فصل: باب إِذَا اسْتَشْفَعُوا إِلَى الْإِمَامِ لِيَسْتَسْقِيَ لَهُمْ لَمْ يَرُدَّهُمْ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب تحويل الرداء في الاستسقاء‏)‏ ترجم لمشروعيته خلافا لمن نفاه، ثم ترجم بعد ذلك لكيفيته كما سيأتي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى فَقَلَبَ رِدَاءَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وأخرجه من طريقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن أبي بكر‏)‏ أي ابن محمد بن عمرو بن حزم، وهو أخو عبد الله بن أبي بكر المذكور في الطريق الثانية من هذا الباب، وقد حدث به عن عباد أبوهما أبو بكر بن محمد بن عمرو كما سيأتي بعد خمسة عشر بابا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏استسقى فقلب رداءه‏)‏ ذكر الواقدي أن طول ردائه صلى الله عليه وسلم كان ستة أذرع في ثلاثة أذرع وطول إزاره أربعة أذرع وشبرين في ذراعين وشبر، كان يلبسهما في الجمعة والعيدين‏.‏

ووقع في ‏"‏ شرح الأحكام لابن بزيزة ‏"‏ ذرع الرداء كالذي ذكره الواقدي في فرع الإزار، والأول أولى‏.‏

قال الزين بن المنير‏:‏ ترجم بلفظ التحويل، والذي وقع في الطريقين اللذين ساقهما لفظ القلب، وكأنه أراد أنهما بمعنى واحد‏.‏

انتهى‏.‏

ولم تتفق الرواة في الطريق الثانية على لفظ القلب، فإن رواية أبي ذر ‏"‏ حول ‏"‏ وكذا هو في أول حديث في الاستسقاء، وكذلك أخرجه مسلم من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر، وقد وقع بيان المراد من ذلك في ‏"‏ باب الاستسقاء بالمصلى ‏"‏ في زيادة سفيان عن المسعودي عن أبي بكر ابن محمد، ولفظه ‏"‏ قلب رداءه جعل اليمين على الشمال ‏"‏ وزاد فيه ابن ماجة وابن خزيمة من هذا الوجه ‏"‏ والشمال على اليمين ‏"‏ والمسعودي ليس من شرط الكتاب وإنما ذكر زيادته استطرادا، وسيأتي بيان كون زيادته موصولة أو معلقة في الباب المذكور إن شاء الله تعالى‏.‏

وله شاهد أخرجه أبو داود من طريق الزبيدي عن الزهري عن عباد بلفظ ‏"‏ فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وعطافه الأيسر على عاتقه الأيمن ‏"‏ وله من طريق عمارة بن غزية عن عباد ‏"‏ استسقى وعليه خميصة سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها، فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه ‏"‏ وقد استحب الشافعي في الجديد فعل ما هم به صلى الله عليه وسلم من تنكيس الرداء مع التحويل الموصوف، وزعم القرطبي كغيره أن الشافعي اختار في الجديد تنكيس الرداء لا تحويله، والذي في ‏"‏ الأم ‏"‏ ما ذكرته‏.‏

والجمهور على استحباب التحويل فقط، ولا ريب أن الذي استحبه الشافعي أحوط صلى الله عليه وسلم‏.‏

وعن أبي حنيفة وبعض المالكية لا يستحب شيء من ذلك، واستحب الجمهور أيضا أن يحول الناس بتحويل الإمام، ويشهد له ما رواه أحمد من طريق أخرى عن عباد في هذا الحديث بلفظ ‏"‏ وحول الناس معه ‏"‏ وقال الليث وأبو يوسف‏:‏ يحول الإمام وحده‏.‏

واستثنى ابن الماجشون النساء فقال‏:‏ لا يستحب في حقهن‏.‏

ثم إن ظاهر قوله ‏"‏ فقلب رداءه ‏"‏ أن التحويل وقع بعد فراغ الاستسقاء، وليس كذلك، بل المعنى فقلب رداءه في أثناء الاستسقاء‏.‏

وقد بينه مالك في روايته المذكورة ولفظه ‏"‏ حول رداءه حين استقبل القبلة ‏"‏ ولمسلم من رواية يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد ‏"‏ وإنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه ‏"‏ وأصله للمصنف كما سيأتي بعد أبواب، وله من رواية الزهري عن عباد ‏"‏ فقام فدعا الله قائما، ثم توجه قبل القبلة وحول رداءه‏"‏، فعرف بذلك أن التحويل وقع في أثناء الخطبة عند إرادة الدعاء‏.‏

واختلف في حكمة هذا التحويل‏:‏ فجزم المهلب بأنه للتفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه، وتعقبه ابن العربي بأن من شرط الفأل أن لا يقصد إليه‏.‏

قال‏:‏ وإنما التحويل أمارة بينه وبين ربه، قيل له حول رداءك ليتحول حالك‏.‏

وتعقب بأن الذي جزم به يحتاج إلى نقل، والذي رده ورد فيه حديث رجاله ثقات أخرجه الدار قطني والحاكم من طريق جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر، ورجح الدار قطني إرساله‏.‏

وعلى كل حال فهو أولى من القول بالظن‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إنما حول رداءه ليكون أثبت على عاتقه عند رفع يديه في الدعاء فلا يكون سنة في كل حال‏.‏

وأجيب بأن التحويل من جهة إلى جهة لا يقتضي الثبوت على العاتق، فالحمل على المعنى الأول أولى، فإن الاتباع أولى من تركه لمجرد احتمال الخصوص، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يُحَدِّثُ أَبَاهُ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ هُوَ صَاحِبُ الْأَذَانِ وَلَكِنَّهُ وَهْمٌ لِأَنَّ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ مَازِنُ الْأَنْصَارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله بن أبي بكر‏)‏ أي قال قال، ويجوز أن يكون ابن عيينة حذف الصيغة مرة، وجرت عادتهم بحذف إحداهما من الخط، وفي حذفها من اللفظ بحث‏.‏

ووقع عند الحموي والمستملي بلفظ ‏"‏ عن عبد الله ‏"‏ وصرح ابن خزيمة في روايته بتحديث عبد الله به لابن عيينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه سمع عباد بن تميم يحدث أباه‏)‏ الضمير في قوله ‏"‏ أباه ‏"‏ يعود على عبد الله بن أبي بكر لا على عباد، وضبطه الكرماني بضم الهمزة وراء بدل الموحدة، أي أظنه‏.‏

ولم أر ذلك في شيء من الروايات التي اتصلت لنا‏.‏

ومقتضاه أن الراوي لم يجزم بأن رواية عباد له عن عمه‏.‏

ووقع في بعض النسخ من ابن ماجة عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن أبيه عن عبد الله بن زيد، وقوله ‏"‏عن أبيه ‏"‏ زيادة وهي وهم، والصواب ما وقع في النسخ المعتمدة من ابن ماجة عن محمد بن الصباح، وكذا لابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء كلاهما عن سفيان قال ‏"‏ حدثنا المسعودي ويحيى هو ابن سعيد عن أبي بكر أي ابن محمد بن عمرو بن حزم، قال سفيان فقلت لعبد الله - أي ابن أبي بكر - حديث حدثناه يحيى والمسعودي عن أبيك عن عباد بن تميم، فقال عبد الله بن أبي بكر‏:‏ ‏"‏ سمعته أنا من عباد يحدث أبي عن عبد الله بن زيد ابن أبي بكر ‏"‏ فذكر الحديث 0 قوله‏:‏ ‏(‏خرج إلى المصلى فاستسقى‏)‏ في رواية الزهري المذكورة ‏"‏ فخرج بالناس يستسقى‏"‏، ولم أقف في شيء من طرق حديث عبد الله بن زيد على سبب ذلك ولا صفته صلى الله عليه وسلم حال الذهاب إلى المصلى وعلى وقت ذهابه، وقد وقع ذلك في حديث عائشة عند أبي داود وابن حبان قالت ‏"‏ شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحط المطر، فأمر بمنبر فوضـع له بالمصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر ‏"‏ الحديث‏.‏

وفي حديث ابن عباس عند أحمد وأصحاب السنن ‏"‏ خرج النبي صلى الله عليه وسلم متبذلا متواضعا متضرعا حتى أتى المصلى فرقى المنبر ‏"‏ وفي حديث أبي الدرداء عند البزار والطبراني ‏"‏ قحط المطر، فسألنا نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يستسقى لنا، فغدا نبي الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الحديث‏.‏

وقد حكى ابن المنذر الاختلاف في وقتها، والراجح أنه لا وقت لها معين، وإن كان أكثر أحكامها كالعيد، لكنها تخالفه بأنها لا تختص بيوم معين، وهل تصنع بالليل‏؟‏ استنبط بعضهم من كونه صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة فيها بالنهار أنها نهارية كالعيد، وإلا فلو كانت تصلي بالليل لأسر فيها بالنهار وجهر بالليل كمطلق النوافل‏.‏

ونقل ابن قدامة الإجماع على أنها لا تصلي في وقت الكراهة، وأفاد ابن حبان أن خروجه صلى الله عليه وسلم إلى المصلى للاستسقاء كان في شهر رمضان سنة ست من الهجرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاستقبل القبلة وحول رداءه‏)‏ تقدم ما فيه قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وصلى ركعتين‏)‏ في رواية يحيى بن سعيد المذكورة عند ابن خزيمة ‏"‏ وصلى بالناس ركعتين ‏"‏ وفي رواية الزهري الآتية في ‏"‏ باب كيف حول ظهره ‏"‏‏:‏ ‏"‏ ثم صلى لنا ركعتين واستدل به على أن الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة، وهو مقتضى حديث عائشة وابن عباس المذكورين، لكن وقع عند أحمد في حديث عبد الله بن زيد التصريح بأنه بدا بالصلاة قبل الخطبة، وكذا في حديث أبي هريرة عند ابن ماجة حيث قال ‏"‏ فصلى بنا ركعتين بغير أذان ولا إقامة صلى الله عليه وسلم ‏"‏ والمرجح عند الشافعية والمالكية الثاني، وعن أحـمد رواية كذلك، ورواية ‏"‏ يخير‏"‏، ولم يقـع في شيء من طرق حديث عبد الله بن زيد صفة الصلاة المذكورة ولا ما يقرأ فيها، وقد أخرج الدار قطني من حديث ابن عباس أنه يكبر فيهما سبعا وخمسا كالعيد، وأنه يقرأ فيهما بسبـح وهل أتاك، وفي إسناده مقال، لكن أصله في السنن بلفظ ‏"‏ ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد ‏"‏ فأخذ بظاهره الشافعي فقال‏:‏ يكبر فيهما‏.‏

ونقل الفاكهي شيخ شيوخنا عن الشافعي استحباب التكبير حال الخروج إليها كما في العيد، وهو غلط منه عليه، ويمكن الجمع بين ما اختلف من الروايات في ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالدعاء ثم صلى ركعتين ثم خطب، فاقتصر بعض الرواة على شيء وبعضهم على شيء، وعبر بعضهم عن الدعاء بالخطبة فلذلك وقع الاختلاف‏.‏

وأما قول ابن بطال‏:‏ إن رواية أبي بكر بن محمد دالة على تقديم الصلاة على الخطبة وهو أضبط من ولديه عبد الله ومحمد فليس ذلك بالبين من سياق البخاري ولا مسلم والله أعلم‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ يعتضد القول بتقديم الصلاة على الخطبة لمشابهتها بالعيد، وكذا ما تقرر من تقديم الصلاة أمام الحاجة‏.‏

وقد ترجم المصنف لهذا الحديث أيضا ‏"‏ الدعاء في الاستسقاء قائما واستقبال القبلة فيه ‏"‏ وحمله ابن العربي على حال الصلاة ثم قال‏:‏ يحتمل أن يكون ذلك خاصا بدعاء الاستسقاء، ولا يخفى ما فيه، وقد ترجم له المصنف في الدعوات بالدعاء مستقبل القبلة من غير قيد بالاستسقاء، وكأنه ألحقه به، لأن الأصل عدم الاختصاص‏:‏ وترجم أيضا لكونها ركعتين وهو إجماع عند من قال بها، ولكونها في المصلى، وقد استثنى الخفاف من الشافعية مسجد مكة كالعيد، وبالجهر بالقراءة في الاستسقاء، وبتحويل الظهر إلى الناس عند الدعاء وهو من لازم استقبال القبلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏)‏ هو المصنف، وقوله‏:‏ ‏(‏كان ابن عيينة الخ‏)‏ يحتمل أن يكون تعليقا، ويحتمل أن يكون سمع ذلك من شيخه علي بن عبد الله المذكور، ويرجح الثاني أن الإسماعيلي أخرجه عن جعفر الفريابي عن علي بن عبد الله بهذا الإسناد فقال‏:‏ عن عبد الله بن زيد الذي أرى النداء، وكذا أخرجه النسائي عن محمد بن منصور عن سفيان، وتعقبه بأن ابن عيينة غلط فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأن هذا‏)‏ يعني راوي حديث الاستسقاء ‏(‏عبد الله‏)‏ أي هو عبد الله ‏(‏ابن زيد بن عاصم‏)‏ فالتقدير لأن هذا أي عبد الله بن زيد هو عبد الله بن زيد بن عاصم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مازن الأنصار‏)‏ احتراز عن مازن تميم، وهو مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، أو مازن قيس وهو مازن بن منصور بن الحارث بن خصفة بمعجمة ثم مهملة مفتوحتين ابن قيس بن عيلان، ومازن ابن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، ومازن ضبة وهو مازن بن كعب بن ربيعة بن ثعلبة بن سعد ابن ضبة، ومازن شيبان وهو مازن بن ذهل بن ثعلبة بن شيبان وغيرهم‏.‏

قال الرشاطي‏:‏ مازن في القبائل كثير، والمازن في اللغة بيض النمل وقد حذف البخاري مقابله والتقدير‏:‏ وذاك أي عبد الله بن زيد رائي الأذان عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وقد اتفقا في الاسم واسم الأب والنسبة إلى الأنصاري ثم إلى الخزرج والصحبة والرواية، وافترقا في الجد والبطن الذي من الخزرج لأن حفيد عاصم من مازن وحفيد عبد ربه من بلحارث ابن الخزرج، والله أعلم‏.‏

*3*باب الِاسْتِسْقَاءِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الاستسقاء في المسجد الجامع‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى أن الخروج إلى المصلى ليس بشرط في الاستسقاء لأن الملحوظ في الخروج المبالغة في اجتماع الناس، وذلك حاصل في المسجد الأعظم بناء على المعهود في ذلك الزمان من عدم تعدد الجامع، بخلاف ما حدث في هذه الأعصار في بلاد مصر والشام والله المستعان‏.‏

وقد ترجم له المصنف بعد ذلك ‏"‏ من اكتفى بصلاة الجمعة في خطبة الاستسقاء ‏"‏ وترجم له أيضا ‏"‏ الاستسقاء في خطبة الجمعة ‏"‏ فأشار بذلك إلى أنه إن اتفق وقوع ذلك يوم الجمعة اندرجت خطبة الاستسقاء وصلاتها في الجمعة، ومدار الطرق الثلاثة على شريك‏:‏ فالأولى عن أبي ضمرة، والثانية عن مالك، والثالثة عن إسماعيل بن جعفر ثلاثتهم عن شريك‏.‏

وأخرجه أيضا من طرق أخرى عن أنس سنشير إليها عند النقل لزوائدها إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وِجَاهَ الْمِنْبَرِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْمَوَاشِي وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اسْقِنَا اللَّهُمَّ اسْقِنَا اللَّهُمَّ اسْقِنَا قَالَ أَنَسُ وَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةً وَلَا شَيْئًا وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ قَالَ فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ قَالَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالْجِبَالِ وَالْآجَامِ وَالظِّرَابِ وَالْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ قَالَ فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ قَالَ شَرِيكٌ فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَهُوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ قَالَ لَا أَدْرِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا‏)‏ لم أقف على تسميته في حديث أنس، وروى الإمام أحمد من حديث كعب بن مرة ما يمكن أن يفسر هذا المبهم بأنه كعب المذكور وسأذكر بعض سياقه بعد قليل، وروى البيهقي في الدلائل من طريق مرسلة ما يمكن أن يفسر بأنه خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، ولكن رواه ابن ماجة من طريق شرحبيل بن السمط أنه ‏"‏ قال لكعب بن مرة‏:‏ يا كعب حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحذر، قال‏:‏ جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله استسق الله عز وجل، فرفع يديه فقال‏:‏ اللهم اسقنا ‏"‏ الحديث‏.‏

ففي هذا أنه غير كعب، وسيأتي بعد أبواب في هذه القصة ‏"‏ فأتاه أبو سفيان ‏"‏ ومن ثم زعم بعضهم أنه أبو سفيان بن حرب، وهو وهم لأنه جاء في واقعة أخرى كما سنوضحه إن شاء الله تعالى في ‏"‏ باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين ‏"‏ وقد تقدم في الجمعة من رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس ‏"‏ أصاب الناس سنة - أي جدب - على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قام أعرابي ‏"‏ وسيأتي من رواية يحيى بن سعيد عن أنس ‏"‏ أتى رجل أعرابي من أهل البدو ‏"‏ وأما قوله في رواية ثابت الآتية في ‏"‏ باب الدعاء إذا كثر المطر ‏"‏ عن أنس ‏"‏ فقام الناس فصاحوا ‏"‏ فلا يعارض ذلك، لأنه يحتمل أن يكونوا سألوه بعد أن سأل، ويحتمل أنه نسب ذلك إليهم لموافقة سؤال السائل ما كانوا يريدونه من طلب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وقد وقع في رواية ثابت أيضا عند أحمد ‏"‏ إذ قال بعض أهل المسجد ‏"‏ وهي ترجح الاحتمال الأول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من باب كان وجاه المنبر‏)‏ بكسر واو وجاه ويجوز ضمها أي مواجهة، ووقع في شرح ابن التين أن معناه مستدبر القبلة، وهو وهم، وكأنه ظن أن الباب المذكور كان مقابل ظهر المنبر، وليس الأمر كذلك‏.‏

ووقع في رواية إسماعيل بن جعفر ‏"‏ من باب كان نحو دار القضاء ‏"‏ وفسر بعضهم دار القضاء بأنها دار الإمارة، وليس كذلك وإنما هي دار عمر بن الخطاب، وسميت دار القضاء لأنها بيعت في قضاء دينه فكان يقال لها دار قضاء دين عمر، ثم طال ذلك فقيل لها دار القضاء ذكره الزبير بن بكار بسنده إلى ابن عمر، وذكر عمر بن شبة في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ عن أبي غسان المدني‏:‏ سمعت ابن أبي فديك عن عمه كانت دار القضاء لعمر، فأمر عبد الله وحفصة أن يبيعاها عند وفاته في دين كان عليه، فباعوها من معاوية، وكانت تسمى دار القضاء‏.‏

قال ابن أبي فديك سمعت عمي يقول‏:‏ إن كانت لتسمى دار قضاء الدين‏.‏

قال وأخبرني عمي أن الخوخة الشارعة في دار القضاء غربي المسجد هي خوخة أبو بكر الصديق التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا يبقى في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر ‏"‏ وقد صارت بعد ذلك إلى مروان وهو أمير المدينة، فلعلها شبهة من قال إنها دار الإمارة فلا يكون غلطا كما قال صاحب المطالع وغيره، وجاء في تسميتها دار القضاء قول آخر رواه عمر بن شبة في ‏"‏ أحبار المدينة ‏"‏ عن أبي غسان المدني أيضا عن عبد العزيز بن عمران عن راشد بن حفص عن أم الحكم بنت عبد الله عن عمتها سهلة بنت عاصم قالت‏:‏ كانت دار القضاء لعبد الرحمن بن عوف وإنما سميت دار القضاء لأن عبد الرحمن بن عوف اعتزل فيها ليالي الشورى حتى قضي الأمر فيها فباعها بنو عبد الرحمن من معاوية بن أبي سفيان‏.‏

قال عبد العزيز‏:‏ فكانت فيها الدواوين وبيت المال، ثم صيرها السفاح رحبة للمسجد‏.‏

وزاد أحمد في رواية ثابت عن أنس ‏"‏ إني لقائم عند المنبر ‏"‏ فأفاد بذلك قوة ضبطه للقصة لقربه، ومن ثم لم يرد هذا الحديث بهذا السياق كله إلا من روايته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قائم يخطب‏)‏ زاد في رواية قتادة في الأدب ‏"‏ بالمدينة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال يا رسول الله‏)‏ هذا يدل على أن السائل كان مسلما فانتفى أن يكون أبا سفيان فإنه حين سؤاله لذلك كان لم يسلم كما سيأتي في حديث عبد الله بن مسعود قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هلكت الأموال‏)‏ في رواية كريمة وأبي ذر جميعا عن الكشميهني ‏"‏ المواشي ‏"‏ وهو المراد بالأموال هنا لا الصامت، وقد تقدم في كتاب الجمعة بلفظ ‏"‏ هلك الكراع ‏"‏ وهو بضم الكاف يطلق على الخيل وغيرها‏.‏

وفي رواية يحيى بن سعيد الآتية ‏"‏ هلكت الماشية، هلك العيال، هلك الناس ‏"‏ وهو من ذكر العام بعد الخاص، والمراد بهلاكهم عدم وجود ما يعيشون به من الأقوات المفقودة بحبس المطر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وانقطعت السبل‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ وتقطعت ‏"‏ بمثناة وتشديد الطاء، والمراد بذلك أن الإبل ضعفت - لقلة القوت - عن السفر، أو لكونها لا تجد في طريقها من الكلأ ما يقيم أودها، وقيل المراد نفاد ما عند الناس من الطعام أو قلته قلا يجدون ما يحملونه يجلبونه إلى الأسواق‏.‏

ووقع في رواية قتادة الآتية عن أنس ‏"‏ قحط المطر ‏"‏ أي قل، وهو بفتح القاف والطاء صلى الله عليه وسلم وحكي بضم ثم كسر، وزاد في رواية ثابت الآتية عن أنس ‏"‏ واحمرت الشجر ‏"‏ واحمرارها كناية عن يبس، ورقها لعدم شربها الماء، أو لانتثاره فتصير الشجر أعوادا بغير ورق‏.‏

ووقع لأحمد في رواية قتادة ‏"‏ وأمحلت الأرض ‏"‏ وهذه الألفاظ يحتمل أن يكون الرجل قال كلها، ويحتمل أن يكون بعض الرواة روى شيئا مما قاله بالمعنى لأنها متقاربة فلا تكون غلطا كما قال صاحب المطالع وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فادع الله يغيثنا‏)‏ أي فهو يغيثنا، وهذه رواية الأكثر، ولأبي ذر ‏"‏ أن يغيثنا ‏"‏ وفي رواية إسماعيل بن جعفر الآتية للكشميهني ‏"‏ يغثنا ‏"‏ بالجزم، ويجوز الضم في يغيثنا على أنه من الإغاثة وبالفتح على أنه من الغيث، ويرجح الأول قوله في رواية إسماعيل بن جعفر ‏"‏ فقال اللهم أغثنا ‏"‏ ووقع في رواية قتادة ‏"‏ فادع الله أن يسقينا ‏"‏ وله في الأدب ‏"‏ فاستسق ربك ‏"‏ قال قاسم بن ثابت رواه لنا موسى بن هارون ‏"‏ اللهم أغثتا ‏"‏ وجائز أن يكون من الغوث أو من الغيث، والمعروف في كلام العرب غثنا لأنه من الغوث‏.‏

وقال ابن القطاع‏:‏ غاث الله عباده غيثا وغياثا سقاهم المطر، وأغاثهم أجاب دعاءهم، ويقال غاث وأغاث بمعنى، والرباعي أعلى‏.‏

وقال ابن دريد‏:‏ الأصل غاثه الله يغوثه غوثا فأغيث، واستعمل أغاثه، ومن فتح أوله فمن الغيث ويحتمل أن يكون معنى أغثنا أعطنا غوثا وغيثا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرفع يديه‏)‏ زاد النسائي في رواية سعيد عن يحيى بن سعيد ‏"‏ ورفع الناس أيديهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون ‏"‏ وزاد في رواية شريك ‏"‏ حذاء وجهه ‏"‏ ولابن خزيمة من رواية حميد عن أنس ‏"‏ حتى رأيت بياض إبطيه ‏"‏ وتقدم في الجمعة بلفظ ‏"‏ فمد يديه ودعا ‏"‏ زاد في رواية قتادة في الأدب ‏"‏ فنظر إلى السماء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏:‏ اللهم اسقنا‏)‏ أعاده ثلاثا في هذه الرواية، ووقع في رواية ثابت الآتية عن أنس ‏"‏ اللهم اسقنا ‏"‏ مرتين، والأخذ بالزيادة أولى، ويرجحها ما تقدم في العلم أنه صلى الله عليه وسلم ‏"‏ كان إذا دعا دعا ثلاثا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا والله‏)‏ كذا للأكثر بالواو، ولأبي ذر بالفاء‏.‏

وفي رواية ثابت المذكورة ‏"‏ وأيم الله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من سحاب‏)‏ أي مجتمع ‏(‏ولا قزعة‏)‏ بفتح القاف والزاي بعدها مهملة أي سحاب متفرق، قال ابن سيده‏.‏

القزع قطع من السحاب رقاق، زاد أبو عبيد‏:‏ وأكثر ما يجيء في الخريف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا شيئا‏)‏ بالنصب عطفا على موضع الجار والمجرور أي ما نرى شيئا، والمراد نفي علامات المطر من ريح وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما بيننا وبين سلع‏)‏ بفتح المهملة وسكون اللام جبل معروف بالمدينة، وقد حكي أنه بفتح اللام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من بيت ولا دار‏)‏ أي يحجبنا عن رؤيته، وأشار بذلك إلى أن السحاب كان مفقودا لا مستترا ببيت ولا غيره‏.‏

ووقع في رواية ثابت في علامات النبوة قال ‏"‏ قال أنس‏:‏ وإن السماء لفي مثل الزجاجة ‏"‏ أى لشدة صفائها، وذلك مشعر بعدم السحاب أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فطلعت‏)‏ أي ظهرت ‏(‏من ورائه‏)‏ أي سلع، وكأنها نشأت من جهة البحر لأن وضـع سلع يقتضي ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مثل الترس‏)‏ أي مستديرة، ولم يرد أنها مثله في القدر لأن في رواية حفص بن عبيد الله عند أبي عوانة ‏"‏ فنشأت سحابة مثل رجل الطائر وأنا أنظر إليها ‏"‏ فهذا يشعر بأنها كانت صغيرة‏.‏

وفي رواية ثابت المذكورة ‏"‏ فهاجت ريح أنشأت سحابا ثم اجتمـع ‏"‏ وفي رواية قتادة في الأدب ‏"‏ فنشأ السحاب بعضه إلى بعض ‏"‏ وفي رواية إسحاق الآتية ‏"‏ حتى ثار السحاب أمثال الجبال ‏"‏ أي لكثرته، وفيه ‏"‏ ثم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر على لحيته ‏"‏ وهذا يدل على أن السقف وكف لكونه كان من جريد النخل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما توسطت السماء انتشرت‏)‏ هذا يشعر بأنها استمرت مستديرة حتى انتهت إلى الأفق فانبسطت حينئذ، وكأن فائدته تعميم الأرض بالمطر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما رأينا الشمس سبتا‏)‏ كناية عن استمرار الغيم الماطر، وهذا في الغالب، وإلا فقد يستمر المطر والشمس بادية، وقد تحجب الشمس بغير مطر‏.‏

وأصرح من ذلك رواية إسحاق الآتية بلفظ ‏"‏ فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى‏"‏‏.‏

وأما قوله ‏"‏ سبتا ‏"‏ فوقع للأكثر بلفظ السبت - يعني أحد الأيام - والمراد به الأسبوع، وهو من تسمية الشيء باسم بعضه كما يقال جمعة قاله صاحب النهاية‏.‏

قال‏:‏ ويقال أراد قطعة من الزمان‏.‏

وقال الزين بن المنير‏:‏ قوله ‏"‏ سبتا ‏"‏ أي من السبت إلى السبت، أي جمعة‏.‏

وقال المحب الطبري مثله وزاد أن فيه تجوزا لأن السبت لم يكن مبدأ ولا الثاني منتهى، وإنما عبر أنس بذلك لأنه كان من الأنصار وكانوا قد جاوروا اليهود فأخذوا بكثير من اصطلاحهم، وإنما سموا الأسبوع سبتا لأنه أعظم الأيام عند اليهود، كما أن الجمعة عند المسلمين كذلك‏.‏

وحكى النووي تبعا لغيره كثابت في الدلائل أن المراد بقوله سبتا قطعة من الزمان، ولفظ ثابت‏:‏ الناس يقولون معناه مـن سبت إلى سبت وإنما السبت قطعة من الزمان‏.‏

وأن الداودي رواه بلفظ ‏"‏ ستا ‏"‏ وهو تصحيف‏.‏

وتعقب بأن الداودي لم ينفرد بذلك فقد وقع في رواية الحموي والمستملي هنا ستا، وكذا رواه سعيد بن منصور عن الدراوردي عن شريك، ووافقه أحمد من رواية ثابت عن أنس، وكأن من ادعى أنه تصحيف استبعد اجتماع قوله ستا مع قوله في رواية إسماعيل بن جعفر الآتية سبعا، وليس بمستبعد لأن من قال ستا أراد ستة أيام تامة، ومن قال سبعا أضاف أيضا يوما ملفقا من الجمعتين‏.‏

وقد وقع في رواية مالك عن شريك ‏"‏ فمطرنا من جمعة إلى جمعة ‏"‏ وفي رواية للنسفي ‏"‏ فدامت جمعة ‏"‏ وفي رواية عبدوس والقابسي فيما حكاه عياض ‏"‏ سبتنا ‏"‏ كما يقال جمعتنا، ووهم من عزا هذه الرواية لأبي ذر‏.‏

وفي رواية قتادة الآتية ‏"‏ فمطرنا فما كدنا نصل إلى منازلنا ‏"‏ أي من كثرة المطر، وقد تقدم للمصنف في الجمعة من وجه آخر بلفظ ‏"‏ فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا ‏"‏ ولمسلم في رواية ثابت ‏"‏ فأمطرنا حتى رأيت الرجل تهمه نفسه أن يأتي أهله ‏"‏ ولابن خزيمة في رواية حميد ‏"‏ حتى أهم الشاب القريب الدار الرجوع إلى أهله ‏"‏ وللمصنف في الأدب من طريق قتادة ‏"‏ حتى سالت مثاعب المدينة ‏"‏ ومثاعب جمع مثعب بالمثلثة وآخره موحده مسيل الماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجملة المقبلة‏)‏ ظاهره أنه غير الأول، لأن النكرة إذا تكررت دلت على التعدد، وقد قال شريك في آخر هذا الحديث هنا ‏"‏ سألت أنسا‏:‏ أهو الرجل الأول‏؟‏ قال‏:‏ لا أدري ‏"‏ وهذا يقتضي أنه لم يجزم بالتغاير، فالظاهر أن القاعدة المذكورة محمولة على الغالب لأن أنسا من أهل اللسان وقد تعددت‏.‏

وسيأتي في رواية إسحاق عن أنس ‏"‏ فقام ذلك الرجل أو غيره ‏"‏ وكذا لقتادة في الأدب، وتقدم في الجمعة من وجه آخر كذلك، وهذا يقتضي أنه كان يشك فيه، وسيأتي من رواية يحيى بن سعيد فأتى الرجل فقـال‏:‏ يا رسول الله‏"‏‏.‏

ومثله لأبي عوانة من طريق حفص عن أنس بلفظ ‏"‏ فما زلنا نمطر حتى جاء ذلك الأعرابي في الجمعة الأخرى ‏"‏ وأصله في مسلم، وهذا يقتضي الجزم بكونه واحدا، فلعل أنسا تذكره بعد أن نسيه، أو نسيه بعد أن كان تذكره، ويؤيد ذلك رواية البيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من طريق يزيد أن عبيدا السلمي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من، غزوة تبوك أتاه وفد بني فزارة وفيه خارجة بن حصن أخو عيينة قدموا على إبل عجاف فقالوا‏:‏ يا رسول الله ادع لنا ربك أن بغيثنا ‏"‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ فقال‏:‏ اللهم اسق بلدك وبهيمك، وانشر بركتك‏.‏

اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا طبقا واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء ‏"‏ وفيه ‏"‏ قال فلا والله ما نرى في السماء من قزعة ولا سحاب، وما بين المسجد وسلع من بناء ‏"‏ فذكر نحو حديث أنس بتمامه وفيه ‏"‏ قال الرجل - يعني الذي سأله أن يستسقى لهم - هلكت الأموال ‏"‏ الحديث كذا في الأصل، والظاهر أن السائل هو خارجة المذكور لكونه كان كبير الوفد ولذلك سمي من بينهم والله أعلم‏.‏

وأفادت هذه الرواية صفة الدعاء المذكور، والوقت الذي وقع فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هلكت الأموال وانقطعت السبل‏)‏ أي بسبب غير السبب الأول، والمراد أن كثرة الماء انقطع المرعى بسببها فهلكت المواشي من عدم الرعي، أو لعدم ما يكنها من المطر، ويدل على ذلك قوله في رواية سعيد عن شريك عند النسائي ‏"‏ من كثرة الماء ‏"‏ وأما انقطاع السبل فلتعذر سلوك الطرق من كثرة الماء‏.‏

وفي رواية حميد عند ابن خزيمة ‏"‏ واحتبس الركبان ‏"‏ وفي رواية مالك عن شريك ‏"‏ تهدمت البيوت ‏"‏ وفي رواية إسحاق الآتية ‏"‏ هدم البناء وغرق المال‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فادع الله يمسكها‏)‏ يجوز في يمسكها الضم والسكون، وللكشميهني هنا ‏"‏ أن يمسكها ‏"‏ والضمير يعود على الأمطار أو على السحاب أو على السماء، والعرب تطلق على المطر سماء، ووقع في رواية سعيد عن شريك ‏"‏ أن يمسك عنا الماء ‏"‏ وفي رواية أحمد من طريق ثابت ‏"‏ أن يرفعها عنا ‏"‏ وفي رواية قتادة في الأدب ‏"‏ فادع ربك أن يحبسها عنا‏.‏

فضحك ‏"‏ وفي رواية ثابت ‏"‏ فتبسم ‏"‏ زاد في رواية حميد ‏"‏ لسرعة ملال ابن آدم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه‏)‏ تقدم الكلام عليه قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اللهم حوالينا‏)‏ بفتح اللام وفيه حذف تقديره اجعل أو أمطر، والمراد به صرف المطر عن الأبنية والدور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا علينا‏)‏ فيه بيان للمراد بقوله ‏"‏ حوالينا ‏"‏ لأنها تشمل الطرق التي حولهم فأراد إخراجها بقوله ‏"‏ ولا علينا‏"‏‏.‏

قال الطيبي‏:‏ في إدخال الواو هنا معنى لطيف، وذلك أنه لو أسقطها لكان مستسقيا للآكام وما معها فقط، ودخول الواو يقتضي أن طلب المطر على المذكورات ليس مقصودا لعينه ولكن ليكون وقاية من أذى المطر، فليست الواو مخلصة للعطف ولكنها للتعليل، وهو كقولهم تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، فإن الجوع ليس مقصودا لعينه ولكن لكونه مانعا عن الرضاع بأجرة إذ كانوا يكرهون ذلك أنفا اهـ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اللهم على الآكام‏)‏ فيه بيان المراد بقوله ‏"‏ حوالينا ‏"‏ والإكام بكسر الهمزة وقد تفتح وتمد‏:‏ جمع أكمة بفتحات، قال ابن البرقي‏:‏ هو التراب المجتمـع‏.‏

وقال الداودي‏:‏ هي أكبر من الكدية‏.‏

وقال القزاز‏:‏ هي التي من حجر واحد وهو قول الخليل‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ هي الهضبة الضخمة، وقيل الجبل الصغير، وقيل ما ارتفـع من الأرض‏.‏

وقال الثعالبي‏:‏ الأكمة أعلى من الرابية وقيل دونها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والظراب‏)‏ بكسر المعجمة وآخره موحدة جمع ظرب بكسر الراء وقد تسكن‏.‏

وقال القزاز‏:‏ هو الجبل المنبسط ليس بالعالي‏.‏

وقال الجوهري‏:‏ الرابية الصغيرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والأودية‏)‏ في رواية مالك ‏"‏ بطون الأودية ‏"‏ والمراد بها ما يتحصل فيه الماء لينتفع به، قالوا‏:‏ ولم تسمـع أفعلة جمـع فاعل إلا الأودية جمـع واد وفيه نظر، وزاد مالك في روايته ورءوس الجبال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانقطعت‏)‏ أي السـماء أو السحابة الماطرة، والمعنى أنها أمسكت عن المطر على المدينة‏.‏

وفي رواية مالك ‏"‏ فانجابت عن المدينة انجياب الثوب ‏"‏ أي خرجت عنها كما يخرج الثوب عن لابسه‏.‏

وفي رواية سعيد عن شريك ‏"‏ فما هو إلا أن تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك تمزق السحاب حتى ما نرى منه شيئا ‏"‏ والمراد بقوله ‏"‏ ما نرى منه شيئا ‏"‏ أي في المدينة، ولمسلم في رواية حفص ‏"‏ فلقد رأيت السحاب يتمزق كأنه الملا حين تطوى ‏"‏ والملا بضم الميم والقصر وقد يمد جمـع ملاءة وهو ثوب معروف‏.‏

وفي رواية قتادة عند المصنف ‏"‏ فلقد رأيت السحاب ينقطع يمينا وشمالا يمطرون - أي أهل النواحي - ولا يمطر أهل المدينة ‏"‏ وله في الأدب ‏"‏ فجعل السحاب يتصدع عن المدينة - وزاد فيه - يريهم الله كرامة نبيه وإجابة دعوته ‏"‏ وله في رواية ثابت عن أنس ‏"‏ فتكشطت - أي تكشفت - فجعلت تمطر حول المدينة ولا تمطر بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة وأنها لمثل الإكليل صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولأحمد من هذا الوجه ‏"‏ فتقور ما فوق رءوسنا من السحاب حتى كأنا في إكليل ‏"‏ والإكليل بكسر الهمزة وسكون الكاف كل شيء دار من جوانبه، واشتهر لما يوضع على الرأس فيحيط به، وهو من ملابس الملوك كالتاج‏.‏

وفي رواية إسحاق عن أنس ‏"‏ فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا تفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة ‏"‏ والجوبة بفتح الجيم ثم الموحدة وهي الحفرة المستديرة الواسعة، والمراد بها هنا الفرجة في السحاب‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ المراد بالجوبة هنا الترس، وضبطها الزين بن المنير تبعا لغيره بنون بدل الموحدة، ثم فسره بالشمس إذ ظهرت في خلال السحاب‏.‏

لكن جزم عياض بأن من قاله بالنون فقد صحف‏.‏

وفي رواية إسحاق من الزيادة أيضا ‏"‏ وسال الوادي - وادي قناة - شهرا، وقناة بفتح القاف والنون الخفيفة علم على أرض ذات مزارع بناحية أحد، وواديها أحد أودية المدينة المشهورة قاله الحازمي‏.‏

وذكر محمد بن الحسن المخزومي في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ بإسناد له أن أول من سماه وادي قناة تبـع اليماني لما قدم يثرب قبل الإسلام‏.‏

وفي رواية له أن تبعا بعث رائدا ينظر إلى مزارع المدينة فقال‏:‏ نظرت فإذا قناة حب ولا تبن، والجرف حب وتبن، والحرار - يعني جمع حرة بمهملتين - لا حب ولا تبن اهـ‏.‏

وتقدم في الجمعة من هذا الوجه ‏"‏ وسال الوادي قناة ‏"‏ وأعرب بالضم على البدل على أن قناة اسم الوادي ولعله من تسمية الشيء باسم ما جاوره‏.‏

وقرأت بخط الرضى الشاطبي قال‏:‏ الفقهاء تقوله بالنصب والتنوين يتوهمونه قناة من القنوات، وليس كذلك اهـ‏.‏

وهذا الذي ذكره قد جزم به بعض الشراح وقال‏:‏ هو على التشبيه‏.‏

أي سال مثل القناة‏.‏

وقوله في الرواية المذكورة ‏"‏ إلا حدث بالجود ‏"‏ هو بفتح الجيم المطر الغزير، وهذا يدل على أن المطر استمر فيما سوى المدينة، فقد يشكل بأنه يستلزم أن قول السائل ‏"‏ هلكت الأموال وانقطعت السبل ‏"‏ لم يرتفـع الإهلاك ولا القطع وهو خلاف مطلوبه، ويمكن الجواب بأن المراد أن المطر استمر حول المدينة من الإكام والظراب وبطون الأودية لا في الطرق المسلوكة، ووقوع المطر في بقعة دون بقعة كثير ولو كانت تجاورها، وإذا جاز ذلك جاز أن يوجد للماشية أماكن تكنها وترعى فيها بحيث لا يضرها المطر فيزول الإشكال‏.‏

وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز مكالمة الإمام في الخطبة للحاجة، وفيه القيام في الخطبة وأنها لا تنقطع بالكلام ولا تنقطع بالمطر، وفيه قيام الواحد بأمر الجماعة، وإنما لم يباشر ذلك بعض أكابر الصحابة لأنهم كانوا يسلكون الأدب بالتسليم وترك الابتداء بالسؤال، ومنه قول أنس، ‏"‏ كان يعجبنا أن يجيء الرجل من البادية فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وسؤال الدعاء من أهل الخير ومن يرجى منه القبول وإجابتهم لذلك، ومن أدبه بث الحال لهم قبل الطلب لتحصيل الرقة المقتضية لصحة التوجه فترجى الإجابة عنده، وفيه تكرار الدعاء ثلاثا، وإدخال دعاء الاستسقاء في خطبة الجمعة والدعاء به على المنبر ولا تحويل فيه ولا استقبال، والاجتزاء بصلاة الجمعة عن صلاة الاستسقاء، وليس في السياق ما يدل على أنه نواها مع الجمعة، وفيه علم من أعلام النبوة في إجابة الله دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام عقبه أو معه ابتداء في الاستسقاء وانتهاء في الاستصحاء وامتثال السحاب أمره بمجرد الإشارة، وفيه الأدب في الدعاء حيث لم يدع برفع المطر مطلقا لاحتمال الاحتياج إلى استمراره فاحترز فيه بما يقتضي رفع الضرر وبقاء النفع، ويستنبط منه أن من أنعم الله عليه بنعمة لا ينبغي له أن يتسخطها لعارض يعرض فيها، بل يسأل الله رفع ذلك العارض وإبقاء النعمة‏.‏

وفيه أن الدعاء برفع الضرر لا ينافي التوكل وإن كان مقام الأفضل التفويض صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بما وقع لهم من الجدب، وأخر السؤال في ذلك تفويضا لربه، ثم أجابهم إلى الدعاء لما سألوه في ذلك بيانا للجواز وتقرير السنة في هذه العبادة الخاصة، أشار إلى ذلك ابن أبي جمرة نفع الله به‏.‏

وفيه جواز تبسم الخطيب على المنبر تعجبا من أحوال الناس، وجواز الصياح في المسجد بسبب الحاجة المقتضية لذلك‏.‏

وفيه اليمين لتأكيد الكلام، ويحتمل أن يكون ذلك جرى على لسان أنس بغير قصد اليمين، واستدل به على جواز الاستسقاء بغير صلاة مخصوصة، وعلى أن الاستسقاء لا تشرع فيه صلاة، فأما الأول فقال به الشافعي وكرهه سفيان الثوري، وأما الثاني فقال به أبو حنيفة كما تقدم، وتعقب بأن الذي وقع في هذه القصة مجرد دعاء لا ينافي مشروعية الصلاة لها، وقد بينت في واقعة أخرى كما تقدم، واستدل به على الاكتفاء بدعاء الإمام في الاستسقاء قاله ابن بطال، وتعقب بما سيأتي في رواية يحيى بن سعيد ‏"‏ ورفع الناس أيديهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون ‏"‏ وقد استدل به المصنف في الدعوات على رفع اليدين في كل دعاء‏.‏

وفي الباب عدة أحاديث جمعها المنذري في جزء مفرد وأورد منها النووي في صفة الصلاة في شرح المهذب قدر ثلاثين حديثا، وسنذكر وجه الجمع بينها وبين قول أنس ‏"‏ كان لا يرفع يديه إلا في الاستسقاء ‏"‏ بعد أربعة عشر بابا إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيه جواز الدعاء بالاستصـحاء للحاجة، وقد ترجم له البخاري بعد ذلك‏.‏

*3*باب الِاسْتِسْقَاءِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة‏)‏ أورد فيه حديث أنس المذكور من طريق إسماعيل بن جعفر عن شريك المذكور، وقد تقدمت فوائده في الذي قبله قوله فيه ‏"‏ يوم الجمعة ‏"‏ في رواية كريمة ‏"‏ يوم جمعة ‏"‏ بالتنكير‏.‏

*3*باب الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى الْمِنْبَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الاستسقاء على المنبر‏)‏ أورد فيه الحديث المذكور أيضا من رواية قتادة عن أنس، وقد تقدمت فوائده أيضا‏.‏

*3*باب مَنْ اكْتَفَى بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء‏)‏ أورد فيه الحديث المذكور أيضا من طريق مالك عن شريك وقد تقدم ما فيه أيضا، وقوله فيه ‏"‏ فدعا فمطرنا ‏"‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ فادع الله ‏"‏ بدل فدعا، وكل من اللفظين مقدر فيما لم يذكر فيه، وفيه تعقب على من استدل به لمن يقول‏:‏ لا تشرع الصلاة للاستسقاء، لأن الظاهر ما تضمنته الترجمة‏.‏

*3*باب الدُّعَاءِ إِذَا تَقَطَّعَتْ السُّبُلُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَطَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الدعاء إذا انقطعت السبل من كثرة المطر‏)‏ أورد فيه الحديث المذكور أيضا من طريق أخرى عن مالك، وقد تقدم ما فيه‏.‏

ومراده بقوله ‏"‏ من كثرة المطر ‏"‏ أي وسائر ما ذكر في الحديث مما يشرع الاستصحاء عند وجوده، وظاهره أن الدعاء بذلك متوقف على سبق السقيا، وكلام الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏ يوافقه وزاد‏:‏ أنه لا يسن الخروج للاستصحاء ولا الصلاة ولا تحويل الرداء، بل يدعي بذلك في خطبة الجمعة أو في أعقاب الصلاة، وفي هذا تعقب على من قال من الشافعية إنه ليس قول الدعاء المذكور في أثناء خطبة الاستسقاء لأنه لم ترد به السنة‏.‏

*3*باب مَا قِيلَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَوِّلْ رِدَاءَهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحول رداءه الخ‏)‏ إنما عبر عنه بلفظ ‏"‏ قيل ‏"‏ مع صحة الخبر لأن الذي قال في الحديث ‏"‏ ولم يذكر أنه حول رداءه ‏"‏ يحتمل أن يكون هو الراوي عن أنس أو من دونه فلأجل هذا التردد لم يجزم بالحكم، وأيضا فسكوت الراوي عن ذلك لا يقتضي نفي الوقوع‏.‏

وأما تقييده بقوله ‏"‏ يوم الجمعة ‏"‏ فليبين أن قوله فيما مضى ‏"‏ باب تحويل الرداء في الاستسقاء ‏"‏ أي الذي يقام في المصلى‏.‏

وهذا السياق الذي أورده المصنف لهذا الحديث في هذا الباب مختصر جدا، وسيأتي مطولا من الوجه المذكور بعد اثني عشر بابا، وفيه ‏"‏ يخطب على المنبر يوم الجمعة‏"‏‏.‏

*3*باب إِذَا اسْتَشْفَعُوا إِلَى الْإِمَامِ لِيَسْتَسْقِيَ لَهُمْ لَمْ يَرُدَّهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا استشفعوا إلى الإمام ليستسقى ثم لم يردهم‏)‏ أورد فيه الحديث المذكور من وجه آخر عن مالك أيضا، قال الزين بن المنير‏:‏ تقدم له ‏"‏ باب سؤال الناس الإمام إذا قحطوا ‏"‏ والفرق بين الترجمتين أن الأولى لبيان ما على الناس أن يفعلوه إذا احتاجوا إلى الاستسقاء، والثانية لبيان ما على الإمام من إجابة سـؤالهم‏.‏

*3*باب إِذَا اسْتَشْفَعَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْقَحْطِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ ظاهر هذه الترجمة منع أهل الذمة من الاستبداد بالاستسقاء، كذا قال، ولا يظهر وجه المنع من هذا اللفظ‏.‏

واستشكل بعض شيوخنا مطابقة حديث ابن مسعود للترجمة، لأن الاستشفاع إنما وقع عقب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بالقحط، ثم سئل أن يدعو برفع ذلك ففعل، فنظيره أن يكون إمام المسلمين هو الذي دعا على الكفار بالجدب فأجيب، فجاءه الكفار يسألونه الدعاء بالسقيا‏.‏

انتهـى‏.‏

ومحصلة أن الترجمة أعم من الحديث، ويمكن أن يقال، هي مطابقة لما وردت فيه، ويلحق بها بقية الصور، إذ لا يظهر الفرق بين ما إذا استشفعوا بسبب دعائه أو بابتلاء الله لهم بذلك، فإن الجامع بينهما ظهور الخضوع منهم والذلة للمؤمنين في التماسهم منهم الدعاء لهم، وذلك من مطالب الشرع‏.‏

ويحتمل أن يكون ما ذكره شيخنا هو السبب في حذف المصنف جواب ‏"‏ إذا ‏"‏ من الترجمة ويكون التقدير في الجواب مثلا‏:‏ أجابهم مطلقا، أو أجابهم بشرط أن يكون هو الذي دعا عليهم، أو لم يجبهم إلى ذلك أصلا‏.‏

ولا دلالة فيما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة على مشروعية ذلك لغيره، إذ الظاهر أن ذلك من خصائصه لاطلاعه على المصلحة في ذلك بخلاف من بعده من الأئمة، ولعله حذف جواب ‏"‏ إذا ‏"‏ لوجود هذه الاحتمالات‏.‏

ويمكن أن يقال‏:‏ إذا رجا إمام المسلمين رجوعهم عن الباطل أو وجود نفع عام للمسلمين شرع دعاؤه لهم والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَالْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ أَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ إِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنْ الْإِسْلَامِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ فَقَرَأَ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَزَادَ أَسْبَاطٌ عَنْ مَنْصُورٍ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسُقُوا الْغَيْثَ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ سَبْعًا وَشَكَا النَّاسُ كَثْرَةَ الْمَطَرِ قَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا فَانْحَدَرَتْ السَّحَابَةُ عَنْ رَأْسِهِ فَسُقُوا النَّاسُ حَوْلَهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن مسروق قال‏:‏ أتيت ابن مسعود‏)‏ سيأتي في تفسير الروم بالإسناد المذكور في أوله ‏"‏ بينما رجل يحدث في كندة فقال يجيء دخان يوم القيامة ‏"‏ فذكر القصة وفيها ‏"‏ ففزعنا فأتيت ابن مسعود ‏"‏ الحـديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏:‏ إن قريشا أبطئوا‏)‏ سيأتي في الطريق المذكورة إنكار ابن مسعود لما قاله القاص المذكور، وسنذكر في تفسير سورة الدخان ما وقع لنا في تسمية القاص المذكور وأقوال العلماء في المراد بقوله تعالى ‏(‏فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين‏)‏ مع بقية شرح هذا الحديث، ونقتصر في هذا الباب على ما يتعلق بالاستسقاء ابتداء وانتهاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدعا عليهم‏)‏ تقدم في أوائل الاستسقاء صفة ما دعا به عليهم وهو قوله ‏"‏ اللهم سبعا كسبع يوسف ‏"‏ وهو منصوب بفعل تقديره أسألك، أو سلط عليهم‏.‏

وسيأتي في تفسير سورة يوسف بلفظ ‏"‏ اللهم اكفنيهم بسبع كسبع يوسف ‏"‏ وفي سورة الدخان ‏"‏ اللهم أعني عليهم الخ ‏"‏ وأفاد الدمياطي أن ابتداء دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بذلك كان عقب طرحهم على ظهره سلى الجزور الذي تقدمت قصته في الطهارة وكان ذلك بمكة قبل الهجرة، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بذلك بعدها بالمدينة في القنوت كما تقدم أوائل الاستسقاء من حديث أبي هريرة، ولا يلزم من ذلك اتحاد هذه القصص إذ لا مانع أن يدعو بذلك عليهم مرارا، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجاءه أبو سفيان‏)‏ يعني الأموي والد معاوية، والظاهر أن مجيئه كان قبل الهجرة لقول ابن مسعود ‏"‏ ثم عادوا، فذلك قوله‏:‏ ‏(‏يوم نبطش البطشة الكبرى‏)‏ يوم بدر ‏"‏ ولم ينقل أن أبا سفيان قدم المدينة قبل بدر، وعلى هذا فيحتمل أن يكون أبو طالب كان حاضرا ذلك فلذلك قال ‏"‏ وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ‏"‏ البيت، لكن سيأتي بعد هذا بقليل ما يدل على أن القصة المذكورة وقعت بالمدينة، فإن لم يحمل على التعدد وإلا فهو مشكل جدا والله المستعان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جئت تأمر بصلة الرحم‏)‏ يعني والذين هلكوا بدعائك من ذوي رحمك فينبغي أن تصل رحمك بالدعاء لهم، ولم يقـع في هذا السياق التصريح بأنه دعا لهم، وسيأتي هذا الحديث في تفسير سورة ‏"‏ص‏"‏ بلفظ ‏"‏ فكشف عنهم ثم عادوا ‏"‏ وفي سورة الدخان من وجه آخر بلفظ ‏"‏ فاستسقى لهم فسقوا ‏"‏ ونحوه في رواية أسباط المعلقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بدخان مبين الآية‏)‏ سقط قوله الآية لغير أبي ذر، وسيأتي ذكر بقية اختلاف الرواية في تفسير سورة الدخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم نبطش البطشة الكبرى‏)‏ زاد الأصيلي بقية الآية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزاد أسباط‏)‏ هو ابن نصر، ووهم من زعم أنه أسباط بن محمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن منصور‏)‏ يعني بإسناده المذكور قبله إلى ابن مسعود وقد وصله الجوزقي والبيهقي من رواية علي بن ثابت عن أسباط بن نصر عن منصور وهو ابن المعتمر عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود قال ‏"‏ لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس إدبارا ‏"‏ فذكر نحو الذي قبله وزاد ‏"‏ فجاءه أبو سفيان وناس من أهل مكة فقالوا‏:‏ يا محمد إنك تزعم أنك بعثت رحمة وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقوا الغيث ‏"‏ الحديث‏.‏

وقد أشاروا بقولهم ‏"‏ بعثت رحمة ‏"‏ إلى قوله تعالى ‏(‏وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسقوا الناس حولهم‏)‏ كذا في جميع الروايات في الصحيح بضم السين والقاف وهو على لغة بني الحارث‏.‏

وفي رواية البيهقي المذكورة ‏"‏ فأسقى الناس حولهم ‏"‏ وزاد بعد هذا ‏"‏ فقال - يعني ابن مسعود - لقد مرت آية الدخان وهو الجوع الخ ‏"‏ وقد تعقب الداودي وغيره هذه الزيادة ونسبوا أسباط بن نصر إلى الغلط في قوله ‏"‏ وشكا الناس كثرة المطر الخ ‏"‏ وزعموا أنه أدخل حديثا في حديث، وأن الحديث الذي فيه شكوى كثرة المطر وقوله ‏"‏ اللهم حوالينا ولا علينا ‏"‏ لم يكن في قصة قريش وإنما هو في القصة التي رواها أنس، وليس هذا التعقب عندي بجيد إذ لا مانع أن يقـع ذلك مرتين، والدليل على أن أسباط بن نصر لم يغلط ما سيأتي في تفسير الدخان من رواية أبي معاوية عن الأعمش عن أبي الضحى في هذا الحديث ‏"‏ فقيل‏:‏ يا رسول الله استسق الله لمضر، فإنها قد هلكت‏.‏

قال‏:‏ لمضر‏؟‏ إنك لجريء‏.‏

فاستسقى فسقوا ‏"‏ اهـ‏.‏

والقائل ‏"‏ فقيل ‏"‏ يظهر لي أنه أبو سفيان لما ثبت في كثير من طرق هذا الحديث في الصحيحين ‏"‏ فجاءه أبو سفيان ‏"‏ ثم وجدت في الدلائل للبيهقي من طريق شبابة عن شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم عن أبي الجعد عن شرحبيل بن السمط عن كعب بن مرة - أو مرة بن كعب - قال ‏"‏ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

على مضر، فأتاه أبو سفيان فقال‏:‏ ادع الله لقومك فإنهم قد هلكوا ‏"‏ ورواه أحمد وابن ماجة من رواية الأعمش عن عمرو بن مرة بهذا الإسناد عن كعب بن مرة ولم يشك، فأبهم أبا سفيان قال ‏"‏ جاءه رجل فقال استسق الله لمضر، فقال‏:‏ إنك لجريء، ألمضر‏؟‏ قال‏:‏ يا رسول الله استنصرت الله فنصرك، ودعوت الله فأجابك، فرفع يديه فقال‏:‏ اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا مريئا طبقا عاجلا غير رائث نافعا غير ضار، قال فأجيبوا، فما لبثوا أن أتوه فشكوا إليه كثرة المطر فقالوا‏:‏ قد تهدمت البيوت، فرفع يديه وقال‏:‏ ‏"‏ اللهم حوالينا ولا علينا، فجعل السحاب يتقطع يمينا وشمالا ‏"‏ فظهر بذلك أن هذا الرجل المبهم المقول له ‏"‏ إنك لجريء ‏"‏ هو أبو سفيان، لكن يظهر لي أن فاعل ‏"‏ قال يا رسول الله استنصرت الله الخ ‏"‏ هو كعب ابن مرة راوي هذا الخبر لما أخرجه أحمد أيضا والحاكم من طريق شعبة أيضا عن عمرو بن مرة بهذا الإسناد إلى كعب قال ‏"‏ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر‏.‏

فأتيته فقلت‏:‏ يا رسول الله، إن الله قد نصرك وأعطاك واستجاب لك، وإن قومك قد هلكوا ‏"‏ الحديث، فعلى هذا كأن أبا سفيان وكعبا حضرا جميعا، فكلمه أبو سفيان بشيء وكعب بشيء، فدل ذلك على اتحاد قصتهما، وقد ثبت في هذه ما ثبت في تلك من قوله إنك لجريء، ومن قوله ‏"‏ فقال‏:‏ اللهم حوالينا ولا علينا ‏"‏ وغير ذلك‏.‏

وظهر بذلك أن أسباط بن نصر لم يغلط في الزيادة المذكورة ولم ينتقل من حديث إلى حديث، وسياق كعب بن مرة يشعر بأن ذلك وقع في المدينة بقوله ‏"‏ استنصرت الله فنصرك ‏"‏ لأن كلا منهما كان بالمدينة بعد الهجرة، لكن لا يلزم من ذلك اتحاد هذه القصة مع قصة أنس، بل قصة أنس واقعة أخرى لأن في رواية أنس ‏"‏ فلم يزل على المنبر حتى مطروا ‏"‏ وفي هذه ‏"‏ فما كان إلا جمعة أو نحوها حتى مطروا ‏"‏ والسائل في هذه القصة غير السائل في تلك فهما قصتان وقع في كل منهما طلب الدعاء بالاستسقاء ثم طلب الدعاء بالاستصحاء، وإن ثبت أن كعب بن مرة أسلم قبل الهجرة حمل قوله ‏"‏ استنصرت الله فنصرك ‏"‏ على النصر بإجابة دعائه عليهم، وزال الإشكال المتقدم والله أعلم‏.‏

وإني ليكثر تعجبي من كثرة إقدام الدمياطي على تغليط ما في الصحيح بمجرد التوهم، مع إمكان التصويب بمزيد التأمـل، والتنقيب عن الطرق، وجمع ما ورد في الباب من اختلاف الألفاظ، فلله الحمد على ما علم وأنعم‏.‏