فصل: (مسألة الأصح) أنه (إن لم يتأخر الخاص عن) وقت (العمل) بالعام المعارض له بأن تأخر الخاص عن ورود العام قبل دخول وقت العمل أو تأخر العام عن الخاص مطلقا أو تقارنا بأن عقب أحدهما الآخر أو جهل تاريخهما. (خصص) الخاص. (العام):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: غاية الوصول إلى شرح لب الأصول



.(مسألة جواب السؤال غير المستقل دونه):

أي دون السؤال كنعم وبلى وغيرهما مما لو ابتدئ به لم يفد (تابع له) أي للسؤال (في عمومه) وخصوصه، لأن السؤال معاد في الجواب، فالأول كخبر الترمذي وغيره أنه صلى الله عليه وسلّم سئل عن بيع الرطب بالتمر؟ فقال: «أينقص الرطب إذا يبس» قالوا نعم. قال: «فلا إذا». فيعم كل بيع للرطب بالتمر صدر من السائل أو من غيره، والثاني كقوله تعالى: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم} (والمستقل) دون السؤال ثلاثة أقسام أخص من السؤال ومساوٍ له وأعم. فـ (ـالأخص) منه (جائز إن أمكنت معرفة) الحكم (المسكوت عنه) منه كأن يقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة». كالمظاهر في جواب من أفطر في نهار رمضان ماذا عليه فيفهم من قوله جامع أن الإفطار بغير جماع لا كفارة فيه، فإن لم يمكن معرفة المسكوت عنه من الجواب لم يجز لتأخير البيان عن وقت الحاجة. (والمساوي) له في العموم والخصوص (واضح) كأن يقال لمن قال ما على من جامع في نهار رمضان؟ من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة كالظهار، وكأن يقال لمن قال جامعت في نهار رمضان ماذا عليّ؟ عليك إن جامعت في نهار رمضان كفارة كالظهار. والأعم منه مذكور في قولي (والأصح أن العام) الوارد (على سبب خاص) في سؤال أو غيره (معتبر عمومه) نظرا لظاهر اللفظ، وقيل مقصور على السبب لوروده فيه سواء أوجدت قرينة التعميم أم لا. فالأول كقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}، إذ سبب نزوله على ما قيل أن رجلًا سرق رداء صفوان بن أمية، فذكر السارقة قرينة على أنه لم يرد بالسارق ذلك الرجل فقط، والثاني كخبر الترمذي وغيره عن أبي سعيد الخدريّ قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء». أي مما ذكر وغيره، وقيل مما ذكر وهو ساكت عن غيره وقد تقوم قرينة على الاختصاص بالسبب كالنهي عن قتل النساء، فإن سببه أنه عليه الصلاة والسلام رأى امرأة حربية في بعض مغازيه مقتولة، وذلك يدل على اختصاصه بالحربيات فلا يتناول المرتدة.
(و) الأصح (أن صورة السبب) التي ورد عليها العام. (قطعية الدخول) فيه لوروده فيها (فلا تخص) منه (بالاجتهاد). وقيل ظنية كغيرها فيجوز إخراجها منه بالاجتهاد. قال السبكي (ويقرب منها) أي من صورة السبب حتى يكون قطعي الدخول أو ظنية. (خاص في القرآن تلاه في الرسم) أي رسم القرآن بمعنى وضعه مواضعه، وإن لم يتله في النزول. (عام لمناسبة) بين التالي والمتلوّ كما في آية: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت} فإنها إشارة إلى كعب بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود لما قدموا مكة وشاهدوا قتلى بدر حرّضوا المشركين على الأخذ بثأرهم، ومحاربة النبيّ صلى الله عليه وسلّم فسألوهم من أهدى سبيلًا محمد وأصحابه أم نحن فقالوا أنتم مع علمهم بما في كتابهم من نعت النبيّ صلى الله عليه وسلّم المنطبق عليه، وأخذ المواثيق عليهم أن لا يكتموه فكان ذلك أمانة لازمة لهم ولم يؤدّوها حيث قالوا للمشركين ما ذكر حسدا للنبيّ صلى الله عليه وسلّم، وقد تضمنت الآية هذا القول والتوعد عليه المقيد للأمر بمقابله المشتمل على أداء الأمانة التي هي بيان صفة النبيّ صلى الله عليه وسلّم وذلك مناسب لقوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدُّوا الأمانات إلى أهلها}، فهذا عام في كل أمانة وذاك خاص بأمانة هي بيان صفة النبيّ صلى الله عليه وسلّم بما ذكر والعام تال للخاص في الرسم متراخ عنه في النزول لست سنين مدة ما بين بدر وفتح مكة، وإنما قال السبكي ويقرب منه كذا لأنه لم يرد العام بسببه بخلافها.

.(مسألة الأصح) أنه (إن لم يتأخر الخاص عن) وقت (العمل) بالعام المعارض له بأن تأخر الخاص عن ورود العام قبل دخول وقت العمل أو تأخر العام عن الخاص مطلقا أو تقارنا بأن عقب أحدهما الآخر أو جهل تاريخهما. (خصص) الخاص. (العام):

وقيل إن تقارنا تعارضا في قدر الخاص، فيحتاج العمل بالخاص إلى مرجح له قلنا الخاص أقوى من العام في الدلالة على ذلك البعض، لأنه يجوز أن لا يراد من العام بخلاف الخاص فلا حاجة إلى مرجح له. وقالت الحنفية وإمام الحرمين العام المتأخر عن الخاص ناسخ له كعكسه. قلنا الفرق أن العمل بالخاص المتأخر لا يلغي العام بخلاف العكس والخاص أقوى من العام في الدلالة فوجب تقديمه عليه. قالوا فإن جهل التاريخ بينهما فالوقف عن العمل بواحد منهما لاحتمال كل منهما عندهم، لأن يكون منسوخا باحتمال تقدمه على الآخر مثال العام (فاقتلوا المشركين) والخاص أن يقال لا تقتلوا الذمي. (وإلا) بأن تأخر الخاص عما ذكر (نسخه) أي نسخ الخاص العام بالنسبة لما تعارضا فيه، وإنما لم يجعل ذلك تخصيصا، لأن التخصيص بيان للمراد بالعام وتأخير البيان عن وقت العمل ممتنع. (و) الأصح أنه (إن كان كل) من المتعارضين (عاما من وجه) خاصا من وجه، (فالترجيح) بينهما من خارج واجب لتعادلهما تقارنا أو تأخر أحدهما أو جهل تاريخهما. وقالت الحنفية المتأخر ناسخ للمتقدم مثال ذلك خبر البخاري: «من بدّل دينه فاقتلوه». وخبر الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلّم نهى عن قتل النساء. فالأوّل عام في الرجال والنساء خاص بأهل الردّة، والثاني خاص بالنساء عام في الحربيات والمرتدات، وقد ترجح الأوّل بقيام القرينة على اختصاص الثاني بسببه وهو الحربيات.

.المطلق والمقيد:

أي هذا مبحثهما، والمراد اللفظي المسمى بهما. (المختار أن المطلق) ويسمى اسم جنس كما مرّ. (ما) أي لفظ (دلّ على الماهية بلا قيد) من وحدة وغيرها فهو كلي، وقيل ما دل على شائع في جنسه وقائله توهم النكرة غير العامة، واحتج لذلك بأن الأمر بالماهية كالضرب من غير قيد أمر بجزئي من جزئياتها كالضرب بسوط أو عصا أو غير ذلك، لأن الأحكام الشرعية إنما تبنى غالبا على الجزئيات لا على الماهيات المعقولة لاستحالة وجودها في الخارج، ويردّ بأنها إنما يستحيل وجودها كذلك مجردة لا مطلقا لأنها توجد بوجود جزئي لها لأنها جزؤه وجزء الموجود موجود، فالأمر بالماهية أمر بإيجادها في ضمن جزئي لها لا أمر بجزئي لها، وقيل الأمر بها أمر بكل جزئي منها لإشعار عدم التقييد بالتعميم، وقيل هو أذن في كل جزئي أن يفعل ويخرج عن العهدة بواحد وعلى المختار اللفظ في المطلق والنكرة واحد، والفرق بينهما بالاعتبار إن اعتبر في اللفظ دلالته على الماهية بلا قيد يسمى مطلقا واسم جنس أيضا كما مرّ أو مع قيد الشيوع يسمى نكرة، والقائل بالثاني ينكر اعتبار الأوّل في مسمى المطلق.
(والمطلق والمقيد كالعام والخاص) فيما مرّ فما يخص به العام يقيد به المطلق وما لا فلا. لأن المطلق عام من حيث المعنى فيجوز تقييد الكتاب به وبالسنة والسنة بها وبالكتاب، وتقييدهما بالقياس والمفهومين، وفعل النبي وتقريره بخلاف مذهب الراوي، وذكر بعض جزئيات المطلق على الأصح في غير مفهوم الموافقة..
(و) يزيد المطلق والمقيد (أنهما في الأصح إن اتحد حكمهما وسببه) أي سبب حكمهما. (وكانا مثبتين) أمرين كانا كأن يقال في كفارة الظهار في محل أعتق رقبة، وفي آخر أعتق رقبة مؤمنة أو غيرهما نحو تجزئ رقبة مؤمنة تجزئ رقبة أو أحدهما أمر، والآخر خبر نحو تجزئ رقبة مؤمنة أعتق رقبة. (فإن تأخر المقيد) بأن علم تأخره (عن) وقت (العمل بالمطلق نسخه) أي المطلق بالنسبة إلى صدقه بغير المقيد. (وإلا) بأن تأخر المقيد عن وقت الخطاب بالمطلق دون العمل أو تأخر المطلق عن المقيد مطلقا أو تقارنا أو جهل تاريخهما. (قيده) أي المطلق جمعا بين لدليلين، وقيل المقيد ينسخ المطلق إذا تأخر عن وقت الخطاب به كما لو تأخر عن وقت العمل به بجامع التأخر وقيل يحمل المقيد على المطلق بأن يلغى القيد، لأن ذكر المقيد ذكر لجزئي من المطلق فلا يقيده كما أن ذكر فرد من العام لا يخصصه. قلنا الفرق بينهما أن مفهوم القيد حجة بخلاف مفهوم اللقب الذي ذكر فرد من العام منه كما مرّ. (وإن كان أحدهما مثبتا) أمرا أو خبرا (والآخر خلافه) نهيا أو نفيا نحو أعتق رقبة لا تعتق رقبة كافرة أعتق رقبة لا تجزئ رقبة كافرة أعتق رقبة مؤمنة لا تعتق رقبة تجزئ رقبة مؤمنة لا تجزئ رقبة. (قيد المطلق بضد الصفة) في المقيد ليجتمعا فيقيد في المثالين الأولين بالإيمان، وفي الأخيرين بالكفر. (وإلا) بأن كانا منفيين أو منهيين أو أحدهما منفيا والآخر منهيا نحو لا يجزئ عتق مكاتب لا يجزئ عتق مكاتب كافر لا تعتق مكاتبا لا تعتق مكاتبا كافرا. (قيد) المطلق (بها) أي بالصفة (في الأصح) من الخلاف في حجية مفهوم المخالفة، وقيل يعمل بالمطلق بناء على عدم حجية المفهوم (وهي) أي المسألة حينئذ (خاص وعام) لعموم المطلق في سياق النفي الشامل للنهي ويكون المقيد مخصصا لا مقيدا. وقولي إن كان إلى قولي في الأصح أعم مما عبر به. (وإن اختلف حكمهما) مع اتحاد سببهما كما في قوله تعالى في التيمم: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} وفي الوضوء: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق}، وسببهما الحدث مع القيام إلى الصلاة أو نحوها واختلاف الحكم من مسح المطلق وغسل المقيد بالمرفق ظاهر، إذ المسح خلاف الغسل. (أو) اختلف (سببهما) مع اتحاد حكمهما (ولم يكن ثم مقيد) في محلين (بمتنافيين) كما في قوله تعالى في كفارة الظهار: {فتحرير رقبة} وفي كفارة القتل: {فتحرير رقبة مؤمنة} (أو) كان ثم مقيد كذلك. و(كان) المطلق (أولى) بالتقييد (بأحدهما) من الآخر من حيث القياس كما في قوله تعالى في كفارة اليمين: {فصيام ثلاثة أيام} وفي كفارة الظهار: {فصيام شهرين متتابعين} وفي صوم التمتع: {فصيام ثلاثة أيام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم} (قيد) المطلق بالقيد أي حمل عليه (قياسا في الأصح) فلابد من جامع بينهما وهو في المثال الأول موجب الطهر، وفي الثاني حرمة سببهما من الظهار والقتل، وفي الثالث النهي عن اليمين والظهار، فحمل المطلق فيه على كفارة الظهار في التتابع أولى من حمله على صوم المتمتع في التفريق لاتحادهما في الجامع، والتمثيل به إنما هو على قول قديم، وقيل يحمل عليه في الأوليين لفظا أي بمجرد وجود اللفظ المقيد من غير حاجة إلى جامع، وقيل لا يحمل عليه في الثالثة بناء على أن الحمل لفظي. وقال الحنفي لا يحمل عليه لاختلاف الحكم أو السبب فيبقى المطلق على خلافه. أما إذا كان ثم مقيد في محلين بمتنافيين ولم يكن المطلق في ثالث أولى بالتقييد بأحدهما من حيث القياس كما في قوله تعالى في قضاء رمضان: {فعدة من أيام أخر} وفي كفارة الظهار: {فصيام شهرين متتابعين} وفي صوم التمتع ما مرّ. فيبقى المطلق على إطلاقه لامتناع تقييده بهما لتنافيهما وبواحد منهما لانتفاء مرجحه، فلا يجب في قضاء رمضان تتابع ولا تفريق والترجيح من زيادتي، ولو اختلف سببهما وحكمهما كتقييد الشاهد بالعدالة وإطلاق الرقبة في الكفارة لم يحمل المطلق على المقيد اتفاقا، وقيل على الراجح.

.الظاهر والمؤوّل:

أي هذا مبحثهما. (الظاهر) لغة الواضح واصطلاحا. (ما دل) على المعنى (دلالة ظنية) أي راجحة بوضع اللغة أو الشرع أو العرف، يحتمل غير ذلك المعنى مرجوحا كما مر أوائل الكتاب الأول كالأسد راجح في الحيوان المفترس لغة مرجوح في الرجل الشجاع والصلاة راجحة في ذات الركوع والسجود شرعا مرجوحة في الدعاء الموضوعة له لغة، والغائط راجح في الخارج المستقذر عرفا مرجوح في المكان المطمئن الموضوع له لغة، وخرج المجمل لتساوي الدلالة فيه، والمؤول لأنه مرجوح، والنص كزيد لأن دلالته قطعية. (والتأويل حمل الظاهر على المحتمل المرجوح فإن حمل) عليه (دليل فصحيح) الحمل. (أو لما يظنّ دليلًا) وليس دليلًا في الواقع (ففاسد أو لا لشيء فلعب) لا تأويل.
(والأول) أي التأويل قسمان (قريب) يترجح على الظاهر بأدنى دليل نحو: {إذا قمتم إلى الصلاة} أي عزمتم على القيام إليها و{إذا قرأت القرآن} أي أردت قراءته. (وبعيد) لا يترجح على الظاهر إلا بأقوى منه. (كتأويل) الحنفية (أمسك) من قوله صلى الله عليه وسلّم لغيلان لما أسلم على عشر نسوة: «أمسك أربعا وفارق سائرهن». (بابتدئ) نكاح أربع منهن بقيد زدته بقولي (في المعية) أي فيما إذا نكحهن معا لبطلانه كالمسلم بخلاف نكاحهن مرتبا فيمسك الأربع الأوائل، ووجه بعده أن المخاطب بمحله وهو أمسك قريب عهد بالإسلام لم يسبق له بيان شروط النكاح مع حاجته إلى ذلك، ولم ينقل تجديد نكاح منه ولا من غيره ممن أسلم مع كثرتهم وتوفر دواعي حملة الشرع على نقله لو وقع. (و) كتأويلهم (ستين مسكينا) من قوله تعالى: {فإطعام ستين مسكينا} (بستين مدا) بتقدير مضاف أي طعام ستين مسكينا وهو ستون مدا فيجوز إعطاؤه لمسكين واحد في ستين يوما كما يجوز إعطاؤه لستين مسكينا في يوم واحد، لأن القصد بإعطائه دفع الحاجة ودفع حاجة الواحد في ستين يوما كدفع حاجة الستين في يوم واحد، ووجه بعده أنه اعتبر فيه ما لم يذكر من المضاف وألغى فيه ما ذكر من عدد المساكين الظاهر قصده لفضل الجماعة وبركتهم وتظافر قلوبهم على الدعاء للمحسن. (و) كتأويلهم خبر أبي داود وغيره (لا صيام لمن لم يبيت) أي الصيام من الليل. (بالقضاء والنذر) لصحة غيرهما بنية من النهار عندهم ووجه بعده أنه قصر للعام النص في العموم على نادر لندرة القضاء والنذر. (و) كتأويل أبي حنيفة خبر ابن حبان وغيره (ذكاة الجنين ذكاة أمه) بالرفع والنصب (بالتشبيه) أي مثل ذكاتها أو كذكاتها، فالمراد بالجنين الحي لحرمة الميت عنده وأحله صاحباه كالشافعي، ووجه بعده ما فيه من التقدير المستغنى عنه ووجه استغنائه عنه على رواية الرفع وهي المحفوظة أن يعرب ذكاة الجنين خبرا لما بعده أي ذكاة أم الجنين ذكاة له، وعلى رواية النصب إن ثبتت أن يجعل على الظرفية أي ذكاة الجنين حاصلة وقت ذكاة أمه التي أحلتها، فالمراد الجنين الميت وأن ذكاة أمه أحلته تبعا لها.
المجمل ما لم تتضح دلالته من قول أو فعل كقيامه صلى الله عليه وسلّم من الركعة الثانية بلا تشهد لاحتماله العمد والسهو، وخرج المهمل إذ لا دلالة له والمبين لإيضاح دلالته. (فلا إجمال في الأصحّ في آية السرقة) وهي: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} لا في اليد ولا في القطع، وقيل مجملة فيهما لأن اليد تطلق على العضو إلى الكوع وإلى المرفق وإلى المنكب، والقطع يطلق على الإبانة وعلى الجرح، ولا ظهور لواحد من ذلك وإبانة الشارع من الكوع مبينة، لذلك قلنا لا نسلم عدم ظهور واحد، لأن اليد ظاهرة في العضو إلى المنكب والقطع ظاهر في الإبانة، وإبانة الشارع من الكوع دليل على أن المراد من الكل البعض. (و) لا في نحو: {حرمت عليكم الميتة} كحرمت عليكم أمهاتكم، وقيل مجمل. إذ لا يصح إسناد التحريم إلى العين لأنه إنما يتعلق بالفعل فلابد من تقديره، وهو محتمل لأمور لا حاجة إلى جميعها ولا مرجح لبعضها فكان مجملًا. قلنا المرجح موجود وهو العرف فإنه قاض، بأن المراد في الأول تحريم الأكل ونحوه، وفي الثاني تحريم التمتع بوطء ونحوه (و) لا في قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} وقيل مجمل لتردده بين مسح الكل والبعض ومسح الشارع الناصية مبين لذلك. قلنا لا نسلم تردده بين ذلك، وإنما هو لمطلق المسح الصادق بأقلّ ما ينطلق عليه الاسم وبغيره ومسح الشارع الناصية من ذلك. (و) لا في خبر البيهقي وغيره: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». وقيل مجمل، إذ لا يصح رفعها مع وجودها حسا فلابد من تقدير شيء وهو متردد بين أمور لا حاجة إلى جميعها ولا مرجح لبعضها فكان مجملًا. قلنا المرجح موجود وهو العرف فإنه قاض بأن المراد منه رفع المؤاخذة. (و) لا في خبر الترمذي وغيره: «لا نكاح إلا بولي». وقيل مجمل، إذ لا يصح النفي لنكاح بلا ولي مع وجوده حسا فلابد من تقدير شيء وهو متردد بين الصحة والكمال ولا مرجح لواحد منهما، فكان مجملًا. قلنا بتقدير تسليم ذلك المرجح لنفي الصحة موجود وهو قربه من نفي الذات إذ ما انتفت صحته لا يعتد به، فيكون كالمعدوم بخلاف ما انتفى كماله (لوضوح دلالة الكلّ) كما مرّ بيانه فلا إجمال في شيء منه (بل) الإجمال (وفي مثل القرء) لتردده بين الطهر والحيض لاشتراكه بينهما، وحمله الشافعي على الطهر، والحنفي على الحيض لما قام عندهما. (و) مثل (النور) لأنه صالح للعقل ونور الشمس مثلًا لتشابههما في الاهتداء بكل منهما. (و) مثل (الجسم) لأنه صالح للسماء والأرض مثلًا لتماثلهما سعة وعددا. (و) مثل (المختار) كمنقاد لتردده بين اسم الفاعل والمفعول بإعلاله بقلب يائه المكسورة أو المفتوحة ألفا. (و) مثل قوله تعالى (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) لتردده بين الزوج والولي وحمله الشافعي على الزوج ومالك على الولي لما قام عندهما (و) مثل قوله تعالى (إلا ما يتلى عليكم) للجهل بمعناه قبل نزول مبينه وهو: {حرمت عليكم الميتة} إلخ ويسري الإجمال إلى المستثنى منه وهو: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} (و) مثل قوله تعالى (الراسخون) من قوله: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به} لتردده بين العطف والابتداء وحمله الجمهور على الابتداء لما قام عندهم. (و) مثل (قوله عليه الصلاة والسلام) في خبر الصحيحين وغيرهما: «لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبه في جداره» لتردد ضمير جداره بين عوده إلى الجار أو إلى الأحد. وتردد الشافعي في المنع لذلك والجديد المنع لخبر الحاكم بإسناد صحيح في خطبة حجة الوداع: «لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس». وخشبه بلفظ الجمع والإضافة للضمير وروى خشبة بالإفراد والتنوين. (و) مثل (قولك زيد طبيب ماهر) لتردد ماهر بين رجوعه إلى طبيب وإلى زيد (و) مثل قولك (الثلاثة زوج وفرد) لتردد الثلاثة فيه بين اتصافها بصفتيها واتصاف أجزائها بهما، وإن تعين الثاني نظرا إلى صدق المتكلم به، إذ حمله على الأول يوجب كذبه.
(والأصح وقوعه) أي المجمل (في الكتاب والسنة) للأمثلة السابقة منهما ومنعه داود الظاهري، قيل ويمكن أن ينفصل عنها بأن الأول ظاهر في الزوج لأنه المالك للنكاح. والثاني مقترن بمفسره، والثالث ظاهر في الابتداء، والرابع ظاهر في عوده إلى الأحد لأنه محط الكلام. (و) الأصح (أن المسمى الشرعي) للفظ (أوضح من) المسمى (اللغوي) له في عرف الشرع لأن النبي بعث لبيان الشرعيات، فيحمل على الشرعي، وقيل لا في النهي فقيل هو مجمل، وقيل يحمل على اللغوي، والمراد بالشرعي ما أخذت تسميته من الشرع صحيحا كان أو فاسدا لا ما يكون صحيحا فقط. (وقد مرّ) ذلك في مسألة اللفظ إما حقيقة أو مجاز وذكر هنا توطئة لقولي (و) الأصح (أنه إن تعذر) أي المسمى الشرعي للفظ. (حقيقة رد إليه بتجوز) محافظة على الشرع ما أمكن، وقيل هو مجمل لتردده بين المجاز الشرعي والمسمى اللغوي، وقيل يحمل على اللغوي تقديما للحقيقة على المجاز، والترجيح من زيادتي، وهو ما اختاره في شرح المختصر كغيره مثاله خبر الترمذي وغيره: «الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أحل فيه الكلام» تعذر فيه مسمى الصلاة شرعا فيرد إليه بتجوّز بأن يقال كالصلاة في اعتبار الطهر والنية ونحوهما، وقيل يحمل على المسمى اللغوي وهو الدعاء بخير لاشتمال الطواف عليه فلا يعتبر فيه ما ذكر، وقيل مجمل لتردّده بين الأمرين. (و) الأصح (أن اللفظ المستعمل لمعنى تارة ولمعنيين ليس ذلك المعنى أحدهما) تارة أخرى على السواء وقد أطلق (مجمل) لتردده بين المعنى والمعنيين، وقيل يترجح المعنيان لأنه أكثر فائدة. (فإن كان) ذلك المعنى (أحدهما عمل به) جزما لوجوده في الاستعمالين (ووقف الآخر) للتردد فيه، وقيل يعمل به أيضا لأنه أكثر فائدة مثال الأول خبر مسلم: «لا ينكح المحرم ولا ينكح» بناء على أن النكاح مشترك بين العقد والوطء، فإنه إن حمل على الوطء استفيد منه معنى واحد، وهو أن المحرم لا يطأ ولا يوطأ أي لا يمكن غيره من وطئه أو على العقد استفيد منه معنيان بينهما قدر مشترك، وهما أن المحرم لا يعقد لنفسه ولا يعقد لغيره، ومثال الثاني خبر مسلم: «الثيب أحق بنفسها من وليها» أي بأن تعقد لنفسها أو بأن تعقد كذلك أو تأذن لوليها فيعقد لها ولا يجبرها، وقد قال تعقد لنفسها أبو حنيفة، وكذا بعض أصحابنا، لكن إذا كان في مكان لا وليّ فيه ولا حاكم.