فصل: إحياء الموات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: غاية تلخيص المراد من فتاوى ابن زياد



.إحياء الموات:

(مسألة): له أرض تسقى هي وغيرها من قصبة نازعة للماء من شريج نازع للماء من الوادي المباح، فحصل في الأرض ساق أخرب بعضها مع القصبة، فأقام صاحب الأرض زبيراً دون الخلل يعرف بالعقص، ثم أصلح القصبة أهلها، فلما سقى صاحب الأرض أرضه وامتلأت كسر الزبير لسقي مكان الخلل، والخلل باق بحاله، فتولد منه خراب ما أصلح من القصبة لزمه إصلاحه، إذ لا يجوز للإنسان أن يتصرف في ملكه بما يضر ملك الغير، وقد أفتيت أوّلاً بأنه يلزمه أرش النقص، ثم رأيت في الروضة موافقة الأوّل فرجعت إليه.
(مسألة): زهب مشتركة بين اثنين، وللزهب ساقية لهما، وللأرض زبير واحد يحتوي الماء على القسمين، ثم لما امتلأ الزهب وقطعت عنه الساقية أنزل أحدهما الماء من غير إذن شريكه فنقصت غلته عن معتادها، وجب عليه أرش ما نقص من نصيب شريكه، وهو ما بين قيمته والماء فيه بتقدير بقائه إلى استيفاء شربه، وبين قيمته عند الكسر قبل استيفاء شربه.
(مسألة): واد مباح على جانبيه اليماني والقبلي شرج متعددة تنزع الماء منه، فأراد صاحب أعلاها قطع الوادي ورد مائه إلى شريجه بحاجز من تراب وأحجار، بحيث لا يصل الماء إلى من بعده من أهل الشرج فليس له ذلك، كما أفتى به القماط، ولا عبرة بما اعتاده أهل الشرج الأعلى، لأنا على يقين من حدوثه بعد انحفار الوادي المباح، وذلك لا يجوز، ويجب منعه ونسفه، وأن لا يقطع إلا ما يحمله شريجه، ولا يحبس من الماء إلا ما يحمله.
(مسألة): مزارع دامرة قريبة من الوادي، وتليها مزارع عامرة، فأراد أهل الدامرة إحياءها وسقيها من الوادي، وشريج الدامرة مادّ من النهر إليها وزبرها قائمة، فليس لأهل العامرة التي هي أسفل من الدامرة منعهم من ذلك، لأن قربها من النهر دالّ على تقدمها، ووجود الشريج الممتد دال على اليد، فلو قامت بينة بعدم استحقاقهم للسقي منه فأقاموا بينة به قدمت بينتهم لاعتضادها بالشريج المذكور.
(مسألة): جماعة تحت أيديهم أراض تسقى الأعلى فالأعلى من شريج نازع للماء من الوادي، فاتفق أن خرب الشريج وبطل السقي منه، فأحدثوا شريجاً آخر جاز إحداثه إن لم يحصل منه ضرر على غيرهم، ولو أقام صاحب العليا معقماً يسقي أرضه منه على العادة فكسره آخر إلى أرض أسفل منها فسقيت قبل هذه لزمه إعادة المعقم، وإذا حصل للعليا رسوب بسبب الكسر وجب عليه أجرة مثل الأرض مسقية.
(مسألة): من حفر بئراً بموات بقصد التملك ملكها وماءها، أو بقصد الارتفاق لم يملكها، لكنه أحق بها ما لم يرتحل أو ليرتفق بها المارة أو أطلق فهو كأحدهم بقي ما إذا جهل حاله، كما إذا كانت بئر بين قرى وجرت عادة سكانها بورودها لسقيهم وسقي بهائمهم، والظاهر أنه كما لو أُطلق حافرها رجوعاً إلى أصل إباحة الماء، فيكون ماؤها مشتركاً بمثابة الماء البدّ أي الكثير يشترك الناس فيه، وحكمه أنه إذا ازدحم اثنان فأكثر على الاستقاء منه، فإن جاؤوا معاً وضاق المشرع قدم العطشان، فإن كانوا عطاشاً أو غير عطاش أقرع بين الآدميين، ثم بين البهائم على أعيانها لا بين أربابها، فإن سبق أحدهم قدم لعطشه لا دابته على عطشان تأخر.
(مسألة): أهل قرية لهم بركة يجتمع فيها ماء المطر، وعادتهم الاستقاء من ذلك الماء عمل بعادتهم القديمة، فإذا لم تكن لهم عادة فنقل أحدهم الماء إلى بيت له في قرية أخرى فلهم منعه من النقل عملاً بالعادة وليس لهم قسمته، والحال أنه مسيل لأهل القرية، إذ يدخل في ذلك كل من سكن فيها ولو حادثاً.
(مسألة): شريجان ينزعان الماء من الوادي، وأحدهما أعلى من الآخر، وادعى كل من أربابهما أنه أقنع من الآخر، وأنه يستحق التقدم بالسقي وأقاما بينتين تعارضتا، وقدم الأعلى رجوعاً إلى الأصل وهو سقي الأعلى فالأعلى.
(مسألة): أرض سلطانية جعلت للسكنى، فأراد شخص أن يحفر فيها بئراً للمسلمين ينتفعون بها جاز، كما نقله الناشري في نظير ذلك من الوقف، وليس لأحد الاعتراض عليه، ولا يحتاج إلى إذن أحد، إذ هي أولى من الوقف.
(مسألة): أرض سفل استمرت لها عادة قديمة بالسقي من أرض أعلى منها من شريج فخرب الشريج، فأبدلت ساقية أخرى لماء الشريج، واستمر السقي المذكور، فليس لصاحب العلوّ المنع منه بعده إجراء للعادة القديمة.
(مسألة): طلب أحد الشريكين من صاحبه أن يعمر معه لم يجبر، فإن عمر أحدهما فمتبرع، وليس له الرجوع على شريكه إلا إذا قال: اعمر وترجع عليّ فيرجع حينئذ.
(مسألة): تحوّل السيل عن طريقه المعتاد، فأراد الذي أرضه بالشق المحوّل عنه إحياء موضعه لم يجز له ذلك، لأن مواضع السيل لا يجوز إحياؤها كما قاله الرداد.
(مسألة): أرض يستحق سقيها من أرض جارة لها استحقاقاً قديماً، وكلتا الأرضين تستحقان ذلك من قناة، فتعذر السقي من مجراتها المعتادة، فجاء مالك الأرض المتقدمة بماء من مجراة أخرى تنزع الماء من القناة المذكورة برضا مالكي المجراة الأخرى، لم يستحق المجاور شيئاً من السقي المذكور على فرض تعطل القناة.
(مسألة): الشرج النازعة للماء من الوادي إذا لم يثبت شرعاً العلم بالسابق إحياء فإنا نقدم الأعلى فالأعلى، فنقدم من يستحق التقدم إلى أن يستغني، ولا يتقدر الاستحقاق بقدر من الأشهر أو الأيام مثلاً، وإذا وجدنا مكتتباً بين الرعايا فيه أن لأهل العليا كذا من الأشهر ثم لأهل الوسطى الخ، فهذه مهايأة غير لازمة، لكل من أهلها الرجع متى شاء، والذي نعتقده وهو الحق الجاري على قواعد الشرع بطلان هذا المكتتب، وأنه يجب إنكاره، وإن صدر من قاض فإنه غبي جاهل، وليس لأحد من القضاة وغيرهم الإلزام به.
(مسألة): رجل له وظيفة قراءة الحديث النبوي على المنبر في مسجد معين، وله معلوم في مقابلة ذلك من القاضي، فوقف آخر أرضاً على من يقرأ الحديث في المسجد المذكور وجعل النظر له، ثم إنه أقام الحديث في المسجد المذكور وجعل النظر له، ثم إنه أقام آخر للقراءة، فله أن يجلس على المنبر المذكور إذا لم يزاحم الأوّل بأن جاء في غير وقته وليس لأحد منعه.
(مسألة): جرت عادة رجل وآبائه باصطياد من محل من البحر، فليس له منع غيره من الاصطياد منه بزعم أنه أحياه، ولا نظر إلى كونه جرت عادته بذلك.
(مسألة): أرض تستحق إجراء الماء في أرض مملوكة أو موقوفة فوقها استحقاقاً قديماً فخربت العليا، وجب على مالكها عمارتها ليصل الماء إلى السفلى إن كان الخراب بفعله، وكذا إن لم يكن بفعله على الأوجه، ومثله ناظر الوقف لكن الوجوب عليه من غلته فقط، وكذا تجب عمارة الأرض الموقوفة للمحاماة حفظاً لها من الوادي الذي بجانبها، بحيث لو لم تحام لأخذها.
(مسألة): له أرض ولآخر أرض أسفل منه، والعادة جارية بسقي العليا قبل السفلى، فتعذر السقي من المكان الذي تسقى منه، فأراد صاحب العليا أن يجري الماء من الوادي من مكان آخر إلى أرضه، ويسقيها قبل السفلى على عادته، فليس لصاحب السفلى منعه من ذلك، حيث لم يتأخر سقي أرضه عن وقتها المعتاد، وليس له أن يسقي قبله.
(مسألة): أرض تسقى دفعة واحدة وهي قسمان، أراد مالك القسم الأعلى حجر الماء عن صاحب الأسفل بعود يمنع جريه في حفظه بالنسبة إلى مرافع أرضه لأن المخرج لا يحول الماء حينئذ إلا في مرافع أرض جاره إن كان الماء كثيراً، وإلا فاز بالقليل إذ لا يخرج من الأعلى وكانت العادة بالعكس، بحيث لا يكون الأعلى إلا وسيلة لسقي ما يسقى من الأسفل، إذ لا يستقر القليل إلا فيه، كما هو معلوم من قضية العلو والسفل، مع أن ساقيتهما معاً إنما كانت تجري غالباً في أرض جارهما، فتنزل أوّلاً في الأسفل مصعدة إلى الأعلى، إذا كان على حكم عادته بقرينة قصبة تنزع الماء من أرض جارهما هنالك إلى الأسفل ثم يستعلي سقيها، فليس لصاحب الأعلى إحداث الزبير المذكور، والحال أن القسمين يسقيان دفعة واحدة، وأولى إن كانت السفلى تسقى قبل العليا لارتفاعها، فإن فعل وجب إزالته وضمان أرش ما حدث من نقص منفعة الأرض، وإذا جعل الزبير في الحد المشترك وجب عليه أرشه.
(مسألة): جرت عادة شخص بإقامة معقم في الوادي لسقي أراضي أملاك وسلطانية ثم أراضي وقف، وله النظر في ذلك، فانكسر المعقم ونزل الماء إلى جاره، فادّعى الجار أنه يستقي السقي لأرضه بكسر المعقم قبل أراضي الوقف، وأن الشخص المذكور متعدّ بسقيها قبل أرضه وأقام بينة بذلك، فأقام الأول بعد ذلك بينة شهدت باستحقاق أراضي الوقف قبل أرض الجار، وأن يده ثابتة بحق قدمت على بينة المتعدي.
(مسألة): أرضان سفلى وعليا، أراد صاحب العليا السقي من الوادي فمنعه الأسفل، فإن شهدت بينة بسبق إحيائه وإلا قدم الأعلى فالأعلى حتى يستغنى، ولا يتقيد بنحو يوم للجهل بالسابق إحياء، فالبينة الشاهدة بأن أحدهما أقنع من الآخر من غير استناد إلى العلم بسبق الإحياء مع قرب الأخذ من الوادي يكذبها الشرع فلا تسمع، والأيمان المترتبة على ذلك والحكم المترتب عليه غير صحيح.
(مسألة): وقع تنازع وفتنة بين أرباب الأراضي من أجل السقي من الوادي، فأجمع رأي أهل الحل والعقد من العلماء والصلحاء والقضاة وولاة الأمور على أوضاع رتبوها على الأشهر الرومية بين أهل الأراضي المذكورة تندفع بها الفتنة، فهذه مهايأة غير لازمة شرعاً لكل من تمكن من الرجوع أن يرجع، وهؤلاء الفاعلون ذلك لأجل سد الفتن ودفع الحروب وإصلاح ذات البين، إذا لم يمكن إلا بذلك معذورون مأجورون على قصدهم.
(مسألة): استحق مرور الماء لسقي أرضه في أرض جاره بعادة قديمة لا يعرف لها ابتداء فزرعت الأرض دام استحقاقه وإن تضرّرت بذلك.
(مسألة): أراضي وقف على مساجد منع إنسان تلك الأراضي من سقيها الذي تستحقه وعدل بقناعتها أثم بذلك وحرج حرجاً شديداً، ويجب على والي الأمر أن يجري الناس على قناعتهم، بأن يقدم الأقنع فالأقنع، ويعاقب من خالف، ويسوّي بين الوقف وبيت المال والملك، فإن كان المانع للسقي المذكور مفتخراً فهو من أكبر أهل الضلال الشياطين المتعرّضين لأذى العلماء بالوقيعة في أعراضهم التي هي من أعظم الكبائر، ويخشى عليه سوء الخاتمة، ويفسق بذلك ولحوم العلماء مسمومة، ومن أطلق لسانه بالثلب في العلماء ابتلاه الله قبل موته بموت القلب وهو الكفر نعوذ بالله من ذلك.
(مسألة): عين ماء جارية وهناك بساتين بعضها أعلىمن بعض، ولا يعلم إحياء الأسفل منها قبل الأعلى، قدِّم الأعلى فالأعلى عند ضيق الماء، ويجوز لهم إذا كانوا كاملين متصرفين عن أنفسهم لا نحو نظار بيت المال والوقف أن يفعلوا مهايأة بينهم، وهي مسامحة ممن له التقدم كما في الروضة فلا تلزم، فلكل منهم الرجوع متى شاء.

.الوقف:

(مسألة): يجوز للإمام أن يقف من أراضي بيت المال على جماعة أو واحد كما قاله النووي وغيره، ويجوز له أن يهب منه ويملك أيضاً، وحينئذ لا يجوز لمن تولى بعده نقض التمليك.
(مسألة): لو قال أراضي موقوفة ولم يبين المصرف، فحيث قلنا إنه إنشاء فالوقف غير صحيح بناء على أنه لا بد من بيان المصرف وهو الراجح.
(مسألة): وقف أراضي وحوانيت على أن تؤجر الجميع وتقسم غلاتها على جماعة من قرّاء القرآن يقرؤون أحزاباً معينة، ويهدون ثوابها إلى جهة معينة من زمان قديم، ولم يبق للوقف سجلّ يرجع إليه في تعيين الموقوف عليهم وعدتهم، بل علم الوقف وعلم شرطه والجهة الموقوف عليها، فجعل السلطان ناظراً عليه، فعين الناظر عدداً معلوماً من الدرسة يقرؤون ويهدون على الشرط المذكور، وقسم غلات الأراضي والحوانيت بينهم بالسوية ومضى على ذلك، ثم انتقل النظر إلى شخص آخر فزاد في عدد الدرسة، وسوّى بينهم وبين الأوّلين في غلة الأرض، ولم يتعرض لأجرة الحوانيت، بل بقيت بيد الأوّلين بلا منازعة، فانتقل إلى ثالث ورابع وهكذا، وكل ناظر يزيد في عدد الدرسة اجتهاداً منهم ويسوي بينهم، كمثل الأوّل من غير تعرض لغلة الحوانيت، ثم انتقل إلى شخص آخر فتفقد أمر الوقف ورأى في غلاته زيادة في أجرة الحوانيت، فأجرها بأجرة معلمة وقسمها، ورأى أن يسوي بين الدرسة جميعاً الأوّلين والآخرين في أجرة الحوانيت كالأراضي، وأن لا اختصاص لأحد منهم على آخر لعدم ما يقتضيه، جاز للنظار المذكورين زيادة الدرسة بشرط أن يكون على وجه النظر والمصلحة منهم بعد بذل وسعهم واجتهادهم في تحقيق المصلحة، ولا تجوز الزيادة على المرتبين بمجرد التشهي كما عمت به البلوى في هذا الزمان، وحيث جاز للنظار الزيادة بشرطها، فلهم أن يسووا بين الأولين والآخرين في قسمة أجرة الحوانيت، ويجري عليها حكم علة الأراضي لعدم ما يقتضي التخصيص، وعلى الناظر بذل وسعه فيما فيه المصلحة.
(مسألة): أرض وقف تعطل شريجها الذي يسقيها وتعذر سقيها منه، فرأى الناظر عليها أن المصلحة أن يجري الشريج في جانب من الوقف لسقيها وسقي غيرها من أراضي الوقف التي شملها نظره جاز له ذلك، بل وجب إذا تعين طريقاً لموافقته غرض الواقف، وقد صرح القفال بأن أغراض الواقفين منظور إليها وإن لم يصرحوا بها، ونحن نقطع بأن غرض الواقف توفير الربع على جهة الوقف، قال الأذرعي: وقد تحدث على تعاقب الزمان مصالح لم تظهر في الزمن الماضي، وتظهر الغبطة في شيء يقطع، بأن الواقف لو وقع له لم يعدل عنه، فينبغي للناظر أو الحاكم فعله، والله يعلم المفسد من المصلح اهـ.
(مسألة): بسط شخص على أراض موقوفة على الحرم الشريف بسبب نقلة وعناء له، وزعم أن يده مترتبة كيد الملاك، بحيث يرى أنه لا يجب أن يستأجر من الناظر، ولا ترفع يده فهو يبسطه من غير استئجار مأثوم فاسق داخل في حديث: «من ظلم قيد شبر» الخ، ويجب عليه رفع يده وأجرة المثل مدة بسطه وتسليمها للناظر وإن ثبت أن له فيها نقلة، إذ هي لا تسقط النظر، وعلى الناظر ومثله الباسط بحق الاحتياط، فلا يؤجر إلا بالغبطة والمصلحة بأجرة المثل فأكثر على مليء ثقة، سواء المستأجر الأول أو غيره، لكن ثبت للباسط عناء لم يصح التأجير من غيره حتى يرضيه في عنائه فيأخذه الناظر، ويصير وقفاً بمجرد أخذه بطريق التبعية وله ذلك بل عليه، إذ العناء بمثابة العمارة الواجب تقديمها على أرباب الوظائف، بل على الموقوف عليه، وقد عمت البلوى بالبسط على أراضي الوقف واستغلالها من غير استئجار من الناظر، وأدى ذلك إلى اندراس الوقف وتملكه، وقد نقل الرافعي عن المتولي والبغوي أن الحكام اصطلحوا على منع إجارة الوقف أكثر من ثلاث سنين، قال زكريا: وما قالوه هو الاحتياط اهـ، وهو الحق الذي يتعين المصير إليه، فعلى الناظر العمل بالمصلحة، وتكرير عقد الإجارة كل سنة أو سنتين أو ثلاث مثلاً، وبذلك يؤمن اندراس الوقف ويحصل اشتهاره.
(مسألة): إذا لم يشرط الواقف النظر لأحد أو جهل الشرط فالنظر على الوقف لحاكم بلد الوقف، كما رجحه السبكي وغيره، ولو كان الموقوف عليه ببلد أخرى كالوقف الذي بجهة اليمن على مدارس الحرم المكي، فالنظر لولي الأمر باليمن، وعليه العمل فيه بما يتوجه شرعاً من البداءة بعمارته وتأجيره بالغبطة والمصلحة بأجرة المثل فأكثر على ثقة مليء أمين، وحفظ غلتها، وإيصالها إلى ناظر المدارس الكافي العدل الأمين ليصرفها على شرط الواقف.
(مسألة): تصدى شخص لتضييع غلة الوقف، وبذله لغير مستحقه، وقبض ما أراد من رأس الغلة، وقصده بذلك التضييق على الموظفين من المدرسة والمدرسين وتضاررهم، ومنعهم حال قبض الغلة من أخذ ما يستحقون شرعاً، لا يتركه لهم حتى يأخذ منه جزءاً لنفسه ولمن يعينه، أثم بذلك وفسق ووجب عزله، وغرم جميع ما أخذه هو أو أخذه بسببه، ومثل المتصدي المذكور في جميع ما مر الحرّاث الذين يبذلون من غلة الوقف لمن يمنع المستحقين عن بعض ما يستحقونه شرعاً، حتى يقللوا عليهم معلومهم، ويخشى عليهم سوء الخاتمة والعياذ بالله إن لم يتوبوا.
(مسألة): وقف على أولاده الموجودين، ثم من مات منهم وله أولاد فنصيبه لأولاده، وإلا فلمن في درجته من إخوته ما تناسلوا، وجعل النظر له مدة حياته، ثم إلى الأصلح الأرشد من ذريته، فأجر الموقوف عليهم الوقف مائة سنة، فالمنقول صحة التأجير، لكن المختار كما قاله القاضي وارداد بطلان تأجير الوقف أكثر من ثلاث سنين كما مر، فلو انتقل الوقف إلى البطن الثاني بموت البطن الأوّل فالمعتمد بطلان الإجارة مطلقاً وإن كانت أقل من ثلاث سنين، فالحاصل أن الإجارة تبطل بالزيادة على ثلاث سنين كما هو المختار، وفيما إذا انتقلت إلى البطن الثاني، ويلزم الحاكم بطلب الناظر أو الموقوف عليهم رفع يد المستأجر وتغريم أجرة ما زاد على ثلاث سنين أو بعد موت المؤجر الأوّل، ويرجع المستأجر في تركة المؤجر.
(مسألة): دار وقفت على من ولي القضاء للسكنى والحكم خربت ورغب القضاة عن سكناها وعن إصلاحها، جاز للناظر الخاص أو العام أن يؤجرها لمن يعمرها من ماله ويسكنها مائة سنة مثلاً، إن لم يمكن تأجيرها أقلّ من ذلك، وحينئذ لا تنفسخ بموت المؤجر ولا عزله ولا بموت المستأجر.
(مسألة): مساجد ومدارس لها أوقاف على وظائف معلومة من مؤذن وإمام ومدرس وغيرهم، ولكل منهم قدر معلوم، واندرس شرط الواقف، ولم يكن هناك من يؤخذ بقوله من واقف أو غيره، وضاقت الغلة عن الجميع، فالمذهب المعتمد كما هو مصرح به وجوب التسوية في الإعطاء بين أرباب الوظائف، ولا يقدم بعضهم على بعض اتسعت الغلة أم ضاقت، ولا ينافيه ما ذكره البلقيني من تقديم الفراش والبواب عند ضيق الغلة بأقل الأمرين من أجرة مثل عملهما ومسماهما، لأن ذينك داخلان تحت العمارة وشبيهان بها، ومعلوم وجوب تقديمها على الوظائف.
(مسألة): مسجد عليه أراض موقوفة وفيه وظائف حصل من علة الأراضي بعد عمارته شيء يسير لا يفي بمعاليم أرباب الوقف، فقسمه الناظر بينهم على قدر حصصهم على ما يقتضيه التقسيط، فرد بعضهم حصته من ذلك لقلتها بقيت على ملكه، إذ لا يشترط قبضه لها، ولهذا يجوز له التصرف فيها قبل قبضها، فيحفظها الناظر أو يرفعه إلى الحاكم ليقبض حصته، وإذا حدث الاحتياج إلى العمارة بعد استحقاق أرباب الوظائف قدمت من رأس الغلة لا من هذا المردود فقط.
(مسألة): وقف على مسجد، ثم بعد تمام الوقف جعل النظر فيه له، ثم إلى الوصي على أولاده، إلى أن يتأهلوا للنظر أو أحدهم، ثم إلى المتأهل من أولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا، فترتب النظر على الوجه المذكور صحيح، فيعمل بترتيبه ذلك، وللناظر الذي جعله الواقف أن يستنيب غيره إذا آل النظر إليه، وللواقف عزل من ولاه ناظراً بعد تمام الواقف.
(مسألة): وقف على مصرف مباح وجعل النظر له ثم إلى ولديه، فإذا انقرض أحدهما فللثاني، ثم إلى الأرشد من ذرّيته المنتسبين إليه، فانقرض الولدان وللواقف ابنتا إبن وابن إبن غائب في درجتهما، فأقامت كل واحدة بينة أنها الأرشد من ذرّية الواقف، شرّك الحاكم بينهما في النظر، ثم لو قدم الغائب وأقام بينة بأنه الأرشد، وأن البنتين تاركتان للصلاة من غير عذر بطل نظرهما واستحقه ابن الابن استقلالاً، لأن من شرط الرشد في النظر كونه عدلاً، ومعلوم أن ترك الصلاة من الفسق المجمع عليه وإن أقام البينة بأنه الأرشد حال إثباتهما الرشد ولم يتعرض لفسقهما شاركهما في النظر، بناء على أن التعارض عندنا بعد الحكم كهو قبله كما صرح به السبكي.
(مسألة): لجامع هذه الفتاوى كتاب سماه بالإنصاف فيما حدث في الأوقاف. حاصله أنه تجب التسوية بين أرباب وظائف الأوقاف على المدارس ببلد زبيد كل بحسب وظيفته، لا يجوز لأحد منهم في كل مدرسة أن يستقل بغلة أرض في مقابلة وظيفة من غير رضا باقي أرباب الوظائف، قال: ومن نسب إلي غير ذلك فقد كذب في نسبته إليّ، وأن المهايأة في أراضي الوقف الصادرة من الفقهاء المتقدمين والمتأخرين غير لازمة لأحد من أرباب الوظائف، لكل منهم الرجوع والنقض متى شاء، ولا يجوز لأحد أن ينسب إلى الفقهاء الإلزام بذلك. والعجب من كتب القضاة التي يفهم منها الإلزام في المهايأة شرعاً، وليس لهم ذلك. من المنكرات تولية غير الأهل ومزاحمة المتوظفين والنقص من معلومهم. ومنها إهمال شروط الواقفين من عدم مباشرة الوظائف، وإهمال المدارس والمساجد، واستنابة الطلبة في وظيفة الطلب غيرهم ويأخذون المعلوم، وكذا استنابة المدرس والإمام حيث لا عذر لهما.
(مسألة): أرض موقوفة كان بعضها مسجداً قد اندرس، فجعلها حاكم البلد مزرعة، ثم باعها ورثته على النصارى فجعلوها مقبرة لدفن موتاهم فالبيع باطل، ويأثم الحاكم وورثته، وعليهم أجرها مدة بسطهم، وتنبش قبور الكفار مطلقاً، وإذا كان المسلم إذا دفن في أرض مغصوبة ينبش فالكافر أولى.
(مسألة): يرجع في وظائف نحو المساجد إلى الدفاتر المتقدمة بتقرير النظار المعتمدين، فيدفع ما فيها إلى أهل الوظائف المسببين، لأن الظاهر استنادهم إلى أصل لا يجوز لمحدث مزاحمتهم بوظائف محدثة، أو بإرادة الدخول معهم في وظائفهم ليأخذ من معلومهم المعين، ولو صدرت تولية هذا المحدث من ولي الأمر، ففي نفوذها نظر إن كان عالماً بالحال، أما إذا لم يكن الوالي كذلك بحيث لو بين له لم يفعل، فينبغي أنه لا أثر لفعله، ولا يحل للمحدث تناول المعلوم ولا يمكن منه، ولو سلم النفوذ والحل فللناظر قطعه ليسلم معلوم الأولين عن النقص.
(مسألة): العبد الموقوف على معين أو جهة لا يزوّج مطلقاً، وكذا عبد بيت المال، نعم يباع هذا ويزوجه مشتريه، وأما الأمة الموقوفة فيزوّجها القاضي بإذن الموقوف عليهم، ومثلها أمة بيت المال يزوّجها القاضي بالغبطة.
(مسألة): أرض موقوفة على آلة الاستقاء من بئر مسبلة، فاستغني عن الاستقاء منها فهجرت، وخيف على الآلة من ظالم لعدم من يستقي منها، صرفت غلة الأرض لأقرب بئر مسبلة إليها كما في المسجد المعطل.
(مسألة): يجوز للناظر من قبل الواقف الاستنابة في النظر مطلقاً، ويقدم على الحاكم بدليل تقديم وكيل الولي الغائب في النكاح على الحاكم، وفي كلام بعضهم ما يقتضي أن الحاكم ينظر إذا غاب الناظر وهو مفيد بما إذا لم يستنب. واعلم أن التمسك بالإطلاقات إنما يكون حيث لم يكن في كلام المطلقين ما يقتضي تقييد ذلك الإطلاق، وإذا كانت الأرض تؤجر بأجرة المثل وتشرك بالسهم، فعلى الناظر الأغبط منهما وجوباً إن كانت الشركة صحيحة بأن وجدت شروطها المذكورة في مواضعها.
(مسألة): وقف داراً على أولاده وأولاد أولاده المنتسبين إليه للسكنى فيها فخربت، فآجرها الحاكم الناظر مدة معلومة اقتضتها المصلحة، وأذن له أن يعمرها بالأجرة فعمرها ثم مات، وانتقلت المنفعة إلى ذريته، ثم خربت الدار أيضاً في أثناء المدة، فأراد الناظر المستحق حينئذ أن يعمرها، فليس لوارثه المستأجر منعه من العمارة، لأن العمارة من أهم وظائف الناظر، ولا مشاركته في النظر، ولا طلب محاسبته على العمارة، إذ القول قوله في الإنفاق المحتمل للعمارة.
(مسألة): لو كان تحت يد الناظر أوقاف على مساجد خربت وغلة كل واحدة منها يسيرة لا تمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلا باستغلال وقفه سنين، ورأى المصلحة في إقراضها لعمارة مسجد آخر يحتاج إلى العمارة وليس له متحصل حالاً، لكنه يرجو رجاء ظاهراً قضاء ذلك من غلته، وكان ذلك أصلح من حفظها سنين، إذ ربما يخاف ضياعها فله ذلك، كما قاله البلقيني في مسجد مستغن عن العمارة، وثم آخر محتاج إليها وليس له متحصل أن لناظره أن يقترض من متحصل المستغني عن العمارة إذا تعين طريقاً.
(مسألة): إذا نقصت غلة الوقف في سنة عن الوظائف المترتبة عليه، وزادت غلة السنة التي بعدها عنها، وجب على الناظر تكميل ما نقص على المتوظفين من السنة الماضية مع معلوم المستقبلة، كما أفتى به الرداد تبعاً للبلقيني فيمن وقف على مصارف ثم الفقراء وفضلت فضلة بعد عمارة الوقف، وللمصارف مدة مكسورة أنه يصرف الفاضل لهم إلى أن يستوفوا مستحقهم الذي قدمهم به الواقف، فعليه لو امتنع الناظر أجبره الحاكم.
(مسألة): وقف على أولاده الذكور فقط أبداً ما تناسلوا بطناً بعد بطن، على أن من مات وله ابن فنصيبه له، وجعل لمن احتاجت من البنات وبنات البنين الكفاية من ريع الوقف، ومن استغنت بزوج أو ولد فلها المهاداة والمبارأة على عرف البلد من الريع أيضاً، صح الوقف الذي للبنين وبنيهم، وأما ما شرطه للبنات وبنات الابن، فإن كان قدراً معلوماً بأن قال: يعطين في كل سنة مثلاً من الغلة كذا وكذا فالوقف صحيح، نظير ما إذا وقف على الفقراء وشرط أن يصرف من ريعه دينار لمسجد كذا وما فضل لهم، فلو لم يزد ربع الوقف على دينار صرف للمسجد دونهم، وإن كان مجهول القدر فالظاهر بطلانه لجهل المدة مع القدر، هذا وقد عم الوقف على الذكور دون الإناث في جهة الجيال والقرائن تشعر بقصد حرمانهن، بل ربما يصرحون بذلك، فالواجب القيام في إبطال ذلك، وإن كان لا تشترط القربة في الوقف لقيام القرينة الدالة على قصد الحرمان الذي هو معصية، وأفتى ببطلانه الرداد وغيره، وقد أفتيت به مراراً.
(مسألة): لا تجوز قسمة العقار الموقوف بين أرباب الوقف، لأن في ذلك تغييراً لشرط الوقف، وتجوز لأهل الوقف المهايأة وليست لازمة، فإن تراضوا بالمهايأة. وتمييز لبعضهم أكثر من بعض مع وجود التراضي جاز له أخذه، ولا يرجع عليه بما زاد لتراضيهم بذلك، فكأنهم سامحوه ببعض ما يستحقونه، ولا عبرة بظنهم لزوم المهايأة ظاهراً، فإذا انقرض البطن الأول لم تلزم المهايأة في حق البطن الثاني، فإن صدر منهم تراض صريحاً بالمهايأة المذكورة استمرت، فلو بسط كل من البطن الثاني وما بعده على ما تميز لمن انتقل منه إليه ولم يوجد صريح التراضي لزم الباسط أجرة مثل حصص شركائه، وإذا حدث مستحق للوقف بعد المهايأة نقضت، ويرجع المستحق على من اشتغل بعد استحقاقه أجرة مثل حصته في الوقف، وإذا تعذر تأجير الوقف لم يجبروا على المهايأة، بل يعرض عنهم الحاكم حتى يصطلحوا إما على المهايأة أو التأجير.
(مسألة): أراض موقوفة على مدرسة وفيها وطائف معلومة ولها ناظر، فتهايأ أرباب الوظائف الأراضي على قدر معاليمهم وتراضوا بذلك، ثم احتاج بعض الأراضي المميز لأحد الأقسام إلى عمارة، ولم يرض أرباب القسم المذكور بالصرف من معاليمهم قدم الناظر وجوباً عمارة الأراضي المذكورة على أرباب الوظائف، بل على عمارة المدرسة، سواء شرط الواقف ذلك أم لا، ويكون صرف العمارة من رأس الغلة لا من خصوص غلة القسم المحتاج لذلك، لما فيه من الإضرار بغلته وتوفيرها في البقية، ويقسم الباقي بين أرباب الوظائف في جميع الأقسام بحسب أنصبائهم، ولا يقدح في ذلك ما جرى من المهايأة والتراضي المذكورين.
(مسألة): أرض موقوفة للمسلمين للبناء، حفر فيها رجل بئراً لانتفاعهم وسبل عليها، فبنى آخر داراً منتزحة عن البئر، وبقيت هي على ما هي عليه للمسلمين، وأراد صاحب الدار أن ينتفع بالبئر المذكورة، فليس لأحد منعه من الانتفاع لا من سبلها ولا غيره.
(مسألة): وقف أرضاً على ابنيه وبنتيه ثم على أولادهم ما تناسلوا، فمات الابنان ولم يعقبا، وماتت إحدى البنتين عن أولاد وبقيت الأخرى ولها أولاد أيضاً، فالوقف بعد موت البنت الباقية لأولادها وأولاد أختها عملاً بما شرطه الواقف.
(مسألة): وقف مصحفاً للقراءة وجعل النظر له ثم لذرّيته بعده، فرهنه أحدهم وأذن للمرتهن في الانتفاع به وتصليحه لم يصح الرهن، لكن للمرتهن القراءة فيه لأنه أحد المستحقين ويده أمانة على المعتمد، خلافاً للبلقيني، وله إصلاحه إذا احتاج إليه، وحينئذ لو بعث به إلى المجلد بيد ثقة ليصلحه فضاع عنده بلا تفريط لم يضمنه أحد.
(مسألة): وقف وقفاً على أن ثلثي غلته تصرف لأولاده ثم أولادهم ما تناسلوا، والثلث الباقي يصرف لمحتاجي ذرية أبيه، فتزوّج أحد أولاده امرأة من ذرية أبيه فأتت بولد فانتقل الوقف إلى هذا الولد ومن في درجته، وكانت حصته من غلة الوقف لا تفي بكفايته سنة وليس له غيرها، كمل له من الثلث الذي لمحتاجي ذرية أبي الواقف إذا وسعه ووسع بقية محتاجي ذرية الأب وإلا أعطي قسطه.
(مسألة): بقعة وقفت سكنى فسكنت ثم خربت القرية والمساكن وانتقل أهلها، فخرّب البقعة شخص لزم الإمام أخذ الأجرة منه وصرفها في مصالح المسلمين نظير ما لو انتفع بالمقبرة، وتتعلق الأجرة بنظر الإمام إن انتظم وإلا تولى الحاكم ذلك، وإن كان الواقف أو وارثه موجوداً حيث لم يكن لهم النظر.
(مسألة): وقف على معين كزيد فمات انتقل إلى أقرب الناس إلى الواقف ملكاً، ويختص بفقرائهم إن لم يتمحضوا أغنياء وإلا تعين الصرف إليهم، قاله السبكي، ونقل ابن شهبة عن الكفاية أنه يصرف حينئذ للفقراء والمساكين، كما لو كانوا فقراء وانقرضوا، وقال الروياني: ولو كانوا أغنياء جعلها الإمام حبساً على المسلمين، وتصرف غلاتها إلى مصالحهم اهـ. وإذا اجتمع قريب وأقرب منه والبعيد فقير قدم، فإن افتقر الأقرب انتقل إليه، بخلاف ما لو شرط النظر للأفضل من أولاده فتولاه أفضل ثم حدث أفضل منه فلا ينتقل إليه. قلت: الأظهر كما في المنهاج واعتمده في التحفة وغيرها أنه يعني منقطع الآخر يبقى وقفاً ويصرف إلى فقراء أقرب الناس إلى الواقف، فإن كانوا أغنياء صرف لمصالح المسلمين، وقال بعضهم: إلى الفقراء والمساكين.
(مسألة): وقف مصحفاً على معين فانقطع، انتقل إلى الأقرب إلى الواقف وإن كان أميًّا، إذ هو متمكن من الانتفاع به بتأجير أو إعارة لمن يقرأ فيه، هذا إن لم يقل الواقف لمن يقرأ فيه، وكذا إن قال كما أفتى به الناشري لإمكان تعليمه، وبناه على صحة الوقف على العامي ابتداء، فإن لم نقل بالصحة صرفه الإمام لمن يقرأ فيه ما لم يتعلم الأقرب، وإلا عاد إليه على احتمال فيه، نعم إن كان فيهم قرّاء وغيرهم صرف للقرّاء، فقط
(مسألة): أوقاف المساجد والآبار والرّباطات المسبلة إذا تعذر صرف متوجهاتها إليها على ما شرطه الواقف لخراب المساجد والعمران، عندها يتولى الحاكم أمر ذلك، وفي صرفه خمسة أوجهّ أحدها قاله الروياني والماوردي والبلقيني: يصرف إلى الفقراء والمساكين. الثاني: حكاه الحناطي وقاله الماوردي أيضاً: أنه كمنقطع الآخر. الثالث: حكاه الحناطي: أيضاً يصرف إلى المصالح. الرابع: قاله الإمام وابن عجيل: يحفظ لتوقع عوده. الخامس: وهو المعتمد وجرى عليه في الأنوار والجواهر وزكريا أنه يصرف إلى مثلها المسجد إلى المسجد الخ، والقريب أولى، وعليه يحمل قول المتولي لأقرب المساجد. قلت: وافق هذا الأخير ابن حجر وأبو مخرمة اهـ.
(مسألة): كتب علم على بعضها مكتوب وقف أو واقف فلان ابن فلان على مدرسة أو طلبة علم تحت يد شخص مستمرة يده عليها، فليس لقاض ولا غيره انتزاعها من صاحب اليد بمجرد الكتاب، إذ اليد كما قاله السبكي حجة شرعية، فإن ثبت الوقف بإقرار أو بينة، فإن كان من هي بيده ممن يستحق الانتفاع بها لم تنزع إن كان محتاجاً لها، فإن أقام بينة بالملك قدمت على بينة الوقف كما قاله الشيخان، وللناظر تحليفه حيث لا بينة، فإن نكل حبس ليقر أو يحلف.
(مسألة): سقاية جرت العادة بالوضوء من مائها دون الغسل ولم تعلم نية الواقف لم يجز الوضوء ولا الغسل، ولا عبرة بالعادة إلا إذا كانت موجودة حال إنشاء السبيل.
(مسألة): الأرض الموقوفة أو الموصى بها للدفن فيها لا يجوز لأحد ولو الواقف الانتفاع بما لم يقبر فيها، ويلزم المنتفع بها أجرة المثل، يصرفها الإمام في مصالح المقبرة، أي مصالح الأحياء والأموات، كشراء الأكفان ونحوها، أما الموصي بها قبل موت الموصى فله منافعها لأنها ملكه كما علم.
(مسألة): للأشجار النابتة في المقبرة حكمها فتكون أثمارها مباحة للناس، لكن صرفها إلى مصالح المقبرة أولى، ومثلها أشجارها التي أسقطتها الرياح تصرف في مصالح المقبرة كما مر، كبيت المال والصارف الإمام إن لم يكن ناظر خاص.
(مسألة): وقف مقبرة واستثنى أنه يزرع ما لم يقبر فيه، أو أن ما نبت من حشيش وغيره لم يصح الوقف، كما لو وقف على الفقراء وشرط أن يقضي من غلة الوقف زكاته أو دينه، فالصحيح أنه لا يصح كما في الروضة.
(مسألة): وقف على موجود ومعدوم كأن قال: وقفت على زيد وأولاده ولا ولد له ولا حمل حال الوقف، صح في نصفه على زيد فقط، كما لو قال: وقفت هذا المصحف على من سيولد لي وعلى إخوتي، فيصح في نصفه للإخوة، وليس هذا كمن وقف على زيد وعلى من سيحدث له من الأولاد فليتنبه له فإنه مما يغلط فيه قاله السبكي.
(مسألة): وقف على أولاده ثم أولادهم، فقتل البطن الثاني الواقف لم يؤثر في استحقاقهم ريع الوقف بعد البطن الأوّل، وليس هذا كمن قتل مورثه، قلت: بل لو قتله البطن الأوّل استحق أيضاً، إذ يستحق الموقوف على الوقف وإن كان الواقف حياً.
(مسألة): وقف في حال صحته نصف ماله على ولد صلبه، ونصفه الآخر على ولدي ولده، وشرط أنه إذا حدث له ابن شاركهم، فحدث له ابنان، فقضية ما اقتضاه لفظه من مشاركة الحادث للموقوف عليهم في الموقوف، أن للابنين الحادثين نصف غلة النصف الذي بيد ولدي الولد، وثلثي غلة النصف الذي بيد ولد الصلب وهو أخوهما، فحينئذ تقسم المسألة من أربعة وعشرين، لولد الصلب القديم أربعة، وللابنين الحادثين أربعة عشر، ولولدي الولد ستة.
(مسألة): وقف على أولاده ثم أولادهم أبداً ما تناسلوا، على أنه إذا مات أحد من الموقوف عليهم ولا وارث له انتقل نصيبه إلى أخوته الأشقاء، ثم من الأب، ثم الذين يلونه من بعدهم، فمات واحد بلا ذرية وله أخوة وأخوات أشقاء انتقل نصيبه إليهم جميعاً، اشترك فيه الذكر والأنثى بالسوية، ذكره البلقيني.
(مسألة): وقف دابة على معين، وشرط أن يكون أولادها الحادثون موقوفين مثلها صح فيها فقط، لأن من شرط الموقوف أن يكون معيناً يقبل النقل، فلا يصح وقف الجنين، وأولى منه عدم صحة وقف الولد الحادث، ولا يشكل بصحة الوصية به، فإنم توسعوا فيها ما لا يتوسع في الوقف والتبعية إنما اغتفروها في الموقوف عليه.
(مسألة): عليه دين ولو لولده، وفي ملكه بيت فوقفه وهو غير قادر على وفاء الدين لم يصح وقفه، كما جرى عليه جمهور المتأخرين، وأفتى به القماط والفتى والعامري والطنبداوي وغيرهم، وقد ألفت في ذلك ثلاث رسائل وذيلاً وخلاصة، قلت: خالفه ابن حجر وأفتى بصحة التصدق ونحوه ممن عليه دين وله في ذلك رسالة.
(مسألة): ليس لمن وقف على أولاده الرجوع فيه، لأن الملك في الموقوف ينتقل إلى الله، بمعنى أنه ينفك عن اختصاص الآدمي، إذ المالك حقيقة في كل الأشياء هو الله تعالى.
(مسألة): وقف مخزناً لمن يقرأ على قبره، فإن قال: وقفته بعد موتي على من يقرأ على قبري فهو تعليق للوقف بالموت والراجح فيه الصحة، وله قبل الموت حكم الوصية وإلا فلا، لأنه منقطع الأوّل، وإن وقف مخزناً ليتصدق بما يحصل من أجرته كل ليلة جمعة وجعل النظر لبعض الورثة صح، فلو أراد الناظر عدم المخزنين المذكورين واتخاذ مكانهما داراً لم يجز، إذ لا يجوز تغيير الوقف عن هيئته، إلا إذا جعل الواقف إلى الناظر ما يرى فيه مصلحة الوقف، بل إن فعل ذلك الناظر انعزل وضمن، ويردّ على حالته، وعليه أجرته من وقت تعديه إلى رفع يده، وإذا انعزل الناظر انتقل إلى من بعده، ولو كان له حق البناء على الوقف وأعيد على هيئته لم يبطل حقه.
(مسألة): يصح الوقف على من يقرأ على قبر الشيخ الفلاني، وتتعين القراءة على القبر مراعاة لشرط الواقف، ويتعين أيضاً القدر الذي قدره الواقف، فلو استناب الأصل الذي هو صاحب الوظيفة في القراءة غيره، فإن كان في شرط الواقف ما يقتضي جوازها، أو كان ثم عذر يبيح الاستنابة، فالمعلوم كله للأصل إذا حصل القيام بها على مقصود الواقف، والأمر بين الأصل والنائب على ما اتفقا عليه، وإلا لم يستحق الأصل الذي لم يقم بالوظيفة شيئاً من المعلوم، ويستحقه النائب إن كان الاستحقاق معلقاً على سد الوظيفة، فإن كان معلقاً على تولية أصلية وقيام الوظيفة فلا استحقاق لهما معاً.
(مسألة): مهاداة الناظر وعامل الخراج والصدقات يجوز أخذها إن كان المهدى من غير عمله، فإن كان من أهل عمله وكان قبل استيفاء الحق أو بعد استيفائه بسبب جميل واجب على العامل، وكذا إن لم يكن واجباً على الأوجه فهي رشوة يحرم قبولها وإن لم يكن للهدية سبب، فإن كافأه ملكها، وإن لم يكافئه لم يجب ردها، وهل تقر في يده أو تضم إلى بيت المال الذي استعمل فيه؟ فإن رأى أن يعطيه إياها جاز إذا كان مثله يجوز أن يهدى بمثلها، وإن رأى أن يستأجره عليها فعل، أو يفرق بين أن يكون مرزوقاً قدر كفايته فتؤخذ في بيت المال، أو لا فتقرّ أوجه، ويصدق الناظر في الإنفاق المحتمل والصرف لجهة عامة كالفقراء، فإن اتهم حلف فيهما، ولا يصدق في الصرف لمعين بل يصدق للمستحق، ووظيفة الناظر العمارة والإجارة وجمع الغلة وخلطها وتفريقها على أهلها، والتولية والعزل في التدريس وتنزيل الدرسة، نعم ليس له عزل أحد بلا وجه شرعي، بل لا ينفذ ويفسق بذلك، ويستحق المدرس ما شرط له، إذ الوقف على من يشتغل بالعلم أو يصلي الصلوات الخمس من باب الأرصاد والارتزاق لا المعاوضات، كما قاله ابن عبد السلام، وله أن يستنيب بعذر شرعي كما صرحوا به لا بغير عذر، خلافاً للسبكي القائل بجوازه مطلقاً إذا استناب مثله أو فوقه.
(مسألة): صرح الأصحاب بجواز الاستنابة في نحو التدريس عند الحاجة، ومن ذلك ما إذا سافر لحاجة على عزم العود، وحينئذ فالغائب باق على سببه لا يحل لأحد معارضته، وليس للناظر عزله عن سببه، وهذا كما لو جنّ إمام المسجد فولي آخر لم يجز عزله وإعادة الأول بعد، بل لا ينفذ وعلى الحاكم بإنكاره.
(مسألة): رجل كان بيده درسة القرآن العظيم على تربة، أو كان متوظفاً على مدرسة العلم، فغاب أو مات وخلف ورثة غير متأهلين لم يجز نصبهم ولا إقامتهم فيها، ولا يصح استنابة القاضي شخصاً آخر عنهم، وإذا أقام القاضي في الوظيفة شخصاً متأهلاً لها فهو أحق بها وبمعلومها ولا تجوز معارضته فيها.
(مسألة): وقف مسجداً ووقف عليه أرضاً يصرف من غلتها إلى المتوظفين في مصالح المسجد، وجعل النظر في ذلك إلى شخصين، وجعل لهما شيئاً معلوماً من الوقف، ثم عزل أحدهما، لم ينفذ عزله إن شرط النظر لهما في صلب الوقف، وكان المعزول بصفة العدالة والكفاية، كما ليس له أن يرجع فيما شرطه في صلب الوقف، وإذا لم ينفذ عزله فهو باق على نظره ومعلومه.
(مسألة): الموقوف على المسجد أو على مصالحه يصرف منه للمؤذن والإمام والدهن ونحوهم على المعتمد في الفتوى، بخلاف الموقوف على عمارته لا يصرف منه شيء لذلك.
(مسألة): شخص له إمامة أو تدريس في مسجد، وله في مقابلة ذلك معلوم من غلة وقفه يأخذه كل سنة، فمات في بعض السنين قبل أوان أخذه، فلا خفاء أن الغلة المذكورة منفعة ما مضى من الزمان وما يستقبل، وأن الميت يستحق حصته منها، فإن مات بعد زراعة الأرض وقبل أن يسنبل الزرع وكان البذر للعامل وجوزناه أو للمستأجر كما هو المعتمد فيتجه كما قاله الغزي أن يقال: يوزع الزرع الحاصل على ما مضى وما يستقبل من المدة، وإن مات وقد سنبل فالقياس أنه بعد الاشتداد كبعد تأبير النخل، من أنه إذا مات الموقوف عليه بعد خروج ثمرة النخل وتأبيرها تكون الثمرة له، فعليه تكون الغلة حينئذ لورثة الميت وهو ظاهر.
(مسألة): وقف أرضاً على ذريته ومساجد معلومة، على أن ما حصل من غلتها يقسم ثلاثة أسهم: اثنان للمساجد يصرفان في مصالحها وعلى المرتبين فيها، ومن ذلك أجرة الناظر عليها وعلى الأرض المذكورة، والسهم الثالث لذريته المنتسبين إليه ما تناسلوا بطناً بعد بطن، ثم من بعدهم لذوي الأرحام، وشرط النظر على المساجد والأرض المذكورة للأصلح الأرشد ممن انتقل إليه الوقف المذكور من الموقوف عليهم ما تناسلوا، فوجد اثنان أخوان هما أقرب رحمه إليه بعد انقراض ذريته المنتسبين إليه، متصفان بصفة ما شرطه الواقف في الناظر اشتركا في النظر على المساجد والأرض المذكورة، كما نقله النووي عن ابن الصلاح، وليس لأحد الناظرين إحداث مدرسة ودرسة مما ليس في شرط الواقف، بل لا ينفذ ذلك، وإذا مات أحدهما وخلف بنين لم يشاركوا عمهم كنّ في درجتهم من بني عمهم في النظر المذكور، بل يختص به عملاً بقول الواقف بطناً بعد بطن المقتضي ذلك الترتيب، كما ذهب إليه الجمهور كالسبكي والمزجد وابن شهبة وفي فتاوى أخرى للمصنف.
(مسألة): وقف على أولاده وأولادهم ما بقوا وتناسلوا بطناً بعد بطن، فقول الواقف بطناً بعد بطن فيه وجهان: أحدهما التشريك وهو الذي صححه الشيخان، وهو الذي اعتمده تبعاً لهما، وإن كنت قد أفتيت بالثاني سابقاً قبل أن أمعن النظر ورجعت عنه، نعم لو حكم حاكم بالوجه الثاني القائل بالترتيب تقليداً لمن قال به لم ينقض حكمه. قلت: وافق الشيخين ابن حجر، فقال: المعتمد في بطن بعد بطن أنه ليس للترتيب اهـ.
(مسألة): وقف أرضاً على مدرسة وجعل فيها متوظفين، ولكل واحد منهم شيئاً معلوماً في مقابلة قيامه بوظيفته، ثم جهل شرط الواقف، وتنازع أرباب الوظائف في شرطه، وبدأ أحدهم على قطعة من أرض الوقف يستغلها وله ولآبائه مدة على ذلك، خلفاً عن سلف، وقرر ذلك علماء البلد وحكامها، وادعى اختصاصه بما في يده واستحقاقه ذلك في مقابلة وظيفته، فالمنصوص أنه إذا جعل شرط الواقف في مقادير الاستحقاق لأرباب الوظائف، ولم تكن بينة يرجع إلى الواقف ثم وارثه ثم الناظر من جهة الواقف لا الحاكم، وإلا فالقول قول صاحب اليد بيمينه، حيث لم يعلم أن ترتب ذلك ناشىء عن المهايأة التي أحدثها الفقهاء، والواجب إبقاؤه على وظيفته وتقريره على الأرض المذكورة، لا سيما إذا قرره النظار المتقدمون المعتمدون، والأئمة المعتبرون من القضاة المفتين، ولا يظن بهم أنهم أجمعوا على ذلك من غير اجتهاد ووجود نص من الواقف والمتوجه على الناظر تقليد من ذكر على ما ذكر، ولا يجوز له عزل صاحب الوظيفة، ولا رفع يده عن الأرض المذكورة وقبض غلتها بغير وجه شرعي.
(مسألة): يجوز للحنفي أخذ معلوم مدرسة مدرسها شافعي إذا كان يحضر ويتفهم مذهب الشافعي، لأن الاستحقاق متوقف على التفقه في المذهب المذكور لا على انتحاله، ذكره ابن عبد السلام. ومثله مدرس يدرس في مذهب أبي حنيفة له معلوم في مقابلة ذلك فله أخذه وإن كان ينتحل غير ذلك المذهب.
(مسألة): وقف أرضاً وجعل النظر له ثم إلى الأصلح الأرشد من ذريته، فأثبتت امرأة أنها تصلح للنظر على شرط الواقف استحقته، فلا عبرة بحدوث الأرشدية والأصلحية بعد ذلك لو أثبتها آخر فلا يشارك في النظر، وأولى بعدم المشاركة لو ثبت أنه أي المثبت للأرشدية يسيء التدبير غير صالح للنظر.
(مسألة): وقف داراً على أولاده للسكنى، ثم مات هو وأولاده، وبقي أولاد الأولاد وأولادهم وجهل شرط الواقف، استحقها أولاد الموقوف عليهم، ويختص بها فقراؤهم وجوباً، ولا يستحق معهم البطن الأسفل بشيء، وإن انهدم شيء من الوقف لم تجب عمارته على مستحقي السكنى، بل إن كان له حاصل يعمر به فذاك، وإلا أجره الناظر مدة لا تندفع حاجة العمارة بأقل منها بأجرة المثل حال صدور الإجارة ويعمر بها، كما حقق ذلك أبو زرعة، وليس للمستأجر أن يجعل أحد المساكن حانوتاً إذا كان في ذلك تغيير للوقف عن هيئته.
(مسألة): وقف على أولاده وفيهم أرقاء، فإن قصدهم بالوقف لم يدخلوا لأنهم لا يملكون، وإن أطلق صح الوقف وصرف ما يخصهم لسيدهم، لأن الوقف وقع له ولا ينتقل إليهم إذا عتقوا.
(مسألة): ادعى الناظر صرف شيء من الغلة إلى العمارة، وشراء الآلات وأجرة الصناع، صدّق بيمينه إن كان ما ادعاه محتملاً ولا يقبل دعواه الصرف إلى الموقوف عليهم المعينين، بل القول قوله بيمينه لأنه لم يأتمنه، وفي معناهم فقهاء المدرسة، وإمام المسجد، وأرباب الوظائف المعينين، وليس للناظر الثاني مطالبة الناظر قبله بالحساب، والكلام في الناظر الأهل أما غيره فتعتبر محاسبته.
(مسألة): الشهادة بالشغور لا بد فيها من التفصيل، وإلا فهي غير مسموعة، لأن للشغور شروطاً لا يعرفها إلا الخواص، إذ من شرطه غيبة صاحب الوظيفة عن البلد غيبة مسقطة لحقه، بأن يكون سفره لغير حاجة، ولا بد من إقامة البينة على ذلك، فعلى الحاكم استفسار الشاهد بالشغور وتبيين سببه كسائر ما شرط في الشهادة، ثم بعد ثبوته لا بد من تولية من الناظر لمدعي الوظيفة المقيم لبينة الشغور.
(مسألة): وقف على شخص ثم على أولاده ثم على إخوته وأخواته ما تناسلوا، فمات الشخص المذكور ولم يكن له أولاد، فالذي يظهر اعتماده ما أفتى به عمر الفتى، وصححه الرداد والقمار والناشري أنه ينتقل حينئذ لأقرب الناس إلى الواقف لأنه منقطع الوسط، ومال الطنبداوي إلى أنه ينتقل إلى الإخوة فصار في منقطع الوسط، بين أن يكون له أمد ينتظر كوقفت على زيد ثم على فلان الحربي، ثم الفقراء فينتظر موته، ويصرف مدة الانتظار لأقرب الناس إلى الواقف ثم يصرف إلى الفقراء، وإلا كهذه المسألة فيصرف للإخوة المذكورين بعد موت الشخص المذكور وكلاء اليها يومىء إلى ما قاله، وليس من منقطع الوسط ما لو قال: على زيد ثم عمرو ثم بكر ثم الفقراء، فمات عمرو قبل زيد، فإنه ينتقل بعد زيد إلى بكر على المعتمد الذي جرى عليه في العباب وزكريا، لا الفقراء خلافاً للماوردي والروياني، إذ لو كان منه لما صح كون الخلاف في الصرف إلى بكر أو إلى الفقر، ولكان الصرف إلى بكر أو إلى أقرب الناس، ومنه يؤخذ أنه لو وقف على جماعة موجودين ورتبهم ثم مات أحدهم قبل استحقاقه أنه يرد الوقف إلى من بعده، ولا يكون من قبيل منقطع الوسط.
(مسألة): وقف على أولاده بطناً بعد بطن على الترتيب، والنظر في ذلك للأكبر من كل بطن، فأجر الناظر الأكبر حال الإجازة ذلك مدة معلومة بأجرة المثل ثم مات لم تنفسخ بموته على إشكال في ذلك، وإنما تنفسخ فيما إذا جعل الواقف لكل بطن أن ينظر في حصته، فإذا لم يصرح بالحصة يكون النظر عاماً فلا تنفسخ بالموت، وإن كان هو البطن الأول مثلاً.
(مسألة): يجب على ناظر الوقف خاصاً أو عاماً فعل الأصلح، وما هو أقرب إلى أغراض الواقفين، وإن لم يصرحوا به إذا لم يخالف شرطهم، فإذا أراد نصب مدرس مثلاً في مدرسة وهناك متأهلون وهو عالم بهم وبتفاضلهم فعليه نصب أفضلهم وأعلمهم إن أهل لذلك، ولا يجب عليه البحث عن الأفضل لما فيه من الحرج، ولو قلنا بوجوبه لأدى إلى انعزال كثير من المتأهلين بوجود من هو أفضل منهم، ولا يساعد على ذلك نقل ولا فعل، ولا يقصده الواقفون، بل لا يجوز عزل المتأهل بوجود من هو أفضل منه بلا مسوّغ لعزله، ويتجه وجوب البحث عن الأفضل في تولية القضاء، والفرق أن باب التدريس أوسع، وحيث قلنا بصحة التولية في المدرس جاز القبول والطلب، ولا يخفى أن هذا فيمن تحققت أهليته، قال السمهودي: فاللبيب من صان نفسه عن تعرضه لما يعدّ به ناقصاً، وبتعاطيه ظالماً، وبإصراره على تناول ما لا يستحقه فاسقاً، ولو شرط الواقف كون المدرس عامياً أو جاهلاً لم يصح شرطه، وإن شرط جعل ناقص مخصوص مدرساً سقط الفسق والإثم ويبقى التنقص والاستهزاء بحاله.
(مسألة): أقام الناظر مدرساً في مسجد، وعين له كل شهر شيئاً معلوماً في مقابلة التدريس، فضاقت الغلة ولم يحصل في جميع السنة إلا بقدر أربعة أشهر مثلاً، لزم المدرس المذكور أن يدرس بقدر ما قبض من أشهر السنة، كما إذا استولت النظار على الغلات ولم يعطوهم جميع معاليمهم، كان عذراً في المباشرة في أيام المنع، ولا ينعزلون عن وظائفهم بذلك.
(مسألة): إذا اندرس شرط الواقف في مقادير الاستحقاق وترتيب أهله، ولم يكن للواقف وارث يؤخذ بقوله، ولا ناظر من جهته، ولا يد مترتبة لأحد من أهل الوقف، وهناك دفاتر معتمدة متقدمة من النظار المعتمدين اتسع ما فيها، كما صرح به الزركشي قال: لأن الظاهر استناد تصرفهم إلى أصل، وفي فتاوى النووي: ولا سيما الدفاتر التي علم وضعها بحضرة العلماء، ولا يجوز العدول عنها ولا الزيادة على ما فيها، ويعزل المحدثون بعدها، إذ لا مسوّغ لإحداثهم والحال ما ذكر.
(مسألة): شخص يستحق منفعة أرض موقوفة، ويده عليها مترتبة في مقابلة وظيفة معلومة، وليس لناظر الأرض المذكور مزاحمة المستحق، وإذا أخذ شيئاً منها أو لزم حارثها تسليم شيء منها إلى غير المستحق وجب رده، ولا تبرأ ذمة الحارث بالتسليم إلى غير المستحق، فله مطالبته بما دفعه لغيره، ولورثة المستحق المطالبة بما لمورثهم، فإن مات الحارث رجع على تركته.
(مسألة): الأراضي الموقوفة التي وقفها بنو غسان في الجبال، والتهايم الذي استقرّ بناؤه ووقفنا عليه في بصائر، جعلت لها أن كلاًّ من الواقفين اشترى لنفسه عقاراً ووقفه على مدرسة أنشأها، أو مسجد أو مصرف من مصارف الخير، وعين في كل مدرسة مدرسين ودرسة وأئمة ومؤذنين وغيرهم من الوظائف، وجعل لكل متوظف قدراً معلوماً من الغلة يجري عليه، وجعل كل من الواقفين على وقفه ناظراً يؤجر بأجرة المثل إذا صلح الزرع وسلم من الآفات وسموه قشاً، ولما كان الغالب عدم خلوّ الزرع من الآفات أركبوا مباشراً يحط عن زراع الأرض قدراً يرغبون بسببه في حراثتها لما في ذلك من المصلحة، ولو قدّرنا أن أحداً منهم وقف أرضاً من بيت المال على شيء من المدارس ليصرف للعلماء القائمين بوظائف عينها، ولو قلنا بجواز ذلك وهو الراجح كما هو مقرر في كتب الفقه، ويؤجرها الناظر ويصرف غلتها لمصارف عينها اتبع ذلك وعمل به، وليست الأوقاف المذكورة كسواد العراق تصرف مصرف مصالح المسلمين، بل مصرفها في وظائف عينها الواقفون، فلا يجوز مخالفة ماشرط، فإن ذلك يجر إلى فساد كثير، وقد ألفت رسالة في الأوقاف الغسانية.
(مسألة): لا يصح وقف المسجد الذي أرضه وقف على مصرف آخر، لأنه مستحق للإزالة وموضوع بغير حق، وحينئذ فالوقف عليه باطل،
(مسألة): وقف شيئاً وجعل النظر له، ثم إلى الأصلح الأرشد من ذريته، ثم إلى فلان، ثم إلى ذريته، فقوله: ثم إلى فلان الخ لا تشترط الأرشدية فيهم، لأن العطف بثم ففي الروضة الصفة والاستثناء عقب الجمل المعطوف بعضها على بعض يرجعان للجميع، كذا أطلقه الأصحاب، ورأى الإمام تقييده بقيدين: أحدهما أن يكون بالواو، فإن كان بثم اختصت الصفة والاستثناء بالأخير، ووافقه القفال والبقيني، وجرى بعضهم على التسوية بين الواو وثم، وأطالوا الكلام على ذلك بما لا يخلو عن تأمل وتنقيب، قلت: وافقه ابن حجر في الفرق بين الواو وبين الفاء وثم، وعمم محمد الرملي والخطيب وأبو مخرمة فجعلوا الثلاثة بمنزلة واحدة، هذا إذا عطف بعضها بحرف العطف، فإن لم يعطف بحرف فمشتركة اتفاقاً.
(مسألة): أقرّ شخص أنه وقف داره على أولاده الذكور دون الإناث، وشرط في الوقف أن للإناث السكنى ما لم يتزوجن، ورفعت إلى الحاكم فحكم بصحة الوقف، فالوقف المذكور وحكم الحاكم صحيحان، لكن قد عمت البلوى في الحال بالوقف عل الذكور دون الإناث، وقصد الحرمان به في ذلك ظاهر وهو معصية وذلك مبطل للوقف، كما أفتى به الردّاد وأفتيت به مراراً كثيرة، وهذا لا يخالف كلام الشيخين في أنه لا يشترط في الوقف وجود القربة، بل بناء على المذهب وهو وجود المعصية، فإذا تحققت المعصية وهو قصد الحرمان فالوقف باطل عند الشيخين وغيرهما وينقض الحكم بصحته.
(مسألة): دمنة موقوفة للسكنى وجد في باطنها آجرّ، فإن كان محفوظاً في باطن الدمنة غير داخل في بنيان الوقف فهو ملك لورثة الواقف بحسب أرثهم، وليس لأحد منعهم من إخراجه والتصرف فيه.
(مسألة): وقف دمنة على ذريته للسكنى، فإن اتسع الموقوف للكل مع المرافق فذاك، وإلا لم تجز القسمة بل يتهايئوا للسكنى، إذ هو كما قال إمامنا الشافعي كالغلة فإذا ضاق كان الموقوف عليهم فيه سواء، فيكون شهراً بشهر، وأسبوعاً بأسبوع ونحوه، إذ لا يجوز اجتماع غير المحارم مع اختلاف وضيق المساكن، وكذا مع اتحاده إذا ضاق عنهم، حيث لم يتراضوا بالمساكنة مع الضيق وإلا جاز هنا، ولا تجوز إجارته على الغير وكذا الإعارة، وحينئذ فيدعوهم الحاكم إلى المهايأة فإن امتنعوا أعرض عنهم.
(مسألة): وقف بيتاً على بنته فلانة وعلى من سيولد له وأولادهم ما تناسلوا، ثم على قارىء يقرأ كل يوم ما تيسر من القرآن بمسجد كذا، وشرط بعد صدور الوقف السكنى لأم ابنته مع بنتها المذكورة، فالأقرب صحة الشرط المذكور واستحقاق الأم للسكنى لأنه الأقرب لغرض الواقف، ويفرق بينه وبين ما إذا شرط الواقف النفقة والكسوة لمن ذكر من غير تقدير لهما، بأن النفقة والكسوة المجهولين يكثر الغرر فيهما فيبطل بخلاف السكنى، وإذا كان الوقف للسكنى لم يجز تأجيره إلا للعمارة، وإن كان لينتفع به الموقوف عليه مطلقاً أو كيف شاء، فلكل من الموقوف عليهم تأجير حصته وإن كان للاستغلال بأن نص الواقف على أنه يؤجر وتقسم الأجرة على الموقوف عليهم، فهذا التأجير لا يجوز إلا من الناظر على وفق الحظ والمصلحة، وإذا نذر مستأجر الوقف للموقوف عليهم أنهم إذا جاؤوه في أثناء المدة نادمين أنه يقبلهم في باقيها فعليه إجابتهم إلى ذلك وفاء بما التزمه.
(مسألة): وقف أرضاً وبيتاً على بناته الثلاثة، فالمذهب امتناع قسمة الوقف المذكور لما فيه من تغيير شرط الواقف ولاتحاد الواقف والجهة الموقوف عليها، نعم لهن المهايأة بالتراضي وليست بلازمة فلكل الرجوع متى شاء.
(مسألة): غرس نخلاً في أرض موقوفة بلا إذن من أهل الوقف، لزمه أجرة مثل الأرض مدة بقاء النخل من نقد البلد على المعتمد في الفتوى لا غير.
(مسألة): وقف على أولاده ثم أولادهم ما تناسلوا، وجعل النظر في ذلك للأرشد من الرجال فقط، فانقرض بعض البطون المستحقين ولم يبق إلا امرأتان، انتقل النظر للأرشد من البطن الذي بعده عملاً بشرطه.
(مسألة): من وظائف الناظر عمارة الوقف، فإذا احتاج لعمارة خراب حدث فيه عمره من ريعه، إن كان، وإلا احتاج إلى إذن ولي الأمر أو القاضي في الاستقراض أو العمارة من ماله ليرجع في ريع الوقف، هذا ما جرى عليه الشيخان، فإذا عمر بإذن كان عناؤه محترماً ويصير شريكاً بما زادت به القيمة بسبب عمارته، وإذا أراد أن يزرع الأرض احتاج إلى استئجارها ممن ذكر أيضاً، وأفتى ابن الصلاح والبلقيني بجواز اقتراض الناظر للعمارة بلا إذن من ذكر، والتحقيق أن يقال: إن كان الناظر مولى على أوقاف المساجد من قبل وليّ الأمر وهو كامل الأهلية في النظر والاجتهاد والاحتياط فيما الأصلح للوقف جاز له الاقتراض من غير إذن، وهو محمل فتيا ابن الصلاح، وإن كان على وقف خاص منحط الرتبة عن كمال أهلية النظر والاجتهاد احتاج إلى الإذن، ويجري هذا التفصيل فيما إذا عمره من ماله ليرجع عليه، لا يقال هذا تول للطرفين من الناظر، فإن هذا تقديري لا حقيقي، فيتسامح فيه كما تسامحوا في أن للناظر أن يقبض معلوم نفسه من نفسه، كما أفتى به البلقيني لما في الرفع إلى الحاكم من المشقة. قلت: وافق البلقيني أبو مخرمة، وخالفه ابن حجر فقال: لا بدّ من أقباض من القاضي أو وكيله اهـ. وحيث ثبت له عناء محترم في الأرض وكان ثقة غير مماطل فهو أحقّ بها من غيره، فله استغلالها بالاستئجار ممن له ذلك كغيره من الحراث، وإن تعدى شخص على الأرض المذكورة وزرعها وجب عليه أجرة مثلها مدة بسطه، ويكون للناظر أجرة مثل حصة عنائه والباقي لأرباب الوظائف يصرفه الناظر حسبما شرطه الواقف.
(مسألة): المتحصل من كلام الأصحاب أنه يشترط في الناظر من قبل الواقف أو القاضي أن يكون عدلاً عدالة باطنة على المعتمد، أميناً كافياً أي مهتدياً إلى جميع التصرفات التي هي من وظائف الناظر، وهي العمارة والتأجير من مليء غير متغلب بأجرة المثل فأكثر، وقبض الأجرة وصرفها على ما شرطه الواقف وحفظ الغلات والأصول، إذا عرفت ذلك، فإذا وقف شخص أوقافاً على مصارف مباحة، ووقف مالاً لإصلاحها، وجعل النظر بعده إلى صلحاء ذريته جميعاً، وإن كثروا وكان بعضهم كثير السفر إلى مسافة القصر والاشتغال بأمر السلطان علمت أن السفر قادح في النظر على جميع الأوقاف المذكورة، سيما وقد شرط الواقف صلاحية الناظر للنظر وهي مفقودة هنا، وينعزل شرعاً بالسفر المذكور، ولا يستحق شيئاً مما يستحقه الناظر الصالح، ولا يجوز له منازعة المتأهل للنظر المتوطن بالبلد من بقية الذرّية في شيء مما هو على الناظر كالحفظ والتأجير والعمارة.
(مسألة): وقف أرضاً وجعل النظر لأولاده وأولادهم، فإذا ثبت شرعاً أهلية أحد من ذريّة الواقف ولو جماعة كان له النظر، وحيث كان لجماعة فليس لأحد منهم التصرف في شيء من الوقف، ولا يستبد بحرث وتأجير إلا بإذن الباقين ورضاهم وإلا كان قادحاً في نظره، وعلى وفق الحظ فإن أجر بدون أجرة المثل بلا مسوّغ شرعاً فسدت ولزم الباسط مثل أجرة الأرض يدفعها للناظر، ولو أجرها أكثر من المدة التي شرطها الواقف بطلت في الزائد عملاً بتفريق الصفقة كما قاله زكريا، ومن غاب من المستحقين للنظر لحاجة وأقام متأهلاً مقامه جاز وله عزله وتولية متأهل غيره، ولا يصدق الناظر في صرف الغلة إلى المعين بل القول قوله وقول وارثه، وعليه إقامة البينة بالإيفاء أو بالإقرار بالاستيفاء.
(مسألة): وقف على أولاده الحائزين أبداً ما تناسلوا، فإذا انقرضوا فعلى المسجد الفلاني، والحال أن الوقف صدر عن ظهور الطاعون وانتشاره صح فيما يسع الثلث، ويحتاج إلى إجازة الورثة المذكورين، فإن لم يجيزوا لم ينفذ.
(مسألة): أقرّ بعض الورثة بوقفية التركة أو بعضها قبل قوله في نصيبه والقول قول البقية بأيمانهم.
(مسألة): إذا لم يقم إمام المسجد بالوظيفة القيام المتوجه عليه شرعاً، بأن شغرت بالكلية وقامت بينة بذلك وفصلت الشغور انعزل بذلك، نعم قد يكون العذر في بعض الوظائف مسقطاً للزوم المقصود، فلا يحتاج إلى الاستنابة كالطلب في درسي مثلاً حصل له مرض يمنعه من الحضور، قاله البلقيني.
(مسألة): منع ذو وظيفة كإمام وصاحب قراءة من مباشرة وظيفته، فالذي يميل إليه استحقاقه العلوم مدة المنع، لأنه من باب الأرصاد والأرزاق لا المعاوضة، وليس لناظر على الأوقاف حادث عزل متول قديم خاص على نحو مدرسة من غير مسوّغ بل لا ينفذ.
(مسألة): يجوز للناظر على المدارس أن يؤجر الأراضي الموقوفة عليها من أرباب الوظائف كالمدرس مطلقاً، ولا حرج عليه في ذلك، سواء كانت معاليمهم بالجزئية أم لا على المعتمد، بخلاف الوقف على معين، لا يجوز لهم استئجاره مطلقاً، والفرق أن الوقف على نحو المدرسة وقف على الجهة، ولا حق للمتوظفين في عين الموقوف وإنما حقهم فيما يحصل، بخلاف المعينين فإنهم ملاك للرقبة على قول وللمنفعة على آخر، ولا يصح أن يستأجر الإنسان منفعة بملكها.
(مسألة): امرأة لها بنتان وابن ابن، وقفت أرضاً، على ابن ابنها النصف وعلى البنتين النصف الثاني ولم تزد على ذلك، كانا وقفين لكل واحد حكمه كما أشار إليه السبكي، فإذا ماتت البنتان وخلفتا أولاداً انتقل الوقف الذي لهما وهو النصف إلى أقرب الناس إلى الواقفة، وهم أولاد البنات وابن الابن المذكور أي للفقراء منهم يقسم بينهم بالسوية.
(مسألة): نزل لآخر عن وظيفته في مدرسة بغير عوض، وهو محتاج لنفقة عياله مع عدم صبره على الإضافة، لم يصح النزول قياساً على التصدق بجميع ماله، ويجب على الحاكم إبقاؤه على وظيفته اهـ. وفي فتيا أخرى له: أنه إذا نزل عن وظيفته لآخر كان له الرجوع مطلقاً ولا يصح النزول.
(مسألة): له وظيفة القراءة بمسجد نزل في مرض موته عنها لشخص غير أهل لها لكونه ممن يتعاطى السحر والتنجيم يقصده النسائي لذلك، وربما حصلت خلوة لم تجز توليته وإن قرره نائب القاضي، لأنه يشترط في المنزول له وجود الأهلية الشرعية وتقرير الناظر.
(مسألة): ترك المتوظف على مدرسة المباشرة للوظيفة بغير عذر شرعي لم يستحق معلوم المدة التي لم يباشر فيها، وإن باشر في بعض المدة استحق حصته، كما أفتى به ابن الصلاح واقتضاه كلام النووي وهو المعتمد، خلافاً لابن عبد السلام، فلو قبض شيئاً من معلوم الوظيفة مما لا يستحقه ضمنه ووجب رده، وحيث ترك المباشرة من غير عذر شرعي فوظيفته شاغرة، فإذا ثبت ذلك احتاج إلى تولية جديدة، ولا تنفذ تولية الناظر العام مع وجود الخاص كما في الخادم.
(مسألة): شخص من أهل العلم مستمر على الاشتغال به، وينفع المسلمين إفتاء وتدريساً ومسامحة في أراضي بيت المال، معلومة مدوّنة في الدفاتر السلطانية المعتمدة التي جرت عليها الباشات وأمناء السلطان، وكلما تولى باشة أجراه على ذلك، يجوز له تناول ذلك اعتماداً على ما ذكر، وقد اعتمد العلماء ومنهم النووي رضي الله عنهم على الدفاتر المعتمد، فيما هو أضيق من أموال بيت مال المسلمين وأشد احتياطاً، وهو دفاتر الوقف المعتمدة وجروا على ما فيها واكتفوا بذلك، وأولى أن يعتمد على ذلك في بيت مال المسلمين الذي يعد لمصالحم، ومن أهمها القيام بكفاية العلماء منه، فقد قال السبكي: ومن وظائف السلطان الفكرة في العلماء والفقراء المستحقين، وتنزيلهم منازلهم وكفايتهم من بيت المال الذي هو في يده أمانة عنده ليس هو إلا كواحد منهم، ولا يستكثر ما في أيدي الفقهاء، وأن ينظر في أوقافهم، ولا يكلهم إليها بل يرزقهم من بيت المال ما تتم به كفايتهم.

.الهبة:

(مسألة): أقرّ لولده بأعيان معلومة القدر والوزن، ثم بعد موت الولد المذكور ادّعى الأب أني كنت وهبت هذه الأعيان له، فدعوان الهبة مقبولة ليرجع، لكن الرجوع هنا ممتنع لانتقال الملك إلى ورثة الولد.
(مسألة): تصح هبة المنافع ويملكها المهب له بقبضها، ويحصل بقبض العين وتكون أمانة، خلافاً لقول الزركشي إنها عارية
(مسألة): ما جرت به عادة الناس في الأفراح كالعرس والختان وغيرهما من أن نحو المزين الذي يخدم صاحب الفرح يضع طاسة بين يدي صاحب الفرح، فيطرح كل واحد من الناس شيئاً لصاحب الفرح من الدراهم بقدره على طريقة المعاونة له في ذلك، ويطرح في الطاسة المذكورة أيضاً شيئاً من الدراهم يقصد به المزين، ومن حضر معه من المزينين المعاونين له في الخدمة المحتاج إليها في الفرح المذكور، وجرت العادة بقسمة ذلك بين من حضر كل بما يليق به بحسب معاونته وما بقي يأخذه المزين المذكور، فالمجتمع من الدراهم في الطاسة المذكورة يكون بين المذكورين على ما جرت به العادة والعرف في كيفية قسمته، أخذاً مما ذكر ابن الصلاح في الوقف أن العادة المقارنة للوقف بمنزلة الشرط، فليس للمزين أخذ الكل، ولا ينافيه ما ذكره الشيخان فيمن اتخذ دعوة ختان ولده، أن الهدايا المحمولة إليه لا لولده، لأن ذلك مفروض في الهدايا المطلقة عن ذكر واحد منهما وقصده، فإذا قصد أصحاب الهدايا الولد فهي له، وهنا مفروض أياً في قصد المزين ومن معه مع قيام العرف المعمول به، ولا ينافيه أيضاً أن ما يعطاه خدام الصوفية يكون له دونهم لما ذكرناه، ومن هنا أفتى جماعة من المتأخرين فيما لو نذر لولي ميت إذا كان العرف يقتضي أن ما يجتمع من ذلك يقسم على جماعة معلومين فالنذر منزل عليه.
(مسألة): كتب إلى آخر ورقة ولم يشرط عليه الجواب في ظاهرها كان هدية للمكتوب إليه، فإن كانت من أموال الظلمة والولاة فالورع عدم الانتفاع بها، وأما من حيث الجواز فإن علم أنها من الحرام لم يجز استعمالها، وإن لم يعلم فحكمها حكم معاملة من أكثر ماله حرام، والمنقول كراهتها، ومجرّد الكراهة لا يقتضي الإثم في الآخرة، مع عدم العلم ودلالة اليد على الملك، كما نقله في المجموع عن الشافعي والأصحاب خلافاً للغزالي.
(مسألة): لا تنفسخ الهبة بموت الواهب قبل الإقباض ويقوم وارثه مقامه، ولا بد في دعوى الهبة والرهن والشهادة بها من التعرض للإقباض بشرطه فلا يكفي الإطلاق.
(مسألة): ألبس بناته في صحته حلياً، وملك كل واحدة ما ألبسها ملكته، ولا يصير تركة إذا مات الأب، ولو دفع إلى أهل المرأة مالاً ليزوّجوا ابنه موليتهم ومات الدافع قبل العقد كان المدفوع تركة، لأن الدفع في عرف بلدنا كسوة معجلة لا تستقرّ إلا بالعقد والتمكين، فإذا مات الدافع قبل الوجوب عاد إلى ملك وارثه.