فصل: باب إِحْلَافِ الْمُلَاعِنِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الظِّهَارِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا إِلَى قَوْلِهِ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَقَالَ لِي إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ ظِهَارِ الْعَبْدِ فَقَالَ نَحْوَ ظِهَارِ الْحُرِّ قَالَ مَالِكٌ وَصِيَامُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ ظِهَارُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِنْ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ سَوَاءٌ وَقَالَ عِكْرِمَةُ إِنْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ إِنَّمَا الظِّهَارُ مِنْ النِّسَاءِ وَفِي الْعَرَبِيَّةِ لِمَا قَالُوا أَيْ فِيمَا قَالُوا وَفِي بَعْضِ مَا قَالُوا وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْمُنْكَرِ وَقَوْلِ الزُّورِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الظهار‏)‏ بكسر المعجمة، هو قول الرجل لامرأته‏:‏ أنت علي كظهر أمي‏.‏

وإنما خص الظهر بذلك دون سائر الأعضاء لأنه محل الركوب غالبا، ولذلك سمى المركوب ظهرا، فشبهت الزوجة بذلك لأنها مركوب الرجل، فلو أضاف لغير الظهر - كالبطن مثلا - كان ظهارا على الأظهر عند الشافعية‏.‏

واختلف فيما إذا لم يعين الأم كأن قال‏:‏ كظهر أختي مثلا فعن الشافعي في القديم لا يكون ظهارا بل يختص بالأم كما ورد في القرآن، وكذا في حديث خولة التي ظاهر منها أوس‏.‏

وقال في الجديد‏:‏ يكون ظهارا، وهو قول الجمهور لكن اختلفوا فيمن لم تحرم على التأبيد‏:‏ فقال الشافعي لا يكون ظهارا، وعن مالك هو ظهار وعن أحمد روايتان كالمذهبين، فلو قال كظهر أبي مثلا فليس بظهار عند الجمهور، وعن أحمد رواية أنه ظهار، وطرده في كل من يحرم عليه وطؤه حتى في البهيمة‏.‏

ويقع الظهار بكل لفظ يدل على تحريم الزوجة لكن بشرط اقترانه بالنية، وتجب الكفارة على قائله كما قال الله تعالى لكن بشرط العود عند الجمهور وعند الثوري وروى عن مجاهد‏:‏ تجب الكفارة بمجرد الظهار‏.‏

قوله ‏(‏وقول الله تعالى ‏(‏قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها - إلى قوله - فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا‏)‏ كذا لأبي ذر والأكثر، وساق في رواية كريمة الآيات إلى الموضع المذكور وهو قوله ‏(‏فإطعام ستين مسكينا‏)‏ واستدل بقوله تعالى ‏(‏وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا‏)‏ على أن الظهار حرام‏.‏

وقد ذكر المصنف في الباب آثارا اقتصر على الآية وعليها، وكأنه أشار بذكر الآية إلى الحديث المرفوع الوارد في سبب ذلك، وقد ذكر بعض طرقه تعليقا في أوائل كتاب التوحيد من حديث عائشة وسيأتي ذكره، وفيه تسمية المظاهر، وتسمية المجادلة وهي التي ظاهر منها وأن الراجح أنها خولة بنت ثعلبة؛ وأنه أول ظهار كان في الإسلام كما أخرجه الطبراني وابن مردويه من حديث ابن عباس قال ‏"‏ كان الظهار في الجاهلية يحرم النساء، فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت، وكانت امرأته خولة ‏"‏ الحديث وقال الشافعي‏:‏ سمعت من أرضي من أهل العلم بالقرآن يقول‏:‏ كان أهل الجاهلية يطلقون بثلاث الظهار والإيلاء والطلاق، فأقر الله الطلاق طلاقا وحكم في الإيلاء والظهار بما بين في القرآن انتهى‏.‏

وجاء من حديث خوله بنت ثعلبة نفسها عند أبي داود قالت ‏"‏ ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه ‏"‏ الحديث‏.‏

وأخرج أصحاب السنن من حديث سلمة بن صخر أنه ظاهر من امرأته، وقد تقدمت الإشارة إلى حديثه في كتاب الصيام في قصة المجامع في رمضان، وأن الأصح أن قصته كانت نهارا‏.‏

ولأبي داود والترمذي من حديث ابن عباس ‏"‏ أن رجلا ظاهر من امرأته فوقع عليها قبل أن يكفر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ فاعتزلها حتى تكفر عنك ‏"‏ وفي رواية أبي داود ‏"‏ فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله ‏"‏ وأسانيد هذه الأحاديث حسان‏.‏

وحكم كفارة الظهار منصوص بالقرآن، واختلف السلف في أحكامه في مواضع ألم البخاري ببعضها في الآثار التي أوردها في الباب، واستدل بآية الظهار وبآية اللعان على القول بالعموم ولو ورد في سبب خاص، واتفقوا على دخول السبب، وأن أوس بن الصامت شمله حكم الظهار، لكن استشكله السبكي من جهة تقدم السبب وتأخر النزول فكيف ينعطف على ما مضى مع أن الآية لا تشمل إلا من وجد منه الظهار بعد نزولها، لأن الفاء في قوله تعالى ‏(‏فتحرير رقبة‏)‏ يدل على أن المبتدأ تضمن معنى الشرط والخبر تضمن معنى الجزاء ومعنى الشرط مستقبل، وأجاب عنه بأن دخول الفاء في الخبر يستدعي العموم في كل مظاهر، وذلك يشمل الحاضر والمستقبل، قال‏:‏ وأما دلالة الفاء على الاختصاص بالمستقبل ففيه نظر، كذا قال، ويمكن أن يحتج للإلحاق بالإجماع‏.‏

قوله ‏(‏وقال لي إسماعيل‏)‏ هو ابن أبي أويس كذا للأكثر، ووقع في رواية النسفي ‏"‏ وقال إسماعيل ‏"‏ بدون حرف الجر والأول أولى، وهو موصول، فعند جماعة أنه يستعمل هذه الصيغة فيما تحمله عن شيوخه مذاكرة، والذي ظهر لي بالاستقراء أنه إنما يستعمل ذلك فيما يورده موصولا من الموقوفات أو مما لا يكون من المرفوعات على شرطه‏.‏

وقد أخرجه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق القعنبي عن مالك أنه سأل ابن شهاب فذكر مثله وزاد ‏"‏ وهو عليه واجب‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قال مالك‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور‏.‏

قوله ‏(‏وصيام العبد شهران‏)‏ يحتمل أن يكون ابن شهاب الذي نقل مالك عنه أن ظهار العبد نحو ظهار الحر كأن يعطي العبد في ذلك جميع أحكام الحر، ويحتمل أن يكون أراد بالتشبيه مطلق صحة الظهار من العبد كما يصح من الحر ولا يلزم أن يعطي جميع أحكامه، لكن نقل ابن بطال الإجماع على أن العبد إذا ظاهر لزمه، وأن كفارته بالصيام شهران كالحر نعم اختلفوا في الإطعام والعتق، فقال الكوفيون والشافعي‏:‏ لا يجزئه إلا الصيام فقط‏.‏

وقال ابن القاسم عن مالك‏:‏ إن أطعم بإذن مولاه أجزأه‏.‏

وما ادعاه من الإجماع مردود فقد نقل الشيخ الموفق في ‏"‏ المغني ‏"‏ عن بعضهم أنه لا يصح ظهار العبد لأن الله تعالى قال ‏(‏فتحرير رقبة‏)‏ والعبد لا يملك الرقاب، وتعقبه بأن تحرير الرقبة إنما هو على من يجدها فكان كالمعسر ففرضه الصيام‏.‏

وأما ما ذكره من قدر صيامه فقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن إبراهيم‏:‏ لو صام شهرا أجزأ عنه‏.‏

وعن الحسن يصوم شهرين‏.‏

وعن ابن جريج عن عطاء في رجل ظاهر من زوجة أمة قال‏:‏ شطر الصوم‏.‏

قوله ‏(‏وقال الحسن بن الحر‏)‏ كذا للأكثر‏.‏

وفي رواية أبي ذر عن المستملي ‏"‏ الحسن بن حي ‏"‏ وفي رواية ‏"‏ وقال الحسن ‏"‏ فقط، فأما الحسن بن الحر فهو بضم المهملة وتشديد الراء ابن الحكم النخعي الكوفي نزيل دمشق، ثقة عندهم، وليس له في البخاري ذكر إلا هذا الموضع إن ثبت ذلك، وأما الحسن بن حي فبفتح المهملة وتشديد التحتانية نسب لجد أبيه وهو الحسن بن صالح بن صالح بن حي واسم حي حيان كوفي ثقة فقيه عابد من طبقة سفيان الثوري، وقد تقدم ذكر أبيه في أوائل هذا الكتاب، وقد أخرج الطحاوي في كتاب ‏"‏ اختلاف العلماء ‏"‏ هذا الأثر ‏"‏ عن الحسن بن حي ‏"‏ وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن إبراهيم النخعي قال ‏"‏ الظهار من الأمة كالظهار من الحرة ‏"‏ وقد وقع لنا الكلام المذكور من قول الحسن البصري وذلك فيما أخرجه ابن الأعرابي في معجمه من طريق همام ‏"‏ سئل قتادة عن رجل ظاهر من سريته، فقال‏:‏ قال الحسن وابن المسيب وعطاء وسليمان بن يسار‏:‏ مثل ظهار الحرة، وهو قول الفقهاء السبعة، وبه قال مالك وربيعة والثوري والليث، واحتجوا بأنه فرج حلال فيحرم بالتحريم‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن الحسن‏:‏ إن وطئها فهو ظهار، وإن لم يكن وطئها فلا ظهار عليه، وهو قول الأوزاعي‏.‏

قوله ‏(‏وقال عكرمة‏:‏ إن ظاهر من أمته فليس بشيء، إنما الظهار من النساء‏)‏ وصله إسماعيل القاضي بسند لا بأس به، وجاء أيضا عن مجاهد مثله أخرجه سعيد بن منصور من رواية داود بن أبي هند سألت مجاهدا عن الظهار من الأمة فكأنه لم يره شيئا فقلت‏:‏ أليس الله يقول ‏(‏من نسائهم‏)‏ أفليست من النساء‏؟‏ فقال‏:‏ قال الله تعالى ‏(‏واستشهدوا شهيدين من رجالكم‏)‏ أو ليس العبيد من الرجال‏؟‏ أفتجوز شهادة العبيد‏؟‏ وقد جاء عن عكرمة خلافه، قال عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج أخبرني الحكم بن أبان عن عكرمة مولى ابن عباس قال، يكفر عن ظهار الأمة مثل كفارة الحرة، وبقول عكرمة الأول قال الكوفيون والشافعي والجمهور، واحتجوا بقوله تعالى ‏(‏من نسائهم‏)‏ وليست الأمة من النساء، واحتجوا أيضا بقول ابن عباس‏:‏ إن الظهار كان طلاقا ثم أحل بالكفارة، فكما لا حظ للأمة في الطلاق لا حظ لها في الظهار، ويحتمل أن يكون المنقول عن عكرمة في الأمة المزوجة قلا يكون بين قوليه اختلاف‏.‏

قوله ‏(‏وفي العربية لما قالوا أي فيما قالوا‏)‏ أي يستعمل في كلام العرب عاد لكذا بمعنى أعاد فيه وأبطله‏.‏

قوله ‏(‏وفي نقض ما قالوا‏)‏ كذا للأكثر بنون وقاف‏.‏

وفي رواية الأصيلي والكشميهني ‏"‏ بعض ‏"‏ بموحدة ثم مهملة والأول أصح، والمعنى أنه يأتي بفعل ينقض قوله الأول‏.‏

وقد اختلف العلماء هل يشترط الفعل فلا يجوز له وطؤها إلا بعد أن يكفر، أو يكفي العزم على وطئها، أو العزم على إمساكها وترك فراقها‏؟‏ والأول قول الليث والثاني قول الحنفية ومالك، وحكى عنه أنه الوطء بعينه يشرط أن يقدم عليه الكفارة، وحكى عنه العزم على الإمساك والوطء معا وعليه أكثر أصحابه، والثالث قول الشافعي ومن تبعه، وثم قول رابع سنذكره هنا‏.‏

قوله ‏(‏وهذا أولى لأن الله تعالى لم يدل على المنكر وقول الزور‏)‏ هذا كلام البخاري ومراده الرد على من زعم أن شرط العود هنا أن يقع بالقول وهو إعادة لفظ الظهار، فأشار إلى هذا القول وجزم بأنه مرجوح وإن كان هو ظاهر الآية وهو قول أهل الظاهر، وقد روى ذلك عن أبي العالية ويكبر بن الأشج من التابعين وبه قال الفراء النحوي، ومعنى قوله ‏(‏ثم يعودون لما قالوا‏)‏ أي إلى قول ما قالوا‏:‏ وقد بالغ ابن العربي في إنكاره ونسب قائله إلى الجهل لأن الله تعالى وصفه بأنه منكر من القول وزور فكيف يقال إذا أعاد القول المحرم المنكر يجب عليه أن يكفر ثم تحل له المرأة‏؟‏ انتهى‏.‏

وإلى هذا أشار البخاري بقوله ‏"‏ لأن الله لم يدل على المنكر والزور ‏"‏ وقال إسماعيل القاضي‏:‏ لما وقع بعد قوله ‏(‏ثم يعودون فتحرير رقبة‏)‏ دل على أن المراد وقوع ضد ما وقع منه من المظاهرة، فإن رجلا لو قال إذا أردت أن تمس فأعتق رقبة قبل أن تمس لكان كلاما صحيحا، بخلاف ما لو قال إذا لم ترد أن تمس فأعتق رقبة قبل أن تمس‏.‏

وقد جرى بحث بين أبي العباس بن سريج ومحمد بن داود الظاهري فاحتج عليه ابن سريج بالإجماع، فأنكره ابن داود وقال‏:‏ الذين خالفوا القرآن لا أعد خلافهم خلافا‏.‏

وأنكر ابن العربي أن يصح عن بكير الأشج، واختلف المعربون في معنى اللام في قوله ‏(‏لما قالوا‏)‏ فقيل معناها ثم يعودون إلى الجماع فتحرير رقبة لما قالوا أي فعليهم تحرير رقبة من أجل ما قالوا، فادعوا أن اللام في قوله ‏(‏لما قالوا‏)‏ متعلق بالمحذوف وهو قوله عليهم قاله الأخفش، وقيل المعنى الذين كانوا يظاهرون في الجاهلية ثم يعودون لما قالوا أي إلى المظاهرة في الإسلام، وقيل اللام بمعنى عن أي يرجعون عن قولهم، وهذا موافق قول من يوجب الكفارة بمجرد وقوع كلمة الظهار‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ يشبه أن تكون ما بمعنى من، أي اللواتي قالوا لهن أنتن علينا كظهور أمهاتنا، قال ويجوز أن يكون قالوا بتقدير المصدر أي يعودون للقول فسمى المقول فيهن باسم المصدر وهو القول كما قالوا درهم ضرب الأم وهو مضروب الأم، والله أعلم بالصواب‏.‏

*3*باب الْإِشَارَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْأُمُورِ

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعَذِّبُ اللَّهُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا فَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ أَيْ خُذْ النِّصْفَ وَقَالَتْ أَسْمَاءُ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُسُوفِ فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ مَا شَأْنُ النَّاسِ وَهِيَ تُصَلِّي فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى الشَّمْسِ فَقُلْتُ آيَةٌ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ نَعَمْ وَقَالَ أَنَسٌ أَوْمَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوْمَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ لَا حَرَجَ وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ آحَدٌ مِنْكُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الإشارة في الطلاق والأمور‏)‏ أي الحكمية وغيرها، وذكر فيه عدة أحاديث معلقة وموصولة‏:‏ أولها قوله ‏"‏ وقال ابن عمر ‏"‏ هو طرف من حديث تقدم موصولا في الجنائز، وفيه قصة لسعد بن عبادة وفيها ‏"‏ ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه ‏"‏ ثانيها ‏"‏ وقال كعب بن مالك ‏"‏ هو أيضا طرف من حديث تقدم موصولا في الملازمة وفيها ‏"‏ وأشار إلى أن خذ النصف ‏"‏ ثالثها ‏"‏ وقالت أسماء ‏"‏ هي بنت أبي بكر‏.‏

قوله ‏(‏صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف‏)‏ الحديث تقدم موصولا في كتاب الإيمان بلفظ ‏"‏ فأشارت إلى السماء ‏"‏ وفيه ‏"‏ فأشارت برأسها أي نعم ‏"‏ وفي صلاة الكسوف بمعناه، وفي صلاة السهو باختصار‏.‏

رابعها ‏"‏ وقال أنس أومأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن يتقدم ‏"‏ هو طرف من حديث ابن عباس‏.‏

خامسها ‏"‏ وقال ابن عباس ‏"‏ هو طرف من حديث تقدم موصولا في العلم في ‏"‏ باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس ‏"‏ وفيه ‏"‏ وأومأ بيده ولا حرج‏"‏، سادسها ‏"‏ وقال أبو قتادة ‏"‏ هو أيضا طرف من حديث تقدم موصولا في ‏"‏ باب لا يشير المحرم إلى الصيد ‏"‏ من كتاب الحج، وفيه ‏"‏ أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرِهِ وَكَانَ كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ وَكَبَّرَ وَقَالَتْ زَيْنَبُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُتِحَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَعَقَدَ تِسْعِينَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أبو عامر‏)‏ هو العقدي، وإبراهيم شيخه جزم المزي بأنه ابن طهمان، وزعم بعض، الشراح أنه أبو إسحاق الفزاري والأول أرجح‏.‏

وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق يحيى بن أبي بكير عن إبراهيم بن طهمان عن خالد وهو الحذاء، وتقدم الحديث مشروحا في كتاب الحج، وفيه ‏"‏ كلما أتى على الركن أشار إليه‏"‏‏.‏

الثامن‏.‏

قولة ‏(‏وقالت زينب‏)‏ هي بنت جحش أم المؤمنين‏.‏

قوله ‏(‏مثل هذه وهذه وعقد تسعين‏)‏ تقدم في أحاديث الأنبياء وعلامات النبوة موصولا، ويأتي في الفتن لكن بلفظ ‏"‏ وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها وهي صورة عقد التسعين ‏"‏ وسيأتي في الفتن من حديث أبي هريرة بلفظ ‏"‏ وعقد تسعين ‏"‏ ووجه إدخاله في الترجمة أن العقد على صفة مخصوصة لإرادة عدد معلوم يتنزل منزلة الإشارة المفهمة، فإذا اكتفى بها عن النطق مع القدرة عليه دل على اعتبار الإشارة ممن لا يقدر على النطق بطريق الأولى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فَسَأَلَ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ وَقَالَ بِيَدِهِ وَوَضَعَ أُنْمُلَتَهُ عَلَى بَطْنِ الْوُسْطَى وَالْخِنْصِرِ قُلْنَا يُزَهِّدُهَا وَقَالَ الْأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ عَدَا يَهُودِيٌّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَارِيَةٍ فَأَخَذَ أَوْضَاحًا كَانَتْ عَلَيْهَا وَرَضَخَ رَأْسَهَا فَأَتَى بِهَا أَهْلُهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ فِي آخِرِ رَمَقٍ وَقَدْ أُصْمِتَتْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَتَلَكِ فُلَانٌ لِغَيْرِ الَّذِي قَتَلَهَا فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لَا قَالَ فَقَالَ لِرَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي قَتَلَهَا فَأَشَارَتْ أَنْ لَا فَقَالَ فَفُلَانٌ لِقَاتِلِهَا فَأَشَارَتْ أَنْ نَعَمْ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُضِخَ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏سلمة بن علقمة‏)‏ بفتح المهملة واللام شيخ ثقة، وهو بصري وكذا سائر رواه هذا الإسناد، وقد يلتبس بمسلمة بن علقمة شيخ بصري أيضا لكن في أول اسمه زيادة ميم والمهملة ساكنة وهو دون سلمة بن علقمة في الطبقة والثقة‏.‏

قوله ‏(‏وقال بيده‏)‏ أي أشار بها وهو من إطلاق القول على الفعل‏.‏

قوله ‏(‏ووضع أنملته على بطن الوسطى والخنصر قلنا يزهدها‏)‏ أي يقللها، بين أبو مسلم الكحبي في روايته عن مسدد شيخ البخاري أن الذي فعل ذلك هو بشر بن المفضل راويه عن سلمة بن علقمة، فعل هذا ففي سياق البخاري إدراج وقد قيل إن المراد بوضع الأنملة في وسط الكف الإشارة إلى أن ساعة الجمعة في وسط يوم الجمعة، وبوضعها على الخنصر الإشارة إلى أنها في آخر النهار لأن الخنصر آخر أصابع الكف، وقد تقدم بسط الأقاويل في تعيين وقتها في كتاب الجمعة‏.‏

قوله ‏(‏وقال الأويسي‏)‏ هو عبد العزيز بن عبد الله شيخ البخاري، أخرج عنه الكثير في العلم وفي غيره، وقد أورده أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق يعقوب بن سفيان عنه، ويأتي في الديات من وجه آخر عن شعبة مع شرحه‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ أوضاحا ‏"‏ جمع وضح بفتح أوله والمعجمة ثم مهملة هو البياض، والمراد هنا حلي من فضة‏.‏

وقوله ‏"‏رضخ ‏"‏ براء مهملة ثم ضاد وخاء معجمتين أي كسر رأسها، وهي في آخر رمق أي نفس وزنا ومعنى، وقوله ‏"‏أصمتت ‏"‏ بضم أوله أي وقع بها الصمت أي خرس في لسانها مع حضور ذهنها، وفيه فأشارت أن لا ‏"‏ وفيه ‏"‏ فأشارت أن نعم‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْفِتْنَةُ مِنْ هَا هُنَا وَأَشَارَ إِلَى الْمَشْرِقِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في ذكر الفتن، يأتي شرحه في الفتن، وفيه ‏"‏ وأشار إلى المشرق‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَالَ لِرَجُلٍ انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ ثُمَّ قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا ثُمَّ قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ فَقَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ

الشرح‏:‏

حديث عبد الله بن أبي أوفى‏.‏

قوله ‏(‏فاجدح لي‏)‏ بجيم ثم مهملة أي حرك السويق بعود ليذوب في الماء، وقد تقدم شرحه في ‏"‏ باب متى يحل فطر الصائم ‏"‏ من حديث عبد الله بن أبي أوفى من كتاب الصيام، والمراد منه هنا قوله ‏"‏ ثم أومأ بيده قبل المشرق‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ نِدَاءُ بِلَالٍ أَوْ قَالَ أَذَانُهُ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّمَا يُنَادِي أَوْ قَالَ يُؤَذِّنُ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ كَأَنَّهُ يَعْنِي الصُّبْحَ أَوْ الْفَجْرَ وَأَظْهَرَ يَزِيدُ يَدَيْهِ ثُمَّ مَدَّ إِحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ لَدُنْ ثَدْيَيْهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلَا يُنْفِقُ شَيْئًا إِلَّا مَادَّتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُجِنَّ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلَا يُرِيدُ يُنْفِقُ إِلَّا لَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا فَهُوَ يُوسِعُهَا فَلَا تَتَّسِعُ وَيُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى حَلْقِهِ

الشرح‏:‏

حديث أبي عثمان وهو النهدي عن ابن مسعود‏.‏

قوله ‏(‏ليرجع‏)‏ بفتح أوله كسر الجيم، و ‏"‏ قائمكم ‏"‏ بالنصب على المفعولية، وقوله ‏"‏ليس أن يقول ‏"‏ هو من إطلاق القول على الفعل، وقوله ‏"‏كأنه يعني الصبح أو الفجر ‏"‏ شك من الراوي، وتقدم في باب الأذان قبل الفجر من كتاب الصلاة بلفظ ‏"‏ يقول الفجر ‏"‏ بغير شك‏.‏

قوله ‏(‏وأظهر يزيد‏)‏ هو ابن زريع راويه‏.‏

قوله ‏(‏ثم مد إحداهما من الأخرى‏)‏ تقدم في الأذان على كيفية أخرى، ووقع عند مسلم بلفظ ‏"‏ ليس الفجر المعترض ولكن المستطيل ‏"‏ وبه يظهر المراد من الإشارة المذكورة قوله ‏(‏وقال الليث‏)‏ تقدم التنبيه على إسناده في أوائل الزكاة مع شرحه، وقوله هنا ‏"‏ جبتان ‏"‏ بجيم ثم موحدة، وقوله ‏"‏إلا مادت ‏"‏ بتشديد الدال من المد، وأصله ماددت فأدغمت وذكره ابن بطال بلفظ ‏"‏ مارت ‏"‏ براء خفيفة بدل الدال، ونقل عن الخليل مار الشيء يمور مورا إذا تردد، وقوله ‏"‏من لدن ثدييهما ‏"‏ كذا لأبي ذر بالتثنية ولغيره ‏"‏ ثديهما ‏"‏ بصيغة الجمع، قال ابن التين وهو الصواب فإن لكل رجل ثديين فيكون لهما أربعة كذا قال، وليست الرواية بالتثنية خطأ بل هي موجهة والتقدير ثديي منهما‏.‏

وقوله ‏"‏تجن ‏"‏ بفتح أوله وضم، الجيم قيده ابن التين قال ويجوز بضم أوله وكسر الجيم من الرباعي، قلت‏:‏ وهو الثابت في معظم الروايات، وموضع الترجمة منه قوله فيه ‏"‏ ويشير بإصبعه إلى حلقه ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ ذهب الجمهور إلى أن الإشارة إذا كانت مفهمة تتنزل منزلة النطق، وحالفه الحنفية في بعض ذلك، ولعل البخاري رد عليهم بهذه الأحاديث التي جعل فيها النبي صلى الله عليه وسلم الإشارة قائمة مقام النطق، وإذا جازت الإشارة في أحكام مختلفة في الديانة فهي لمن لا يمكنه النطق أجوز وقال ابن المنير‏:‏ أراد البخاري أن الإشارة بالطلاق وغيره من الأخرس وغيره التي يفهم منها الأصل والعدد نافذ كالفظ ا ه‏.‏

ويظهر لي أن البخاري أورد هذه الترجمة وأحاديثها توطئة لما يذكره من البحث في الباب الذي يليه مع من فرق بين لعان الأخرس وطلاقه والله أعلم‏.‏

وقد اختلف العلماء في الإشارة المفهمة، فأما في حقوق الله فقالوا يكفي ولو من القادر على النطق، وأما في حقوق الآدميين كالعقود والإقرار والوصية ونحو ذلك فاختلف العلماء فيمن اعتقل لسانه، ثالثها عن أبي حنيفة‏:‏ إن كان مأيوسا من نطقه، وعن بعض لحنابلة‏:‏ إن اتصل بالموت‏.‏

ورجحه الطحاوي‏.‏

وعن الأوزاعي‏:‏ إن سبقه كلام، ونقل عن مكحول إن قال فلان حر ثم أصمت فقيل له‏:‏ وفلان‏؟‏ فأومأ صح‏.‏

وأما القادر على النطق قلا تقوم إشارته مقام نطقه عند الأكثرين واختلف هل يقوم النية كما لو طلق امرأته فقيل له‏:‏ كم طلقة‏؟‏ فأشار بإصبعه‏.‏

*3*باب اللِّعَانِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ إِلَى قَوْلِهِ إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فَإِذَا قَذَفَ الْأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ بِكِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ بِإِيمَاءٍ مَعْرُوفٍ فَهُوَ كَالْمُتَكَلِّمِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَازَ الْإِشَارَةَ فِي الْفَرَائِضِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا وَقَالَ الضَّحَّاكُ إِلَّا رَمْزًا إِلَّا إِشَارَةً وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ الطَّلَاقَ بِكِتَابٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ إِيمَاءٍ جَائِزٌ وَلَيْسَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْقَذْفِ فَرْقٌ فَإِنْ قَالَ الْقَذْفُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِكَلَامٍ قِيلَ لَهُ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِكَلَامٍ وَإِلَّا بَطَلَ الطَّلَاقُ وَالْقَذْفُ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَكَذَلِكَ الْأَصَمُّ يُلَاعِنُ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ إِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ تَبِينُ مِنْهُ بِإِشَارَتِهِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْأَخْرَسُ إِذَا كَتَبَ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ وَقَالَ حَمَّادٌ الْأَخْرَسُ وَالْأَصَمُّ إِنْ قَالَ بِرَأْسِهِ جَازَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب اللعان‏)‏ هو مأخوذ من اللعن، لأن الملاعن يقول ‏"‏ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ‏"‏ واختير لفظ اللعن دون الغضب في التسمية لأنه قول الرجل، وهو الذي بدئ به في الآية، وهو أيضا يبدأ به، وله أن يرجع عنه فيسقط عن المرأة بغير عكس، وقيل سمى لعانا لأن اللعن الطرد والإبعاد وهو مشترك بينهما، وإنما خصت المرأة بلفظ الغضب لعظم الذنب بالنسبة إليها، لأن الرجل إذا كان كاذبا لم يصل ذنبه إلى أكثر من القذف، وإن كانت هي كاذبة فذنبها أعظم لما فيه من تلويث الفراش والتعرض لإلحاق من ليس من الزوج به، فتنتشر المحرمية، وتثبت الولاية والميراث لمن لا يستحقهما‏.‏

واللعان والالتعان والملاعنة بمعنى، ويقال تلاعنا والتعنا ولاعن الحاكم بينهما والرجل ملاعن والمرأة ملاعنة لوقوعه غالبا من الجانبين وأجمعوا على مشروعية اللعان وعلى أنه لا يجوز مع عدم التحقق‏.‏

واختلف في وجوبه على الزوج، لكن لو تحقق أن الولد ليس منه قوي الوجوب‏.‏

قوله ‏(‏وقول الله تعالى‏:‏ والذين يرمون أزواجهم - إلى قوله - إن كان من الصادقين‏)‏ كذا للأكثر، وساق في رواية كريمة الآيات كلها، وكأن البخاري تمسك بعموم قوله تعالى ‏(‏يرمون‏)‏ لأنه أعم من أن يكون باللفظ أو بالإشارة المفهمة، وقد تمسك غيره للجمهور بها في أنه لا يشترط في الالتعان أن يقول الرجل رأيتها تزني، ولا أن ينفي حملها إن كانت حاملا أو ولدها إن كانت وضعت خلافا لمالك، بل يكفي أن يقول إنها زانية أو زنت، ويؤيده أن الله شرع حد القذف على الأجنبي برمي المحصنة، ثم شرع اللعان برمي الزوجة، فلو أن أجنبيا قال يا زانية وجب عليه حد القذف، فكذلك حكم اللعان‏.‏

وأوردوا على المالكية الاتفاق على مشروعية اللعان للأعمى فانفصل عنه ابن القصار بأن شرطه أن يقول لمست فرجه في فرجها، والله أعلم‏.‏

قوله ‏(‏فإذا قذف الأخرس امرأته بكتابة‏)‏ بمثناة ثم موحدة، وعند الكشميهني ‏"‏ بكتاب ‏"‏ بلا هاء‏.‏

قوله ‏(‏أو إشارة أو إيماء معروف فهو كالمتكلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز الإشارة في الفرائض‏)‏ أي في الأمور المفروضة‏.‏

قوله ‏(‏وهو قول بعض أهل الحجاز وأهل العلم‏)‏ أي من غيرهم، وخالف الحنفية والأوزاعي وإسحاق، وهي رواية عن أحمد اختارها بعض المتأخرين‏.‏

قوله ‏(‏وقال الله تعالى‏:‏ فأشارت إليه، قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا‏)‏ أخرج ابن أبي حاتم من طريق ميمون بن مهران قال‏:‏ لما قالوا لمريم ‏(‏لقد جئت شيئا فريا إلخ‏)‏ أشارت إلى عيسى أن كلموه، فقالوا‏:‏ تأمرنا أن نكلم من هو في المهد زيادة على ما جاءت به من الداهية ووجه الاستدلال به أن مريم كانت نذرت أن لا تتكلم فكانت في حكم الأخرس فأشارت إشارة مفهمة اكتفوا بها عن معاودة سؤالها وان كانوا أنكروا عليها ما أشارت به، وقد ثبت من حديث أبي بن كعب وأنس بن مالك أن معنى قوله تعالى ‏(‏إني نذرت للرحمن صوما‏)‏ أي صمتا أخرجه الطبراني وغيره‏.‏

قوله ‏(‏وقال الضحاك‏)‏ أي ابن مزاحم ‏(‏إلا رمزا إشارة‏)‏ وصله عبد بن حميد وأبو حذيفة في تفسير سفيان الثوري ولفظهما عنه في قوله تعالى ‏(‏آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا‏)‏ فاستثنى الرمز من الكلام فدل على أن له حكمه‏.‏

وأغرب الكرماني فقال‏:‏ الضحاك هو ابن شراحيل الهمداني، فلم يصب فإن المشهور بالتفسير هو ابن مزاحم، وقد وجد الأثر المذكور عنه مصرحا أنه ابن مزاحم، وأما ابن شراحيل ويقال ابن شرحبيل فهو من التابعين لكن لم ينقلوا عنه شيئا من التفسير، بل له عند البخاري حديثان فقط أحدهما في فضائل القرآن والآخر في استتابة المرتدين وكلاهما من روايته عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ الرمز الإشارة‏.‏

قوله ‏(‏وقال بعض الناس لا حد ولا لعان‏)‏ أي بالإشارة من الأخرس وغيره ‏(‏ثم زعم إن طلق بكتابة أو إشارة أو إيماء جاز‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره أن الطلاق بكتابة إلخ‏.‏

قوله ‏(‏وليس بين الطلاق والقذف فرق، فإن قال القذف لا يكون إلا بكلام قيل له‏:‏ كذلك الطلاق لا يكون إلا بكلام‏)‏ أي وأنت وافقت على وقوعه بغير الكلام فليزمك مثله في اللعان والحد‏.‏

قوله ‏(‏وإلا بطل الطلاق والقذف، وكذلك العتق‏)‏ يعني إما أن يقال باعتبار الإشارة فيها كلها أو بترك اعتبارها فتبطل كلها بالإشارة، وإلا فالتفرقة بينهما بغير دليل تحكم، وقد وافقه بعض الحنفية على هذا البحث وقال‏:‏ القياس بطلان الجميع، لكن عملنا به في غير اللعان والحد استحسانا، ومنهم من قال‏:‏ منعناه في اللعان والحد للشبهة لأنه يتعلق بالصريح كالقذف فلا يكتفي فيه بالإشارة لأنها غير صريحة، وهذه عمدة من وافق الحنفية من الحنابلة وغيرهم، ورده ابن التين بأن المسألة مفروضة فيما إذا كانت الإشارة مفهمة إفهاما واضحا لا يبقى معه ريبة، ومن حجتهم أيضا أن القذف يتعلق بصريح الزنا دون معناه، بدليل أن من قال لآخر وطئت وطأ حراما لم يكن قذفا لاحتمال أن يكون وطئ وطء شبهة فاعتقد القائل أنه حرام، والإشارة لا يتضح بها التفصيل بين المعنيين، ولذلك لا يجب الحد في التعريض، وأجاب ابن القصار بالنقض عليهم بنفوذ القذف بغير اللسان العربي وهو ضعيف، ونقض غيره بالقتل فإنه ينقسم إلى عمد وشبه عمد وخطأ ويتميز بالإشارة وهو قوي، واحتجوا أيضا بأن اللعان شهادة وشهادة الأخرس مردودة بالإجماع، وتعقب بأن مالكا ذكر قبولها فلا إجماع، وبأن اللعان عند الأكثر يمين كما سيأتي البحث فيه‏.‏

قوله ‏(‏وكذلك الأصم يلاعن‏)‏ أي إذا أشير إليه حتى فهم، قال المهلب‏:‏ في أمره إشكال، لكن قد يرتفع بترداد الإشارة إلى أن تفهم معرفة ذلك عنه‏.‏

قلت‏:‏ والإطلاع على معرفته بذلك سهل لأنه يعرف من نطقه‏.‏

قوله ‏(‏وقال الشعبي وقتادة‏:‏ إذا قال أنت طالق فأشار بأصابعه تبين منه بإشارته‏)‏ وصله ابن أبي شيبة بلفظ‏:‏ سئل الشعبي فقال سئل رجل مرة أطلقت امرأتك قال فأومأ بيده بأربع أصابع ولم يتكلم ففارق امرأته‏.‏

قال ابن التين‏:‏ معناه أنه عبر عما نواه من العدد بالإشارة فاعتلوا عليه بذلك‏.‏

قوله ‏(‏وقال إبراهيم‏:‏ الأخرس إذا كتب الطلاق بيده لزمه‏)‏ وصله ابن أبي شيبة بلفظه، وأخرجه الأثرم عن ابن أبي شيبة كذلك، وأخرجه عبد الرزاق بلفظ الرجل يكتب الطلاق ولا بلفظ به أنه كان يراه لازما، ونقل ابن التين عن مالك أن الأخرس إذا كتب الطلاق أو نواه لزمه؛ وقال الشافعي‏:‏ لا يكون طلاقا، يعني أن كلا منهما على انفراده لا يكون طلاقا، أما لو جمعهما فإن الشافعي يقول بالوقوع سواء كان ناطقا أم أخرس‏.‏

قوله ‏(‏وقال حماد‏:‏ الأخرس والأصم إن قال برأسه جاز‏)‏ هو حماد بن أبي سليمان شيء أبي حنيفة، فكأن البخاري أراد إلزام الكوفيين بقول شيخهم، ولا يخفى أن محل الجواز حيث يسبق ما ينطبق عليه من الإيماء بالرأس الجواب‏.‏

ثم ذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث تتعلق بالإشارة أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الْأَنْصَارِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بَنُو النَّجَّارِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَنُو سَاعِدَةَ ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ فَقَبَضَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ بَسَطَهُنَّ كَالرَّامِي بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ

الشرح‏:‏

حديث أنس في فضل دور الأنصار وقد تقدم شرحه في المناقب، فإنه أورده هناك من وجه آخر عن أنس عن أبي أسيد الساعدي، وأورده هنا عن أنس بغير واسطة والطريقان صحيحان، وفي زيادة أنس هذه الإشارة وليست في روايته عن أبي أسيد‏.‏

وفي رواية عن أبي أسيد من الزيادة قصة لسعد بن عبادة كما تقدم‏.‏

والمقصود من الحديث هنا قوله ‏"‏ ثم قال بيده فقبض أصابعه ثم بسطهن كالرامي بيده ‏"‏ ففيه استعمال الإشارة المفهمة مقرونة بالنطق، وقوله كالرامي بيده أي كالذي يكون بيده الشيء قد ضم أصابعه عليه ثم رماه فانتشرت‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَبُو حَازِمٍ سَمِعْتُهُ مِنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ أَوْ كَهَاتَيْنِ وَقَرَنَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏قال أبو حازم‏)‏ كذا وقع عنده وأخرجه الإسماعيلي من وجهين عن سفيان بلفظ ‏"‏ عن أبي حازم ‏"‏ وصرح الحميدي عن سفيان بالتحديث فقال في روايته ‏"‏ حدثنا أبو حازم أنه سمع سهلا ‏"‏ أخرجه أبو نعيم‏.‏

قوله ‏(‏كهذه من هذه أو كهاتين‏)‏ شيء من الراوي، واقتصر الحميدي على قوله ‏"‏ كهذه من هذه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وفرق وأشار سفيان بالسبابة‏)‏ سيأتي شرحه مستوفي في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى‏.‏

قال الكرماني‏:‏ قد انقضى من يوم بعثته إلى يومنا هذا - يعني سنة سبع وستين وسبعمائة - سبعمائة وثمانون سنة، فكيف تكون المقاربة‏؟‏ وأجاب الخطابي أن المراد أن الذي بقي بالنسبة إلى ما مضى قدر فضل الوسطى إلى السبابة‏.‏

قلت‏:‏ وسيأتي البحث في ذلك حيث أشرت إليه

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي ثَلَاثِينَ ثُمَّ قَالَ وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَقُولُ مَرَّةً ثَلَاثِينَ وَمَرَّةً تِسْعًا وَعِشْرِينَ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر ‏"‏ الشهر هكذا وهكذا وهكذا ‏"‏ تقدم شرحه مستوفي في كتاب الصيام‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ وَأَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ الْإِيمَانُ هَا هُنَا مَرَّتَيْنِ أَلَا وَإِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ

الشرح‏:‏

حديث أبي مسعود - وهو عقبة بن عمرو - ووقع في رواية القابسي والكشميهني ‏"‏ ابن مسعود ‏"‏ قال عياض‏:‏ وهو وهم، وهو كما قال، فقد تقدم كذلك في بدء الخلق والمناقب والمغازي من طرق عن إسماعيل وهو ابن أبي خالد عن قيس وهو ابن أبي حازم، وصرح في بدء الخلق باسمه ولفظه ‏"‏ حدثني قيس عن عقبة بن عمرو أبي مسعود ‏"‏ ‏"‏ وقد تقدم شرحه في ذكر الجن في بدء الخلق، وبقية شرحه في أول المناقب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا

الشرح‏:‏

حديث سهل في فضل كافل اليتيم، وسيأتي شرحه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى، وقوله فيه ‏"‏ بالسبابة ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ بالسباحة ‏"‏ وهما بمعنى‏.‏

*3*باب إِذَا عَرَّضَ بِنَفْيِ الْوَلَدِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا عرض بنفي الولد‏)‏ بتشديد الراء من التعريض، وهو ذكر شيء يفهم منه شيء آخر لم يذكر، ويفارق الكناية بأنها ذكر شيء بغير لفظه الموضوع يقوم مقامه، وترجم البخاري لهذا الحديث في الحدود ‏"‏ ما جاء في التعريض ‏"‏ وكأنه أخذه من قوله في بعض طرقه ‏"‏ يعرض بنفيه ‏"‏ وقد اعترضه ابن المنير فقال‏:‏ ذكر ترجمة التعريض عقب ترجمة الإشارة لاشتراكهما في إفهام المقصود، لكن كلامه يشعر بإلغاء حكم التعريض فيتناقض مذهبه في الإشارة‏.‏

والجواب أن الإشارة المعتبرة هي التي لا يفهم منها إلا المعنى المقصود، بخلاف التعريض فإن الاحتمال فيه إما راجح وإما مساو فافترقا، قال الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏‏:‏ ظاهر قول الأعرابي أنه اتهم امرأته، لكن لما كان لقوله وجه غير القذف لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم فيه بحكم القذف فدل ذلك على أنه لا حد في التعريض، ومما يدل على أن التعريض لا يعطي حكم التصريح الإذن بخطبة المعتدة بالتعريض لا بالتصريح فلا يجوز، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ لِي غُلَامٌ أَسْوَدُ فَقَالَ هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنَّى ذَلِكَ قَالَ لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ قَالَ فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن ابن شهاب‏)‏ قال الدار قطني‏:‏ أخرجه أبو مصعب في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن مالك، وتابعه جماعة من الرواة خارج الموطأ، ثم ساقه من رواية محمد بن الحسن عن مالك ‏"‏ أنا الزهري ‏"‏ ومن طريق عبد الله بن محمد بن أسماء عن مالك، ومن طريق ابن وهب ‏"‏ أخبرني ابن أبي ذئب ومالك كلاهما عن ابن شهاب ‏"‏ وطريق ابن وهب هذه أخرجها أبو داود‏.‏

قوله ‏(‏إن سعيد بن المسيب أخبره‏)‏ كذا لأكثر أصحاب الزهري، وخالفهم يونس فقال عنه ‏"‏ عن أبي سلمة عن أبي هريرة ‏"‏ وسيأتي في كتاب الاعتصام من طريق ابن وهب عنه، وهو مصير من البخاري إلى أنه عند الزهري عن سعيد وأبي سلمة معا، وقد وافقه مسلم على ذلك، ويؤيده رواية يحيى بن الضحاك عن الأوزاعي عن الزهري عنهما جميعا، وقد أطلق الدار قطني أن المحفوظ رواية مالك ومن تابعه، وهو محمول على العمل بالترجيح، وأما طريق الجمع فهو ما صنعه البخاري، ويتأيد أيضا بأن عقيلا رواه عن الزهري قال ‏"‏ بلغنا عن أبي هريرة ‏"‏ فإن ذلك، يشعر بأنه عنده عن غير واحد، وإلا لو كان عن واحد فقط كسعيد مثلا لاقتصر عليه‏.‏

قوله ‏(‏إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية أبي مصعب ‏"‏ جاء أعرابي ‏"‏ وكذا سيأتي في الحدود عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك، وللنسائي ‏"‏ جاء رجل من أهل البادية ‏"‏ وكذا في رواية أشهب عن مالك عند الدار قطني‏.‏

وفي رواية ابن وهب التي عند أبي داود ‏"‏ أن أعرابيا من بني فزارة ‏"‏ وكذا عند مسلم وأصحاب السنن من رواية سفيان بن عيينة عن ابن شهاب، واسم هذا الأعرابي ضمضم بن قتادة أخرج حديثه عبد الغني بن سعيد في ‏"‏ المبهمات ‏"‏ له من طريق قطبة بنت عمرو بن هرم أن مدلوكا حدثها ‏"‏ إن ضمضم بن قتادة ولد له مولود أسود من امرأة من بني عجل فشكا النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ هل لك من إبل ‏"‏‏؟‏ قوله ‏(‏أتى النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية ابن أبي ذئب ‏"‏ صرخ بالنبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فقال‏:‏ يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود‏)‏ لم أقف على اسم المرأة ولا على اسم الغلام، وزاد في رواية يونس ‏"‏ وإني أنكرته ‏"‏ أي استنكرته بقلبي ولم يرد أنه أنكر كونه ابنه بلسانه وإلا لكان تصريحا بالنفي لا تعريضا، ووجه التعريض، أنه قال غلاما أسود أي وأنا أبيض فكيف يكون مني‏؟‏ ووقع في رواية معمر عن الزهري عند مسلم ‏"‏ وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه ‏"‏ ويؤخذ منه أن التعريض بالقذف ليس قذفا وبه قال الجمهور، واستدل الشافعي بهذا الحديث لذلك، وعن المالكية يجب به الحد إذا كان مفهوما، وأجابوا عن الحديث بما سيأتي بيانه في آخر شرحه‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ في الاستدلال بالحديث نظر، لأن المستفتي لا يجب عليه حد ولا تعزير‏.‏

قلت‏:‏ وفي هذا الإطلاق نظر، لأنه قد يستفتي بلفظ لا يقتضي القذف وبلفظ يقتضيه، فمن الأول أن يقول مثلا إذا كان زوج المرأة أبيض فأتت بولد أسود‏:‏ ما الحكم‏؟‏ ومن الثاني أن يقول مثلا‏:‏ أن امرأتي أتت بولد أسود وأبا أبيض فيكون تعريضا، أو يزيد فيه مثلا زنت فيكون تصريحا، والذي ورد في حديث الباب هو الثاني فيتم الاستدلال‏.‏

وقد نبه الخطابي على عكس هذا فقال‏:‏ لا يلزم الزوج إذا صرح بأن الولد الذي وضعته امرأته ليس منه حد قذفه لجواز أن يريد أنها وطئت بشهبة أو وضعته من الزوج الذي قبله إذا كان ذلك ممكنا‏.‏

قوله ‏(‏قال‏:‏ فما ألوانها‏؟‏ قال‏:‏ حمر‏)‏ في رواية محمد بن مصعب عن مالك عند الدار قطني ‏"‏ قال رمك ‏"‏ والأرمك الأبيض إلى حمرة، وقد تقدم تفسيره في شرح حديث جمل جابر في الشرط‏.‏

قوله ‏(‏فهل فيها من أورق‏)‏ بوزن أحمر‏.‏

قوله ‏(‏إن فيها لورقا‏)‏ بضم الواو بوزن حمر، والأورق الذي فيه سواد ليس بحالك بل يميل إلى الغبرة، ومنه قبل للحمامة ورقاء‏.‏

قوله ‏(‏فأني ذلك‏)‏ بفتح النون الثقيلة أي من أين أتاها اللون الذي خالفها، هل هو بسب فحل من غير لونها طرأ عليها أو لأمر آخر‏؟‏ ‏.‏

قوله ‏(‏لعل نزعه عرق‏)‏ في رواية كريمة ‏"‏ لعله ‏"‏ ولا إشكال فيها بخلاف الأول فجزم جمع بأن الصواب النصب أي لعل عرقا نزعه‏.‏

وقال الصغاني‏:‏ ويحتمل أن يكون في الأصل ‏"‏ لعله ‏"‏ فسقطت الهاء، ووجهه ابن مالك باحتمال أنه حذف منه ضمير الشأن، ويؤيد توجيهه ما وقع في رواية كريمة، والمعنى يحتمل أن يكون في أصولها ما هو باللون المذكور فاجتذبه إليه فجاء على لونه، وادعى الداودي أن لعل هنا للتحقيق‏.‏

قوله ‏(‏ولعل ابنك هذا نزعه‏)‏ كذا في رواية أبي ذر بحذف الفاعل، ولغيره ‏"‏ نزعه عرق ‏"‏ وكذا في سائر الروايات، والمراد بالعرق الأصل من النسب شبهه بعرق الشجرة، ومنه قولهم‏:‏ فلان عريق في الأصالة أي أن أصله متناسب، وكذا معرق في الكرم أو اللؤم، وأصل النزع الجذب، وقد يطلق على الميل، ومنه ما وقع في قصة عبد الله بن سلام حين سئل عن شبه الولد بأبيه أو بأمه‏:‏ نزع إلى أبيه أو إلى أمه، وفي الحديث ضرب المثل، وتشبيه المجهول بالمعلوم تقريبا لفهم السائل، واستدل به لصحة العمل بالقياس، قال الخطابي‏:‏ هو أصل في قياس الشبه‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ فيه دليل على صحة القياس والاعتبار بالنظير؛ وتوقف فيه ابن دقيق العيد فقال‏:‏ هو تشبيه في أمر وجودي، والنزاع إنما هو في التشبيه في الأحكام الشرعية من طريق واحدة قوية‏.‏

وفيه أن الزوج لا يجوز له الانتفاء من ولده بمجرد الظن، وأن الولد يلحق به ولو خالف لونه لون أمه‏.‏

وقال القرطبي تبعا لابن رشد‏:‏ لا خلاف في أنه لا يحل نفي الولد باختلاف الألوان المتقاربة كالأدمة والسمرة، ولا في البياض والسواد إذا كان قد أقر بالوطء ولم تمض مدة الاستبراء، وكأنه أراد في مذهبه، وإلا فالخلاف ثابت عند الشافعية بتفصيل فقالوا‏:‏ إن لم ينضم إليه قرينة زنا لم يجز النفي، فإن اتهمها فأتت بولد على لون الرجل الذي اتهمها به جاز النفي على الصحيح، وفي حديث ابن عباس الآتي في اللعان ما يقويه‏.‏

وعند الحنابلة يجوز النفي مع القرينة مطلقا، والخلاف إنما هو عند عدمها، وهو عكس ترتيب الخلاف عند الشافعية‏.‏

وفيه تقديم حكم الفراش على ما يشعر به مخالفة الشبه‏.‏

وفيه الاحتياط للأنساب وإبقائها مع الإمكان، والزجر عن تحقيق ظن السوء‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ يؤخذ منه منع التسلسل، وأن الحوادث لا بد لها أن تستند إلى أول ليس بحادث‏.‏

وفيه أن التعريض بالقذف لا يثبت حكم القذف حتى يقع التصريح خلافا للمالكية، وأجاب بعض المالكية أن التعريض الذي يجب به القذف عندهم هو ما يفهم منه القذف كما يفهم من التصريح، وهذا الحديث لا حجة فيه لدفع ذلك، فإن الرجل لم يرد قذفا، بل جاء سائلا مستفتيا عن الحكم لما وقع له من الريبة، فلما ضرب له المثل أذعن‏.‏

وقال المهلب‏:‏ التعريض إذا كان على سبيل السؤال لا حد فيه، وإنما يجب الحد في التعريض إذا كان على سبيل المواجهة والمشاتمة‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ الفرق بين الزوج والأجنبي في التعريض أن الأجنبي يقصد الأذية المحضة، والزوج قد يعذر بالنسبة إلى صيانة النسب، والله أعلم‏.‏

*3*باب إِحْلَافِ الْمُلَاعِنِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إحلاف الملاعن‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عمر من رواية جويرية بن أسماء عن نافع مختصرا بلفظ ‏"‏ فأحلفهما ‏"‏ وكذا سيأتي بعد ستة أبواب من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع، وتقدم في تفسير النور من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر بلفظ ‏"‏ لاعن بين رجل وامرأة‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَأَحْلَفَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر من رواية جويرية بن أسماء عن نافع مختصرا بلفظ ‏"‏ فأحلفهما ‏"‏ وكذا سيأتي بعد ستة أبواب من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع، وتقدم في تفسير النور من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر بلفظ ‏"‏ لاعن بين رجل وامرأة ‏"‏ والمراد بالإحلاف هنا النطق بكلمات اللعان، وقد تمسك به من قال أن اللعان يمين، وهو قول مالك والشافعي والجمهور‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ اللعان شهادة وهو وجه للشافعية، وقيل شهادة فيها شائبة اليمين، وقيل بالعكس، ومن ثم قال بعض العلماء‏:‏ ليس بيمين ولا شهادة، وانبنى على الخلاف أن اللعان يشرع بين كل زوجين مسلمين أو كافرين حرين أو عبدين عدلين أو فاسقين بناء على أنه يمين، فمن صح يمينه صح لعانه، وقيل لا يصح اللعان إلا من زوجين حرين مسلمين، لأن اللعان شهادة ولا يصح من محدود في قذف، وهذا الحديث حجة للأولين لتسوية الراوي بين لاعن وحلف، ويؤيده أن اليمين ما دل على حث أو منع أو تحقيق خبر وهو هنا كذلك، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق حديث ابن عباس ‏"‏ فقال له‏:‏ احلف بالله الذي لا إله إلا هو إني لصادق، يقول ذلك أربع مرات أخرجه الحاكم والبيهقي من رواية جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عنه، وسيأتي قريبا ‏"‏ لولا الأيمان لكان لي ولها شأن ‏"‏ واعتل بعض الحنفية بأنها لو كانت يمينا لما تكررت، وأجيب بأنها خرجت عن القياس تغليظا لحرمة الفروج كما خرجت القسامة لحرمة الأنفس، وبأنها لو كانت شهادة لم تكرر أيضا‏.‏

والذي تحرر لي أنها من حيث الجزم بنفي الكذب وإثبات الصدق يمين، لكن أطلق عليها شهادة لاشتراط أن لا يكتفي في ذلك بالظن بل لا بد من وجود علم كل منهما بالأمرين علما يصح معه أن يشهد به، ويؤيد كونها يمينا أن الشخص لو قال أشهد بالله لقد كان كذا لعد حالفا‏.‏

وقد قال القفال في ‏"‏ محاسن الشريعة ‏"‏‏:‏ كررت أيمان اللعان لأنها أقيمت مقام أربع شهود في غيره ليقام عليها الحد، ومن ثم سميت شهادات‏.‏