فصل: الدعوى والبينات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: غاية تلخيص المراد من فتاوى ابن زياد



.الدعوى والبينات:

(مسألة): اليد كما قال السبكي حجة شرعية، فإذا كان لأحد المتداعين يد على أرض مثلاً فهو مدعى عليه وتسميه الفقهاء داخلاً، ومن لا يد له مدع وتسميه خارجاً، فإذا ادعى الخارج على الداخل أنه يملك الأرض المدعاة فأجابه صاحب اليد بالإنكار وأنها ملكه فحيث لا بينة، فالقول قول صاحب اليد بيمينه، لأن اليد تدل على الملك دلالة ظاهرة، فلو أقام الخارج بينة شهدت له بالملك، ثم أقام الداخل بينة شهدت له أن اليد يده وملكه، فمذهبنا تقديم بينة الداخل لترجيحها باليد، فلو أقام الخارج بينة أن يد الداخل غاصبة للأرض منه، أو ممن ترتبت يده على يده، سمعت وقدمت على بينة صاحب اليد لأن معها زيادة علم، فلو أقام الداخل بينة أنها ملكه وأن يده ثابتة عليها بحق، قدمت على بينة الغصب، وحيث حكم للخارج بالملك لم تجب له على ذي اليد أجرة المثل لما مضى وهي تحت يده على المعتمد، نعم إن أضيف الملك المحكوم به إلى وقت سابق فالوجه انعطافه على ما مضى إلى ذلك الوقت.
(مسألة): ادعى عليه أعيان دعوى صحيحة عند الحاكم فأجاب بلا يستحق على المدعي هذه الأعيان ولا بعضها، فأوجب الحاكم عليه اليمين فنكل وأصر على السكوت بعد عرضها ثلاثاً، وعرفه حكم النكول فطلب المدعي من الحاكم أن يحكم بنكوله، فحكم بذلك ورد اليمين على المدعي، فحلف على استحقاق الأعيان المدعاة، ثم بعد إلزام المدعى عليه هذه الأعيان قال: لي بينة تشهد بالشراء من وكيل المدعي لم تسمع بينته، لأن الذي ذكره الشيخان أن اليمين المردودة كالإقرار وهو الصحيح، وإن كنت أفتيت قديماً بالسماع تبعاً للعباب فالمعتمد هذا، ولا سيما إذا قال له القاضي: هل اشتريت هذه الأعيان؟ فقال: لا أعلم الشراء.
(مسألة): أقر عند الحاكم بشيء فألزمه بموجب إقراره، فادعى سبق اللسان وأنه لم يكن عنده ذلك فألزمه الحاكم به، فطلب من المقر له يمين حقيقة الإقرار أجابه الحاكم إلى التحليف، فإن حلف المقر له وإلا حلف يمين الرد، وحينئذ ليس للمقر له المطالبة بشيء، ولو أراد أن يقيم بينة قبل أن يحلف المقر له اليمين المردودة لم يلتفت إليه كما صرح به القاضي فهو المنقول في المذهب، ولا يؤثر فيه قول بعض المتأخرين وفيه نظر، إذ النظر لا يدفع المنقول كما لا يخفى.
(مسألة): وكلته أخته في شراء دمنة للسكنى فاشتراها لها، ثم بعد موتها ادعى الأخ على الورثة أنه يملك بعضاً معيناً منها لم تسمع دعواه حتى يدعي انتقالاً منها لأنه بالشراء كالمقر لها.
(مسألة): تسمع دعوى من ادعى أن خصمه يعلم فسق شهوده أو كذبهم لأنه لو أقرّ بذلك نفعه، ولو فرق في السماع بين أن تكون الدعوى قبل الحكم أو بعده بشرط أن يؤرخ علمه بذلك بحال الشهادة أو قبلها بدون زمن الاستبراء.
(مسألة): استأجر أرضاً موقوفة مدة معلومة فانقضت المدة فآجرها الناظر من آخر بعد رفع يد الأوّل عنها، ثم أقام المستأجر الأوّل بينة على الناظر المذكور أنه يملك فيها عناء وزبراً قيمته كذا وطلب من الحاكم الحكم له فحكم بذلك، ثم إن المستأجر الثاني أقام بينة أن المستأجر الأوّل أجره الأرض من مدة قديمة وحال أن استأجرها وهي دامرة، وأن جميع العناء والزبر الموجود فيها الآن ملكه، قدمت بينة الثاني لأن معها زيادة علم، وينقض الحكم الأوّل، إذ لا فرق في تعارض البينتين عندنا بين ما قبل الحكم وما بعده، وعند الحنفية لا أثر للتعارض بعده.
(مسألة): لو جعل المدعى عليه اليمين ابتداء في جنب المدعي قبل أن يعرضها القاضي على المدعى عليه لم يكن ناكلاً كما قاله ابن عبد السلام، وإذا لم يكن ناكلاً فحلف المدعي حينئذ ولو بتحليف الحاكم إياه وردها عليه قبل عرضها على المدعى عليه لا، فلا يسوغ للحاكم الحكم بصحته، فإن صمم على ذلك لعدم علمه بالنقل أثم بذلك، وكان قادحاً فيه ودخل في الوعيد.
(مسألة): أقام الخارج بينة شهدت بأن الداخل غصب الدار منه، وأقام الداخل بينة أنها ملكه، وأن يده عليها ثابتة بحق، قدمت بينته على بينة الخارج التي شهدت بالغصب منه لأن معها زيادة علم، وكذا الحكم لو قالت بينة الداخل اشتراها من زيد وهو يملكها ويده عليها ثابتة بحق، واستفيد من ذلك أن قول البينة ويده ثابتة بحق أخص من الشاهدة بالملك المطلق، فإنه يحتمل أن البينة أسندت إلى مجرد اليد والتصرف، وهذا يخرج من قول الشيخين بتقديم بينة الغصب على بينة اليد والملك المطلق، وإذا اقتصرت بينة الداخل على أنه اشتراها من زيد وهو يملكها ولم تزد قدمت بينة الخارج والفرق ما مر.
(مسألة): أرض تحت يد بكر وبيده مسطور شرعي حكمي بأنه اشتراها من عمرو وهو يملكها، وبيد عمرو مسطور حكمي أيضاً بأنه اشتراها من زيد وهو يملكها، فجاء خارج وادعى أنه يملك الأرض المذكورة من دون صاحب اليد وهو بكر المذكور، وأن عمراً غصبها، وأقام بذلك بينة مع إقراره بأن الأرض المذكورة كانت مرهونة من زيد، وأن يده يد ارتهان منه أو من مورثه، احتاج إلى إقامة بينة أخرى أن يد زيد يد رهن لإقراره بأن يد زيد بحق لكونه يدعي الرهنية فيحتاج إلى إثباتها، وقد أفتى ابن الصلاح وتبعه زكريا بتقديم بينة الداخل التي شهدت بأن يده عليها ثابتة بحق على بينة الغصب وما أبعد الغصب في مثل هذه، فيتعين على القاضي أن يبحث عن شهود الغصب، عن كيفيته وشروطه المسوغة للشهادة وأكثر الناس يجهلون ذلك.
(مسألة): أقرّ بأنه ملك أولاده في حال صحته واختياره أرضاً وقبضوها، وحكم بذلك حاكم فمات المملك، فادعى بعض الورثة أن الملك الصادر من المملك في حال مرضه وأقام بينة قدمت على بينة الصحة لأن معها زيادة علم، وإن كان ذلك بعد حكم الحاكم، إذ التعارض بعد الحكم كهو قبله، والمعتمد أن حكم الحاكم لا يرجح، وحيث لا بينة فالقول قول المتهب بيمينه.
(مسألة): اكترى شخصاً لحمل حديد إلى بلد فأوصله، ثم ماطله المكتري بالأجرة وامتنع أو توارى جاز له أخذ قدر أجرته من الحديد المذكور إن لم يظفر بجنس الأجرة، ويبيعه بإذن الحاكم إن كان عالماً بثبوت الحق، وإلا استقل بالبيع وبملك الثمن من جنس دينه، كما لو كان له دين على مقرّ مماطل وظفر بماله جاز له أخذ قدر حقه منه.
(مسألة): طلب ولي الأمر أو عاشرة النخل من مالكه فقال: قد بعته أو هو لغيري فالقول قوله لكن بيمينه استحباباً، فإذا امتنع منها لم يجب عليه التسليم لبناء الزكاة على التخفيف، ولأن الأصل براءته، فلو أجبر النائب على التسليم فطريقه أن يدعي عليه أنه يعارضه في ماله وتصح دعواه بذلك، لكن بشرط أن يذكر ما طولب به وأنه غير مستحق عليه، وأن يذكر ما استقر علمه به ليكون الكف عنه متوجهاً إليه، ثم يسأل الحاكم المدعى عليه فإن اعترف بذلك منعه الحاكم من المعارضة، وإن أنكر المعارضة خلى سبيل المدعي ولا يمين عليه كما مر، وإن ذكر أنه يعارضه بحق وصفه وصار مدعياً وحيث وجب على الحاكم منعه فليس له ترك الحكم عليه، بل إذا عجز عن الحكم عليه بترك المطالبة رفعه إلى الوالي، فإن قصر الحاكم في ذلك كان قادحاً في ولايته، ولو طلب مدعي المبيع المذكور من المشتري منه الإقرار بالشراء عند النائب المطالب وتعين ذلك طريقاً إلى خلاصه من التسليم وجب عليه الإقرار له دفعاً للضرر، فإن امتنع رفعه إلى الحاكم.
(مسألة): لا تسمع بينة الداخل قبل إقامة الخارج بينته، لأن الأصل في جانبه اليمين فلا يعدل عنها ما دامت كافية، نعم إن كان في إقامتها دفع ضرر عن الداخل كتهمة سرقة أو نحوها سمعت قبل إقامة الخارج البينة، فإذا أقامها الخارج احتاج الداخل إلى إعادتها ثانياً.
(مسألة): أقام الخارج بينة أن يد الداخل ويد مورثه ترتبت بالإجارة منه ومن مورثه، قدمت على بينة الداخل المدعي بالملك واليد، كما لو أقام بينة أن يد الداخل عادية فتقدم على بينة الداخل كما صرحوا بذلك.
(مسألة): باع أرضاً وأقرّ عند البيع أنها ملكه، ثم ادعى أنها وقف لم تسمع دعواه ولا بينته كما نص عليه الشافعي، قال زكريا: وظاهر أن محل عدم سماعها إذا لم يبد تأويلاً، فإن لم يصرح حال البيع بأنها ملكه سمعت كما نص عليه أيضاً.
(مسألة): أثبت شخص أن البئر الفلانية ملك له مختص بها وأقام بذلك بينة، فأقام آخر بينة أنها وقف على المسلمين من غير اختصاص بأحد نظرت، فإن كانت اليد للأوّل بالتصرف فيها قدمت بينته، وإن كانت اليد للمسلمين بأن كانوا ينزحون منها على العموم مدة من غير منازع قدمت الثانية.
(مسألة): ادّعى عيناً معلومة تحت يد المدعى عليه أنها ملكه وأقام بذلك بينة، فادّعى ذو اليد أنها ملكه انتقلت إليه بالشراء من رجل سماه وأقام بينة قدمت سواء قالت إنها ملك البائع أم سكتت.
(مسألة): إذا قلنا تسمع دعوى الحسبة وإن فائدة سماعها تحليف المدعى عليه، فليس للمدعي أن يحلف يمين الرد أخذاً من تعليلهم القول بالسماع أن البينة قد لا تساعده، ويراد استخراج إقرار المدعى عليه، والمراد إقراره الحقيقي لا الحكمي، وإذا كان ولي اليتيم ونحوه لا يحلف يمين الردّ فيما إذا ادعى حقاً لموليه لم يباشر سببه، فأولى في دعوى الحسبة أن لا يحلف مدعيها، وتسمع دعوى الحسبة على قيم الصبي أنه أتلف مالاً له وله تحليف القيم، وقد مر في الإيصاء ولا تسمع في حدود الله تعالى بلا خلاف، فلو ادّعى على رجل أنه دخل في بيته واختلى بزوجته وقبلها لم تسمع دعواه.
(مسألة): ادّعى على آخر أنه شتمه بما يوجب التعزير فالقول قول المدعى عليه، ولا يقال هذه دعوى حسبة إذ المدعي يدعي حقاً لنفسه، فإذا نكل المدعى عليه عن اليمين فالقياس أنه لا يجب التعزير بيمين الرد، كما أنه لا قطع في السرقة بها على المعتمد، وحينئذ لا يحلف المدعي يمين الرد إذ لا فائدة.
(مسألة): عبد مأذون له في التجارة أراد الدعوى على ميت. وصورتها أن يدعي أن سيده يستحق في ذمة الهالك كذا، وأنه يعني العبد يستحق تسليمه، وإذا ثبت أن الميت أقرّ للعبد المذكور بكذا فهو إقرار لسيده، فإذا طلب ورثة المقرّ يمين حقيقة الإقرار فهي على السيد، إذ الإقرار في الحقيقة للسيد لا له.
(مسألة): أقرّ بعقار لأمه عند الحاكم وحكم بصحته واستمرّ في يدها مدة، ثم ادعى آخر أن العقار مرهون مع أخته من المقر المذكور، وأثبت بذلك حكم بالتعارض أي فيتساقطان حيث لم يعلم سبق التاريخ فإن علم عمل به.
(مسألة): الدعوى على الناظر أو الوكيل أو الوصي إنما تسمع الإقامة البينة لا ليحلف، إذ إقرار من ذكر غير مقبول، وحينئذ فلو ادعى الناظر على آخر أن الأرض الموقوفة تستحق السقي على أرض المدعى عليه من جانب كذا شرعاً وأقام بينته، فليس للمدعى عليه طلب يمينه بأنه لا يعلم كذب شهوده ولا إقامة بينة عليه بأنه مقر بكذبهم لما قلنا إن إقراره لاغ، فالدعوى عليه بذلك كذلك.
(مسألة): ادعى على آخر دعوى مسموعة وأقام بينة ثبتت عند القاضي، فلما طلب منه الحكم بموجبها وإلزام المدعى عليه بما ثبت عنده ادعى أن معه دافعاً، وأن البينة غائبة الغيبة المسقطة حرم على الحاكم تأخير الحكم بسبب ما ذكر.
(مسألة): له دين على آخر مقرّ به غير أنه مماطل فظفر له بمال، جاز له أن يأخذ منه بقدر حقه حينئذ.
(مسألة): اشترى داراً في غير بلده ثم مات، فبسط أجنبي عليها فأراد ورثة المشتري ثبوت شراء مورّثهم عند الحاكم الذي في بلد الدار، وجب عليه سماع هذه الدعوى والمبينة وتنفيذ مستندهما ورفع يد الباسط وإلزامه أجرة المثل مدة بسطه، ويجب على كل من له قدرة إيصال الوارث إلى حقه.
(مسألة): له بذمة آخر دين معلوم، فمات الدائن فادعاه ورثته على المدين، فأقام بينة بالإبراء الصحيح من الميت، احتاج إلى يمين الاستظهار مع البينة كما قاله العزي، خلافاً لابن الصلاح إذ قد يقارن الإبراء مفسد فيحلف أن مورثهم لا يستحق الآن عليه شيئاً مما ادعوه.
(مسألة): جرت له عادة قديمة لا يعرف ابتداؤها بإقامة معقم في الوادي المباح يسقي منه أراضي أملاك سلطانية ثم أراضي وقف، فتكسر المعقم ونزل الماء إلى جاره فادعى الجار أنه يستحق السقي بكسر المعقم قبل أراضي الوقف، وأن الشخص هذا متعد يسقيها قبل أرضه وأقام بينة، ثم أقام الأوّل بينة شهدت باستحقاق الأراضي المذكورة قبل أرض الجار، وأن يده ثابتة بحق، قدمت على بينة التعدي.
(مسألة): ارتهن داراً أو استأجر أو تساقى نخلاً، فرفع به آخر وادعى أنه يملكها من دون الراهن أو المؤجر أو المتساقي، والحال أن المالك حاضر بالبلد، فإن أضاف المدعى عليه الملك إلى الرهن وما بعده انصرفت عنه الدعوى فلا تسمع عليه، نعم للمدعي تحليفه أنه لا يلزمه تسليمها إليه، وأن ما أقرّ به ملك للمقر له رجاء أن يقرّ به للمقرّ له أو ينكل، فيحلف ويغرمه القيمة، بناء على أن من أقرّ بشيء لشخص بعدما أقرّ به لغيره غرم القيمة للثاني.
(مسألة): مات عن زوجة حامل منه وأخ شقيق فولدت غلاماً، فادعت أنه استهلّ صارخاً ثم مات وأنكر الأخ صدق بيمينه، وإذا أقامت بينة على حياته ولو بأربع نسوة ثبتت حياته وثبت الإرث ضمناً، كما يثبت النسب والإرث بشهادتهن بالولادة، وهذا بخلاف الطلاق والعتق المعلقين بالولادة فلا يثبتان بشهادتهن بهما.
(مسألة): تعارض البينتين بعد الحكم كالتعارض قبله، كما حققه السمهودي والسبكي إذا علمت ذلك، فإذا باع أرضاً معلومة الذرعان فأقام آخر بينة بوقفية بعضها وثبت ذلك شرعاً، فأراد البائع أن يقيم بينة بالملك واليد حال ثبوت الوقف كان له ذلك ولو بعد الحكم بالوقف، وتقدم بينة الشهادة باليد والملك على بينة الوقف، بناء على ما جرى عليه النووي وغيره من أن تعارض بينتي الملك والوقف، كتعارض بينتي الملك، فتقدم بينة صاحب اليد وتقام البينة المذكورة في وجه مدعي الوقف بشرطه
(مسألة): قطعتا أرض متجاورتان إحداهما ملك والأخرى أرض سلطانية، وفي وسط السلطانية زبير يمنع الماء لزراعتها، فادعى مالك الأولى أن الزبير المتوسط في الأرض السلطانية محدث وأنه يضر بأرضه، والحال أن حارث الأرض المذكورة لم يحدثه فالخصم في ذلك هو الناظر، نعم إن كان على الحارث في ذلك ضرر فله أن يطلب من الحاكم دفع ضرره بالطريق الشرعي، وقول الشيخين: إن المستأجر لا يخاصم محله في البدل، أما في العين فالمنقول المعتمد الذي قرره السمهودي أن له المخاصمة فيها.
(مسألة): له دين معلوم بذمة آخر، فمات المدين وله عين تحت يد وارثه، فادعى الوارث أنها ملكه دون مورّثه، فليس للدائن إقامة البينة بأنها ملك الميت، إذ ليس للغرماء الدعوى ولا الحلف إذا تركها الوارث، وليس لهم إثبات حق غيرهم لمصلحتهم، بل إذا ثبت تعلق حقهم به، وللقاضي الشافعي أن يقيم من يدعي للميت، ذكره السبكي.
(مسألة): تقدم بينة ذي اليد ولو شاهداً ويميناً على بيِّنة الخارج وإن كانت شاهدين على المعتمد.
(مسألة): جرت له عادة قديمة بالسقي لأرضه قبل جيرانه وهو يخشى المنازعة من بعضهم وأراد التسجيل بذلك، جاز لمن هو أسفل منه من الجيران، وإن كان بينه وبين مريد التسجيل أراض تسقى قبل أرضه أن ينصب نفسه خصماً للدعوى فيما ذكر، ثم يقيم مريد التسجيل البينة على ذلك ويحكم الحاكم بمقتضاها وجوباً.
(مسألة): ادعى الوارث دابة تحت يد آخر وأقام بينة أنها ملك مورثه لم تسمع الدعوى حتى يقول مع ذلك وأنه مات وخلفها إليّ إرثاً، ويشترط أن يقول الشهود: ونحن من أهل الخبرة الباطنة، فإن لم يقولوا ذلك ولم يعلم الحاكم لم يحكم بها.
(مسألة): عناء تحت يد شخص في أرض سلطانية، فادعى آخر أنه ملكه ورثه من أمه، فأجاب صاحب اليد باليد والملك من والد المدعي، وادعى الخارج أن أمه انتقلت العناء من والده قبل أن ينتقله منه صاحب اليد، وأقام كل بينة بما ادعاه، قدمت بينة صاحب اليد، ذكره زكريا وهو الأقعد.
(مسألة): ادعى على آخر بين يدي الحاكم أنه شكا به إلى الوالي، فهذه دعوى غير مسموعة والبينة المرتبة عليها كذلك، وإذا أكثر المدعي من الدعاوى الباطلة شرعاً زجره الحاكم عن ذلك بما يراه.
(مسألة): ادعى على آخر أنه باع منه معاود معلومة من أرضه، فأنكر المدعى عليه وحلف، فادعى ثانياً أنه أقر له بملك الأرض المذكورة ولم يدع الحق نفسه وأقام بينة شهدت على وفق دعواه، ولم يذكر أيضاً أنه أذن له في قبض الأرض بعمد الإقرار، فالدعوى غير مسموعة، والشهادة المذكورة بمجردها غير مقبولة، كما رجحه صاحب المطلب والكمال الرداد.
(مسألة): ادعى على آخر دعوى مسموعة وأقام شاهداً بما ادعاه ثم مات المدّعي، فلوارثه أن يقيم شاهداً آخر ويبني على شهادة مورثه، كما قاله الفتى في أنوار الأنوار.
(مسألة): ادعى على آخر أن يده وقعت على حمار صفته كذا ووصفه بصفات السلم، فأقر المدعى عليه بوضع يده على الحمار، ثم ادعى أنه اشتراه من شخص لا يعرفه لم يقبل ذلك منه، فللمدعي مطالبته بالقيمة للحيلولة.
(مسألة): عبد مقر بالملك عند الحاكم وجماعة لمن هو تحت يده يستخدمه فباعه السيد، فادعى أنه حر الأصل وأقام بذلك بينة، وحكم له القاضي بالحرّية، فأقام السيد الأوّل بينة بإقراره بالرق، قدمت على بينة حرّية الأصل ونقض حكم الحاكم، بخلاف ما لو شهدت بينة بالرق وأخرى بأنه أعتقه فتقدم بينة العتق.
(مسألة): لا يجب على المدعي ذكر سبب استحقاق ما ادّعاه، كأن ادّعى ديناً ثابتاً صحيحاً فطلب المدعى عليه بيان سبب الدين.

.العتق:

(مسألة): قال لمملوكه: أنت حرّ قبل موتي بشهر، فمرض السيد ثلاثة أشهر ومات، عتق العبد من رأس المال مقدّماً على الديون اعتباراً بحال التعليق لا بوجود الصفة، وكذا لو قال له: أنت حرّ آخر جزء من أجزاء حياتي المتصل بمرض موتي إن مت من مرضي وآخر جزء من أجزاء حياتي المتصل بموتي إن مت من غير مرض ومات بعد ذلك بمرض أو دونه فإنه يعتق من رأس المال أيضاً.
(مسألة): قيل له: عبدك مخنث أو حر؟ فقال: بل حرّ، ثم قال: أردت العفة لا العتق صدق بيمينه.

.أمهات الأولاد:

(مسألة): ملك المبعض أمة فأولدها، فالمعتمد نفوذ استيلاده، نص عليه في الأم، وجرى عليه الشيخ زكريا وغيره في بعض كتبه، ولا يحل له وطؤها ولو بإذن سيده.

.خاتمة في فوائد متفرقة:

(مسألة): قول الجنيد سيد الطائفة: إن الصادق ينقلب في اليوم أربعين مرّة، والرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة، معناه ما ذكره الإمام النووي في مقدمة شرح المهذب قال: إن الصادق يدور مع الحق حيثما دار، فإن كان الفضل الشرعي في الصلاة مثلاً صلى، وإن كان في مجالسة العلماء أو الصالحين أو الصبيان أو العيال أو في قضاء حاجة مسلم وجبر قلب مكسور ونحو ذلك فعل الأفضل وترك عادته، وكذلك الصوم والقراءة والأكل والشرب والمزاح والجد والخلطة والعزلة والتنعم والابتذال. والمرائي بضد ذلك فلا يترك عادته فهو مع نفسه لا مع الحق اهـ. فانظر إلى كلامه المختصر الوجيز، فإن ألفاظه كليات تحتها جزئيات، وهذا من مقام الوراثة المشار إليها بقوله عليه الصلاة والسلام: «بعثت بجوامع الكلم» الخ.
(مسألة): الفناء الذي تذكره الصوفية ويعبرون عنه بالفناء عما سوى الله تعالى مقام شريف أطبق عليه علماء أهل الطريق ومشايخهم، قال الأستاذ القشيري: ومن استولى عليه سلطان الحقيقة حتى لا يشهد من الأغيار لا عيناً ولا أثراً ولا رسماً ولا طللاً يقال له فني عن الخلق وبقي بالحق الخ اهـ، وقال في العوارف: إنه ليس من ضرورة الفناء أن يغيب الإحساس، وقد تتفق غيبة الإحساس لبعض الأشخاص، والكلام في طريق القوم وأحوالهم شديد الأخطار عند ذوي العقول والأبصار، ولا ينتقض الطهر، كما أجاب الناشري بعدم النقض بما يطرق أرباب الأحوال إذا حصل عليهم وجد، وإذا خوطبوا لم يحسوا مع الحركة والإخبار عن الكشف.
(مسألة): حديث: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» أخرجه أبو داود والحاكم وغيرهما. وفي لفظ آخر: «من كل مائة سنة رجلاً من أهل بيتي» ذكره الإمام أحمد، قال السيوطي: وهذا حديث مشهور برواية الحفاظ المعتبرين، ففي المائة الأولى سيدنا عمر بن عبد العزيز، وفي الثانية الإمام محمد بن إدريس الشافعي، وفي الثالثة ابن سريج أو الأشعري، وفي الرابعة الصعلوكي أو أبو حامد الاسفرائيني أو القاضي أبو بكر الباقلاني، وفي الخامسة الإمام الغزالي بلا خلاف، وفي السادسة الفخر الرازي أو الرافعي، وفي السابعة ابن دقيق العيد، وفي الثامنة البلقيني وزين الدين العراقي أو ابن بنت المليق، وكان شيخنا الطنبداوي يذكر أن الشيخ زكريا مجدد المائة التاسعة، وكان السيوطي ينسب التجديد فيها إلى نفسه، ولا شك أن الانتفاع بالشيخ زكريا أكثر وأشهر، فهو المجدد إن شاء الله تعالى. قلت: والذي تلقيناه من المشايخ أن المجدد في المائة العاشرة الشيخ أحمد بن حجر الهيثمي أو الإمام محمد الرملي ورجحه بعضهم لكون الإمام ابن حجر مات قبل مضي القرن، وفي الحادية عشرة سيدنا القطب عبد الله بن علوي الحداد علوي، وفي الثانية عشرة القطب أحمد بن عمر بن سميط علوي. وهذا آخر القرن الثالث عشر نرجو من المولى تجديده بأحد من خواصه المقربين اهـ. وفي الطبقات للسبكي في الكلام على رواية رجل من أهل بيتي ما يفيد أنه يعني المجدد بعد المائة الثانية يكون من أصحاب الشافعي لا غير، قال: لأنا لما لم نجد من أهل البيت من هو بهذه المثابة علمنا أنه المقرر لمذهبه، ومن شروط المجدد أن تمضي المائة وهو باق يشار إليه، وينصر السنة في كلامه، وأن يكون جامعاً لكل فنّ، وكونه فرداً كما هو المشهور في الحديث وعند الجمهور.
(مسألة): معنى قول الشيخ أحمد بن موسى المشرّع: من اتصلت نعم الله إليه كثرت مؤن الخلق عليه، ومن لم يتحمل بتلك المؤن عرّض نفسه لزوال تلك النعم، هو معنى حديث البيهقي وغيره مرفوعاً: «ما عظمت نعمة الله على عبد إلا عظمت مؤنة الناس عليه، فمن لم يتحمل تلك المؤنة فقد عرض تلك النعمة للزوال». ثم اعلم أن النعم الحقيقية وهو ما رزقه العبد من مقام الخلافة والخلفاء متفاوتون في ذلك، بحسب ما أعطوا من الخلافة والمؤن، تختلف كثرة وقلة بحسب ذلك، قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} الآية.
(مسألة): معنى قول النبي لعائشة رضي الله عنها لما قالت له: إن أبا بكر رجل أسيف - حين قال -: «مروا أبا بكر فليصلّ بالناس: إنكن صواحبات يوسف»، هو أنك أظهرت الأسف وأبطنت تشاؤم الناس بعده صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، كما أن زليخا صاحبة يوسف أظهرت للنسوة الإكرام بالضيافة، ومرادها زيادة على ذلك وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته، وفي فتح الباري: أن السائل لعائشة أبو بكر رضي الله عنهما إذ فهم من الإمامة الصغرى الإمامة الكبرى وخاف عدم القيام بها.
(مسألة): قوله: «فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها» حامل لها ولأولادها، فيكونون بواسطتها بضعة منه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لما ثبت من قول عمر رضي الله عنه في خطبته لأم كلثوم ابنة فاطمة رضي الله عنهما: إني أحب أن يكون عندي عضو من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وقال ابن عمر للحسين: إنك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بواسطة فاطمة، بل جاء أن أم الفضل رأت أن بضعة من جسده عليه الصلاة والسلام وضعت في حجرها، فقال لها: «خيراً رأيت تلد فاطمة إن شاء الله غلاماً فيوضع في حجرك» فولدت الحسن فقد جعله بضعة منه بواسطتها، قال السمهودي في جواهر العقدين وهو كتاب جيد مشتمل على ما فيه، مقنع لمن امتلأ قلبه بحب النبي ما لفظه: وكل من شوهد اليوم من ولد فاطمة فهو بضعة من تلك البضعة وإن تعدّدت الوسائط، ومن تأمل ذلك كيف لا ينبعث من قلبه داعي الإجلال والتعظيم لهم ويجتنب بغضهم على أيّ حال كانوا، واحذر أن تمني النفس في بغضهم لما يرى في بعضهم من الابتداع وعدم الاتباع فلا يخرجهم عن دائرة الذرية ولا النسبة النبوية، وأما سبّ فاطمة رضي الله عنها فإن صدر من مستحل له فهو كافر مرتد، أو غير مستحل ففاسق بالإجماع ملعون، بل أخذ البيهقي من حديث: «يغضبني ما يغضبها» أنه كفر، وسبّ عائشة رضي الله عنها بالفاحشة الكبرى فسق بالإجماع. وقال القاضي: من سبّ أزواجه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قتل لأنه سبّ له، والمنافق هو الذي يبطن الكفر والعياذ بالله تعالى، وهو من أقبح أنواع الكفر، ولهذا كانوا في الدرك الأسفل من النار، لكنا نجري عليهم في الظاهر أحكام الإسلام من حدود وغيرها، كما أن الكافر المتظاهر إذا قذف مسلماً حدّ إن كان ملتزماً للأحكام.
(مسألة): حديث عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً منهم الرسل ثلثمائة وثلاثة عشر صححه ابن حبان، ولا حرج في ذكر الأنبياء، والاحتياط أن لا يقتصر على عدد في التسمية، إذ لا يؤمن في العدد أن يدخل أو يخرج من ليس كذلك.
(مسألة): جماعة يجتمعون على قهوة فيقول أحدهم: النور سيد المرسلين، ويقول الباقون:، فقوله النور الخ ليس بذكر فلا يثاب عليه ويثاب المجيبون ثواب الصلاة على النبي، فيكون هو قد ارتكب المكروه بترك الصلاة عليه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فالأولى له المشاركة، واجتماعهم على الصلاة المذكورة يكون ذكراً لأنها من أفضل الذكر، نعم الأولى لهم ترك الألحان المرجعة بينهم، فقد صرح السيوطي بتحريمها لكن إن كان فيها إساءة أدب أو تغيير للمعنى.
(مسألة): من ادعى أنه رأى الحق سبحانه وتعالى في المنام سلمت له دعواه، فإن كان كاذباً فعليه كذبه، قال الإمام النووي عن القاضي عياض: اتفق العلماء على جواز رؤية الله جلّ وعلا في المنام وصحتها، وإن رآه على صفة لا تليق بجلاله تعالى من صفات الأجسام، لأن ذلك المرئي غير ذاته سبحانه وتعالى، إذ لا يجوز عليه التجسيم ولا اختلاف الأحوال، بخلاف رؤية النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فهي كسائر أنواع الرؤيا من التمثيل والتخييل، قال الغزالي: معنى رؤية الله تعالى في المنام أنه رأى مثاله لا أنه رأى ذاته، والمثال في حقه تعالى جائز والمثل باطل إذ هو عبارة عن المساوي في جميع الصفات والمثال لا يحتاج فيه إلى المساواة، ومن رأى الحق سبحانه وتعالى في منامه على نوره ومهابته ولم يعاين صورة ولا مثالاً بعينه، بل رآه بقلبه عظيماً ورأى أنه كلمه وأكرمه وأدناه وبشره بدخول الجنة فتلك الرؤيا بشرى له، وكذا إن رآه ينظر إليه أو معه في بيت، أو أنه مسح على صدره، أو كأنه نظره تعالى، فمثل هذه المرائي لا يراها إلا أهل الأنوار المخلصون المشمرون، وأن رأى كأنّ الحق نزل إلى الأرض، فإن كان على صورة جمال ولطف فإن العدل يبسط في تلك الأرض وينالون خصباً ونعمة، وإن كان على صفة هيبة وقهر دلّ على خراب المكان، ومن رآه في صورة أبيه أو أمه أو ولده أو أخيه أو ذي مودة له دلّ على فضل ولطف من الله تعالى وشفقة بقدر ذلك.
(مسألة): ما يفعله بعض الصالحين من تكرير بعض سور القرآن في حزب له أصل في السنة كحديث: «من قرأ قل هو الله أحد مائتي مرّة» الخ. وحديث: «اقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حين تصبح وحين تمسي ثلاث مرات يكفيك من كلّ شيء». وسورة الكهف ليلة الجمعة ويومها والاستكثار منها فلا حجر على من كرر آية أو سورة، وليس ذلك من البدع المذمومة بل من المحمودة المثاب عليها، ويجب منع من أنكر على من فعل ذلك إذ إنكاره هو المنكر.
(مسألة): حديث: يس لما قرأت له لا أصل له ولم أر من عبر بأنه موضوع، فيحتمل أنه لا أصل له في الصحة، والذي أعتقده جواز روايته بصيغة التمريض نحو بلغنا كما يفعله أصحاب الشيخ إسماعيل الجبرتي رضي الله عنه، والله أعلم.