فصل: تفسير الآية رقم (76)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***


تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

‏{‏قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ‏(‏71‏)‏‏}‏

‏{‏ذَلُولٌ‏}‏ أذلها العمل‏.‏ ‏{‏تُثِيرُ الأَرْضَ‏}‏ والإثارة تفريق الشيء ‏{‏مُسَلَّمَةٌ‏}‏ من العيوب، أو من الشية‏:‏ وهي لون يخالف لونها من سواد أو بياض من وشي الثوب‏:‏ وهو تحسين عيوبه بألوان مختلفة، الواشي‏:‏ الذي يحسِّن كذبه عند السلطان ليقبله‏.‏ ‏{‏جِئْتَ بِالْحَقِّ‏}‏ بينت الحق، أو قالوا‏:‏ هذه بقرة فلان جئت بالحق فيها‏.‏ ‏{‏وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ‏}‏ لغلاء ثمنها، لأنه كان بملء مَسْكها ذهباً أو بوزنها عشر مرات، أو خوفاً من الفضيحة بمعرفة القاتل، وكان ثمنها ثلاثة دناير‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏72‏]‏

‏{‏وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ‏(‏72‏)‏‏}‏

‏{‏فَادَّارَءْتُمْ‏}‏ تدافعتم واختلفتم‏.‏ ‏{‏تَكْتُمُونَ‏}‏ تسرون من القتل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏73‏]‏

‏{‏فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ‏(‏73‏)‏‏}‏

‏{‏بِبَعْضِهَا‏}‏ بفخذها، أو ذنبها، أو عظم من عظامها، أو بعض آرابها، أو البعضة التي بين الكتفين‏.‏ فلما حيي القتيل قال‏:‏ قتلني ابن أخي، ثم مات فحلف بنو أخيه بالله ما قتلناه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏74‏]‏

‏{‏ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ‏(‏74‏)‏‏}‏

‏{‏قَسَتْ قُلُوبُكُم‏}‏ في ابن أخي الميت لما أنكر قتله بعد سماعه منه، أو في جملة بني إسرائيل قست قلوبهم من بعد جميع الآيات التي أظهرها الله تعالى على موسى‏.‏ ‏{‏أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً‏}‏ أو ها هنا وفيما أشبهه للإبهام على المخاطب‏.‏ أبو الأسود الدؤلي‏:‏

أحب محمداً حباً شديداً *** وعباساً وحمزة أو علياً

فلما قيل له في ذلك استشهد بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً‏}‏، أو تكون بمعنى «الواو» قال جرير‏:‏

نال الخلافة أو كانت له قدراً *** كما أتى ربه موسى على قدر

أو تكون بمعنى «بلى» أو تكون لإباحة التشبيه بكل واحد منهما‏.‏ أو هي كالحجارة أو أشد قسوة عندكم‏.‏ ‏{‏يَهْبِطُ‏}‏ هبوطه تفيؤ ظلاله أو هو لجلالة الله سبحانه أو ‏[‏يُرى‏]‏ كأنه هابط خاشع لعظم أمر الله تعالى‏.‏

لما أتى خبرُ الزبير تواضعت *** سورُ المدينة والجبالُ الخشعُ

أو كل حجر تردى من رأس جبل فمن خشية الله تعالى، أو يعطي بعض الجبال المعرفة ‏[‏فيعقل طاعة الله تعالى‏]‏ وقد حن الجذع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وسَلِّم عليه حجرٌ بمكة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

‏{‏أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ‏(‏75‏)‏‏}‏

‏{‏يُحَرِّفُونَهُ‏}‏ نزلت فيمن حرّف التوراة فحرّم حلالها وأحل حرامها‏.‏ أو في السبعين سمعوا كلام الله تعالى ثم حرّفوه لقومهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏76‏]‏

‏{‏وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ‏(‏76‏)‏‏}‏

‏{‏فَتَحَ اللَّهُ‏}‏ ذكركم الله تعالى به، أو أنزله في التوراة من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو قول بني قريظة للرسول صلى الله عليه وسلم لما قال لهم‏:‏ «يا إخوة القردة» من حدثك بهذا، أو أسلم منهم ناس، ثم نافقوا وحدثوا العرب بما عُذبوا به، فقال بعضهم لبعض ‏{‏أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ‏}‏ أي بما قضى وحكم، والفتح‏:‏ القضاء والحكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏78‏]‏

‏{‏وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ‏(‏78‏)‏‏}‏

‏{‏أُمِّيُّونَ‏}‏ قوم لم يصدقوا رسولاً، ولا كُتباً وكتبوا كتاباً بأيديهم وقالوا لجهالهم هذا من عند الله، والأظهر أن الأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، نسب إلى أصل ما عليه الأمَّة من أنها لا تكتب ابتداء، أو أنه على ما ولدته أمه، أو نسب إلى أمه، لأن المرأة لا تكتب غالباً‏.‏ ‏{‏أمَانِىَّ‏}‏ تلاوة، أو كذباً، أو أحاديث، أو يتمنون على الله تعالى ما ليس لهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏79‏]‏

‏{‏فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ‏(‏79‏)‏‏}‏

‏{‏فَوَيْلٌ‏}‏ عذاب، أو تقبيح، أو حزن، أو وادٍ في النار، أو جبل فيها أو وادٍ من صديد في أصلها‏.‏ ‏{‏يَكْتُبُونَ‏}‏ يغيرون ما في التوراة من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ‏{‏بِأَيْدِيهِمْ‏}‏ تحقيق للإضافة إليهم، أو من تلقاء أنفسهم‏.‏ ‏{‏ثَمَناً قَلِيلاً‏}‏ حراماً، أو ‏{‏مَتَاعُ الدنيا قَلِيلٌ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 77‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏80‏]‏

‏{‏وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ‏(‏80‏)‏‏}‏

‏{‏مَّعْدُودَةً‏}‏ سبعة أيام، زعموا أن عمر الدنيا سبعة آلاف وأنهم يعذبون على كل ألف يوماً واحداً من أيام الآخرة، وهو ألف سنة من أيام الدنيا، أو أربعون يوماً التي عبدوا فيه العجل، أو زعموا أن في التوراة أن مسيرة ما بين طرفي ‏[‏جهنم‏]‏ أربعون سنة يسيرون كل سنة في يوم فإذا انقطع السير هلكت النار وانقطع عذابهم فتلك أربعون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏81‏]‏

‏{‏بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ‏(‏81‏)‏‏}‏

‏{‏بَلَى‏}‏ إيجاب للنفي‏:‏ إذا قال مالي عليك شيء فقال بلى ‏[‏كان رداً لقوله وتقديره «بلى لي عليك»‏]‏‏.‏ ‏{‏سَيِّئَةً‏}‏ شركاً، أو ذنوباً وعد عليها بالنار‏.‏ ‏{‏وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ‏}‏ مات عليها، أو سدت عليه مسالك النجاة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏84‏]‏

‏{‏وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ‏(‏84‏)‏‏}‏

‏[‏‏{‏لا تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ‏}‏‏]‏ لا تقتلون أنفسكم لا يقتل بعضكم بعضاً أو لا تقتلوا أحداً فيقتص منكم به، فتكونوا قاتلين لأنفسكم بالتسبب، والنفس من النفاسة، لأنها أنفس ما في الإنسان‏.‏ ‏{‏دِيَارِكُمْ‏}‏ الخليل‏:‏ كل موضع حله قوم فهو دار وإن لم يكن فيه أبنية، أو الدار موضع فيه أبنية المقام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏85‏]‏

‏{‏ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ‏(‏85‏)‏‏}‏

‏{‏تَظَاهَرُونَ‏}‏ تتعاونون‏.‏ ‏{‏الإِثْمِ‏}‏ الفعل الذي يستحق عليه الذم‏.‏ ‏{‏العدوان‏}‏ مجاوزة الحق، أو الإفراط في الظلم‏.‏ ‏{‏أُسَارَى‏}‏ أَسري جمع أسير، وأُساري جمع أَسرى، أو الأُساري‏:‏ الذين في الوثاق، والأَسرى‏:‏ الذين في اليد وإن لم يكونوا في وَثاق، قاله ابن العلاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏87‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ‏(‏87‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَفَّيْنَا‏}‏ أتبعنا، التقفية‏:‏ الإتباع‏.‏ ‏{‏الْبَيِّنَاتِ‏}‏ الحجج، أو الإنجيل أو إحياء الموتى، وخلق الطير، وإبراء الأسقام‏.‏ ‏{‏بِرُوحِ الْقُدُسِ‏}‏ الاسم الذي كان يحيي به الموتى، أو جبريل عليه السلام على الأظهر سمي به، لأنه كالروح للبدن يحيا بما يأتي به من الوحي، أو لأن الغالب على جسده الروحانية، أو لأنه وجد قوله ‏{‏كن‏}‏ من غير ولادة القدس‏:‏ البركة، أو الطهر لبراءته من الذنوب، والقدس والقدوس واحد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏88‏]‏

‏{‏وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ‏(‏88‏)‏‏}‏

‏{‏غُلْفُ‏}‏ في أغطية لا تفقه، أو هي أعية للعلم‏.‏ ‏{‏لَّعَنَهُمُ‏}‏ طردهم وأبعدهم‏.‏ ‏{‏فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ‏}‏ قليلاً من يؤمن منهم، لأن من آمن من المشركين أكثر ممن آمن من أهل الكتاب، أو لا يؤمنون إلا بالقليل من كتابهم، و«ما» صلة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏89‏]‏

‏{‏وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ‏(‏89‏)‏‏}‏

‏{‏كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ‏}‏ القرآن‏.‏ ‏{‏مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ‏}‏ من التوراة والإنجيل أنه من عند الله تعالى، أو مصدق لما فيهما من الأخبار ‏{‏يَسْتَفْتِحُونَ‏}‏ يستنصرون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏90‏]‏

‏{‏بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ‏(‏90‏)‏‏}‏

‏{‏اشْتَرَوُاْ‏}‏ باعوا ‏{‏بَغْياً‏}‏ حسداً، والبغي‏:‏ شدة الطلب للتطاول، أصله الطلب، الزانية بغي، لطلبها الزنا‏.‏ ‏{‏بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ‏}‏ الاول‏:‏ كفرهم بعيسى صلى الله عليه وسلم، والثاني كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم أو الأول‏:‏ قولهم‏:‏ عزير ابن الله، ويد الله مغلولة، وتبديلهم الكتاب، والثاني‏:‏ كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو عبّر بذلك عن لزوم الغضب لهم‏.‏ ‏{‏مَهِينٌ‏}‏ مذل، عذاب الكافر مهين، لأنه لا يمحص دينه بخلاف عذاب المؤمن، لأنه محمص لدينه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏91‏]‏

‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ‏(‏91‏)‏‏}‏

‏{‏بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ‏}‏ القرآن‏.‏ ‏{‏بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا‏}‏ التوارة ‏{‏بِمَا وَرَآءَهُ‏}‏ بما بعده‏.‏ ‏{‏مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ‏}‏ من التوراة، وكتب الله تعالى يصدق بعضها بعضاً‏.‏ ‏{‏فَلِمَ تَقْتُلُونَ‏}‏ فَلِمَ قتلتم، أو فَلِمَ ترضون بقتلهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏93‏]‏

‏{‏وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ‏(‏93‏)‏‏}‏

‏{‏وَاسْمَعُواْ‏}‏ اعملوا بما سمعتم، أو اقبلوا ما سمعتم، سمع الله لمن حمده قبل حمده‏.‏ ‏{‏سَمِعْنَا‏}‏ قولك ‏{‏وَعَصَيْنَا‏}‏ أمرك، قالوه سراً، أو فعلوا ما دل عليه، ولم يقولوه فقام فعلهم مقام قولهم‏:‏

امتلأ الحوض وقال‏:‏ قطني *** مهلاً رويداً قد ملأتُ بطني

‏{‏وَأُشْرِبُواْ فِى قُلُوبِهِمُ‏}‏ حب العجل‏.‏ أو بَرَده موسى عليه الصلاة والسلام وألقاه في اليم فمن شرب ممن أحب العجل ظهرت سُحَالة الذهب على شفتيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏94‏]‏

‏{‏قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏94‏)‏‏}‏

‏{‏مِّن دُونِ النَّاسِ‏}‏ كلهم، أو محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم «لو تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار» فلم يتمنوه علماً منهم أنهم لم تمنوه لماتوا كما قال‏:‏ أو صرفوا عن إظهار تمنيه آية للرسول صلى الله عليه سلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏96‏]‏

‏{‏وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ‏(‏96‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَتَجِدَنَّهُمْ‏}‏ اليهود‏.‏ و‏{‏الَّذِينَ أَشْرَكُواْ‏}‏ المجوس‏.‏ ‏{‏يَوَدُّ‏}‏ أحد المجوس ‏{‏لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ‏}‏ ‏{‏بِمُزَحْزِحِهِ‏}‏ بمباعده‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏97‏]‏

‏{‏قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ‏(‏97‏)‏‏}‏

‏{‏عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ‏}‏ نزلت لما قال ابن صوريا للرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ أي ملك يأتيك بما يقول الله تعالى قال‏:‏ «جبريل عليه السلام» قال‏:‏ ذاك عدونا ينزل بالقتال والشدة، وميكائيل يأتي باليسر والرخاء‏.‏ فلو كان هو الذي يأتيك آمناً بك فنزلت‏.‏ وجبر‏:‏ عبد، وميكا‏:‏ عُبيد، وأيل‏:‏ هو الله تعالى، وهما عبد الله وعُبيد الله، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ ولم يخالف فيه أحد، وخُصا بالذكر وإن دخلا في عموم الملائكة تشريفاً وتكريماً، أو نص عليهما لأنهم يزعمون أنهم ليسوا بأعداء الله تعالى ولملائكته أجمع بل هم أعداء لجبريل وحده فأبطل مثل هذا التأويل بذكر جبريل عليه السلام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏98‏]‏

‏{‏مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ‏(‏98‏)‏‏}‏

‏{‏عَدُوٌ لِّلْكَافِرِينَ‏}‏ لم يقل عدو لهم لجواز انتقالهم عن العداوة بالإيمان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏102‏]‏

‏{‏وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ‏(‏102‏)‏‏}‏

‏{‏مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ‏}‏ نزلت، لأن كاتب سليمان «آصف بن برخيا» واطأ نفراً من الجن على أن دفنوا كتاب سحر تحت كرسي سليمان عليه الصلاة والسلام ثم أخرجوه بعد موت سليمان عليه الصلاة والسلام وقالوا‏:‏ هذا سحر سليمان، فبرأه الله تعالى من ذلك، أو استرقت الشياطين السمع، واستخرجت السحر، فاطلع عليه سليمان عليه الصلاة والسلام فنزعه منهم ودفنه تحت كرسيه، فلم يقدر الشياطين أن يدنوا إلى الكرسي في حياته، فلما مات قالت‏:‏ للإنس‏:‏ إن العلم الذي سخر به سليمان الريح والجن تحت كرسيه فأخرجوه، وقالوا‏:‏ كان ساحراً، ولم يكن نبياً، فتعلموه وعلموه، فبرأه الله تعالى من ذلك‏.‏ ‏{‏وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ‏}‏ بنسبتهم سليمان عليه الصلاة والسلام إلى السحر «أو بما استخرجوه من السحر» ‏{‏يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ‏}‏ بإلقائه في قلوبهم «أو بدلالتهم عليه حتى أخرجوه»‏.‏ ‏{‏وَمَآ أُنزِلَ‏}‏ «ما» بمعنى الذي، أو نافيه‏.‏ ‏{‏الْمَلَكَيْنِ‏}‏ بالكسر علجان من علوج بابل، والقراءة المشهورة بالفتح، زعمت سحرة اليهود أن جبريل وميكائيل أُنزل السحر على لسانهما إلى سليمان عليه الصلاة والسلام فأكذبهم الله، والتقدير‏:‏ وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس ‏{‏بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ‏}‏ وهم رجلان ببابل، أو هاروت وماروت ملكان أُهبطا إلى الأرض في زمن إدريس عليه الصلاة والسلام فلما عصيا لم يقدرا على الرقي إلى السماء فكانا يعلمان السحر‏.‏ ‏{‏السِّحْرَ‏}‏ خدع ومعانٍ تحول الإنسان حماراً وتُقلَب بها الأعيان وتنشأ بها الأجسام، أو هو تخييل ولا يقدر الساحر على قلب الأعيان ولا إنشاء الأجسام، قال الله تعالى ‏{‏يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 66‏]‏، ولما سحر الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يكن فعله قال الشافعي رضي الله تعالى عنه «الساحر يوسوس ويمرض ويقتل»، إذ التخيل بدو الوسوسة، والوسوسة بدو المرض، والمرض بدو التلف‏.‏ ‏{‏بِبَابِلَ‏}‏ الكوفة وسوادها، سميت بذلك لتبلبل الألسن بها، أو من نصيبين إلى رأس عين، أو جبل نهاوند‏.‏ ‏{‏وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ‏}‏ على هاروت وماروت أن لا يعلما أحداً حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر بما تتعلمه من السحر‏.‏ ‏{‏فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا‏}‏ من هاروت وماروت، أو من السحر والكفر أو من الشياطين والملكين السحر من الشياطين، وما يفرق بين الزوجين من الملكين‏.‏ ‏{‏بِإِذْنِ‏}‏ ما يضرون بالسحر أحداً ‏{‏إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ‏}‏ بأمره، أو بعلمه‏.‏ ‏{‏مَا يَضُرُّهُمْ‏}‏ في الآخرة ‏{‏وَلا يَنفَعُهُمْ‏}‏ في الدنيا، ‏{‏مِنْ خَلاقٍ‏}‏ لا نصيب لمن اشترى السحر، أو لا جهة له، أو الخلاق‏:‏ الدين‏.‏ ‏{‏شَرَوْاْ‏}‏ باعوا ‏{‏بِهِ أَنفُسَهُمْ‏}‏ من السحر والكفر بفعله وتعليمه، أو من إضافتهم السحر إلى سليمان عليه الصلاة والسلام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏104‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏104‏)‏‏}‏

‏{‏رَاعِنَا‏}‏ لا تقولوا‏:‏ خلافاً، أو أرعنا سمعك أي اسمع منا ونسمع منك‏.‏ كانت الأنصار تقولها في الجاهلية فنهوا عنها في الإسلام، أو قالتها اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم على وجه الاستهزاء والسب، أو قالها رفاعة بن زيد وحده فنهي المسلمون عنها‏.‏ ‏{‏انظُرْنَا‏}‏ أفهمنا وبيّن لنا، أو أمهلنا، أو أقبل علينا وانظر إلينا، ‏{‏وَاسْمَعُواْ‏}‏ ما تؤمرون به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏106‏]‏

‏{‏مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏106‏)‏‏}‏

‏{‏مَا نَنسَخْ‏}‏ نسخها‏:‏ قبضها، أو تبديلها، أو تبديل حكمها مع بقاء رسمها‏.‏ ‏{‏أَوْ نُنسِهَا‏}‏ ننسكنها، كان يقرأ الآية ثم ينسى وترفع، أو يريد به الترك‏:‏ أي ما نرفع من آية، أو نتركها فلا نرفعها قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، «قلت‏:‏ وفيه إشكال ظاهر»، أو يريد به نمحها ‏{‏نَنْسَأَها‏}‏ نؤخرها أنسأت أخرت، ومنه بيع النسيئة‏.‏ ‏{‏بِخَيْرٍ مِّنْهَآ‏}‏ أنفع، وأرفق، وأخف، فيكون الناسخ أكثر ثواباً آجلاً، كنسخ صوم أيام معدودات برمضان، أو أخف عاجلاً، كنسخ قيام الليل‏.‏ ‏{‏أَوْ مِثْلِهَا‏}‏ مثل حكمها في الخفة والثقل والثواب، كنسخ التوجه إلى القدس بالتوجه إلى الكعبة، فإنه مثله في المشقة والثواب‏.‏ ‏{‏أَلَمْ تَعْلَمْ‏}‏ بمعنى أما علمت، أو هو تقرير وليس باستفهام، أو خوطب به والمراد أمته، ولذلك أردفه بقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏109‏]‏

‏{‏وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏109‏)‏‏}‏

‏{‏وَدَّ كَثِيرٌ‏}‏ دعا فنحاص وزيد بن قيس حذيفة وعماراً إلى دينها فأبيا عليهما فنزلت‏.‏ ‏{‏تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ‏}‏ صحة الإسلام، ونبوة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام‏.‏ ‏{‏فَاعْفُواْ‏}‏ اتركوا اليهود، ‏{‏وَاصْفَحُواْ‏}‏ عن قولهم‏.‏ ‏{‏بِأَمْرِهِ‏}‏ بإجلاء بني النضير‏.‏ وقتل بني قريظة وسبيهم‏.‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏114‏]‏

‏{‏وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ‏(‏114‏)‏‏}‏

‏{‏مَسَاجِدَ اللَّهِ‏}‏ المساجع المعروفة، أو جميع الأرض التي تقام فيها العبادة «جعلت لي الأرض مسجدا»‏.‏ أُنزلت في بختنصر وأصحابه المجوس خربوا بيت المقدس، أو في النصارى الذي أعانوا بختنصر على خرابه، أو في قريش لصدهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن الكعبة عام الحديبية، أو عامة في كل مشرك منع من مسجد‏.‏ ‏{‏خَرَابِهَآ‏}‏ هدمها، أو منعها من ذكر الله تعالى فيها‏.‏ ‏{‏خَآئِفِينَ‏}‏ من الرعب إن قُدِرَ عليهم عوقبوا‏.‏ ‏{‏خِزْىٌ‏}‏ الجزية، أو فتح مدائنهم، عمورية، وقسطنطينية، ورومية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏115‏]‏

‏{‏وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ‏(‏115‏)‏‏}‏

‏{‏وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ‏}‏ لما حولت ‏[‏القبلة إلى‏]‏ الكعبة تكلمت اليهود فيها فنزلت، أو أذن لهم قبل فرض الاستقبال أن يتوجهوا حيث شاءوا من نواحي المشرق والمغرب، أو في صلاة التطوع في السفر، وللخائف أيضاً، أو في قوم من الصحابة خفيت عليهم القبلة فصلوا على جهات مختلفة ثم أخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت، أو في النجاشي فإنه كان يصلي إلى غير القبلة، أو قالوا لما نزل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 60‏]‏ قالوا‏:‏ إلى أين‏؟‏ فنزلت، أو أين ما كنتم من شرق أو غرب فلكم قبلة هي الكعبة‏.‏ ‏{‏فَثَمَّ‏}‏ إشارة إلى المكان البعيد‏.‏ ‏{‏وَجْهُ اللَّهِ‏}‏ قبلته، أو فثم الله كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 27‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏116‏]‏

‏{‏وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ‏(‏116‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَداً‏}‏ نزلت في النصارى، لقولهم في المسيح صلى الله عليه وسلم، أو في العرب، قالوا‏:‏ الملائكة بنات الله‏.‏ ‏{‏قَانِتُونَ‏}‏ مطيعون أو مقرون بالعبودية، أو قائمون يوم القيامة، والقنوت‏:‏ القيام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏117‏]‏

‏{‏بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ‏(‏117‏)‏‏}‏

‏{‏بَدِيعُ‏}‏ منشئهما على غير مثال سبق، وكل منشىء ما لم يسبق إليه فهو مبدع‏.‏ ‏{‏قَضَى‏}‏ أحكم وفرغ‏.‏

وعليهما مسرودتان قضاهما *** داودُ صَنَعُ السَّوابغ تُبعُ

‏{‏كُن‏}‏ هذا أمر للموجودات بالتحول من حال إلى أخرى كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كُونُواْ قِرَدَةً‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 65‏]‏ وليس إنشاء للمعدوم، أو هو لإنشاء المعدوم، لأنه لما علم بها جاز أو يقول لها‏:‏ «كن» لتحققها في علمه، أو عبر عن نفوذ قدرته وإرادته في كل شيء بالقول ولا قول‏:‏

قد قالت الأنساع للبطن الحق

تفسير الآية رقم ‏[‏118‏]‏

‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ‏(‏118‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ‏}‏ اليهود، أو النصارى، أو مشركو العرب ‏{‏الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم‏}‏ اليهود أو اليهود والنصارى‏.‏ ‏{‏تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ‏}‏ شابهت قلوب النصارى قلوب اليهود، أو قلوب مشركي العرب لقلوب اليهود والنصارى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏119‏]‏

‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ‏(‏119‏)‏‏}‏

‏{‏بَشِيراً‏}‏ لمن أطاع بالجنة، ‏{‏وَنَذِيراً‏}‏ لمن عصى بالنار‏.‏ ‏{‏وَلا تُسْئَلُ‏}‏ لا تؤاخذ بكفرهم ‏{‏وَلا تُسْئَلُ‏}‏ نزلت لما قال‏:‏ «ليت شعري ما فعل أبواي»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏121‏]‏

‏{‏الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ‏(‏121‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ‏}‏ المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم، والكتاب‏:‏ القرآن، أو علماء اليهود، والكتاب‏:‏ التوراة، ‏{‏يَتْلُونَهُ‏}‏ يقرؤونه حق قراءته، أو يتبعونه حق اتباعه بإحلال حلاله، وتحريم حرامه، قاله الجمهور‏.‏ ‏{‏يُؤْمِنُونَ بِهِ‏}‏ بمحمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏124‏]‏

‏{‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ‏(‏124‏)‏‏}‏

‏{‏ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ‏}‏ بالسريانية آب رحيم‏.‏ ‏{‏بِكَلمَاتٍ‏}‏ شرائع الإسلام، ما ابتلى أحد بهذا الدين فقام به كله سواه، فكتب الله تعالى له البراءة، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏ 37‏]‏ وهي ثلاثون سهماً، عشر في براءة ‏{‏التائبون العابدون‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 112‏]‏ وعشر في «الأحزاب» ‏{‏إِنَّ المسلمين والمسلمات‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 35‏]‏ وعشر في المؤمنين ‏[‏1-9‏]‏، ‏{‏سَأَلَ سَآئِلٌ‏}‏ ‏[‏المعارج‏:‏ 1‏]‏ إلى قوله ‏{‏عَلَى صَلاتِهمْ يُحَافِظُونَ‏}‏ ‏[‏المعارج‏:‏ 34‏]‏، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو هي عشر من سنن الإسلام‏:‏ خمس في الرأس، قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس، وفي الجسد، تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر البول والغائط بالماء، أو هي عشر‏:‏ ست في الإنسان، حلق العانة والختان، ونتف الإبط، وتقليم الإظفار، وقص الشارب، وغسل الجمعة، وأربع في المشاعر‏:‏ الطواف والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، والإفاضة، أو مناسك الحج خاصة، أو الكواكب، والقمر، والشمس؛ والنار والهجرة والختان، ابتُلي بهن فصبر، أو ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ألا أخبركم لم سمى الله تعالى إبراهيم خليله ‏{‏الذي وفى‏}‏‏؟‏ ‏[‏النجم‏:‏ 37‏]‏ لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى ‏{‏فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 17‏]‏ إلى قوله تعلى ‏{‏تُظْهِرُونَ‏}‏، أو قول الرسول صلى الله عليه وسلم «أتدرون ما ‏{‏وَفَّيَ‏}‏‏؟‏» قالوا الله ورسوله أعلم، قال‏:‏ «وفيَّ عمل يومه أربع ركعات في النهار»، أو قاله له ربه‏:‏ «إني مبتليك، قال‏:‏ أتجعلني للناس إماماً، قال‏:‏ نعم‏:‏ قال‏:‏ ومن ذريتي قال‏:‏ لا ينال عهدي الظالمين، قال‏:‏ تجعل البيت مثابة للناس قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ وأمنا قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك‏.‏ قال‏:‏ وترينا مناسكنا وتتوب عليها قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ وتجعل هذا البيت آمناً، قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ وترزق أهله من الثمرات، قال‏:‏ نعم، فهذه الكلمات التي أبتُلى بها‏.‏ ‏{‏إمَاماً‏}‏ متبوعاً‏.‏ ‏{‏عَهْدِى‏}‏ النبوة، أو الإمامة، أو دين الله، أو الأمان، أو الثواب، أو لا عهد عليك لظالم أن تطيعه في ظلمة، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏125‏]‏

‏{‏وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ‏(‏125‏)‏‏}‏

‏{‏مَثَابَةً‏}‏ مجمعاً يجتمعون عليه في النسكين، أو مرجعاً، ثابت العلة‏:‏ رجَعَت‏.‏ أي‏:‏ يرجعون إليه مرة بعد أخرى، أو يرجعون إليه في كلا النسكين من حل إلى حرم‏.‏ ‏{‏وَأَمْناً‏}‏ لأهله في الجاهلية، أو للجاني من إقامة الحد عليه فيه‏.‏ ‏{‏مَّقامِ إِبْرَاهِيمَ‏}‏ عرفة ومزدلفة والجمار، أو الحرم كله، أو الحج كله‏.‏ أو الحجر الذي في المسجد على الأصح‏.‏ ‏{‏مُصَلَّى‏}‏ مُدَّعَى يُدْعَى فيه، أو الصلاة المعروفة وهو أظهر ‏{‏وَعَهِدْنَآ‏}‏ أمرنا، أو أوحينا‏.‏ ‏{‏طَهِّرَا بَيْتِيَ‏}‏ من الأصنام، أو الكفار، أو الأنجاس، أُمرا ببنائه مطهراً، أو يُطهرا مكانه‏.‏ ‏{‏لِلطَّآئِفِينَ‏}‏ الغرباء الذي يأتونه من غربة، أو الذين يطوفون به‏.‏ ‏{‏وَالْعَاكِفِينَ‏}‏ أهل البلد الحرام، أو المصلون، أو المعتكفون، أو مجاورو البيت بغير طواف ولا اعتكاف ولا صلاة‏.‏ ‏{‏وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ‏}‏ المصلون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏126‏]‏

‏{‏وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ‏(‏126‏)‏‏}‏

‏{‏مَنْ ءَامَنَ‏}‏ إخبار من الله تعالى، أو من دعاء إبراهيم، ولم تزل مكة حرماً آمناً من الجبابرة والخوف والزلازل، فسأل إبراهيم أن يجعله آمناً من الجدب والقحط، وأن يرزق أهله من الثمرات، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إن الله حرم مكة يوم خلق الله السموات والأرض»، أو كانت حلالاً قبل دعوة إبراهيم، وإنما حرمت بدعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، كما حرم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة فقال‏:‏ «وإن إبراهيم قد حرم مكة وإني قد حرمت المدينة»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏127‏]‏

‏{‏وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ‏(‏127‏)‏‏}‏

‏{‏الْقَوَاعِدَ‏}‏ جمع قاعدة وهي كالأساس لما فوقها‏.‏ ‏{‏إِسَمَاعِيلَ‏}‏ معناه أسمع يا إيل أي اسمع يا الله، لما دعا بالولد فأجيب سُمي الولد بما دعا به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏128‏]‏

‏{‏رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ‏(‏128‏)‏‏}‏

‏{‏أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ‏}‏ المسلم‏:‏ الذي استسلم لأمر الله وخضع له‏.‏ ‏{‏وَأَرِنَا‏}‏ عرفنا ‏{‏مَنَاسِكَنَا‏}‏ مناسك الحج، أو الذبائح والنسك‏:‏ العبادة، والناسك‏:‏ العابد، أو من قولهم لفلان منسك أي مكان يعتاد التردد إليه بخير أو شر، فسميت مناسك، لأنه يتردد إليها في الحج والعمرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏129‏]‏

‏{‏رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏129‏)‏‏}‏

‏{‏رَسُولاً مِّنْهُمْ‏}‏ محمداً صلى الله عليه وسلم ‏{‏ءَايَاتِكَ‏}‏ الحجج، أو يبيّن لهم دينك‏.‏ ‏{‏الْكِتَابُ‏}‏ القرآن‏.‏ ‏{‏وَالْحِكْمَةَ‏}‏ السنة، أو معرفة الدين، والتفقه فيه، والعمل به‏.‏ ‏{‏وَيُزَكِّيهِمْ‏}‏ يطهرهم من الشرك، أو يزكيهم بدينه إذا تابعوه، فيكونون عند الله تعالى أزكياء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏130‏]‏

‏{‏وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ‏(‏130‏)‏‏}‏

‏{‏سَفِهَ نَفْسَهُ‏}‏ فعل بها ما صار به سفيهاً، أو سفه في نفسه فحذف الجار كقوله تعالى ‏{‏وَلا تعزموا عُقْدَةَ النكاح‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 235‏]‏ أو هلك نفسه وأوبقها، قال المبرد وثعلب‏:‏ سفه بالكسر يتعدى وبالضم لا يتعدى‏.‏ ‏{‏اصْطَفَيْنَاهُ‏}‏ من الصفوة، اخترناه للرسالة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏132‏]‏

‏{‏وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ‏(‏132‏)‏‏}‏

‏{‏وَوَصَّى بِهَآ‏}‏ بالملة لتقدم ذكرها‏.‏ ‏{‏إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ‏}‏ أي لا تفارقوا الإسلام عند الموت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏135‏]‏

‏{‏وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ‏(‏135‏)‏‏}‏

‏{‏كُونُواْ هُوداً‏}‏ قالت اليهود‏:‏ «كونوا هوداً» وقالت النصارى‏:‏ كونوا نصارى‏.‏ ‏{‏بَلْ مِلَّةَ‏}‏ بل نتبع ملة، أو نهتدي بملة‏.‏ أو الملة من الإملال يُملونها من كتبهم‏.‏ ‏{‏حَنِيفاً‏}‏ مخلصاً، أو متبعاً، أو حاجاً، أو مستقيماً، أخذ الحنيف، من الميل، رجل أحنف‏:‏ مالت كل واحدة من قدميه إلى الأخرى، سمى به إبراهيم، لأنه مال إلى الإسلام أو أخذ من الاستقامة، وقيل للرجل أحنف تفاؤلاً بالاستقامة، وتطيراً من الميل، كالسليم للديغ، والمفازة للمهلكة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏137‏]‏

‏{‏فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ‏(‏137‏)‏‏}‏

‏{‏بِمِثْلِ مَآ ءَامَنتُم‏}‏ بما آمنتم به‏.‏ ‏{‏شِقَاقٍ‏}‏ عداوة من البعد، أخذ فلان في شق، وفلان في شق تباعدا وشق فلان عصا المسلمين‏:‏ خرج عليهم وتباعد منهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏138‏]‏

‏{‏صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ‏(‏138‏)‏‏}‏

‏{‏صِبْغَةَ اللَّهِ‏}‏ دين الله لظهوره كظهور الصبع على الثوب، وكانت النصارى يصبغون أولادهم في مائهم تطهيراً لهم كالختان، فرد الله تعالى عليهم بأن الإسلام أحسن، أو صبغة الله تعالى خلقة الله لإحداثها كحدوث اللون على الثوب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏140‏]‏

‏{‏أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ‏(‏140‏)‏‏}‏

‏{‏وَالأَسْبَاطَ‏}‏ الجماعة الذين يرجعون إلى آب واحد، من السبط وهو الشجر الذي يرجع بعضه إلى بعض‏.‏ ‏{‏شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ‏}‏ هم اليهود كتموا ما في التوراة من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏142‏]‏

‏{‏سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ‏(‏142‏)‏‏}‏

‏{‏السُّفَهَآءُ‏}‏ اليهود، أو المنافقون، أو كفار قريش‏.‏ ‏{‏وَلاهُمْ‏}‏ صرفهم، والقبلة التي كانوا عليها بيت المقدس «صلى إليها الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة وبعد الهجرة ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً» أو ثلاثة عشر، أو تسعة أشهر، أو عشرة «ثم نسخت بالكعبة والرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة قد صلى من الظهر ركعتين فانصرف بوجهه إلى الكعبة»‏.‏ وقال البراء‏:‏ «كان في صلاة العصر بقباء، فمر رجل على أهل المسجد فقال‏:‏ أشهد لقد صليت مع الرسول صلى الله عليه وسلم قِبَل مكة فداروا كما هم قِبَل البيت» وقبلة كل شيء ما قابل وجهه، واستقبل بيت المقدس بأمر الله تعالى ووحيه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ‏}‏، أو استقبله برأيه واجتهاده تأليفاً لأهل الكتاب، أو أراد ‏[‏الله تعالى‏]‏ أن يمتحن العرب بصرفهم عن البيت الذي ألفوه للحج إلى بيت المقدس‏.‏ ‏{‏لِّلَّهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ‏}‏ فحيثما أمر باستقباله فهو له‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏143‏]‏

‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ‏(‏143‏)‏‏}‏

‏{‏وَسَطاً‏}‏ خياراً، رجل واسط الحسب رفيعه قال‏:‏

هم وسَطٌ يرضى الإله بحكمهم *** إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم

أو لتوسطهم بين اليهود والنصارى في الدين، غَلَتْ النصارى في المسيح وترهبوا، وقصرت اليهود بتبديل الكتاب، وقتل الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم وسلامه والكذب على الله تعالى، أو عدلاً بين الزيادة والنقصان‏.‏ ‏{‏شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ‏}‏ بتبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم الرسالة، أو تشهدون على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالة اعتماداً على إخبار الله تعالى وهذا مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو محتجين فعبّر عن الاحتجاج بالشهادة‏.‏ ‏{‏شَهِيداً‏}‏ لكم بالإيمان فتكون «على» بمعنى «اللام»، أو يشهد أنه بلغكم الرسالة، أو محتجاً‏.‏ ‏{‏لِنَعْلَمَ‏}‏ ليعلم رسولي وحزبي، والعرب تضيف فعل الأتباع إلى الرئيس والسيد، فتح عمر رضي الله تعالى عنه سواد العراق، وجبى خراجها أي أتباعه أو لنرى بوضع الرؤية موضع العلم وبالعكس، أو لنميز أهل اليقين من أهل الشك، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو ليعلموا أننا نعلم‏.‏ ‏{‏يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ‏}‏ لما حولت ارتد جماعة من المسلمين‏.‏ ‏{‏وَإِن كَانَتْ‏}‏ التولية لكبيرة، أو القبلة التي هي بيت المقدس، أو الصلاة إلى بيت المقدس‏.‏ ‏{‏إِيمَانَكُمْ‏}‏ صلاتكم إلى بيت المقدس، سماها إيماناً، لاشتمالها على نية وقول وعمل‏.‏ نزلت لما سألوا عمن مات وهو يصلي إلى بيت المقدس ‏{‏لَرَءُوفٌ‏}‏ الرأفة‏:‏ أشد الرحمة، قال أبو عمرو بن العلا‏:‏ الرأفة أكثر من الرحمة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏144‏]‏

‏{‏قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ‏(‏144‏)‏‏}‏

‏{‏تَقَلُّبَ وَجْهِكَ‏}‏ تحول وجهك نحو السماء، أو تقلب عينيك في النظر إليها‏.‏ ‏{‏تَرْضَاهَا‏}‏ تختارها وتحبها، لأنها قبلة إبراهيم، أو كراهة لموافقة اليهود لما قالوا‏:‏ «يتبع قبلتنا ويخالفنا في ديننا» ‏{‏شَطْرَ المَسْجِدِ‏}‏ نحوه، والشطر في الأضداد، شطر إلى كذا أقبل نحوه، وشطر عنه أعرض عنه وبَعُدَ، رجل شاطر، لأخذه في نحو غير الاستواء‏.‏ والمسجد الحرام‏:‏ الكعبة، أمر بالتوجه إلى حيال الميزاب، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «البيت كله قبلة، وقبلة البيت الباب» ‏{‏وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ‏}‏ من الأرض، واجه الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمر الأول وواجه الأمة بالأمر الثاني، وكلاهما يعم‏.‏ ‏{‏أُوتُواْ الكِتَابَ‏}‏ اليهود والنصارى ‏{‏لَيَعلَمُونَ أَنَّهُ‏}‏ تحويل القبلة إلى الكعبة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏145‏]‏

‏{‏وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ‏(‏145‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُم‏}‏ خوطب به والمراد أمته، أو بيّن حكم ذلك لو وقع وإن كان غير واقع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏146‏]‏

‏{‏الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ‏(‏146‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ‏}‏ اليهود والنصارى‏.‏ ‏{‏يَعرِفُونَهُ‏}‏ يعرفون التحويل، أو يعرفون محمداً صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة ‏{‏فَرِيقاً‏}‏ علماءهم وخواصهم‏.‏ ‏{‏الحَقَّ‏}‏ استقبال الكعبة، أو نبوة محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏147‏]‏

‏{‏الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ‏(‏147‏)‏‏}‏

‏{‏الحَقُّ مِن رَّبِّكَ‏}‏ استقبال الكعبة، لا ما ذكرته اليهود من قبلتهم ‏{‏المُمْتَرِينَ‏}‏ الشاكِّين، خوطب به والمراد أمته، امترى بكذا‏:‏ اعترضه اليقين تارة والشك أخرى يدافع أحدهما بالآخر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏148‏]‏

‏{‏وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏148‏)‏‏}‏

‏{‏وَلِكُلٍّ‏}‏ أهل ملة ‏{‏وِجْهَةُ‏}‏ قبلة، أو صلاة ‏{‏هُوَ مُوَلّيهَا‏}‏ أي المصلي، أو الله يوليه إليها، ويأمره باستقبالها‏.‏ ‏{‏فَاسْتَبِقُواْ الخَيرَاتِ‏}‏ سارعوا إلى الأعمال الصالحة، أو لا تغلبكم اليهود على قبلتكم بقولهم‏:‏ «إن اتبعتم قبلتنا اتبعناكم»‏.‏ ‏{‏يَأتِ بِكُمُ‏}‏ يوم القيامة جميعاً‏.‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ‏}‏ من إعادتكم بعد الموت والبلى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏149‏]‏

‏{‏وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ‏(‏149‏)‏‏}‏

‏{‏وَمِن حَيْثُ‏}‏ لما حرضت اليهود وقالوا‏:‏ «ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتابعك، أكد الله تعالى الأمر باستقبالها بقوله‏:‏ ثانياً ‏{‏وَمِن حَيْثُ خَرَجتَ‏}‏، ثم أكده ثالثاً ليخرج من قلوبهم ما أنكروه من التحويل فالأوامر الثلاثة ملزمة للتوجه إلى الكعبة إلا أن الأول‏:‏ أفاد النسخ، والثاني‏:‏ أفاد التحويل إلى الكعبة لا ينسخ بقوله‏:‏ ‏{‏وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ‏}‏ والثالث‏:‏ أفاد أنه لا حجة لأحد عليهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏150‏]‏

‏{‏وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ‏(‏150‏)‏‏}‏

‏{‏إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ‏}‏ فإنهم يحتجون بحجة باطلة كقوله تعالى ‏{‏حُجَّتُهُهمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 16‏]‏ فسماها حجة، أو إلاَّ بمعنى «بعد» كقوله‏:‏ ‏{‏إِلاَّ الموتة الأولى‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 56‏]‏ وكقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 22‏]‏ بمعنى «بَعْد فيهما»، والذين ظلموا‏:‏ قريش واليهود، قالت قريش بعد التحويل‏:‏ «قد علم أنا على الهدى»، وقالت اليهود‏:‏ «إن يرجع عنها تابعناه»‏.‏ ‏{‏فَلاَ تَخْشَوْهُمْ‏}‏ في المباينة، ‏{‏وَاخْشَوْنِى‏}‏ في المخالفة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏151‏]‏

‏{‏كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ‏(‏151‏)‏‏}‏

‏{‏ءَايَاتِنَا‏}‏ القرآن‏.‏ ‏{‏وَيُزَكِّيكُمْ‏}‏ يطهركم من الشرك، أو يأمركم بما تصيرون به عند الله تعالى أزكياء‏.‏ ‏{‏وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ‏}‏ القرآن، أو ما في الكتب السالفة من أخبار القرون‏.‏ ‏{‏وَالْحِكْمَةَ‏}‏ السنة، أو مواعظ القرآن‏.‏ ‏{‏مَّا لَمْ تَكُونُوا‏}‏ تعلمون من أمر الدين والدنيا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏152‏]‏

‏{‏فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ‏(‏152‏)‏‏}‏

‏{‏فَاذْكُرُونِى‏}‏ بالشكر‏.‏ ‏{‏أَذكُرْكُمْ‏}‏ بالنعمة، أو ‏{‏اذكروني‏}‏ بالقبول ‏{‏أَذْكُرْكُمْ‏}‏ بالجزاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏153‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ‏(‏153‏)‏‏}‏

‏{‏بِالصَّبْرِ‏}‏ على أوامر الله تعالى «أو الصوم»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏154‏]‏

‏{‏وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ‏(‏154‏)‏‏}‏

‏{‏أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَآءٌ‏}‏ النفوس عند الله تعالى منعمو الأجسام وإن كانت أجسامهم كأجسام الموتى أو ليسوا أمواتاً بالضلال بل أحياء بالهدى‏.‏ نزلت لما قالوا في قتلى بدر وأُحُد مات فلان وفلان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏155‏]‏

‏{‏وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ‏(‏155‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَنَبْلُوَنَّكُم‏}‏ لما دعا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بسبع كسبع يوسف عليه الصلاة والسلام أجابه بقوله ‏{‏وَلَنَبْلُوَنَّكُم‏}‏ يا أهل مكة‏.‏ ‏{‏الْخَوْفِ‏}‏ الفزع في القتال‏.‏ ‏{‏وَالْجُوعِ‏}‏ والجدب، ونقص الأنفس‏:‏ بالقتل والموت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏156‏]‏

‏{‏الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ‏(‏156‏)‏‏}‏

‏{‏إذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ‏}‏ في نفس، أو أهل، أو مال‏.‏ ‏{‏إِنَا لِلَّهِ‏}‏ ملكه فلا يظلمنا بما يصنع بنا‏.‏ ‏{‏رَاجِعُونَ‏}‏ بالبعث‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏157‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ‏(‏157‏)‏‏}‏

‏{‏صَلَوَاتٌ‏}‏ يتلو بعضها بعضا، والصلاة من الله تعالى الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الناس الدعاء وعطف الرحمة على الصلوات لاختلاف اللفظ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏158‏]‏

‏{‏إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ‏(‏158‏)‏‏}‏

‏{‏الصَّفَا‏}‏ جمع صفاة، وهي الحجارة البيض‏.‏ ‏{‏وَالْمَرْوَةَ‏}‏ حجارة سود، والأظهر أن الصفا‏:‏ الحجارة الصلبة التي لا تنبت والمروة‏:‏ الحجارة الرخوة، وقد قيل ذُكِّر الصفا باسم إساف، وأُنثت المروة بنائلة‏.‏ ‏{‏شَعَآئِرِ اللَّهِ‏}‏ التي جعلها لعبادته معلماً، أو أنه أشعر عباده وأخبرهم بما عليهم من الطواف بهما‏.‏ ‏{‏حَجَّ‏}‏ الحج‏:‏ القصد، أو العود مرة بعد أخرى، لأنهم يأتون البيت قبل عرفة وبعدها للإفاضة، ثم يرجعون إلى منى، ثم يعودون إليه لطواف الصَّدَر، والعمرة‏:‏ القصد، أو الزيارة‏.‏ ‏{‏فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أّن يَطَّوَّفَ بِهِمَا‏}‏ لما كانوا يطوفون بينهما في الجاهلية تعظيماً لإساف ونائلة تحرجوا بعد الإسلام أن يضاهوا ما كانوا يفعلونه في الجاهلية فنزلت‏.‏ وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وابن مسعود رضي الله عنه ‏{‏فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أّن يَطَّوَّفَ بِهِمَا‏}‏ فلذلك أسقط أبو حنيفة رحمة الله تعالى السعي، ولا حجة في ذلك، لأن «لا» صلة مؤكدة ك ‏{‏قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 12‏]‏ ‏{‏وَمَن تَطَوَّعَ‏}‏ بالسعي بينهما عند من لم يوجبه، أو من تطوع بالزيادة على الواجب، أو من تطوع بالحج والعمرة بعد أدائهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏159‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ‏(‏159‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ يَكْتُمُونَ‏}‏ رؤساء اليهود‏:‏ كعب بن الأشرف وابن صوريا، وزيد بن التابوه‏.‏ ‏{‏الْبَيِّنَاتِ‏}‏ الحجج الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏{‏وَالْهُدَى‏}‏ الأمر باتباعه، أو كلاهما واحد يراد بهما ما أبان نبوته وهدى إلى اتباعه‏.‏ ‏{‏بَيَّنَاهُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَابِ‏}‏ أي القرآن‏.‏ ‏{‏الَّلاعِنُون‏}‏ ما في الأرض من جماد وحيوان إلاَّ الثقلين، أو المتلاعنان إذا لم يستحق اللعنة واحد منهما رجعت على اليهود، وإن استحقها أحدهما رجعت عليه، أو البهائم إذا يبست الأرض قالوا‏:‏ هذا بمعاصي بني آدم‏.‏ أو المؤمنون من الثقلين والملائكة فإنهم يلعنون الكفرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏160‏]‏

‏{‏إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ‏(‏160‏)‏‏}‏

‏{‏تَابُوا‏}‏ أسلموا‏.‏ ‏{‏وَبَيَّنُواْ‏}‏ نبوة محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏{‏أَتُوبُ عَلَيْهِمْ‏}‏ أقبل توبتهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏161‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ‏(‏161‏)‏‏}‏

‏{‏لَعْنَةُ اللَّهِ‏}‏ عذابه، واللعنة من العباد‏:‏ الطرد‏.‏ ‏{‏وَالْنَّاسِ أَجْمَعِينَ‏}‏ أراد به غالب الناس، لأن قومهم لا يعلنونهم، أو أراد يوم القيامة إذ يكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏163‏]‏

‏{‏وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ‏(‏163‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ‏}‏ لا ثاني له ولا نظير، أو إله جميع الخلق واحد بخلاف ما فعلته عبدة الأصنام فإنهم جعلوا لكل قوم إلهاً غير إله الآخرين‏.‏ ‏{‏الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ‏}‏ رَغَّبهم بذكر ذلك في طاعته وعبادته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏164‏]‏

‏{‏إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ‏(‏164‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ‏}‏ بغير عمد ولا عَلاَّقة، وشمسها وقمرها ونجومها، ‏{‏وَالأَرْضِ‏}‏ بسهلها، وجبلها، وبحارها، وأنهارها، ومعادنها، وأشجارها ‏{‏وَاخْتِلافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ‏}‏ بإقبال أحدهما، وإدبار الآخر‏.‏ ‏{‏وَالْفُلْكِ‏}‏ باستقلالها وبلوغها إلى مقصدها، وجمع الفلك ومفردها بلفظ واحد، ويذكَّر ويؤنَّث‏.‏ ‏{‏مِن مَّآءٍ‏}‏ مطر يجيء ‏[‏غالباً‏]‏ عند الحاجة إليه، وينقطع إذا استُغني عنه‏.‏ ‏{‏فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ‏}‏ بإنبات أشجارها وزروعها، أو بإجراء أنهارها وعيونها، فيحيا بذلك الحيوان الذي عليها‏.‏ ‏{‏دَآبَّةٍ‏}‏ سمي الحيوان بذلك لدبيبه على وجهها، والآية بعد القدرة على إنشائها فيها تباين خلقها، واختلاف منافعها، ومعرفتها بمصالحها‏.‏ ‏{‏وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ‏}‏ جمع ريح أصلها «أرواح»‏.‏

إذا هبت الأرواح من نحو جانب *** به آلُ مي هاج شوقي هبوبُها

وتصريفها‏:‏ انتقال الشمال جنوباً والصبا دَبورا، أو ما فيها من الضر والنفع، شريح‏:‏ ما هاجت ريح قط إلا لسقم صحيح، أو شفاء سقيم‏.‏ ‏{‏الْمُسَخَّرِ‏}‏ المذلل‏.‏ وآيته ابتداء نشوءه وتلاشيه، وثبوته بين السماء والأرض، وسيره إلى حيث أراده منه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏165‏]‏

‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ‏(‏165‏)‏‏}‏

‏{‏أَندَاداً‏}‏ أمثالاً يراد بها الأصنام‏.‏ ‏{‏يُحِبُّونَهُمْ‏}‏ مع عجزهم كحبهم لله مع قدرته‏.‏ ‏{‏وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ‏}‏ من حب أهل الأوثان لأوثانهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏166‏]‏

‏{‏إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ‏(‏166‏)‏‏}‏

‏{‏تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ‏}‏ وهم السادة والرؤساء من تابعيهم على الكفر، أو الذين اتبعوا‏:‏ الشياطين، وتابعوهم الإنس، ورأى التابع والمتبوع العذاب‏.‏ ‏{‏الأَسْبَابُ‏}‏ تواصلهم في الدنيا، أو الأرحام، أو الحلف الذي كان بينهم في الدنيا، أو أعمالهم التي عملوها فيها، أو المنازل التي كانت لهم فيها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏167‏]‏

‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ‏(‏167‏)‏‏}‏

‏{‏كَرَّةً‏}‏ رجعة إلى الدنيا‏.‏ ‏{‏أَعْمَالَهُمْ‏}‏ التي أحبطها كفرهم، أو ما انقضت به أعمارهم من المعاصي أن لا يكون مصروفاً إلى الطاعة، الحسرة‏:‏ شدة الندامة على فائت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏168‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ‏(‏168‏)‏‏}‏

‏{‏كُلُواْ‏}‏ نزلت في خزاعة وثقيف وبني مدلج لما حرموه من الأنعام والحرث‏.‏ ‏{‏خُطُوَاتِ‏}‏ جمع خطوة؛ أعماله، أو خطاياه، أو طاعته، أو النذر في المعاصي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏169‏]‏

‏{‏إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ‏(‏169‏)‏‏}‏

‏{‏بِالسُّوءِ‏}‏ بالمعاصي لمساءة عاقبتها‏.‏ ‏{‏وَالْفَحْشَآءِ‏}‏ الزنا، أو المعاصي أو كل ما فيه حد لفحشه وقبحه‏.‏ ‏{‏وَأّن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ‏}‏ من تحريم ما لم يرحمه، أو أن له شريكاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏170‏]‏

‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ‏(‏170‏)‏‏}‏

‏{‏اتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ‏}‏ في تحليل ما حرمتموه ‏{‏قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ‏}‏ آباءنا في تحريمه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏171‏]‏

‏{‏وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ‏(‏171‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ‏}‏ فيما يوعظون به كمثل البهيمة التي تُنَعق فتسمع الصوت ولا تفهم معناه، أو مثلهم في دعائهم آلهتهم كمثل راعي البهيمة تسمع صوته ولا تفهمه‏.‏ ‏{‏صُمُّ‏}‏ عن الوعظ‏.‏ ‏{‏بُكْمٌ‏}‏ عن الحق‏.‏ ‏{‏عُمْىٌ‏}‏ عن الرشد، والعرب تسمي من سمع ما لم يعمل به أصم، قال‏:‏

أصم عما ساءه سميع‏.‏‏.‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏173‏]‏

‏{‏إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏173‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ‏}‏ قصّر داود بن علي التحريم على اللحم، وعداه الجمهور إلى سائر أجزائه‏.‏ ‏{‏أُهِلَّ بِهِ‏}‏ سمى الذبح إهلالاً، لأنه كانوا يجهرون عليه بأسماء آلهتهم، فسمي كل ذبح إهلالاً، كما سمي الإحرام إهلالاً للجهر للتلبية وإن لم يجهر بها ‏{‏لِغَيْرِ اللَّهِ‏}‏ ذبح لغيره من الأصنام‏.‏ أو ذكر عليه اسم غيره‏.‏ ‏{‏اضْطُرَّ‏}‏ أكره، أو خاف على نفسه لضرورة دعته إلى أكله قاله الجمهور‏.‏ ‏{‏غَيْرَ بَاغٍ‏}‏ على الإمام ‏{‏وَلاَ عَادٍ‏}‏ على الناس بقطع الطريق، أو ‏{‏غَيْرَ بَاغٍ‏}‏ بأكله فوق حاجته‏.‏ أو بأكله مع وجود غيره، أو ‏{‏غَيْرَ بَاغٍ‏}‏ بأكله تلذذاً ‏{‏وَلاَ عَادٍ‏}‏ بالشبع، وأصل البغي طلب الفساد، ومنه البغي للزانية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏174‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏174‏)‏‏}‏

‏{‏الِّذِينَ يَكْتُمُونَ‏}‏ علماء اليهود، كتموا ما في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم، ونبوته‏.‏ ‏{‏ثَمَناً‏}‏ الرشا التي أخذوها على كتم رسالته، وتغيير صفته، وسماه قليلاً، لانقطاع مدته، وسوء عاقبته، أو لقلته في نفسه‏.‏ ‏{‏إِلاَّ النَّارَ‏}‏ سمى مأكولهم ناراً، لأنه سبب عذابهم بالنار، أو لأنه يصير يوم القيامة في بطونهم ناراً، فسماه بما يؤول إليه‏.‏ ‏{‏وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ‏}‏ ولا يُسمعهم كلامه، أو لا يُرسل إليهم بالتحية مع الملائكة، أو عبَّر بذلك عن غضبه عليهم، فلان لا يكلم فلاناً إذا غضب عليه ‏{‏وَلا يُزَكِّيهِمْ‏}‏ لا يثني عليهم، أو لا يصلح أعمالهم الخبيثة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏175‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ‏(‏175‏)‏‏}‏

‏{‏فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ‏}‏ فما أجرأهم عليها، أو على عمل يؤدي إليها، أو أي شيء أصبرهم عليها، أو ما أبقاهم عليها، ما أصبر فلاناً على الحبس ما أبقاه فيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏177‏]‏

‏{‏لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ‏(‏177‏)‏‏}‏

‏{‏لَّيْسَ الْبِرَّ‏}‏ الصلاة وحدها، أو خاطب به اليهود والنصارى، لصلاة اليهود إلى الغرب، والنصارى إلى الشرق‏.‏ ‏{‏وَلكِنَّ الْبِرَّ‏}‏ إيمان من آمن، أو برّ من آمن بالله، فأقر بوحدانيته ‏{‏وَالْمَلآئِكَةِ‏}‏ بما أُمروا به من كَتْب الأعمال‏.‏ ‏{‏وَالْكِتَابِ‏}‏ القرآن ‏{‏وَالنَّبِيِّنَ‏}‏ فلا يكفر ببعضهم ويؤمن ببعض‏.‏ ‏{‏عَلَى حُبِّهِ‏}‏ حب المال فيكون صحيحاً شحيحاً‏.‏ ذهب الشعبي والسدي إلى وجوب ذلك خارجاً عن الزكاة، فروى الشعبي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إن في المال حقاً سوى الزكاة وتلا هذه الآلية»، والجمهور على ان الآية محمولة على الزكاة، أو على التطوع، وأنه لا حق في المال سوى الزكاة‏.‏ ‏{‏ذَوِى الْقُرْبَى‏}‏ إن حُمل على الزكاة شَرَط فيهم الأوصاف المعتبرة في الزكاة وإن حُمل على التطوع فلا‏.‏ ‏{‏وَالْيَتَامَى‏}‏ كل صغير لا أب له، وفي اعتبار فقرهم قولان‏.‏ ‏{‏وَالْمَسَاكِينَ‏}‏ مَنْ عُدِم قدر الكفاية‏.‏ وفي اعتبار إسلامهم قولان‏.‏ ‏{‏وَابْنَ السَّبِيلِ‏}‏ فقراء المسافرين‏.‏ ‏{‏وَالسَّآئِلِينَ‏}‏ الذين ألجأهم الفقير إلى السؤال‏.‏ ‏{‏وَفِى الرِّقَابِ‏}‏ المكاتبون أو عبيد يُعتقون‏.‏ ‏{‏وَأَقَامَ الصَّلاَةَ‏}‏ إلى الكعبة بواجباتها في أوقاتها‏.‏ ‏{‏وَءَاتَى الزَّكاةَ‏}‏ لمستحقها‏.‏ ‏{‏بِعَهْدِهِمْ‏}‏ بنذرهم لله تعالى، أو العقود التي بينهم وبين الناس‏.‏ ‏{‏الْبَأْسَآءِ‏}‏ الفقر‏.‏ ‏{‏وَالضَّرَّآءِ‏}‏ السقم‏.‏ ‏{‏وَحِينَ الْبأْسِ‏}‏ القتال‏.‏ وهذه الأوصاف مخصوصة بالأنبياء لتعذرها فيمن سواهم‏.‏ أو هي عامة في الناس كلهم‏.‏