فصل: الغاية المقصودة من علم أصول الفقه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: علم أصول الفقه



.الغاية المقصودة بهما:

.الغاية المقصودة من علم الفقه:

هي تطبيق الأحكام الشرعية على أفعال الناس وأقوالهم، فالفقه هو المرجع القاضي في قضائه، والمفتي في فتواه، ومرجع كل مكلف لمعرفة الحكم الشرعي فيما يصدر عنه من أقوال وأفعال، وهذه هي الغاية المقصودة من كل القوانين في أيّة أمّة، فإنها لا يقصد منها إلا تطبيق موادها وأحكامها على أفعال الناس وأقوالهم وتعريف كل مكلف بما يجب عليه وما يحرم عليه.
وأما:

.الغاية المقصودة من علم أصول الفقه:

فهي تطبيق قواعده ونظرياته على الأدلة التفصيلية للتوصل إلى الأحكام الشرعية التي تدل عليها. فبقواعده وبحوثه تفهم النصوص الشرعية ويعرف ما تدل عليه من الأحكام ويعرف ما يزال به من خفاء الخَفي منها، وما يرجح منها عند تعارض بعضها ببعض. وبقواعده وبحوثه يستنبط الحكم بالقياس أو الاستحسان أو الاستصحاب أو غيرها في الواقعة التي لم يرد نص بحكمها. وبقواعده وبحوثه يفهم ما استنبطه الأئمة المجتهدون حق فهمه، ويوازن بين مذاهبهم المختلفة في حكم الواقعة الواحدة، لأن فهم الحكم على وجهه والموازنة بين حكمين مختلفين لا يكون إلا بالوقوف على دليل الحكم ووجه استمداد الحكم من دليله، ولا يكون هذا إلا بعلم أصول الفقه فهو عماد الفقه المقارن.

.نشأة كل منها وتطوّره:

نشأت أحكام الفقه مع نشأة الإسلام، لأن الإسلام هو مجموعة من العقائد والأخلاق والأحكام العملية، وقد كانت هذه الأحكام العملية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مكونة من الأحكام التي وردت في القرآن، ومن الأحكام التي صدرت من الرسول صلى الله عليه وسلم فتوى في واقعة، أو قضاء في خصومة، أو جواباً عن سؤال. فكانت مجموعة الأحكام الفقهية في طورها الأول مكونة من أحكام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومصدرها القرآن والسنة.
وفي عهد الصحابة واجهتهم وقائع وطرأت لهم طوارئ لم تواجه المسلمين ولم تطرأ لهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فاجتهد فيها أهل الاجتهاد منهم وقضوا وأفتوا وشرعوا وأضافوا إلى المجموعة الأولى عدة أحكام استنبطوها باجتهادهم. فكانت مجموعة الأحكام الفقهية في طورها الثاني مكونة من أحكام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وفتاوى الصحابة وأقضيتهم، ومصادرها القرآن والسنة واجتهاد الصحابة. وفي هذين الطورين لم تدوّن هذه الأحكام ولم تشرع أحكام لوقائع فرضية بل كان التشريع فيهما لما حدث فعلاً من الواقع وما وقع من الحوادث، ولم تأخذ هذه الأحكام صبغة علمية بل كانت مجرد حلول جزئية لوقائع فعلية ولم تُسَم هذه المجموعة علم الفقه ولم يسم رجالها من الصحابة الفقهاء.
وفي عهد التابعين وتابعي التابعين والأئمة المجتهدين وهو بالتقريب القرنان الهجريان الثاني والثالث اتسعت الدولة الإسلامية ودخل في الإسلام كثيرون من غير العرب، وواجهت المسلمين طوارئ ومشاكل وبحوث ونظريات وحركة عمرانية وعقلية حملت المجتهدين على السعة في الاجتهاد والتشريع لكثير من الوقائع، وفتحت لهم أبواباً من البحث والنظر، فاتسع ميدان التشريع للأحكام الفقهية.
وشرعت أحكام كثيرة لوقائع فرضية، وأضيفت إلى المجموعتين السابقتين أحكام كثيرة، فكانت مجموعة الأحكام الفقهية في طورها الثالث مكونة من أحكام الله ورسوله، وفتاوى الصحابة وأقضيتهم، وفتاوى المجتهدين واستنباطهم، ومصادرها القرآن والسنة واجتهاد الصحابة والأئمة المجتهدين.
وفي هذا العهد بُدئ بتدوين هذه الأحكام مع البدء بتدوين السنة، واصطبغت الأحكام بالصبغة العلمية لأنها ذكرت معها أدلتها وعللها والأصول العامة التي تتفرغ عنها، وسمي رجالها الفقهاء وسمي العلم علم الفقه، ومن أول ما دون فيها فيما وصل إلينا موطأ مالك بن أنس- رضي الله عنه-، فإنه جمع فيه بناء على طلب الخليفة المنصور ما صح عنده من السنة ومن فتاوى للصحابة والتابعين وتابعيهم، فكان كتاب حديث وفقه وهو أساس فقه الحجازيين، ثم دون الإمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة عدة كتب في الفقه هي أساس فقه العراقيين، ودون الإمام محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة كتب ظاهر الرواية الستة التي جمعها الحاكم الشهيد في كتابه الكافي وشرحه السرخسي في كتابه المبسوط وهي مرجع فقه المذهب الحنفي، وأملى الإمام محمد بن إدريس الشافعي بمصر كتابه (الأم) وهو عماد فقه المذهب الشافعي.
أما علم أصول الفقه فلم ينشأ إلا في القرن الثاني الهجري، لأنه في القرن الهجري الأول لم تدع حاجة إليه، فالرسول كان يفتي ويقضي بما يوحى به إليه ربه من القرآن، ولما يلهم به من السنن، وبما يؤديه إليه اجتهاده الفطري من غير حاجة إلى أصول وقواعد يتوصل بها إلى الاستنباط والاجتهاد. وأصحابه كانوا يفتون ويقضون بالنصوص التي يفهمونها بملكتهم العربية السليمة من غير حاجة إلى قواعد لغوية يهتدون بها على فهم النصوص، ويستنبطون فيما لا نص فيه بملكتهم التشريعية التي ركزت في نفوسهم من صحبتهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ووقوفهم على أسباب نزول الآيات وورود الأحاديث، وفهمهم مقاصد الشارع ومبادئ التشريع. ولكن لما اتسعت الفتوح الإسلامية واختلط العرب بغيرهم وتشافهوا وتكاتبوا ودخل في العربية كثير من المفردات والأساليب غير العربية، ولم تبق المَلَكَة اللّسانية على سلامتها، وكثرت الاشتباهات والاحتمالات في فهم النصوص دعت الحاجة إلى وضع ضوابط وقواعد لغوية يقتدر بها على فهم النصوص كما يفهمها العربي الذي وردت النصوص بلغته، كما دعت إلى وضع قواعد نحوية يقتدر بها على صحة النطق.
وكذلك لما بعد العهد بفجر التشريع، واحتدم الجدال بين أهل الحديث وأهل الرأي، واجترأ بعض ذوي الأهواء على الاحتجاج بما لا يحتج به، وإنكار بعض ما يحتج به، دعا كل هذا إلى وضع ضوابط وبحوث في الأدلة الشرعية وشروط الاستدلال بها وكيفية الاستدلال بها، ومن مجموعة هذه البحوث الاستدلالية وتلك الضوابط اللغوية تَكوّن علم أصول الفقه.
ولكنه بدأ صغيرا كما يوجد كل مولود أول نشأته ثم تدرج في النمو حتى بلغت أسفاره المائتين. بدأ منثورا مفرقا في خلال أحكام الفقه لأن كل مجتهد من الأئمة الأربعة وغيرهم كان يشير إلى دليل حكمه ووجه استدلاله به، وكل مخالف كان يحتج على مخالفة بوجوه من الحجج، وكل هذه الاستدلالات والاحتجاجات تنطوي على ضوابط أصولية.
وأول من جمع هذه المتفرقات مجموعة مستقلة في سِفْر على حدة، الإمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة كما ذكر ابن النديم في الفهرست ولكن لم يصل إلينا ما كتبه.
وأول من دون من قواعد هذا العلم وبحوثه مجموعة مستقلة مرتبة مؤيدا كل ضابط منها بالبرهان ووجهة النظر فيه الإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 204 للهجرة، فقد كتب فيه رسالته الأصولية التي رواها عند عنه صاحبه الربيع المرادي، وهي أول مدوّن في العلم وصل إلينا فيما نعلم، ولهذا اشتهر على ألسنة العلماء أنّ واضع أصول علم الفقه الإمام الشافعي- رضي الله عنه-.
وتتابع العلماء على التأليف في هذا العلم بين إسهاب وإيجاز.
وقد سلك علماء الكلام طريقا في التأليف في هذا العلم، وسلك علماء الحنفية طريقا آخر في التأليف فيه.
فأما علماء الكلام فتمتاز طريقتهم بأنهم حققوا قواعد هذا العلم وبحوثه تحقيقا منطقيا نظريا وأثبتوا ما أيده البرهان، ولم يجعلوا وجهتهم انطباق هذه القواعد على ما استنبطه الأئمة المجتهدون من الأحكام ولا ربطها بتلك الفروع، فما أيده العقل وقام عليه البرهان فهو الأصل الشرعي سواء أوافق الفروع المذهبية أم خالفها، ومن هؤلاء أكثر الأصوليين من الشافعية والمالكية.
ومن أشهر الكتب الأصولية التي ألفت على هذه الطريقة كتاب المستصفى لأبي حامد الغزالي الشافعي المتوفى سنة 505هـ، وكتاب الأحكام لأبي حسن الآمدي الشافعي سنة 631هـ، وكتاب المنهاج للبيضاوي الشافعي المتوفى سنة 685هـ، وأحسن شروحه شرح الإسنوي.
وأما علماء الحنفية فتمتاز طريقتهم بأنهم وضعوا القواعد والبحوث الأصولية التي رأوا أن أئمتهم بنوا عليها اجتهادهم، فهم لا يثبتون قواعد وبحوثا نظرية، وإنما يثبتون قواعد عملية عنها أحكام أئمتهم، ورائدهم في تحقيق هذه القواعد والأحكام التي استنبطها أئمتهم بناء عليها لا مجرد البرهان النظري، ولهذا أكثروا في كتبهم من ذكر الفروع، وصاغوا في بعض الأحيان القواعد الأصولية على ما يتفق وهذه الفروع، فكانت وجهتهم استمداد أصول فقه أئمتهم من فروعهم.
ومن أشهر الكتب الأصولية التي ألفت على هذه الطريق أصول أبي زيد الدبوسي المتوفى سنة 430 هـ، وأصول فخر الإسلام البزدوي المتوفى سنة 483هـ، وكتاب المنار للحفاظ النسفي المتوفى سنة 790هـ، وأحسن شروحه: مشكاة الأنوار.
وقد سلك بعض العلماء في التأليف في هذا العلم طريقا جامعا بين الطريقتين السابقتين فعنى بتحقيق القواعد الأصولية وإقامة البراهين عليها، وعني كذلك بتطبيقها على الفروع الفقهية وربطها بها. ومن أشهر الكتب الأصولية التي ألفت على الطريقة المزدوجة كتاب بديع النظام الجامع بين البزدوي والأحكام لمظفر الدين البغدادي الحنفي المتوفى سنة 694هـ، وكتاب التوضيح لصدر الشريعة، والتحرير للكمال بن الهمام، وجمع الجوامع لابن السبكي.
ومن المؤلفات الحديثة الموجزة المفيدة في هذا العلم:
كتاب إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للإمام الشوكاني المتوفى سنة 1250هـ.
وكتاب أصول الفقه للمرحوم الشيخ محمد الخضري بك، المتوفى سنة 1927م.
وكتاب تسهيل الوصول إلى علم الأصول للمرحوم الشيخ محمد عبدالرحمن عيد المحلاوي المتوفى سنة 1920م.
ونحمد الله الذي وفقنا إلى الإطلاع على الكثير من هذه الكتب وهدانا إلى هذه الخلاصة الوافية التي بينّا فيها مصادر التشريع الإسلامي أجلى بيان وكشفنا عن مرونتها وخصوبتها وسعتها، وبينّا فيها مباحث الأحكام بيانا قرب فهمها وجلى حكمة الشارع فيما شرعه، وصِغنا فيها البحوث اللغوية والتشريعية بصيغة القواعد ليسهل فهمها وتطبيقها، وراعينا في الأمثلة التطبيقية أن تكون من النصوص الشرعية ومن قوانيننا الوضعية ليعرف كيف ينتفع عملاً بهذا العلم، وأشرنا في كثير من المواضيع إلى المقارنة بين أصول الأحكام الشرعية وأصول القوانين الوضعية ليتبين أن مقصد الاثنين واحد وهو الوصول إلى فهم الأحكام من نصوصها فهما صحيحا، وتحقيق مقاصد الشارع مما شرعه، وتأمين نصوص القوانين من العبث بها.
وأهم ما ألفت النظر إليه أن بحوث علم أصول الفقه وقواعده ليست بحوثا وقواعد تعبدية وإنما هي أدوات ووسائل يستعين بها المشرع على مراعاة المصلحة العامة والوقوف عند الحد الإلهي في تشريعه، ويستعين بها القاضي في تحري العدل في قضائه وتطبيق القانون على وجهه، فهي ليست خاصة بالنصوص الشرعية والأحكام الشرعية.
تنبيه:
تعريف العلم، وموضوعه، وغايته، ومنشؤه، ونسبته إلى سائر العلوم، وواضعه وحكم الشرع فيه، ومسائله، هذه كلها تسمى مبادئ العلم.
وهي تكون للعلم صورة إجمالية تجعل من يشرع في دراسته ملمّاً به، ولهذا اعتاد المؤلفون أن يقدموا مؤلفهم في العلم بمقدمة في بيان مبادئه.
وقد ألف كثير من العلماء رسائل خاصة في مبادئ العلوم ومنها رسالة مطبوعة صغيرة الحجم كبيرة الفائدة للمرحوم الشيخ على رجب الصالحي اسمها تحقيق مبادئ العلوم الإحدى عشر.
وابن خلدون في المقدمة كتب في القسم الأخير منها فصولا ممتعة في العلوم الشرعية واللغوية والعقلية، بين فيها تعريف كل علم ونشأته وتطوره.