فصل: باب النِّدَاءِ بِ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ فِي الْكُسُوفِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ شُكْرَكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى ‏(‏وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون‏)‏ قال ابن عباس شكركم‏)‏ يحتمل أن يكون مراده أن ابن عباس قرأها كذلك، ويشهد له ما رواه سعيد بن منصور ‏"‏ عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يقرأ وتجعلون شكركم أنكم تكذبون ‏"‏ وهذا إسناد صحيح، ومن هذا الوجه أخرجه ابن مردويه في التفسير المسند، وروى مسلم من طريق أبي زميل عن ابن عباس قال ‏"‏ مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكر نحو حديث زيد بن خالد في الباب وفي آخره ‏"‏ فأنزلت هذه الآية‏:‏ فلا أقسم بمواقع النجوم، إلى قوله تكذبون ‏"‏ وعرف بهذا مناسبة الترجمة وأثر ابن عباس لحديث زيد بن خالد، وقد روى نحو أثر ابن عباس المعلق مرفوعا من حديث علي لكن سياقه يدل على التفسير لا على القراءة، أخرجه عبد بن حميد من طريق أبي عبد الرحمن السلمي عن علي مرفوعا ‏"‏ وتجعلون رزقكم، قال‏:‏ تجعلون شكركم، تقولون مطرنا بنوء كذا ‏"‏ وقد قيل في القراءة المشهورة حذف تقديره وتجعلون شكر رزقكم‏.‏

وقال الطبري‏:‏ المعنى وتجعلون الرزق الذي وجب عليكم به الشكر تكذيبكم به، وقيل بل الرزق بمعنى الشكر في لغة أزد شنوءة نقله الطبري عن الهيثم بن عدي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن زيد ين خالد الجهني‏)‏ هكذا يقول صالح بن كيسان لم يختلف عليه في ذلك، وخالفه الزهري فرواه عن شيخهما عبيد الله فقال‏:‏ عن أبي هريرة أخرجه مسلم عقب رواية صالح فصحح الطريقين، لأن عبيد الله سمع من زيد بن خالد وأبي هريرة جميعا عدة أحاديث منها حديث العسيف وحديث الأمة إذا زنت، فلعله سمع هذا منهما فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، وإنما لم يجمعهما لاختلاف لفظهما كما سنشير إليه‏.‏

وقد صرح صالح بسماعه له من عبيد الله عن أبي عوانة، وروى صالح عن عبيد الله بواسطة الزهري عدة أحاديث منها حديث ابن عباس في شاة ميمونة كما تقدم في الطهارة، وحديثه عنه في قصة هرقل كما تقدم في بدء الوحي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صلى لنا‏)‏ أي لأجلنا، أو اللام بمعنى الباء أي صلى بنا، وفيه جواز إطلاق ذلك مجازا وإنما الصلاة لله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالحديبية‏)‏ بالمهملة والتصغير وتخفف ياؤها وتثقل، يقال سميت بشجرة حدباء هناك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على إثر‏)‏ بكسر الهمزة وسكون المثلثة على المشهور وهو ما يعقب الشيء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سماء‏)‏ أي مطر وأطلق عليه سماء لكونه ينزل من جهة السماء وكل جهة علو تسمى سماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كانت من الليل‏)‏ كذا للأكثر، وللمستملي والحموي ‏"‏ من الليلة ‏"‏ بالإفراد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما انصرف‏)‏ أي من صلاته أو من مكانه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هل تدرون‏)‏ لفظ استفهام معناه التنبيه، ووقع في رواية سفيان عن صالح عند النسائي ‏"‏ ألم تسمعوا ما قال ربكم الليلة ‏"‏ وهذا من الأحاديث الإلهية وهي تحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخذها عن الله بلا واسطة أو بواسطة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أصبح من عبادي‏)‏ هذه إضافة عموم بدليل التقسيم إلى مؤمن وكافر بخلاف مثل قوله تعالى ‏(‏إن عبادي ليس لك عليهم سلطان‏)‏ فإنها إضافة تشريف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مؤمن بي وكافر‏)‏ يحتمل أن يكون المراد بالكفر هنا كفر الشرك بقرينة مقابلته بالإيمان، ولأحمد من رواية نصر بن عاصم الليثي عن معاوية الليثي مرفوعا ‏"‏ يكون الناس مجدبين فينزل الله عليهم رزقا من السماء من رزقه فيصبحون مشركين يقولون‏:‏ مطرنا بنوء كذا ‏"‏ ويحتمل أن يكون المراد به كفر النعمة، ويرشد إليه قوله في رواية معمر عن صالح عن سفيان ‏"‏ فأما من حمدني على سقياي وأثنى عليه فذلك آمن بي ‏"‏ وفي رواية سفيان عند النسائي والإسماعيلي نحوه‏.‏

وقال في آخره ‏"‏ وكفر بي ‏"‏ أو قال ‏"‏ كفر نعمتي ‏"‏ وفي رواية أبي هريرة عند مسلم ‏"‏ قال الله‏:‏ ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم كافرين بها ‏"‏ وله في حديث ابن عباس ‏"‏ أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر ‏"‏ وعلى الأول حمله كثير من أهل العلم، وأعلى ما وقفت عليه من ذلك كلام الشافعي، قال في ‏"‏ الأم ‏"‏‏:‏ من قال مطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه مطر نوء كذا فذلك كفر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن النوء وقت والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا، ومن قال مطرنا بنوء كذا على معنى مطرنا في وقت كذا فلا يكون كفرا، وغيره من الكلام أحب إلي منه، يعني حسما للمادة، وعلى ذلك يحمل إطلاق الحديث، وحكى ابن قتيبة في ‏"‏ كتاب الأنواء ‏"‏ أن العرب كانت في ذلك على مذهبين على نحو ما ذكر الشافعي، قال‏:‏ ومعنى النوء سقوط نجم في المغرب من النجوم الثمانية والعشرين التي هي منازل القمر، قال‏:‏ وهو مأخوذ من ناء إذا سقط‏.‏

وقال آخرون‏:‏ بل النوء طلوع نجم منها، وهو مأخوذ من ناء إذا نهض، ولا تخالف بين القولين في الوقت لأن كل نجم منها إذا طلع في المشرق وقع حال طلوعه آخر في المغرب لا يزال ذلك مستمرا إلى أن تنتهي الثمانية والعشرون بانتهاء السنة، فإن لكل واحد منها ثلاثة عشر يوما تقريبا، قال‏:‏ وكانوا في الجاهلية يظنون أن نزول الغيث بواسطة النوء إما بصنعه على زعمهم وإما بعلامته، فأبطل الشرع قولهم وجعله كفرا، فإن اعتقد قائل ذلك أن للنوء صنعا في ذلك فكفره كفر تشريك، وإن اعتقد أن ذلك من قبيل التجربة فليس بشرك لكن يجوز إطلاق الكفر عليه وإرادة كفر النعمة لأنه لم يقع في شيء من طرق الحديث بين الكفر والشرك واسطة، فيحمل الكفر فيه على المعنيين لتناول الأمرين، والله أعلم‏.‏

ولا يرد الساكت، لأن المعتقد قد يشكر بقلبه أو يكفر، وعلى هذا فالقول في قوله ‏"‏ فأما من قال ‏"‏ لما هو أعم من النطق والاعتقاد، كما أن الكفر فيه لما هو أعم من كفر الشرك وكفر النعمة، والله أعلم بالصواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مطرنا بنوء كذا وكذا‏)‏ في حديث أبي سعيد عند النسائي ‏"‏ مطرنا بنوء المجدح ‏"‏ بكسر الميم وسكون الجيم وفتح الدال بعدها مهملة ويقال بضم أوله هو الدبران بفتح المهملة والموحدة بعدها، وقيل سمي بذلك لاستدباره الثريا، وهو نجم أحمر صغير منير‏.‏

قال ابن قتيبة‏:‏ كل النجوم المذكورة له نوء غير أن بعضها أحمر وأغزر من بعض، ونوء الدبران غير محمود عندهم، انتهى‏.‏

وكأن ذلك ورد في الحديث تنبيها على مبالغتهم في نسبة المطر إلى النوء ولو لم يكن محمودا، أو اتفق وقوع ذلك المطر في ذلك الوقت إن كانت القصة واحدة‏.‏

وفي مغازي الواقدي أن الذي قال في ذلك الوقت ‏"‏ مطرنا بنوء الشعري ‏"‏ هو عبد الله بن أبي المعروف بابن سلول أخرجه من حديث أبي قتادة‏.‏

وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم طرح الإمام المسألة على أصحابه وإن كانت لا تدرك إلا بدقة النظر‏.‏

ويستنبط منه أن للولي المتمكن من النظر في الإشارة صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها عبارات ينسبها إلى الله تعالى صلى الله عليه وسلم كذا قرأت بخط بعض شيوخنا، وكأنه أخذه من استنطاق النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عما قال ربهم وحمل الاستفهام فيه على الحقيقة، لكنهم رضي الله عنهم فهموا خلاف ذلك، ولهذا لم يجيبوا إلا بتفويض الأمر إلى الله ورسوله‏.‏

*3*باب لَا يَدْرِي مَتَى يَجِيءُ الْمَطَرُ إِلَّا اللَّهُ

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يدري متى يجيء المطر إلا الله تعالى‏)‏ عقب الترجمة الماضية بهذه لأن تلك تضمنت أن المطر إنما ينزل بقضاء الله وأنه لا تأثير للكواكب في نزوله، وقضية ذلك أنه لا يعلم أحد متى يجيء إلا هـو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ خمس لا يعلمهن إلا الله‏)‏ هذا طرف من حديث وصله المؤلف في الإيمان وفي تفسير لقمان من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة في سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام، لكن لفظه ‏"‏ في خمس لا يعلمهن إلا الله ‏"‏ ووقع في بعض الروايات في التفسير بلفظ ‏"‏ وخمس ‏"‏ وروى ابن مردويه في التفسير من طريق يحيى بن أيوب البجلي عن جده عن أبي زرعة عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله ‏(‏إن الله عنده علم الساعة‏)‏ الآية‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِفْتَاحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي غَدٍ وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي الْأَرْحَامِ وَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ وَمَا يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِيءُ الْمَطَرُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن يوسف‏)‏ هو الفريابي، وسفيان هو الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مفتاح‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ مفاتح‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما يدري أحد متى يجيء المطر‏)‏ زاد الإسماعيلي ‏"‏ إلا الله ‏"‏ أخرجه من طريق عبد الرحمن ابن مهدي عن الثوري، وفيه رد على من زعم أن لنزول المطر وقتا معينا لا يتخلف عنه، وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث في تفسير لقمان إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب الاستسقاء من الأحاديث المرفوعة على أربعين حديثا، المعلق منها تسعة والبقية موصولة، المكرر فيها وفيما مضى سبعة وعشرون حديثا، والخالص ثلاثة عشر، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث ابن عمر الذي فيه شعر أبي طالب وحديث أنس عن عمر في الاستسقاء بالعباس وحديث عبد الله بن زيد في الاستسقاء على رجليه وحديث عبد الله بن زيد في صفة تحويل الرداء - وإن كان أخرج أصله - وحديث عائشة في قوله صيبا نافعا وأصله أيضا فيه وحديث أنس ‏"‏ كان إذا هبت الريح الشديدة ‏"‏ وسيأتي بيان ما انفرد به من حديث أبي هريرة في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيه من الآثار عن الصحابة وغيرهم أثران، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَبْوَابُ الْكُسُوف

الشرح‏:‏

‏(‏أبواب الكسوف‏)‏ ثبتت البسملة في رواية كريمة، والترجمة في رواية المستملي، وفي بعض النسخ كتاب بدل أبواب، والكسوف لغة التغير إلى سواد ومنه كسف وجهه وحاله، وكسفت الشمس اسودت وذهب شعاعها‏.‏

واختلف في الكسوف والخسوف هل هما مترادفان أو لا كما سيأتي قريبا‏.‏

*3*باب الصَّلَاةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في كسوف الشمس‏)‏ أي مشروعيتها، وهو أمر متفق عليه، لكن اختلف في الحكم وفي الصفة، فالجمهور على أنها سنة مؤكدة، وصرح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها، ولم أره لغيره إلا ما حكى عن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة‏.‏

ونقل الزين بن المنير عن أبي حنيفة أنه أوجبها، وكذا نقل بعض مصنفي الحنفية أنها واجبة، وسيأتي الكلام على الصفة قريبا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْكَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلْنَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا خالد‏)‏ هو ابن عبد الله الطحان، ويونس هو ابن عبيد، والإسناد كله بصريون، وترجمة الحسن عن أبي بكرة متصلة عند البخاري منقطعة عند أبي حاتم والدار قطني، وسيأتي التصريح بالإخبار فيه بعد أربعة أبواب وهو يؤيد صنيع البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانكسفت‏)‏ يقال كسفت الشمس بفتح الكاف وانكسفت بمعنى، وأنكر القزاز انكسفت وكذا الجوهري حيث نسبه للعامة والحديث يرد عليه، وحكى كسفت بضم الكاف وهو نادر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر رداءه‏)‏ زاد في اللباس من وجه آخر عن يونس ‏"‏ مستعجلا ‏"‏ وللنسائي من رواية يزيد بن زريع عن يونس ‏"‏ من العجلة ‏"‏ ولمسلم من حديث أسماء ‏"‏ كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزع فأخطأ بدرع حتى أدرك بردائه ‏"‏ يعني أنه أراد لبس ردائه فلبس الدرع من شغل خاطره بذلك، واستدل به على أن جر الثوب لا يذم إلا ممن قصد به الخيلاء صلى الله عليه وسلم ووقع في حديث أبي موسى بيان السبب في الفزع كما سيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصلى بنا ركعتين‏)‏ زاد النسائي ‏"‏ كما تصلون ‏"‏ واستدل به من قال إن صلاة الكسوف كصلاة النافلة، وحمله ابن حيان والبيهقي على أن المعنى كما تصلون في الكسوف، لأن أبا بكرة خاطب بذلك أهل البصرة، وقد كان ابن عباس علمهم أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان كما روى ذلك الشافعي وابن أبي شيبة وغيرهما، ويؤيد ذلك أن في رواية عبد الوارث عن يونس الآتية في أواخر الكسوف أن ذلك وقع يوم مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في حديث جابر عند مسلم مثله وقال فيه ‏"‏ إن في كل ركعة ركوعين ‏"‏ فدل ذلك على اتحاد القصة، وظهر أن رواية أبي بكرة مطلقة‏.‏

وفي رواية جابر زيادة بيان في صفة الركوع، والأخذ بها أولى‏.‏

ووقع في أكثر الطرق عن عائشة أيضا أن في كل ركعة ركوعين ‏"‏ وعند ابن خزيمة من حديثها أيضا أن ذلك كان يوم مات إبراهيم عليه السلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى انجلت‏)‏ استدل به على إطالة الصلاة حتى يقع الانجلاء، وأجاب الطحاوي بأنه قال فيه ‏"‏ فصلوا وادعوا ‏"‏ فدل على أنه إن سلم من الصلاة قبل الانجلاء يتشاغل بالدعاء حتى تنجلي، وقرره ابن دقيق العيد بأنه جعل الغاية لمجموع الأمرين، ولا يلزم من ذلك أن يكون غاية لكل منهما على انفراده فجاز أن يكون الدعاء ممتدا إلى غاية الانجلاء بعد الصلاة، فيصير غاية للمجموع، ولا يلزم منه تطويل الصلاة ولا تكريرها‏.‏

وأما ما وقع عند النسائي من حديث النعمان بن بشير قال ‏"‏ كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين ويسأل عنها حتى انجلت ‏"‏ فإن كان محفوظا احتمل أن يكون معنى قوله ركعتين أي ركوعين، وقد وقع التعبير عن الركوع بالركعة في حديث الحسن ‏"‏ خسف القمر وابن عباس بالبصرة فصلى ركعتين في كل ركعة ركعتان ‏"‏ الحديث أخرجه الشافعي، وأن يكون السؤال وقع بالإشارة فلا يلزم التكرار، وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي قلابة ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان كلما ركع ركعة أرسل رجلا ينظر هل انجلت ‏"‏ فتعين الاحتمال المذكور، وإن ثبت تعدد القصة زال الإشكال أصلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أن الشمس‏)‏ زاد في رواية ابن خزيمة ‏"‏ فلما كشف عنا خطبنا فقال ‏"‏ واستدل به على أن الانجلاء لا يسقط الخطبة كما سيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لموت أحد‏)‏ في رواية عبد الوارث الآتية بيان سبب هذا القول ولفظه ‏"‏ وذلك أن ابنا للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له إبراهيم مات فقال الناس في ذلك ‏"‏ وفي رواية مبارك بن فضالة عند ابن حبان ‏"‏ فقال الناس‏:‏ إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم‏"‏، ولأحمد والنسائي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة وابن حبان من رواية أبي قلابة عن النعمان بن بشير قال ‏"‏ انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فزعا يجر ثوبه حتى أتى المسجد، فلم يزل يصلي حتى انجلت، فلما انجلت قال‏:‏ إن الناس يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء، وليس كذلك ‏"‏ الحديث‏.‏

وفي هذا الحديث إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض، وهو نحو قوله في الحديث الماضي في الاستسقاء ‏"‏ يقولون مطرنا بنوء كذا ‏"‏ قال الخطابي‏:‏ كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير في الأرض من موت أو ضرر، فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتقاد باطل، وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما‏.‏

وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الشفقة على أمته وشدة الخوف من ربه، وسيأتي لذلك مزيد بيان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا رأيتموها‏)‏ في رواية كريمة ‏"‏ رأيتموهما ‏"‏ بالتثنية، وسيأتي القول فيه إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا فَصَلُّوا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا شهاب بن عباد‏)‏ هو العبدي الكوفي من شيوخ البخاري ومسلم، ولهم شيخ آخر يقال له شهاب بن عباد العبدي لكنه بصري وهو أقدم من الكوفي يكون في طبقة شيوخ شيوخه أخرج له البخاري وحده في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ وإبراهيم بن حميد شيخه هو ابن عبد الرحمن الرؤاسي بضم الراء بعدها همزة خفيفة، وفي طبقته إبراهيم بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ولم يخرجوا له‏.‏

وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وهذا الإسناد كله كوفيون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آيتان‏)‏ أي علامتان ‏(‏من آيات الله‏)‏ أي الدالة على وحدانية الله وعظيم قدرته أو على تخويف العباد من بأس الله وسطوته، ويؤيده قوله تعالى ‏(‏وما نرسل بالآيات إلا تخويفا‏)‏ وسيأتي قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏يخوف الله بهما عباده ‏"‏ في باب مفرد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا رأيتموها‏)‏ أي الآية، وللكشميهني ‏"‏ رأيتموهما ‏"‏ بالتثنية، وكذا في رواية الإسماعيلي والمعنى إذا رأيتم كسوف كل منهما لاستحالة وقوع ذلك فيهما معا في حالة واحدة عادة وإن كان ذلك جائزا في القدرة الإلهية‏.‏

واستدل به على مشروعية الصلاة في كسوف القمر، وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد إن شاء الله تعالى‏.‏

ووقع في رواية ابن المنذر ‏"‏ حتى ينجلي كسوف أيهما انكسف ‏"‏ وهو أصرح في المراد، وأفاد أبو عوانة أن في بعض الطرق أن ذلك كان يوم مات إبراهيم، وهو كذلك في مسند الشافعي، وهو يؤيد ما قدمناه من اتحاد القصة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقوموا فصلوا‏)‏ استدل به على أنه لا وقت لصلاة الكسوف معين، لأن الصلاة علقت برؤيته، وهي ممكنة في كل وقت من النهار، وبهذا قال الشافعي ومن تبعه، واستثنى الحنفية أوقات الكراهة وهو مشهور مذهب أحمد، وعن المالكية وقتها من وقت حل النافلة إلى الزوال‏.‏

وفي رواية إلى صلاة العصر، ورجح الأول بأن المقصود إيقاع هذه العبادة قبل الانجلاء‏.‏

وقد اتفقوا على أنها لا تقضي بعد الانجلاء، فلو انحصرت في وقت لأمكن الانجلاء قبله فيفوت المقصود، ولم أقف في شيء من الطرق مع كثرتها على أنه صلى الله عليه وسلم صلاها الأضحى لكن ذلك وقع اتفاقا ولا يدل على منع ما عدا واتفقت الطرق على أنه بادر إليها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عمرو‏)‏ هو ابن الحارث المصري، وعبد الرحمن بن القاسم هو ابن أبي بكر الصديق، ونصف رجال هذا الإسناد الأعلى مدنيون ونصفه الأدنى مصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يخسفان‏)‏ بفتح أوله ويجوز الضم، وحكى ابن الصلاح منعه، وروى ابن خزيمة والبزار من طريق نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ خسفت الشمس يوم مات إبراهيم ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ فافزعوا إلى الصلاة وإلى ذكر الله وادعوا وتصدقوا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا لحياته‏)‏ استشكلت هذه الزيادة لأن السياق إنما ورد في حق من ظن أن ذلك لموت إبراهيم ولم يذكروا الحياة‏.‏

والجواب أن فائدة ذكر الحياة دفع توهم من يقول لا يلزم من نفي كونه سببا للفقد أن لا يكون سببا للإيجاد، فعمم الشارع النفي لدفع هذا التوهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ كَسَفَتْ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن محمد‏)‏ هو المسندي، وهاشم هو أبو النضر وشيبان هو النحوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم مات إبراهيم‏)‏ يعني ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر جمهور أهل السير أنه مات في السنة العاشرة من الهجرة، فقيل في ربيع الأول وقيل في رمضان وقيل في ذي الحجة، والأكثر على أنها وقعت في عاشر الشهر وقيل في رابع عشرة، ولا يصح شيء منها على قول ذي الحجة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذ ذاك بمكة في الحج، وقد ثبت أنه شهد وفاته وكانت بالمدينة بلا خلاف، نعم قيل إنه مات سنة تسع فإن ثبت يصح، وجزم النووي بأنها كانت سنة الحديبية، ويجاب بأنه كان يومئذ بالحديبية ورجع منها في آخر الشهر، وفيه رد على أهل الهيئة لأنهم يزعمون أنه لا يقع في الأوقات المذكورة، وقد فرض الشافعي وقوع العيد والكسوف معا‏.‏

واعترضه بعض من اعتمد على قول أهل الهيئة، وانتدب أصحاب الشافعي لدفع قول المعترض فأصابوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا رأيتم‏)‏ أي شيئا من ذلك‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ فإذا رأيتم ذلك ‏"‏ وسيأتي من وجه آخر بعد أبواب ‏"‏ فإذا رأيتموها‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ابتدأ البخاري أبواب الكسوف بالأحاديث المطلقة في الصلاة بغير تقييد بصفة إشارة منه إلى أن ذلك يعطي أصل الامتثال، وإن كان إيقاعها على الصفة المخصوصة عنده أفضل، وبهذا قال أكثر العلماء‏.‏

ووقع لبعض الشافعية كالبندنيجي أن صلاتها ركعتين كالنافلة لا يجزئ، والله أعلم‏.‏

*3*باب الصَّدَقَةِ فِي الْكُسُوفِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصدقة في الكسوف‏)‏ أورد فيه حديث عائشة من رواية هشام بن عروة عن أبيه ثم عنها، أورده بعد باب من رواية ابن شهاب عن عروة، ثم بعد بابين من رواية عمرة عن عائشة، وعند كل منهم ما ليس عند الآخر وورد الأمر - في الأحاديث التي أوردها في الكسوف - بالصلاة والصدقة والذكر والدعاء وغير ذلك، وقد قدم منها الأهم فالأهم‏.‏

ووقع الأمر بالصدقة في رواية هشام دون غيرها فناسب أن يترجم بها، ولأن الصدقة تالية للصلاة فلذلك جعلها تلو ترجمة الصلاة في الكسوف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْأُولَى ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا ثُمَّ قَالَ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى‏)‏ استدل به على أنه صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على الوضوء فلهذا لم يحتج إلى الوضوء في تلك الحال، وفيه نظر لأن في السياق حذفا سيأتي في رواية ابن شهاب ‏"‏ خسفت الشمس فخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه ‏"‏ وفي رواية عمرة ‏"‏ فخسفت فرجع ضحى فمر بين الحجر ثم قام يصلي ‏"‏ وإذا ثبتت هذه الأفعال جاز أن يكون حذف أيضا فتوضأ ثم قام يصلي فلا يكون نصا في أنه كان على وضوء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأطال القيام‏)‏ في رواية ابن شهاب ‏"‏ فاقترأ قراءة طويلة ‏"‏ وفي أواخر الصلاة من وجه آخر عنه ‏"‏ فقرأ بسورة طويلة ‏"‏ وفي حديث ابن عباس بعد أربعة أبواب ‏"‏ فقرأ نحوا من سورة البقرة في الركعة الأولى ‏"‏ ونحوه لأبي داود من طريق سليمان بن يسار عن عروة وزاد فيه أنه ‏"‏ قرأ في القيام الأول من الركعة الثانية نحوا من آل عمران‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قام فأطال القيام‏)‏ في رواية ابن شهاب ‏"‏ ثم قال سمع الله لمن حمده ‏"‏ وزاد من وجه آخر عنه في أواخر الكسوف ‏"‏ ربنا ولك الحمد ‏"‏ واستدل به على استحباب الذكر المشروع في الاعتدال في أول القيام الثاني من الركعة الأولى، واستشكله بعض متأخري الشافعية من جهة كونه قيام قراءة لا قيام اعتدال بدليل اتفاق العلماء ممن قال بزيادة الركوع في كل ركعة على قراءة الفاتحة فيه وإن كان محمد بن مسلمة المالكي خالف فيه، والجواب أن صلاة الكسوف جاءت على صفة مخصوصة فلا مدخل للقياس فيها، بل كل ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعله فيها كان مشروعا لأنها أصل برأسه، وبهذا المعنى رد الجمهور على من قاسها على صلاة النافلة حتى منع من زيادة الركوع فيها‏.‏

وقد أشار الطحاوي إلى أن قول أصحابه جرى على القياس في صلاة النوافل، لكن اعترض بأن القياس مع وجود النص يضمحل، وبأن صلاة الكسوف أشبه بصلاة العيد ونحوها مما يجمع فيه من مطلق النوافل، فامتازت صلاة الجنازة بترك الركوع والسجود، وصلاة العيدين بزيادة التكبيرات، وصلاة الخوف بزيادة الأفعال الكثيرة واستدبار القبلة، فكذلك اختصت صلاة الكسوف بزيادة الركوع، فالأخذ به جامع بين العمل بالنص والقياس بخلاف من لم يعمل به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأطال الركوع‏)‏ لم أر في شيء من الطرق بيان ما قال فيه، إلا أن العلماء اتفقوا على أنه لا قراءة فيه، وإنما فيه الذكر من تسبيح وتكبير ونحوهما، ولم يقع في هذه الرواية ذكر تطويل الاعتدال الذي يقع فيه السجود بعده، ولا تطويل الجلوس بين السجدتين، وسيأتي البحث فيه في ‏"‏ باب طول السجود ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعله في الأولى‏)‏ وقع ذلك مفسرا في رواية عمرة الآتية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم انصرف‏)‏ أي من الصلاة ‏(‏وقد تجلت الشمس‏)‏ في رواية ابن شهاب ‏"‏ انجلت الشمس قبل أن ينصرف ‏"‏ وللنسائي ‏"‏ ثم تشهد وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فخطب الناس‏)‏ فيه مشروعية الخطبة للكسوف، والعجب أن مالكا روى حديث هشام هذا وفيه التصريح بالخطبة ولم يقل به أصحابه، وسيأتي البحث فيه بعد باب‏.‏

واستدل به على أن الانجلاء لا يسقط الخطبة، بخلاف ما لو انجلت قبل أن يشرع في الصلاة فإنه يسقط الصلاة والخطبة، فلو انجلت في أثناء الصلاة أتمها على الهيئة المذكورة عند من قال بها، وسيأتي ذكر دليله، وعن أصبغ‏:‏ يتمها على هيئة النوافل المعتادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فحمد الله وأثنى عليه‏)‏ زاد النسائي في حديث سمرة ‏"‏ وشهد أنه عبد الله ورسوله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاذكروا الله‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فادعوا الله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والله ما من أحد‏)‏ فيه القسم لتأكيد الخبر وإن كان السامع غير شاك فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما من أحد أغير‏)‏ بالنصب على أنه الخبر وعلى أن ‏"‏ من ‏"‏ زائدة، ويجوز فيه الرفع على لغة تميم، أو ‏"‏ أغير ‏"‏ مخفوض صفة لأحد، والخبر محذوف تقديره موجود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أغير‏)‏ أفعل تفضيل من الغيرة بفتح الغين المعجمة وهي في اللغة تغير يحصل من الحمية والأنفة، وأصلها في الزوجين والأهلين وكل ذلك محال على الله تعالى صلى الله عليه وسلم لأنه منزه عن كل تغير ونقص فيتعين حمله على المجاز، فقيل‏:‏ لما كانت ثمرة الغيرة صون الحريم ومنعهم وزجر من يقصد إليهم، أطلق عليه ذلك لكونه منع من فعل ذلك وزجر فاعله وتوعده، فهو من باب تسمية الشيء بما يترتب عليه‏.‏

وقال ابن فورك‏:‏ المعنى ما أحد أكثر زجرا عن الفواحش من الله‏.‏

وقال‏:‏ غيرة الله ما يغير من حال العاصي بانتقامه منه في الدنيا والآخرة أو في إحداهما، ومنه قوله تعالى ‏(‏إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‏)‏ وقال ابن دقيق العيد‏:‏ أهل التنزيه في مثل هذا على قولين، إما ساكت، وإما مؤول على أن المراد بالغيرة شدة المنع والحماية، فهو من مجاز الملازمة‏.‏

وقال الطيبي وغيره‏:‏ وجه اتصال هذا المعنى بما قبله من قوله ‏"‏ فاذكروا الله الخ ‏"‏ من جهة أنهم لما أمروا باستدفاع البلاء بالذكر والدعاء والصلاة والصدقة ناسب ردعهم عن المعاصي التي هي من أسباب جلب البلاء، وخص منها الزنا لأنه أعظمها في ذلك‏.‏

وقيل‏:‏ لما كانت هذه المعصية من أقبح المعاصي وأشدها تأثيرا في إثارة النفوس وغلبة الغضب ناسب ذلك تخويفهم في هذا المقام من مؤاخذة رب الغيرة وخالقها سبحانه وتعالى‏.‏

وقوله ‏"‏يا أمة محمد ‏"‏ فيه معنى الإشفاق كما يخاطب الوالد ولده إذا أشفق عليه بقوله ‏"‏ يا بني ‏"‏ كذا قيل، وكان قضية ذلك أن يقول يا أمتي لكن لعدوله عن المضمر إلى المظهر حكمة، وكأنها بسبب كون المقام مقام تحذير وتخويف لما في الإضافة إلى الضمير من الإشعار بالتكريم، ومثله ‏"‏ يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا ‏"‏ الحديث‏.‏

وصدر صلى الله عليه وسلم كلامه باليمين لإرادة التأكيد للخبر وإن كان لا يرتاب في صدقه، ولعل تخصيص العيد والأمة بالذكر رعاية لحسن الأدب مع الله تعالى لتنزهه عن الزوجة والأهل ممن يتعلق بهم الغيرة غالبا‏.‏

ويؤخذ من قوله ‏"‏ يا أمة محمد ‏"‏ أن الواعظ ينبغي له حال وعظه أن لا يأتي بكلام فيه تفخيم لنفسه، بل يبالغ في التواضع لأنه أقرب إلى انتفاع من يسمعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو تعلمون ما أعلم‏)‏ أي من عظيم قدرة الله وانتقامه من أهل الإجرام، وقيل معناه لو دام علمكم كما دام علمي، لأن علمه متواصل بخلاف غيره، وقيل‏:‏ معناه لو علمتم من سعة رحمة الله وحلمه وغير ذلك ما أعلم لبكيتم على ما فاتكم من ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لضحكتم قليلا‏)‏ قيل معنى القلة هنا العدم، والتقدير لتركتم الضحك ولم يقع منكم إلا نادرا لغلبة الخوف واستيلاء الحزن‏.‏

وحكى ابن بطال عن المهلب أن سبب ذلك ما كان عليه الأنصار من محبة اللهو والغناء‏.‏

وأطال في تقرير ذلك بما لا طائل فيه ولا دليل عليه‏.‏

ومن أين له أن المخاطب بذلك الأنصار دون غيرهم‏؟‏ والقصة كانت في أواخر زمنه صلى الله عليه وسلم حيث امتلأت المدينة بأهل مكة ووفود العرب وقد بالغ الزين بن المنير في الرد عليه والتشنيع بما يستغنى عن حكايته‏.‏

وفي الحديث ترجيح التخويف في الخطبة على التوسع في الترخيص لما في ذكر الرخص من ملاءمة النفوس لما جبلت عليه من الشهوة، والطبيب الحاذق يقابل العلة بما يضادها لا بما يزيدها‏.‏

واستدل به على أن لصلاة الكسوف هيئة تخصها من التطويل الزائد على العادة في القيام وغيره، ومن زيادة ركوع في كل ركعة‏.‏

وقد وافق عائشة على رواية ذلك عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو متفق عليهما، ومثله عن أسماء بنت أبي بكر كما تقدم في صفة الصلاة، وعن جابر عند مسلم، وعن علي عند أحمد، وعن أبي هريرة عند النسائي، وعن ابن عمر عند البزار، وعن أم سفيان عند الطبراني وفي رواياتهم زيادة رواها الحفاظ الثقات فالأخذ بها أولى من إلغائها وبذلك قال جمهور أهل العلم من أهل الفتيا، وقد وردت الزيادة في ذلك من طرق أخرى فعند مسلم من وجه آخر عن عائشة، وآخر عن جابر أن في كل ركعة ثلاث ركوعات، وعنده من وجه آخر عن ابن عباس أن في كل ركعة أربع ركوعات، ولأبي داود من حديث أبي بن كعب، والبزار من حديث علي أن في كل ركعة خمس ركوعات، ولا يخلو إسناد منها عن علة وقد أوضح ذلك البيهقي وابن عبد البر، ونقل صاحب الهدى عن الشافعي وأحمد والبخاري أنهم كانوا يعدون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطا من بعض الرواة، فإن أكثر طرق الحديث يمكن رد بعضها إلى بعض، ويجمعها أن ذلك يوم مات إبراهيم عليه السلام وإذا اتحدت تعين الأخذ بالراجح، وجمع بعضهم بين هذه الأحاديث بتعدد الواقعة، وأن الكسوف وقع مرارا، فيكون كل من هذه الأوجه جائزا، وإلى ذلك نحا إسحاق لكن لم تثبت عنده الزيادة على أربع ركوعات‏.‏

وقال ابن خزيمة وابن المنذر والخطابي وغيرهم من الشافعية‏:‏ يجوز العمل بجميع ما ثبت من ذلك وهو من الاختلاف المباح، وقواه النووي في شرح مسلم، وأبدى بعضهم أن حكمة الزيادة في الركوع والنقص كان بحسب سرعة الانجلاء وبطئه، فحين وقع الانجلاء في أول ركوع اقتصر على مثل النافلة، وحين أبطأ زاد ركوعا، وحين زاد في الإبطاء زاد ثالثا وهكذا إلى غاية ما ورد في ذلك‏.‏

وتعقبه النووي وغيره بأن إبطاء الانجلاء وعدمه لا يعلم في أول الحال ولا في الركعة الأولى، وقد اتفقت الروايات على أن عدد الركوع في الركعتين سواء، وهذا يدل على أنه مقصود في نفسه منوي من أول الحال‏.‏

وأجيب باحتمال أن يكون الاعتماد على الركعة الأولى، وأما الثانية فهي تبع لها فمهما اتفق وقوعه في الأولى بسبب بطء الانجلاء يقع مثله في الثانية ليساوي بينهما، ومن ثم قال أصبغ كما تقدم‏:‏ إذا وقع الانجلاء في أثنائها يصلي الثانية كالعادة‏.‏

وعلى هذا فيدخل المصلي فيها على نية مطلق الصلاة، ويزيد في الركوع بحسب الكسوف، ولا مانع من ذلك‏.‏

وأجاب بعض الحنفية عن زيادة الركوع بحمله على رفع الرأس لرؤية الشمس هل انجلت أم لا‏؟‏ فإذا لم يرها انجلت رجع إلى ركوعه ففعل ذلك مرة أو مرارا فظن بعض من رآه يفعل ذلك ركوعا زائدا‏.‏

وتعقب بالأحاديث الصحيحة الصريحة في أنه أطال القيام بين الركوعين ولو كان الرفع لرؤية الشمس فقط لم يحتج إلى تطويل، ولا سيما الأخبار الصريحة بأنه ذكر ذلك الاعتدال ثم شرع في القراءة فكل ذلك يرد هذا الحمل، ولو كان كما زعم هذا القائل لكان فيه إخراج لفعل الرسول عن العبادة المشروعة أو لزم منه إثبات هيئة في الصلاة لا عهد بها وهو ما فر منه‏.‏

وفي حديث عائشة من الفوائد غير ما تقدم المبادرة بالصلاة وسائر ما ذكر عند الكسوف، والزجر عن كثرة الضحك، والحث على كثرة البكاء، والتحقق بما سيصير إليه المرء من الموت والفناء والاعتبار بآيات الله‏.‏

وفيه الرد على من زعم أن للكواكب تأثيرا في الأرض لانتفاء ذلك عن الشمس والقمر فكيف بما دونهما‏.‏

وفيه تقديم الإمام في الموقف، وتعديل الصفوف، والتكبير بعد الوقوف في موضع الصلاة، وبيان ما يخشى اعتقاده على غير الصواب، واهتمام الصحابة بنقل أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ليقتدى به فيها‏.‏

ومن حكمة وقوع الكسوف تبيين أنموذج ما سيقع في القيامة، وصورة عقاب من لم يذنب، والتنبيه على سلوك طريق الخوف مع الرجاء لوقوع الكسوف بالكوكب ثم كشف ذلك عنه ليكون المؤمن من ربه على خوف ورجاء‏.‏

وفي الكسوف إشارة إلى تقبيح رأي من يعبد الشمس أو القمر، وحمل بعضهم الأمر في قوله تعالى ‏(‏لا تسجدوا للشمس ولا القمر واسجدوا لله الذي خلقهن‏)‏ على صلاة الكسوف لأنه الوقت الذي يناسب الإعراض عن عبادتهما لما يظهر فيهما من التغيير والنقص المنزه عنه المعبود جل وعلا سبحانه وتعالى‏.‏

*3*باب النِّدَاءِ بِ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ فِي الْكُسُوفِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب النداء بالصلاة جامعة‏)‏ هو بالنصب فيهما على الحكاية، ونصب ‏"‏ الصلاة ‏"‏ في الأصل على الإغراء، وجامعة على الحال، أي احضروا الصلاة في حال كونها جامعة‏.‏

وقيل برفعهما على أن الصلاة مبتدأ وجامعة خبره ومعناه ذات جماعة، وقيل جامعة صفة والخبر محذوف تقديره فاحضروها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامِ بْنِ أَبِي سَلَّامٍ الْحَبَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُودِيَ إِنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني إسحاق‏)‏ هو ابن منصور على رأي الجياني أو ابن راهويه على رأي أبي نعيم، ويحيى ابن صالح من شيوخ البخاري وربما أخرج عنه بواسطة كهذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الحبشي‏)‏ بفتح المهملة والموحدة بعدها معجمة، ووهم من ضبطه بضم أوله وسكون ثانيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني أبو سلمة عن عبد الله‏)‏ في رواية حجاج الصواف عن يحيى ‏"‏ حدثنا أبو سلمة حدثني عبد الله ‏"‏ أخرجه ابن خزيمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نودي‏)‏ كذا فيه بلفظ البناء للمفعول، وصرح الشيخان في حديث عائشة بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديا فنادى بذلك‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ هذا الحديث حجة لمن استحب ذلك، وقد اتفقوا على أنه لا يؤذن لها ولا يقام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن الصلاة‏)‏ بفتح الهمزة وتخفيف النون وهي المفسرة، وروي بتشديد النون والخبر محذوف تقديره أن الصلاة ذات جماعة حاضرة ويروى برفع جامعة على أنه الخبر‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ نودي بالصلاة جامعة ‏"‏ وفيه ما تقدم في لفظ الترجمة‏.‏

وعن بعض العلماء يجوز في الصلاة جامعة النصب فيهما، والرفع فيهما، ويجوز رفع الأول ونصب الثاني، وبالعكس‏.‏