذي أخرجه الترمذي بلفظ ‏"‏ ضحى بكبش فحل ‏"‏ أي كامل الخلقة لم تقطع أنثياه يرد رواية موجوءين، وتعقب باحتمال أن يكون ذلك وقع في وقتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال يحيى بن سعيد سمعت أبا أمامة بن سهل قال‏:‏ كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون‏)‏ وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن حنبل عن عباد بن العوام أخبرني يحيى بن سعيد وهو الأنصاري ولفظه ‏"‏ كان المسلمون يشتري أحدهم الأضحية فيسمنها ويذبحها في آخر ذي الحجة ‏"‏ قال أحمد‏:‏ هذا الحديث عجيب، قال ابن التين كان بعض المالكية يكره تسمين الأضحية لئلا يتشبه باليهود، وقول أبي أمامة أحق، قاله الداودي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين وأنا أضحي بكبشين‏)‏ هكذا في هذه الطريق، وقائل ذلك هو أنس بينه النسائي في روايته، وهذه الرواية مختصرة ورواية أبي قلابة المذكورة عقبها مبينة، لكن في هذه زيادة قول أنس أنه كان يضحي بكبشين للاتباع، وفيها أيضا إشعار بالمداومة على ذلك، فتمسك به من قال الضأن في الأضحية أفضل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ تَابَعَهُ وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ وَحَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ

الشرح‏:‏

قوله في رواية أبي قلابة ‏(‏إلى كبشين أقرنين أملحين فذبحهما بيده‏)‏ الأملح بالمهملة هو الذي فيه سواد وبياض والبياض أكثر، ويقال هو الأغبر وهو قول الأصمعي، وزاد الخطابي‏:‏ هو الأبيض الذي في خلل صوفه طبقات سود، ويقال الأبيض الخالص قاله ابن الأعرابي، وبه تمسك الشافعية في تفضيل الأبيض في الأضحية، وقيل الذي يعلوه حمرة، وقيل الذي ينظر في سواد ويمشي في سواد ويأكل في سواد ويبرك في سواد، أي أن مواضع هذه منه سود وما عدا ذلك أبيض، وحكى ذلك الماوردي عن عائشة وهو غريب، ولعله أراد الحديث الذي جاء عنها كذا لكن ليس فيه وصفه بالأملح، وسيأتي قريبا أن مسلما أخرجه فإن ثبت فلعله كان في مرة أخرى، واختلف في اختيار هذه الصفة‏:‏ فقيل لحسن منظره، وقيل لشحمه وكثرة لحمه، واستدل به على اختيار العدد في الأضحية، ومن ثم قال الشافعية أن الأضحية بسبع شياه أفضل من البعير لأن الدم المراق فيها أكثر والثواب يزيد بحسبه، وأن من أراد أن يضحي بأكثر من واحد يعجله وحكى الروياني من الشافعية استحباب التفريق على أيام النحر، قال النووي‏:‏ هذا أرفق بالمساكين لكنه خلاف السنة، كذا قال والحديث دال على اختيار التثنية، ولا يلزم منه أن من أراد أن يضحي بعدد فضحى أول يوم باثنين ثم فرق البقية على أيام النحر أن يكون مخالفا للسنة وفيه أن الذكر في الأضحية أفضل من الأنثى وهو قول أحمد، وعنه رواية أن الأنثى أولى، وحكى الرافعي فيه قولين عن الشافعي أحدهما عن نصه في البويطي الذكر لأن لحمه أطيب وهذا هو الأصح، والثاني أن الأنثى أولى، قال الرافعي وإنما يذكر ذلك في جزاء الصيد عند التقويم، والأنثى أكثر قيمة فلا تفدى بالذكر، أو أراد الأنثى التي لم تلد‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ الأصح أفضلية الذكور على الإناث في الضحايا وقيل هما سواء، وفيه استحباب التضحية بالأقرن وأنه أفضل من الأجم مع الاتفاق على جواز التضحية بالأجم وهو الذي لا قرن له، واختلفوا في مكسور القرن‏.‏

وفيه استحباب مباشرة المضحي الذبح بنفسه واستدل على مشروعية استحسان الأضحية صفة ولونا، قال الماوردي‏:‏ إن اجتمع حسن المنظر مع طيب المخبر في اللحم فهو أفضل، وإن انفردا فطيب المخبر أولى من حسن المنظر‏.‏

وقال أكثر الشافعية‏:‏ أفضلها البيضاء ثم الصفراء ثم الغبراء ثم البلقاء ثم السوداء‏.‏

وسيأتي بقية فوائد حديث أنس بعد أبواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذبحهما بيده‏)‏ سيأتي البحث فيه قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال إسماعيل وحاتم بن وردان عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس‏)‏ يعني أنهما خالفا عبد الوهاب الثقفي في شيخ أيوب فقال هو أبو قلابة وقالا محمد بن سيرين، فأما حديث إسماعيل وهو ابن علية فقد وصله المصنف بعد أربعة أبواب في أثناء حديث، وهو مصير منه إلى أن الطريقين صحيحان، وهو كذلك لاختلاف سياقهما‏.‏

وأما حديث حاتم بن وردان فوصله مسلم من طريقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه وهيب عن أيوب‏)‏ كذا وقع في رواية أبي ذر، وقدم الباقون متابعة وهيب على روايتي إسماعيل وحاتم وهو الصواب، لأن وهيبا إنما رواه عن أيوب عن أبي قلابة متابعا لعبد الوهاب الثقفي، وقد وصله الإسماعيلي من طريقه كذلك، قال ابن التين‏:‏ إنما قال أولا ‏"‏ قال إسماعيل ‏"‏ وثانيا ‏"‏ تابعه وهيب ‏"‏ لأن القول يستعمل على سبيل المذاكرة، والمتابعة تستعمل عند النقل والتحمل‏.‏

قلت‏:‏ لو كان هذا على إطلاقه لم يخرج البخاري طريق إسماعيل في الأصول، ولم ينحصر التعليق الجازم في المذاكرة، بل الذي قال إن البخاري لا يستعمل ذلك إلا في المذاكرة لا مستند له‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ غَنَماً يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا فَبَقِيَ عَتُودٌ فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ضَحِّ أَنْتَ بِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏الليث عن يزيد‏)‏ هو ابن أبي حبيب، بينه المصنف في كتاب الشركة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أعطاه غنما‏)‏ هو أعم من الضأن والمعز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على صحابته‏)‏ يحتمل أن يكون الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

ويحتمل أن يكون لعقبة فعلى كل يحتمل أن تكون الغنم ملكا للنبي صلى الله عليه وسلم وأمر بقسمتها بينهم تبرعا، ويحتمل أن تكون من الفيء وإليه جنح القرطبي حيث قال في الحديث‏:‏ إن الإمام ينبغي له أن يفرق الضحايا على من لم يقدر عليها من بيت مال المسلمين‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ إن كان قسمها بين الأغنياء فهي من الفيء وإن كان خص بها الفقراء فهي من الزكاة‏.‏

وقد ترجم له البخاري في الشركة ‏"‏ باب قسمة الغنم والعدل فيها ‏"‏ وكأنه فهم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لعقبة ما يعطيه لكل واحد منهم وهو لا يوكل إلا بالعدل، وإلا لو كان وكل ذلك لرأيه لعسر عليه، لأن الغنم لا يتأتى فيها قسمة الأجزاء، وأما قسمة التعديل فتحتاج إلى رد، لأن استواء قسمتها على التحرير بعيد قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بها عنهم، ووقعت القسمة في اللحم فتكون القسمة قسمة الأجزاء كما تقدم توجيهه عن ابن المنير قبل أبواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبقي عتود‏)‏ بفتح المهملة وضم المثناة الخفيفة، وهو من أولاد المعز ما قوي ورعى وأتى عليه حول، والجمع أعتدة وعتدان، وتدغم التاء في الدال فيقال عدان‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ العتود الجذع من المعز ابن خمسة أشهر، وهذا يبين المراد بقوله في الرواية الأخرى عن عقبة كما مضى قريبا ‏"‏ جذعة ‏"‏ وأنها كانت من المعز، وزعم ابن حزم أن العتود لا يقال إلا للجذع من المعز، وتعقبه بعض الشراح بما وقع في كلام صاحب ‏"‏ المحكم ‏"‏ أن العتود الجدي الذي استكرش، وقيل الذي بلغ السفاد، وقيل هو الذي أجذع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال ضح به أنت‏)‏ زاد البيهقي في روايته من طريق يحيى بن بكير عن الليث ‏"‏ ولا رخصة فيها لأحد بعدك ‏"‏ وسأذكر البحث في هذه الزيادة في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى، واستدل به على إجزاء الأضحية بالشاة الواحدة، وكأن المصنف أراد بإيراد حديث عقبة في هذه الترجمة - وهي ضحية النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين - الاستدلال على أن ذلك ليس على الوجوب بل على الاختيار، فمن ذبح واحدة أجزأت عنه ومن زاد فهو خير، والأفضل الاتباع في الأضحية بكبشين، ومن نظر إلى كثرة اللحم قال كالشافعي‏:‏ الأفضل الإبل ثم الضأن ثم البقر، قال ابن العربي‏:‏ وافق الشافعي أشهب من المالكية، ولا يعدل بفعل النبي صلى الله عليه وسلم شيء، لكن يمكن التمسك بقول ابن عمر - يعني الماضي قريبا - كان يذبح وينحر بالمصلى، أي فإنه يشمل الإبل وغيرها، قال‏:‏ لكنه عموم، والتمسك بالصريح أولى وهو الكبش‏.‏

قلت‏:‏ قد أخرج البيهقي من حديث ابن عمر ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالمدينة بالجزور أحيانا وبالكبش إذا لم يجد جزورا ‏"‏ فلو كان ثابتا لكان نصا في موضع النزاع، لكن في سنده عبد الله بن نافع وفيه مقال، وسيأتي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر في ‏"‏ باب من ذبح ضحية غيره ‏"‏ وقد ثبت في حديث عروة عن عائشة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد، فأضجعه ثم ذبحه ثم قال‏:‏ بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد، ثم ضحى ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏

قال الخطابي‏:‏ قولها يطأ في سواد الخ تريد أن أظلافه ومواضع البروك منه وما أحاط بملاحظ عينيه من وجهه أسود، وسائر بدنه أبيض‏.‏

*3*باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بُرْدَةَ ضَحِّ بِالْجَذَعِ مِنْ الْمَعَزِ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة ضح بالجذع من المعز، ولن تجزي عن أحد بعدك‏)‏ أشار بذلك إلى أن الضمير في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية التي ساقها ‏"‏ اذبحها ‏"‏ للجذعة التي تقدمت في قول الصحابي ‏"‏ إن عندي داجنا جذعة من المعز‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ ضَحَّى خَالٌ لِي يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عِنْدِي دَاجِناً جَذَعَةً مِنْ الْمَعَزِ قَالَ اذْبَحْهَا وَلَنْ تَصْلُحَ لِغَيْرِكَ ثُمَّ قَالَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ تَابَعَهُ عُبَيْدَةُ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ وَتَابَعَهُ وَكِيعٌ عَنْ حُرَيْثٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَقَالَ عَاصِمٌ وَدَاوُدُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عِنْدِي عَنَاقُ لَبَنٍ وَقَالَ زُبَيْدٌ وَفِرَاسٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عِنْدِي جَذَعَةٌ وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنَاقٌ جَذَعَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ عَنَاقٌ جَذَعٌ عَنَاقُ لَبَنٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مطرف‏)‏ هو ابن طريف بمهملة وزن عقيل، وعامر هو الشعبي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ضحى خال لي يقال له أبو بردة‏)‏ في رواية زبيد عن الشعبي في أول الأضاحي ‏"‏ أبو بردة بن نيار ‏"‏ وهو بكسر النون وتخفيف الياء المثناة من تحت وآخره راء واسمه هانئ واسم جده عمرو بن عبيد وهو بلوي من حلفاء الأنصار، وقد قيل إن اسمه الحارث بن عمرو وقيل مالك بن هبيرة والأول هو الأصح‏.‏

وأخرج ابن منده من طريق جابر الجعفي عن الشعبي عن البراء قال ‏"‏ كان اسم خالي قليلا فسماه النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا‏.‏

وقال‏:‏ يا كثير إنما نسكنا بعد صلاتنا ‏"‏ ثم ذكر حديث الباب بطوله، وجابر ضعيف وأبو بردة ممن شهد العقبة وبدرا والمشاهد وعاش إلى سنة اثنتين وقيل خمس وأربعين، وله في البخاري حديث سيأتي في الحدود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شاتك شاة لحم‏)‏ أي ليست أضحية بل هو لحم ينتفع به كما وقع في رواة زبيد ‏"‏ فإنما هو لحم يقدمه لأهله ‏"‏ وسيأتي في ‏"‏ باب الذبح بعد الصلاة ‏"‏ وفي رواية فراس عند مسلم قال ‏"‏ ذاك شيء عجلته لأهلك ‏"‏ وقد استشكلت الإضافة في قوله شاة لحم، وذلك أن الإضافة قسمان‏:‏ معنوية ولفظية، فالمعنوية إما مقدرة بمن كخاتم حديد أو باللام كغلام زيد أو بفي كضرب اليوم معناه ضرب في اليوم‏.‏

وأما اللفظية فهي صفة مضافة إلى معمولها كضارب زيد وحسن الوجه، ولا يصح شيء من الأقسام الخمسة في شاة لحم، قال الفاكهي‏:‏ والذي يظهر لي أن أبا بردة لما اعتقد أن شاته شاة أضحية أوقع صلى الله عليه وسلم في الجواب قوله شاة لحم موقع قوله شاة غير أضحية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن عندي داجنا‏)‏ الداجن التي تألف البيوت وتستأنس وليس لها سن معين، ولما صار هذا الاسم علما على ما يألف البيوت اضمحل الوصف عنه فاستوى فيه المذكر والمؤنث‏.‏

والجذعة تقدم بيانها، وقد بين في هذه الرواية أنها من المعز، ووقع في الرواية الأخرى كما سيأتي بيانه ‏"‏ فإن عندنا عناقا ‏"‏ وفي رواية أخرى ‏"‏ عناق لبن ‏"‏ والعناق بفتح العين وتخفيف النون الأنثى من ولد المعز عند أهل اللغة، ولم يصب الداودي في زعمه أن العناق هي التي استحقت أن تحمل وأنها تطلق على الذكر والأنثى وأنه بين بقوله ‏"‏ لبن ‏"‏ أنها أنثى، قال ابن التين‏:‏ غلط في نقل اللغة وفي تأويل الحديث، فإن معنى ‏"‏ عناق لبن ‏"‏ أنها صغيرة سن ترضع أمها‏.‏

ووقع عند الطبراني من طريق سهل بن أبي حثمة ‏"‏ أن أبا بردة ذبح ذبيحته بسحر، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إنما الأضحية ما ذبح بعد الصلاة، اذهب فضح، فقال‏:‏ ما عندي إلا جذعة من المعز ‏"‏ الحديث‏.‏

قلت‏:‏ وسيأتي بيان ذلك عند ذكر التعاليق التي ذكرها المصنف عقب هذه الرواية، وزاد في رواية أخرى ‏"‏ هي أحب إلي من شاتين ‏"‏ وفي رواية لمسلم ‏"‏ من شاتي لحم ‏"‏ والمعنى أنها أطيب لحما وأنفع للآكلين لسمنها ونفاستها‏.‏

وقد استشكل هذا بما ذكر أن عتق نفسين أفضل من عتق نفس واحدة ولو كانت أنفس منهما، وأجيب بالفرق بين الأضحية والعتق أن الأضحية يطلب فيها كثرة اللحم فتكون الواحدة السمينة أولى من الهزيلتين‏.‏

والعتق يطلب فيه التقرب إلى الله بفك الرقبة فيكون عتق الاثنين أولى من عتق الواحدة، نعم إن عرض للواحد وصف يقتضي رفعته على غيره - كالعلم وأنواع الفضل المتعدي - فقد جزم بعض المحققين بأنه أولى لعموم نفعه للمسلمين‏.‏

ووقع في الرواية الأخرى التي في أواخر الباب وهي ‏"‏ خير من مسنة ‏"‏ وحكى ابن التين عن الداودي أن المسنة التي سقطت أسنانها للبدل‏.‏

وقال أهل اللغة المسن الثني الذي يلقي سنه، ويكون في ذات الخف في السنة السادسة وفي ذات الظلف والحافر في السنة الثالثة‏.‏

وقال ابن فارس‏:‏ إذا دخل ولد الشاة في الثالثة فهو ثني ومسن‏.‏

قوله ‏(‏قال اذبحها ولا تصلح لغيرك‏)‏ في رواية فراس الآتية في ‏"‏ باب من ذبح قبل الإمام ‏"‏‏:‏ ‏"‏ أأذبحها‏؟‏ قال‏:‏ نعم، ثم لا تجزي عن أحد بعدك ‏"‏ ولمسلم من هذا الوجه ‏"‏ ولن تجزي الخ ‏"‏ وكذا في رواية أبي جحيفة عن البراء كما في أواخر هذا الباب ‏"‏ ولن تجزي عن أحد بعدك ‏"‏ وفي حديث سهل بن أبي حثمة ‏"‏ وليست فيها رخصة لأحد بعدك ‏"‏ وقوله ‏"‏ تجزي ‏"‏ بفتح أوله غير مهموز أي تقضي، يقال جزا عني فلان كذا أي قضى، ومنه ‏(‏لا تجزي نفس عن نفس شيئا‏)‏ أي لا تقضي عنها، قال ابن بري‏:‏ الفقهاء يقولون لا تجزئ بالضم والهمز في موضع لا تقضي والصواب بالفتح وترك الهمز، قال‏:‏ لكن يجوز الضم والهمز بمعنى الكفاية، يقال أجزأ عنك‏.‏

وقال صاحب ‏"‏ الأساس ‏"‏‏:‏ بنو تميم يقولون البدنة تجزي عن سبعة بضم أوله، وأهل الحجاز تجزي بفتح أوله، وبهما قرئ ‏(‏لا تجزي نفس عن نفس شيئا ‏"‏ وفي هذا تعقب على من نقل الاتفاق على منع ضم أوله‏.‏

وفي هذا الحديث تخصيص أبي بردة بإجزاء الجذع من المعز في الأضحية، لكن وقع في عدة أحاديث التصريح بنظير ذلك لغير أبي بردة، ففي حديث عقبة بن عامر كما تقدم قريبا ‏"‏ ولا رخصة فيها لأحد بعدك ‏"‏ قال البيهقي‏:‏ إن كانت هذه الزيادة محفوظة كان هذا رخصة لعقبة كما رخص لأبي بردة‏.‏

قلت‏:‏ وفي هذا الجمع نظر، لأن في كل منهما صيغة عموم، فأيهما تقدم على الآخر اقتضى انتفاء الوقوع للثاني، وأقرب ما يقال فيه‏:‏ إن ذلك صدر لكل منهما في وقت واحد، أو تكون خصوصية الأول نسخت بثبوت الخصوصية للثاني، ولا مانع من ذلك لأنه لم يقع في السياق استمرار المنع لغيره صريحا، وقد انفصل ابن التين - وتبعه القرطبي - عن هذا الإشكال باحتمال أن يكون العتود كان كبير السن بحيث يجزي، لكنه قال ذلك بناء على أن الزيادة التي في آخره لم تقع له، ولا يتم مراده مع وجودها مع مصادمته لقول أهل اللغة في العتود، وتمسك بعض المتأخرين بكلام ابن التين فضعف الزيادة، وليس بجيد، فإنها خارجة من مخرج الصحيح، فإنها عند البيهقي من طريق عبد الله البوشنجي أحد الأئمة الكبار في الحفظ والفقه وسائر فنون العلم، رواها عن يحيى بن بكير عن الليث بالسند الذي ساقه البخاري، ولكني رأيت الحديث في ‏"‏ المتفق للجوزقي ‏"‏ من طريق عبيد بن عبد الواحد ومن طريق أحمد بن إبراهيم بن ملحان كلاهما عن يحيى بن بكير وليست الزيادة فيه، فهذا هو السر في قول البيهقي إن كانت محفوظة، فكأنه لما رأى التفرد خشي أن يكون دخل على راويها حديث في حديث، وقد وقع في كلام بعضهم أن الذين ثبتت لهم الرخصة أربعة أو خمسة، واستشكل الجمع وليس بمشكل، فإن الأحاديث التي وردت في ذلك ليس فيها التصريح بالنفي إلا في قصة أبي بردة في الصحيحين وفي قصة عقبة بن عامر في البيهقي، وأما عدا ذلك فقد أخرج أبو داود وأحمد وصححه ابن حبان من حديث زيد بن خالد ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه عتودا جذعا فقال ضح به، فقلت إنه جذع أفأضحي به‏؟‏ قال نعم ضح به، فضحيت به ‏"‏ لفظ أحمد، وفي صحيح ابن حبان وابن ماجه من طريق عباد بن تميم ‏"‏ عن عويمر بن أشقر أنه ذبح أضحيته قبل أن يغدو يوم الأضحى، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد أضحية أخرى ‏"‏ وفي الطبراني الأوسط من حديث ابن عباس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى سعد بن أبي وقاص جذعا من المعز فأمره أن يضحي به ‏"‏ وأخرجه الحاكم من حديث عائشة وفي سنده ضعف، ولأبي يعلى والحاكم من حديث أبي هريرة ‏"‏ أن رجلا قال‏:‏ يا رسول الله هذا جذع من الضأن مهزول وهذا جذع من المعز سمين وهو خيرهما أفأضحي به‏؟‏ قال‏:‏ ضح به فإن الله الخير ‏"‏ وفي سنده ضعف والحق أنه لا منافاة بين هذه الأحاديث وبين حديثي أبي بردة وعقبة، لاحتمال أن يكون ذلك في ابتداء الأمر ثم قرر الشرع بأن الجذع من المعز لا يجزي، واختص أبو بردة وعقبة بالرخصة في ذلك، وإنما قلت ذلك لأن بعض الناس زعم أن هؤلاء شاركوا عقبة وأبا بردة في ذلك، والمشاركة إنما وقعت في مطلق الإجزاء لا في خصوص منع الغير، ومنهم من زاد فيهم عويمر بن أشقر وليس في حديثه إلا مطلق الإعادة لكونه ذبح قبل الصلاة، وأما ما أخرجه ابن ماجه من حديث أبي زيد الأنصاري ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الأنصار‏:‏ اذبحها ولن تجزي جذعة عن أحد بعدك ‏"‏ فهذا يحمل على أنه أبو بردة بن نيار فإنه من الأنصار، وكذا ما أخرجه أبو يعلى والطبراني من حديث أبي جحيفة ‏"‏ أن رجلا ذبح قبل الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تجزي عنك، قال إن عندي جذعة، فقال‏:‏ تجزي عنك ولا تجزي بعد ‏"‏ فلم يثبت الإجزاء لأحد ونفيه عن الغير إلا لأبي بردة وعقبة، وإن تعذر الجمع الذي قدمته فحديث أبي بردة أصح مخرجا والله أعلم‏.‏

قال الفاكهي‏:‏ ينبغي النظر في اختصاص أبي بردة بهذا الحكم وكشف السر فيه، وأجيب بأن الماوردي قال‏:‏ إن فيه وجهين أحدهما أن ذلك كان قبل استقرار الشرع فاستثني، والثاني أنه علم من طاعته وخلوص نيته ما ميزه عمن سواه‏.‏

قلت‏:‏ وفي الأول نظر، لأنه لو كان سابقا لامتنع وقوع ذلك لغيره بعد التصريح بعدم الإجزاء لغيره، والفرض ثبوت الإجزاء لعدد غيره كما تقدم‏.‏

وفي الحديث أن الجذع من المعز لا يجزي وهو قول الجمهور، وعن عطاء وصاحبه الأوزاعي يجوز مطلقا، وهو وجه لبعض الشافعية حكاه الرافعي‏.‏

وقال النووي‏:‏ وهو شاذ أو غلط، وأغرب عياض فحكى الإجماع على عدم الإجزاء، قيل والإجزاء مصادر للنص ولكن يحتمل أن يكون قائله قيد ذلك بمن لم يجد غيره، ويكون معنى نفي الإجزاء عن غير من أذن له في ذلك محمولا على من وجد، وأما الجذع من الضأن فقال الترمذي‏:‏ إن العمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، لكن حكى غيره عن ابن عمر والزهري أن الجذع لا يجزي مطلقا سواء كان من الضأن أم من غيره، وممن حكاه عن ابن عمر ابن المنذر في ‏"‏ الأشراف ‏"‏ وبه قال ابن حزم وعزاه لجماعة من السلف وأطنب في الرد على من أجازه، ويحتمل أن يكون ذلك أيضا مقيدا بمن لم يجد، وقد صح فيه حديث جابر رفعه ‏"‏ لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن ‏"‏ أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم لكن نقل النووي عن الجمهور أنهم حملوه على الأفضل، والتقدير يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة، فإن عجزتم فاذبحوا جذعة من الضأن‏.‏

قال‏:‏ وليس فيه تصريح بمنع الجذعة من الضأن وأنها لا تجزي، قال‏:‏ وقد أجمعت الأمة على أن الحديث ليس على ظاهره، لأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه، وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيره وعدمه، فتعين تأويله‏.‏

قلت‏:‏ ويدل للجمهور الأحاديث الماضية قريبا، وكذا حديث أم هلال بنت هلال عن أبيها رفعه ‏"‏ يجوز الجذع من الضأن أضحية ‏"‏ أخرجه ابن ماجه، وحديث رجل من بني سليم يقال له مجاشع ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إن الجذع يوفي ما يوفي منه الثني ‏"‏ أخرجه أبو داود وابن ماجه، وأخرجه النسائي من وجه آخر، لكن لم يسم الصحابي، بل وقع عنده أنه رجل من مزينة، وحديث معاذ بن عبد الله بن حبيب عن عقبة بن عامر ‏"‏ ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذع من الضأن ‏"‏ أخرجه النسائي بسند قوي، وحديث أبي هريرة رفعه ‏"‏ نعمت الأضحية الجذعة من الضأن ‏"‏ أخرجه الترمذي وفي سنده ضعف‏.‏

واختلف القائلون بإجزاء الجذع من الضأن - وهم الجمهور - في سنه على آراء‏:‏ أحدها أنه ما أكمل سنة ودخل في الثانية وهو الأصح عند الشافعية وهو الأشهر عند أهل اللغة، ثانيها نصف قول الحنفية والحنابلة، ثالثها سبعة أشهر وحكاه صاحب ‏"‏ الهداية ‏"‏ من الحنفية عن الزعفراني، رابعها ستة أو سبعة حكاه الترمذي عن وكيع، خامسها التفرقة بين ما تولد بين شابين فيكون له نصف سنة أو بين هرمين فيكون ابن ثمانية، سادسها ابن عشر، سابعها لا يجزي حتى يكون عظيما حكاه ابن العربي وقال‏:‏ إنه مذهب باطل، كذا قال، وقد قال صاحب ‏"‏ الهداية ‏"‏ إنه إذا كانت عظيمة بحيث لو اختلطت بالثنيات اشتبهت على الناظر من بعيد أجزأت‏.‏

وقال العبادي من الشافعية‏:‏ لو أجذع قبل السنة أي سقطت أسنانه أجزأ كما لو تمت السنة قبل أن يجذع ويكون ذلك كالبلوغ إما بالسن وإما بالاحتلام، وهكذا قال البغوي‏:‏ الجذع ما استكمل السنة أو جذع قبلها، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال من ذبح قبل الصلاة‏)‏ أي صلاة العيد ‏(‏فإنما يذبح لنفسه‏)‏ أي وليس أضحية ‏(‏ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه‏)‏ أي عبادته ‏(‏وأصاب سنة المسلمين‏)‏ أي طريقتهم‏.‏

هكذا وقع في هذه الرواية أن هذا الكلام وقع بعد قصة أبي بردة بن نيار، والذي في معظم الروايات كما سيأتي قريبا من رواية زبيد عن الشعبي أن هذا الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم وقع في الخطبة بعد الصلاة وأن خطاب أبي بردة بما وقع له كان قبل ذلك وهو المعتمد ولفظه ‏"‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال‏:‏ إن أول ما نبدأ به من يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا، فقال أبو بردة‏:‏ يا رسول الله ذبحت قبل أن أصلي ‏"‏ وتقدم في العيدين من طريق منصور عن الشعبي عن البراء قال ‏"‏ خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى بعد الصلاة فقال‏:‏ من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فإنه لا نسك له‏؟‏ فقال أبو بردة ‏"‏ فذكر الحديث، وسيأتي بيان الحكم في هذا قريبا في ‏"‏ باب من ذبح قبل الصلاة أعاد ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏

واستدل به على وجوب الأضحية على من التزم الأضحية فأفسد ما يضحي به، ورده الطحاوي بأنه لو كان كذلك لتعرض إلى قيمة الأولى ليلزم بمثلها، فلما لم يعتبر ذلك دل على أن الأمر بالإعادة كان على جهة الندب، وفيه بيان ما يجري في الأضحية لا على وجوب الإعادة‏.‏

وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن المرجع في الأحكام إنما هو إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قد يخص بعض أمته بحكم ويمنع غيره منه ولو كان بغير عذر، وأن خطابه للواحد يعم جميع المكلفين حتى يظهر دليل الخصوصية، لأن السياق يشعر بأن قوله لأبي بردة ضح به أي بالجذع، ولو كان يفهم منه تخصيصه بذلك لما احتاج إلى أن يقول له ‏"‏ ولن تجزي عن أحد بعدك‏"‏‏.‏

ويحتمل أن تكون فائدة ذلك قطع إلحاق غيره به في الحكم المذكور لا أن ذلك مأخوذ من مجرد اللفظ وهو قوي‏.‏

واستدل بقوله ‏"‏ اذبح مكانها أخرى ‏"‏ وفي لفظ ‏"‏ أعد نسكا ‏"‏ وفي لفظ ‏"‏ ضح بها ‏"‏ وغبر ذلك من الألفاظ المصرحة بالأمر بالأضحية على وجوب الأضحية، قال القرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏‏:‏ ولا حجة في شيء من ذلك، وإنما المقصود بيان كيفية مشروعية الأضحية لمن أراد أن يفعلها أو من أوقعها على غير الوجه المشروع خطأ أو جهلا، فبين له وجه تدارك ما فرط منه، وهذا معنى قوله ‏"‏ لا تجزي عن أحد بعدك ‏"‏ أي لا يحصل له مقصود القربة ولا الثواب، كما يقال في صلاة النفل‏:‏ لا تجزي إلا بطهارة وستر عورة، قال‏:‏ وقد استدل بعضهم للوجوب بأن الأضحية من شريعة إبراهيم الخليل وقد أمرنا باتباعه، ولا حجة فيه لأنا نقول بموجبه، ويلزمهم الدليل على أنها كانت في شريعة إبراهيم واجبة ولا سبيل إلى علم ذلك، ولا دلالة في قصة الذبيح للخصوصية التي فيها، والله أعلم‏.‏

وفيه أن الإمام يعلم الناس في خطبة العيد أحكام النحر‏.‏

وفيه جواز الاكتفاء في الأضحية بالشاة الواحدة عن الرجل وعن أهل بيته، وبه قال الجمهور، وقد تقدمت الإشارة إليه قبل، وعن أبي حنيفة والثوري‏:‏ يكره‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ لا يجوز أن يضحى بشاة واحدة عن اثنين، وادعى نسخ ما دل عليه حديث عائشة الآتي في ‏"‏ باب من ذبح ضحية غيره‏"‏، وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة‏:‏ وفيه أن العمل وإن وافق نية حسنة لم يصح إلا إذا وقع على وفق الشرع‏.‏

وفيه جواز أكل اللحم يوم العيد من غير لحم الأضحية لقوله ‏"‏ إنما هو لحم قدمه لأهله‏"‏‏.‏

وفيه كرم الرب سبحانه وتعالى لكونه شرع لعبيده الأضحية مع ما لهم فيها من الشهوة بالأكل والادخار ومع ذلك فأثبت لهم الأجر في الذبح، ثم من تصدق أثيب وإلا لم يأثم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه عبيدة عن الشعبي وإبراهيم، وتابعه وكيع عن حريث عن الشعبي‏)‏ قلت‏:‏ أما عبيدة فهو بصيغة التصغير وهو ابن معتب بضم أوله وفتح المهملة وتشديد المثناة وكسرها بعدها موحدة الضبي، وروايته عن الشعبي يعني عن البراء بهذه القصة، وأما قوله ‏"‏ وإبراهيم ‏"‏ فيعني النخعي، وهو من طريق إبراهيم منقطع، وليس لعبيدة في البخاري سوى هذا الموضع الواحد، وأما متابعة حريث وهو بصيغة التصغير وهو ابن أبي مطر واسمه عمرو الأسدي الكوفي وما له أيضا في البخاري سوى هذا الموضع، وقد وصله أبو الشيخ في كتاب الأضاحي من طريق سهل بن عثمان العسكري عن وكيع عن حريث عن الشعبي عن البراء ‏"‏ أن خاله سأل ‏"‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ عندي جذعة من المعز أوفى منها ‏"‏ وفي هذا تعقب على الدار قطني في ‏"‏ الأفراد ‏"‏ حيث زعم أن عبيد الله بن موسى تفرد بهذا عن حريث وساقه من طريقه بلفظ ‏"‏ قال‏:‏ فعندي جذعة معز سمينة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عاصم وداود عن الشعبي عندي عناق لبن‏)‏ أما عاصم فهو ابن سليمان الأحول، وقد وصله مسلم من طريق عبد الواحد بن زياد عنه عن الشعبي عن البراء بلفظ ‏"‏ خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم نحر فقال‏:‏ لا يضحين أحد حتى يصلي‏.‏

فقال رجل‏:‏ عندي عناق لبن - وقال في آخره - ولا تجزي جذعة عن أحد بعدك‏"‏‏.‏

وأما داود فهو ابن أبي هند فوصله مسلم أيضا من طريق هشيم عنه عن الشعبي عن البراء بلفظ ‏"‏ إن خاله أبا بردة بن نيار ذبح قبل أن يذبح النبي صلى الله عليه وسلم - الحديث وفيه - لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري، فقال‏:‏ أعد نسكا‏.‏

فقال‏:‏ إن عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم، قال‏:‏ هي خير نسيكتيك، ولا تجزي جذعة عن أحد بعدك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال زبيد وفراس عن الشعبي‏:‏ عندي جذعة‏)‏ أما رواية زبيد وهو بالزاي ثم الموحدة مصغر فوصلها المؤلف في أول الأضاحي كذلك، وأما رواية فراس وهو بكسر الفاء وتخفيف الراء وآخره مهملة ابن يحيى فوصلها أيضا المؤلف في ‏"‏ باب من ذبح قبل الصلاة أعاد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو الأحوص حدثنا منصور عناق جذعة‏)‏ هو بالتنوين فيهما، ورواية منصور هذه وهو ابن المعتمر وصلها المؤلف من الوجه المذكور عنه عن الشعبي عن البراء في العيدين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عون‏)‏ هو عبد الله ‏(‏عناق جذع، عناق لبن‏)‏ يعني أن في روايته عن الشعبي عن البراء باللفظين جميعا لفظ عاصم ومن تابعه ولفظ منصور ومن تابعه، وقد وصل المؤلف رواية ابن عون في كتاب الأيمان والنذور من طريق معاذ عن ابن عون باللفظ المذكور‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ ذَبَحَ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْدِلْهَا قَالَ لَيْسَ عِنْدِي إِلَّا جَذَعَةٌ قَالَ شُعْبَةُ وَأَحْسِبُهُ قَالَ هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ قَالَ اجْعَلْهَا مَكَانَهَا وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ وَقَالَ حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ عَنَاقٌ جَذَعَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سلمة‏)‏ هو ابن كهيل وصرح أحمد به في روايته عن محمد بن جعفر بهذا الإسناد، وأبو جحيفة هو الصحابي المشهور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذبح أبو بردة‏)‏ هو ابن نيار الماضي ذكره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبدلها‏)‏ بموحدة وفتح أوله، وقد تقدم بيانه في قوله ‏"‏ اذبح مكانها أخرى‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال شعبة وأحسبه قال هي خير من مسنة‏)‏ في رواية أبي عامر العقدي عن شعبة عند مسلم ‏"‏ هي خير من مسنة ‏"‏ ولم يشك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اجعلها مكانها‏)‏ أي اذبحها‏.‏

وقد تمسك بهذا الأمر من ادعى وجوب الأضحية، ولا دلالة فيه، لأنه ولو كان ظاهر الأمر الوجوب إلا أن قرينة إفساد الأولى تقتضي أن يكون الأمر بالإعادة لتحصيل المقصود، وهو أعم من أن يكون في الأصل واجبا أو مندوبا‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ يحتمل أن يكون الأمر بالإعادة للوجوب، ويحتمل أن يكون الأمر بالإعادة للإشارة إلى أن التضحية قبل الصلاة لا تقع أضحية، فأمره بالإعادة ليكون في عداد من ضحى، فلما احتمل ذلك وجدنا الدلالة على عدم الوجوب في حديث أم سلمة المرفوع ‏"‏ إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي ‏"‏ قال‏:‏ فلو كانت الأضحية واجبة لم يكل ذلك إلى الإرادة، وأجاب من قال بالوجوب بأن التعليق على الإرادة لا يمنع القول بالوجوب، فهو كما قيل‏:‏ من أراد الحج فليكثر من الزاد، فإن ذلك لا يدل على أن الحج لا يجب، وتعقب بأنه لا يلزم من كون ذلك لا يدل على عدم الوجوب ثبوت الوجوب بمجرد الأمر بالإعادة لما تقدم من احتمال إرادة الكمال وهو الظاهر والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال حاتم بن وردان الخ‏)‏ تقدم ذكر من وصله في الباب الذي قبله، ولم يسق مسلم لفظه، لكنه قال ‏"‏ بمثل حديثهما ‏"‏ يعني رواية إسماعيل بن علية عن أيوب ورواية هشام عن محمد بن سيرين‏.‏