فصل: باب إِيقَاظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَهُ بِالْوِتْرِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب سَاعَاتِ الْوِتْرِ

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوْصَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ساعات الوتر‏)‏ أي أوقاته‏.‏

ومحصل ما ذكره أن الليل كله وقت للوتر، لكن أجمعوا على أن ابتداءه مغيب الشفق بعد صلاة العشاء، كذا نقله ابن المنذر‏.‏

لكن أطلق بعضهم أنه يدخل بدخول العشاء، قالوا‏:‏ ويظهر أثر الخلاف فيمن صلى العشاء وبأن أنه كان بغير طهارة ثم صلى الوتر متطهرا أو ظن أنه صلى العشاء فصلى الوتر فإنه يجزئ على هذا القول دون الأول، ولا معارضة بين وصية أبي هريرة بالوتر قبل النوم وبين قول عائشة ‏"‏ وانتهى وتره إلى السحر ‏"‏ لأن الأول لإرادة الاحتياط، والآخر لمن علم من نفسه قوة، كما ورد في حديث جابر عند مسلم ولفظه ‏"‏ من طمع منكم أن يقوم آخر الليل فليوتر من آخره، فإن صلاة آخر الليل مشهودة‏.‏

وذلك أفضل‏.‏

ومن خاف منكم أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر من أوله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو هريرة‏)‏ هو طرف من حديث أورده المصنف من طريق أبي عثمان عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ وإن أوتر قبل أن أنام‏"‏، وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده من هذا الوجه بلفظ التعليق، وكذا أخرجه أحمد من طريق أخرى عن أبي هريرة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ أُطِيلُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ فَقَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَكَأَنَّ الْأَذَانَ بِأُذُنَيْهِ قَالَ حَمَّادٌ أَيْ سُرْعَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أرأيت‏)‏ أي أخبرني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نطيل‏)‏ كذا للأكثر بنون الجمع، وللكشميهني أطيل بالإفراد، وجوز الكرماني في ‏"‏ أطيل ‏"‏ أن يكون بلفظ مجهول الماضي ومعروف المضارع، وفي الأول بعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى‏)‏ استدل به على فضل الفصل لكونه أمر بذلك وفعله، وأما الوصل فورد من فعله فقط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويوتر بركعة‏)‏ لم يعين وقتها، وبينت عائشة أنه فعل ذلك في جميع أجزاء الليل، والسبب في ذلك ما سيذكر في الباب الذي بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكأن‏)‏ بتشديد النون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بأذنيه‏)‏ أي لقرب صلاته من الأذان، والمراد به هنا الإقامة، فالمعنى أنه كان يسرع بركعتي الفجر إسراع من يسمع إقامة الصلاة خشية فوات أول الوقت، ومقتضى ذلك تخفيف القراءة فيهما، فيحصل به الجواب عن سؤال أنس بن سيرين عن قدر القراءة فيهما‏.‏

ووقع في رواية مسلم ‏"‏ أن أنسا قال لابن عمر‏:‏ إني لست عن هذا أسألك، قال‏:‏ إنك لضخم ألا تدعني أستقرئ لك ‏"‏ الحديث‏.‏

ويستفاد من هذا جواب السائل بأكثر مما سأل عنه إذا كان مما يحتاج إليه، ومن قوله ‏"‏ إنك لضخم ‏"‏ أن السمين في الغالب يكون قليل الفهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال حماد‏)‏ أي ابن زيد الراوي، وهو بالإسناد المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بسرعة‏)‏ كذا لأبي ذر وأبي الوقت وابن شبويه، ولغيرهم ‏"‏ سرعة ‏"‏ بغير موحدة، وهو تفسير من الراوي لقوله ‏"‏ كان الأذان بأذنيه ‏"‏ وهو موافق لما تقدم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُلَّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبي‏)‏ هو حفص بن غياث، ومسلم هو أبو الضحى لا ابن كيسان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كل الليل‏)‏ بنصب ‏"‏ كل ‏"‏ على الظرفية‏.‏

وبالرفع على أنه مبتدأ والجملة خبره، والتقدير أوتر فيه‏.‏

ولمسلم من طريق يحيى بن وثاب عن مسروق ‏"‏ من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من أول الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر ‏"‏ والمراد بأوله بعد صلاة العشاء كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى السحر‏)‏ زاد أبو داود والترمذي ‏"‏ حين مات ‏"‏ ويحتمل أن يكون اختلاف وقت الوتر باختلاف الأحوال، فحيث أوتر في أوله لعله كان وجعا، وحيث أوتر وسطه لعله كان مسافرا، وأما وتره في آخره فكأنه كان غالب أحواله، لما عرف من مواظبته على الصلاة في أكثر الليل والله أعلم‏.‏

والسحر قبيل الصبح، وحكى الماوردي أنه السدس الأخير، وقيل أوله الفجر الأول‏.‏

وفي رواية طلحة بن نافع عن ابن عباس عند ابن خزيمة ‏"‏ فلما انفجر الفجر قام فأوتر بركعة ‏"‏ قال ابن خزيمة المراد به الفجر الأول، وروى أحمد من حديث معاذ مرفوعا ‏"‏ زادني ربي صلاة وهي الوتر، وقتها من العشاء إلى طلوع الفجر ‏"‏ وفي إسناده ضعف، وكذا في حديث خارجة بن حذافة في السنن، وهو الذي احتج به من قال بوجوب الوتر، وليس صريحا في الوجوب والله أعلم‏.‏

وأما حديث بريدة رفعه ‏"‏ الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا وأعاد ذلك ثلاثا ‏"‏ ففي سنده أبو المنيب وفيه ضعف، وعلى تقدير قبوله فيحتاج من احتج به إلى أن يثبت أن لفظ ‏"‏ حق ‏"‏ بمعنى واجب في عرف الشارع، وأن لفظ واجب بمعنى ما ثبت من طريق الآحاد‏.‏

*3*باب إِيقَاظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَهُ بِالْوِتْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إيقاظ النبي صلى الله عليه وسلم أهله بالوتر‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ للوتر‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةً عَلَى فِرَاشِهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان، وهشام هو ابن عروة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنا راقدة معترضة‏)‏ تقدم الكلام عليه في سترة المصلى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أيقظني فأوترت‏)‏ أي فقمت فتوضأت فأوترت، واستدل به على استحباب جعل الوتر آخر الليل سواء المتهجد وغيره، ومحله إذا وثق أن يستيقظ بنفسه أو بإيقاظ غيره، واستدل به على وجوب الوتر لكونه صلى الله عليه وسلم سلك به مسلك الواجب حيث لم يدعها نائمة للوتر وأبقاها للتهجد‏.‏

وتعقب بأنه لا يلزم من ذلك الوجوب، نعم يدل على تأكد أمر الوتر وأنه فوق غيره من النوافل الليلية، وفيه استحباب إيقاظ النائم لإدراك الصلاة، ولا يختص ذلك بالمفروضة ولا بخشية خروج الوقت بل يشرع ذلك لإدراك الجماعة وإدراك أول الوقت وغير ذلك من المندوبات، قال القرطبي‏:‏ ولا يبعد أن يقال إنه واجب في الواجب مندوب في المندوب، لأن النائم وإن لم يكن مكلفا لكن مانعه سريع الزوال، فهو كالغافل، وتنبيه الغافل واجب‏.‏

*3*باب لِيَجْعَلْ آخِرَ صَلَاتِهِ وِتْرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ليجعل آخر صلاته وترا‏)‏ أي بالليل، وقد تقدم الكلام على حديث الباب في أثناء الحديث الأول وقد استدل به بعض من قال بوجوبه، وتعقب بأن صلاة الليل ليست واجبة فكذا آخره، وبأن الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليله‏.‏

*3*باب الْوِتْرِ عَلَى الدَّابَّةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الوتر على الدابة‏)‏ لما كان حديث عائشة في إيقاظها للوتر وحديث ابن عمر في الأمر بالوتر آخر الليل قد تمسك بهما بعض من ادعى وجوب الوتر عقبهما المصنف بحديث ابن عمر الدال على أنه ليس بواجب، فذكره في ترجمتين‏.‏

إحداهما تدل على كونه نفلا، والثانية تدل على أنه آكد من غيره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ سَعِيدٌ فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ ثُمَّ لَحِقْتُهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَيْنَ كُنْتَ فَقُلْتُ خَشِيتُ الصُّبْحَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَقُلْتُ بَلَى وَاللَّهِ قَالَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي بكر بن عمر‏)‏ لا يعرف اسمه، وهو ثقة ليس له في الصحيحين غير هذا الحديث الواحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أما لك في رسول الله أسوة‏)‏ فيه إرشاد العالم لرفيقه ما قد يخفى عليه من السنن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بلى والله‏)‏ فيه الحلف على الأمر الذي يراد تأكيده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يوتر على البعير‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ ترجم بالدابة تنبيها على أن لا فرق بينها وبين البعير في الحكم، والجامع بينهما أن الفرض لا يجزئ على واحدة منهما‏.‏

انتهى‏.‏

ولعل البخاري أشار إلى ما ورد في بعض طرقه، فسيأتي في أبواب تقصير الصلاة من طريق سالم عن أبيه ‏"‏ أنه كان يصلي من الليل على دابته وهو مسافر ‏"‏ وروى محمد بن نصر من طريق ابن جريج ‏"‏ قال حدثنا نافع أن ابن عمر كان يوتر على دابته‏"‏‏.‏

قال ابن جريج ‏"‏ وأخبرني موسى بن عقبة عن نافع أن ابن عمر كان يخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك‏"‏‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قال الطحاوي ذكر عن الكوفيين أن الوتر لا يصلى على الراحلة، وهو خلاف السنة الثابتة، واستدل بعضهم برواية مجاهد أنه رأى ابن عمر نزل فأوتر، وليس ذلك بمعارض لكونه أوتر على الراحلة لأنه لا نزاع أن صلاته على الأرض أفضل، وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن ابن عمر أنه كان يوتر على راحلته، وربما نزل فأوتر بالأرض‏.‏

*3*باب الْوِتْرِ فِي السَّفَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الوتر في السفر‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من قال‏:‏ إنه لا يسن في السفر، وهو منقول عن الضحاك‏.‏

وأما قول ابن عمر ‏"‏ لو كنت مسبحا في السفر لأتممت ‏"‏ كما أخرجه مسلم وأبو داود من طريق حفص بن عاصم عنه فإنما أراد به راتبة المكتوبة لا النافلة المقصودة كالوتر، وذلك بين من سياق الحديث المذكور، فقد رواه الترمذي من وجه آخر بلفظ ‏"‏ سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يصلون الظهر والعصر ركعتين ركعتين لا يصلون قبلها ولا بعدها، فلو كنت مصليا قبلها أو بعدها لأتممت ‏"‏ ويحتمل أن تكون التفرقة بين نوافل النهار ونوافل الليل، فإن ابن عمر كان يتنفل على راحلته وعلى دابته في الليل وهو مسافر، وقد قال مع ذلك ما قال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً صَلَاةَ اللَّيْلِ إِلَّا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا الفرائض‏)‏ أي لكن الفرائض بخلاف ذلك، فكان لا يصليها على الراحلة‏.‏

واستدل به على أن الوتر ليس بفرض، وعلى أنه ليس من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الوتر عليه لكونه أوقعه على الراحلة، وأما قول بعضهم إنه كان من خصائصه أيضا أن يوقعه على الراحلة مع كونه واجبا عليه فهي دعوى لا دليل عليها لأنه لم يثبت دليل وجوبه عليه حتى يحتاج إلى تكلف هذا الجمع، واستدل به على أن الفريضة لا تصلى على الراحلة، قال ابن دقيق العيد‏:‏ وليس ذلك بقوى، لأن الترك لا يدل على المنع إلا أن يقال إن دخول وقت الفريضة مما يكثر على المسافر فترك الصلاة لها على الراحلة دائما يشعر بالفرق بينها وبين النافلة في الجواز وعدمه‏.‏

وأجاب من ادعى وجوب الوتر من الحنفية بأن الفرض عندهم غير الواجب، فلا يلزم من نفي الفرض نفي الواجب، وهذا يتوقف على أن ابن عمر كان يفرق بين الفرض والواجب، وقد بالغ الشيخ أبو حامد فادعى أن أبا حنيفة انفرد بوجوب الوتر ولم يوافقه صاحباه، مع أن ابن شيبة أخرج عن سعيد بن المسيب وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود والضحاك ما يدل على وجوبه عندهم، وعنده عن مجاهد الوتر واجب ولم يثبت، ونقله ابن العربي عن أصبغ من المالكية ووافقه سحنون، وكأنه أخذه من قول مالك‏:‏ من تركه أدب، وكان جرحة في شهادته‏.‏

*3*باب الْقُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب القنوت قبل الركوع وبعده‏)‏ القنوت يطلق على معان، والمراد به هنا الدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام‏.‏

قال الزين بن المنير‏:‏ أثبت بهذه الترجمة مشروعية القنوت إشارة إلى الرد على من روى عنه أنه بدعة كابن عمر، وفي الموطأ عنه أنه كان لا يقنت في شيء من الصلوات، ووجه الرد عليه ثبوته من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو مرتفع عن درجة المباح، قال‏:‏ ولم يقيده في الترجمة بصبح ولا غيره مع كونه مقيدا في بعض الأحاديث بالصبح، وأوردها صلى الله عليه وسلم في أبواب الوتر أخذا من إطلاق أنس في بعض الأحاديث، كذا قال، ويظهر لي أنه أشار بذلك إلى قوله في الطريق الرابعة ‏"‏ كان القنوت في الفجر والمغرب ‏"‏ لأنه ثبت أن المغرب وتر النهار، فإذا ثبت القنوت فيها ثبت في وتر الليل بجامع ما بينهما من الوترية، مع أنه قد ورد الأمر به صريحا في الوتر، فروى أصحاب السنن من حديث الحسن بن علي قال ‏"‏ علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر‏:‏ اللهم اهدني فيمن هديت ‏"‏ الحديث‏.‏

وقد صححه الترمذي وغيره لكن ليس على شرط البخاري‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَقَنَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّبْحِ قَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ أَوَ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ قَالَ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سئل أنس‏)‏ في رواية إسماعيل عن أيوب عند مسلم ‏"‏ قلت لأنس ‏"‏ فعرف بذلك أنه أبهم نفسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقيل أو قنت‏)‏ في رواية الكشميهني بغير واو، وللإسماعيلي ‏"‏ هل قنت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قبل الركوع‏)‏ زاد الإسماعيلي ‏"‏ أو بعد الركوع‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعد الركوع يسيرا‏)‏ قد بين عاصم في روايته مقدار هذا اليسير حيث قال فيها ‏"‏ إنما قنت بعد الركوع شهرا ‏"‏ وفي صحيح ابن خزيمة من وجه آخر عن أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم ‏"‏ وكأنه محمول على ما بعد الركوع‏.‏

بناء على أن المراد بالحصر في قوله ‏"‏ إنما قنت شهرا ‏"‏ أي متواليا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ الْقُنُوتِ فَقَالَ قَدْ كَانَ الْقُنُوتُ قُلْتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ قَبْلَهُ قَالَ فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَقَالَ كَذَبَ إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا أُرَاهُ كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا إِلَى قَوْمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ دُونَ أُولَئِكَ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الواحد‏)‏ هو ابن زياد، وعاصم هو ابن سليمان الأحول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد كان القنوت‏)‏ فيه إثبات مشروعيته في الجملة كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ فإن فلانا أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع، فقال‏:‏ كذب‏)‏ لم أقف على تسمية هذا الرجل صريحا، ويحتمل أن يكون محمد بن سيرين بدليل روايته المتقدمة، فإن مفهوم قوله ‏"‏ بعد الركوع يسيرا ‏"‏ يحتمل أن يكون وقبل الركوع كثيرا، ويحتمل أن يكون لا قنوت قبله أصلا، ومعنى قوله ‏"‏ كذب ‏"‏ أي أخطأ، وهو لغة أهل الحجاز، يطلقون الكذب على ما هو أعم من العمد والخطأ، ويحتمل أن يكون أراد بقوله ‏"‏ كذب ‏"‏ أي إن كان حكى أن القنوت دائما بعد الركوع، وهذا يرجح الاحتمال الأول، ويبينه ما أخرجه ابن ماجة من رواية حميد عن أنس أنه سئل عن القنوت فقال ‏"‏ قبل الركوع وبعده ‏"‏ إسناده قوي، وروى ابن المنذر من طريق أخرى عن حميد عن أنس ‏"‏ أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قنتوا في صلاة الفجر قبل الركوع وبعضهم بعد الركوع ‏"‏ وروى محمد بن نصر من طريق أخرى عن حميد عن أنس ‏"‏ أن أول من جعل القنوت قبل الركوع - أي دائما - عثمان، لكي يدرك الناس الركعة ‏"‏ وقد وافق عاصما على روايته هذه عبد العزيز بن صهيب عن أنس كما سيأتي في المغازي بلفظ ‏"‏ سأل رجل أنسا عن القنوت بعد الركوع أو عند الفراغ من القراءة‏؟‏ قال‏:‏ لا بل عند الفراغ من القراءة ‏"‏ ومجموع ما جاء عن أنس من ذلك أن القنوت للحاجة بعد الركوع لا خلاف عنه في ذلك، وأما لغير الحاجة فالصحيح عنه أنه قبل الركوع، وقد اختلف عمل الصحابة في ذلك والظاهر أنه من الاختلاف المباح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان بعث قوما يقال لهم القراء‏)‏ سيأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب المغازي، وكذا على رواية أبي مجلز، والتيمي الراوي عنه هو سليمان وهو يروي عن أنس نفسه، ويروى عنه أيضا بواسطة كما في هذا الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن علية، وخالد هو الحذاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان القنوت في المغرب والفجر‏)‏ قد تقدم توجيه إيراد هذه الرواية في أول هذا الباب، وتقدم الكلام على بعضها في أثناء صفة الصلاة‏.‏

وقد روى مسلم من حديث البراء نحو حديث أنس هذا، وتمسك به الطحاوي في ترك القنوت في الصبح قال‏:‏ لأنهم أجمعوا على نسخه في المغرب، فيكون في الصبح كذلك‏.‏

انتهى‏.‏

ولا يخفى ما فيه‏.‏

وقد عارضه بعضهم فقال‏:‏ أجمعوا على أنه صلى الله عليه وسلم قنت في الصبح، ثم اختلفوا هل ترك، فيتمسك بما أجمعوا عليه حتى يثبت ما اختلفوا فيه‏؟‏ وظهر لي أن الحكمة في جعل القنوت النازلة في الاعتدال دون السجود مع أن السجود مظنة الإجابة كما ثبت ‏"‏ أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ‏"‏ وثبوت الأمر بالدعاء فيه أن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأموم الإمام في الدعاء ولو بالتأمين، ومن ثم اتفقوا على أنه يجهر به، بخلاف القنوت في الصبح فاختلف في محله وفي الجهر به‏.‏

‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ ذكر ابن العربي أن القنوت ورد لعشرة معان، فنظمها شيخنا الحافظ زين الدين العراقي فيما أنشدنا لنفسه إجازة غير مرة‏:‏ ولفظ القنوت اعدد معانيه تجد مزيدا على عشر معاني مرضيه دعاء خشوع والعبادة طاعة إقامتها إقراره بالعبودية سكوت صلاة والقيام وطوله كذاك دوام طاعة الرابح القنيه ‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب الوتر من الأحاديث المرفوعة على خمسة عشر حديثا، منها واحد معلق، المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية أحاديث، والخالص سبعة وافقه مسلم على تخريجها، وفيه من الآثار ثلاثة موصولة، والله أعلم‏.‏

*3*باب الِاسْتِسْقَاءِ وَخُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ

الشرح‏:‏

‏(‏باب الاستسقاء وخروج النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا للمستملي دون البسملة، وسقط ما قبل باب من رواية الحموي والكشميهني، وللأصيلي كتاب الاستسقاء فقط، وثبتت البسملة في رواية ابن شبويه‏.‏

والاستسقاء لغة طلب سقي الماء من الغير للنفس أو الغير، وشرعا طلبه من الله عند حصول الجدب على وجه مخصوص‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي بكر‏)‏ أي ابن محمد بن عمرو بن حزم قاضي المدينة، وسيأتي في ‏"‏ باب تحويل الرداء ‏"‏ التصريح بسماع عبد الله له من عباد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمه‏)‏ هو عبد الله بن زيد بن عاصم، كما سيأتي صريحا في الباب المذكور وسياقه أتم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خرج النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي إلى المصلى كما سيأتي التصريح به أيضا فيه، ويأتي الكلام فيه على كيفية تحويل الرداء وزاد فيه ‏"‏ وصلى ركعتين‏"‏‏.‏

وقد اتفق فقهاء الأمصار على مشروعية صلاة الاستسقاء وأنها ركعتان إلا ما روي عن أبي حنيفة أنه قال‏:‏ يبرزون للدعاء والتضرع، وإن خطب لهم فحسن‏.‏

ولم يعرف الصلاة، هذا هو المشهور عنه‏.‏

ونقل أبو بكر الرازي عنه التخيير بين الفعل والترك، وحكى ابن عبد البر الإجماع على استحباب الخروج إلى الاستسقاء، والبروز إلى ظاهر المصر، لكن حكى القرطبي عن أبي حنيفة أيضا أنه لا يستحب الخروج، وكأنه أشتبه عليه بقوله في الصلاة‏.‏

*3*باب دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اجعلها سنين كسني يوسف‏)‏ أورد فيه حديث أبي هريرة في الدعاء في القنوت للمؤمنين، والدعاء على الكافرين، وفيه معنى الترجمة‏.‏

ووجه إدخاله في أبواب الاستسقاء التنبيه على أنه كما شرع الدعاء بالاستسقاء للمؤمنين كذلك شرع الدعاء بالقحط على الكافرين لما فيه من نفع الفريقين بإضعاف عدو المؤمنين ورقة قلوبهم ليذلوا للمؤمنين‏.‏

وقد ظهر من ثمرة ذلك التجاؤهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم برفع القحط، كما في الحديث الثاني‏.‏

ويمكن أن يقال‏:‏ إن المراد أن مشروعية الدعاء على الكافرين في الصلاة تقتضي مشروعية الدعاء للمؤمنين فيها، فثبت بذلك صلاة الاستسقاء خلافا لمن أنكرها‏.‏

والمراد بسني يوسف ما وقع في زمانه عليه السلام من القحط في السنين السبع كما وقع في التنزيل، وقد بين ذلك في الحديث الثاني حيث قال ‏"‏ سبعا كسبع يوسف ‏"‏ وأضيفت إليه لكونه الذي أنذر بها، أو لكونه الذي قام بأمور الناس فيها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الصُّبْحِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن‏)‏ هو الحزامي بالمهملة والزاي لا المخزوي، وهما مدنيان من طبقة واحدة لكن الحزامي معروف بالرواية عن أبي الزناد دون المخزومي، وقد بينه ابن معين والنسائي، لكنه لم ينفرد بهذا الحديث فسيأتي في الجهاد من رواية الثوري، وفي أحاديث الأنبياء من رواية شعيب، وأخرجه الإسماعيلي من رواية موسى بن عقبة كلهم عن أبي الزناد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اللهم اجعلها سنين‏)‏ في الرواية الماضية في ‏"‏ باب يهوى بالتكبير من صفة الصلاة ‏"‏‏:‏ ‏"‏ اللهم اجعلها علهم ‏"‏ والضمير في قوله ‏"‏ اجعلها ‏"‏ يعود على المدة التي تقع فيها الشدة المعبر عنها بالوطأة، وزاد بعد قوله فيها كسني يوسف ‏"‏ وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له ‏"‏ وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفي في تفسير آل عمران إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ غفار غفر الله لها الخ‏)‏ هذا حديث آخر، وهو عند المصنف بالإسناد المذكور وكأنه سمعه هكذا فأورده كما سمعه‏.‏

وقد أخرجه أحمد عن قتيبة كما أخرجه البخاري، ويحتمل أن يكون له تعلق بالترجمة من جهة أن الدعاء على المشركين بالقحط ينبغي أن يخص بمن كان محاربا دون من كان مسالما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غفار غفر الله لها‏)‏ فيه الدعاء بما يشتق من الاسم كأن يقول لأحمد‏:‏ أحمد الله عاقبتك، ولعلى‏:‏ أعلاك الله‏.‏

وهو من جناس الاشتقاق، ولا يختص بالدعاء بل يأتي مثله في الخبر، ومنه قوله تعالى ‏(‏وأسلمت مع سليمان‏)‏ وسيأتي في المغازي حديث ‏"‏ عصية عصت الله ورسوله ‏"‏ وإنما اختصت القبيلتان بهذا الدعاء لأن غفارا أسلموا قديما، وأسلم سالموا النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بيان ذلك في أوائل المناقب إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن أبي الزناد عن أبيه‏:‏ هذا كله في الصبح‏)‏ يعني أن عبد الرحمن بن أبي الزناد روى هذا الحديث عن أبيه بهذا الإسناد، فبين أن الدعاء المذكور كان في الصبح، وقد تقدم بعض بيان الاختلاف في ذلك في أثناء صفة الصلاة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى مِنْ النَّاسِ إِدْبَارًا قَالَ اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ وَالْجِيَفَ وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى الدُّخَانَ مِنْ الْجُوعِ فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ إِلَى قَوْلِهِ إِنَّكُمْ عَائِدُونَ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ مَضَتْ الدُّخَانُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّومِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا عند عبد الله‏)‏ يعني ابن مسعود، وسيأتي في تفسير الدخان سبب تحديث عبد الله بن مسعود بهذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما رأى من الناس إدبارا‏)‏ أي من الإسلام، وسيأتي في تفسير الدخان أن قريشا لما أبطئوا عن الإسـلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخذتهم سنة‏)‏ بفتح المهملة بعدها نون خفيفة أي أصابهم القحط، وقوله ‏"‏حصت ‏"‏ بفتح الحاء والصاد المهملتين أي استأصلت النبات حتى خلت الأرض منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى أكلنا‏)‏ في رواية المستملي والحموي ‏"‏ حتى أكلوا ‏"‏ وهو الوجه، وكذا قوله ‏"‏ ينظر أحدكم ‏"‏ عند الأكثر ‏"‏ ينظر أحدهم ‏"‏ وهو الصواب‏.‏

وسيأتي بقية الكلام عليه بعد تسعة أبواب‏.‏

*3*باب سُؤَالِ النَّاسِ الْإِمَامَ الِاسْتِسْقَاءَ إِذَا قَحَطُوا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ لو أدخل تحت هذه الترجمة حديث ابن مسعود الذي قبله لكان أوضح مما ذكر‏.‏

انتهى‏.‏

ويظهر لي أنه لما كان من سأل قد يكون مسلما وقد يكون مشركا وقد يكون من الفريقين، وكان في حديث ابن مسعود المذكور أن الذي سأل قد يكون مشركا، ناسب أن يذكر في الذي بعده ما يدل على ما إذا كان الطلب من الفريقين كما سأبينه، ولذلك ذكر لفظ الترجمة عاما لقوله ‏"‏ سؤال الناس ‏"‏ وذلك أن المصنف أورد في هذا الباب تمثل ابن عمر بشعر أبي طالب وقول أنس ‏"‏ إن عمر كان إذا قحطوا استسقى بالعباس ‏"‏ وقد اعترضه الإسماعيلي فقال‏:‏ حديث ابن عمر خارج عن الترجمة، إذ ليس فيه أن أحدا سأله أن يستسقى له ولا في قصة العباس التي أوردها أيضا‏.‏

وأجاب ابن المنير عن حديث ابن عمر بأن المناسبة تؤخذ من قوله فيه ‏"‏ يستسقى الغمام ‏"‏ لأن فاعله محذوف وهم الناس، وعن حديث أنس بأن في قول عمر ‏"‏ كنا نتوسل إليك بنبيك ‏"‏ دلالة على أن للإمام مدخلا في الاستسقاء‏.‏

وتعقب بأنه لا يلزم من كون فاعل ‏"‏ يستسقى ‏"‏ هو الناس أن يكونوا سألوا الإمام أن يستسقى لهم كما في الترجمة، وكذا ليس في قول عمر أنهم كانوا يتوسلون به دلالة على أنهم سألوه أن يستسقى لهم، إذ يحتمل أن يكونوا في الحالين طلبوا السقيا من الله مستشفعين به صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال ابن رشيد‏:‏ يحتمل أن يكون أراد بالترجمة الاستدلال بطريق الأولى لأنهم إذا كانوا يسألون الله به فيسقيهم فأحرى أن يقدموه للسؤال‏.‏

انتهى‏.‏

وهو حسن ويمكن أن يكون أراد من حديث ابن عمر سياق الطريق الثانية عنه، وأن يبين أن الطريق الأولى مختصرة منها، وذلك أن لفظ الثانية ‏"‏ ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقى فدل ذلك على أنه هو الذي باشر الطلب صلى الله عليه وسلم، وأن ابن عمر أشار إلى قصة وقعت في الإسلام حضرها هو لا مجرد ما دل عليه شعر أبي طالب‏.‏

وقد علم من بقية الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم إنما استسقى إجابة لسؤال من سأله في ذلك كما في حديث ابن مسعود الماضي وفي حديث أنس الآتي وغيرهما من الأحاديث، وأوضح من ذلك ما أخرجه البيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من رواية مسلم الملائي عن أنس قال ‏"‏ جاء رجل أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله، أتيناك وما لنا بعير يئط، ولا صبي يغط‏.‏

ثم أنشده شعرا يقول فيه‏:‏ وليس لنـا إلا إليك فرارنا وأين فرار الناس إلا إلى الرسل فقام يجر رداءه حتى صعد المنبر فقال ‏"‏ اللهم اسقنا ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ ثم قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ لو كان أبو طالب حيا لقرت عيناه‏.‏

من ينشدنا قوله‏؟‏ فقام علي فقال‏:‏ يا رسول الله، كأنك أردت قوله ‏"‏ وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ‏"‏ الأبيات، فظهرت بذلك مناسبة حديث ابن عمر للترجمة، وإسناد حديث أنس وإن كان فيه ضعف لكنه يصلح للمتابعة، وقد ذكره ابن هشام في زوائده في السيرة تعليقا عمن يثق به‏.‏

وقوله ‏"‏يئط ‏"‏ بفتح أوله وكسر الهمزة وكذا ‏"‏ يغط ‏"‏ بالمعجمة، والأطيط صوت البعير المثقل، والغطيط صوت النائم كذلك، وكني بذلك عن شدة الجوع، لأنهما إنما يقعان غالبا عند الشبع‏.‏

وأما حديث أنس عن عمر فأشار به أيضا إلى ما ورد في بعض طرقه، وهو عند الإسماعيلي من رواية محمد بن المثنى عن الأنصاري بإسناد البخاري إلى أنس قال ‏"‏ كانوا إذا قحطوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم استسقوا به، فيستسقى لهم فيسقون فلما كان في إمارة عمر ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

وقد أشار إلى ذلك الإسماعيلي فقال‏:‏ هذا الذي رويته يحتمل المعنى الذي ترجمه، بخلاف ما أورده هو‏:‏ قلت‏:‏ وليس ذلك بمبتدع، لما عرف بالاستقراء من عادته من الاكتفاء بالإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده‏.‏

وقد روى عبد الرزاق من حديث ابن عباس ‏"‏ أن عمر استسقى بالمصلى، فقال للعباس‏:‏ قم فأستسق، فقام العباس ‏"‏ فذكر الحديث، فتبين بهذا أن في القصة المذكورة أن العباس كان مسئولا وأنه ينزل منزلة الإمام إذا أمره الإمام بذلك‏.‏

وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري - وكان خازن عمر - قال ‏"‏ أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتى الرجل في المنام فقيل له‏:‏ ائت عمر ‏"‏ الحديث‏.‏

وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة، وظهر بهذا كله مناسبة الترجمة لأصل هذه القصة أيضا والله الموفق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيشَ كُلُّ مِيزَابٍ وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏يتمثل‏)‏ أي ينشد شعر غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبيض‏)‏ بفتح الضاد وهو مجرور برب مقدرة أو منصوب بإضمار أعني أو أخص، والراجح أنه بالنصب عطفا على قوله ‏"‏ سيدا ‏"‏ في البيت الذي قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثمال‏)‏ بكسر المثلثة وتخفيف الميم هو العماد والملجأ والمطعم والمغيث والمعين والكافي، قد أطلق على كل من ذلك‏.‏

وقوله ‏"‏عصمة للأرامل ‏"‏ أي يمنعهم مما يضرهم، والأرامل جمع أرملة وهي الفقيرة التي لا زوج لها، وقد يستعمل في الرجل أيضا مجازا، ومن ثم لو أوصى للأرامل خص النساء دون الرجال‏.‏

وهذا البيت من أبيات في قصيدة لأبي طالب ذكرها ابن إسحاق في السيرة بطولها، وهي أكثر من ثمانين بيتا، قالها لما تمالأت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم ونفـروا عنه من يريد الإسلام، أولها‏:‏ ولمـا رأيت القـوم لا ود فيهم وقد قطعوا كل العـرا والوسائل وقد جاهرونا بالعـداوة والأذى وقد طاوعوا أمر العـدو المزايل يقول فيها‏:‏ أعبد مناف أنتم خـير قومكم فلا تشركوا في أمركم كل واغل فقد خفت إن لم يصلح الله أمركم تكونوا كما كانت أحاديث وائـل يقول فيها‏:‏ أعوذ برب الناس من كل طاعن علينـا بسـوء أو ملح ببـاطل وثور ومن أرسى ثبيرا مـكانه وراق لـبر في حـراء ونازل وبالبيت حق البيت من بطن مكة وبالله أن الله ليس بغـافل يقول فيها‏:‏ كذبتم وبيت الله نبزى محمـدا ولمـا نطاعن حـوله ونناضل ونسـلمه حتى نصرع حـوله ونذهل عن أبنائنـا والحـلائل يقول فيهـا‏:‏ وما ترك قـوم لا أبالك سيدا يحوط الذمار بين بكر بن وائل وأبيض يستسقى الغمام بوجهـه ثمـال اليتـامى عصمة للأرامل يلوذ به الهـلاك من آل هـاشم فهم عنـده في نعمـة وفواضل قال السهيلي‏:‏ فإن قيل كيف قال أبو طالب ‏"‏ يستسقى الغمام بوجهه ‏"‏ ولم يره قط استسقى، إنما كان ذلك منه بعد الهجرة‏!‏ وأجاب بما حاصله‏:‏ أن أبا طالب أشار إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث استسقى لقريش والنبي صلى الله عليه وسلم معه غلام‏.‏

انتهى‏.‏

ويحتمل أن يكون أبو طالب مدحه بذلك لما رأى من مخايل ذلك فيه وإن لم يشاهد وقوعه، وسيأتي في الكلام على حديث ابن مسعود ما يشعر بأن سؤال أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء وقع بمكة‏.‏

وذكر ابن التين أن في شعر أبي طالب هذا دلالة على أنه كان يعرف نبوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث لما أخبره به بحيرا أو غيره من شأنه، وفيه نظر لما تقدم عن ابن إسحاق أن إنشاء أبي طالب لهذا الشعر كان بعد المبعث، ومعرفة أبي طالب بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت في كثير مـن الأخبار، وتمسك بها الشيعة في أنه كان مسلما‏.‏

ورأيت لعلي بن حمزة البصري جزءا جمع فيه شعر أبي طالب وزعم في أوله أنه كان مسلما وأنه مات على الإسلام وأن الحشوية تزعم أنه مات على الكفر وأنهم لذلك يستجيزون لعنه، ثم بالغ في سبهم والرد عليهم، واستدل لدعواه بما لا دلالة فيه‏.‏

وقد بينت فساد ذلك كله في ترجمة أبي طالب من كتاب الإصابة، وسيأتي بعضه في ترجمة أبي طالب مـن كتاب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمر بن حمزة‏)‏ أي ابن عبد الله بن عمر، وسالم شيخه هو عمه، وعمر مختلف في الاحتجاج به وكذلك عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار المذكور في الطريق الموصولة، فاعتضدت إحدى الطريقين بالأخرى، وهو من أمثلة أحد قسمي الصحيح كما تقرر في علوم الحديث، وطريق عمر المعلقة وصلها أحمد وابن ماجة والإسماعيلي من رواية أبي عقيل عبد الله بن عقيل الثقفي عنه، وعقيل فيهما بفتح العين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يستسقى‏)‏ بفتح أوله زاد ابن ماجة في روايته ‏"‏ على المنبر ‏"‏ وفي روايته أيضا ‏"‏ في المدينة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يجيش‏)‏ بفتح أوله وكسر الجيم وآخره معجمة يقال‏:‏ جاش الوادي إذا زخر بالماء، وجاشت القدر إذا غلت، وجاش الشيء إذا تحرك‏.‏

وهو كناية عن كثرة المطر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كل ميزاب‏)‏ بكسر الميم وبالزاي معروف، وهو ما يسيل منه الماء مـن موضع عال‏.‏

ووقع في رواية الحموي ‏"‏ حتى يجيش لك ‏"‏ بتقديم اللام على الكاف وهو تصحيف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا قَالَ فَيُسْقَوْنَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني الحسن بن محمد‏)‏ هو الزعفراني والأنصاري شيخه يروي عنه البخاري كثيرا وربما أدخل بينهما واسطة كهذا الموضـع، ووهم من زعم أن البخاري أخرج هذا الحديث عن الأنصاري نفسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا‏)‏ بضم القاف وكسر المهملة أي أصابهم القحط، وقد بين الزبير بن بكار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال ‏"‏ اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث‏.‏

فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس ‏"‏ وأخرج أيضا من طريق داود عن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال ‏"‏ استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب ‏"‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ فخطب الناس عمر فقال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد، فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله ‏"‏ وفيه ‏"‏ فما برحوا حتى سقاهم الله ‏"‏ وأخرجه البلاذري من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم فقال ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ بدل ابن عمر، فيحتمل أن يكون لزيد فيه شيخان، وذكر ابن سعد وغيره أن عام الرمادة كان سنة ثمان عشرة، وكان ابتداؤه مصدر الحاج منها ودام تسعة أشهر، والرمادة بفتح الراء وتخفيف الميم، سمي العام بها لما حصل من شدة الجدب فاغبرت الأرض جدا من عدم المطر، وقد تقدم من رواية الإسماعيلي رفع حديث أنس المذكور في قصة عمر والعباس، وكذلك أخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق محمد بن المثنى بالإسناد المذكور‏.‏

ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة، وفيه فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه‏.‏