فصل: تفسير الآية رقم (7)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***


تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَوْحَيْنَآ‏}‏ ألهمنا، أو رؤيا نوم أو وحي مع الملك كوحي الأنبياء‏.‏ أوحى إليها برضاعه قبل الولادة، أو بعدها‏.‏ ‏{‏خِفْتِ عَلَيْهِ‏}‏ القتل، أو أن يسمع جيرانك صوته‏.‏ ‏{‏الْيَمِّ‏}‏ البحر وهو النيل‏.‏ ‏{‏وَلا تَخَافِى‏}‏ عليه الغرق، أو الضيعة‏.‏ ‏{‏وَلا تَحْزَنِى‏}‏ لفراقه، أو أن يقتل‏.‏ فجعلته في تابوت طوله خمسة أشبار وعرضه مثلها‏.‏ وجلعت المفتاح مع التابوت وألقته في اليم بعد أن أرضعته أربعة أشهر، أو ثلاثة أشهر، أو ثمانية أشهر‏.‏ ولما فرغ النجار منه أخبر فرعون به، فبعث معه من يأخذه فطمس الله تعالى على عينيه وقلبه فلم يعرف الطريق‏.‏ فعلم أنه المولود الذي خافه فرعون فآمن ذلك الوقت وهو مؤمن آل فرعون‏.‏ قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ فلما غاب عنها ندَّمها الشيطان فقالت‏.‏ لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إلي من إلقائه في دواب البحر وحيتانه‏.‏ فقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكَ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏فَالْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ‏}‏ خرجت جواري امرأة فرعون لاستقاء الماء فوجدن تابوته فحلمنه إليها «ع»، أو خرجت امرأة فرعون إلى البحر وكانت برصاء فوجدته فأخذته فبرئت من برصها فقالت هذا صبي مبارك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏قُرَّتُ عَيْنٍ‏}‏ لما علم أصحاب فرعون بموسى جاءوا ليذبحوه فمنعتهم وأتت فرعون وقالت قرة عين لي ولك‏.‏ فقال فرعون لها‏:‏ قرة عينٌ لَكِ أما لي فلا‏.‏ قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لو أقر بأنه يكون قرة عين له لهداه الله تعالى به كما هداه به» وقرة العين بردها بالسرور من القر وهو البرد، أو قر دمعها فلم يخرج بالحزن مأخوذ من القرار‏.‏ ‏{‏لا يَشْعُرُونَ‏}‏ أن هلاكهم على يديه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏فَارِغاً‏}‏ من كل شيء إلا من ذكر موسى «ع»، أو من الوحي بنيسانه «ح» أو من الحزن لعلهما أنه لم يغرق، أو نافراً، أو ناسياً، أو والهاً، أو فازعاً من الفزع‏.‏ ‏{‏وَأَصْبَحَ‏}‏ لأنها ألقته ليلاً فأصبح فؤادها فارغاً، أو ألقته نهاراً فيكون أصبح يعني صار‏.‏ ‏{‏لَتُبْدِى بِهِ‏}‏ لتصبح عند إلقائه وابناه «ع»، أو تقول لما حملت لإرضاعه وحضانته هو ابني لأنه ضاق صدرها لما قيل هو ابن فرعون، أو لتبدي بالوحي‏.‏ ‏{‏رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا‏}‏ بالإيمان، أو العصمة، ‏{‏مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ بِردِّه وجعله من المرسلين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏قُصِّيهِ‏}‏ تتبعي أثره واستعلمي خبره‏.‏ ‏{‏جُنُبٍ‏}‏ جانب «ع» أو بعد، أو شوق بلغة جذام جنبت إليك اشتقت إليك‏.‏ ‏{‏لا يَشْعُرُونَ‏}‏ أنها أخته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏وَحَرَّمْنَا‏}‏ منعناه ‏{‏الْمَرَاضِعَ‏}‏ فلا يؤتى بمرضع فيقبلها‏.‏ ‏{‏مِن قَبْلُ‏}‏ مجيء أخته أو قبل رده إلى أمه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏فَرَدَدْنَاهُ‏}‏ انطلقت أخته إلى أمه فأخبرتها فجاءت فوضعته في حجرها فترامى إلى ثديها فامتصه حتى امتلأ جنباه رياً «ع»‏.‏ فقيل لها‏:‏ كيف ارتضع منك دون غيرك‏.‏ قالت لأني طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أوتى بصبي إلا ارتضع مني فَسَخَّر الله تعالى فرعون لتربيته وهو يقتل الخلق لأجله وكان إلقاءه في البحر وهو سبب لهلاكه سبباً لنجاته‏.‏ ‏{‏أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ‏}‏ في رده إليها وجعله من المرسلين حق‏.‏ ‏{‏لا يَعْلَمُونَ‏}‏ ما يراد بهم، أو مِثْل علمها به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏أَشُدَّهُ‏}‏ أربعون سنة، أو أربع وثلاثون، أو ثلاث وثلاثون «ع» أو ثلاثون أو خمس وعشرون، أو عشرون، أو ثماني عشرة، أو خمس عشرة، أو الحلم، أو الأشد جمع لا واحد له، أو واحد شُدَّ‏.‏ ‏{‏وَاسْتَوَى‏}‏ باعتدال القوة، أو نبات اللحية، أو انتهاء شبابه، أو بأربعين سنة «ع»‏.‏ ‏{‏حُكْماً‏}‏ عقلاً، أو نبوة، أو القرآن، أو الفقه ‏{‏وَعِلْماً‏}‏ بما في دينه وحدوده وشرائعه، أو فهماً، أو فقهاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏الْمَدِينَةَ‏}‏ مصر، أو منف، أو عين شمس‏.‏ ‏{‏حِينِ غَفْلَةٍ‏}‏ نصف النهار وهم قائلون، أو بين المغرب والعشاء «ع»، أو يوم عيد لهم وهم في لهوهم، أو لأنهم غفلوا عن ذكره لبعد عهدهم به‏.‏ ‏{‏مِن شِيعَتِهِ‏}‏ إسرائيلي ومن عدوه قبطي «ع» أو من شيعته مسلم ومن عدوه كافر‏.‏ سخر القبطي الإسرائيلي ليحمل حطباً إلى مطبخ فرعون فامتنع، واستغاث بموسى وكان خبازاً لفرعون ‏{‏فَوَكَزَهُ‏}‏ ولكزه واحد إلا أن الوكز الدفع في الصدر واللكز الدفع في الظهر‏.‏ ولم يرد موسى بذلك قتله‏.‏ ‏{‏فَقَضَى عَلَيْهِ‏}‏ أي قتله ولم يكن مباحاً حينئذ لأنها حال كف عن القتال «ع» ‏{‏عَمِلِ الشَّيْطَانِ‏}‏ إغوائه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏أَنْعَمْتَ عَلَىَّ‏}‏ من المغفرة، أو الهداية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏خَآئِفاً‏}‏ من الله تعالى، أو من قومه، أو أن يؤخذ بقتل النفس، ‏{‏يَتَرَقَّبُ‏}‏ يتلفت من الخوف، أو ينتظر عقوبة الله تعالى إن جعلنا خوفه منه، أو أن يسلمه قومه للقتل إن كان خوفه منهم‏.‏ أو أن يطلب بقتل النفس إن كان خوفه من الأخذ بها‏.‏ ‏{‏يَسْتَصْرِخُهُ‏}‏ على قبطي آخر خاصمه‏.‏ ‏{‏لَغَوِىٌّ‏}‏ قاله للإسرائيلي لأنه أغواه حتى قتل النفس، أو قاله للقبطي فظن الإسرائيلي أنه عناه فخافه «ع»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏أَن يَبْطِشَ‏}‏ أخذت موسى الرقة على الإسرائيلي فهم بالقبطي فظن الإسرائيلي أنه يريد قتله لما رأى من غضبه وسمع من قوله ‏{‏إِنَّكَ لَغَوِىٌّ‏}‏ الآية فقال الإسرائيلي‏:‏ أتريد أن تقتلني، أو ظن الإسرائيلي أن موسى يقتل القبطي فيقتل به الإسرائيلي فقال ذلك دفعاً لموسى عنه‏.‏ قيل هذا الإسرائيلي هو السامري، فتركه القبطي وذهب فأشاع أن المقتول بالأمس إنما قتله موسى‏.‏ ‏{‏جَبَّاراً‏}‏ قَتَّالاً‏.‏ قال عكرمة‏:‏ ولا يكون الإنسان جباراً حتى يقتل نفسين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏وَجَآءَ رَجُلٌ‏}‏ هو مؤمن آل فرعون قيل ابن عم فرعون أخي أبيه‏.‏ ‏{‏يَأَتَمِرُونَ‏}‏ يتشاورون، أو يأمر بعضهم بعضاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏تِلْقَآءَ مَدْيَنَ‏}‏ عرض له أربع طرق فلم يدر أيها يسلك فقال ‏{‏عَسَى رَبِّى‏}‏ الآية، أو قال ذلك بعد أخذه طريق مدين‏.‏ ‏{‏سَوَاءَ السَّبِيلِ‏}‏ قصد الطريق إلى مدين قاله قتادة‏.‏ ومدين ماء كان عليه قوم شعيب قال «ع» وكان بينه وبينها ثمان مراحل ولم يكن لهم طعام إلا ورق الشجر وخرج حافياً فما وصل إليها حتى وقع خف قدميه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏أُمَّةً‏}‏ جماعة قال ابن عباس‏:‏ الأمة أربعون‏.‏ ‏{‏تَذُودَانِ‏}‏ تحبسان أو تطردان غنمهما عن الماء لضعفهما عن الزحام، أو يمنعان الغنم أن تختلط بغنم الناس، أو يذودان الناس عن غنمهما‏.‏ ‏{‏مَا خَطْبُكُمَا‏}‏ ما شأنكما‏.‏ والخطب تفخيم للشيء والخُطبة لأنها من الأمر المعظم ‏{‏يُصْدِرَ‏}‏ ينصرف ومنه الصدر لأن التدبير يصدر عنه فعلتا ذلك تَصوُّناً عن مزاحمة الرجال، أو لضعفهما عن الزحام ‏{‏الرِّعَآءُ‏}‏ جمع راعٍ ‏{‏وَأَبُونَا شَيْخٌ‏}‏ قالتا ذلك ترقيقاً لموسى ليعينهما أو اعتذاراً من معاناتهما السقي بأنفسهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏فَسَقَى لَهُمَا‏}‏ بأن زحم القوم فأخرجهم عن الماء ثم سقى لهما، أو أتى بئراً فاقتلع عنها صخرة لا يقلها إلا عشرة من أهل مدين وسقى لهما ولم يستق إلا ذَنُوباً واحداً حتى رويت الغنم ‏{‏ثمَّ تَوَلَّى‏}‏ إلى ظل سَمُرة‏.‏ ‏{‏فَقَالَ رَبِّ‏}‏ قال ذلك وقد لصق بطنه بظهره جوعاً وهو فقير إلى شق تمرة ولو شاء إنسان لنظر إلى خضرة أمعائه من الجوع «ع»، أو مكث سبعة أيام لا يذوق إلا بقل الأرض‏.‏ فعرَّض لهم بحاله ‏{‏مِنْ خَيْرٍ‏}‏ شبعة من طعام «ع»، أو شبعة يومين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا‏}‏ استكثر أبوهما سرعة صدورهما بالغنم حُفَّلاً بِطاناً فقال إن لكما لشأناً فأخبرتاه بصنع موسى فأمر أحداهما أن تدعوه‏.‏ ‏{‏عَلَى اسْتِحْيَآءٍ‏}‏ مستترة بكم درعها، أو لبعدها من النداء له، واستحيت لأنها دعته لتكافئه وكان الأجمل مكافأته من غير إعناء، أو لأنها كانت رسول أبيها، أو ما قاله عمر ليست بسلفع من النساء خراجة ولا ولاجة‏.‏ أراد تمشي مشي من لم تتعود الخروج حياء وخَفَرَاً وكان أبوهما شعيباً، أو يثرون ابن أخي شعيب‏.‏ قاله الكلبي وأبو عبيدة‏.‏ ‏{‏لِيَجْزِيَكَ‏}‏ ليكافئك فمشت أمامه فوصفت الريح عجيزتها فقال‏:‏ امشي خلفي ودليني للطريق إن أخطأت‏.‏ ‏{‏الْقَصَصَ‏}‏ خبره مع آل فرعون ‏{‏نَجَوْتَ‏}‏ إذ لسنا من مملكة فرعون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَتْ إِحْداهُمَا‏}‏ الصغرى التي دعته استأجره لرعي الغنم ‏{‏الْقَوِىُّ‏}‏ فيما ولي ‏{‏الأَمِينُ‏}‏ فيما استودع‏.‏ «ع» أو القوى في بدنه الأمين في عفافه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

‏{‏قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏ثَمَانِى حِجَجٍ‏}‏ أي رعي الغنم ثماني حجج كانت هي الصداق أو شرطاً للأب في الإنكاح وليست بصداق‏.‏ ‏{‏عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ‏}‏ كانت الثمان واجبة والعشر عدة فوفى بالعشر «ع»‏.‏ ‏{‏مِنَ الصَّالِحِينَ‏}‏ في حسن الصحبة، أو فيما وعده به‏.‏ وكان جعل له كل سخلة تُوضَع على خلاف شبه أمها‏.‏ فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام أن الق عصاك في الماء فولدن كلهن خلاف شبههن، أو جعل له كل بلقاء تولد فولدن كلهن بلقاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏فَلا عُدْوَانَ‏}‏ فلا سبيل‏.‏ ‏{‏وَكِيلٌ‏}‏ شهيد، أو حفيظ، أو رقيب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏قَضَى مُوسَى الأَجَلَ‏}‏ وَفَّى العمل‏.‏ قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أَجَّر موسى نفسه لعفة فرجه وطعمة بطنه» فقيل‏:‏ أي الأجلين قضى‏.‏ قال‏:‏ «أبرهما وأوفاهما» ‏{‏ءَانَسَ‏}‏ رأى‏.‏ ‏{‏امْكُثُواْ‏}‏ اقيموا مكانكم ‏{‏جَذْوَةٍ‏}‏ أصل شجرة فيها نار، أو عود في بعضه نار وليست في بعضه، أو عود في بعضه نار ليس له لهب، أو شهاب من نار ذو لهب «ع»‏.‏ ‏{‏تَصْطَلُونَ‏}‏ تستدفئون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

‏{‏فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ‏(‏30‏)‏‏}‏

‏{‏أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏}‏ عَرَّفه وحدانيته ولم يَصِرْ بذلك رسولاً‏.‏ لأنه لم يأمره بالرسالة وإنما صار بذلك من أصفيائه ‏{‏الشَّجَرَةِ‏}‏ العليق وهو العوسج «ع»‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏31 - 32‏]‏

‏{‏وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ ‏(‏31‏)‏ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏أَلْقِ عَصَاكَ‏}‏ ليعلم بذلك أن الذي سمعه كلام الله تعالى‏.‏ ‏{‏وَلَمْ يُعَقِّبْ‏}‏ لم يثبت مأخوذ من العقب الذي يثبت به القدم أو لم يتأخر لسرعة مبادرته‏.‏ ‏{‏الأَمِنِينَ‏}‏ من الخوف فلا يصير رسولاً إلا بقوله ‏{‏فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ‏}‏، أو الآمنين المرسلين لقوله‏:‏ ‏{‏لاَ تَخَفْ إِنِّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ المرسلون‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 10‏]‏ فيصير بذلك رسولاً‏.‏ ‏{‏بُرْهَانَانِ‏}‏ اليد والعصا ‏{‏الرَّهْبِ‏}‏ الكُمْ، أو الخوف‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

‏{‏وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ‏(‏34‏)‏‏}‏

‏{‏رِدْءاً‏}‏ عوناً، أو زيادة والردء الزيادة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏مَا عَلِمْتُ لَكُم‏}‏ كان بينها وبين قوله ‏{‏أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى‏}‏ ‏[‏النازعات‏:‏ 24‏]‏ أربعون سنة «ع» ‏{‏عَلَى الطِّينِ‏}‏ هو أول من طبخ الآجُر‏.‏ ‏{‏صَرْحاً‏}‏ قصراً عالياً وهو أول من صنع الصرح فصعده ورمى نُشَّابة نحو السماء فعادت ملتطخة دماً فقال قتلت إله موسى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ‏(‏40‏)‏‏}‏

‏{‏الْيَمِّ‏}‏ بحر يقال له أساف من وراء مصر غرقوا فيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏أَئِمَّةً‏}‏ يقتدى بهم في الكفر، أو يأتم بهم المعتبرون وتيعظ بهم ذوو البصائر ‏{‏إِلَى النَّارِ‏}‏ إلى عملها، أو إلى ما يوجب دخولها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏لَعْنَةً‏}‏ خزياً وغضباً، أو طرداً منها بالهلاك فيما‏.‏ ‏{‏الْمَقْبُوحِينَ‏}‏ بسواد الوجوه وزرقة الأعين، أو المشوهين بالعذاب، أو المهلكين، أو الملعونين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ‏(‏43‏)‏‏}‏

‏{‏الْكِتَابَ‏}‏ ست من المثاني السبع المنزلة على محمد صلى الله عليه وسلم، أو التوراة وهي أول كتاب نزل فيه الفرائض والحدود والأحكام‏.‏ ‏{‏مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى‏}‏ قال أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه «لم تهلك قرية ولا أمة ولا قرن بعذاب من السماء ولا من الأرض بعد نزول التوراة، إلا الذين مسخوا قردة»‏.‏ ‏{‏بَصَآئِرَ‏}‏ بينات ‏{‏وَهُدىً‏}‏ دلالة ‏{‏وَرَحْمَةً‏}‏ نعمة‏.‏ ‏{‏يَتَذَكَّرُونَ‏}‏ هذه النعم فيثبتون على إيمانهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا كُنتَ‏}‏ يا محمد ‏{‏وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا‏}‏ يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني، أو نودوا في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا بك إذا بعثت‏.‏ ‏{‏وَلَكِن رَّحْمَةً‏}‏ ما نودي به موسى من جانب الطور من ذكرك نعمة من ربك، أو إرسالك إلى قومك نعمة مني‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ ‏(‏48‏)‏‏}‏

‏{‏قَالُواْ‏}‏ موسى ومحمد ‏{‏ساحران‏}‏‏.‏ قاله مشركوا العرب، أو موسى وهارون قالته اليهود من ابتداء الرسالة، أو عيسى ومحمد وهو قول اليهود اليوم ‏{‏سِحْرَانِ‏}‏‏.‏ التوراة والقرآن، أو التوراة والإنجيل، أو القرآن والإنجيل وقائل ذلك اليهود، أو قريش‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ‏(‏51‏)‏‏}‏

‏{‏وَصَّلْنَا‏}‏ بَيَّنا، أو أتممنا كصلتك الشيء بالشيء، أو أتبعنا بعضه بعضاً‏.‏ ‏{‏الْقَوْلَ‏}‏ الخبر عن أمر الدنيا والآخرة، أو الخبر عمن أهلكناهم بماذا أهلكناهم من أنواع العذاب ‏{‏يَتَذَكَّرُونَ‏}‏ محمداً فيؤمنون به «ع»، أو يتذكرون فيخافون أن ينزل بهم كما نزل بمن قبلهم، أو يتعظون بالقرآن عن عبادة الأوثان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

‏{‏الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ‏(‏52‏)‏‏}‏

‏{‏الْكِتَابَ‏}‏ التوراة، والإنجيل ‏{‏قَبْلِهِ‏}‏ من قبل محمد هم بمحمد يؤمنون، أو من قبل القرآن هم بالقرآن يؤمنون‏.‏ نزلت والتي بعدها في تميم الداري والجارود العبدي وسلمان الفارسي، أو في أربعين رجلاً من أهل الإنجيل‏.‏ آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه‏.‏ اثنان وثلاثون من الحبشة قدموا مع جعفر بن أبي طالب على الرسول صلى الله عليه وسلم وثمانية قدموا من الشام منهم بحيرا أو أبرهة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ‏(‏54‏)‏‏}‏

‏{‏أَجْرَهُمْ مَّرَّتَيْنِ‏}‏ لإيمانهم بالكتاب الأول، والكتاب الآخر، ‏{‏بِمَا صَبَرُواْ‏}‏ على الإيمان، أو الأذى، أو الطاعة وعن المعصية‏.‏ ‏{‏بِالْحَسَنَةِ‏}‏ يدفعون بالعمل الصالح ما سلف من الذنب، أو بالحلم جهل الجاهل، أو بالسلام قبح اللقاء، أو بالمعروف المنكر، أو بالخير الشر‏.‏ ‏{‏يُنفِقُونَ‏}‏ الزكاة «ع»، أو نفقة الأهل وهذا قبل نزول الزكاة، أو يتصدقون من أكسابهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

‏{‏وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ‏(‏55‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ‏}‏ قوم أسلموا من اليهود فكان اليهود يلقونهم بالسب والأذى‏.‏ فيعرضون، أو أسلم منهم قوم فكانوا إذا سمعوا ما غُيِّر من التوراة‏.‏ من نعت الرسول صلى الله عليه وسلم كرهوه وأعرضوا عنه، أو المؤمنون إذا سمعوا الشرك أعرضوا عنه، أو ناس من أهل الكتاب ليسوا يهود ولا نصارى وكانوا على دين الأنبياء ينتظرون مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم فلما سمعوا بظهوره بمكة أتوه فعرض عليهم القرآن فأسلموا فكان أبو جهل ومن معه يلقونهم فيقولون لهم‏:‏ «أُفٍّ لكم من قوم منظور إليكم تبعتم غلاماً قد كرهه قومه وهم أعلم به منكم» فإذا قالوا ذلك أعرضوا عنهم‏.‏ ‏{‏أَعْمَالُنَا‏}‏ لنا ديننا ولكم دينكم، أو لنا حلمنا ولكم سفهكم‏.‏ ‏{‏لا نَبْتَغِى الْجَاهِلِينَ‏}‏ لا نتبعهم أو لا نجازيهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

‏{‏إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ‏(‏56‏)‏‏}‏

‏{‏مَنْ أَحْبَبْتَ‏}‏ هدايته، أو أحببته لقرابته نزلت في أبي طالب‏.‏ ‏{‏يَهْدِى مَن يَشَآءُ‏}‏ قال قتادة‏:‏ يعني العباس‏.‏ ‏{‏بِالْمُهْتَدِينَ‏}‏ بمن قَدَّر له الهدى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

‏{‏وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏57‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى‏}‏ نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف قال للرسول صلى الله عليه سلم إنا لنعلم أن قولك حق ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك مخافة أن يتخطفنا العرب في أرضنا يعني مكة وإنما نحن أكلة رأس للعرب ولا طاقة لنا بهم‏.‏ ‏{‏ءَامِناً‏}‏ بما طبعت عليه النفوس من السكون إليه حتى لا يفر الغزال من الذئب والحمام من الحدأ، أو أمر بأن يكون آمناً لمن دخله ولاذ به يقول كنتم آمنين في حرمي تأكلون رزقي وتعبدون غيري‏.‏ أفتخافون إذا عبدتموني وآمنتم بي‏.‏ ‏{‏يُجْبَى‏}‏ يجمع ‏{‏ثَمَرَاتُ كُلِّ‏}‏ أرض وبلد ‏{‏لا يَعْلَمُونَ‏}‏ لا يعقلون، أو لا يتدبرون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

‏{‏وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ‏(‏58‏)‏‏}‏

‏{‏بَطِرَتْ‏}‏ البطر‏:‏ الطغيان بالنعمة ‏{‏مَعِيشَتَهَا‏}‏ في معيشتها قاله الزجاج أو أبطرتها معيشتها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

‏{‏وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ‏(‏59‏)‏‏}‏

‏{‏أُمِّهَا‏}‏ أوائلها «ح»، أو معظم القرى من سائر الدنيا، أو مكة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

‏{‏أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ‏(‏61‏)‏‏}‏

‏{‏أَفَمَن وَعَدْنَاهُ‏}‏ الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏{‏وَعْداً حَسَناً‏}‏ النصر في الدنيا والجنة في الآخرة أو حمزة بن عبد المطلب، والوعد الحسن الجنة وملاقاتها دخولها‏.‏ ‏{‏كَمَن مَّتَّعْنَاهُ‏}‏ أبو جهل ‏{‏الْمُحْضَرِينَ‏}‏ للجزاء، أو في النار، أو المجهولين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

‏{‏فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ ‏(‏66‏)‏‏}‏

‏{‏الأَنبَآءُ‏}‏ الحجج، أو الأخبار‏.‏ ‏{‏لا يَتَسَآءَلُونَ‏}‏ بالأنساب، أو لا يسأل بعضهم بعضاً عن حاله، أو أن يحمل من ذنوبه شيئاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

‏{‏وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ‏(‏68‏)‏‏}‏

‏{‏يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ‏}‏ كان قوم في الجاهلية يجعلون خير أموالهم لآلهتهم‏.‏ فقال ‏{‏وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ‏}‏ من خلقه ‏{‏وَيَخْتَارُ‏}‏ منهم ما يشاء لطاعته، أو يخلق ما يشاء من الخلق ويختار من يشاء للنبوة، أو يخلق ما يشاء النبي ويختار الأنصار لدينه ‏{‏مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ‏}‏ أي يختار للمؤمنين الذي فيه خيرتهم، أو «ما» نافية أن يكون للخلق على الله تعالى خيرة نزلت في الذين ‏{‏وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام نَصِيباً فَقَالُواْ هذا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهذا لِشُرَكَآئِنَا‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 136‏]‏، أو في الوليد بن المغيرة قال ‏{‏وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 31‏]‏ يعني نفسه وأبا مسعود الثقفي فقال الله تعالى ما كان لهم أن يتخيروا على الله الأنبياء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

‏{‏وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ‏(‏75‏)‏‏}‏

‏{‏وَنَزَعْنَا‏}‏ أخرجنا ‏{‏مِن كُلِّ أُمَّةٍ‏}‏ رسولاً مبعوثاً إليها، أو أحضرناه ليشهد عليهم أن قد بلغها الرسالة‏.‏ ‏{‏بُرْهَانَكُمْ‏}‏ حجتكم، أو بينتكم‏.‏ ‏{‏الْحَقَّ لِلَّهِ‏}‏ التوحيد، أو العدل، أو الحجة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏76‏]‏

‏{‏إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ‏(‏76‏)‏‏}‏

‏{‏قَارُونَ‏}‏ كان ابن عم موسى أخي أبيه وقطع البحر مع بني إسرائيل ونافق كما نافق السامري‏.‏ ‏{‏فَبَغَى‏}‏ كفر بالله، أو زاد في طول ثيابه شبراً، أو علا بكثرة ماله وولده، أو كان غلاماً لفرعون فتعدى على بني إسرائيل وظلمهم، أو نسب ما أتاه الله تعالى من الكنوز إلى نفسه بعلمه وحيلته، أو لما أمر موسى برجم الزاني دفع قارون إلى بَغِيٍّ مالاً قيل ألفي درهم وأمرها أن تدعي على موسى أنه زنا بها ففعلت فعظم ذلك على موسى فأحلفها بالله تعالى الذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت‏.‏ فقالت‏:‏ أشهد أنك برىء وأن قارون أعطاني مالاً وحملني على ذلك «ع»‏.‏ ‏{‏مِنَ الْكُنُوزِ‏}‏ أصاب كنزاً، أو كان يعمل الكيمياء‏.‏ ‏{‏مَفَاتِحَهُ‏}‏ خزائنه، أو أوعيته، أو مفاتيح خزائنه وكانت من جلود يحملها أربعون بغلاً، أو مفاتيحها‏:‏ إحاطة علمه بها‏.‏ ‏{‏لَتَنواْ‏}‏ لتثقل العصبة «ع»، أو لتمر بالعصبة من النأي وهو البعد، أو ينهض بها العُصبة ‏{‏بِالْعُصْبَةِ‏}‏ الجماعة يتعصب بعضهم لبعض وهم سبعون رجلاً، أو ما بين العشرة إلى الأربعين، أو ما بين العشرة إلى الخمسة عشر، أو ستة أو سبعة، أو ما بين الثلاثة والتسعة وهم النفر، أو عشرة قال أبو عبيدة‏:‏ هذا من المقلوب تأويله أن العصبة لتنوء بالمفاتيح ‏{‏الْقُوَّةِ‏}‏ الشدة ‏{‏إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ‏}‏ مؤمنو قومه، أو موسى‏.‏ ‏{‏لا تَفْرَحْ‏}‏ لا تبغ، أو لا تبخل، أو لا تبطر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏77‏]‏

‏{‏وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ‏(‏77‏)‏‏}‏

‏{‏وَابْتَغِ فِيمَآ ءَاتَاكَ‏}‏ بطلب الحلال في الكسب «ح»، أو بالصدقة وصلة الرحم ‏{‏وَلا تَنسَ‏}‏ حظك من الدنيا أن تعمل فيه لآخرتك «ع»، أو لا تنس الغَناء بالحلال عن الحرام أو لا تنس ما أنعم الله عليك فيها أن تشكر الله بطاعته‏.‏ ‏{‏وَأَحْسِن‏}‏ فيما فرض عليك كما أحسن الله تعالى في نعمه عليك، أو في طلب الحلال‏.‏ كما أحسن إليك بالإحلال، أو أعط فضل مالك كما زادك على قدر حاجتك‏.‏ ‏{‏لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ‏}‏ لا يقربهم، أو لا يحب أعمالهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏78‏]‏

‏{‏قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ‏(‏78‏)‏‏}‏

‏{‏عِلْمٍ عِندِى‏}‏ بقوتي وعملي، أو خير عندي، أو لرضا الله عني وعلمه باستحقاقي، أو علم بوجه المكاسب، أو صنعه الكيمياء علمه موسى ثلث الصنعة ويوشع الثلث وهارون الثلث‏.‏ فخدعهما قارون وكان على إيمانه فعلم ما عندهما فعلم الكيمياء وكثرت أمواله‏.‏ ‏{‏وَلا يُسْئَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ‏}‏ سؤال استعتاب، أو لا تسأل عنهم الملائكة لأنهم يعرفونهم بسيماهم، أو يعذبون ولا يحاسبون، أو لا يسألون عن إحصاء أعمالهم ويعطون الصحائف فيعرفونها ويعترفون بها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏79‏]‏

‏{‏فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ‏(‏79‏)‏‏}‏

‏{‏فِى زِينَتِهِ‏}‏ حشمه، أو تَبَعِه سبعين ألفاً عليهم المعصفرات وهو أول يوم رؤيت فيه المعصفرات وكان أول من خضب بالسواد، أو جَوارٍ بيض على بغال بيض بسروج من ذهب على قُطُف أرجوان ‏{‏حَظٍّ‏}‏ درجة، أو جد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏81‏]‏

‏{‏فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ‏(‏81‏)‏‏}‏

‏{‏فَخَسَفْنَا‏}‏ قيل شكاه موسى عليه الصلاة والسلام إلى الله تعالى فأمر الأرض أن تطيع موسى فأقبل قارون وشيعته فقال موسى عليه الصلاة والسلام «يا أرض خذيهم» فأخذتهم إلى أوساطهم ثم قال‏:‏ خذيهم فأخذتهم إلى أعقابهم، ثم قال‏:‏ خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم فخسف بهم وبدار قارون وكنوزه، أو قال بنو إسرائيل‏:‏ إنما أمر الأرض بابتلاعه ليرث ماله لأنه كان ابن عمه فخسف بداره وبجميع أمواله بعد ثلاثة أيام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏82‏]‏

‏{‏وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ‏(‏82‏)‏‏}‏

‏{‏وَيْكَأَنَّ‏}‏ أو لا يعلم أن الله، أو لا يرى أن الله، أو ولكن الله بلغة حمير، والياء صلة تقديره كأن الله، أو الياء والكاف صلتان تقديره وأن الله، أو الكاف صلة والياء للتنبيه، أو ويك مفصولة بمعنى ويح فأبدل الحاء كافاً، أو ويلك فحذف اللام، أو وي منفصلة على جهة التعجب ثم استأنف كأن الله‏.‏ قاله الخليل‏.‏ ‏{‏وَيَقْدِرُ‏}‏ يختار له‏.‏ «ع»، أو ينظر له إن كان الغنى خيراً له أغناه وإن كان الفقر خيراً له أفقره‏.‏ «ح» أو يضيق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏83‏]‏

‏{‏تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ‏(‏83‏)‏‏}‏

‏{‏عُلُوّاً‏}‏ بغياً، أو تكبراً، أو شرفاً وعزاً، أو ظلماً، أو شركاً أو لا يجزعون من ذلها ولا يتنافسون في عزها‏.‏ ‏{‏فَسَاداً‏}‏ أخذها بغير حق، أو المعاصي، أو قتل الأنبياء والمؤمنين‏.‏ ‏{‏وَالْعَاقِبَةُ‏}‏ الثواب، أو الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏85‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏85‏)‏‏}‏

‏{‏فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ‏}‏ أنزله، أو أعطاكه، أو ألزمك العمل به، أو حَمَّلك تأديته وتبليغه، أو بينه على لسانك‏.‏ ‏{‏مَعَادٍ‏}‏ مكة، أو بيت المقدس، أو الموت‏.‏ «ع»، أو يوم القيامة، أو الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏88‏]‏

‏{‏وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏88‏)‏‏}‏

‏{‏إِلا وَجْهَهُ‏}‏ إلا هو، أو ملكه، أو ما أريد به وجهه، أو إلا موت العلماء فإن علمهم باق، أو إلا جاهه، لفلان جاه ووجه بمعنى، أو العمل، ‏{‏لَهُ الْحُكْمُ‏}‏ القضاء في خلقه بما شاء، أو ليس للعباد أن يحكموا إلا بأمره ‏{‏تُرْجَعُونَ‏}‏ في القيامة فتجزون بأعمالكم‏.‏

‏[‏سورة العنكبوت‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏أَحَسِبَ‏}‏ أَظَنَّ قائلوا لا إله إلا الله ‏{‏أَن يُتْرَكُواْ‏}‏ فلا يختبر صدقهم وكذبهم، أو أَظَنَّ المؤمنون أن لا يؤمروا ولا ينهوا، أو أن لا يؤذوا ولا يقتلوا أو خرج قوم للهجرة فعرض لهم المشركون فرجعوا فنزلت فيهم فلما سمعوها خرجوا فقتل بعضهم وخلص آخرون فنزلت ‏{‏والذين جَاهَدُواْ فِينَا‏}‏ الآية ‏[‏العنكبوت‏:‏ 69‏]‏‏.‏ أو نزلت في عمار ومن كان يعذب في الله تعالى بمكة، أو في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل لأمه عذبه أبو جهل على إسلامه حتى تلفظ بالشرك مُكرَهاً، أو في قوم أسلموا قبل فرض الزكاة والجهاد فلما فرضا شق عليهم ‏{‏لا يُفْتَنُونَ‏}‏ لا يهلكون، أو لا يختبرون في أموالهم وأنفسهم بالصبر على أوامر الله تعالى وعن نواهيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ‏}‏ بما فرض عليهم، أو بما بلاهم به‏.‏ ‏{‏فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ‏}‏ فليميزن الصادق من الكاذب، أو ليظهرن لرسوله صدق الصادق‏.‏ قيل نزلت في مهجع مولى عمر أو قتيل بين الصفين من المسلمين ببدر‏.‏ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم «سيد الشهداء مهجع» وقيل هو أول من يدعى إلى الجنة من شهداء المسلمين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ‏}‏ اليهود‏.‏ والسيئات الشرك ‏{‏يَسْبِقُونَا‏}‏ يعجزونا فلا نقدر عليهم، أو يسبقوا ما كتب عليهم من محتوم القضاء‏.‏ ‏{‏يَحْكُمُونَ‏}‏ يظنون، أو يقضون لأنفسهم على أعدائهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏يَرْجُواْ‏}‏ يخاف، أو يأمل‏.‏ ‏{‏لِقَآءَ اللَّهِ‏}‏ لقاء ثوابه، أو البعث إليه ‏{‏أَجَلَ اللَّهِ‏}‏ بالجزاء في القيامة‏.‏ ‏{‏السَّمِيعُ‏}‏ لأقوالكم ‏{‏الْعَلِيمُ‏}‏ باعتقادكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ‏}‏ ألزمناه أن يبرهما، أو ما أوصيناه به من برهما ‏{‏حُسْناً‏}‏ ‏{‏لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏}‏ حجة، أو لا يعلم أحد أن الله تعالى شريكاً‏.‏ نزلت في سعد بن أبي وقاص حلفت أمه أن لا تأكل طعاماً حتى يرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم، أو في عياش بن أبي ربيعة حلفت أمه كذلك وخدعه أخوه لأمه أبو جهل حتى أوثقه وعاقبه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ‏}‏ أعوان الظلمة، أو المبتدعة إذا تُبعوا على بِدَعهم، أو محدثو السنن الجائرة إذا عمل بها بعدهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏نُوحاً‏}‏ هو أول رسول بعث وبعث من الجزيرة‏.‏ ‏{‏أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَاماً‏}‏ وهي مبلغ عمره لبث قبل دعائهم ثلاثمائة ودعاهم ثلاثمائة وبقي بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين، أو بعث لأربعين ودعاهم ألفاً إلا خمسين وبقي بعد الطوفان ستين فذلك ألف وخمسون «ع»، أو لبث فيهم ألفاً إلا خمسين وعاش بعد ذلك سبعين فذلك ألف وعشرون، أو بعث على ثلاثمائة وخمسين ودعاهم ألفاً إلى خمسين وبقي بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين فذلك ألف وستمائة وخمسون ‏{‏الطُّوفانُ‏}‏ المطر «ع»، أو الغرق، أو الموت مأثور قيل كان الطوفان في نيسان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ‏}‏ بالانقطاع إلى الدنيا ‏{‏وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ‏}‏ بالإعراض عنها، أو يعذب بسوء الخلق ويرحم بحسنه، أو يعذب بالحرص ويرحم بالقناعة، أو يعذب ببغض الناس له ويرحم بحبهم، أو يعذب بمتابعة البدعة ويرحم بملازمة السنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏لُوطٌ‏}‏ كان ابن أخيه وآمنت به سارة وكانت بنت عمه، أو كانت سارة أخت لوط‏.‏ ‏{‏مُهَاجِرٌ‏}‏ للظالمين‏.‏ فهاجر من الجزيرة إلى حَرَّان، أو من كوثى وهي سواد الكوفة إلى الشام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

‏{‏وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏أَجْرَهُ فِى الدُّنْيَا‏}‏ الذكر الحسن «ع»، أو رضا أهل الأديان به، أو النية الصالحة التي اكتسب بها آجر الآخرة «ح»، أو لسان صدق، أو ما أوتي في الدنيا من الأجر، أو الولد الصالح حتى إن أكثر الأنبياء من ولده‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ‏}‏ لأن الناس انقطعوا عن الأسفار حذراً من فعلهم الخبيث، أو قطعوا الطريق على المسافرين، أو قطعوا سبيل النسل بترك النساء إلى الرجال‏.‏ ‏{‏نَادِيكُمُ‏}‏ مجلسكم ‏{‏الْمُنكَرَ‏}‏ كانوا يتضارطون أو يحذفون من يمر بهم ويسخرون منه مأثور، أو يأتي بعضهم بعضاً، أو الصفير ولعب الحمام والجلاهق ومضغ العِلْك وبصاق بعضهم على بعض والسؤال وحل أزرار القباء في المجلس‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ‏}‏ كما لا يغني عنها بيتها كذلك لا تغني عبادة الأصنام شيئاً وقيل العنكبوت شيطان مسخها الله عز وجل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

‏{‏اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ‏(‏45‏)‏‏}‏

‏{‏اتْلُ‏}‏ يا محمد على أمتك القرآن‏.‏ ‏{‏وَأَقِمِ الصَّلاةَ‏}‏ المفروضة «ع» أو القرآن، أو الدعاء إلى أمر الله تعالى‏.‏ ‏{‏الْفَحْشَآءِ‏}‏ الزنا ‏{‏وَالْمُنكَرِ‏}‏ الشرك «ع»، تنهى الصلاة عنهما ما دام المصلي فيها، أو تنهى عنهما قبلها وبعدها «ع» قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله تعالى إلا بعداً»، أو ما تدعوهم إليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نهاهم عن الفحشاء والمنكر ‏{‏وَلَذِكْرُ اللَّهِ‏}‏ إياكم أكبر من ذكركم إياه «ع»، أو ذكره أفضل من كل شيء، أو ذكره في الصلاة أفضل مما نهت عنه من الفحشاء والمنكر، أو ذكره في الصلاة أكبر من الصلاة، أو ذكره أكبر أن تحويه عقولكم، أو ذكره أكبر من قيامكم بطاعته، أو أكبر من أن يُبقي على صاحبه عقاب الفحشاء والمنكر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ‏}‏ قول لا إله إلا الله «ع»، أو الكف عند بذل الجزية والقتال عند منعها، أو إن قالوا شراً قلنا لهم خيراً‏.‏ ‏{‏الَّذِينَ ظَلَمُواْ‏}‏ أهل الحرب، أو من منع الجزية، أو من ظلم بالإقامة على اكفر بعد ظهور الحجة، أو الذين ظلموا في جدلهم فأغلظوا لهم، منسوخة، أو محكمة‏.‏ ‏{‏وَقُولُواْ ءَامَنَّا‏}‏ كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية للمسلمين فقال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ‏{‏وَقُولُواْ ءَامَنَّا‏}‏» الآية‏.‏ ‏{‏مُسْلِمُونَ‏}‏ بقوله لأهل الكتاب، أو لمن آمن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ‏(‏48‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ‏}‏ قبل القرآن كتاباً من الكتب المنزلة ولا تكتبه بيمينك فتعلم ما فيه حتى يشكوا في إخبارك عنه أنه من وحي الله إليك، أو كان نعته في الكتب المنزلة أن لا يكتب ولا يقرأ فكان ذلك دليلاً على صحة نبوته‏.‏ ‏{‏الْمُبْطِلُونَ‏}‏ مكذبو اليهود، أو مشركو العرب، أو قريش لأنه لو كتب وقرأ قالوا تعلمه من غيره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

‏{‏بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ‏(‏49‏)‏‏}‏

‏{‏بَلْ هُوَ ءَايَاتٌ‏}‏ يعني النبي صلى الله عليه وسلم في كونه لا يقرأ ولا يكتب آيات بينات في صدور العلماء من أهل الكتاب لأنه في كتبهم بهذه الصفة، أو القرآن آيات بينات في صدور النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به خُصوا لحفظه في صدورهم بخلاف من قبلهم فإنهم كانوا لا يحفظون كتبهم عن ظهر قلب إلا الأنبياء‏.‏ ‏{‏الظَّالِمُونَ‏}‏ المشركون‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏50 - 51‏]‏

‏{‏وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ‏(‏50‏)‏ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ‏(‏51‏)‏‏}‏

‏{‏لَوْلآ أُنزِلَ‏}‏ اقترحوا عليه الآيات ليجعل الصفا ذهباً وتفجير الأنهار، أو سألوه مثل آيات الأنبياء كالناقة والعصا واليد وإحياء الموتى‏.‏ ‏{‏الأَيَاتُ‏}‏ عند الله تعالى يخص بها من شاء من الأنبياء ‏{‏وَإِنَّمَآ أَنَأْ نَذِيرٌ‏}‏ لا يلزمني الإتيان بالمقترح من الآيات وإنما يلزمني أنه يشهد على تصديقي وقد فعل الله تعالى ذلك وأجابهم بقوله‏:‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ‏}‏ دلالة على نبوتك القرآن بإعجازه واشتماله على الغيوب والوعود الصادقة، أو أراد بذلك ما رُويَ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أُتِي بكتاب في كتف فقال‏:‏ «كَفَى بقوم حمقاً أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى غير نبيهم، أو كتاب غير كتابهم» فنزلت ‏{‏أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ‏}‏‏.‏ ‏{‏لَرَحْمَةً‏}‏ إستنقاذاً من الضلال‏.‏ ‏{‏وَذِكْرَى‏}‏ إرشاداً إلى الحق ‏{‏لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏ يقصدون الإيمان دون العناد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

‏{‏قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ‏(‏52‏)‏‏}‏

‏{‏شَهِيداً‏}‏ لي بالصدق «ع» والإبلاغ وعليكم بالكذب والعناد‏.‏ ‏{‏بِالْبَاطِلِ‏}‏ إبليس، أو عبادة الأصنام‏.‏ ‏{‏الْخَاسِرُونَ‏}‏ لأنفسهم بإهلاكها، أو لنعيم الجنة بعذاب النار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ‏(‏53‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ‏}‏ عناداً، أو استهزاءً كقول النضر ‏{‏إِن كَانَ هذا هُوَ الحق‏}‏ الآية‏:‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 32‏]‏ ‏{‏أَجَلٌ مُّسَمّىً‏}‏ القيامة، أو أجل الحياة إلى الموت وأجل الموت إلى البعث، أو النفخة الأولى أو الوقت الموقت لعذابهم‏.‏ ‏{‏بَغْتَةً‏}‏ فجأة‏.‏ ‏{‏لا يَشْعُرُونَ‏}‏ بنزوله قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «تقوم الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فِيه فما تصل إلى فِيه حتى تقوم الساعة»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

‏{‏يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ‏(‏56‏)‏‏}‏

‏{‏أَرْضِى وَاسِعَةٌ‏}‏ فجانبوا العصاة بالخروج من أرضهم، أو اطلبوا أولياء الله تعالى، أو رحمتي واسعة، أو رزقي واسع‏.‏ ‏{‏فَاعْبُدُونِ‏}‏ بالهجرة إلى المدينة، أو بأن لا تطيعوا أحداً في معصيتي، أو فارهبون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

‏{‏كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ‏(‏57‏)‏‏}‏

‏{‏ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ‏}‏ كل حي ميت، أو تجد كرب الموت وشدته إرهاباً لهم لِيدَعوا المعاصي، أو إعلاماً أن الرسل يموتون فلا تضلوا بموت من مات منهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ‏(‏58‏)‏‏}‏

‏{‏لَنُبَوِّئَنَّهُم‏}‏ من الثواء وهو طول المقام والباء لنسكننهم ‏{‏غُرَفاً‏}‏ الغرف أعالي البيوت وهي أنزه وأطيب من البيوت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

‏{‏وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ‏(‏60‏)‏‏}‏

‏{‏لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا‏}‏ بل ما تأكل بأفواهها ولا تحمل شيئاً، أو تأكل لوقتها ولا تدخر لغدها «ح»، أو يأتيها بغير طلب وذكر النقاش شيئاً لا يحل ذكره ولبئس ما قال وقال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ الحيوان كل ما دب لا يحمل رزقه ولا يدخر إلا ابن آدم والنمل والفأر‏.‏ ‏{‏يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ‏}‏ يسوي بين القادر والعاجز والحريص والقانع ليعلم أن ذلك يقدره الله تعالى دون حول وقوة قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ لما أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة خافوا الضيعة والجوع وقال بعضهم نهاجر إلى بلدة ليس فيها معاش فنزلت هذه الآية فهاجَرُوا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

‏{‏وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ‏(‏64‏)‏‏}‏

‏{‏الْحَيَاةُ‏}‏ الحياة الدائمة‏.‏ قال أبو عبيدة‏:‏ الحيوان والحياة واحد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ‏(‏67‏)‏‏}‏

‏{‏وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ‏}‏ بالقتل والسبي‏.‏ ‏{‏أَفَبِالْبَاطِلِ‏}‏ الشرك، أو إبليس ‏{‏وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ‏}‏ بعافيته «ع»، أو عطائه وإحسانه أو بالهدى الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بإطعامهم من جوع وأمنهم من خوف‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

‏{‏وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ ‏(‏68‏)‏‏}‏

‏{‏افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً‏}‏ جعل له شريكاً وولداً ‏{‏بِالْحَقِّ‏}‏ التوحيد أو القرآن، أو محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏{‏مَثْوىً‏}‏ مستقر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ‏(‏69‏)‏‏}‏

‏{‏جَاهَدُواْ‏}‏ أنفسهم في هواها، أو العدو بالقتال، أو اجتهدوا في الطاعة وترك المعصية، أو تابوا من ذنوبهم جهاداً لأنفسهم‏.‏ ‏{‏سُبُلَنَا‏}‏ طريق الجنة، أو دين الحق، أو نعلمهم ما لا يعلمون، أو نخلص نياتهم في الصوم والصلاة والصدقة‏.‏ ‏{‏لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏ بالنصر والمعونة‏.‏

‏[‏سورة الروم‏]‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏1 - 3‏]‏

‏{‏الم ‏(‏1‏)‏ غُلِبَتِ الرُّومُ ‏(‏2‏)‏ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ‏(‏3‏)‏‏}‏

كان المسلمون يؤثرون ظهور الروم على فارس لأنهم أهل كتاب، وآثر المشركون ظهور فارس على الروم لأنهم أهل أوثان فلما غلبت فارس سُرَّ المشركون وقالوا للمسلمين إنكم تزعمون أنكم تغلبونا لأنكم أهل كتاب وقد غلبت فارس الروم وهم أهل كتاب وكان آخر فتوح كسرى فتح فيه القسطنطينية بنى فيها بيت النار فبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم فساءه ذلك فنزلت هاتان الآيتان فبادر أبو بكر رضي الله عنه فأخبر المشركين بذلك فاقتمر المسلمون والكفار على أنهم يغلبون إلى ثلاث سنين، أو خمس سنين، أو سبع سنين‏.‏ قامر عن المسلمين أبو بكر رضي الله تعالى عنه‏.‏ وعن المشركين أبو سفيان بن حرب، أو أُبي بن خلف وذلك قبل تحريم القمار وكان العوض خمس قلائص، أو سبع قلائص فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر قدر المدة أمره أن يزيد في الخطر فزاد قلوصين وازداد سنتين وكانت الزيادة بعد انقضاء الأجل الأول قبل الغلبة، أو قبل انقضاء الأجل الأول‏.‏ وغلبت الروم فارس عام بدر في يوم بدر، أو قبل الهجرة بسنتين، أو عام الحديبية‏.‏ ‏{‏أدنى الأرض‏}‏ أدنى أرض فارس، أو أدنى أرض الروم عند الجمهور بأطراف الشام «ع»، أو أذرعات الشام كانت بها الوقعة، أو الجزيرة أقرب أرض الروم إلى فارس، أو الأردن وفلسطين‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏4 - 5‏]‏

‏{‏فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ‏(‏4‏)‏ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏بِضْعِ‏}‏ ما بين الثلاث إلى العشر‏.‏ مأثور، أو ما بين العقدين من الواحد إلى العشرة‏.‏ قاله بعض أهل اللغة، فيكون من الثاني إلى التاسع، أو ما بين الثلاث والتسع‏.‏ والنَّيف ما بين الواحد إلى التسعة، أو ما بين الواحد والثلاثة عند الجمهور‏.‏ ‏{‏مِن قَبْلُ‏}‏ ما غُلِبتْ الروم ‏{‏وَمِن بَعْدُ‏}‏ ما غُلِبت، أو قبل دولة فارس على الروم وبعد دولة الروم على فارس‏.‏ ‏{‏يَفْرَحُ الْمؤْمِنُونَ‏}‏ جاءهم الخبر بهلاك كسرى يوم الحديبية ففرحوا ‏{‏بِنَصْرِ اللَّهِ‏}‏ لضعف فارس وقوة العرب، أو فرحوا بنصر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب مثلهم، أو لأنه مقدمة لنصرهم على المشركين، أو لما فيه من تصديق خبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك‏.‏ ‏{‏يَنصُرُ مَن يَشَآءُ‏}‏ من أوليائه ونصره مختص بهم وغلبة الكفار ليست بنصر منه وإنما هي بلاء ومحنة ‏{‏الْعَزِيزُ‏}‏ في نقمته من أعدائه ‏{‏الرَّحِيمُ‏}‏ بأوليائه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏ظَاهِراً‏}‏ أمر معاشهم متى يزرعون ويحصدون وكيف ينبتون ويغرسون «ع» وكبنيان قصورها وشق أنهارها وغرس أشجارها، أو يعلمون ما ألقته الشياطين إليهم باستراق السمع من أمور الدنيا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْحَقِّ‏}‏ بالعدل، أو الحكمة، أو بأن استحق عليهم الطاعة والشكر، أو للثواب والعقاب‏.‏ ‏{‏وَأَجَلٍ مُّسَمّىً‏}‏ القيامة «ع» أو أجل كل مخلوق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏أَسَآءُواْ‏}‏ كفروا‏.‏ ‏{‏السُّوأَى‏}‏ جهنم، أو عقاب الدارين «ح»‏.‏ ‏{‏أَن كَذَّبُواْ‏}‏ لأن كذبوا ‏{‏بِآيَاتِ اللَّهِ‏}‏ محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، أو معجزات الرسل، أو نزول العذاب بهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏يُبْلِسُ‏}‏ يفتضح، أو يكتئب، أو ييأس، أو يهلك، أو يندم، أو يتحير‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏يَتَفَرَّقُونَ‏}‏ في المكان بالجنة والنار، أو بالجزاء بالثواب والعقاب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏رَوْضَةٍ‏}‏ البستان المتناهي منظراً وطيباً‏.‏ ‏{‏يُحْبَرُونَ‏}‏ يكرمون «ع»، أو ينعمون، أو يلتذون بالسماع والغناء، أو يفرحون‏.‏ والحبرة‏:‏ السرور والفرح‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏مُحْضَرُونَ‏}‏ نازلون، أو مقيمون، أو يدخلون، أو مجموعون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏فَسُبْحَانَ اللَّهِ‏}‏ سبحوه، أو صلّوا له سميت الصلاة تسبيحاً لاشتمالها عليه في الركوع والسجود، أو من السبحة وهي الصلاة‏.‏ ‏{‏تُمْسُونَ‏}‏ المغرب والعشاء المساء بدو الظلام بعد المغيب ‏{‏تُصْبِحُونَ‏}‏ صلاة الصبح‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَهُ الْحَمْدُ‏}‏ على نعمه، أو الصلاة لاختصاصها بقراءة حمده بالفاتحة وخص صلاة النهار باسم الحمد لأن تقلب النهار يكثر فيه الإنعام الموجب للحمد والليل وقت فراغ وخَلوة يوجب تنزيه الله تعالى من الأسواء فيها‏.‏ ‏{‏وَعَشِيّاً‏}‏ العصر العشي آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب لنقص نورها أخذ من عشا العين وهو نقص نورها ‏{‏تُظْهِرُونَ‏}‏ صلاة الظهر‏.‏ نزلت هذه الآية بعد الإسراء به قبل الهجرة وكل آية نزلت تذكر الصلاة قبل الإسراء فليست من الصلوات الخمس لأنهن إنما فرضن ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏يُخْرِجُ‏}‏ الإنسان الحي من النطفة الميتة والنطفة الميتة من الإنسان الحي «ع»، أو المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، أو الدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة، أو النخلة من النواة والنواة من النخلة والسنبلة من الحبة والحبة من السنبلة‏.‏ ‏{‏تُخْرَجُونَ‏}‏ كما أحيى الموات وأخرج النبات فكذلك تبعثون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏أَزْوَاجاً‏}‏ حواء من ضلع آدم، أو سائر الأزواج من أمثالهم من الرجال‏.‏ ‏{‏لِّتَسْكُنُواْ‏}‏ لتأنسوا‏.‏ ‏{‏مَّوَدَّةً‏}‏ محبة ‏{‏وَرَحْمَةً‏}‏ شفقة، أو المودة الجماع والرحمة الولد «ح»، أو المودة حب الكبير والرحمة الحُنو على الصغير، أو الرحمة بين الزوجين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ‏}‏ بما فيهما من العبر، أو لعجز الخلق عن إيجاد مثلهما‏.‏ ‏{‏أَلْسِنَتِكُمْ‏}‏ لغاتكم كالعربية والرومية والفارسية ‏{‏وَأَلْوَانِكُمْ‏}‏ أبيض وأحمر وأسود، أو اختلاف النغمات والأصوات وألوانكم صوركم فلا يشتبه صورتان ولا صوتان‏.‏ كيلا يشتبهوا في المناكح والحقوق‏.‏ ‏{‏لِّلْعَالِمِينَ‏}‏ الإنس والجن وبالكسر العلماء‏.‏