فصل: تفسير الآية رقم (37)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***


تفسير الآية رقم ‏[‏87‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ ‏(‏87‏)‏‏}‏

‏[‏‏{‏سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِى‏}‏‏]‏ السبع المثاني‏:‏ الفاتحة، لأنها تثنى كلما قرأ القرآن وصلى، أو السبع الطوال، البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس، «ع» سميت مثاني لما تردد فيها من الأمثال والخبر والعبر، أو لأنها تجاوز المائة الأولى إلى المائة الثانية، أو المثاني القرآن كله، أو معانيه السبعة أمر ونهي وتبشير وإنذار وضرب أمثال وتعديد نعم وأنباء قرون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏88‏]‏

‏{‏لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ‏(‏88‏)‏‏}‏

‏{‏أَزْوَاجاً‏}‏ أشباهاً، أو أصنافاً، أو الأغنياء ‏{‏وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ‏}‏ بما أنعمت عليهم في الدنيا أو بما يصيرون إليه من كفرهم ‏{‏وَاخْفِضْ‏}‏ عبّر به عن الخضوع، أو عن إلانه الجانب، نزل بالرسول صلى الله عليه وسلم ضيف فلم يكن عنده ما يصلحه فأرسل إلى يهودي يستسلف منه دقيقاً إلى هلال رجب، فأبى إلا برهن، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إني لأمين في السماء أمين في الأرض ولو أسلفني لأديت إليه» فنزلت ‏{‏لا تَمُدَّنَّ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏90‏]‏

‏{‏كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ ‏(‏90‏)‏‏}‏

‏{‏الْمُقْتَسِمِينَ‏}‏ اليهود والنصارى اقتسموا القرآن أعضاء أي أجزاء فآمنوا ببعض منها وكفروا ببعض «ع»، أو اقتسموه استهزاء به فقال بعضهم‏:‏ هذه السورة لي، وقال بعضهم‏:‏ هذه لي، أو اقتسموا كتبهم فآمن بعضهم ببعضها وكفر ببعضها وكفر آخرون بما آمن به أولئك وأمنوا بما كفروا به، أو قوم صالح تقاسموا على قتله، قاله ابن زيد، أو قوم من قريش اقتسموا طُرق مكة لينفروا على الرسول صلى الله عليه وسلم من يرد من القبائل بأنه ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون حتى لا يؤمنوا به فنزل عليهم عذاب فأهلكهم، أو قوم من قريش اقتسموا القرآن فجعلوا بعضه شعراً وبعضه سحراً وبعضه كهانة وبعضه أساطير الأولين، أو قوم اقتسموا أيماناً تحالفوا عليها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏91‏]‏

‏{‏الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ ‏(‏91‏)‏‏}‏

‏{‏عِضِينَ‏}‏ فرقاً بعضه شعراً وبعضه سحراً وبعضه أساطير الأولين، جعلوه أعضاء كما تعضى الجزور، وعضين جمع عضو من عضيت الشيء تعضية إذا فرقته «ع»‏.‏

وليس دين الله تعالى بالمعضى

أي المفرق أو العضين جمع عضة وهو البهت لأنهم بهتوا كتاب الله تعالى فيما رموه به، عضهت الرجل أعضهه عضها بهته، وقال‏:‏

إن العضيهة ليست فعل أحرار

أو العضه‏:‏ السحر بلسان قريش ومنه «لعن الرسول صلى الله عليه وسلم العاضهة والمستعضهة» أراد الساحرة والمتسحرة، أو لما ذكر في القرآن الذباب والبعوض والعنكبوت والنمل قال أحدهم‏:‏ أنا صاحب البعوض، وقال آخر‏:‏ أنا صاحب الذباب وقال آخر أنا صاحب النمل استهزاء منهم بالقرآن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏93‏]‏

‏{‏عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏93‏)‏‏}‏

‏{‏عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏ يعبدون، أو ما عملوا فيما علموا، أو عما عبدوا وما أجابوا الرسل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏94‏]‏

‏{‏فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ‏(‏94‏)‏‏}‏

‏{‏فَاصْدَعْ‏}‏ فامض، أو أظهر، أو اجهر بالقرآن في الصلاة، أو أعلن بالوحي حتى يبلغهم «ع»، أو افرق به بين الحق والباطل، أو فرق القول فيهم مجتمعين وفرادى، ‏{‏وَأَعْرِضْ‏}‏ منسوخ بآية السيف «ع» أو أعرض عن الاهتمام باستهزائهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏95‏]‏

‏{‏إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ‏(‏95‏)‏‏}‏

‏{‏الْمُسْتَهْزءِينَ‏}‏ خمسة‏:‏ الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأبو زمعة والأسود بن عبد يغوث والحارث بن غيطلة أهلكهم الله تعالى قبل بدر لاستهزائهم برسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏97‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ‏(‏97‏)‏‏}‏

‏{‏صَدْرُكَ‏}‏ قلبك لأنه محل القلب ‏{‏بِمَا يَقُولُونَ‏}‏ من الاستهزاء، أو التكذيب بالحق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏98‏]‏

‏{‏فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ‏(‏98‏)‏‏}‏

‏{‏السَّاجِدِينَ‏}‏ المصلين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏99‏]‏

‏{‏وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ‏(‏99‏)‏‏}‏

‏{‏الْيَقِينُ‏}‏ الحق الذي لا ريب فيه، أو الموت الذي لا محيد عنه «ح»‏.‏

‏[‏سورة النحل‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏أَتَى‏}‏ دنا، أو سيأتي، أو على حقيقة إتيانه في ثبوته واستقراره‏.‏ ‏{‏أَمْرُ اللَّهِ‏}‏ القيامة، أو وعيد المشركين، أو فرائض الله تعالى وأحكامه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏بِالرُّوحِ‏}‏ الوحي «ع»، أو كلام الله تعالى، أو الحق الواجب الاتباع، أو أرواح الخلق لا ينزل ملك إلا معه روح قاله مجاهد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏خَصِيمٌ‏}‏ محتج في الخصومة‏.‏ ذكر ذلك تعريفاً لقدرته، أو لنعمته، أو لقبح ما ضيعه من شكر النعمة بمخاصمته في الكفر «ح» قيل نزلت في أُبي بن خلف الجمحي أخذ عظاماً نخرة فذراها وقال أنُعاد إذا صرنا كذا‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏دِفْءٌ‏}‏ لباس «ع»، أو ما استدفأت به من أصوافها وأوبارها وأشعارها‏.‏ ‏{‏وَمَنَافِعُ‏}‏ الركوب والعمل ‏{‏تَأْكُلُونَ‏}‏ اللحم واللبن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏مَا لا تَعْلَمُونَ‏}‏ من الخلق عند الجمهور، أو نهر تحت العرش «ع»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏مَوَاخِرَ‏}‏ تشق الماء عن يمين وشمال، والمخر‏:‏ شق الماء وتحريكه، أو ما تمخر الريح من السفن والمخر صوت هبوب الريح، أو تجري بريح واحدة مقبلة ومدبرة، أو تجري معترضة، أو المواخر‏:‏ المواقد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏وَعَلامَاتٍ‏}‏ معالم الطرق بالنهار ‏{‏وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ‏}‏ بالليل «ع»، أو النجوم منها ما يهتدى به ومنها ما هو علامة لا يهتدى بها، أو الجبال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏لا تُحْصُوهَآ‏}‏ لا تحفظوها، أو لا تشكروها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم‏}‏ هدمه من أساسه، أو مثل ضربه الله تعالى لاستئصالهم ‏{‏السَّقْفُ‏}‏ أتاهم من السماء التي هي سقفهم «ع»، أو سقطت أعالي بيوتهم وهم تحتها فلذلك قال‏:‏ ‏{‏مِن فَوْقِهِمْ‏}‏ إذ لا يكون فوقهم إلا وهم تحته‏.‏ وهم نمروذ بن كنعان وقومه «ع»، أو بختنصر وأصحابه، أو المقتسمين المذكورين في سورة الحجر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ‏}‏ قيل نزلت فيمن أسلم بمكة ولم يهاجر فأخرجتهم قريش إلى بدر فقُتلوا ‏{‏تَتَوَفَّاهُمُ‏}‏ تقبض أرواحهم ‏{‏ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ‏}‏ بالمقام بمكة وترك الهجرة ‏{‏فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ‏}‏ في خروجهم معهم ‏{‏مِن سُوءِ‏}‏ كفر ‏{‏بَلَى‏}‏ عملكم أعمال الكفار، والسَّلَم‏:‏ الصلح، أو الاستسلام، أو الخضوع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

‏{‏الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏طَيِّبِينَ‏}‏ صالحين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏ظُلِمُواْ‏}‏ ظلمهم أهل مكة بإخراجهم إلى الحبشة بعد العذاب والإبعاد‏.‏ ‏{‏حَسَنَةً‏}‏ نزول المدينة «ع»، أو الرزق الحسن نزلت في أبي جَندل بن سهيل، أو في بلال وعمار وخباب بن الأرتْ عُذبوا حتى قالوا ما أراده الكفار فلما خلوهم هاجروا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ‏(‏43‏)‏‏}‏

‏{‏الذِّكْرِ‏}‏ العلماء بأخبار القرون الخالية يعلمون أن الله تعالى ما بعث رسولاً إلا من رجال الأمة ولم يبعث ملكاً أو أهل الكتاب خاصة «ع»، أو أهل القرآن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

‏{‏بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ‏(‏44‏)‏‏}‏

‏{‏إِلَيْكَ الذِّكْرَ‏}‏ القرآن، أو العلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏تَقَلُّبِهِمْ‏}‏ سفرهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

‏{‏أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ‏(‏47‏)‏‏}‏

‏{‏تَخَوُّفٍ‏}‏ تنقص يهلك واحداً بعد واحد فيخافون الفناء «ع»، أو على تقريع وتوبيخ بما قدموه من ذنوبهم «ع»، أو يهلك قرية فتخاف القرية الأخرى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ‏(‏48‏)‏‏}‏

‏{‏يَتَفَيَّؤُاْ ظِلالُهُ‏}‏ يرجع، والفيء‏:‏ الرجوع وبه سمى الظل بعد الزوال لرجوعه، أو يتميل «ع»، أو يدور، أو يتحول‏.‏ ‏{‏الْيَمِينِ وَالشَّمَآئِلِ‏}‏ تارة جهة اليمين وتارة إلى جهة الشمال «ع»، أو اليمين أول النهار والشمال آخره ‏{‏سُجَّداً‏}‏ ظل كل شيء سجوده، أو سجود الظل بسجود شخصه، أو سجود الظلال كسجود الأشخاص تسجد خاضعة لله ‏{‏دَاخِرُونَ‏}‏ صاغرون خاضعون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

‏{‏يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ‏(‏50‏)‏‏}‏

‏{‏رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ‏}‏ عذاب ربهم لأنه ينزل من فوقهم من السماء، أو قدرته التي هي فوق قدرتهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

‏{‏وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ ‏(‏52‏)‏‏}‏

‏{‏الدِّينُ‏}‏ الإخلاص، أو الطاعة ‏{‏وَاصِباً‏}‏ واجباً «ع»، أو خالصاً أو دائماً «ح»، عذاب واصب‏:‏ دائم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ‏(‏53‏)‏‏}‏

‏{‏الضُّرُّ‏}‏ القحط، أو الفقر ‏{‏تَجْئَرُونَ‏}‏ تضرعون بالدعاء، أو تضجون وهو الصياح من جؤار الثور وهو صياحه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

‏{‏وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ‏(‏58‏)‏‏}‏

‏{‏مُسْوَدّاً‏}‏ أسود اللون عند الجمهور، أو متغير اللون بسواد أو غيره‏.‏ ‏{‏كَظِيمٌ‏}‏ حزين «ع»، أو كظم غيظه فلا يظهره، أو مغموم انطبق فوه من الغم، من الكظامة وهو شدُّ فَمِ القربة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

‏{‏يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ‏(‏59‏)‏‏}‏

‏{‏هُونٍ‏}‏ الهوان بلغة قريش، أو القليل بلغة تميم ‏{‏يَدُسُّهُ‏}‏ يريد المؤودة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏62‏]‏

‏{‏وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ ‏(‏62‏)‏‏}‏

‏{‏مَا يَكْرَهُونَ‏}‏ البنات ‏{‏الْحُسْنَى‏}‏ البنين، أو أجزاء الحسنى ‏{‏لا جَرَمَ‏}‏ حقاً أو قطعاً، أو اقتضى فعلهم أن لهم النار ‏[‏أو‏]‏ بلى إن لهم النار «ع» ‏{‏مُّفْرَطُونَ‏}‏ منسيون، أو مضيعون، أو مبعدون في النار، أو متروكون فيها أو مقدمون إليها ومنه «أنا فرطكم على الحوض» أي متقدمكم، ‏{‏مُفْرِطون‏}‏ مسرفون في الذنوب من الإفراط فيها، ‏{‏مُفَرِّطون‏}‏ في الواجب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

‏{‏وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ‏(‏67‏)‏‏}‏

‏{‏سَكَراً‏}‏ السكر‏:‏ الخمر، والرزق الحسن‏:‏ التمر والرطب الزبيب، نزلت قبل تحريم الخمر، أو السكر‏:‏ ما حرم من شرابه، والرزق الحسن‏:‏ ما حل من ثمرته، أو السكر‏:‏ النبيذ، والرزق الحسن‏:‏ التمر والزبيب، أو السكر‏:‏ الخل بلغة الحبشة والرزق الحسن‏:‏ الطعام، أو السكر ما طعم من الطعام وحل شربه من ثمار النخيل والأعناب وهو الرزق الحسن‏.‏

وجعلتَ عيب الأكرمين سكراً *** أي جلعت ذمهم طُعماً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

‏{‏وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ‏(‏68‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَوْحَى‏}‏ ألهمها، أو سخرها أو جعله في غرائزها بما يخفي مثله على غيرها ‏{‏يَعْرِشُونَ‏}‏ يبنون، أو الكروم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

‏{‏ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ‏(‏69‏)‏‏}‏

‏{‏ذُلُلاً‏}‏ مذللة، أو مطيعة، أو لا يتوعر عليها مكان تسلكه، أو الذلل صفة للنحل بانقيادها إلى أصحابها وذهابها حيث ذهبوا‏.‏ ‏{‏مًّخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ‏}‏ لاختلاف أغذيته ‏{‏فِيهِ شِفَآءٌ‏}‏ الضمير للقرآن، أو للعسل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏70‏]‏

‏{‏وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ‏(‏70‏)‏‏}‏

‏{‏أَرْذَلِ الْعُمُرِ‏}‏ أوضعه وأنقصه عند الجمهور، أو الهرم، أو ثمانون سنة، أو خمس وسبعون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

‏{‏وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ‏(‏71‏)‏‏}‏

‏{‏فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ‏}‏ السادة على العبيد، أو الأحرار بعضهم على بعض عند الجمهور ‏{‏فِى الرِّزْقِ‏}‏ بالغنى والفقر والضيق والسعة ‏{‏فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ‏}‏ لما لم يشركهم عبيدهم في أموالهم لم يجز أن يشاركوا الله تعالى في ملكه «ع»، أو هم وعبيدهم سواء في أن الله تعالى رزق الجميع، وأن أحداً لا يقدر على رزق عبده إلا أن يرزقه الله تعالى أياه كما لا يقدر على رزق نفسه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏72‏]‏

‏{‏وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ‏(‏72‏)‏‏}‏

‏{‏مِّن أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً‏}‏ خلق حواء من آدم ‏{‏وَحَفَدَةً‏}‏ أصهار الرجل على بناته، أو أولاد الأولاد «ع»، أو بنو زوجة الرجل من غيره «ع» أو الأعوان، أو الخدم، والحفدة جمع حافد وهو المسرع في العمل، «نسعى ونحفد»‏:‏ نسرع إلى العمل بطاعتك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

‏{‏ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏75‏)‏‏}‏

‏{‏ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً‏}‏ مثل للكافر والمؤمن، فالكافر لا يقدر على شيء من الخير، والزرق الحسن مما عند المؤمن من الخير «ع»، أو مثل للأوثان التي لا تملك شيئاً تُعبد دون الله تعالى الذي يملك كل شيء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏76‏]‏

‏{‏وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَم لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ‏(‏76‏)‏‏}‏

‏{‏رَّجُلَيْنِ‏}‏ مثل لله تعالى وللوثن الأبكم الذي لا يقدر على شيء، والذي يأمر بالعدل هو الله عز وجل، أو الأبكم‏:‏ الكافر، والذي يأمر بالعدل المؤمن «ع»، أو الأبكم غلام لعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه كان يعرض عليه الإسلام فيأبى والذي يأمر بالعدل عثمان رضي الله تعالى عنه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏77‏]‏

‏{‏وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏77‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَآ أَمْرُ السَّاعَةِ‏}‏ سألت قريش الرسول صلى الله عليه وسلم عن الساعة استهزاء فنزل ‏{‏وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ‏}‏ يريد قيام الساعة وسميت ساعة لانها جزء من يوم القيامة وأجزاء اليوم ساعاته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏81‏]‏

‏{‏وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ‏(‏81‏)‏‏}‏

‏{‏مِّمَّا خَلَقَ ظِلالاً‏}‏ الشجر ‏{‏أَكْنَاناً‏}‏ يستكن فيها جمع كِن ‏{‏سَرَابِيلَ‏}‏ ثياب الكتان والقطن والصوف، والتي تقي الناس‏:‏ دروع الحرب، ذكر الجبال والحر ولم يذكر السهل والبرد لغلبة الجبال والحر على بلادهم دون البرد والسهل، فَمَنَّ عليهم بما يختص بهم، أو اكتفى بذكر الجبال والحر عن ذكر السهل والبرد فالمنة فيهما آكد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏83‏]‏

‏{‏يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ‏(‏83‏)‏‏}‏

‏{‏نِعْمَتَ اللَّهِ‏}‏ محمد صلى الله عليه وسلم يعرفون نبوته ثم يكذبونه، أو نعمه المذكورة في هذه السورة ثم ينكرونها بقولهم‏:‏ ورثناها عن آبائنا، أو إنكارها قولهم‏:‏ لولا فلان لما أصبت كذا وكذا، أو معرفتهم‏:‏ اعترافهم أن الله رزقهم وأنكارهم قولهم‏:‏ رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا، قال الكلبي تسمى هذه السورة سورة النعم لتعديد النعم فيها‏.‏ ‏{‏وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ‏}‏ أراد جميعهم، أو فيهم من حكم بكفره تبعاً كالصبيان والمجانين فذكر المكلفين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏90‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ‏(‏90‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْعَدْلِ‏}‏ شهادة التوحيد ‏{‏وَالإِحْسَانِ‏}‏ الصبر على طاعته في أمره ونهيه سراً وجهراً ‏{‏وَإِيتَآىءِ ذِى الْقُرْبَى‏}‏ صلة الرحم، والفحشاء‏:‏ الزنا‏.‏ والمنكر‏:‏ القبائح، والبغي‏:‏ الكبر والظلم، أو العدل‏:‏ القضاء بالحق، والإحسان‏:‏ التفضل بالإنعام، وإيتاء ذي القربى‏:‏ صلة الأرحام، والفحشاء‏:‏ ما يُسر من القبائح، والمنكر‏:‏ ما يُظهر منها فينكر، والبغي ما يتطاول به من ظلم وغيره، أو العدل استواء السريرة والعلانية في العمل لله، والإحسان فضل السريرة على العلانية، والمنكر والبغي فضل العلانية على السريرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏91‏]‏

‏{‏وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ‏(‏91‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ‏}‏ نزلت في بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام أو في الحلف الواقع في الجاهلية بين أهل الشرك والإسلام فجاء الإسلام بالوفاء به، أو في كل يمين منعقدة يجب الوفاء بها ما لم تدعُ ضرورة إلى الحنث، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم «فليأتِ الذي هو خير» محمول على الضرورة دون المباح، وأهل الحجاز يقولون‏:‏ وكدت توكيداً، وأهل نجد أكدت تأكيداً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏92‏]‏

‏{‏وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ‏(‏92‏)‏‏}‏

‏{‏كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا‏}‏ امرأة حمقاء بمكة كانت تغزل الصوف ثم تنقضه بعد إبرامه‏.‏ فشبه ناقض العهد بها في السفه والجهل تنفيراً من ذلك ‏{‏غَزْلَهَا‏}‏ عبّر عن الحبل بالغزل، أو أراد الغزل حقيقة ‏{‏قُوَّةٍ‏}‏ إبرام، أو القوة‏:‏ ما غزل على طاقة ولم تثن ‏{‏أَنكَاثاً‏}‏ أنقاضاً واحدها نكث، وكل شيء نقض بعد الفتل فهو أنكاث ‏{‏دَخَلاً‏}‏ غروراً، أو دغلاً وخديعة، أو غلاً وغشاً، أو أن يكون داخل القلب من الغدر غير ما في الظاهر من الوفاء، أو الغدر والخيانة‏.‏ ‏{‏أَرْبَى‏}‏ أكثر عدداً وأزيد مدداً فتغدر بالأقل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏97‏]‏

‏{‏مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏97‏)‏‏}‏

‏{‏حَيَاةً طَيِّبَةً‏}‏ بالرزق الحلال «ع»، أو القناعة، أو الإيمان بالله تعالى والعمل بطاعته، أو السعادة «ع»، أو الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏98‏]‏

‏{‏فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ‏(‏98‏)‏‏}‏

‏{‏قَرَأْتَ‏}‏ أردت، أو إذا كنت قارئاً فاستعذ، أو تقديره فإذا استعذت بالله فاقرأ على التقديم والتأخير‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏99‏]‏

‏{‏إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ‏(‏99‏)‏‏}‏

‏{‏سُلْطَانٌ‏}‏ قدره على حملهم على ذنب لا يغفر، أو حجة على ما يدعوهم إليه من المعصية، أو لا سلطان له عليهم لاستعاذتهم بالله تعالى لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 200‏]‏، أو لا سلطان له عليهم بحال لقوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتبعك‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 42‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏100‏]‏

‏{‏إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ‏(‏100‏)‏‏}‏

‏{‏بِهِ مُشْرِكُونَ‏}‏ بالله، أو أشركوا الشيطان في أعمالهم، أو لأجل الشيطان وطاعته أشركوا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏101‏]‏

‏{‏وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏101‏)‏‏}‏

‏{‏بَدَّلْنَآ‏}‏ نسخناها حكماً وتلاوة، أو حكماً دون التلاوة ‏{‏لا يَعْلَمُونَ‏}‏ جواز النسخ والله تعالى أعلم بالمصلحة فيما ينزله ناسخاً ومنسوخاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏103‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ‏(‏103‏)‏‏}‏

‏{‏بَشَرٌ‏}‏ بلعام فتى بمكة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ليعلمه فاتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه يتعلم منه، أو يعيش عبد بني الحضرمي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلقنه القرآن، أو غلامان صيقلان لبني الحضرمي من أهل عين التمر كانا يقرآن التوراة فربما جلس إليهما الرسول صلى الله عليه وسلم، أو سلمان الفارسي‏.‏ ‏{‏يُلْحِدُونَ‏}‏ يميلون، أو يعرضون به‏.‏ والعرب يعبّرون عن الكلام باللسان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏106‏]‏

‏{‏مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ‏(‏106‏)‏‏}‏

‏{‏مَن كَفَرَ بِاللَّهِ‏}‏ نزلت في عبد الله بن أبي سرح ومِقْيسَ بن صُبَابة وعبد الله بن خطل وقيس بن الوليد بن المغيرة كفروا بعد إيمانهم ‏{‏إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ‏}‏ نزلت في عمار وأبويه ياسر وسمية، أو في بلال وصهيب وخباب أظهروا الكفر وقلوبهم مطمئنة بالإيمان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏112‏]‏

‏{‏وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ‏(‏112‏)‏‏}‏

‏{‏قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً‏}‏ مكة، وسمي الجوع والخوف لباساً، لأنه يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس، بلغ بهم القحط أن أكلوا القد والعلهز وهو الوبر يخلط بالدم «والقراد ثم» يؤكل «ع»، أو المدينة آمنت بالرسول صلى الله عليه وسلم ثم كفرت بعده بقتل عثمان رضي الله تعالى عنه وما حدث فيها من الفتن قالته حفصة، أو كل مدينة كانت على هذه الصفة من سائر القرى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏119‏]‏

‏{‏ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏119‏)‏‏}‏

‏{‏بِجَهَالَةٍ‏}‏ أنه سوء، أو بغلبة الشهوة مع العلم بأنه سوء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏120‏]‏

‏{‏إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ‏(‏120‏)‏‏}‏

‏{‏أُمَّةً‏}‏ إماماً يؤتم به، أو معلماً للخير، أو أمة يقتدى به سمي بذلك لقيام الأمة به ‏{‏قَانِتاً‏}‏ مطيعاً، أو دائماً على العبادة ‏{‏حَنِيفاً‏}‏ مخلصاْ، أو حاجاً، أو مستقيماً على طريق الحق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏122‏]‏

‏{‏وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ‏(‏122‏)‏‏}‏

‏{‏حَسَنَةً‏}‏ نبوة، أو لسان صدق، أو كل أهل الأديان يتولونه ويرضونه، أو ثناء الله تعالى عليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏123‏]‏

‏{‏ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ‏(‏123‏)‏‏}‏

‏{‏اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ‏}‏ في الإسلام والبراءة من الأوثان، أو في جميع ملته إلا ما أُمر بتركه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏124‏]‏

‏{‏إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ‏(‏124‏)‏‏}‏

‏{‏اخْتَلَفُواْ فِيهِ‏}‏ فقال بعضهم‏:‏ السبت أعظم الأيام حرمة، لان الله تعالى فرغ من خلق الأشياء فيه، أو قال بعضهم‏:‏ الأحد أفضل، لأن الله تعالى ابتدأ الخلق فيه، أو عدلوا عما أمروا به من تعظيم الجمعة تغليباً لحرمة السبت أو الأحد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏125‏]‏

‏{‏ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ‏(‏125‏)‏‏}‏

‏{‏سَبِيلِ رَبِّكَ‏}‏ الإسلام ‏{‏بِالْحِكْمَةِ‏}‏ بالقرآن ‏{‏وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ‏}‏ القرآن في لين من القول، أو بما فيه من الأمر والنهي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏126‏]‏

‏{‏وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ‏(‏126‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِنْ عَاقَبْتُمْ‏}‏ نزلت في قريش لما مثلوا بقتلى أُحُد ثم نسخت بقوله تعالى ‏{‏واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 127‏]‏ أو هي محكمة، أو نزلت في كل مظلوم أن يقتص بقدر ظلامته‏.‏ ‏{‏وَاصْبِرْ‏}‏ عن المعاقبة بمثل ما عاقبوا به قتلى أُحد من المثلة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏128‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ‏(‏128‏)‏‏}‏

‏{‏اتَّقَواْ‏}‏ المحرمات، وأحسنوا بالفرائض والطاعات‏.‏

‏[‏سورة الإسراء‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏سُبْحَانَ‏}‏‏:‏ تنزيه الله تعالى من السوء، أو براءة الله تعالى من السوء‏.‏ وهو تعظيم لا يصلح لغير الله‏.‏ أخذ من السبح في التعظيم وهو الجري فيه، وقيل هو هنا تعجيب أي اعجبوا للذي أسرى، لما كان مشاهدة العجب سبباً للتسبيح صار التسبيح تعجباً‏.‏ ويطلق التسبيح على الصلاة، وعلى الاستثناء ‏{‏لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ‏}‏ ‏[‏القلم‏:‏ 28‏]‏، وعلى النور «سبحات وجهه»، وعلى التنزيه، سئل الرسول صلى الله عليه سلم عن التسبيح فقال‏:‏ «إنزاه الله تعالى على السوء» ‏{‏بِعَبْدِهِ‏}‏ محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ والسرى سير الليل‏.‏ ‏{‏الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏ الحرم كله، أو المسجد نفسه، سرت روحه وجسده فصلى في بيت المقدس بالأنبياء ثم عرج إلى السماء ثم رجع إلى المسجد الحرام فصلى به الصبح آخر ليلته، أو لم يدخل القدس ولم ينزل عن البراق حتى عرج به ثم عاد إلى مكة، أو أسرى بروحه دون جسده فكنت رؤيا من الله تعالى صادقة‏:‏ ‏{‏الأَقْصَا‏}‏ لبعده من المسجد الحرام‏.‏ ‏{‏بَارَكْنَا‏}‏ بالثمار ومجرى الأنهار، أو بمن جُعل حوله من الأنبياء والصالحين ‏{‏مِنْ ءَايَاتِنَا‏}‏ عجائبنا، أو من أريهم من الأنبياء حتى وصفهم واحداً واحداً ‏{‏السَّمِيعُ‏}‏ لتصديقهم بالإسراء وتكذيبهم ‏{‏الْبَصِيرُ‏}‏ بما فعل من الإسراء والمعراج‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏وَكِيلاً‏}‏‏:‏، شريكاً، أو رباً يتوكلون عليه في أمورهم، أو كفيلاً بأمورهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا‏}‏‏:‏ هم موسى وبنو إسرائيل‏:‏ ‏{‏شَكُوراً‏}‏ نوح يحمد ربه على الطعام، أو لا يستجد ثوباً إلا حمد الله على لبسه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَضَيْنَآ‏}‏ أخبرنا ‏{‏لَتُفْسِدُنَّ‏}‏ بقتل الناس وأخذ أموالهم وتخريب ديارهم‏.‏ ‏{‏عُلُوّاً‏}‏‏:‏ بالاستطالة والغلبة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏بَعَثْنَا‏}‏ خلينا بينكم وبينهم خذلاناً بظلمكم، أو أمرناهم بقتالكم ‏{‏عِبَاداً‏}‏ جالوت إلى أن قتله داود «ع» أو بختنصر، أو سنحاريب أو العمالقة وكانوا كفاراً، أو قوم من أهل فارس يتحسسون أخبارهم‏.‏ ‏{‏فَجَاسُواْ‏}‏ مشوا وترددوا بين الدور والمساكن «ع»، أو قتلوهم بين الدور والمساكن قال‏:‏

ومنا الذي لا قى بسيف محمد *** فجاس به الأعداء عرض العساكر

أو طلبوا، أو نزلوا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏الْكَرَّةَ‏}‏‏:‏ الظفر بهم بقتل جالوت، أو غزو ملك بابل فاستنقذوا ما بيده من الأسرى والأموال، أو أطلق لهم ملك بابل الأسرى والأموال‏.‏ ‏{‏وَأَمْدَدْنَاكُم‏}‏ جدد عليهم النعمة فبقوا بها مائة وعشرين سنة، وبعث فيهم أنبياء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏لأِنفُسِكُمْ‏}‏‏:‏ ثواب إحسانكم ‏{‏وَإِنْ أَسَأْتُمْ‏}‏ عاد العقاب عليكم، رغّب في الإحسان وحذر من الإساءة‏.‏ ‏{‏وَعْدُ الأَخِرَةِ‏}‏‏:‏ بعث عليهم بختنصر، أو انطياخوس الرومي ملك نينوي ‏{‏الْمَسْجِدَ‏}‏‏:‏ بيت المقدس‏.‏ يتبروا‏:‏ يهلكوا ويدمروا، أو يهدموا ويخربوا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏يَرْحَمَكُمْ‏}‏‏:‏ مما حل بكم من النقمة ‏{‏وَإِنْ عُدتُّمْ‏}‏ إلى الفساد عدنا إلى الانتقام، فعادوا فبُعث عليهم المؤمنون يُذلونهم بالجزية والمحاربة إلى القيامة «ع» ‏{‏حَصِيراً‏}‏ فراشاً من الحصير المفترش أو حبسنا من الحصر، والملك حصير لاحتجابه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ‏}‏ شهادة التوحيد، أو أوامره ونواهيه‏.‏ وأقوم‏:‏ أصوب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَدْعُ الإِنسَانُ‏}‏ إذا ضجر وغضب على نفسه وولده بالهلاك، ولو أجيب كما يجاب في دعاء الخير لهلك، أو يطلب النفع عاجلاً بالضرر آجلاً‏.‏ ‏{‏عَجُولاً‏}‏ بدعائه على نفسه وولده عند ضجره «ع»، أو أراد آدم نفخت الروح فيه فبلغت سرته فأراد أن ينهض عجلاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏فَمَحَوْنَآ ءَايَةَ الَّيْلِ‏}‏ ظلمة الليل التي لا تبصر فيها المرئيات كما لا يبصر ما انمحى من الكتابة «ع»، أو اللطخة السوداء في القمر ليكون ضوءه أقل من ضوء الشمس ليتميز الليل من النهار‏.‏ ‏{‏ءَايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً‏}‏ الشمس مضيئة للإبصار، أو أهله بصراء فيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏طَآئِرَهُ‏}‏‏:‏ عمله من الخير الشر ‏{‏فِى عُنُقِهِ‏}‏ لأنه كالطوق أو حظه ونصيبه طار سهم فلان بكذا خرج نصيبه وسهمه منه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏كِتَابَكَ‏}‏ كتابه‏:‏ طائره الذي في عنقه ‏{‏حَسِيباً‏}‏ شاهداً، أو حاكماً عليها بعملها من خير أو شر‏.‏ ولقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك بعملك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏وَلا تَزِرُ‏}‏‏:‏ لا يؤاخذ أحد بذنب غيره، أو لا يجوز أن يعصي لمعصية غيره ‏{‏مُعَذِّبِينَ‏}‏‏:‏ في الدنيا والآخرة على شرائع الدين حتى نبعث رسولاً مبيناً، أو على شيء من المعاصي حتى نبعث رسولاً داعياً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏أَرَدْنَآ‏}‏ صلة تقديره إذا أهلكنا، أو حكمنا لهلاك قرية‏.‏ ‏{‏أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا‏}‏ بالطاعة ‏{‏فَفَسَقُواْ‏}‏ بالمخالفة «ع» ‏{‏أَمَرْنَا‏}‏ جعلناهم أمراء مسلطين‏.‏ ‏{‏آمرنا‏}‏ كثرّنا عددهم، أمر القوم كثروا وإذا كثروا احتاجوا إلى أمراء ‏{‏مُتْرَفِيهَا‏}‏ الجبارون، أو الرؤساء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏الْقُرُونِ‏}‏ مدة القرن مائة وعشرون سنة، أو مائة سنة، أو أربعون سنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏هَؤُلآءِ وَهَؤُلآءِ‏}‏ نمد البَر والفاجر ‏{‏مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ‏}‏ في الدنيا ‏{‏مَحْظُوراً‏}‏ منقوصاً، أو ممنوعاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَضَى‏}‏ أمر «ع» قال الضحاك‏:‏ كانت في المصحف «ووصى» فألصق الكاتب الواو بالصاد فصارت وقضى قلت‏:‏ هذا هوس ‏{‏فَلا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ‏}‏ إذا رأيت بهما الأذى أو أمطت عنهما الخلاء فلا تضجر كما لم يضجرا في صغرك لما أماطاه عنك، ‏{‏أُفٍّ‏}‏‏:‏ كل ما غلظ وقبح من الكلام أو استقذار للنتن وتغير الرائحة، أو كلمة دالة على التبرم والضجر‏.‏ ويقولون‏:‏ أُف وتف فالأُف وسخ الأظفار والتف ما رفعته بيدك من الأرض من شيء حقير‏.‏ ‏{‏كَرِيماً‏}‏ ليناً، أو حسناً‏.‏ نزلت والتي بعدها في سعد بن أبي وقاص «ع»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏لِلأَوَّابِينَ‏}‏ المسبحون «ع»، أو المطيعون، أو مصلو الضحى، أو المصلون بين المغرب والعشاء، أو التائبون من الذنوب، أو التائب مرة بعد أخرى كلما أذنب بادر التوبة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏الْقُرْبَى‏}‏ قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم، أمر الولاة بدفع حصتهم من الفيء والغنيمة، أو قرابة المرء من قبل أبويه يدفع له نفقته الواجبة، أو الوصية لهم عند الوفاة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ‏}‏ عمن سألك من هؤلاء ‏{‏ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ‏}‏ طلباً لرزق الله ‏{‏فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً‏}‏ عِدْهم خيراً ورد عليهم جميلاً، أو إن أعرضت حذراً أن ينفقوا ذلك في المعصية فمنعته ‏{‏ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ‏}‏ له ‏{‏مَّيْسُوراً‏}‏ ليناً سهلاً قاله ابن زيد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ‏(‏31‏)‏‏}‏

‏{‏وَلا تَقْتُلُواْ‏}‏ يريد وأد البنات خوف الفقر ‏{‏خِطْئاً‏}‏‏:‏ العدول عن الصواب تعمداً والخطأ‏:‏ العدول عنه سهواً، أو الخطء‏:‏ ما فيه إثم والخطأ‏:‏ ما لا إثم فيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

‏{‏وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ‏(‏33‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْحَقِّ‏}‏ بما يستحق به القتل‏.‏ ‏{‏سُلْطَاناً‏}‏ بالقود، أو بالتخيير بين القود والدية والعفو ‏{‏فَلا يُسْرِف‏}‏ يقتل غير القاتل، أو يقتل الجماعة بالواحد ‏{‏إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً‏}‏ إن الولي، أو القتيل كان منصوراً بقتل قاتله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

‏{‏وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ‏(‏34‏)‏‏}‏

‏{‏بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ‏}‏ التجارة بماله، أو حفظ أصله وتثمير فرعه ‏{‏أَشُدَّهُ‏}‏ ثمان عشرة سنة، أو الاحتلام والعقل والرشد‏.‏ ‏{‏بِالْعَهْدِ‏}‏ العقود بين المتعاقدين، أو الوصية بمال اليتيم، أو كل ما أمر الله به ونهي عنه ‏{‏مَسْئُولاً‏}‏ عنه الذي عهد به، أو تُسأل العهد لما نقضت كما تُسأل المؤودة بأي ذنب قتلت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

‏{‏وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ‏(‏35‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْقِسْطَاسِ‏}‏‏:‏ القبان، أو الميزان صغيراً أو كبيراً، وهو العدل بالرومية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

‏{‏وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ‏(‏36‏)‏‏}‏

‏{‏وَلا تَقْفُ‏}‏‏:‏ لا تقل، أو لا ترم أحداً بما لا تعلم «ع»، أو من القيافة وهو اتباع الأثر كأنه يتبع قفا المتقدم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

‏{‏وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏مَرَحاً‏}‏ شدة الفرح، أو الخيلاء في المشي، أو التكبر فيه، أو البطر والأشر، أو تجاوز الإنسان قدره‏.‏ ‏{‏لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ‏}‏ من تحت قدمك ‏{‏وَلَن تَبْلُغَ الجِبَالَ‏}‏ بتطاولك، زجره عن التطاول الذي لا يدرك به غرضاَ، أو يريد كما أنك لا تخرق الأرض ولا تبلغ الجبال طولاً فلذلك لا تبلغ ما تريده، بكبرك وعجبك إياساً له من بلوغ إرادته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

‏{‏تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ‏(‏44‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِن مِّن شَىْءٍ‏}‏ حي إلا يسبح دون ما ليس بحي، أو كل شيء حي أو غيره حتى صرير الباب‏.‏ أو تسبيحها ما ظهر فيها من آثار الصنعة وبديع القدرة فكل من رآه سبح وقدس‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

‏{‏وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ‏(‏45‏)‏‏}‏

‏{‏حِجَاجاً مَّسْتُوراً‏}‏ شبههم في إعراضهم بمن بينهم وبينه حجاب، أو نزلت في قوم كانوا يؤذونه إذا قرأ ليلاً فحال الله تعالى بينهم وبين أذاه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

‏{‏نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ‏(‏47‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذْ هُمْ نَجْوَى‏}‏‏:‏ كان جماعة من قريش منهم الوليد بن المغيرة يتناجون بما ينفر الناس عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فنجواهم قولهم‏:‏ إنه ساحر أو مجنون أو يأتي بأساطير الأولين ‏{‏مَّسْحُوراً‏}‏ سُحر فاختلط عليه أمره، أو مخدوعاً، أو له سَحَرُ يعنون يأكل ويشرب فهو مثلكم وليس بملك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

‏{‏وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ‏(‏49‏)‏‏}‏

‏{‏وَرُفَاتاً‏}‏ تراباً، أو ما أرفت من العظام مثل الفتات‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

‏{‏قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا ‏(‏50‏)‏‏}‏

‏{‏حِجَارَةً‏}‏ إن عجبتم من إنشائكم لحماً ودماً فكونوا حجارة أو حديداً إن قدرتم، أو لو كنتم حجارة أو حديداً لم تفوتوا الله تعالى إذا أرادكم إلا أنه أخرجه مخرج الأمر أبلغ إلزاماً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

‏{‏أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا ‏(‏51‏)‏‏}‏

‏{‏مِّمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ‏}‏ السماوات والأرض والجبال، أو الموت «ع»، أو البعث لأنه أكبر شيء عندهم، أو جميع ما تستعظمونه من خلق الله تعالى فإن الله يميتكم ثم يحييكم ‏{‏فَسَيُنْغِضُونَ‏}‏ يحركون رؤوسهم استهزاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

‏{‏يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ‏(‏52‏)‏‏}‏

‏{‏يَدْعُوكُمْ‏}‏ الله للخروج إلى أرض المحشر بكلام يسمعه جميع العباد، أو يسمعون الصيحة فتكون داعية إلى اجتماعهم في أرض القيامة‏.‏ ‏{‏بِحَمْدِهِ‏}‏ فتستجيبون حامدين بألسنتكم، أو على ما يقتضي حمده من أفعالكم‏.‏ ‏{‏لَّبِثْتُمْ‏}‏ في الدنيا لطول لبث الآخرة، أو احتقروا أمر الدنيا لما عاينوا القيامة، أو لما يرون من سرعة الرجوع يظنون قلة لبثهم في القبور، أو عبّر بذلك عن تقريب الوقت لقول الحسن رضي الله تعالى عنه كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ‏(‏53‏)‏‏}‏

‏{‏الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ‏}‏‏:‏ تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الشيطان ينزغ في تكذيبه، أو امتثال الأوامر والنواهي «ح» أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو أن يرد خيراً على من شتمه، قيل نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه شتمه بعض كفار قريش فَهَمَّ به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

‏{‏رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا ‏(‏54‏)‏‏}‏

‏{‏يَرْحَمْكُمْ‏}‏ بالهدى و‏{‏يُعَذِّبْكُمْ‏}‏ بالضلال، أو بالتوبة ويعذبكم بالإصرار، أو بإنجائكم من عدوكم ويعذبكم بتسليطهم عليكم‏.‏ ‏{‏وَكِيلاً‏}‏ يمنعهم من الكفر، أو كفيلاً لهم يؤخذ بهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ‏(‏57‏)‏‏}‏

‏{‏أُوْلئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ‏}‏ نزلت فيمن عبد الجن فأسلم الجن ابتغاء الوسيلة وبقي الإنس على كفرهم، أو الملائكة عبدها قبائل من العرب، أو عُزير وعيسى وأمه «ع» وهم المعنيون بقوله‏:‏ ‏{‏ادعوا الذين زَعَمْتُم‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 56‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

‏{‏وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ‏(‏60‏)‏‏}‏

‏{‏أَحَاطَ‏}‏ علم، أو عصمك منهم أن يقتلوك حتى تبلغ الرسالة أو أحاطت بهم قدرته فهم في قبضته‏.‏ ‏{‏فِتْنَةً لِّلنَّاسِ‏}‏ لما أخبرهم أنه أُسري به إلى بيت المقدس رؤيا عين ارتد جماعة من المسلمين افتتاناً بذلك، أو رأى في النوم أنه يدخل مكة فلما رجع عام الحديبية افتُتن قوم برجوعه، أو رأى قوماً ينزون على منابره نزوان القردة فساءه ذلك قاله سهل بن سعد ‏{‏وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ‏}‏ شجرة الزقوم طعام الأثيم‏.‏ افتتنوا بها فقال أبو جهل وشيعته‏:‏ النار تأكل الشجر فكيف تنبته، أو هي الكشوث الذي يلتوي على الشجر «ع»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏62‏]‏

‏{‏قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ‏(‏62‏)‏‏}‏

‏{‏لأَحْتَنِكَنَّ‏}‏ لأستولين عليهم، أو لأضلنهم، أو لأستأصلنهم بالإغواء، أو لأستميلنهم، أو لأقودنهم إلى العصيان كما تُقاد الدابة بحنكها إذا شد فيه حبل يجذبها، أو لأقتطعنهم إلى المعاصي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

‏{‏وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ‏(‏64‏)‏‏}‏

‏{‏وَاسْتَفْزِزْ‏}‏ استخف واستنزل ‏{‏بِصَوْتِكَ‏}‏ الغناء واللهو، أو بدعائك إلى المعصية «ع»، ‏{‏وَأَجْلِبْ‏}‏ الجلب السوق بجلبة من السائق ‏{‏بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ‏}‏‏:‏ كل راكب وماشي في المعصية ‏{‏وَشَارِكْهُمْ‏}‏ في الأموال التي أخذوها بغير حلها، أو أنفقوها في المعاصي، أو ما حرموه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي «ع»، أو ما ذبحوه لآلهتهم‏.‏ ‏{‏وَالأَوْلادِ‏}‏ يريد أولاد الزنا، أو قتل المؤودة «ع»، أو صبغة أولادهم في الكفر حتى هودوهم ونصروهم أو تسميتهم بعبيد الآلهة كعبد الحارث وعبد شمس وعبد العزى وعبد اللات‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

‏{‏رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ‏(‏66‏)‏‏}‏

‏{‏يُزْجِى‏}‏ يسوق ويسير‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

‏{‏أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا ‏(‏68‏)‏‏}‏

‏{‏حَاصِباً‏}‏ حجارة من السماء، أو الحاصب الريح لرميها بالحصباء والقاصف الريح التي تقصف الشجر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏70‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ‏(‏70‏)‏‏}‏

‏{‏كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ‏}‏‏:‏ بالإنعام عليهم، أو بأن جعلنا منهم خير أمة أُخرجت للناس، أو بأكلهم الطعام بأيديهم وغيرهم بتناوله بفمه‏.‏