فصل: تفسير الآية رقم (41)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***


تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ‏}‏ اليهود، أو المنافقون‏.‏ ‏{‏قَرِينًا‏}‏ والمراد به الشيطان بقرن به في النار، أو يصاحبه في فعله، والقرين‏:‏ الصاحب المؤالف من الاقتران، القِرن‏:‏ المثل لاقترانه في الصفة، والقَرن‏:‏ أهل العصر، لاقترانهم في الزمان، وقَرْن البهيم لاقترانه بمثله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ‏(‏40‏)‏‏}‏

‏{‏مِثْقَالَ‏}‏ الشيء‏:‏ مقداره في الثقل، والذرة‏:‏ دودة حمراء قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ ويقال‏:‏ إن هذه الدودة لا وزن لها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏بِشَهِيدٍ‏}‏ يشهد أنه بلغها ما تقوم به الحجة عليها، أو يشهد بعملها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ‏}‏ يُجعلون مثلها، كقوله تعالى ‏{‏ياليتني كُنتُ تُرَاباً‏}‏ ‏[‏النبأ‏:‏ 40‏]‏ أو تمنوا أن يدخلوا فيها حتى تعلوهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ‏(‏43‏)‏‏}‏

‏{‏سُكَارَى‏}‏ من النوم، أو من الخمر، «ثمل جماعة عند عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه فقدموا من صلى بهم المغرب فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد، وأنا عابد ما عبدتم، لكم دينكم ولي دين» فنزلت والسَّكر يسد مجرى الماء فأخذ منه السكر لسده طرق المعرفة، وخاطبه للسكران نهي عن التعرض للسُّكر، لأن السكران لا يفهم، أو قد يقع السكر بحيث لا يخرج عن الفهم‏.‏ ‏{‏عَابِرِى سَبِيلٍ‏}‏ أراد المسافر الجنب لا يصلي حتى يتيمم، أو أراد مواضع الصلاة لا يقربها إلا ماراً‏.‏ ‏{‏مَّرْضَى‏}‏ بما ينطلق عليه اسم مرض وإن لم يضر معه استعمال الماء، أو بشرط أن يَضُر به استعمال الماء، أو ما خيف فيه من استعمال الماء التلف‏.‏ ‏{‏سَفَرٍ‏}‏ ما وقع عليه الاسم، أو يوم وليلة، أو ثلاثة أيام‏.‏ ‏{‏الْغَآئِطِ‏}‏ الموضع المطمئن كُني به عن الفضلة، لأنهم كانوا يأتونه لأجلها‏.‏ الملامسة‏:‏ الجماع، أو باليد والإفضاء بالجسد، ولامستم أبلغ من لمستم، أو لامستم يوجب الوضوء على اللامس والملموس ولمستم يوجبه على اللامس وحده‏.‏ ‏{‏فَتَيَمَّمَوُاْ‏}‏ تعمدوا وتحروا، أو اقصدوا، وقرأ ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فأتوا صعيداً‏.‏ ‏{‏صَعِيداً‏}‏ أرض ملساء لا نبات بها ولا غرس، أو أرض مستوية، أو التراب، أو وجه الأرض ذات التراب والغبار‏.‏ ‏{‏طّيِّبًا‏}‏ حلالاً، أو طاهراً، أو تراب الحرث، أو مكان جَرْد غير بَطِح‏.‏ ‏{‏وَأَيْدِيكُمْ‏}‏ إلى الزندين، أو المرفقين، أو الإبطين‏:‏ ويجوز التيمم للجنابة عند الجمهور ومنعه عمر وابن مسعود والنخعي‏.‏ وسبب نزولها قوم من الصحابة أصابتهم جراح، أو نزلت في إعواز الماء في السفر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ ‏(‏44‏)‏‏}‏

‏{‏يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ‏}‏ كأنهم بكتمان صفة محمد صلى الله عليه وسلم اشتروا الضلالة بالهدى، أو أعطوا أحبارهم ‏[‏أموالهم‏]‏ على ما صنعوا من التكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو كانوا يأخذون الرشا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏غَيْرَ مُسْمَعٍ‏}‏ غير مقبول منك، أو اسمع لا سمعت‏.‏ ‏{‏وَرَاعِنَا‏}‏ كانت سبّاً في لغتهم، أو أجروها مجرى الهزء‏.‏ أو مجرى الكبر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ‏(‏47‏)‏‏}‏

‏{‏أُوتُواْ الْكِتَابَ‏}‏ اليهود والنصارى‏.‏ ‏{‏نَّطْمِسَ وُجُوهًا‏}‏ نمحو آثارها فتصير كالأقفاء ونجعل أعينها في أقفائها فتمشي القهقرى، أو نطمسها عن الهدى فنردها في الضلالة فلا تفلح أبداً ‏{‏نَلْعَنَهُمْ‏}‏ نمسخهم قردة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ‏(‏49‏)‏‏}‏

‏{‏يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم‏}‏ اليهود قالوا‏:‏ ‏{‏نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 18‏]‏، أو قدموا أطفالهم لإمامتهم زعماً أنه لا ذنوب لهم، أو قالوا‏:‏ آباؤنا يستغفرون لنا ويزكوننا، أو زكى بعضهم بعضاً، لينالوا شيئاً من الدنيا‏.‏ ‏{‏فَتِيلاً‏}‏ ما انفتل بين الأصابع من الوسخ، أو الفتيل الذي في شق النواة، والنقير ما في ظهرها، والقطمير قشرها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا ‏(‏51‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْجِبْتِ وَالْطَّاغُوتِ‏}‏ صنمان كان المشركون يعبدونهما، أو الجبت‏:‏ الأصنام والطاغوت «تراجمة» الأصنام، أو الجبت‏:‏ السحر، والطاغوت‏:‏ الشيطان، أو الجبت‏:‏ الساحر، والطاغوت‏:‏ الكاهن، أو الجبت‏:‏ حيي بن أخطب والطاغوت‏:‏ كعب بن الأشرف‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ‏(‏53‏)‏‏}‏

‏{‏نَقِيراً‏}‏ الذي في ظهر النواة، أو الخيط الذي يكون في وسط النواة، أو نَقْرُك الشيء بطرف إبهامك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

‏{‏أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ‏(‏54‏)‏‏}‏

‏{‏يَحْسُدُونَ النَّاسَ‏}‏ اليهود حسدت العرب، أو محمداً صلى الله عليه وسلم عبر عنه بالناس، أو محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين‏.‏ ‏{‏فَضْلِهِ‏}‏ النبوة كيف جعلت في العرب، أو ما أبيح للرسول صلى الله عليه وسلم من النكاح بغير حصر ولا عد قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏.‏ ‏{‏مًّلْكاً عَظِيماً‏}‏ ملك سليمان عليه الصلاة والسلام، أو النبوة، أو ما أيدوا به من الملائكة‏.‏ أما ما أبيح لداود وسليمان عليهما الصلاة والسلام من النكاح، فنكح سليمان مائة، وداود تسعاً وتسعين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ‏(‏56‏)‏‏}‏

‏{‏كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا‏}‏، لان المقصود إيلام الأرواح بواسطة الجلود واللحم فتحرق الجلود لإيلام الأرواح واللحم والجلد لا يألمان فإذا احترق الجلد فسواء أُعيد بعينه أو أُعيد غيره، أو تعاد تلك الجلود الأول جديدة غير محترقة، أو الجلود المعادة هي سرابيل القطران سميت جلوداً لكونها لباساً لهم، لأنها لو فنيت ثم أُعيدت لكان ذلك تخفيفاً للعذاب فيما بين فنائها وإعادتها، وقد قال ‏[‏تعالى‏]‏‏:‏ ‏{‏لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 162، وآل عمران‏:‏ 88‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ‏(‏58‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ‏}‏ في ولاة أمور المسلمين، أو السطان أن يعظ النساء أو للرسول صلى الله عليه وسلم أن يرد مفاتيح الكعبة إلى عثمان بن طلحة، أو لكل مؤتمن على شيء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ‏(‏59‏)‏‏}‏

‏{‏أَطِيعُواْ اللَّهَ‏}‏ في أمره ونهيه‏.‏ ‏{‏وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ‏}‏ في حياته، أو باتباع سنته‏.‏ ‏{‏وَأُوْلِى الأَمْرِ‏}‏ نزلت في الأمراء بسبب عبد الله بن حذافة بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم في سرية أو في عمار بن ياسر بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم في سرية، أو نزلت في العلماء والفقهاء، أو في الصحابة، أو في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وإنما طاعة الولاة في المعروف‏.‏ ‏{‏إِلَى اللَّهِ‏}‏ كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ‏{‏تَأْوِيلاً‏}‏ أحمد عاقبة، أو أبيّن صواباً، وأظهر حقاً، أو أحسن من تأويلكم الذي لا يرجع إلى أصل، ولا يفضي إلى حق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ‏(‏60‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ‏}‏ نزلت في يهودي وأنصاري منافق اختصما فطلب اليهودي المحاكمة إلى أهل الإسلام، لعلمه أنهم لا يرتشون وطلب المنافق المحاكمة إلى اليهود لعلمه أنهم يرتشون، فاصطلحا أن يتحاكما إلى كاهن من جهينة ‏{‏يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ‏}‏ أي المنافق، ‏{‏وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ‏}‏ اليهودي، أو نزلت في اليهود، تحاكموا إلى أبي بردة الأسلمي الكاهن‏.‏ ‏{‏ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ‏}‏ في الحال ‏{‏وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ‏}‏ حين كانوا يهوداً ‏{‏الطَّاغُوتِ‏}‏ الكاهن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏62‏]‏

‏{‏فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا ‏(‏62‏)‏‏}‏

‏{‏مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ‏}‏ لما قتل عمر رضي الله تعالى عنه منافقاً لم يرض بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إخوانه المنافقون يطلبون دمه، يقولون ما أردنا بطلب دمه إلا أحساناً إلينا، وما يوافق الحق في أمرنا، فنزلت، أو اعتذروا في عدولهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم أرادوا التوفيق بين الخصوم بتقريب في الحكم دون الحمل على مُر الحق‏.‏ فنزلت‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏63‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ‏(‏63‏)‏‏}‏

‏{‏يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ‏}‏ من النفاق ‏{‏فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ‏}‏ بالعداوة ‏{‏فَأَعْرِضْ‏}‏ فيما أبدوه، أو ‏{‏فَأَعْرِضْ‏}‏ عن عقابهم ‏{‏وَعِظْهُمْ‏}‏ أو ‏{‏فَأَعْرِضْ‏}‏ عن قبول عذرهم ‏{‏وَعِظْهُمْ‏}‏‏.‏ ‏{‏قَوْلاً بَلِيغاً‏}‏ أزجرهم أبلغ زجر، أو قبل إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلتكم، فإنه يبلغ من نفوسهم كل مبلغ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏65‏]‏

‏{‏فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ‏(‏65‏)‏‏}‏

‏{‏شَجَرَ بَيْنَهُمْ‏}‏ المشاجرة‏:‏ المنازعة، والاختلاف لتداخل الكلام بعضه في بعض كتداخل الشجر بالتفافها‏.‏ ‏{‏حَرَجًا‏}‏ شكاً، أو إثماً‏.‏ نزلت في المنافق واليهودي اللذين إحتكما إلى الطاغوت، أو في الزبير والأنصاري لما اختصما في شراج الحرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

‏{‏وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ‏(‏69‏)‏‏}‏

‏{‏وَالصِّدِّيقِينَ‏}‏ أتباع الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم وسلامه، ‏[‏والصديق‏]‏ «فعيل» من الصدق، أو من الصدقة، والشهيد لقيامه بشهادة الحق حتى قُتل، أو لأنه من شهيد الآخرة، والصالح‏:‏ من صلح عمله، أو من صلحت سريرته وعلانيته، والرفيق‏:‏ من الرفق في العمل أو من الرفق في السير‏.‏ توهم قوم أنهم لا يرون الأنبياء في الجنة، لأنهم في أعلى عليين فحزنوا وسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ‏(‏71‏)‏‏}‏

‏{‏حِذْرَكُمْ‏}‏ احذروا عدوكم، أو خذوا سلاحكم، سماه حذراً لأنه يُتقى به الحذر‏.‏ ‏{‏ثُبَاتٍ‏}‏ جمع ثُبَة، وهي العصبة، قال‏:‏

لقد أغدو على ثُبَةٍ كرام *** نشاوى واجدين لما نشاء

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

‏{‏وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ‏(‏75‏)‏‏}‏

‏{‏الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا‏}‏ مكة إجماعاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏77‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ‏(‏77‏)‏‏}‏

‏{‏فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ‏}‏ نزلت في قوم من الصحابة، سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة أن يأذن لهم في القتال فيقاتلون فلما فرض القتال بالمدينة قالوا ما ذكر الله في هذه الآية، أو في اليهود أو المنافقين، أو هي صفة المؤمنين لما طبع عليه البشر من الخوف‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏78‏]‏

‏{‏أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ‏(‏78‏)‏‏}‏

‏{‏بُرُوجٍ‏}‏ قصور في السماء معينة، أو القصور ‏[‏أو‏]‏ البيوت التي في الحصون، أخذ البروج من الظهور، تبرجت المرأة‏:‏ أظهرت نفسها‏.‏

‏{‏مًّشَيَّدَةٍ‏}‏ مجصصة، والشيد‏:‏ الجص، أو مطولة، شاد بناءه وأشاده رفعه، أشدت بذكر الرجل‏:‏ رفعت منه، أو المشيد «بالتشديد» المطول، «وبالتخفيف» المجصص‏.‏ ‏{‏وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنةٌ‏}‏ أراد اليهود، أو المنافقين، والحسنة والسيئة‏:‏ البؤس، والرخاء، أو الخصب والجدب، أو النصر والهزيمة‏.‏ ‏{‏مِنْ عِندِكَ‏}‏ بسوء تدبيرك، أو قالوه على جهة التطير به، كقوله ‏[‏تعالى‏]‏ ‏{‏وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 131‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏79‏]‏

‏{‏مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ‏(‏79‏)‏‏}‏

‏{‏مَّآ أَصَابَكَ‏}‏ أيها الإنسان، أو أيها النبي، أو خوطب به الرسول صلى الله عليه وسلم والمراد غيره‏.‏ الحسنة النعمة في الدين والدنيا‏.‏ والسيئة المصيبة فيهما، أو الحسنة ما أصابه يوم بدر والسيئة ما أصابه بأُحد من شج وجهه، وكسر رباعيته، أو الحسنة‏:‏ الطاعة والسيئة‏:‏ المعصية قاله أبو العالية‏:‏ ‏{‏فَمِن نَّفْسِكَ‏}‏ فبذنبك، أو بفعلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏80‏]‏

‏{‏مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ‏(‏80‏)‏‏}‏

‏{‏حَفِيظًا‏}‏ حافظاً لهم من المعاصي، أو حافظاً لأعمالهم التي يجازون بها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏81‏]‏

‏{‏وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ‏(‏81‏)‏‏}‏

‏{‏طَاعَةٌ‏}‏ أَمْرنا لَطَاعة‏.‏ ‏{‏بَيَّتَ‏}‏ التبييت‏:‏ كل عمل دبر بليل لأن الليل وقت المبيت، أو وقت البيوت وتبييتهم إضمارهم مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه، أو تقديرهم غير ما قال على جهة التكذيب‏.‏ ‏{‏يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ‏}‏ في اللوح المحفوظ ليجازيهم عليه، أو يكتبه بأن ينزله عليك في الكتاب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏82‏]‏

‏{‏أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ‏(‏82‏)‏‏}‏

‏{‏يَتَدَبَّرُونَ‏}‏ من الدبور لأنه النظر في عواقب الأمور‏.‏ ‏{‏اخْتِلافًا‏}‏ تناقضاً من جهة حق وباطل، أو من جهة بليغ ومرذول‏.‏ أو اختلافاً في تخبر الأخبار عما يسرون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏83‏]‏

‏{‏وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ‏(‏83‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذاَ جَآءَهُمْ‏}‏ أراد المنافقين، أو ضعفة المسلمين‏.‏ ‏{‏أُوْلِى الأَمْرِ‏}‏ العلماء، أو الأمراء، أو أمراء السرايا‏.‏ ‏{‏الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ‏}‏ أولو الأمر، أو المنافقون، أو ضعفة المسلمين‏.‏ ‏{‏يَسْتَنبِطُونَهُ‏}‏ يستخرجونه من استنباط الماء، والنبط، لاستنباطهم العيون‏.‏ ‏{‏فَضْلُ اللَّهِ‏}‏ الرسول صلى الله عليه وسلم، أو القرآن العزيز، أو اللطف‏.‏ ‏{‏إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏ من الأتباع، أو لعلمه الذين يستنبطونه إلا قليلاً، أو أذعوا به إلا قليلاً، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏85‏]‏

‏{‏مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ‏(‏85‏)‏‏}‏

‏{‏شَفاعَةً حَسَنَةً‏}‏ الدعاء للمؤمنين والسيئة‏:‏ الدعاء عليهم كانت اليهود تفعله فتوعدهم الله -تعالى- عليه، أو هو سؤال الرجل لأخيه أن ينال خيراً أو شراً بمسألته‏.‏ ‏{‏كِفْلٌ‏}‏ وزر وإثم، أو نصيب ‏{‏يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 28‏]‏ ‏{‏مُّقِيتاً‏}‏ مقتدراً، أو حفيظاً، أو شهيداً، أو حسيباً، أو مجازياً أخذ المقيت من القوت فسمي به المقتدر لقدرته على إعطاء القوت وصار لكل قادر على قوت أو غيره‏.‏ وقال‏:‏

وذي ضغن كففت النفس عنه *** وكنت على مساءته مقيتاً

تفسير الآية رقم ‏[‏86‏]‏

‏{‏وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ‏(‏86‏)‏‏}‏

‏{‏بِتَحِيَّةٍ‏}‏ الدعاء بطول الحياة، أو السلام، ورده فرض عام المسلم والكافر، أو يختص به المسلم‏.‏ ‏{‏بِأَحْسَنَ مِنْهَآ‏}‏ الزيادة في الدعاء ‏{‏أَوْ رُدُّوهَآ‏}‏ بمثلها، أو ‏{‏بِأَحْسَنَ‏}‏ منها على المسلم، وبمثلها على الكافر قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ‏{‏حَسِيباً‏}‏ حفيظاً، أو محاسباً على العمل ليجزي عليه، أو كافياً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏87‏]‏

‏{‏اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ‏(‏87‏)‏‏}‏

‏{‏يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏}‏ لقيام الناس فيه من قبورهم، أو لقيامهم فيه للحساب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏88‏]‏

‏{‏فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ‏(‏88‏)‏‏}‏

‏{‏فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ‏}‏ نزلت فيمن تخلف بأُحُد وقال‏:‏ ‏{‏لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَبَعْنَاكُمْ‏}‏، أو في قوم قدموا المدينة فأظهروا الإسلام ثم رجعوا إلى مكة فأظهروا الشرك، أو فيمن أظهر الإسلام بمكة، وأعان المشركين على المسلمين، أو في قوم من أهل المدينة، أرادوا الخروج عنها نفاقاً، أو في قوم من أهل الإفك‏.‏ ‏{‏أَرْكَسَهُم‏}‏ ردهم، أو أوقعهم، أو أهلكهم، أو أضلهم، أو نكسهم‏.‏ ‏{‏أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ‏}‏ تريدون أن تسموهم بالهدى، وقد سماهم الله تعالى بالضلال، أو تهدوهم إلى الثواب بمدحهم، وقد أضلهم الله تعالى بذمهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏90‏]‏

‏{‏إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا ‏(‏90‏)‏‏}‏

‏{‏يَصِلُونَ‏}‏ يدخلون في قوم بينكم وبينهم أمان، نزلت في بني مدلدج كان بينهم وبين قريش عقد فحرم الله تعالى من بني المدلج ما حرم من قريش‏.‏ ‏{‏حَصِرَتْ‏}‏ ضاقت، وحصر العدو تضييقه، وهو خبر، أو دعاء‏.‏ ‏{‏لَسَلَّطَهُمْ‏}‏ بتقوية قلوبهم، أو أذن لهم في القتال ليدفعوا عن أنفسهم‏.‏ ‏{‏السَّلَمَ‏}‏ الصلح، أو الإسلام، نسختها آية السيف‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏91‏]‏

‏{‏سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ‏(‏91‏)‏‏}‏

‏{‏يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ‏}‏ قوم أظهروا الإسلام، ليأمنوا المسلمين، وأظهروا موافقة قومهم، ليأمنوهم، وهم من أهل مكة، أو من أهل تهامة، أو من المنافقين، أو نعيم بن مسعود الأشجعي‏.‏ ‏{‏الْفِتْنَةِ‏}‏ كلما ردوا إلى المحنة في إظهار الكفر رجعوا فيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏92‏]‏

‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ‏(‏92‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ‏}‏ نزلت في عياش بن أبي ربيعة، قتل الحارث بن يزيد وكان يعذب عياشاً ثم أسلم الحارث وهاجر فقتله عياش بالحرة وهو لا يعلم بإسلامه، أو قتله يوم الفتح خارج مكة، وهو لا يعلم إسلامه ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ‏}‏ أي ما أذن الله له لمؤمن ‏{‏إِلاَّ خَطَئًا‏}‏ استثناء منقطع‏.‏ ‏{‏رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ‏}‏ بالغة قد صَلَّت، وصامت، لا يجزي غيرها، أو تجزى الصغيرة المتولدة من مسلمين‏.‏ ‏{‏وَدِيَةٌ‏}‏ كانت معلومة معهودة، أو هي مجملة أخذ بيانها من السنة‏.‏ ‏{‏مِن قَوْمٍ عَدُوٍ لَّكُمْ‏}‏ كان قومه كفاراً فلا دية فيه، أو كان في أهل الحرب فقتله من لا يعلم إيمانه فلا دية فيه مسلماً كان وارثه أو كافراً فيكون «مِنْ» بمعنى «في» قاله الشافعي رضي الله تعالى عنه ‏{‏بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ‏}‏ أهل الذمة من أهل الكتاب، فيهم الدية والكفارة، أو أهل عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من العرب خاصة، أو كل من له أمان بذمة أو عهد ففيه الدية والكفارة‏.‏ ‏{‏فَمَن لَّمْ يَجِدْ‏}‏ الرقبة، صام بدلاً من الرقبة وحدها عند الجمهور، أو الصوم عند العدم بدل من الدية والرقبة قاله مسروق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏93‏]‏

‏{‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ‏(‏93‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا‏}‏ نزلت في مقيس بن صبابة قتل أخاه رجل فهري فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم ديته، وضربها على بني النجار، فقبلها مقيس ثم أرسله النبي صلى الله عليه وسلم مع الفهري لحاجة فاحتمل الفهري وضرب به الأرض، ورضخ رأسه بين حجرين، فأهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمه، فقُتل عام الفتح، قال زيد بن ثابت‏:‏ نزلت الشديدة بعد الهيّنة بستة أشهر، الشديدة ‏{‏وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا‏}‏، والهيّنة‏:‏ ‏{‏والذين لاَ يَدْعُونَ‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 68‏]‏، وقيل للرسول في الشديدة‏:‏ «وإن تاب وآمن وعمل صالحاً» فقال‏:‏ وأنى له التوبة، رواه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏94‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ‏(‏94‏)‏‏}‏

‏{‏إِذَا ضَرَبْتُمْ‏}‏ لقيت سرية للرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً معه غنيمات، فسلم عليهم، وآتى بالشهادتين، فقتله أحدهم، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لم قتلته، وقد أسلم‏؟‏» فقال‏:‏ إنما قالها متعوذاً، قال‏:‏ «هلا شققت عن قلبه‏؟‏» ثم وداه الرسول صلى الله عليه وسلم ورد على أهله غنمه، قتله أُسامة بن زيد، أو المقداد، أو أبو الدرداء أو عامر بن الأضبط، أو محلم بن جثامة، ويقال‏:‏ لفظت الأرض قاتله ثلاث مرات، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إن الأرض لتقبل من هو شر منه، ولكن الله تعالى جعله لكم عبرة»، وأمر أن تُلقى عليه الحجارة ‏{‏كَذَلِكَ كُنتمُ‏}‏ كفاراً فَمَنَّ الله تعالى عليكم بالإسلام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏100‏]‏

‏{‏وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ‏(‏100‏)‏‏}‏

‏{‏مُرَاغَمًا‏}‏ مُتحولاً من أرض إلى أرض، أو مَطلباً للمعيشة، أو مُهَاجَراً، أو مندوحة عما يكره، أو ما يرغم به قومه، لأن من هاجر راغباً عن قومه، فقد راغمهم، أخذ ذلك من الرغم وهو الذل، والتراب رَغام لذلته، والرَّغام ما يسيل من الأنف‏.‏

‏{‏وَسَعَةً‏}‏ في الرزق، أو في إظهار الدين، أو من الضلالة إلى الهدي، ومن العيلة إلى الغنى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏101‏]‏

‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ‏(‏101‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ‏}‏ سرتم، لضربهم الأرض بأرجلهم في السير‏.‏ ‏{‏أَن تَقْصُرُواْ‏}‏ الأركان بالإيماء عند التحام القتال مع بقاء عدد الصلاة، أو تقصروا من أربع إلى اثنتين في الخوف دون الأمن، أو تقصروا في الخوف إلى ركعة وفي الأمن إلى ركعتين، أو في الأمن والخوف إلى ركعتين لا غير‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏102‏]‏

‏{‏وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ‏(‏102‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ‏}‏ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بصلاة الخوف، وهي خاص به، أو عامة لأمته عند الجمهور‏.‏ ‏{‏وَلْيَأْخُذُوَاْ أَسْلِحَتَهُمْ‏}‏ يعني المصلين، قاله الشافعي رضي الله تعالى عنه أو الحارسين‏.‏ ‏{‏فَإِذَا سَجَدُواْ‏}‏ المصلون ركعة واحدة عند من رأى صلاة ركعة فليكن المصلون من ورائكم بإزاء العدو‏.‏ أو إذا صلوا بعد مفارقة الإمام ركعة أخرى فليكونوا من ورائكم، أو لا يتمون الركعة الثانية إلا بعد وقوفهم بإزاء العدو، ‏{‏وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى‏}‏ وهم الذين كانوا بإزاء العدوا فيصلوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم الركعة الباقية عليه، ثم يسلمون معه عند من جعلها ركعة، أو تتم الركعتين وتفارقه قبل التشهد، أو بعده وتركع الركعة الثانية قبل وقوفها بإزاء العدو‏.‏ أو تقف بإزائه وتنصرف الطائفة الأولى، فتأتي بركعة ثم ترجع إلى مواجهة العدو، ثم تخرج الثانية فتكمل صلاتها، وهذه الصلاة نحو صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏103‏]‏

‏{‏فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ‏(‏103‏)‏‏}‏

‏{‏فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ‏}‏ في خوف، أو أمنٍ ‏{‏فَاذْكُرُواْ اللَّهَ‏}‏ تعالى عقبها بالتعظيم والتسبيح والتقديس‏.‏ ‏{‏فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ‏}‏ أقمتم فأتموها من غير قصر، وإذا أمنتم من الخوف فأتموا الركوع والسجود بغير إيماء‏.‏ ‏{‏مَّوْقُوتًا‏}‏ فرضاً واجباً، أو مؤقَتة بنجومها كلما مضى نجم جاء نجم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏104‏]‏

‏{‏وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ‏(‏104‏)‏‏}‏

‏{‏وَلا تَهِنُواْ‏}‏ لا تضعفوا في طلبهم للحرب‏.‏ ‏{‏وَتَرْجُونَ‏}‏ من نصر الله ما لا يرجون، أو من ثوابه ما لا يرجون، أو تخافون منه ما لا يخافون ‏{‏مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً‏}‏ ‏[‏نوح‏:‏ 13‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏105‏]‏

‏{‏إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ‏(‏105‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ‏}‏ نزلت في طعمة بن أُبيرق أُودع درعاً وطعاماً فجحد ولم تقم عليه بينة، فهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالدفع عنه، فبين الله تعالى أمره، أو سرق درعاً وطعاماً، فأنكره واتهم به أنصارياً، أو يهودياً، وألقاه في منزله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏112‏]‏

‏{‏وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ‏(‏112‏)‏‏}‏

‏{‏ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا‏}‏ أراد الذي اتهمه طعمة فلما نزلت فيه الآية، ارتد طعمة، ولحق بمشركي مكة، فنزلت، ‏{‏وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 115‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏117‏]‏

‏{‏إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا ‏(‏117‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَاثاً‏}‏ اللات والعزى ومناة، أو الأوثان، وفي مصحف عائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبيها «إلاَّ أوثاناً»، أو الملائكة، لزعمهم أنهم بنات الله تعالى، أو موات لا روح فيه، لأن إناث كل شيء أرذله، قاله ابن عباس رضي الله عنهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏119‏]‏

‏{‏وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا ‏(‏119‏)‏‏}‏

‏{‏وَلأُضِلَّنَّهُمْ‏}‏ عن الإيمان، ‏{‏وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ‏}‏ بطول الأمل، ليؤثروا الدنيا على الآخرة‏.‏ ‏{‏فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ الانْعَامِ‏}‏ ليقطعنها نسكاً لآلهتهم كالبحيرة والسائبة‏.‏ ‏{‏خَلْقَ اللَّهِ‏}‏ دينه، أو أراد خصاء البهائم، أو الوشم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏123‏]‏

‏{‏لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ‏(‏123‏)‏‏}‏

‏{‏لَّيْسَ‏}‏ الثواب ‏{‏بِأَمَانِيِّكُمْ‏}‏ يا أهل الإسلام، أو يا عبدة الأوثان، ‏{‏وَلآ أَمَانِىِّ أَهْلِ الْكِتَابِ‏}‏ لا يستحق بالأماني بل بالأعمال الصالحة‏.‏ ‏{‏سُوَءًا‏}‏ شركاً، أو الكبائر، أو ما ينال المسلم من الأحزان والمصائب في الدنيا فهو جزاء عن سيئاته، ولما نزلت شقت على المسلمين فشكوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ «قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة، حتى النكبة ينكبها والشوكة يشاكها» وقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه‏:‏ ما أشد هذه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «يا أبا بكر إن المصيبة في الدنيا جزاء»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏127‏]‏

‏{‏وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ‏(‏127‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَآءِ‏}‏ كانوا لا يورثون النساء ولا الأطفال فلما نزلت المواريث شق عليهم فسألوا فنزلت ‏{‏لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ‏}‏ من الميراث، او كانوا لا يؤتون النساء صدقاتهن بل يتملكه الأولياء فلما نزل ‏{‏وَآتُواْ النسآء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 4‏]‏ سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت فقوله ‏{‏لا تُؤُتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ‏}‏ أراد به «الصداق» ‏{‏وَتَرْغَبُونَ‏}‏ عن نكاحهن لقبحهن وتمسكوهن رغبة في أموالهن، أو ‏{‏وَتَرْغَبُونَ‏}‏ في نكاحهن رغبة في أموالهن، أو جمالهن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏128‏]‏

‏{‏وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ‏(‏128‏)‏‏}‏

‏{‏نُشُوزًا‏}‏ ترفعاً عها لبغضها ‏{‏أَوْ إِعْرَاضًا‏}‏ انصرافاً عن الميل إليها لموجدة أو أثَرَة، لما هم الرسول صلى الله عليه وسلم بطلاق سودة جعلت يومها لعائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبيها على أن لا يطلقها، فنزلت، أو هي عامة في كل أمرأة خافت النشوز أو الإعراض‏.‏ ‏{‏صُلْحًا‏}‏ بترك مهر، أو إسقاط قسم‏.‏ ‏{‏وَالصُّلْحُ خَيْرٌ‏}‏ من الفرقة، أو من النشوز والإعراض‏.‏ ‏{‏وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ‏}‏ أنفس النساء عن حقوقهن على الأزواج وعن أموالهن، أو نفس كل واحد من الزوجين بحقه على صاحبه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏129‏]‏

‏{‏وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ‏(‏129‏)‏‏}‏

‏{‏تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَآءِ‏}‏ في المحبة‏.‏ ‏{‏وَلَوْ حَرَصْتُمْ‏}‏ أن تعدلوا في المحبة، أو لو حرصتم في الجماع، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ‏{‏كُلَّ الْمَيْلِ‏}‏ أن يميل بفعله كما مال بقلبه‏.‏ ‏{‏كَالْمُعَلَّقَةِ‏}‏ لا أيِّماً ولا ذات بعل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏133‏]‏

‏{‏إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ‏(‏133‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَأْتِ بِأخَرِينَ‏}‏ لما نزلت ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم بيده على ظهر سلمان، فقال‏:‏ «قوم هذا» يعني عجم الفرس‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏134‏]‏

‏{‏مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ‏(‏134‏)‏‏}‏

‏{‏ثَوَابَ الدُّنْيَا‏}‏ الغنيمة، وثواب ‏{‏وَالأَخِرَةِ‏}‏ الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏135‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ‏(‏135‏)‏‏}‏

‏{‏قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ‏}‏ بالعدل‏.‏ ‏{‏شُهَدَآءَ لِلَّهِ‏}‏ بالحق ‏{‏وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ‏}‏ بالإقرار‏.‏ ‏{‏فَلا تَتَّبِعُواْ الْهَوَى‏}‏ اختصم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم غني وفقير فكان ضَلْعه مع الفقير يرى أن الفقير لا يظلم الغني، فنزلت، أو نزلت في الشهادة‏.‏ لهم وعليهم‏.‏

‏{‏وإن تلوا‏}‏ أمور الناس، أو تتركوا، خطاب للولاة والحكام‏.‏ ‏{‏تَلْوُاْ‏}‏ من لي اللسان بالشهادة، فيكون الخطاب للشهود قاله ابن عباس رضي الله عنهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏136‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ‏(‏136‏)‏‏}‏

‏{‏يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ‏}‏ بمن تقدم من الأنبياء‏.‏ ‏{‏ءَامِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ‏}‏ خطاب لليهود، أو للمنافقين، يا أيها الذين آمنوا بأفواههم آمنوا بقلوبكم، أو للمؤمنين يا أيها الذين آمنوا دوموا على إيمانكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏137‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا ‏(‏137‏)‏‏}‏

‏{‏ءَامَنُواْ‏}‏ بموسى ‏{‏ثُمَّ كَفَرُواْ‏}‏ بعبادة العجل ‏{‏ثُمَّ ءَامَنُواْ‏}‏ بموسى بعد عوده ‏{‏ثُمَّ كَفَرُواْ‏}‏ بعيسى ‏{‏ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً‏}‏ بمحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين أو المنافقون آمنوا ثم ارتدوا ثم آمنوا، ثم ارتدوا ثم ماتوا على كفرهم، أو قوم من أهل الكتاب قصدوا تشكيك المؤمنين فأظهروا الإيمان ثم الكفر ثم ازدادوا كفراً بثبوتهم عليه فيستتاب المرتد ثلاث مرات فإن عاد قُتل بغير استتابة، لأجل هذه الآية قاله علي رضي الله تعالى عنه، أو يستتاب كلما ارتد عند الجمهور‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏141‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ‏(‏141‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ‏}‏ فأعطونا من الغنيمة‏.‏ ‏{‏نَسْتَحْوِذْ‏}‏ نستولي عليكم بالنصر والمعونة‏.‏ ‏{‏وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ بالتخذيل عنكم، أو ألم نبيّن لكم أنا على دينكم، أو ألم نغلب عليكم، أصل الاستحواذ‏:‏ الغلبة‏.‏ ‏{‏عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً‏}‏ في الآخرة، أو حجة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏142‏]‏

‏{‏إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ‏(‏142‏)‏‏}‏

‏{‏يُخَادِعُونَ اللَّهَ‏}‏ جعل خداعهم للرسول صلى الله عليه وسلم بما أظهره من الإيمان خداعاً له‏.‏ ‏{‏خَادِعُهُمْ‏}‏ يجزيهم على خداعهم، سمي الجزاء باسم الذنب، أو أمر فيهم كعمل الخادع؛ بأمره بقبول إيمانهم، أو ما يعطيهم في الآخرة من نور يمشون به من المؤمنين ثم يطفأ عند الصراط فذلك خدعه إياهم‏.‏ ‏{‏إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏ أي ذكر الرياء حقيراً يسيراً، لاقتصارهم على ما يظهر من التكبير دون ما يخفى من القراءة والتسبيح‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏148‏]‏

‏{‏لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ‏(‏148‏)‏‏}‏

‏{‏إِلاَّ مَن ظُلِمَ‏}‏ فيدعو على ظالمه، أو يخبر بظلمه إياه، أو فينتصر منه، أو ينزل برجل فلا يحسن ضيافته فله أن يجهز بذمه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏149‏]‏

‏{‏إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ‏(‏149‏)‏‏}‏

‏{‏إِن تُبْدُواْ خَيْرًا‏}‏ بدلاً من السوء، أو تخفوا السوء وإن لم تبدوا خيراً ‏{‏عَفُوًّا‏}‏ عن السوء، كان أولى، وإن كان ترك العفو جائزاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏153‏]‏

‏{‏يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا ‏(‏153‏)‏‏}‏

‏{‏كِتَابًا مِّنَ السَّمَآءِ‏}‏ سأله اليهود أن ينزل كتاباً مكتوباً، كما نزلت الألواح على موسى صلى الله عليه وسلم، أو سألوه نزول ذلك عليهم خاصاً تحكماً في طلب الآيات، أو سألوه أن ينزل على طائفة من رؤسائهم كتاباً بتصديقه ‏{‏جَهْرَةً‏}‏ معاينة، أو قالوا جهرة أرنا الله، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏.‏ ‏{‏بِظُلْمِهِمْ‏}‏ لأنفسهم، أو بظلمهم في سؤالهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏154‏]‏

‏{‏وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ‏(‏154‏)‏‏}‏

‏{‏الْبَابَ‏}‏ باب الموضع الذي عبدوا فيه العجل، وهو باب من أبواب بيت المقدس، أو باب حطة‏.‏ ‏{‏لا تَعدَّوا‏}‏ بارتكاب المحظورات، ‏{‏لا تَعْدُواْ‏}‏ الواجب‏.‏ ‏{‏مِّيثَاقَاً غَلِيظًا‏}‏ هو ميثاق آخر غير الميثاق الأول، ‏{‏غَلِيظاً‏}‏ العهد بعد اليمين، أو بعض العهد ميثاق غليظ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏155‏]‏

‏{‏فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ‏(‏155‏)‏‏}‏

‏{‏غُلْفٌ‏}‏ أوعية للعلم، ومع ذلك فلا تفهم حجتك ولا إعجازك، أو محجوبة عن فهم دلائل صدقك كالمحجوب في غلافه‏.‏ ‏{‏طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا‏}‏ ذمهم بأن قلوبهم كالمطبوع عليها فلا تفهم أبداً، أو جعل عليها علامة تدل الملائكة على كفرهم كعلامة المطبوع‏.‏ ‏{‏إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏ منهم، أو إلاَّ بقليل وهو إيمانهم ببعض الأنبياء دون بعض‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏157‏]‏

‏{‏وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ‏(‏157‏)‏‏}‏

‏{‏رَسُولَ اللَّهِ‏}‏ في زعمه، من قول اليهود، أو هو من قول الله تعالى لا على جهة الحكاية‏.‏ ‏{‏شُبِّهَ لَهُمْ‏}‏ كانوا يعرفونه، فَأُلقي شَبَهه على غيره فقتلوه، أو لم يكونوا يعرفونه بعينه، وإن كان مشهوراً بينهم بالذكر فارتشى منهم مرتشي ثلاثين درهماً وَدَلَّهم على غيره، أو كانوا يعرفونه فخاف الرؤساء فتنة العوام بأن الله منعهم فقتلوا غيره إيهاماً أنه المسيح ليزول افتتانهم به‏.‏ ‏{‏وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ‏}‏ قبل القتل فقال بعضهم‏:‏ هو إله، وقال آخرون‏:‏ هو ولد، وقال آخرون‏:‏ ساحر‏.‏ ‏{‏إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ‏}‏ الشك الذي حدث فيهم بالاختلاف، أو ما لهم بحاله من علم هل كان رسولاً، أو غير رسول‏؟‏ إلا اتباع الظن‏.‏ ‏{‏يَقِيناً‏}‏ وما قتلوا ظنهم يقيناً كقولك‏:‏ ما قتلته علماً، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو ما قتلوا أمره يقيناً، إن الرجل هو المسيح أو غيره، أو ما قتلوه حقاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏158‏]‏

‏{‏بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ‏(‏158‏)‏‏}‏

‏{‏رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ‏}‏ إلى سمائه، أو إلى موضع لا يجري فيه حكم أحد من العباد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏159‏]‏

‏{‏وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ‏(‏159‏)‏‏}‏

‏{‏إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ‏}‏ بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل موت الكتابي، أو بالمسيح قبل موت المسيح إذا نزل من السماء، أو قبل موت الكتابي يؤمن بما نزل من الحق وبالمسيح‏.‏ ‏{‏شَهِيداً‏}‏ على نفسه بالعبودية وتبليغ الرسالة، أو بتكذيب المكذب وتصديق المصدق من أهل عصره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏171‏]‏

‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ‏(‏171‏)‏‏}‏

‏{‏لا تَغْلُواْ‏}‏ لليهود، أو لليهود والنصارى غلوا في المسيح، فقالت النصارى هو الرب، وقالت اليهود لغير رِشدة، والغلو‏:‏ مجاوزة الحد، غلا السعر‏:‏ جاوز الحد في الزيادة، وغلا في الدين‏:‏ أفرط في مجاوزة الحق‏.‏ ‏{‏إِلاَّ الْحَقَّ‏}‏ لا تقولوا المسيح إله ولا لغير رشدة‏.‏ ‏{‏وَكَلِمَتُهُ‏}‏، لأن الله تعالى كلمه حين قال له‏:‏ «كن»، أو لأنه بشارة بشر الله بها، أو لأنه يُهتدى به كما يُهتدى بكلام الله‏.‏ ‏{‏وَرُوحٌ مِّنْهُ‏}‏ أضافه إليه تشريفاً، أو لأن الناس يحيون به كما يحيون بالأرواح، أو لأن جبريل عليه السلام نفخ فيه الروح بإذن الله تعالى والنفخ في اللغة‏:‏ يسمى روحاً‏.‏ ‏{‏ثَلاثَةٌ‏}‏ أب وابن وروح القدس، أو قول من قال‏:‏ آلهتنا ثلاثة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏174‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ‏(‏174‏)‏‏}‏

‏{‏بُرْهَانٌ‏}‏ النبي صلى الله عليه وسلم لما معه من المعجز‏.‏ ‏{‏نُوراً‏}‏ القرآن، لإظهاره للحق كما تظهر المرئيات بالنور‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏175‏]‏

‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ‏(‏175‏)‏‏}‏

‏{‏وَاعْتَصَمُواْ بِهِ‏}‏ بالقرآن، أو بالله تعالى‏.‏ ‏{‏وَيَهْدِيهِمْ‏}‏ يعطيهم في الدنيا ما يؤديهم إلى نعيم الآخرة، أو يأخذ بهم في الآخرة إلى طريق الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏176‏]‏

‏{‏يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏176‏)‏‏}‏

‏{‏يَسْتَفْتُونَكَ‏}‏ آخر سورة أُنزلت كاملة سورة براءة، وآخر آية نزلت ‏{‏يَسْتَفْتُونَكَ‏}‏ ولما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم جابراً رضي الله تعالى عنه في مرضه، سأله كيف يصنع بماله، وكان له تسع أخوات فنزلت‏.‏

‏[‏سورة المائدة‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْعُقُودِ‏}‏ عهود الله التي أخذ بها الإيمان على عباده فيما أحلّ وحرّم، أو ما أخذ على أهل الكتاب أن يعلموا بما في التوراة والإنجيل من ‏[‏تصديق‏]‏ صفة محمد صلى الله عليه وسلم أو العهد والحلف الذي كان في الجاهلية أو عهود الدِّين كلها، أو عقود الناس كالبيع والإجارة وما يعقده على نفسه من نذر أو يمين‏.‏ ‏{‏بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ‏}‏ الإبل والبقر والغنم، أو أجنة الأنعام إذا ذكيت فوجد الجنين ميتاً، أو بهيمة الأنعام وحشيها كالظباء وبقر الوحش ولا يدخل فيها الحافر لأنه مأخوذ من نَعمة الوطء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏شَعَآئِرَ اللَّهِ‏}‏ معالم الله من الإشعار وهو الإعلام‏:‏ مناسك الحج، أو محرمات الإحرام، أو حَرَم الله، أو حدوده في الحلال والحرام المباح، أو دينه كله ‏{‏وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 32‏]‏ أي دين الله‏.‏ ‏{‏الشَّهْرَ الْحَرَامَ‏}‏ لا تقاتلوا فيه وهو رجب أو ذو القعدة أو الأشهر الحرم‏.‏ ‏{‏الْهَدْىَ‏}‏ كل ما يهدى إلى البيت من شيء، أو ما لم يقلد من النعم وقد جعل على نفسه أن يهديه ويقلده‏.‏ ‏{‏الْقلآئِدَ‏}‏ قلائد الهدى، أو كانوا إذا حجوا تقلّدوا من لحاء الشجر ليأمنوا في ذهابهم وإيابم، أو كانوا يأخذون لحاء شجر الحرم إذا خرجوا منه فيتقلدون ليأمنوا فنهوا عن نزع شجر الحرم‏.‏ ‏{‏ءَآمِّينَ‏}‏‏:‏ قاصدين أممت كذا قصدته‏.‏ ‏{‏فَضْلاً‏}‏ أجراً، أو ربح تجارة ‏{‏وَرِضْوَاناً‏}‏ من الله تعالى عنهم بنسكهم‏.‏ ‏{‏يَجْرِمَنَّكُمْ‏}‏‏:‏ يحملنكم، جرمني فلان على بغضك حملني، أو يكسبنكم، جرمت على أهلي‏:‏ كسبت لهم‏.‏ ‏{‏شَنَئَانُ‏}‏‏:‏ بغض، أو عداوة‏.‏

أتى الحُطم بن هند الرسول صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إلامَ تدعو‏؟‏ فأخبره، فخرج فمرّ بسرح من سرح المدينة فاستاقه، ثم أقبل من العام المقبل حاجّاْ مقلداً الهدى فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه فنزلت فقال ناس من الصحابة يارسول الله خَلِّ بيننا وبينه فإنه صاحبنا فنزلت‏.‏ ثم نسخ جميعها، أو نسخ منها ولا الشهر الحرام، ولا آمين البيت الحرام، أو نسخ التقلد بلحاء الشجر فاتفقوا على نسخ بعضها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏الْمَيْتَةُ‏}‏ كل ما له نفس سائلة من دواب البَرِّ وطيره، أو كل ما فارقته الحياة من دواب البرّ وطيره‏.‏ ‏{‏وَالدَّمُ‏}‏ محرم إذا كان مفسوحاً، فلا يحرم دم السمك، ‏[‏أو‏]‏ المسفوح وغيره حرام إلا ما خصّته السنّة من الكبد والطحال فحرم دم السمك‏.‏ ‏{‏وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ‏}‏ يخصّه التحريم عند داود ويعم باقي أجزائه عند الجمهور، ولا فرق بين الأهلي والوحشي‏.‏ ‏{‏وَمَآ أُهِلَّ‏}‏ ذبح لغير الله من صنم أو وثن، استهل الصبي صاح، ومنه إهلال الحج‏.‏ ‏{‏وَالْمُنْخَنِقَةُ‏}‏ بحبل الصائد وغيره حتى تموت، أو التي توثق فيقلتها خناقها‏.‏ ‏{‏وَالْمَوْقُوذَةُ‏}‏ المضروبة بالخشب حتى تموت‏.‏ وقذه وقذاً‏:‏ ضربه حتى أشفى على الهلاك‏.‏ ‏{‏وَالْمُتَرَدِّيَةُ‏}‏ من رأس جبل أو بئر‏.‏

‏{‏وَالنَّطِيحَةُ‏}‏ التي تنطحها أخرى فتموت‏.‏ ‏{‏إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ‏}‏ من المنخنقة، وما بعدها عند الجمهور أو مما أكل السبع خاصة، والأكيلة التي تحلها الذكاة هي التي فيها حياة قوية لا كحركة المذبوح، أو يكون لها عين تطرف وذنب يتحرك‏.‏ ‏{‏تَسْتَقْسِمُواْ‏}‏ تطلبوا علم ما قسم لكم من رزق أو حاجة‏.‏ ‏{‏بِالأَزْلامِ‏}‏ قداح مكتوب على أحدها أمرني ربي، وعلى الآخر نهاني ربي، والآخر غُفل، كانوا إذا أرادوا أمراً ضربوا بها، فإن خرج أمرني ربي فعلوه، وإن خرج نهاني تركوه، وإن خرج الغفل أعادوه، سمي ذلك استقساماً لطلبهم على ما قسم لهم، أخذ من قسم اليمين لأنهم التزموا بالقداح ما يلتزمونه باليمين‏.‏ ‏{‏ذَلِكُمْ‏}‏ الذي نهيتم عنه فسق وخروج عن الطاعة‏.‏ ‏{‏يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ‏}‏ من دينكم أن ترتدوا عنه، أو أن يبطلوه أو يقدحوا في صحته، وكان ذلك يوم عرفة في حجة الوداع بعد دخول العرب في الإسلام حين لم يرَ الرسول صلى الله عليه وسلم مشركاً ‏{‏فَلا تَخْشَوْهُمْ‏}‏ أن يظهروا عليكم واخشوا مخالفتي‏.‏ ‏{‏الْيَوْمَ اكْمَلْتُ‏}‏ يوم عرفة في حجة الوداع، ولم يعش بعد ذلك إلا أحدى وثمانين ليلة، أو زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كله إلى أن نزل ذلك يوم عرفة‏.‏ وأكماله بإكمال فرائضه، وحلاله وحرامه فلم ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها شيء من الفرائض من تحليل ولا تحريم، أو بإكمال الحج فلا يحج معكم مشرك‏.‏ ‏{‏وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى‏}‏ بإكمال الدين ‏{‏وَرَضِيتُ لَكُمُ‏}‏ الاستسلام لأمري ‏{‏دِيناً‏}‏ أي طاعة‏.‏ ‏{‏فَمَنِ اضْطُرَّ‏}‏ أصابه ضر من الجوع‏.‏ ‏{‏مَخْمَصَةٍ‏}‏ مفعلة كمبخلة ومجبنة ومجهلة ومحزنة، من الخمص وهو اضطمار البطن من الجوع ‏{‏مُتَجَانِفٍ‏}‏ متعمد أو مائل‏.‏ جنف القوم مالوا، وكل أعوج فهو أجنف‏.‏ نزلت هذه السورة والرسول صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة، أو في مسير له من حجة الوداع، أو يوم الاثنين بالمدينة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏الطَّيِّبَاتُ‏}‏‏:‏ الحلال وإن لم يكن مستلذاً تشبيهاً بالمستلذ، قلت وهو بعيد إذ لا جواب فيه‏.‏ ‏{‏وَمَا عَلَّمْتُم‏}‏ وصيد ما عَلَّمتم ‏{‏الْجَوَارِحِ‏}‏ الكواسب، فلان جارحة أهله أي كاسبهم ‏{‏مُكَلِّبِينَ‏}‏ بالكلاب وحدها فلا يحل إلا صيد الكلب، أو بالكلاب وغيرها أي مُضَرِّين على الصيد كما تُضَرَّى الكلاب، أو التكليب من صفة الجارح المعلَّم ‏{‏تُعَلِّمُونَهُنَّ‏}‏ من طلب الصيد ‏{‏مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ‏}‏ من تأديبه فإن أَكَلَ الجارحة من الصيد فيحل، أو لا يحل، أو يحل في جوارح الطير دون السباع‏.‏ لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب قالوا‏:‏ يا رسول الله ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها فسكت فنزلت، أو سأله زيد الخير فقال يا رسول الله فينا رجلان يقال لأحدهما ذَريح والآخر يكنى أبا دجانة لهما أكلب خمسة تصيد الظباء فما ترى في صيدها‏؟‏ فنزلت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ‏}‏ ذبائحهم وطعامهم‏.‏ ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ‏}‏ حرائر الفريقين عفيفات أو فاجرات، أو العفائف من الحرائر والإماء، ومحصنات أهل الكتاب المعاهدات دون الحربيات، أو المعاهدات والحربيات عند الجمهور‏.‏ ‏{‏مُحْصِنِينَ‏}‏ أعفّاء ‏{‏مُسَافِحِينَ‏}‏ زناة ‏{‏مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ‏}‏‏:‏ ذات خليل تقيم معه على السفاح‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏إِذَا قُمْتُمْ‏}‏ إذا أردتم القيام إلى الصلاة مُحدِثين، أو يجب على كل قائم إلى الصلاة أن يتوضأ ولا يجوز أن يجمع فريضتين بوضوء واحد يروى عن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما، أو كان واجباً على كل قائم إلى الصلاة فنسخ إلاَّ عن المُحدِث «وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة ثم جمع الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد»‏.‏ وكان قد أُمر بالوضوء لكل صلاة فلما شق عليه أُمر بالسواك ورُفع الوضوء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْقِسْطِ‏}‏ بالعدل شهداء لحقوق الناس أو بما يكون من معاصيهم، أو شهداء لأمر الله بأنه حق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏إِذْ هَمَّ قَوْمٌ‏}‏ بعثت قريش رجلاً ليقتل الرسول صلى الله عليه وسلم فأطلعه الله تعالى على ذلك فنزلت هاتان الآيتان أو خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعين بهم في دية فهمّوا بقتله فنزلت تذكرهم نعمته عليهم بخلاص نبيهم صلى الله عليه وسلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏مِيثَاقَ بَنِىَ إِسْرَآءِيلَ‏}‏‏:‏ بإخلاص العبادة ولزوم الطاعة‏.‏ ‏{‏نَقِيباً‏}‏ أخذ من كل سبط منهم نقيب وهو الضمين، أو الأمين، أو الشهيد على قومه، والنقب في اللغة الواسع‏.‏ فنقيب القوم هو الذي ينقب عن أحوالهم، بُعثوا ضمناء لقومهم بما أخذ به ميثاقهم، أو بُعثوا إلى الجبارين ليقفوا على أحوالهم، فرجعوا ينهون عن قتالهم لما رأوا من شدّة بأسهم وعظم خلقهم إلا اثنين منهم‏.‏ ‏{‏وَعَزَّرْتُمُوهُمْ‏}‏ نصرتموهم، أو عظمتموهم، مأخوذ من المنع عزرته عزراً رددته عن الظلم‏.‏