فصل: باب الصَّلَاةِ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الذِّكْرِ فِي الْكُسُوفِ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الذكر في الكسوف رواه ابن عباس‏)‏ أي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم حديثه بلفظ ‏"‏ فاذكروا الله‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ وَقَالَ هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا‏)‏ بكسر الزاي صفة مشبهة، ويجوز الفتح على أنه مصدر بمعنى الصفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يخشى أن تكون الساعة‏)‏ بالضم على أن كان تامة أي يخشى أن تحضر الساعة، أو ناقصة والساعة اسمها والخبر محذوف، أو العكس‏.‏

قيل وفيه جواز الإخبار بما يوجبه الظن من شاهد الحال، لأن سبب الفزع يخفى عن المشاهد لصورة الفزع فيحتمل أن يكون الفزع لغير ما ذكر، فعلى هذا فيشكل هذا الحديث من حيث أن للساعة مقدمات كثيرة لم تكن وقعت كفتح البلاد واستخلاف الخلفاء وخروج الخوارج‏.‏

ثم الأشراط كطلوع الشمس من مغربها والدابة والدجال والدخان وغير ذلك‏.‏

ويجاب عن هذا باحتمال أن تكون قصة الكسوف وقعت قبل إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العلامات، أو لعله خشي أن يكون ذلك بعض المقدمات، أو أن الراوي ظن أن الخشية لذلك وكانت لغيره كعقوبة تحدث كما كان يخشى عند هبوب الريح‏.‏

هذا حاصل ما ذكره النووي تبعا لغيره، وزاد بعضهم أن المراد بالساعة غير يوم القيامة، أي الساعة التي جعلت علامة على أمر من الأمور، كموته صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك، وفي الأول نظر لأن قصة الكسوف متأخرة جدا، فقد تقدم أن موت إبراهيم كان في العاشرة كما اتفق عليه أهل الأخبار، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكثير من الأشراط والحوادث قبل ذلك‏.‏

وأما الثالث فتحسين الظن بالصحابي يقتضي أنه لا يجزم بذلك إلا بتوقيف‏.‏

وأما الرابع فلا يخفى بعده‏.‏

وأقربها الثاني فلعله خشي أن يكون الكسوف مقدمة لبعض الأشراط كطلوع الشمس من مغربها، ولا يستحيل أن يتخلل بين الكسوف والطلوع المذكور أشياء مما ذكر وتقع متتالية بعضها إثر بعض مع استحضار قوله تعالى ‏(‏وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب‏)‏ ، ثم ظهر لي أنه يحتمل أن يخرج على مسألة دخول النسخ في الأخبار فإذا قيل بجواز ذلك زال الإشكال‏.‏

وقيل لعله قدر وقوع الممكن لولا ما أعلمه الله تعالى بأنه لا يقع قبل الأشراط تعظيما منه لأمر الكسوف ليتبين لمن يقع له من أمته ذلك كيف يخشى ويفزع لا سيما إذا وقع لهم ذلك بعد حصول الأشراط أو أكثرها‏.‏

وقيل لعل حالة استحضار إمكان القدرة غلبت على استحضار ما تقدم من الشروط لاحتمال أن تكون تلك الأشراط كانت مشروطة بشرط لم يتقدم ذكره فيقع المخوف بغير أشراط لفقد الشرط، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذه الآيات التي يرسل الله‏)‏ ثم قال ‏(‏ولكن يخوف الله بها عباده‏)‏ موافق لقوله تعالى ‏(‏وما نرسل بالآيات إلا تخويفا‏)‏ وموافق لما تقدم تقريره في الباب الأول، واستدل بذلك على أن الأمر بالمبادرة إلى الذكر والدعاء والاستغفار وغير ذلك لا يختص بالكسوفين لأن الآيات أعم من ذلك، وقد تقدم القول في ذلك في أواخر الاستسقاء‏.‏

ولم يقع في هذه الرواية ذكر الصلاة، فلا حجة فيه لمن استحبها عند كل آية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى ذكر الله‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ إلى ذكره ‏"‏ والضمير يعود على الله في قوله ‏"‏ يخوف الله بها عباده‏"‏، وفيه الندب إلى الاستغفار عند الكسوف وغيره لأنه مما يدفع به البلاء‏.‏

*3*باب الدُّعَاءِ فِي الْخُسُوفِ

قَالَهُ أَبُو مُوسَى وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الدعاء في الكسوف‏)‏ في رواية كريمة وأبي الوقت ‏"‏ في الخسوف‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قاله أبو موسى وعائشة‏)‏ يشير إلى حديث أبي موسى الذي قبله، وأما حديث عائشة فوقع الأمر فيه بالدعاء من طريق هشام عن أبيه وهو في الباب الثاني، وورد الأمر بالدعاء أيضا من حديث أبي بكرة وغيره، ومنهم من حمل الذكر والدعاء على الصلاة لكونهما من أجزائها، والأول أولى لأنه جمع بينهما في حديث أبي بكرة حيث قال ‏"‏ فصلوا وادعوا‏"‏، ووقع في حديث ابن عباس عند سعيد ابن منصور ‏"‏ فاذكروا الله وكبروه وسبحوه وهللوه ‏"‏ وهو من عطف الخاص على العام، وقد تقدم الكلام على حديث المغيرة في الباب الأول‏.‏

*3*باب قَوْلِ الْإِمَامِ فِي خُطْبَةِ الْكُسُوفِ أَمَّا بَعْدُ

وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الإمام في خطبة الكسوف‏:‏ أما بعد‏)‏ ذكر فيه حديث أسماء مختصرا معلقا فقال ‏"‏ وقال أبو أسامة‏"‏، وقد تقدم مطولا من هذا الوجه في كتاب الجمعة، ووقع فيه هنا في رواية أبي علي ابن السكن وهم نبه عليه أبي علي الجياني وذلك أنه أدخل - بين هشام وفاطمة بنت المنذر - عروة بن الزبير والصواب حذفه‏.‏

قلت‏:‏ لعله كان عنده ‏"‏ هشام بن عروة بن الزبير ‏"‏ فتصحفت ‏"‏ ابن ‏"‏ فصارت ‏"‏ عن ‏"‏ وذلك من الناسخ، وإلا فابن السكن من الحفاظ الكبار‏.‏

وفيه تأييد لمن استحب لصلاة الكسوف خطبة كما تقدم في بابه‏.‏

*3*باب الصَّلَاةِ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في كسوف القمر‏)‏ أورد فيه حديث أبي بكرة من وجهين مختصرا ومطولا، واعترض عليه بأن المختصر ليس فيه ذكر القمر لا بالتنصيص ولا بالاحتمال، والجواب أنه أراد أن يبين أن المختصر بعض الحديث المطول، وأما المطول فيؤخذ المقصود من قوله ‏"‏ وإذا كان ذلك فصلوا ‏"‏ بعد قوله ‏"‏ أن الشمس والقمر ‏"‏ وقد وقع في بعض طرقه ما هو أصرح من ذلك، فعند ابن حبان من طريق نوح بن قيس عن يونس بن عبيد في هذا الحديث ‏"‏ فإذا رأيتم شيئا من ذلك ‏"‏ وعنده في حديث عبد الله ابن عمرو ‏"‏ فإذا انكسف أحدهما ‏"‏ وقد تقدم حديث أبي مسعود بلفظ ‏"‏ كسوف أيهما انكسف ‏"‏ وفي ذلك رد على من قال لا تندب الجماعة في كسوف القمر، وفرق بوجود المشقة في الليل غالبا دون النهار ووقع عند ابن حبان من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف القمر ولفظه من طريق النضر بن شميل عن أشعث بإسناده في هذا الحديث ‏"‏ صلى في كسوف الشمس والقمر ركعتين مثل صلاتكم‏"‏، وأخرجه الدار قطني أيضا، وفي هذا رد على من أطلق كابن رشيد أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل فيه، ومنهم من أول قوله ‏"‏ صلى ‏"‏ أي أمر بالصلاة، جمعا بين الروايتين‏.‏

وقال صاحب الهدى‏:‏ لم ينقل أنه صلى في كسوف القمر في جماعة، لكن حكى ابن حبان في السيرة له ‏"‏ أن القمر خسف في السنة الخامسة فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الكسوف وكانت أول صلاة كسوف في الإسلام‏"‏، وهذا إن ثبت انتفى التأويل المذكور، وقد جزم به مغلطاي في سيرته المختصرة وتبعه شيخنا في نظمها‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ حكى ابن التين أنه وقع في رواية الأصيلي في حديث أبي بكرة هذا ‏"‏ انكسف القمر ‏"‏ بدل الشمس، وهذا تغيير لا معنى له، وكأنه عسرت عليه مطابقة الحديث للترجمة فظن أن لفظه مغير فغيره هو إلى ما ظنه صوابا وليس كذلك‏.‏

*3*باب الرَّكْعَةُ الْأُولَى فِي الْكُسُوفِ أَطْوَلُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الركعة الأولى في الكسوف أطول‏)‏ كذا وقع هنا للحموي وللكشميهني، ووقع بدله للمستملي ‏"‏ باب صب المرأة على رأسها الماء إذا أطال الإمام القيام في الركعة الأولى ‏"‏ قال ابن رشيد وقع في هذا الموضع تخليط من الرواة، وحديث عائشة المذكور مطابق للترجمة الأولى قطعا، وأما الثانية فحقها أن تذكر في موضع آخر، وكأن المصنف ترجم بها وأخلى بياضا ليذكر لها حديثا أو طريقا كما جرت عادته فلم يحصل غرضه فضم بعض الكتابة إلى بعض فنشأ هذا، والأليق بها حديث أسماء المذكور قبل سبعة أبواب فهو نص فيه‏.‏

انتهى‏.‏

ويؤيد ما ذكره ما وقع في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري فإنه ذكر ‏"‏ باب صب المرأة ‏"‏ أولا وقال في الحاشية‏:‏ ليس فيه حديث، ثم ذكر ‏"‏ باب الركعة الأولى أطول ‏"‏ وأورد فيه حديث عائشة، وكذا صنع الإسماعيلي في مستخرجه‏.‏

فعلى هذا فالذي وقع من صنيع شيوخ أبي ذر من اقتصار بعضهم على إحدى الترجمتين ليس بجيد، أما من اقتصر على الأولى وهو المستملي فخطأ محض، إذ لا تعلق لها بحديث عائشة، وأما الآخران فمن حيث أنهما حذفا الترجمة أصلا، وكأنهما استشكلاها فحذفاها، ولهذا حذفت من رواية كريمة أيضا عن الكشميهني، وكذا من رواية الأكثر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي سَجْدَتَيْنِ الْأَوَّلُ الْأَوَّلُ أَطْوَلُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو أحمد‏)‏ هو الزبيري، وسفيان هو الثوري، وهذا المتن طرف من الحديث الطويل الماضي في ‏"‏ باب صلاة الكسوف في المسجد ‏"‏ وكأنه مختصر منه بالمعنى فإنه قال فيه ‏"‏ ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ‏"‏ وقال في هذا ‏"‏ أربع ركعات في سجدتين الأولى أطول ‏"‏ وقد رواه الإسماعيلي بلفظ ‏"‏ الأولى فالأولى أطول ‏"‏ وفيه دليل لمن قال‏:‏ إن القيام الأول من الركعة الثانية يكون دون القيام الثاني من الركعة الأولى، وقد قال ابن بطال‏:‏ إنه لا خلاف أن الركعة الأولى بقيامها وركوعيها تكون أطول من الركعة الثانية بقيامها وركوعيها‏.‏

وقال النووي‏:‏ اتفقوا على أن القيام الثاني وركوعه فيهما أقصر من القيام الأول وركوعه فيهما، واختلفوا في القيام الأول من الثانية وركوعه هل هما أقصر من القيام الثاني من الأولى وركوعه أو يكونان سواء‏؟‏ قيل‏:‏ وسبب هذا الخلاف فهم معنى قوله ‏"‏ وهو دون القيام الأول ‏"‏ هل المراد به الأول من الثانية أو يرجع إلى الجميع فيكون كل قيام دون الذي قبله‏.‏

ورواية الإسماعيلي تعين هذا الثاني، ويرجحه أيضا أنه لو كان المراد من قوله ‏"‏ القيام الأول ‏"‏ أول قيام من الأولى فقط لكان القيام الثاني والثالث مسكوتا عن مقدارهما، فالأول أكثر فائدة، والله أعلم‏.‏

*3*باب الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْكُسُوفِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الجهر بالقراءة في الكسوف‏)‏ أي سواء كان للشمس أو القمر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ نَمِرٍ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ كَبَّرَ فَرَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ثُمَّ يُعَاوِدُ الْقِرَاءَةَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ مُنَادِيًا بُ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ مِثْلَهُ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَقُلْتُ مَا صَنَعَ أَخُوكَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَا صَلَّى إِلَّا رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبْحِ إِذْ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ قَالَ أَجَلْ إِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ تَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي الْجَهْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا ابن نمر‏)‏ بفتح النون وكسر الميم، اسمه عبد الرحمن، وهو دمشقي وثقه دحيم والذهلي وابن البرقي وآخرون، وضعفه ابن معين لأنه لم يرو عنه غير الوليد وليس له في الصحيحين غير هذا الحديث، وقد تابعه عليه الأوزاعي وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته‏)‏ استدل به على الجهر فيها بالنهار، وحمله جماعة ممن لم ير بذلك على كسوف القمر، وليس بجيد لأن الإسماعيلي روى هذا الحديث من وجه آخر عن الوليد بلفظ ‏"‏ كسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكر الحديث، وكذا رواية الأوزاعي التي بعده صريحة في الشمس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الأوزاعي وغيره سمعت الزهري الخ‏)‏ وصله مسلم عن محمد بن مهران عن الوليد ابن مسلم حدثنا الأوزاعي وغيره فذكره، وأعاد الإسناد إلى الوليد قال‏:‏ أخبرنا عبد الرحمن بن نمر فذكره، وزاد فيه مسلم طريق كثير بن عباس عن أخيه ولم يذكر قصة عبد الله بن الزبير، واستدل بعضهم على ضعف رواية عبد الرحمن بن نمر في الجهر بأن الأوزاعي لم يذكره في روايته الجهر، وهذا ضعيف لأن من ذكر حجة على من لم يذكر، لا سيما والذي لم يذكره لم يتعرض لنفيه، وقد ثبت الجهر في رواية الأوزاعي عند أبي داود والحاكم من طريق الوليد بن مزيد عنه، ووافقه سليمان بن كثير وغيره كما ترى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أجل‏)‏ أي نعم وزنا ومعنى‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ من أجل ‏"‏ بسكون الجيم، وعلى الأول فقوله ‏"‏ أنه أخطأ ‏"‏ بكسر همزة إنه وعلى الثاني بفتحها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه سليمان بن كثير وسفيان بن حسين عن الزهري في الجهر‏)‏ يعني بإسناده المذكور، ورواية سليمان وصلها أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عنه بلفظ ‏"‏ خسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فكبر ثم كبر الناس ثم قرأ فجهر بالقراءة ‏"‏ الحديث، ورويناه في مسند أبي داود الطيالسي عن سليمان بن كثير بهذا الإسناد مختصرا ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة في صلاة الكسوف ‏"‏ وأما رواية سفيان بن حسين فوصلها الترمذي والطحاوي بلفظ ‏"‏ صلى صلاة الكسوف وجهر بالقراءة فيها ‏"‏ وقد تابعهم على ذكر الجهر عن الزهري عقيل عند الطحاوي وإسحاق ابن راشد عند الدار قطني، وهذه طرق يعضد بعضها بعضا يفيد مجموعها الجزم بذلك فلا معنى لتعليل من أعله بتضعيف سفيان بن حسين وغيره، فلو لم يرد في ذلك إلا رواية الأوزاعي لكانت كافية، وقد ورد الجهر فيها عن على مرفوعا وموقوفا أخرجه ابن خزيمة وغيره‏.‏

وقال به صاحبا أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهما من محدثي الشافعية وابن العربي من المالكية‏.‏

وقال الطبري‏:‏ يخير بين الجهر والإسرار‏.‏

وقال الأئمة الثلاثة‏:‏ يسر في الشمس ويجهر في القمر، واحتج الشافعي بقول ابن عباس ‏"‏ قرأ نحوا من سورة البقرة ‏"‏ لأنه لو جهر لم يحتج إلى تقدير، وتعقب باحتمال أن يكون بعيدا منه، لكن ذكر الشافعي تعليقا عن ابن عباس أنه صلى بجنب النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف فلم يسمع منه حرفا، ووصله البيهقي من ثلاثة طرق أسانيدها واهية، وعلى تقدير صحتها فمثبت الجهر معه قدر زائدة فالأخذ به أولى، وإن ثبت العدد فيكون فعل ذلك لبيان الجواز، وهكذا الجواب عن حديث سمرة عند ابن خزيمة والترمذي ‏"‏ لم يسمع له صوتا ‏"‏ وأنه إن ثبت لا يدل على نفي الجهر، قال ابن العربي‏:‏ الجهر عندي أولى لأنها صلاة جامعة ينادي لها ويخطب فأشبهت العيد والاستسقاء، والله أعلم‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب الكسوف على أربعين حديثا نصفها موصول ونصفها معلق، المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وثلاثون، والخالص ثمانية‏.‏

وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي بكرة، وحديث أسماء في العتاقة، ورواية عمرة عن عائشة الأولى أطول لكنه أخرج أصله‏.‏

وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين خمسة آثار فيها أثر عبد الله بن الزبير، وفيها أثر عروة في تخطئته، وهما موصولان‏.‏

الحديث‏:‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَبْوَابُ سُجُودِ الْقُرْآنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبواب سجود القرآن‏)‏ كذا للمستملي، ولغيره ‏"‏ باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها ‏"‏ أي سنة سجود التلاوة، وللأصيلي ‏"‏ وسنته‏"‏‏.‏

وسيأتي ذكر من قال بوجوبها في آخر الأبواب‏.‏

وسقطت البسملة لأبي ذر‏.‏

وقد أجمع العلماء على أنه يسجد وفي عشرة مواضع وهي متوالية إلا ثانية الحج و ‏"‏ص‏"‏، وأضاف مالك ‏"‏ص‏"‏ فقط، والشافعي في القديم ثانية الحج فقط، وفي الجديد هي وما في المفصل وهو قول عطاء، وعن أحمد مثله في رواية، وفي أخرى مشهورة زيادة ‏"‏ص‏"‏ وهو قول الليث وإسحاق وابن وهب وابن حبيب من المالكية وابن المنذر وابن سريج من الشافعية، وعن أبي حنيفة مثله لكن نفي ثانية الحج وهو قول داود، ووراء ذلك أقوال أخرى منها عن عطاء الخراساني الجميع إلا ثانية الحج والانشقاق، وقيل بإسقاطهما وإسقاط ‏"‏ص‏"‏ أيضا، وقيل الجميع مشروع ولكن العزائم الأعراف وسبحان وثلاث المفصل روي عن ابن مسعود، وعن ابن عباس الم تنزيل وحم تنزيل والنجم واقرأ، وعن سعيد بن جبير مثله بإسقاط اقرأ، وعن عبيد بن عمير مثله لكن بإسقاط النجم وإثبات الأعراف وسبحان، وعن علي ما ورد الأمر فيه بالسجود عزيمة، وقيل يشرع السجود عند كل لفظ وقع فيه الأمر بالسجود أو الحث عليه والثناء على فاعله أو سيق مساق المدح وهذا يبلغ عددا كثيرا وقد أشار إليه أبو محمد بن الخشاب في قصيدته الإلغازية‏.‏

*3*مَا جَاءَ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ وَسُنَّتِهَا

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْأَسْوَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجْمَ بِمَكَّةَ فَسَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ غَيْرَ شَيْخٍ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ يَكْفِينِي هَذَا فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت الأسود‏)‏ هو ابن يزيد، وعبد الله هو ابن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسجد من معه غير شيخ‏)‏ سماه في تفسير سورة النجم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق‏:‏ أمية بن خلف، ووقع في سيرة ابن إسحاق أنه الوليد بن المغيرة، وفيه نظر لأنه لم يقتل، وفي تفسير سنيد‏:‏ الوليد بن المغيرة أو عتبة بن ربيعة بالشك وفيه نظر لما أخرجه الطبراني من حديث مخرمة بن نوفل قال ‏"‏ لما أظهر النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام أسلم أهل مكة حتى إنه كان ليقرأ السجدة فيسجدون فلا يقدر بعضهم أن يسجد من الزحام، حتى قدم رؤساء قريش الوليد بن المغيرة وأبو جهل، وغيرهما وكانوا بالطائف فرجعوا وقالوا‏:‏ تدعون دين آبائكم ‏"‏ لكن في ثبوت هذا نظر، لقول أبي سفيان في الحديث الطويل‏:‏ ‏"‏ إنه لم يرتد أحد ممن أسلم ‏"‏ ويمكن أن يجمع بأن النفي مقيد بمن ارتد سخطا لا بسبب مراعاة خاطر رؤسائه‏.‏

وروى الطبري من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير أن الذي رفع التراب فسجد عليه هو سعيد بن العاص ابن أمية أبو أحيحة وتبعه النحاس، وذكر أبو حيان شيخ شيوخنا في تفسيره أنه أبو لهب ولم يذكر مستنده، وفي مصنف ابن أبي شيبة عن أبي هريرة ‏"‏ سجدوا في النجم إلا رجلين من قريش أرادا بذلك الشهرة‏"‏‏.‏

وللنسائي من حديث المطلب بن أبي وداعة قال ‏"‏ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم النجم، فسجد وسجد من معه، فرفعت رأسي وأبيت أن أسجد ‏"‏ ولم يكن المطلب يومئذ أسلم‏.‏

ومهما ثبت من ذلك فلعل ابن مسعود لم يره أو خص واحدا بذكره لاختصاصه بأخذ الكف من التراب دون غيره‏.‏

وأفاد المصنف في رواية إسرائيل أن النجم أول سورة أنزلت فيها سجدة، وهذا هو السر في بداءة المصنف في هذه الأبواب بهذا الحديث، واستشكل بأن ‏(‏اقرأ باسم ربك‏)‏ أول السور نزولا وفيها أيضا سجدة فهي سابقة على النجم، وأجيب بأن السابق من اقرأ أوائلها، وأما بقيتها فنزل بعد ذلك‏.‏

بدليل قصة أبي جهل في نهيه للنبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، أو الأولية مقيدة بشيء محذوف بينته رواية زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عند ابن مردويه بلفظ ‏"‏ أن أول سورة استعلن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والنجم ‏"‏ وله من رواية عبد الكبير صلى الله عليه وسلم بن دينار عن أبي إسحاق ‏"‏ أول سورة تلاها على المشركين ‏"‏ فذكره، فيجمع بين الروايات الثلاث بأن المراد أول سورة فيها سجدة تلاها جهرا على المشركين‏.‏

وسيأتي بقية الكلام عليه في تفسير سورة النجم إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب سَجْدَةِ تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب سجدة تنزيل السجدة‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ اجمعوا على السجود فيها، وإنما اختلفوا في السجود بها في الصلاة‏.‏

انتهى‏.‏

وقد تقدم الكلام على ذلك وعلى حديث أبي هريرة المذكور في الباب في كتاب الجمعة مستوفى‏.‏

*3*باب سَجْدَةِ ‏"‏ص‏"‏

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب سجدة ‏"‏ص‏"‏‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس ‏"‏ ص ليس من عزائم السجود ‏"‏ يعني السجود في ‏"‏ص‏"‏ إلى آخره، والمراد بالعزائم ما وردت العزيمة على فعله كصيغة الأمر مثلا بناء على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند من لا يقول بالوجوب، وقد روى ابن المنذر وغيره عن علي بن أبي طالب بإسناد حسن‏:‏ أن العزائم حم والنجم واقرأ والم تنزيل‏.‏

وكذا ثبت عن ابن عباس في الثلاثة الأخر، وقيل‏:‏ الأعراف وسبحان وحم والم، أخرجه ابن أبي شيبة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو النُّعْمَانِ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ ‏"‏ص‏"‏ لَيْسَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ وَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِيهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها‏)‏ وقع في تفسير ‏"‏ص‏"‏ عند المصنف من طريق مجاهد قال ‏"‏ سألت ابن عباس من أين سجدت في ص‏؟‏ ‏"‏ ولابن خزيمة من هذا الوجه ‏"‏ من أين أخذت سجدة ص ‏"‏ ثم اتفقا فقال ‏(‏ومن ذريته داود وسليمان‏)‏ إلى قوله‏:‏ ‏(‏فبهداهم اقتده‏)‏ ففي هذا أنه استنبط مشروعية السجود فيها من الآية، وفي الأول أنه أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تعارض بينهما لاحتمال أن يكون استفاده من الطريقين‏.‏

وقد وقع في أحاديث الأنبياء من طريق مجاهد في آخره ‏"‏ فقال ابن عباس‏:‏ نبيكم ممن أمر أن يقتدي بهم ‏"‏ فاستنبط وجه سجود النبي صلى الله عليه وسلم فيها من الآية، وسبب ذلك كون السجدة التي في ‏"‏ص‏"‏ إنما وردت بلفظ الركوع فلولا التوقيف ما ظهر أن فيها سجدة‏.‏

وفي النسائي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا ‏"‏ سجدها داود توبة، ونحن نسجدها شكرا ‏"‏ فاستدل الشافعي بقوله ‏"‏ شكرا ‏"‏ على أنه لا يسجد فيها في الصلاة لأن سجود الشاكر لا يشرع داخل الصلاة‏.‏

ولأبي داود وابن خزيمة والحاكم من حديث أبي سعيد ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ وهو على المنبر ‏"‏ص‏"‏، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، ثم قرأها في يوم آخر فتهيأ الناس للسجود فقال‏:‏ ‏"‏ إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم تهيأتم فنزل وسجد وسجدوا معه ‏"‏ فهذا السياق يشعر بأن السجود فيها لم يؤكد كما أكد في غيرها، واستدل بعض الحنفية من مشروعية السجود عند قوله‏:‏ ‏(‏وخر راكعا وأناب‏)‏ بأن الركوع عندها ينوب عن السجود، فإن شاء المصلي ركع بها وإن شاء سجد، ثم طرده في جميع سجدات التلاوة، وبه قال ابن مسعود‏.‏

*3*باب سَجْدَةِ النَّجْمِ

قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب سجدة النجم قاله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يأتي موصولا في الذي يليه‏.‏

والكلام على حديث ابن مسعود يأتي في التفسير إن شاء الله تعالى‏.‏

واستدل به على أن من وضع جبهته على كفه ونحوه لا يعد ساجدا حتى يضعها بالأرض، وفيه نظر‏.‏

*3*باب سُجُودِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكُ نَجَسٌ لَيْسَ لَهُ وُضُوءٌ

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَسْجُدُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب سجود المسلمين مع المشركين، والمشرك نجس ليس له وضوء‏)‏ قال ابن التين‏:‏ روينا قوله ‏"‏ نجس بفتح النون والجيم ويجوز كسرها‏.‏

وقال الفراء تسكن الجيم إذا ذكرت اتباعا في قولهم‏:‏ رجس نجس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر يسجد على غير وضوء‏)‏ كذا للأكثر‏.‏

وفي رواية الأصيلي بحذف ‏"‏ غير‏"‏‏.‏

والأول أولى، فقد روى ابن أبي شيبة من طريق عبيد بن الحسن عن رجل زعم أنه كنفسه عن سعيد بن جبير قال ‏"‏ كان ابن عمر ينزل عن راحلته فيهريق الماء ثم يركب فيقرأ السجدة فيسجد وما يتوضأ ‏"‏ وأما ما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن الليث عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر ‏"‏ فيجمع بينهما بأنه أراد بقوله طاهر الطهارة الكبرى، أو الثاني على حالة الاختيار والأول على الضرورة‏.‏

وقد اعترض ابن بطال على هذه الترجمة فقال‏:‏ إن أراد البخاري الاحتجاج لابن عمر بسجود المشركين فلا حجة فيه لأن سجودهم لم يكن على وجه العبادة، وإنما كان لما ألقى الشيطان إلى آخر كلامه، قال‏:‏ وإن أراد الرد على ابن عمر بقوله ‏"‏ والمشرك نجس ‏"‏ فهو أشبه بالصواب‏.‏

وأجاب ابن رشيد بأن مقصود البخاري تأكيد مشروعية السجود، لأن المشرك قد أقر على السجود، وسمى الصحابي فعله سجودا مع عدم أهليته، فالمتأهل لذلك أحرى بأن يسجد على كل حالة‏.‏

ويؤيده أن في حديث ابن مسعود أن الذي ما سجد عوقب بأن قتل كافرا فلعل جميع من وفق للسجود يومئذ ختم له بالحسنى فأسلم لبركة السجود‏.‏

قال‏:‏ ويحتمل أن يجمع بين الترجمة وأثر ابن عمر بأنه يبعد في العادة أن يكون جميع من حضر من المسلمين كانوا عند قراءة الآية على وضوء، لأنهم لم يتأهبوا لذلك، وإذا كان كذلك فمن بادر منهم إلى السجود خوف الفوات بلا وضوء وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك استدل بذلك على جواز السجود بلا وضوء عند وجود المشقة بالوضوء، ويؤيده أن لفظ المتن ‏"‏ وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس ‏"‏ فسوى ابن عباس في نسبة السجود بين الجميع، وفيهم من لا يصح منه الوضوء فيلزم أن يصح السجود ممن كان بوضوء وممن لم يكن بوضوء، والله أعلم‏.‏

والقصة التي أشار إليها سيحصل لنا إلمام بشيء منها في تفسير سورة الحج إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ لم يوافق ابن عمر أحد على جواز السجود بلا وضوء إلا الشعبي أخرجه ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح، وأخرجه أيضا بسند حسن عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرأ السجدة ثم يسلم صلى الله عليه وسلم وهو على غير وضوء إلى غير القبلة وهو يمشي يومئ إيماء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بِالنَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سجد بالنجم‏)‏ زاد الطبراني في الأوسط من هذا الوجه ‏"‏ بمكة ‏"‏ فأفاد اتحاد قصة ابن عباس وابن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والجن‏)‏ كأن ابن عباس استند في ذلك إلى إخبار النبي صلى الله عليه وسلم إما مشافهة له وإما بواسطة، لأنه لم يحضر القصة لصغره‏.‏

وأيضا فهو من الأمور التي لا يطلع الإنسان عليها إلا بتوقيف وتجويز أنه كشف له عن ذلك بعيد لأنه لم يحضرها قطعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورواه إبراهيم بن طهمان عن أيوب‏)‏ يأتي الكلام عليه في تفسير سورة النجم‏.‏

*3*باب مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَسْجُدْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من قرأ السجدة ولم يسجد‏)‏ يشير بذلك إلى الرد على من احتج بحديث الباب على أن المفصل لا سجود فيه كالمالكية، أو أن النجم بخصوصهما لا سجود فيها كأبي ثور، لأن ترك السجود فيها في هذه الحالة لا يدل على تركه مطبقا، لاحتمال أن يكون السبب في الترك إذ ذاك إما لكونه كان بلا وضوء أو لكون الوقت كان وقت كراهة أو لكون القارئ كان لم يسجد كما سيأتي تقريره بعد باب، أو ترك حينئذ لبيان الجواز، وهذا أرجح الاحتمالات وبه جزم الشافعي، لأنه لو كان واجبا لأمره بالسجود ولو بعد ذلك‏.‏

وأما ما رواه أبو داود وغيره من طريق مطر الوراق عن عكرمة عن ابن عباس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة ‏"‏ فقد ضعفه أهل العلم بالحديث لضعف في بعض رواته واختلاف في إسناده‏.‏

وعلى تقدير ثبوته، فرواية من أثبت ذلك أرجح إذ المثبت مقدم على النافي، فسيأتي في الباب الذي يليه ثبوت السجود في ‏(‏إذا السماء انشقت‏)‏ وروى البزار والدار قطني من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في سورة النجم وسجدنا معه ‏"‏ الحديث رجاله ثقات، وروى ابن مردويه في التفسير بإسناد حسن عن العلاء بن عبد الرحمن وعن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه رأى أبا هريرة سجد في خاتمة النجم فسأله فقال‏:‏ إنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها وأبو هريرة إنما أسلم بالمدينة‏.‏

وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن الأسود ابن يزيد عن عمرو أنه سجد في ‏(‏إذا السماء انشقت‏)‏ ومن طريق نافع ابن عمر أنه سجد فيها، وفي هذا رد على من زعم أن عمل أهل المدينة استمر على ترك السجود في المفصل‏.‏

ويحتمل أن يكون المنفي المواظبة على ذلك لأن المفصل تكثر قرأته في الصلاة فترك السجود فيه كثيرا لئلا تختلط الصلاة على من لم يفقه، أشار إلى هذه العلة مالك في قوله بترك السجود في المفصل أصلا وقال ابن القصار‏:‏ الأمر بالسجود في النجم ينصرف إلى الصلاة، ورد بفعله صلى الله عليه وسلم كما تقدم قبل‏.‏

وزعم بعضهم أن عمل أهل المدينة استمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم على ترك السجود فيها، وفيه نظر لما رواه الطبري بإسناد صحيح عن عبد الرحمن ابن أبزي عن عمر أنه قرأ النجم في الصلاة فسجد فيها ثم قام فقرأ ‏(‏إذا زلزلت‏)‏ ، ومن طريق إسحاق بن سويد عن نافع عن ابن عمر أنه سجد في النجم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنْ ابْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يزيد بن خصيفة‏)‏ بالخاء المعجمة والصاد المهملة مصغر، وهو يزيد بن عبد الله بن خصيفة نسب إلى جده، وشيخه ابن قسيط هو يزيد بن عبد الله بن قسيط المذكور في الإسناد الثاني، ورجال الإسنادين معا مدنيون غير شيخي البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه سأل زيد بن ثابت فزعم‏)‏ حذف المسئول عنه، وظاهر السياق يوهم أن المسئول عنه السجود في النجم وليس كذلك، وقد بينه مسلم عن علي بن حجر وغيره عن إسماعيل بن جعفر بهذا الإسناد قال ‏"‏ سألت زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام، فقال‏:‏ لا قراءة مع الإمام في شيء، وزعم أنه قرأ النجم ‏"‏ الحديث‏.‏

فحذف المصنف الموقوف لأنه ليس من غرضه في هذا المكان ولأنه يخالف زيد بن ثابت في ترك القراءة خلف الإمام وفاقا لمن أوجبها من كبار الصحابة تبعا للحديث الصحيح الدال على ذلك كما تقدم في صفة الصلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فزعم‏)‏ أراد أخبر، والزعم يطلق على المحقق قليلا كهذا وعلى المشكوك كثيرا، قد تكرر ذلك، ومن شواهده قول الشاعر‏:‏ على الله أرزاق العباد كما زعم‏.‏

ويحتمل أن يكون زعم في هذا الشعر بمعنى ضمن ومنه الزعيم غارم أي الضامن‏.‏

واستنبط بعضهم من حديث زيد بن ثابت أن القارئ إذا تلا على الشيخ لا يندب له سجود التلاوة ما لم يسجد الشيخ أدبا مع الشيخ وفيه نظر‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ اتفق ابن أبي ذئب ويزيد بن خصيفة على هذا الإسناد على ابن قسيط، وخالفهما أبو صخر فرواه عن ابن قسيط عن خارجة بن زيد عن أبيه أخرجه أبو داود والطبراني فإن كان محفوظا حمل على أن لابن قسيط فيه شيخين، وزاد أبو صخر في روايته ‏"‏ وصليت خلف عمر بن عبد العزيز وأبي بكر ابن حزم فلم يسجدا فيها‏"‏‏.‏