فصل: الربا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: غاية تلخيص المراد من فتاوى ابن زياد



.الربا:

(مسألة): يجوز بيع سمن الغنم بلبن البقر وعكسه لاختلاف جنسهما باختلاف أصلهما، وقولهم: لا يباع السمن باللبن مرادهم حيث كانا من جنس واحد.
(مسألة): عامل من جهة السلطان يضرب النقدين، وعليه قطيعة للمملكة ضمان بمال معلوم في كل سنة، وسعر النقدين مقنن في الديوان بسعر بينه وبين الصيارفة الذين يأتونه بالذهب والفضة، فإن وجدت الشروط الثلاثة في بيع النقد بجنسه وهي الحلواء، والتقابض والمماثلة صح ذلك، وإلا فلا، فلو اشترى العامل من الصارف الفضة بدراهم مغشوشة فالبيع باطل، سواء كانت الدراهم مساوية للسعر المقنن أم أقلّ أم أكثر، ويجب رد كل مال لصاحبه أو بدله إن تلف، وهكذا الحكم في الذهب بالذهب المغشوش، هذا إذا عقد المعاوضة مما ذكرناه، فإن ملك كل معوّضه بنذر أو هبة أو تمليك مجاناً صح، وإن اشترى العامل الذهب بالفضة ومغشوشة أو بالعكس فالبيع صحيح بشرط التقابض والحلول فقط.

.البيوع المنهى عنها:

(مسألة): الصحيح أنه يحرم تلقي القافلة للشراء منهم وإن كانوا قاصدين بلداً أخرى غير مكان التلقي، كما هو ظاهر الحديث ورجحه السبكي. قلت: وافقه ابن حجر قال: وإن لم يقصد التلقي اهـ.
(مسألة): تعاطي العقود الفاسدة حرام إذا قصد بها تحقيق حكم شرعي، ويأثم العالم بذلك ويعزر، لا ما صدر منه تلاعباً، أو لم يقصد به تحقيق حكم لم يثبت مقتضاه عليه، ومن أمثلة ما لم يقصد به تحقيق حكم مشروع، لكن قصد به التوصل إلى صحة العقد ما ذكروه عن الروياني فيمن يملك حصة شائعة لا يعلم قدرها وأراد بيعها، فالحيلة في ذلك أن يبيع الكل، فيصح في قدر حصته بناء على تجويز تفريق الصفقة. قلت: وافقه ابن حجر في الإمداد وخالفه في التحفة وأبو مخرمة.

.الخيار:

(مسألة): تبايع شخصان ثم مات أحدهما في المجلس قبل اختيار اللزوم، بقي خيار الحي كما يبقى خيار وارث الميت، وينقطعان معاً بمفارقة الوارث مجلس بلوغ الخبر، فللحي الخيار وإن فارق مجلسه، كما رجحه في المطلب واختاره الغزالي والإمام، ومثله لو كتب شخص إلى آخر بالبيع فله الخيار، وإن فارق مجلس كتابه حتى ينقطع خيار المكتوب إليه وذلك بمفارقته مجلس القبول.
(مسألة): اشترى بقرة ذات لبن وولدها بشرط الخيار له ثلاثاً وقبضه فمات ولدها في مدة الخيار فنقصت الأم بموت الولد، فللمشتري فسخ البيع ورد الأم وقيمة الولد وأرش نقص الأم، ولا يمتنع الرد القهري بالعيب الحادث كما في التحالف بخلاف خيار النقص.
(مسألة): البيع بشرط البراءة من عيب المبيع أو أن لا يرده بعيب جائز، ولا يبرأ البائع بهذا الشرط إلا من عيب باطن في الحيوان موجود عند العقد لم يعلمه البائع والباطن ما لا تسهل معرفته، كمرض باطن في الجوف، وعند الاختلاف يرجع لأهل الخبرة وإلا فالقول قول البائع، هذا هو الأوجه الذي قاله ابن ظهيرة، خلافاً للزركشي القائل بأنه الذي لا يطلع عليه المشتري لعدم اشتراط رؤيته، ولمن قال إنه ما في العورة.
(مسألة): اشترى بذر حور فزرع فلم ينبت بسبب منع المطر مع صلاحيته لذلك، فالبيع صحيح ولا يرجع بالثمن على بائعه.
(مسألة): اشترى بذراً صالحاً للإنبات فبذره في أرض صالحة له فلم ينبت، رجع على بائعه بالأرش وهو ما بين قيمته بذراً وغير بذر، هذا إن كانت له قيمة حينئذ، وإلا كصيب حور اشتراه على أنه ينبت فلم ينبت لعدم صلاحيته رجع بكل الثمن على المعتمد لفساد البيع نظير مسألة البيض.
(مسألة): اشترى جارية حاملاً ولم يعلم بالحمل حتى أسقطه، فحصل بسببه نقص في قيمتها ثم ماتت تحت يده رجع بأرش النقص، لأن العيب الحادث بسبب متقدم كالمتقدم.
(مسألة): اشترى بناً بقشره بعد أن نظره وقشر منه جزءاً، ثم أودعه البائع بعد قبضه ثم ادعى أن به عيباً نظرت، إن كان العيب من حيث رداءة نوعه وقد رآه المشتري فليس بعيب ولا خيار فيه، وإن كان مما يطلق عليه اسم العيب في النوع المذكور ثبت الخيار.
(مسألة): اشترى عبداً به أثر قرحة قد اندملت، ثم بعد الشراء تورم حول القرحة ثبت له الخيار، إن شهد عدلان خبيران أن هذا الورم سببه تلك القرحة وإن مثلها وإن اندملت يحصل فيه الورم في بعض الأحيان ولم يعلم المشتري بذلك وإلا فلا.
(مسألة): اشترى ثوراً ظنه يحرث منفرداً ولم يشترط ذلك في العقد بان خلافه فلا خيار، وإن كان عادة أهل المحل أن الثور إذا لم يحرث وحده لم يشتر ويعدّ ذلك عيباً.
(مسألة): وكل آخر يشتري له قطعة أرض ونخلاً عدته ثمانية وعشرون عوداً بكذا فاشتراها، ثم وجدها الموكل ناقصة العدد المسمى، فإن قال له: اشترها على أن عددها ما ذكر فاشتراها كذلك فبانت ناقصة ثبت الخيار، فإن أجاز فبالمسمى، وإن فسخ استرد جميع الثمن، وإن ذكر له العدد ولم يقل ذلك فلا خيار لتقصيره بعدم الاشتراط والبيع صحيح فيهما.
(مسألة): اشترى ثوباً بعشرة فلبسه مدة فنقصت قيمته إلى خمسة، فظهر به عيب المسمى بالبرّ أو يقال له العوار ونحوه مما يظهر في الثياب لا سيما الكتان، فلا خيار إذ يمكن الاطلاع على العيب المذكور بالفرك ونحوه كما قاله أهل الخبرة، وقول من قال: إنه لا يتوصل إلى معرفة العيب المذكور إلا باللبس لا يوافق عليه، بخلاف ثوب مطوي صححنا شراءه ولا يمكن الاطلاع على عيبه إلا بنشره المنقص لقيمته فيرده ولو بعده بلا أرش وحيث امتنع الردّ، فإن رضي به أحدهما بلا أرش فذاك، وإلا فليضم المشتري أرش الحادث وهو اللبس إلى المبيع أو البائع أرش القديم، فإن اتفقا على أحد هذين وإلا فالأصح إجابة طالب الإمساك والرجوع بأرش العيب القديم.
(مسألة): اشترى دابة فماتت عنده بعد قبضها وتسليم الثمن، ثم بعد عام أن ادّعى بها عيباً قديماً وأنه فسخ العقد، لم تسمع دعواه إلا إن ادعى عيباً قديماً وعينه، وأنه فسخ به حال اطلاعه عليه، وأقام بينة شهدت بما ذكر، فحينئذ يرجع على البائع بالثمن، وتكون الدابة مضمونة عليه ضمان يد، وقد يحصل التقاصّ بشرطه، فإن فضل لأحدهما شيء على الآخر رجع به، فإن لم يعين العيب لم تسمع الدعوى والبينة، إذ العيوب اجتهادية غير منحصرة ولها ضابط، فقد يظنّ ما ليس بعيب عيباً، ولهذا رجع عند الاختلاف إلى الخبرة.

.الإقالة:

(مسألة): تبرع الوارث باستئجار من يحج عن الميت من مال نفسه لم تصح المقابلة، لأنه ربما يفوت على الميت الحج ويؤدي إلى عود المال إلى ملك الوارث بعد تعلق حق الميت به، ويفرق بينه وبين صحة الإقالة فيما لو أجر عيناً فأجرها المستأجر لغيره، ثم تقابل المؤجر والمستأجر الأوّل بأن الأجير الثاني لا يفوت عليه شيء بالمقابلة، بل يرجع له من الأجرة قسط ما بقي من المدة، أما لو أوصى الميِّت بأن يحج عنه من مال نفسه، فاستأجر الوصي من التركة على حسب الوصية فيصح التقابل بلا شك إن كان ثم مصلحة، كأن يجد أعلم أو أعدل أو أورع من الأجير، وينفق باستئجاره هذا إن كان الأجير الأوّل عدلاً عارفاً بالأركان، وإلا لم يصح استئجاره عن الميت أصلاً، وفي فتاوى البلقيني ما يقتضي أن ناظر الوقف ليس له أن يقابل المستأجر للوقف إلا إن وجد من يستأجره واقتضت المصلحة ذلك.
(مسألة): باع داراً ثم نذر المشتري للبائع بعد العقد بأنه إذا جاء بمثل الثمن بعد انسلاخ شهر كذا نادماً وطلب منه الإقالة أقاله نظر، فإن جرى النذر المذكور قبل لزوم العقد أي بأن كان في صلب العقد أو في مجلس الخيار فالبيع والنذر فاسدان، وإن جرى بعد صح، ثم لو سار إلى بلد المشتري فمنع في بعض الطريق ولم يقدر على المشي خوفاً عليه وعلى من معه، ولم يأت بلد المشتري إلا غرّة الشهر الذي بعد الشهرالمعلق على سلخه فطلب الإقالة فامتنع المشتري للتأخير فليس له امتناع، كما لا يخفى أن النذر تعليق للإقالة بطلبها في الزمن المذكور بفعل الغير، فيخرج على ما إذا علق الطلاق على عدم فعله أو فعل غيره فمنع من الفعل، فإنه لا يقع الطلاق، فكذا إذا وجد مانع عن طلب الإقالة على الوجه المذكور لم يسقط حقه من الإقالة.
(مسألة): باع أرضاً وقبض بعض الثمن، ثم بعد مدّة طلب باقيه فقال المشتري له: فسخت لك بيع الأرض، فقال: قبلت الفسخ صحّ إن نوى الإقالة ويملكها بذلك، فلو انتفع بها المشتري بعده لزمته الأجرة مدة انتفاعه.

.المبيع قبل قبضه:

(مسألة): باع نيلاً كل رقعة بكذا، ورآه المشتري وجعل عليه قفلاً وتركه عند البائع ودفع إليه بزاً بثمن معلوم، فاحترق النيل والبز قبل أن يوزن النيل، كان النيل مضموناً على المشتري بتفضيله عليه وإن لم ينقله، كما لو اشترى دابة فركب عليها ولم ينقلها كانت مضمونة عليه، فإن أذن له البائع كان قبضاً، وأما البز المحترق بعد القبض فمن ضمان مشتريه.

.الأصول والثمار:

(مسألة): أرض لها شرب معلوم، باعها مالكها وسكت عن الشرب، لم يدخل شربها في المبيع إلا إن صرح به أو قال: بعتكها بحقوقها، ذكره الرافعي، ولو قال: بعتكها وأبحت لك شربها بكذا فالظاهر بطلان البيع، لأنه جعل الثمن في مقابلة البيع والإباحة وهي لا تقابل بالعوض إلا إن نوى بإباحته البيع وقلنا إنها كناية في البيع على الخلاف في ذلك، فإن اختلفا في الإرادة فالقول قول البائع، وفي فتيا أخرى له يصح بيع الأرض مع شربها.
(مسألة): عروق القوّة التي تبقى سنين لكن تؤخذ دفعة واحدة لا تدخل في البيع عند الإطلاق كالزرع الذي يؤخذ دفعة واحدة.

.تصرف الرقيق:

(مسألة): ادعى العبد المأذون له ديناً اقتضته المعاملة المأذون فيها وأقام بينة واقتضى الحكم يمين الاستظهار لم يحلفها الرقيق ولو فيما باشره كالوكيل والقيم، لأن وجود المباشرة لا تأثير لها في يمين الاستظهار، ولا يشكل على ذلك ما في الدعاوى من أن الولي والوكيل يحلفان يمين الرد فيما باشراه لأنها حلف على إثبات فعلهما، بخلاف يمين الاستظهار فإنها لنفي المسقط وهو لا يتأتى منهما.
(مسألة): حيث لم يثبت عتق الرقيق ولا الإذن له من سيده بشاهدين، أو بقول السيد، أو بشيوع بين الناس لا بقول العبد إنه مأذون له في ذلك لم تصح معاملته ببيع ولا نكاح وغير ذلك، فليحترز من معاملة العبيد الذين يملكونهم الملوك ويخرجون إلى سائر الجهات ويتزوّجون ولا يعلم أهم مأذون لهم أو معتقون أم لا؟ ولو أقر بالرق لشخص ثم ادعى أنه أعتقه ثبت رقه، ولم تسمع دعواه بالعتق إلا ببينة تشهد بعتقه لا بالحرية المطلقة.
(مسألة): أذن لعبده أن يتجر لآخر فاتجر بحسب الإذن، ثم حصل تخالف بين العبد ومن اتجر له والمال المتجر فيه مال السيد وإنما ذاك سفير للسيد، كان القول قول العبد في الرد على من ائتمنه، وإن كان لا يقبل قوله فيما يضر السيد لأنه وكيل مأذون له في ذلك.
(مسألة): كل حق ثبت عند الرقيق بغير اختيار ربه كإتلاف وتلف بغصب تعلق برقبته أو باختياره كالمعاملات، فإن كان بغير إذن سيده تعلق بذمّته يتبع به بعد عتقه، أو بإذنه تعلق بذمته وكسبه ومال تجارته.

.اختلاف المتبايعين:

(مسألة): دفع لآخر عيناً وأذن له في بيعها في بلد كذا بكذا وأن يعتاض بثمنها، فباعها واعتاض له بثمنها أعياناً وأرسلها إليه فتصرف فيها، ثم بعد قدوم المدفوع إليه بلد الدافع وقع بينهما اختلاف في الإذن في التعويض وعدمه فأنكره الدافع وادعاه المدفوع إليه، كان القول قول الدافع بيمينه أنه لم يأذن في التعويض ويضمن الأعيان التي لم تصرف فيها، فيردها إن كانت باقية، وإلا فمثلها في المثلية وقيمتها في المتقوّمة، ولا يكون ما ذكر إقرار منه بالإذن.
(مسألة): اشترى سلعة بمائة فلقيه رجلان فقالا: بكم ابتعت هذه؟ فقال: بمائة وعشرة، ثم استخبرا البائع فأخبرهما أنها بمائة فقط فقالا له: المشتري أخبرنا أنه اشتراها منك بمائة وعشرة فادعى البائع العشرة بناء على إخبارهما، فليس ذلك من اختلاف المتبايعين الذي حكمه أن كلاً يحلف يميناً تجمع نفياً وإثباتاً إذ ذاك مفروض فيما إذا كان ما يدعيه البائع أكثر، وغاية هذه المسألة أن المشتري مقر للبائع بعشرة والبائع ينكرها، فيأتي فيه ما ذكروه، فيما إذا كذب المقر له المقر فإنه يبطل الإقرار، فإن صدق المقر له بعد تكذيبه احتاج إلى إقرار جديد.
(مسألة): اشترى عيناً فادعى أنه لم يقبضها فالقول قوله بيمينه، فإن أقام البائع بينة بإقراره بالقبض فقال: لم يكن إقراري عن حقيقة وطلب يمين البائع بأن الإقرار بالقبض كان عن حقيقة أجيب إلى ذلك، وحينئذ فلو أقام المشتري بينة بأن البائع أقرّ بعد ذلك أن المشتري لم يقبض المبيع منه ولا من نائبه سمعت، كما لو نكل البائع عن يمين الإنكار وحلف المشتري يمين الرد، إذ هي كالإقرار في أظهر القولين، بل سماع بينته أولى بالقبول.
(مسألة): اشترى أعياناً متعددة ثم ادعى أنه لم ير بعضها الرؤية المعتبرة شرعاً وأنكر البائع صدق بيمينه لأنه مدعي الصحة، فلواشترى أعياناً متعددة ثم ادعى أنه لم ير بعضها الرؤية المعتبرة شرعاً وأنكر البائع صدق بيمينه لأنه مدعي الصحة، فلو أقام المشتري بينة على عدم رؤيته للبعض لم تسمع لكونها شهادة على نفي غير محصور. قلت: ومثله عكسه كما قال في الإرشاد وفي صحة مدعيها غالباً اهـ.

.السلم:

(مسألة): لا يجوز السلم في العجور كما أفتى به البجلي والطنبداوي لعدم انضباطه.
(مسألة): يجوز السلم في النيل اليابس دون الأخضر، فيذكر فيه الأوصاف التي يختلف بها الغرض اختلافاً ظاهراً، ولا يشترط ذكر الجودة ومطلقه يحمل عليه، ولا يجب قبول المعيب ولا الرديء.
(مسألة): يجوز السلم في السمك والجراد حياً وميتاً، ويذكر في الحي العدد وفي الميت الوزن، ولا يجوز في نحو الوزن وهو السمك الصغار كيلاً لأنه يتجافى في المكيال، هذا هو المنقول في المذهب، وصحح عليه ابن جعمان والناشري والخزرجي.
(مسألة): أفتى أحمد الناشري بصحة السلم في الزنجبيل المطبوخ، وتبعه ولده أبو الطيب الناشري والأزرق، لأن ناره لطيفة لا يقصد بها إلا حفظه عن النقص لا حقيقة الطبخ، ففي تسمية ذلك طبخاً تسمح.
(مسألة): أسلم إليه في طعام سليم من العيوب، فوقع في الطعام جائحة عامة لجميعه، ولم يوجد فيما دون مسافة القصر طعام بصفة السلم ثبت للمسلم الخيار بين الفسخ واسترداد رأس المال والصبر إلى وجود المسلم فيه بصفته، أما إذا وجد ولو بثمن غال وجب تحصيله، هذا حكم المسألة، لكن الأولى لأرباب الديون ترك المضايقة والتجاوز في التقاضي، لما روى البخاري في قصة الذي كان يداين الناس ويتجاوز عنهم ولم يعمل خيراً قط الحديث.
(مسألة): لا يصح السلم في ورق الحناء والحور إلا وزناً، وإن اعتيد كيله بمكيال معروف لأنه يتجافى في المكيال.
(مسألة): لا يجوز الاعتياض عن دين السلم، فلو باعه أرضاً بدين السلم لم يصح.

.القرض:

(مسألة): عمت البلوى أن أهل الثروة لا يقرضون أحداً إلاّ بزيادة، إما من نوع المستقرض أو غيره بصيغة النذر، أو يتأجر المقرض من المقترض أرضاً بمال يسير يستغلها مدة بقاء الدين المذكور، أو يردها على المستقرض بأجرة تقابل تلك الزيادة، فالعقود المذكورة صحيحة إذا توفرت شروطها، ولا يدخل ذلك في أبواب الربا.
(مسألة): إعطاء الربا عند الاقتراض ولو للضرورة بحيث إنه إن لم يعطه لم يقرضه لا يدفع الإثم، إذ له طريق إلى حل إعطاء الزائد بطريق النذر أو غيره من الأسباب المملكة، لا سيما إذا قلنا بالمعتمد إن النذر لا يحتاج إلى القبول لفظاً. قلت: وهذا أعني النذر المذكور في هذه والاستئجار في التي قبلها إن وقع شرطهما في صلب العقد أو مجلس الخيار أبطلا وإلا كره، إذ كل مفسد أبطل شرطه كره إضماره كما في التحفة، وهذه الكراهة من حيث الظاهر، أما من حيث الباطن فحرام، كما نصّ عليه الفحول المتقون من العلماء الجامعين بين الظاهر والباطن كالقطب الحداد وغيره، إذ كل قرض جرّ ربحاً فهو ربا، فانظره في شرح الخطبة لباسودان.
(مسألة): أقرضه خمسمائة دينار ثم نذر له بأنه إذا سلم إليه ألفي درهم صفتها كذا تمليكاً من غير عوض فللَّه عليه أن يقبل منه ويبرئه عن دين القرض، والحال أن وقت القرض والنذر والدنانير المذكورة تقوم الألفان مقامها، ثم اختلفت ضريبة الدراهم المذكورة، بحيث إن الدنانير المذكورة تقاوم ثلاثة آلاف، لم يجب على المقرض إلا قبول الألفين من الدراهم القديمة الموصوفة لا المتأخرة، ولو أحال المقرض بالدنانير شخصاً آخر قبل إتيان المقرض بالدراهم صحت الحوالة بشرطها وللمحال له الاعتياض عنها.
(مسألة): أقرضه عشرة دنانير بشرط أن يحمله في جلبته إلى مكان كذا ودفعها إليه، فحمله إلى المكان كان القرض فاسداً لا يجوز له التصرف فيه، بل هو مضمون عليه كالغصب وعليه ردّ الدنانير وله أجرة المثل لجلبته.

.الرهن:

(مسألة): وكل آخر في رهن أرض بعشرين، خالف ورهنها بعشرة، فالذي يظهر بطلان الرهن للضرر العائد على الموكل، لأنه قد يكون محتاجاً إلى العشرين، ومعلوم أنه إذا رهن بالعشرة امتنع عليه الزيادة في الدين ليكون رهناً بالجميع، وقد لا يساعده المرتهن على الزيادة وفسخ الرهن ليرهن بالجميع.
(مسألة): رهن أرضاً وأقبضها ثم وقفها بغير إذن المرتهن لم يصح الوقف.
(مسألة): رهن أرضاً ثم غاب، فجاء المرتهن إلى الحاكم وأثبت الدين والغيبة فأذن له في بيعها فباعها، ثم وقفها المشتري وحكم به حاكم، ثم ادعاها آخر غير الراهن وأقام بينة بملك سابق على الرهن بان بطلان البيع والوقف، وحكم أجرة مثل تلك الأرض يؤخذ مما في فتاوى الغزالي ولفظها، وقف ضيعة على أهل العلم فصرفت ثم خرجت مستحقة، فقرار الضمان على الواقف لتغريره، فإن عجز عنه فكل من سكن الموضع وانتفع به يغرم الأجرة، فإن أجرها الناظر وسلم الأجرة إلى العلماء فرجوع المستحق على المستأجر، ورجوع المستأجر على من سلم إليه، إذ هي لم تخرج عن ملكه لفساد الإجارة، وقرار غرم الدراهم على من تلفت في يده، اهـ ملخصاً نقله الرداد والمزجد وغيرهما وأقروه.
(مسألة): أتى إلى دائنه ببعض الدين فامتنع من قبضه إلا جملة، فإن كان المدين معسراً أجبر على قبوله، وإلا وجب أداء الكل دفعة واحدة، وإذا كان بأحد الدينين رهن فالعبرة بقصد الدائن الأداء عن جهة الرهن أو عن الدين الآخر، بل لو أطلق حال الأداء صرفه لما شاء.
(مسألة): رهن بذراً ثم بذره بإذن المرتهن كان الزرع وما تولد منه مرهوناً، وإن رهن زرعاً أخضر فسنبل لم تدخل السنابل في الرهن، أجاب به بعض علماء اليمن والفرق واضح.
(مسألة): رجلان ادعى كل منهما أن زيداً رهنه جميع أرض معينة وأقبضه إياها عن جهة الرهن، وأقام أحدهما بينة بسبق الرهن فقط، وأقر زيد أن الآخر سابق بالعقد والقبض، قضي للآخر المقر له بالرهن، ولا أثر للبينة المذكورة إذا لم تشهد بالقبض.
(مسألة): رهن عقاراً أقر بملكه له حال الرهن وأقبضه، ثم ادعى أنه وقفه قبل الرهن وأقام بينة لم تسمع كما نقل عن النص، وإذا علم صدور الوقف بعد الاستدانة والرهن بطل لامتناع وقف المرهون، وإن صدر بينهما وكان لا يقدر على وفاء الدين من غيره، فالذي نعتمده تبعاً لابن الرفعة والفتى والطنبداوي بطلانه أيضاً، بل يتعين العمل في هذه الأعصار، إذ كثير من يفعل ذلك فراراً من قضاء الدين.
(مسألة): رهن عشرة دكاكين دخل قرارها في الرهن، إذ لفظ الدكاكين شامل للأرض والبناء لا بمعنى التبعية حتى يفصل بين ما ينقل الملك وغيره، فلو مات الراهن وأراد بعض ورثته فك بعض الدكاكين بحصته من الدين لم يجب إليه، ولا ينفك إلا بأداء جميع الدين كما في مورثهم، لأن الرهن صدر ابتداء ومن واحد.
(مسألة): طفل صغير رهنه بعض قرابته عند آخر لعدم من ينفق عليه وليس هناك بيت مال، ولو ترك لأدّى إلى هلاكه، لم يستحق شيئاً بمجرد ما ذكر، ولا يثبت له الرجوع به إذ الرهن باطل، فلو أصلح بينهما ثالث فإن جرى الصلح بوجه شرعي فذاك وإلا فلا.
(مسألة): رهن عيناً وأقبضها ثم طلبها من المرتهن فجحدها فأقام بينة بالرهن والقبض عن جهة، فادعى المرتهن تلف العين المذكورة صدق بيمينه وضمن البدل لخيانته، سواء قال في جحوده لا شيء لك عندي أو لم ترهن كالوديعة.
(مسألة): له سهمان من ثلاثة في شجر حور، فاستعار الثالث ليرهنه في ثلث دين معلوم، ووكل المرتهن المعير أن يرتهن له جميع آلة الشجر بالدين المعلوم فارتهن له صح، ثم لو ظهر أن الراهن لا يستحق في الشجرة المذكورة إلا سهماً واحداً كان سهم المعير المذكور مرهوناً بثلث الدين يستحقه الراهن مرهوناً بالباقي.
(مسألة): نقل على آخر أرضاً النقلة العرفية، ثم نظر له بما يستحقه من العناء والزبر والحرث والزيادة التي يملكها، والحال أن الأرض من أراضي بيت المال، فقرر ناظره هذا المنتقل على ذلك صارت من محارث المنتقل، فلو زرع الناقل فيها حوراً لزمه قلعه مجاناً ولو رهنه، والحال أنه لو قوّم مستحق القلع لم تكن له قيمة فالرهن باطل، إذ شرط المرهون أن يكون قابلاً للبيع، وهو لا يصح بيعه لأنه غير متمول.
(مسألة): باع سهمين في أرض مشاعاً من أصل ستة أسهم، ثم فدى من المشتري سهماً ونصفاً وبقي نصف سهم، ثم باعه ثانياً ثلاثة أسهم فصار جملة المشتري ثلاثة أسهم ونصفاً، ثم ثبت أن البائع رهن جميع الأرض بعد بيع السهمين الأولين، وقبل الفداء صح الرهن في أربعة أسهم فقط، وصح الشراء الثاني في السهم والنصف الذي فداه البائع من المشتري بعد الرهن، وبطل في سهم ونصف، فيرجع المشتري بحصته على البائع، فإن لم يكن له سوى المرهون وطلب الحجر عليه فيما زاد على ما يساوي دين الراهن أجيب على الأوجه، وعلى البائع أجرة مثل ما يسقط عليه مما صححنا بيعه إن كان بسطه بعد قبض المشتري وإلا فلا، إذ إتلافه قبله كالآفة السماوية.
(مسألة): رهن ثوباً وأقبضه ثم أذن للمرتهن في لبسه لم يضمنه المرتهن بمجرد الإذن، بل يلبسه ويعتبر حينئذ عارية كما لو أودعه وأذن له في اللبس، فهو قبل اللبس وديعة وبعده عارية، ومثل ما لو رهنه شاة وأذن له في حلبها ففعل ضمنها إن ماتت، نعم لو سافر المرتهن بالثوب بلا إذن ضمنه، وإن لم يلبسه كالوديع، إلا إذا لم يجد المالك أو وكيله أو الحاكم أو الأمين على الترتيب الذي ذكروه في الوديعة، فإن أذن له في السفر واللبس فسافر به ولم يلبسه فنهب في طريقه فلا ضمان إلا إن قصر في الدفع وقد أمكنه، وهذا محمل كلام الكمراني.
(مسألة): رهن أرضاً بدار لم يقبضها لم يصح، فلو قال له الراهن: إذا أتى عليّ تسليم للدولة فسلم عني فسلم عنه لم يرجع عليه بشيء لأن الإذن مفروض قبل طلب الدولة وإن طلبوا بعد، بخلاف الإذن بعد صدور الطلب فيرجع بما سامه.
(مسألة): حكم المرتهن بعد قبض المرهون حكم الوديع في الضمان وعدمه، فإذا أراد سفراً وجب رده إلى المالك أو وكيله أو الحاكم كما أفتى به الرداد.
(مسألة): أراد فك العين المرهونة والمرتهن غائب، لزم الحاكم الإذن في بيعها وقبض دين المرتهن بعد ثبوت غيبته، كما أفتى به السبكي، وقولهم: وليس للقاضي قبض مال الغائب محله إذا لم يكن هناك رهن، أراد صاحبه فكه، بل مقتضى كلام الماوردي أن الراهن إذا عجز عن المرتهن وترافعا إلى القاضي باع العين المرهونة، وجرى عليه في العباب، وينبغي أن محله إذا عرضت ضرورة إلى بيعه كالعجز عن مؤنته وحفظته، والحاجة إلى ما زاد عن دين المرتهن من ثمنه، وأن يشهد إذا باع لنفسه للتهمة.
(مسألة): رهن عيناً ثم طلبه المرتهن بالدين فقال: إذا جاء الوقت الفلاني ولم أوفك فهذا المرهون نذر لله تعالى ثم عليك، فقبل المرتهن وانتظر الأجل فلم يأته بشيء ثم باع العين فالنذر نذر لجاج، يخير الناذر عند حلول الأجل بين الوفاء وبين كفارة يمين والبيع باطل.
(مسألة): رهن عيناً بدين ثم قضاه وطلب العين فقال المرتهن: رهنتها عند شخص وأقر الشخص بارتهانها وقال: وأنا أيضاً رهنتها عند ثالث، ولم يأذن المالك لأحد منهم في الرهن، فطلب العين ممن هي بيده فأنكر استحقاقه لها، والحال أن الذي رهن على هذا مقر بالعين للمدعي وأنه متعدّ بالرهن، وأقام المالك أيضاً بينة أن العين ملكه فطلب المدعى عليه يمين المدعي على صدق بينته لم يجب إلى ذلك لأنه مرتهن بزعمه، وهو لا يخاصم عند الشيخين، بمعنى أنه لا يثبت ملك راهنه، ورجح جمع متأخرون أنه يخاصم في العين دون البدن، وهي أي المخاصمة متعذرة هنا لأن راهنه مقر بالملك لغيره.
(مسألة): عليه دينان لشخصين وبأحدهما عين مرهونة لا يملك غيرها وهي تفي بضعف الدينين، فطلب من المرتهن أن يتثمن من العين بقدر دينه، أو يأذن في بيع ما يفي بقدر دين الآخر منها لم يجبر، وإن كان ثم من لا يرغب في شراء جميعها، نعم يجبر على الإذن في بيع جميع المرهون ليأخذ قدر حقه من الثمن ويصرف من الفاضل ما يفي بدين الآخر أو الإبراء من الدين.
(مسألة): رهن أرضاً ثم تعدى وزرعها لم تلزمه للمرتهن أجرة الأرض، وإذا أعسر عند حلول الأجل عن وفاء الدين من النقد، أو مات ومعه عرض من جملته الأرض المرهونة، تخير المرتهن بين أن يتثمن منه بدينه بثمن المثل أو يصبر إلى أن يوجد راغب يشتري بثمن المثل، وهو ما انتهت إليه رغبات الناس في ذلك المكان والزمان، وليس للراهن كوارثه المنع من الابتياع إلا بما يقوّمه المتقوّمون، إذ ثمن المثل ما انتهت إليه رغبات الناس بعد النداء والإشهاد كما حققه السبكي، ويجب على المدين السعي في ذلك.
(مسألة): أرسل شخصاً يستقرض له مالاً معلوماً ويرهن في ذلك عيناً له، ففعل الوكيل ما أمر به مع ثقة مأمون ودفع المال إلى الآمر، فطلب المدين فك عينه في غيبة المرتهن، لم يكلف الرسول إحضاره ولا يضمن الرهن.

.تعلق الدين بالتركة:

(مسألة): تقدم الزكاة على دين الآدمي المسترسل في الذمة، أما المتعلق بمال الزكاة تعلقاً سابقاً عليها كالمرهون والمحجور فيقدم قطعاً، هذا في صورة كون الزكاة ديناً مسترسلاً في الذمة لتلف النصاب بعد التمكن، أما إذا كان النصاب باقياً فالزكاة مقدمة على ما ذكر أيضاً.
(مسألة): مات شخص وعليه دين وخلف مالاً قدر الدين أو أكثر لا تبرأ ذمته حتى يؤدي عنه، فلو تحمل الولي أو غيره الدين لينتقل إلى ذمته ويبرىء الميت بصيغة الضمان لم تبرأ على المشهور، ولا دلالة في حديث عليّ رضي الله عنه على براءة ذمة الميت بالضمان، وإنما فيه دلالة على صحة الضمان، وقوله: "فككت رهان أخيك" أي بالأداء لا بالضمان، كما في شرح المهذب في حديث أبي قتادة، واختلفوا في فكاك درعه التي رهنها عند اليهودي فقيل فكها، والصحيح أنه مات وهي مرهونة. وقوله: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه» أي محبوسة في القبر غير منبسطة مع الأرواح في البرزخ، وفي الآخرة معوقة عن دخول الجنة حتى يوفى عنه محله في غير الأنبياء.
(مسألة): مات مدين وخلف تركة تفي بالدين، فاتفق الورثة أو بعضهم وأهل الدين على إبقاء الدين بحاله بذمة الميت إلى أن يحصل في الموجود زيادة في الأثمان، أو قصدوا إشهارها رجاء الظفر بزيادة، والحال أن الموجود له أثمان يرغب في شرائه بها، لم يجز ذلك نظراً إلى مصلحة الميت لما فيه من تأخير براءة ذمته، بل الميت أولى بمراعاة حقه، كما لا يخفى فيجبرهم الحاكم على ذلك.
(مسألة): أثبت شخص عند حاكم بدين على ميت من غير إحضار ورثته مع وجودهم في البلد من غير تعذر ولا توار، فليس للقاضي أن يبيع التركة بمجرد ما ذكر، بل لو فرض ثبوت الدين بشروطه المعتبرة فليس له بيعها من غير عرض على البالغين من الورثة وأولياء الأطفال منهم، فلو تصرف والحال ما ذكر لزم من أخذ شيئاً منها أجرة المثل مدة بسطه إن كانت، ثم أجره لعدم صحة التصرف.
(مسألة): مات شخص فوجد تحت يده مساطير بأسماء أناس غيره بخط غيره من الكتاب، وعليها خطوط القضاة الماضين والباقين، كانت يده على ذلك دالة على ملكه لها دلالة شرعية فتكون تركة، وكون المساطير بأسماء أشخاص لا تدل على ملكهم لها ما لم تقم حجة شرعية بملكهم فتسلم لهم، فقد يكتبها المالك لنفسه للتذكر والمراجعة، ولو أثبت شخص بأن الميت أوصى بتسليمها إليه سلمت له إذ الإيصاء برد الودائع جائز.
(مسألة): توفي وعليه دين فقبض الحاكم بعض التركة وقسم الباقي على الورثة، وقال لأهل الدين: أنا أقضيكم من مالي، فما أخذه الحاكم حكمه حكم المغصوب ولا يحل له إمساكه وإعطاء أهل الدين من عنده، بل هو بذلك آثم معزول شرعاً لا تنفذ أحكامه، ولا يجوز للورثة التصرف فيما بأيديهم ما لم يقضوا الدين.
(مسألة): مات وعليه دين مهر وغيره وقد دبر جارية وهي لا تخرج من الثلث لم تعتق، لأن الدين مقدم على الوصية، ولا يصح شراء الوصي الجارية عن أجنبي من غير إذن الحاكم.
(مسألة): أذن الوارث أو وليه لآخر أن يقضي دين الميت أو يجهزه ويرجع على التركة رجع عليها، كما لو قضى الدين بعض الورثة بإذن الباقين ليرجع وإن لم يكن وصياً.

.التفليس:

(مسألة): الفرق بين الزوجة الحادثة والولد حيث ينفق عليه دونها أنه لا اختيار له في الولد بخلافها، قال البلقيني: ينفق عليه وإن استلحقه بعد الحجر، أي لأن إقرار النسب واجب.
(مسألة): معلم أسلف رجلاً مالاً لكونه يشتغل تحته في صنعته بأجرة، ثم خرج المدين من عنده واشتغل بمكان لنفسه فطلب رجوعه لم يجبر، وله أن يكتسب بصنعته في أي موضع شاء، ولا يكلف الاكتساب لقضاء دينه، قلت: بل هذا السلف المذكور إذا كان للعلم غرض بأن ينقص من أجرة الأجير أو يقدم شغله على غيره من الربا المحرم الداخل تحت قوله عليه الصلاة والسلام: «كل قرض جرّ ربحاً فهو ربا» كما ذكره في الرابطة المعروفة بحضرموت.
(مسألة): من عليه دين ثم وهب أو تصدق أو وقف جميع ما يملكه وكان لا يرجو الوفاء من غيره، فالذي نعتمده في الفتوى تبعاً لشرح المهذب في صدقة التطوع وغيره البطلان، فلو طولب من عليه ديون فقال: أراضي وبيوتي موقوفة على أولادي، فالذي حققه الكمال الردّاد أنها صيغة إنشاء، فحينئذ لا ينفذ منه، فإن قال: أردت بذلك الإقرار لم يؤثر، ولم يخالف هذا ما في فتاوى الكمال الرداد من أنه لو أقر عند الحاكم لشخص بدين معاملة، ثم أقر إقراراً آخر أن جميع ما كان معه لولده الطفل ثبت بذلك إعساره وانصرفت عنه المطالبة، لأن ذلك مفروض في إقرار، والإقرار يخالف الإنشاء، إذ الإقرار إخبار عن حق سابق فصححناه وإن كان عليه دين مستغرق.
(مسألة): رهن عيناً بدين وهي تزيد عليه زيادة ظاهرة وغاب، فأثبت آخر بدين حالّ له على الراهن المذكور عند الحاكم، وطلب منه أن يبيع الرهن ويعطي المرتهن دينه أجيب إلى ذلك وأعطاه الزائد، وإن كان للراهن أعيان أخر لا تساوي دينه، ويجبر المرتهن على قبول حقه ولو قبل الحلول حيث لا ضرر عليه في ذلك.

.الحجر:

(مسألة): انتقل بزوجته وولده إلى بلد آخر ثم مات بها، جاز للمرأة أن تنتقل بالولد بإذن القاضي، بل لها أن تسافر به في البحر إذا تضررت بالإقامة في الغربة حفظاً لنسبه، كما نقله الأذرعي عن الجويني، وللقاضي أن يقرض مال الطفل ملياً أميناً، ويسافر به في البحر ليوصله إلى بلد أبي الطفل اهـ، لكن للمصنف فتيا أخرى بخلاف ما ذكر، وهي مسألة إذا كان اليتيم وماله معاً ببلد فيها قاض فولايتهما لقاضي تلك البلد، وإن كان اليتيم ببلد وماله بأخرى فولاية اليتيم لقاضي بلده وماله لقاضي بلد المال، فإذا أرسل قاضي بلد اليتيم ثقة عدلاً أميناً إلى قاضي بلد المال ليقبض مال اليتيم، وجب دفعه إليه بعد ثبوت جميع ما ذكر عنده، ولا يخفى أنه لا يجوز المسافرة بمال اليتيم في البحر ويضمن بذلك، وكذا لا يجوز السفر باليتيم في البحر أيضاً، كما اعتمده الأسنوي وتبعه ابن المقري، وما فرق به بينهما لا يخفى ما فيه من التحمل والتكلف اهـ. وقرر هذه المسألة في درسه وقال: قد أفتيت به مراراً واستقر الأمر عليه.
(مسألة): يجوز لنحو الأخ والعم تعليم الصبي وتأديبه والإنفاق عليه وكسوته من ماله عند تعذر مراجعة الولي من حاكم أو غيره وإلا ضمن.
(مسألة): أقرّ صبي بالاحتلام لإمكانه وهو تسع سنين، فباع شيئاً من ماله، ثم بعد سنين ادّعاه وقال: كنت حال البيع صبياً وإقراري بالاحتلام جهل وكذب، كان إقراره بالاحتلام صحيحاً، وأما البيع فلا يصح منه حتى يثبت رشده حال البيع.
(مسألة): يقبل قول الشخص ذكراً كان أو أنثى في البلوغ بالاحتلام، ولا بد في الشهادة بالبلوغ بالسنّ أو بالإقرار بنحو الاحتلام من رجلين، ولا يقبل إخبار امرأة كالأم بقول بنتها بأنها بلغت، وكذا لا يقبل قول عدل واحد على المنقول المعتمد، خلافاً للحاوي الكبير وابن عجيل، نعم لو أخبر العدل أو المرأة الثقة بالبلوغ وصدّقه الزوج أو الوليّ جاز لهما الإقدام وعقد النكاح بناء على إخبارهما، نظير ما أفتينا به من أنه إذا أخبر العدل برؤية هلال شوّال وجب الفطر على من صدقه، إذ هو من باب الخبر لا من باب الشهادة وبينهما فرق، كما لا يخفى على من له أدنى مسكة بالعلم.
(مسألة): باع شيئاً أو أقر به ثم ادعى أنه صدر منه ذلك وهو صبي فالقول قوله إن أمكن صباه، فإن أقاما بنيتين قدمت بينة البلوغ لأن معها زيادة علم.
(مسألة): المعتمد الذي رجحه الشيخان المعتمد عليهما في تحرير المذهب وتنقيحه وجوب تنمية قدر المؤن من مال الأيتام ونحوهم على المولى إن أمكن بلا مبالغة، فعليه إذا تركها مع إمكانها انعزل لتركه الواجب عليه كما لا يخفى، والذي ذكره العراقيون أن الاتجار ونحوه مستحب، قال الأذرعي وهو المنقول عن عامة الأصحاب: فلو قالت الأم الرشيدة الثقة المليئة القادرة على حفظ المال: أنا ألتزم مؤنة الأيتام من مالي بطريقة النذر، وأحفظ مالهم وأنميه، ورأى القاضي الأهل المصلحة للأيتام في ذلك، فله نزع المال من الوصي التارك للتنمية ويدفعه إليها وينصبها عليهم.
(مسألة): استولى الأب على مال الأطفال وتصرف فيه بالبيع وغيره من غير مصلحة، كان ذلك قادحاً في ولايته، وتسمع دعوى الحسبة من الأقارب والجيران وغيرهم عليه، ولهم إقامة البينة عليه وتحليفه كما قال الغزي، وهذه مسألة نفيسة، فكثيراً ما يدعي بعض الجيران أو أقارب الطفل على وصيه أنه أتلف مالاً له ولا يسمع القاضي كلامه ويقول إنه فضولي.
(مسألة): لا يجب على من أراد معاملة شخص البحث عن رشده وأهليته، وإن غلب على الناس السفه بترك نحو الصلاة، كما يجوز معاملة من أكثر ماله حرام حيث لم يتحقق تحريم ما وقع العقد عليه، ومتى علمنا سفه العاقد المستمر من صغره لم تجز معاملته، وبذلك يعلم الفرق بين معلوم السفه ومن جهل حاله، نعم لو ابتلي شخص بعدم وجود من يعامله إلا جماعة يعلم سفههم واحتاج لمعاملتهم فليقلد من قال بصحة معاملتهم ليتخلص من هذه الورطة قاله السمهودي.
(مسألة): يجوز لولي المحجور أن يسلم خراج الدولة ومطالبهم من مال محجوره بلا ضمان، ولو لم نقل بذلك لرغب الناس عن الوصاية والفقه مبناه على درء المفاسد وجلب المصالح.
(مسألة): إذا خاف الولي على مال محجوره جاز له تخليصه ببعضه، وله أن يصالح وأن يؤجر أعيانه بدون أجرة المثل إذا خاف تعطيلها، وجوّز عز الدين تعييب ماله إذا خاف غصبه سليماً كما في قصة الخضر وموسى.
(مسألة): الرشد صلاح الدين والمال هذا مذهب إمامنا الشافعي رحمه الله، وفي وجه حكاه المتولي أنه إذا بلغ مصلحاً لماله سلم إليه ونفذ تصرفه فيه وإن كان فاسقاً، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، وبهذا الوجه قضى البدر ابن جماعة، وأفتى به قاضي القضاة ابن زين وابن عجيل وغيرهم، قلت: ولا يسع في هذا الزمان إلا تقليد هؤلاء الأئمة، وأنى يوجد من يبلغ مصلحاً لدينه في أولاد الأخيار فضلاً عن النساء والأنذال اهـ. وعلى الأوّل المعتمد لو كانت امرأة بلغت سفيهة تاركة للصلاة ولم تزل كذلك فباعت أرضاً لها لم يصح البيع، ولا يجوز للحاكم الحكم بصحته، وعليه أيضاً يجب على الولي إخراج زكاة السفيه كالمجنون، فلو فرض أن للسفيه شركاً في مال بينه وبين صبي، وخاف ولي الصبي إن أعلم السفيه بالشركة ضياع المال المذكور وأخذ ظالم له، جاز إخفاء شرك السفيه حتى يبلغ المحجور، وكذا يجب الإخفاء على وارث الوديع أيضاً لذلك، وليس للقاضي الامتناع من قبض المال من غير مسوّغ شرعي، إذ عليه حفظ أموال الأيتام الداخلين تحت نظره والبحث عنها، وليت شعري أيّ قاض في زماننا عامل بما شرعه الله تعالى ورسوله، لعمري إنه لعزيز، وفقنا الله تعالى لطرق الهدى آمين.