فصل: باب المرأة من أهل الحرب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **


  باب المرأة من أهل الحرب

تخرج مع رجل من المسلمين فيقول‏:‏ أسرتهم وهي تقول‏:‏ جئت مستأمنة وإذا دخل العسكر دار الحرب فخرج إليهم مسلم كان أسيراً أو كن مستأمناً فهيم أو كان أسلم منهم والتحقق بجيش المسلمين ومعه حربية فقالت‏:‏ جئت مستأمنة إليكم وقال المسلم‏:‏ جئت بها قهراً فهذا إنما يكون على ما جاءت عليه المرأة فإن كانت مخلاة غير مربوطة تمشي معه حتى إذا انتهت إلى أدنى مسالح المسلمين نادت بالأمان أو لم تناد فهي آمنة لأن الظاهر شاهد لها فإنها جاءت مجيء المستأمنات‏.‏

ولو جاءت وحدها بهذه الصفة كانت آمنة فكذلك إذا صحبها مسلم في الطريق لأنه بمجرد هذه الصحبة لا تثبت اليد عليها للمسلم فهي في يد نفسها فالذي يسبق إلى فهم كل أحد أنها طاوعته في المجيء مستأمنة وقد بينا أنه فيما لا يمكن الوقوف على حقيقته يعتبر الظاهر وغالب الرأي‏.‏

وإن كان الرجل جاء بها وهو قاهر لها قد ربطها فنادت بالأمان أو لم تناد فهي فيء لأن الظاهر أنه هو الذي أسرها وأخرجها وقد كانت يده بطريق القهر ثابتة عليها وذلك سبب لاستحقاقه نفسها فإنها حربية لا أمان لها إلا أنه حين أحرزها بمنعة الجيش فالجيش شركاؤه فيها لأن الإحراز بالدار حصل بهم جميعاً‏.‏

ولو لم يخرجها إلى عسكر المسلمين ولكن أخرجها إلى دار الإسلام فهذا والأول سواء إلا في خصلة واحدة وهو أنه يختص بها هنا إذا جاء به قاهراً لها لأنه تفرد بإحراز بدار الإسلام ولا خمس فيها لأنه ما أصابها على وجه إعلاء كلمة الله تعالى فهو بمنزلة ما أخذه المتلصص وأحرزه بدار الإسلام‏.‏

فإن قالت‏:‏ تزوجته وخرجت معه وقال هو‏:‏ كذبت بل قهرتها وأخرجتها أو هي أمة اشتريتها ووهبت لي لم يصدق على شيء من ذلك إذا جاءت معه مخلاة لأنها في يد نفسها فإقرارها بأنه تزوجها غير مسقط حكم يدها في نفسها فكانت مستأمنة إلا أن يأتي بها مقهورة يعرف قهره إياها في دار الحرب فحينئذ يكون القول قوله لأن باعتبار ما ظهر من القهر في موضعه سقط حكم يدها في نفسها‏.‏

وكذلك إذا جاء معه برقيق فقالوا‏:‏ نحن أحرار فقال هو‏:‏ بل هم عبيدي وقد جاءوا معه غير مقهورين ولا مربوطين فالقول قولهم سواء نادوا بالأمان حين انتهوا إلى مسالح المسلمين أو لم ينادوا لأنهم لو جاءوا وحدهم بهذه الصفة كانوا آمنين‏.‏

فكذلك إذا جاءوا معه‏.‏

فإن أقام عليهم ببينة من المسلمين أو من أهل الذمة أو من المستأمنين عدول أنه كان أسرهم وقهرهم قبلت البينة وكانوا عبيداً له لأن الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم‏.‏

ولو أقروا أنه قهرهم في دار الحرب أو علمنا ذلك معاينة كانوا عبيداً له وفي زعم الخصوم أنهم من أهل الحرب مستأمنون وشهادة الحربي المستأمن على المستأمن مقبولة فلهذا قبلت شهادة الكل وإن كان انتهى إلى أدنى مسالح المسلمين وليس بقاهر لهم ولا يعلم أنهم في يده فنادوا بالأمان حيث ينادون به أو لم ينادوا فهم آمنون لا سبيل عليهم كما لو جاءوا وليس معهم مسلم وإن لم ينادوا بالأمان وكانوا رجالاً ولم يظهر منهم أمر يدل على أنهم جاءوا مستأمنين ولا يعلم أنه قاهر لهم أيضاً فهو بمنزلة حربي خرج إلى دارنا بغير أمان وقد بينا الحكم في ذلك والحاصل أنه لما لم يكن له يد عليهم حساً فهم في يد أنفسهم حقيقة وحكماً كان خروجهم دونه في الحكم سواء ولو كان هذا المسلم خرج ومعه امرأة ولم يستأمن لها فأراد المسلمون أخذها لتكون فيئاً فقال‏:‏ هذه امرأتي وصدقته بذلك فهي امرأته لتصادقهما على النكاح في حال لم يتقرر لأحد فيها حق وإذا ثبت النكاح كانت حرة ذمية لأنه حين خرج بها بناء على النكاح الذي بينهما فقد أمنها وأمان الواحد من المسلمين بعدما خرج من قهر أهل الحرب كأمان جماعتهم ثم هي مستأمنة تحت مسلم فتصير ذمية بمنزلة المستأمنة في دارنا فتصير هي من أهل دارنا تبعاً له وكذلك لو خرج بسبي فقال‏:‏ هؤلاء عبيدي وإمائي وصدقوا بذلك لأنهم تصادقوا على ذلك قبل أن يثبت الحق فيهم للمسلمين ومعنى الحاجة والضرورة يتحقق هاهنا فالمستأمن في دارهم أو الذي أسلم يخرج عبيده وزوجته ولا يمكنه أن يستصحب شاهدين مع نفسه أنهم له فلا بد من بناء الحكم على قولهم إذا تصادقوا عليه وإن كذبوه كانوا فيئاً لأنهم من أهل الحرب دخلوا في دارنا بغير أمان وإن قالوا‏:‏ نحن عبيد وإماء لأهل الحرب خرجنا نريد الأمان ولسنا لهذا الرجل فإن كان قاهراً لهم حين أخرجهم فهم له لأنهم أقروا بالرق على أنفسهم وذلك يسقط اعتبار يدهم في أنفسهم وقد ظهر سبب استحقاقه لهم وهو القهر في موضعه وإن لم يعلم أنهم في يده‏.‏

فإذا كانوا نادوا بالأمان حين دنوا من أدنى المسالح فهم آمنون لأنه لم يثبت له سبب الاستحقاق منهم وهو اليد القاهرة عليهم وقد نادوا بالأمان في موضعه فالظاهر أنهم صادقون جاءوا مستأمنين ولو جاءوا بهذه الصفة وحدهم كانوا آمنين على ما بينا زن المستأمنين لا يقدرون على طلب الأمان إلا بهذه الصفة فكذلك إذا جاءوا معه وكذلك إن كان المسلمون يرونهم على موضع بعيد لا يسمعون فيه النداء بالأمان فوقع في قلب المسلمين أنهم يريدون الأمان فلما بلغوا إلى الموضع الذي يسمع فيه النداء بالأمان نادوا أو لم ينادوا فهم آمنون لأنهم جاءوا منقادين وذلك دليل على أنهم طالبون للأمان والدليل في مثل هذا كالصريح فإن زعموا أنهم عبيد لأهل الحرب فهم عبيد كما ذكروا يمكنون من الرجال إلى مواليهم كما هو حكم الأمان وإن قالوا‏:‏ جئنا مراغمين لموالينا نريد الذمة أو نريد الإسلام فهم أحرار لا سبيل لمواليهم عليهم ولو جاءوا مستأمنين وأقاموا البينة من المسلمين على ذلك فكذلك لأنهم أحرزوا أنفسه بدارنا على مواليهم ولو قهروا مواليهم فأحرزوهم بدارنا ملكوهم فكذلك إذا أحرزوا أنفسهم يملكون رقابهم‏.‏

ومن ملك نفسه عقت ولا ولاء عليه لأحد لأنه عتق بملك نفسه والأصل فيه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الطائف‏:‏ ‏"‏ أيما عبد خرج إلينا مسلماً فهو حر ‏"‏ فخرج إليه سبعة أعبد فأعتقهم وكانوا يسمون عتقاء الله ثم لا فرق بين أن يخرجوا مسلمين أو ذمة لأن الذمي من أهل دارنا كالمسلم فيتم فيهم إحراز أنفسهم بالطريقين‏.‏

وإن قدم مواليهم فزعموا أنهم أذنوا لهم في الخروج إلى دار الإسلام للتجارة فالقول قول الموالي لأنهم تصادقوا على أنهم كانوا مملوكين لهم ثم ادعوا سبب زوال ملك الموالي عنهم وهو المراغمة فلا يصدقون على ذلك إلا بحجة بمنزلة العبد يدعي أن مولاه أعتقه وهذا لأن الموالي يتمسكون بما هو الأصل والأصل أن العبد غير مراغم والقول قول من يتمسك بالأصل مع يمينه‏.‏

فيستحلف الإمام الموالي بالله إن طلب العبيد ذلك ثم إذا حلفوا أنهم عبيد لهم وإن كانوا أسلموا أجبروا على بيعهم لأن العبد المسلم كما لا يترك في يد الذمي لا يترك في يد الحربي ليرجع به إلى دار الحب وفي الإجبار على البيع هاهنا مراعاة حق العبد من حيث إزالة ذلك الكافر عنه والمستأمن يؤخذ بمثال هذا كالذمي فأما من صار منهم قبول الذمة مقصوداً ألا ترى أن الحربي المستأمن في دارنا إذا كان معه عبد أدخله مع نفسه فطلب العبد أن يكون ذمة لنا لا نجيبه إلى ذلك فإن كان الإمام أخذ منه الخراج قبل رده على مولاه لأنه كسب عبده ولا بأس بأن يأخذ منه الخراج قبل أن يأتي مولاه لأنه يبني الحكم على الظاهر وهو في الظاهر مصدق فيما يقول ما لم يأت من يكذبه وهذا كله إذا علم أنه كان عبداً له بحجة سوى إقراره وإن لم يعلم ذلك إلا بإقرار العبد فإن كان حين نادى بالأمان أو رآه المسلمون أخبر أنه عبد جاء غير مراغم لمولاه صدق أيضاً ودفع إلى مولاه لأنه أقر بذلك قبل أن يصير من أهل دارنا وقبل أن يتعلق حق المسلمين به فلا تتمكن التهمة في إقراره‏.‏

ولو لم يكن أقر أنه عبد حتى صار ذمة وأخذ منه الخراج ثم جاء مستأمن فادعى أنه عبده بعثه إلى دار الإسلام للتجارة بأمان وصدقه بذلك الذمي فإن الإمام لا يصدقه على ما قبض من الخراج ليرده ولا على رقبته ليعيده إلى دار الحرب ولكنه يجعله عبداً له بإقراره على نفسه لأن الإقرار خبر محتمل بين الصدق والكذب فلا يكون حجة فيما يتمكن فيه التهمة فيكون حجة على المقر فيما لا تهمة فيه وفي صيرورته ملكاً للمقر له لا تهمة فيه فأما في رده إلى دار الحرب فتتمكن التهمة لأنه صار من أهل دارنا ممنوعاً من الرجوع إلى دار الحرب فلعله واضع هذا الرجل حين لم يعجبه المقام في دارنا حتى يقر له بالرق فيرده إلى دار الحرب وليس من ضرورة صيرورته عبداً له أن يتمكن من رده إلى دار الحرب كما لو اشترى عبداً ذمياً في دارنا أو أسلم عبده فيجبر على بيعه ولا يمكن من أن يرده إلى دار الحرب ولا إشكال أن ما قبض منه من الخراج قد صار حقاً للمقاتلة فلا يصدق هو في إيجاب رد ذلك على الحربي‏.‏

فإن أقام الحربي بينة من المسلمين على ما ادعى من الرق فإنه يدعه ليرده إلى دار الحرب ويرد عليه ما أخذه من الخراج لأنه أثبت حقه بما هو حجة على المسلمين‏.‏

وإن شهد على ذلك قوم من أهل الحرب مستأمنون لم يقبل شهادتهم ولم يقض عليهم بالرق إذا كان هو منكراً لذلك لأنه ذمي وشهادة الحربي لا تكون حجة على الذمي‏.‏

وإن شهد عليه قوم من أهل الذمة جعله عبداً له لأن في هذا الحكم الشهادة تقوم عليه وشهادة أهل الذمة حجة على الذمي‏.‏

ولم تقبل شهادتهم في رد الخراج عليه ولا في رده إلى دار الحرب لأن في هذا الحكم الشهادة تقوم على المسلمين وشهادة أهل الذمة ليست بحجة على المسلمين وليس من ضرورة ثبوت أحد الحكمين ثبوت الحكم الآخر ولو كان أسلم لم يقبل عليه إلا شهود مسلمون فإذا قضي بشهادتهم جعله عبداً له وأجبره على بيعه كما لو أقر العبد بذلك‏.‏

قال‏:‏ فإذا استأمن الحربي إلى أهل الإسلام فآمنوه فخرج معه بامرأة وبأطفال صغار فقال‏:‏ هذه امرأتي وهؤلاء ولدي ولم يكن ذكرهم في الأمان فالقياس في هذا أنهم فيء غيره لأنه طلب الأمان لنفسه دون غيره وحكم الأمان لا يتعدى إلى من كان منفصلاً عنه ولأنه لم يوجد منه استئمان لهؤلاء إشارة ولا دلالة ولكن هذا قبيح فيجعلون جميعاً آمنين بأمانه استحساناً لأنه إنما يستأمن إلينا فراراً منهم لمعنى هو أعلم به أو ليقيم في دارنا زماناً ويتجر بما يتم له هذا المقصود إذا خرج بزوجته أولاده الصغار فإن قلت‏:‏ المرء مع عياله فهذا دليل استئمانه لهم ثم هم تبع له من حيث إنه يعولهم وينفق عليهم والتبع يصير مذكوراً بذكر الأصل إلا إذا كان هناك عرف يمنع منه والعرف هنا مؤيد لهذا المعنى ألا ترى أن الذمي في دارنا يؤدي الجزية ولا جزية على اتباعه وذراريه من النساء وأولاده الصغار وكذلك لو جاء معه بسبي كثير فقال هؤلاء رقيقي وصدقوه أو كانوا صغاراً لا يعبرون عن أنفسهم أو كان معه دواب عليها متاع ومعها قوم يسوقونها فقال‏:‏ هؤلاء غلماني فصدقوه في ذلك كان مصدقاً مع يمينه لما بينا أن الظاهر شاهد له فإنه يستصحب ماله سواء جاء للتجارة أو على قصد الفرار منهم ولو جاء وحد ه لا شيء معه هلك جوعاً في دارنا وإنما طلب الأمان لنفسه حتى يتمكن من القرار في دارنا زماناً فدخل ماله في ذلك تبعاً إلا أن الإمام يستحلفه لتنتفي تهمة الكذب بيمينه ومن كذبه من الرقاب الذين معه كان فيئاً وجميع ما معه لأن الرق لم يثبت في حقه إذا كذبه والتبعية في الأمان تبتنى على ذلك فكان هذا حراً حربياً في دارنا لا أمان له فيكون فيئاً مع ما معه‏.‏

وإن قال‏:‏ ليست الدواب دوابي ولا الذين يسوقونها بغلماني ولكن المتاع متاعي استأجرتهم ليحمل ذلك معي فصدقوه فالقياس أنهم فيء ودوابهم لأنه لم يستأمن لهم ولا استأمنوا لأنفسهم إشارة ولا دلالة‏.‏

وفي الاستحسان هم آمنون مع دوابهم لأن المستأمن لا يمكنه أن يأتي بالأمتعة إلى دارنا على ظهره ليجر فيها ولكن من عادة التجار الكراء في مثل هذا وثبوت الأمان لهم من جملة حوائجه ومما يتم به مقصوده فيتعدى حكم الأمان إليهم بهذا الطريق كما يتعدى إلى زوجته وولده ويصير كأنه استأمن لهم وإن كان معه رجال فقال‏:‏ هؤلاء أولادي فهم فيء لأنهم أصول قد خرجوا بالبلوغ من أن يكونوا تبعاً له من حكم الأمان كما أنهم في حكم الذمة والإسلام لا يتبعونه وكان ينبغي لهم أن يستأمنوا لأنفسهم فإذا لم يفعلوا كانوا فيئاً وإن كانوا صغاراً يعبرون عن أنفسهم فقال‏:‏ هم ولدي وصدقوه فهم آمنون لأنهم أتباعه ما لم يبلغوا ألا ترى أنهم يتبعونه في الذمة والإسلام وإن كانوا يعبرون عن أنفسهم فكذلك في الأمان وإن كذبوه فهم فيء للمسلمين لأن نسبهم لا يثبت منه عند تكذيبهم إذا كانوا يعبرون عن أنفسهم وقد زعموا أنهم صاروا فيئاً حين دخلوا بغير أمان وقول من يعبر عن نفسه في هذا مقبول وإن كان صغيراً كمجهول الحال إذا أقر على نفسه بالرق لإنسان وصدقه المقر له وإن كان معه صغار لا يعبرون عن أنفسهم فقال‏:‏ سرقتهم من دار الحرب وأخرجتهم أو هم أيتام كانوا في عيالي فأخرجتهم معين فهم له لا سبيل عليه لأن يده عليهم مستقرة إذا كانوا لا يعبرون عن أنفسهم فيجب قبول قوله فيهم وقد زعم أنه استولى عليهم في دار الحرب بطريق السرقة فهم مماليكه وأتباع له أو أنهم في عياله أتباعه بسبب إنفاقه عليهم وما كانوا يجيئون إلى دارنا إلا معه فهم بمنزلة أهله‏.‏

ولو خرج بنساء قد بلغن فقال‏:‏ هؤلاء بناتي وصدقنه فهن فيء في القياس لأن معنى التبعية يزول ببلوغهن حتى لا يصرن مسلمات بإسلامه فهن بمنزلة الذكور البالغين من أولاده‏.‏

وفي الاستحسان هن آمنات لأنهن في عياله ونفقته ما لم يتحولن إلى بيوت الأزواج وبنى هذا الحكم على الظاهر فالنساء لا يستأمن لأنفسهن عادة ولكن يكن مع آبائهن أو أزواجهن بخلاف الذكور من الأولاد لأن الذكور بعد الإدراك مقاتلة فلا يحصل الأمان لهم إلا بالاستئمان مقصوداً والنساء آمنات عن القتل وإنما حاجتهن إلى الأمان لدفع الاسترقاق عن أنفسهن ويمكن إثبات ذلك لهن بالاتباع لآبائهن في حكم الأمان‏.‏

وعلى هذا الأمهات والجدات والأخوات والعمات والخالات ومن معه منهن فهن آمنات تبعاً له بخلاف الآباء والأجداد فإنه لا يتبعه في الأمان أحد من المقاتلة إلا عبده وأجيره استحساناً لتحقق حاجته إلى استصحابهم مع نفسه إما للتجارة فيهم أو لنقل أمتعة التجارة بهم وكل من كان آمناً بأمانه نعلم أنه كما قال إذا ادعى ذلك وصدقه الآخر فهو آمن لتصادقه عليه قبل ثبوت حق المسلمين فيه وإن كذبه ثم صدقه كان فيئاً لأن بتكذيبه يثبت حق المسلمين فيه فتصديقه بعد ذلك إبطال لحق المسلمين وهو مناقض في ذلك وإن صدقه ثم كذبه كان فيئاً أيضاً لإقراره على نفسه بثبوت حق الاسترقاق فيه وذلك مقبول منه‏.‏

إلا رقيقه وأولاده الصغار الذين يعبرون عن أنفسهم أما رقيقه فلأن ملكه تقرر فيهم بالتصديق فلا يبقى لهم قول في إبطال ملكه‏.‏

وأما أولاده فقد ثبت نسبهم بالتصديق وتأكدت حريتهم باعتبار أمانه ولا قول لهم بعد ذلك في الإقرار بالرق على أنفسهم بمنزلة معروف النسب وحر الأصل إذا أقر بالرق على نفسه وهو صغير يعبر عن نفسه فإنه لا يقبل قوله‏.‏

أما ابنته وزوجته وأخته وعمته إذا كذبت بعد التصديق كانت فيئاً لإقرارها بالرق على نفسها فإن قيل‏:‏ فقد ثبت نسب الابنة منه حين صدقته قلنا‏:‏ نعم ولكن ليس من ضرورة ثبوت نسبها منه بطلان إقرارها بالرق على نفسها والبالغة مقبولة القول فيما يضرها بخلاف الصغير الذي يعبر عن نفسه فإنه مقبول القول فيما ينفعه لا فيما يضره ولا يمكن إثبات الرق بإقرار بعدما ظهرت حريته بتصديقه فإن قيل‏:‏ أليس أن هذا الصغير لو كان في يد رجل وهو مجهول الحال فأقر بأنه عبده كان عبداً له قلنا‏:‏ نعم ولكن لا بإقراره بل بدعوى ذلك الرجل إلا أن من يعبر عن نفسه لم تكن يد الغير مستقرة عليه فإذا ادعى أنه حر وجب الأخذ بقوله وحين قال‏:‏ أنا عبد له فقد تقررت يد ذي اليد عليه فيثبت الق بدعوا ذي اليد وباعتبار يده كما لو كان ممن لا يعبر عن نفسه فأما أن ثبت الرق بإقراره فلا لأن إقرار الصبي بما يتردد بين النفع والضر لا يصح فكيف يصح إقراره بما يضره‏.‏

ولو أن المسلمين حاصروا حصناً فطلب إليهم رجل الأمان على أن ينزل إليهم فأعطوه ذلك فخرج ومعه امرأته وولده الصغار ورقيقه وماله فذلك كله فيء غيره لأن هذا قد صار مقهوراً خائفاً على نفسه وإنما يطلب الأمان لينجو بنفسه وفي تحصيل هذا المقصود لا حاجة إلى اتباع شيء من هؤلاء معه بخلاف الأول فإنه كان في داره غير خائف وإنما استأمن إلى دارنا ليسكن فيها ويتجر ولا يتم له هذا المقصود إلا باستصحاب هؤلاء‏.‏

والثاني‏:‏ أن حق المسلمين قد ثبت في جميع ما في الحصن هنا فإن المحصور كالمأخوذ فلهذا يتوقف حكم تصرفاته فالحاجة إلى إبطال حق المسلمين عنهم بعدما ثبت وذلك بالنص يكون لا بدلالة الحال فأما الذي استأمن إلى دارنا لم يثبت حق المسلمين فيمن استصحبهم معه وإنما حاجتهم إلى منع ثبوت حق الاسترقاق فيهم ودلالة الحال يكفي لذلك ولكن هذا المحصور إن خرج إلينا بسلاح كما يلبس الناس راكباً على دابة ومعه نقد بقدر نفقته في حقويه فذلك سالم له استحساناً لأنه لا يمكنه أن يخرج عرياناً ولو فعل ذلك أنكرنا ما عليه ويحتاج إلى لبس السلاح أيضاً ليرى أصحابه أنه يخرج إلى القتال أو يدفع شرهم عن نفسه إن روموه بعدما خرج وربما لا يمكنه أن يمشي فيحتاج إلى أن يخرج راكباً على دابته ويحتاج إلى نفقته أيضاً لأنه يعلم أنه لا يعطي شيئاً في عسكر المسلمين فإنه يكفيه منهم أن ينجو رأساً برأس ولو لم يستصحب نفقته مات جوعاً فلا يحصل مقصوده فباعتبار هذا المعنى يصير هذا القدر مستثنى من جملة ما يستصحبه مع نفسه فيسلم له كما أن الطعام والكسوة مما يشتريه كل واحد من المتفاوضين يصير مستثنى عن مقتضى الشركة لعلمنا بوقوع الحاجة إليه استحساناً‏.‏

ثم أوضع الفرق بين المحصور وبين الذي جاء مستأمناً إلى دارنا فقال‏:‏ ألا ترى أن المحصور لو نادى بالأمان وانحط إلى المسلمين من غير أن يؤمنوه كان فيئاً والذي جاء إلى أدنى مسالح المسلمين إذا نادى بالأمان ولم يقل المسلمون له شيئاً كان آمناً فبهذا تبين أن الدلالة هاهنا تكفي وفي المحصور لا‏.‏

ولو أن المسلمين أمنوا رجلاً في الحصن ولم يذكر خروجه إليهم لأمر ينتفع به المسلمون من دلالة أو غيرها فهو آمن على نفسه وماله وأولاده الصغار لأنهم أمنوه ليسكن في موضعه وإنما يتأتى له السكنى بهذه الأشياء فيتبعونه في الأمان بخلاف النازل من الحصن فإنه استأمن لينجو بنفسه‏.‏

ولو تقدمت مسالح المسلمين إلى أهل الحرب أن من استأمن منكم إلى دارنا أو إلى عسكرنا في تجارة فهو آمن وحده دون ما يأتي به فعلموا بذلك فمن جاء منهم بعد ذلك بسبي لم يبينه للمسلمين فهو فيء كله لا يسلم له إلا ما يسلم للمحصور الذي يخرج استحساناً لأنهم قد نبذوا إليهم الأمان فيما يأتون به وإذا كان النبذ بعد الأمان يرفع حكم الأمان فاقترانه يمنع ثبوت حكمه ولأنا إنما كنا نثبت الأمان له فيما يأتي به بطريق الدلالة ولا دلالة مع التصريح بخلافه ألا ترى أنهم لو أعلموهم أنه لا أمان لمن جاء منهم بطلب الأمان ثم جاءوا بعد ذلك لم يأمنوا إلا أن يعطيهم المسلمون الأمان فعرفنا بأن حالهم بعد هذا النبذ كحال المحصور‏.‏

ولو خرج مسلم من دار الحرب ومعه حربي ينادي بالأمان ومعهما مال فهو في أيديهما أو على دابة ممسكان لها فقال المسلم‏:‏ هذا عبدي والمال والدابة لي وقال المستأمن‏:‏ كذب بل جئت مستأمناً والمال مالي فإن كان الحربي مقهوراً برباط أو غيره فالقول قول المسلم لأنه صار عبداً له حين جاء به مقهوراً وليس لعبد يد معارضة ليد مولاه في المال‏.‏

وإن كان غير مقهور فهو حر مستأمن لكون الظاهر شاهداً له ثم يد كل واحد منهما في المال معارضة ليد صاحبه فيكون المال والدابة بينهما نصفين وإن كان أحدهما راكباً عليها والآخر ممسكاً بلجامها فاليد للراكب دون الممسك باللجام أيهما كان لأن المركوب نفع للراكب وما على الدابة فهو في يد من في يده الدابة‏.‏

وكذلك إن كان ثوباً وأحدهما لابسه والآخر ممسك به فالثوب للابس دون الممسك به فهو أحق به وكذلك اليد للراكب دون السائق والقائد للدابة فإذا كان المال في يد أحدهما فالقول فيه قوله دون صاحبه وإن كان أحدهما يقود الدابة والآخر يسوقها فالدابة والمال للقائد لأنه ممسك بلجام الدابة فهي وما عليها في يده دون السائق‏.‏

فإن كانا خرجا إلى معسكرنا في دار الحرب فقال المستأمن‏:‏ هو مالي وقال المسلم‏:‏ هو مالي وهبه لي أهل الحرب أو اغتصبته منهم وقد كان المسلم أسيراً فيهم فإن المال في أيديهما فنصفه للمستأمن باعتبار يده ونصفه فيء لجماعة العسكر لأن هذا النصف في يد الأسير وقد أحرزه بمنعة الجيش فهو فيما يدعى في الهبة يريد إبطال حق جيش المسلمين في المشاركة معه‏.‏

ولا يصدق على ذلك إلا ببينة من المسلمين فإن أقام بينة من أهل الذمة أو من المستأمنين على ما ادعى قضي له على المستأمن بجميع المال لأن ما أقام من البينة حجة على المستأمن‏.‏

وذلك يكون كله فيئاً لجماعة العسكر وهو فيهم لأن ما أقام من البينة ليس بحجة في إبطال حق المسلمين فلا يثبت ما ادعى من الهبة والصدقة في حق المسلمين وإن شهد له بذلك قوم من المسلمين فالمال سالم له لأنه أثبت ما ادعى بما هو حجة على المسلمين فيجعل كالثابت معاينة‏.‏

وإن كان المال في يد المستأمنين خاصة وشهد المسلمون أنه كان للأسير تصدق به عليه وأنه أودعه هذا المستأمنين خاصة وشهد المسمون أنه كان للأسير تصدق به عليه وأنه أودعه هذا المستأمن فإن شهدوا أنه أودعه إياه في منعة أهل الإسلام رد المال عليه لأن الثابت بالبينة كالثابت معاينة‏.‏

وإن شهدوا أنه أودعه إياه في منعة أهل الحرب لم يقض على المستأمن بشيء من ذلك لأن هذا سبب كان بينهما بالتراضي في دار الحرب ألا ترى أن مسلماً ومستأمناً لو دخلا دار الإسلام فادعى أحدهما على صاحبه أنه أدانه ديناً في دار الحرب ألا ترى أن مسلماً ومستأمناً لو دخلا دار الإسلام فادعى أحدهما على صاحبه أنه أدانه ديناً في دار الحرب أو أودعه وديعة وأقام بينة مسلمين على ذلك لم يقض القاضي بينهما بشيء إلا أن يسلم المستأمن أو يصير ذمياً فحينئذ يسمع خصومة كل واحد منهما على صاحبه لأنه صار من أهل دارنا ملتزماً لأحكامنا وكذلك لو أن مستأمنين في دارنا ادعى أحدهما على صاحبه ديناً أو وديعة فإن كانت المعاملة بينهما في دارنا تسمع الخصومة لأنه مأمور بالإنصاف والنظر بينهما مدة مقامهما في دارنا وإن كانت المعاملة في دار الحرب لم تسمع الخصومة في ذلك إلا أن يسلما أو يصيرا ذمة وبعد ذلك إن ادعى أحدهما على صاحبه أنه غصبه شيئاً في دار الحرب لم تسمع هذه الخصومة أيضاً لأنها دار نهبة فكل من استولى على شيء ثم أسلم عليه أو صار ذمياً كان سالماً له بخلاف الدين والوديعة فإن ذلك كانت معاملة جرت بينهما بالتراضي فتسمع الخصومة فيهما بعد ما صارا من أهل دارنا‏.‏

وكذلك المسلم والمستأمن إذا خرجا وقد عصب أحدهما صاحبه شيئاً قائماً بعينه ثم أسلم المستأمن لم يسمع القاضي الخصومة في ذلك لأن المسلم إن كان هو الغاصب فقد استولى على مال المباح والحربي إن كان هو الغاصب فقد تم إحرازه له بخلاف الدين والوديعة فإن الاستيلاء والإحراز فيه لا يتحقق فتسمع الخصومة فيه لهذا ولو خرج المسلم والمستأمن وفي أيديهما بغل عليه مال كل واحد منهما يقول‏:‏ مالي وفي يدي فقامت لأحدهما بينة من المسلمين‏.‏

قضى القاضي به له لأنه نور دعواه بالحجة وتبين بهذه المسألة خطأ بعض مشايخنا فيما قال‏:‏ إن كل واحد من المتداعيين إذا قال ملكي وفي يدي لا يسمع القاضي هذه الخصومة ويقول‏:‏ إذا كان ملكك في يدك فماذا تطلب مني فقد نص هنا على قبول البينة من أحدهما ووجهه أنه محتاج إليها لدفع منازعة الآخر والبينة لهذا المقصود مقبولة وهو يقول للقاضي‏:‏ أطلب منك أن تمنعه من مزاحمتي وتقرره في يدي فإن قيل لماذا لم يجعل هذا بمنزلة ما لو كان في يد أحدهما فإن هناك لا تسمع الخصومة فيه وهنا في يد كل واحد منهما نصفه فينبغي أن لا تسمع الخصومة بينهما فيه ما لم يصر المستأمن من أهل دارنا قلنا‏:‏ في هذا الموضع يدعي كل واحد منهما أنه في يده في دار الإسلام أو في عسكر المسلمين فلا بد من أن يسمع الخصومة فيه بينهما بمنزلة ما لو ادعى أحدهما على صاحبه أنه أخذه منه في دار الإسلام فإن شهدت الشهود أن الغصب وثب في منعة أهل الحرب حتى تعلق بالبغل مع صاحبه قبل أن يستأمنا فإنه يسمع هذه الخصومة أيضاً ويقضي به لصاحبه لأنه لم يخرج من يد صاحبه ولم يحرزه غاصبه ما دامت يد صاحبه معارضة ليده بخلاف ما إذا أخرجه نم يد صاحبه في منعة أهل الحرب لأن هناك قد تم زوال يد صاحبه وقد تم الإحراز من الغاصب له فلهذا لا يقضي للمغصوب منه عليه بشيء وإن أسلما‏.‏

وإن قال المسلم الذي كان أسيراً في دارهم‏:‏ هذا البغل وهذا المال كان لهذا المستأمن أخذته منه في دار الحرب أو بعد ما خرجنا وقال المستأمن‏:‏ البغل وما عليه لي وهذا كاذب والبغل في أيديهما ففي القياس نصفه للمستأمن باعتبار يده ونصفه فيء لأهل العسكر إذا أخرجه إليهم لأن الأسير بإقراره يريد إبطال حق أهل العسكر بعدما ثبت حقهم وهو غير مقبول القول في حقهم وفي الاستحسان يكون ذلك كله للمستأمن لأن حق أهل العسكر إنما ثبت باعتبار يد الأسير ولا بد من قبول قول الأسير في بيان جهة ثبوت يده على هذا المال وقد ثبت بقوله‏:‏ إن أصل المال كان للمستأمن فما بقيت يده لا تتقرر يد الأسير عليه فلا يكون محرزاً له فلهذا كان للمستأمن سواء خرجا إلى المعسكر أو إلى دار الإسلام ولو كان ذلك في يد الأسير خاصة والمسألة بحالها فإن صدقه المستأمن أنه أخذه منه في دار الحرب فلا سبيل للمستأمن عليه لأنه قد تم استيلاء المسلم عليه حين انقطع يد المستأمن عنه فإن أخرجه إلى المعسكر فهو فيء لجماعتهم ون أخرجه إلى دار الإسلام فهو له خاصة بمنزلة ما يخرجه المتلصص ولا خمس فيه‏.‏

وإن قال المستأمن‏:‏ إنما أخذه مني في منعة المسلمين فالقول قول المستأمن لأنهما تصادقا أن أصل الملك كان للمستأمن وبأمانه صار ملكه مغصوباً محترماً فالأسير يدعي سبب تملك ماله عليه وهو منكر فالقول قوله مع يمينه بالله ولأن أخذه من المستأمن حادث فيحال بحدوثه على أقرب الأوقات وهو ما بعد حصولهما في دار الإسلام كمن ادعى تاريخاً سابقاً في الآخذ لا يقبل في قوله من غير حجة والله سبحانه هو الموفق‏.‏