فصل: تفسير الآية رقم (37)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***


تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏ءَايَاتٌ‏}‏ عبر، أو زواجر بما ظهر في يوسف من عواقب البغي عليه، أو بصدق رؤياه وصحة تأويله، أو بقهره شهوته حتى سلم من المعصية، أو بحدوث الفرج بعد شدة الإياس، قال ابن عطاء‏:‏ ما سمع سورة يوسف محزون إلا استروح إليها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ‏}‏ كانا أخوين للأبوين ثم ماتت أُمهما فكفلهما أبوهما وزاد لذلك في مراعاتهما فحسدوهما وكان عطفه على يوسف أكثر فلذلك كان حسده أكثر ثم اشتد بسبب رؤياه‏.‏ ‏{‏عُصْبَةٌ‏}‏ العصبة، الجماعة أو ستة أو سبعة، أو من عشرة إلى خمسة عشر، أو إلى أربعين‏.‏ ‏{‏ضَلالٍ مُّبِينٍ‏}‏ محبة ظاهرة، أو خطأ في رأيه، أون جور في فعله لتفضيله الصغير على الكبير والقليل على الكثير ومن لا يراعي ماله على من يراعيه وكانوا حينئذ بالغين مؤمنين ليسوا بأنبياء لقولهم‏:‏ ‏{‏استغفر لَنَا ذُنُوبَنَآ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 97‏]‏ إلى ‏{‏خَاطِئِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 97‏]‏ أو لم يبلغوا لقولهم‏:‏ ‏{‏وَيَلْعَبْ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 12‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏أَرْضاً‏}‏ لتأكله السباع، أو ليبعد عن أبيه، ‏{‏صَالِحِينَ‏}‏ بالتوبة، أو في دنياكم دون الدين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏قَآئِلٌ‏}‏ شمعون، أو يهوذا، أو أكبرهم روبيل بن خالة يوسف ‏{‏غَيَابَتِ الْجُبِّ‏}‏ قعره، أو ظلمته التي تغيب عن الأبصار‏.‏ سمي غيابة لأنه يغيب فيه أثره، أو خبره، وكان رأسه ضيقاً وأسفله واسعاً‏.‏ والجب بئر في بيت المقدس، أو بئر غير معينة، أو الجب ما عظم من الآبار سواء كان فيه ماء أو لم يكن، أو ما لا طي له لأنها قطعت ولم يحدث فيها غير القطع قاله الزجاج‏.‏ ‏{‏يَلْتَقِطْهُ‏}‏ يأخذه من اللقطة‏.‏ ‏{‏السَّيَّارَةِ‏}‏ المسافرون لسيرهم، أو مارة الطريق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏نَرتعْ‏}‏ نلهو ونلعب، أو نسعى وننشط، أو نتحافظ ويلهو، أو يرعى ويتصرف، أو نطعم ونتنعم من الرتعة وهي سعة المطعم والمشرب‏.‏ ولم ينكر أبوهم اللعب لأنهم أرادوا المباح منه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَخَافُ‏}‏ خافهم عليه فكنى عنهم بالذئب «ع»، أو خاف الذئب لغلبته في الصحارى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ‏}‏ ألهمناه، أو نَبَّأه في الجب ‏{‏لَتُنَبِّئَنَّهُم‏}‏ لتوبخنهم بفعلهم، بشره بخلاصه من الجب، أو أخبره بما صنعون به قبل إلقائهم أياه في الجب إنذاراً له‏.‏ ‏{‏لا يَشْعُرُونَ‏}‏ بأنك أخوهم، أو بأن الله تعالى أوحى إليه بالنبوة «ع»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏نَسْتَبِقُ‏}‏ على الأقدام أو بالنضال، أو في اقتناص الصيد، أو في عملهم الذي تشاغلوا به من الرعي والاحتطاب‏.‏ ‏{‏صَادِقِينَ‏}‏ وإن صَدَقْنا أو إن كنا أهل صدق لما صدقتنا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏بِدَمٍ‏}‏ سخلة، أو ظبية، فلما رأى القميص غير مشقوق قال‏:‏ يا بني والله ما عهدت الذئب حليماً أفأكل ابني وأبقى على قميصه ‏{‏كَذِبٍ‏}‏ وصفه بالمصدر، وكان في القميص ثلاث آيات‏:‏ حين جاءوا عليه بالدم، وحين قُد، وحين أُلقي على وجه أبيه‏.‏ ‏{‏سَوَّلَتْ‏}‏ زينت، أو أمرت «ع»، قاله عن وحي، أو عن علم تقدم له به، أو عن حدس وفراسة ‏{‏فَصَبْرٌ جَمِيلٌ‏}‏ ومن الجميل أن أصبر، أو أمر نفسه بصبر جميل لا جزع فيه، أو لا شكوى فيه، وسئل الرسول صلى الله عليه وسلم عنه فقال‏:‏ «صبر لا شكوى فيه، من بث فلم يصبر» ‏{‏الْمُسْتَعَانُ‏}‏ على الصبر الجميل، أو على احتمال ما تصفون أو تكذبون ابتُلي يعقوب في كبره ويوسف في صغره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏فَأَدْلَىَ دَلْوَهُ‏}‏ أرسلها ليملأها، ودلاها أخرجها ملأى فلما أرسلها تعلق بها يوسف ‏{‏بشراي‏}‏ بشرهم بذلك، أو نادى رجلاً اسمه ‏{‏يَابُشْرَى‏}‏ يعلمه بالغلام، وألقي فيه وهو ابن سبع عشرة سنة، أو ست سنين‏.‏ وأخرجته السيارة بعد ثلاثة أيام ‏{‏وَأَسَرُّوهُ‏}‏ كان أخوته بقرب الجب فلما أخرج قالوا‏:‏ هذا عبدنا أوثقناه فباعوه وأسروا بيعه بثمن جعلوه بضاعة لهم «ع»، أو أسرَّ ابتياعه الذي وردوا الجب من أهل الرفقة لئلا يشركوهم وتواصوا أنها بضاعة استبضعناها من أهل الماء، أو أسر مشتروه بيعه من الملك لئلا يعلم أصحابهم وذكروا أنه بضاعة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏وَشَرَوْهُ‏}‏ باعه إخواته من السيارة «ع»، أو السيارة من الملك‏.‏ ‏{‏بَخْسٍ‏}‏ حرام لأنه ثمن حر «ع»، أو ظلم، أو قليل ‏{‏مَعْدُودَةٍ‏}‏ عشرين أقتسمها العشرة كل واحد درهمين «ع»، أو اثنين وعشرين اقتسمها الأحد عشر لكل واحد درهمين، أو أربعين درهماً‏:‏ قال السدي‏:‏ اشتروا بها خفافاً ونعالاً ‏{‏مَعْدُودَةٍ‏}‏ غير موزونة لزهدهم فيه، أو كانوا لا يزنون أقل من أوقية وهي أربعون وكان ثمنه أقل منها‏.‏ ‏{‏وَكَانُواْ فِيهِ‏}‏ إخوته زهدوا فيه لما صنعوا به، أو السيارة لأنهم باعوه بما باعوا لعلمهم حريته، أو ظنوه عبداً فخافوا أن يظهر عليهم مالكه فيأخذه، قال عكرمة أُعتق يوسف لما بيع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِى اشْتَرَاهُ‏}‏ العزيز ملك مصر «أطيفر بن روجيب»‏.‏ وامرأته «راعيل»، أو اسمه «قطفير» وكان على خزائن مصر، والملك حينئذ «الوليد بن الرياني» من العماليق «ع»، وباعه مالك بن دعر بعشرين ديناراً وزاده الملك بَغْلَة ونعلين ‏{‏أَكْرِمِى‏}‏ أجملي منزله، أو أحلي منزلته بطيب الطعام ولين المرقد واللباس‏.‏ ‏{‏يَنفَعَنَآ‏}‏ بالربح في ثمنه، أو نعتقه ونتبناه‏.‏ قال ابن مسعود‏:‏ أحسن الناس فراسة ثلاثة‏:‏ العزيز وابنة شعيب وأبو بكر رضي الله تعالى عنه في استخلافه عمر رضي الله تعالى عنه ‏{‏مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الأَرْضِ‏}‏ بإخراجه من الجب، أو باستخلاف الملك له ‏{‏عَلَى أَمْرِهِ‏}‏ أمر الله تعالى فيما أراده فيقول له كن فيكون، أو أمر يوسف حتى يبلغ في مراده‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏أَشُدَّهُ‏}‏ أشد يوسف عشرون سنة، أو ثلاثون سنة، والأشد قوة الشباب وهو الحلم، أو ثماني عشرة سنة «ع»، أو خمس وعشرون أو ثلاثون، أو ثلاث وثلاثون، وآخر الأشد أربعون، أو ستون ‏{‏حُكْماً‏}‏ على الناس، أو عقلاً، أو حكمة في أفعاله، أو القرآن، أو النبوة ‏{‏وَعِلْماً‏}‏ فقهاً، أو نبوة ‏{‏الْمُحْسِنِينَ‏}‏ المطيعين، أو المهتدين «ع»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا‏}‏ «راعيل» امرأة العزيز «أطفير» أو زليخة وكان العزيز لا يأتي النساء‏.‏ قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ اقتسم يوسف وحواء الحسن نصفين‏.‏ ‏{‏وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ‏}‏ بكثرة الأغلاق، أو بشدة الاستيثاق ‏{‏هَيْتَ لَكَ‏}‏ هلم لك ‏{‏هِئتُ لك‏}‏ تهيأت لك، و«هيت» قبطية «ع»، أو سريانية، أو عربية‏.‏ ‏{‏إِنَّهُ رَبَّى‏}‏ الله ‏{‏أَحْسَنَ مَثْوَاىَ‏}‏، فلا أعصيه، أو العزيز أو أطفير ربي سيدي أحسن مثواي فلا أخونه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏هَمَّتْ بِهِ‏}‏ شهوة، أو استلقت له وتهيأت لوقاعه ‏{‏وَهَمَّ‏}‏ بضربها، أو التقدير لولا أن رأى برهان ربه لهمَّ بها، أو كان همه عظة، أو كان همه حديث نفس من غير عزم، أو همه ما في طباع الرجال من شهوة النساء وإن كان قاهراً له، أو عزم على وقاعها فحل الهميان وهو السراويل وجلس منها مجلس الرجل من المرأة «ع»، وجمهور المفسرين، وابتلاء الأنبياء بالمعاصي ليكونوا على وجل ويجدُّوا في الطاعة، أو ليعرفهم نعمته عليهم بالصفح والغفران، أو ليقتدى بهم المذنبون في الخوف والرجاء عند التوبة‏.‏ ‏{‏بُرهَانَ رَبِّهِ‏}‏ نودي أتزني فتكون كطائر وقع رشه فذهب يطير فلم يستطع، أو رأى صورة أبيه يقول أتهم بفعل السفهاء وأنت مكتوب في الأنبياء فخرجت شهوته من أنامله، وولد لكل من أولاد يعقوب اثنا عشر ذكراً إلا يوسف لم يولد له إلا غلامين ونقص بتلك الشهوة ولده، أو رأى مكتوباً على الحائط ‏{‏وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 32‏]‏، أو رأى أطفير سيده، أو ما أتاه الله تعالى من العفاف والصيانة وترك الفساد والخيانة، أو رأى ستراً فقال‏:‏ ما وراء هذا فقالت‏:‏ صنمي الذي أعبده سترته حياء منه فقال‏:‏ إذا استحييت ممن لا يسمع ولا يبصر فأنا أحق أن أستحي من إلهي وأتوقاه‏.‏ ‏{‏السُّوءَ‏}‏ الشهوة ‏{‏وَالْفَحْشَآءَ‏}‏ المباشرة، أو ‏{‏السُّوءَ‏}‏ الثناء القبيح ‏{‏وَالْفَحْشَآءَ‏}‏ الزنا‏.‏ ‏{‏الْمُخْلَصِينَ‏}‏ للطاعة و‏{‏الْمُخْلَصِينَ‏}‏ للرسالة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏وَاسْتَبَقَا الْبَابَ‏}‏ ليخرج منه هرباً وأسرعت إليه طلباً ‏{‏وَقَدَّتْ‏}‏ أدركته وقد فتح بعض الأغلاق فجذبته فشقت قميصه إلى ساقه فسقط عنه وتبعته‏.‏ ‏{‏وَالْفَيَا‏}‏ وجدا ‏{‏سَيِّدَهَا‏}‏ زوجها بلسان القبط‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏هِىَ رَاوَدَتْنِى‏}‏ لما كذبت عليه دافع عن نفسه بالصدق ولو كفت عن كذبها لكف عن الصدق، ولو خلص حبها من الشهوة لما كذبت عليه ‏{‏شَاهِدٌ‏}‏ صبي أنطقه الله تعالى في مهده، أو خلق من خلق الله تعالى ليس بإنس ولا جن، أو حكيم ‏{‏مِّنْ أَهْلِهَآ‏}‏ ابن عمها، أو شهادة القميص المقدود لو كان مقدوداً من قُبُل لَدلَّ على الطلب لكنه قد من دُبُر فَدَلَّ على الهرب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏كَيْدِكُنَّ‏}‏ كذبها، أو إرادتها السوء، قاله الزوج، أو الشاهد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏أَعْرِضْ عَنْ هَذَا‏}‏ الأمر تسلية له إذ لا إثم فيه، أو عن هذا القول تصديقاً له في براءته قاله الزوج، لأنه لم يكن غيوراً، أو سلبه الله تعالى الغيره إبقاء على يوسف حفظاً له من بادرته، وأمر زوجته بالإقلاع عن مثل ذلك بالاستغفار ‏{‏الْخَاطِئِينَ‏}‏ خَطِىء إذا قصد الذنب وأخطأ إذا لم يقصده وكذلك الصواب والصوب‏.‏

لعمرك أنما خطئي وصوبي *** عليَّ وإنما أهلكت مالي

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

‏{‏وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏30‏)‏‏}‏

‏{‏نِسْوَةٌ‏}‏ أربع، امرأة الحاجب، وامرأة الساقي، وامرأة الخباز، وامرأة القهرمان، أو الخامسة امرأة السجان‏.‏ ‏{‏فِى الْمَدِينَة‏}‏ مصر، أو عين شمس ‏{‏تُرَاوِدُ فَتَاهَا‏}‏ بَرَّأْن يوسف وذممنها وطعنَّ فيها ‏{‏شَغَفَهَا‏}‏ ولج حبه شغاف قلبها وهو حجابه، أو غلافه‏:‏ جلدة رقيقة بيضاء تكون عليه وتسمى لباس القلب، أو باطن القلب، أو حبته، أو داء يكون في الجوف، أو الذعر والفزع الحادث عن شدة الحب، والشغف‏:‏ الحب القاتل والشعف دونه «ع»، أو الشغف الجنون والشعف الحب ‏{‏ضَلالٍ‏}‏ عن الرشد، أو محبة شديدة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ‏(‏31‏)‏‏}‏

‏{‏بِمَكْرِهِنَّ‏}‏ إنكارهن، أو أسرَّت إليهن حبها له فَأَذعْنه، ‏{‏وَأَعْتَدَتْ‏}‏ من الإعتاد، أو العدوان ‏{‏مُتَّكَئاً‏}‏ مجلساً، أو النمارق والوسائد التي يتكأ عليها، أو الطعام من قولهم‏:‏ اتكأنا عند فلان أي طعمنا عنده لأنهم كانوا يعدون المتكأ للمدعو إلى الطعام فسمي به الطعام توسعاً والمراد به هنا البزماورد، أو الأترج «ع» «والمتك» مجفف الأترج، أو كل ما يحز بالسكين، أو عام في كل الطعام‏.‏ ‏{‏أَكْبَرْنَهُ‏}‏ أعظمنه «ع»، أو وجدن شبابه في الحسن والجمال كبيراً، أو حِضْنَ، والمرأة إذا جزعت أو خارت حاضت والإكبار الحيض، قال‏:‏

نأتي النساء على أطهارهن ولا *** نأتي النساء إذا أكبرن إكباراً

‏{‏وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ‏}‏ حتى بانت، أو جرحنها حتى دميت‏.‏ ‏{‏حَاشَ لِلَّهِ‏}‏ معاذ الله أو سبحان الله‏.‏ مأخوذ من المراقبة، ما أحاشي في هذا الأمر أحداً أني ما أراقبه، أو من قولهم‏:‏ كنت في حشا فلان أي ناحيته، فحاشى فلاناً أي أعزله في حشا وهو الناحية ‏{‏بَشَراً‏}‏ أهل للمباشرة، أو من جملة البشر لما علمن من عفته إذ لو كان بشراً لأطاعها، أو شبهنه بالملائكة حسناً وجمالاً ‏{‏كَرِيمٌ‏}‏ مبالغة في تفضيله في جنس الملائكة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

‏{‏قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ‏(‏33‏)‏‏}‏

‏{‏أَصْبُ‏}‏ أتابع، أو أميل، قال‏:‏

إلى هند صبا قلبي *** وهند مثلها يصبى

‏{‏الأَيَاتِ‏}‏ قدِّ القميص وقطع الأيدي، أو ما ظهر من عفته وجماله ‏{‏حِينٍ‏}‏ هنا ستة أشهر، أو سبع سنين، أو زمان غير محدود، قالت لزوجها‏:‏ قد فضحني هذا العبد العبراني، وقال‏:‏ إني راودته عن نفسي فإما أن تطلقني حتى أعتذر وإما أن تحبسه كما حبستني فحبسه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

‏{‏ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ‏(‏35‏)‏‏}‏

‏{‏الأَيَاتِ‏}‏ قدِّ القميص وقطع الأيدي، أو ما ظهر من عفته وجماله ‏{‏حِينٍ‏}‏ هنا ستة أشهر، أو سبع سنين، أو زمان غير محدود، قالت لزوجها‏:‏ قد فضحني هذا العبد العبراني، وقال‏:‏ إني راودته عن نفسي فإما أن تطلقني حتى أعتذر وإما أن تحبسه كما حبستني فحبسه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

‏{‏وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ‏(‏36‏)‏‏}‏

‏{‏فَتَيَانِ‏}‏ عبدان والعبد يسمى فتى صغيراً كان أو كبيراً، كان أحدهما على طعام الملك الأكبر «الوليد بن الريان» والآخر ساقية فاتُّهما بسمه، فلما دخلا معه سألاه عن علمه فقال‏:‏ عابر، فسألاه عن رؤياهما صدقاً منهما، أو كذباً ليجربا علمه فلما أجابهما قالا‏:‏ كنا نلعب فقال‏:‏ ‏{‏قُضِيَ الأمر‏}‏ الآية ‏[‏يوسف‏:‏ 41‏]‏، أو كان المصلوب كاذباً والآخر صادقاً‏.‏ ‏{‏خَمْراً‏}‏ عنباً سماه بما يؤول إليه، أو أهل عمان يسمون العنب خمراً‏.‏ ‏{‏الْمُحْسِنِينَ‏}‏ قالوه لأنه كان يعود مريضهم ويعزي حزينهم ويوسع على من ضاق مكانه منهم، أو كان يأمرهم بالصبر ويعدهم بالأجر، أو كان لا يرد عذر معتذر ويقضي حق غيره ولا يقضي حق نفسه، أو ممن أحسن العلم، أو نراك من المحسنين إن نبأتنا بتأويل هذه الرؤيا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

‏{‏قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏تُرْزَقَانِهِ‏}‏ لا يأتيكما في النوم إلا نبأتكما بتأويله في اليقظة قبل إتيانه، أو لا يأتيكما في اليقظة إلا أخبرتكما به لأنه كان يخبر عن الغيب كعيسى، أو كان الملك إذا أراد قتل إنسان أرسل إليه طعاماً معروفاً فكره يوسف تعبيرها لئلا يحزنه فوعده بتأويلها عند وصول الطعام إليه فلما ألح عليه عبّرها له، قاله ابن جريج ‏{‏ذَلِكُمَا‏}‏ تأويل الرؤيا، وعدل عن العبارة إلى قوله‏:‏ ‏{‏تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ‏}‏ لما مكان في عبارتها من الكراهة، ورغبهما في طاعة الله تعالى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا‏}‏ بالنبوة ‏{‏وَعَلَى النَّاسِ‏}‏ بأن بعثنا إليهم «ع»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏40‏)‏‏}‏

‏{‏الْقَيِّمُ‏}‏ المستقيم، أو الحساب البَيَّن، أو القضاء الحق «ع»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏قَُضِىَ الأَمْرُ‏}‏ السؤال والجواب‏.‏ أو استقصى التأويل، ويجوز أن يكون قوله ذلك عن وحي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏ظَنَّ‏}‏ تيقن، أو على بابه لأن عبارة الرؤيا ظن فلم يقطع بها، أو لم يقطع بصدقها فكان ظنه لشكه في صدقهما ‏{‏رَبٍّكَ‏}‏ سيدك «الوليد بن الريان» رجاء للخلاص بذكره عنده ‏{‏فَأَنسَاهُ‏}‏ الضمير للساقي نسي ذكر يوسف عند ربه، سيده، أو ليوسف نسي ذكر الله تعالى بالاستغاثة به، قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قال اذكرني عند ربك ما لبث في السجن ما لبث» قال «ع»‏:‏ عوقب بطول السجن بضع سنين بكلمته ولو ذكر ربه لخلصه‏.‏ وكانت مدة لبثه في السجن سبع سنين، أو ثنتي عشرة سنة، أو أربع عشرة سنة، والبضع منها مدة عقوبته على الكلمة لا مدة الحبس كله، قبل لبث سبعاً عقوبة بعد الخمس‏.‏ والبضع من ثلاث إلى سبع، أو تسع، أو عشر «ع»، أو إلى الخمس حكاه الزجاج، ولا يذكر البضع إلا مع العشر أو العشرين إلى التسعين ولا يذكر بعد المائة، قاله الفراء، ورأى الملك الأكبر الوليد رؤياه لطفاً بيوسف ليخرج من السجن ونذيراً بالجدب ليتأهبوا له‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

‏{‏قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ ‏(‏44‏)‏‏}‏

‏{‏أَضْغَاثُ‏}‏ أخلاط، أو ألوان، أو أهاويل، أو أكاذيب، أو شبهة أحلام، أبو عبيدة‏:‏ الأضغاث ما لا تأويل له من الرؤيا، قال‏:‏

كضِغث حُلم غُرَّ منه حالِمه

والضِغث حزمة الحشيش المجموع بعضه إلى بعض، وقيل ما ملأ الكف‏.‏ والأحلام في النوم مأخوذة من الحِلْم وهو الأناة والسكون، لأن النوم حال أناةٍ وسكون، ويجوز أن يكونوا صرفوا عن عبارتها لطفاً بيوسف ليكون سبباً في خلاصه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

‏{‏وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ‏(‏45‏)‏‏}‏

‏{‏أُمَّةٍ‏}‏ حين «ع»، أو نسيان‏.‏ أو أمة من الناس، قال الحسن رضي الله تعالى عنه ألقوه في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة، وعاش بعد جمع شمله ثلاثاً وعشرين سنة‏.‏ ‏{‏فَأَرْسِلُونِ‏}‏ لم يكن السجن في المدينة فانطلق إليه وذلك بعد أربع سنين من فراقه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏سُنبُلاتٍ خُضْرٍ‏}‏ بقر الخصب سمان وسنابله خضر، وبقر الجدب عجاف وسنابلها يابسات فعبّر ذلك بالسنين‏.‏ ‏{‏النَّاسِ‏}‏ الملك وقومه، ويحتمل أنه عبّر بالناس عن الملك تعظيماً له‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

‏{‏قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ‏(‏47‏)‏‏}‏

‏{‏دَأَباً‏}‏ تباعاً، أو العادة المألوفة في الزراعة‏.‏ ‏{‏تَزْرَعُونَ‏}‏ خبر أو أمر لأنه نبي يأمر بالمصالح‏.‏ ‏{‏فَذَرُوهُ‏}‏ أمر لأن ما في السنبل مدخر لا يؤكل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ‏(‏48‏)‏‏}‏

‏{‏شِدَادٌ‏}‏ على أهلها لجدبها، كان يوسف يضع طعام اثنين فيقربه إلى رجل فيأكل نصفه ويدع نصفاً، فقربه إليه يوماً فأكله كله فقال يوسف هذا أول يوم من السبع الشداد، ‏{‏قَدَّمْتُمْ‏}‏ ادخرتم لهن‏.‏ ‏{‏تُحْصِنُونَ‏}‏ تدخرون، أو تخزنون في الحصون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

‏{‏ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ‏(‏49‏)‏‏}‏

‏{‏يُغَاثُ النَّاسُ‏}‏ بنزول الغيب «ع»، أو بالخصب ‏{‏يَعْصِرُونَ‏}‏ العنب والزيتون من خصب الثمار، أو يحلبون الماشية من خصب المرعى، أو يعصرون السحاب بنزول الغيث وكثرة المطر ‏{‏مِنَ المعصرات مَآءً ثَجَّاجاً‏}‏ ‏[‏النبأ‏:‏ 14‏]‏ أو ينجون من العصرة وهي النجاة، قاله أبو عبيدة والزجاج، أو يحبسون ويفضلون‏.‏ وليس هذا من تأويل الرؤيا وإنما هو خبر أطلعه الله تعالى عليه علماً لنبوته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

‏{‏وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ‏(‏50‏)‏‏}‏

‏{‏ارْجِعْ إِلَىَ رَبِّكَ‏}‏ توقف عن الخروج لئلا يراه الملك خائناً ولا مذنباً‏.‏ قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «رحم الله يوسف أن كان ذا أناة لو كنت أنا المحبوس ثم أرسل إليَّ لخرجت سريعاً» ‏{‏مَا بَالُ النِّسْوَةِ‏}‏ سأل عنهن دونها إرادة أن لا يبتذلها بالذكر، أو لأنهن شاهدات عليه‏.‏ ‏{‏إِنَّ رَبِّى‏}‏ الله تعالى أو سيده العزيز‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

‏{‏قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ‏(‏51‏)‏‏}‏

‏{‏رَاوَدتُّنَّ‏}‏ راودنه على طاعتها فيما طلبت منه، أو راودته وحدها فجمعهن احتشاماً‏.‏ ‏{‏مَا عَلِمْنَا‏}‏ شهدن على نفي علمهن لأنه نفى ‏{‏حَصْحَصَ الْحَقُّ‏}‏ وضح وبان «ع»، وفيه زيادة تضعيف مثل كبو وكبكبوا قاله الزجاج، مأخوذ من حص شعره إذا استأصل قطعه، والحصة من الأرض قطعة منها، فحصحص الحق انقطع عن الباطل بظهوره وبيانه‏.‏ ‏{‏أَنَاْ رَاوَدتُّهُ‏}‏ برأة الله تعالى عند الملك بشهادة النسوة وبإقرار امرأة العزيز واعترافها بذلك توبة بما قرفته به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

‏{‏ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ‏(‏52‏)‏‏}‏

‏{‏ذَلِكَ لِيَعْلَمَ‏}‏ يوسف أني لم أكذب عليه الآن في غيبته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏53‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِى‏}‏ لأن راودته، لأن النفس باعثة على السوء إذا غلبت الشهوة، قالته امرأة العزيز، أو قال يوسف بعد ظهور صدقه ‏{‏ذَلِكَ لِيَعْلَمَ‏}‏ العزيز أني لم أخنه في زوجته، فقالت امرأة العزيز‏:‏ ولا حين حللت السراويل، فقال‏:‏ ‏{‏وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِى‏}‏، أو غمزه جبريل عليه السلام فقال‏:‏ ولا حين هممت، فقال‏:‏ ‏{‏وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِى‏}‏ «ع» أو قال الملك الذي مع يوسف‏:‏ اذكر ما هممت به، فقال‏:‏ ‏{‏وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِى‏}‏ قاله الحسن رضي الله تعالى عنه، أو قال العزيز ‏{‏ذَلِكَ لِيَعْلَمَ‏}‏ يوسف ‏{‏أَنِّى لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ‏}‏ وأغفل عن مجازاته على أمانته ‏{‏وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِى‏}‏ من سوء الظن به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

‏{‏وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ‏(‏54‏)‏‏}‏

‏{‏أَسْتَخْلِصْهُ‏}‏ لما علم الملك الأكبر أمانته طلب استخدامه في خاص خدمته ‏{‏مَكِينٌ‏}‏ وجيه، أو متمكن في الرفعة والمنزلة ‏{‏أَمِينٌ‏}‏ آمن لا يخاف العواقب، أو ثقة مأمون، أو حافظ ‏{‏فَلَمَّا كَلَّمَهُ‏}‏ استدل بكلامه على عقله، وبعفته على أمانته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

‏{‏قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ‏(‏55‏)‏‏}‏

‏{‏خَزَآئِنِ‏}‏ الأموال، أو الطعام، أو الخزائن‏:‏ الرجال، لأن الأقوال والأفعال مخزونة فيهم، وهذا تعمق مخالف للظاهر، وهذا مجوز لطلب الولاية لمن هو أهل لها، فإن كان المولى ظالماً جاز تقلد الولاية منهم إذا عمل الوالي بالحق لأن يوسف قبل من فرعون، أو لا يجوز ذلك لما فيه من تولي الظالمين ومعونتهم بالتزكية وتنفيذ أعمالهم، وإنما قبل يوسف من الملك ولاية ملكه الخاص به، أو كان فرعون يوسف صالحاً وكان فرعون موسى طاغياً، والأصح أن ما جاز لأهله توليه من غير اجتهاد في تنفيذه جازت ولايته من الظالم كالزكوات المنصوصة، وما لا يجوز أن ينفردوا به كأموال الفيء لا يجوز توليه من الظالم، وما يجوز أن يتولاه أهله وللاجتهاد فيه مدخل كالقضاء فإن كان حكماً بين متراضيين أو توسطا بين مجبورين جاز، وإن كان إلزام إجبار لم يجز‏.‏ ‏{‏حَفِيظٌ‏}‏ لما استودعتني‏.‏ ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بما وليتني، أو ‏{‏حَفِيظٌ‏}‏ بالكتاب، ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بالحساب، وهو أول من كتب في القراطيس، أو ‏{‏حَفِيظٌ‏}‏ للحساب ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بالألسن أو ‏{‏حَفِيظٌ‏}‏ بما وليتني، ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بسني المجاعة، فيه دليل على جواز تزكية النفس عند حاجة تدعو إلى ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

‏{‏وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ‏(‏56‏)‏‏}‏

‏{‏مَكَّنَّا لِيُوسُفَ‏}‏ استخلفه الوليد على عمل أطيفر وعزله، قال مجاهد‏:‏ وأسلم على يده، قال «ع»‏:‏ ملك بعد سنة ونصف‏.‏ ثم مات أطيفر فزوجه الملك بامرأته راعيل فوجدها يوسف عذراء، وولدت له ولدين، أفرائيم وميشا، ومن زعم أنها زليخا قال لم يتزوجها يوسف، ولما رأته في موكبه بكت ثم قالت الحمد لله الذي جعل الملوك بالمعصية عبيداً والحمد لله الذي جعل العبيد بالطاعة ملوكاً فضمها إليه فكانت من عياله حتى ماتت ولم يتزوجها‏.‏ ‏{‏يَتَبَوَّأُ‏}‏ يتخذ من أرض مصر منزلاً حيث شاء، أو يصنع في الدنيا ما يشاء لتفويض الأمر إليه‏.‏ ‏{‏بِرَحْمَتِنَا‏}‏ نعمة الدنيا، ‏{‏وَلا نُضِيعُ‏}‏ ثواب ‏{‏الْمُحْسِنِينَ‏}‏ في الآخرة، أو كلاهما في الدنيا، أو كلاهما في الآخرة، ونال يوسف ذلك ثواباً على بلواه، أو تفضلاً من الله تعالى وثوابه باقٍ في الآخرة بحاله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

‏{‏وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ‏(‏57‏)‏‏}‏

‏{‏وَلأَجْرُ الأَخِرَةِ خَيْرٌ‏}‏ من أجر الدنيا لأنه دائم وأجر الدنيا منقطع، أو خير ليوسف من التشاغل بملك الدنيا لما فيه من التبعة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

‏{‏وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ‏(‏58‏)‏‏}‏

‏{‏فَعَرَفَهُمْ‏}‏ من غير تعريف، أو ما عرفهم حتى تعرفوا إليه، أو عرفهم بلسانهم العبراني، قال «ع»‏:‏ لما عبر أبوهم بهم فلسطين فنزل وراء النهر سموا عبرانيين‏.‏ وجاءوا ليمتاروا في سني القحط التي ذكرها يوسف في عبارته فدخلوا عليه لأنه كان يتولى بيع الطعام لعزته‏.‏ ‏{‏مُنكِرُونَ‏}‏ لانهم فارقوه صغيراً فكبر، وفقيراً فاستغنى، وباعوه عبداً فصار ملكاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

‏{‏وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ‏(‏59‏)‏‏}‏

‏{‏بِجَهَازِهِم‏}‏ كال لكل واحد منهم بعيراً بعدتهم‏.‏ ‏{‏ائْتُونِى بِأَخٍ لَّكُمْ‏}‏ خلا بهم وقال قد ارتبت بكم وأخشى أن تكونوا عيوناً فأخبروني من أنتم‏؟‏ فذكروا حالهم وحال أبيهم وأخوتهم يوسف وبنيامين، فقال‏:‏ أئتوني بهذا الأخ يظهر أنه يستبرىء بذلك أحوالهم، أو ذكروا له أنه أحب إلى أبيهم منهم فأظهر لهم محبة رؤيته ‏{‏الْمُنزِلِينَ‏}‏ المضيفين من النزل وهو الطعام، أو خير من نزلتم عليه من المنزل وهو الدار، وطلب منهم رهينة حتى يرجعوا فرهنوا شمعون، واختاره لأنه كان يوم الجب أجملهم قولاً ورأياً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

‏{‏قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ‏(‏61‏)‏‏}‏

‏{‏سَنُرَاوِدُ‏}‏ المراودة‏:‏ الاجتهاد في الطلب مأخوذ من الإرادة ‏{‏لَفَاعِلُونَ‏}‏ العود بأخيهم، أو المراودة وطلب أخاه وإن كان فيه إحزان أبيه لجواز أن يكون أمر بذلك ابتلاء ومحنة أو لتتضاعف له المسرة برجوع الابنين، أو ليتنبه أبوه على حاله، أو ليقدم سرور أخيه بلقائه قبل إخوته لميله إليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏62‏]‏

‏{‏وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ‏(‏62‏)‏‏}‏

‏{‏لفتيته‏}‏ الذين كالوا الطعام، أو غلمانه ‏{‏بِضَاعَتَهُمْ‏}‏ الورق التي اشتروا بها الطعام، أو ثمانية جُرُب فيها سويق المقل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏63‏]‏

‏{‏فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ‏(‏63‏)‏‏}‏

‏{‏رَجَعُواْ إِلَى أَبِيهِمْ‏}‏ بالعربات من فلسطين، أو بالأولاج من ناحية الشعب أسفل من ‏[‏حِسمى‏]‏، وكانوا بادية أهل إبل وشاء ‏{‏مُنِعَ‏}‏ سيمنع ‏{‏نَكْتَلْ‏}‏ أي إن أرسلته أمكننا أن نعود فنكتال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

‏{‏قَالَ هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ‏(‏64‏)‏‏}‏

‏{‏هَلْ ءَامَنُكُمْ‏}‏ لما ضمنوا حفظ يوسف وأضاعوه قال لهم ذلك في حق أخيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏65‏]‏

‏{‏وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ‏(‏65‏)‏‏}‏

‏{‏مَا نَبْغِى‏}‏ استفهام أي ما نبغي بعد هذا الذي عاملنا به أو ما نبغي بالكذب فيما أخبرناك به عن الملك‏.‏ ‏{‏كَيْلَ بَعِيرٍ‏}‏ الذي نحمل عليه أخانا، أو كان يوسف قَسَّط الطعام فلا يعطي لأحد أكثر من بعير ‏{‏يَسِيرٌ‏}‏ لا يقنعنا، أو يسير على من يكتله لنا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

‏{‏قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آَتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ‏(‏66‏)‏‏}‏

‏{‏مَوْثِقاً‏}‏ إشهادهم الله على أنفسهم، أو حلفهم بالله، أو كفيل يكفل ‏{‏يُحَاطََ بِكُمْ‏}‏ يهلك جميعكم، أو تغلبوا على أمركم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

‏{‏وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ‏(‏67‏)‏‏}‏

‏{‏لا تَدْخُلُواْ‏}‏ مصر من باب من أبوابها عند الجمهور، أو عبّر عن الطريق بالباب فأراد طريقاً من طرقها خشي عليهم العين لجمالهم، «ع»، أو خاف عليهم الملك أن يرى عددهم وقوتهم فيبطش بهم حسداً‏.‏ ‏{‏وَمَآ أُغْنِى عَنكُم‏}‏ من شيء أحذره أشار بالرأي أولاً، وفوض إلى الله أخيراً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

‏{‏وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏68‏)‏‏}‏

‏{‏حَاجَةً‏}‏ سكون نفسه بالوصية لحذره العين ‏{‏لَذُو عِلْمٍ‏}‏ متيقن وعدنا، أو حافظ لوصيتنا، أو عامل بما علم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

‏{‏وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏69‏)‏‏}‏

‏{‏أَنَاْ أَخُوكَ‏}‏ مكان أخيك الهالك، أو أخوك يوسف ‏{‏فَلا تَبْتَئِسْ‏}‏ لا تحزن، أو لا تأيس‏.‏ ‏{‏يَعْمَلُونَ‏}‏ بك وبأخيك فيما مضى، أو باستبدادهم دونك بمال أبيك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏70‏]‏

‏{‏فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ‏(‏70‏)‏‏}‏

‏{‏بِجَهَازِهِمْ‏}‏ الطعام وحمل البعير لأخيهم ‏{‏السِّقَايَةَ‏}‏ والصواع واحد «ع»، وكل شيء يشرب فيه فهو صواع، قال‏:‏

نشرب الخمر بالصواع جهارا *** وترى المتك بيننا مستعارا

وكان إناء الملك الذي يشرب فيه من فضة، أو ذهب، كال به طعامهم مبالغة في إكرامهم، أو هو المكوك العادي الذي تلتقي طرفاه‏.‏ ‏{‏أَذَّنَ‏}‏ نادى مناد ‏{‏الْعِيرُ‏}‏ الرفقة، أو الإبل المرحولة المركوبة‏.‏ ‏{‏لَسَارِقُونَ‏}‏ جَعْلُ السقاية في رحل أخيه عصيان، فعله الكيّال ولم يأمر به يوسف، أو فعله يوسف فلما فقد الكيال السقاية ظن أنهم سرقوها فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ‏}‏، أو كانت خطيئة ليوسف جوزي عليه بقولهم‏:‏ ‏{‏إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 77‏]‏ أو كان النداء بأمر يوسف وعني بالسرقة سرقتهم ليوسف من أبيه وذلك صدق، لأنهم كالسارق لخيانتهم لأبيهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏72‏]‏

‏{‏قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ‏(‏72‏)‏‏}‏

‏{‏صُوَاعَ‏}‏ الصواع والصاع واحد، وكانت مشربة للملك أو كالمكوك يكال به‏.‏ ‏{‏بَعِيرٍ‏}‏ جمل عند الجمهور، أو حمار في لغة‏.‏ بذله المنادي عن نفسه لقوله‏:‏ ‏{‏وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ‏}‏، أو بذله عن الملك من الطعام الملك ويجوز أن يكون الحمل معلوماً عندهم كالوسق فيكون جعلاً معلوماً، ويمكن أن يكون مجهولاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏73‏]‏

‏{‏قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ‏(‏73‏)‏‏}‏

‏{‏لَقَدْ عَلِمْتُم‏}‏ ذكروا ذلك لأنهم عرفوا أمانتهم بردهم البضاعة التي وجدوها في رحالهم ‏{‏لِنُفْسِدَ‏}‏ لنسرق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

‏{‏قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ‏(‏75‏)‏‏}‏

‏{‏جَزَآؤُهُ‏}‏ جزاء من سرق أن يسترق كذلك يُجزى السارق بالاسترقاق، كان هذا دين يعقوب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏76‏]‏

‏{‏فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ‏(‏76‏)‏‏}‏

‏{‏اسْتَخْرَجَهَا‏}‏ الضمير للسرقة، أو للسقاية، أو الصاع يذكر ويؤنث قاله الزجاج ‏{‏كِدْنَا‏}‏ صنعنا، أو دبرنا، أو أردنا‏.‏

كادت وكدت وتلك خير إرادة *** لو عاد من لهو الصبابة ما مضى

‏{‏دِينِ الْمَلِكِ‏}‏ سلطانه «ع»، أو قضاؤه، أو عادته، كان الملك يضاعف غرم السارق ولا يسترقه‏.‏ ‏{‏إلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ‏}‏ أن يسترق السارق، أو أن يجعل ليوسف عذراً فيما فعل‏.‏ ‏{‏دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ‏}‏ بالتقوى، أو بإجابة الدعاء، أو بمكابدة النفس وقهر الشهوة، أو بالتوفيق والعصمة، أو بالعمل ‏{‏وَفَوْقَ كُلِّ‏}‏ عالم من هو أعلم منه حتى ينتهي إلى الله تعالى فيوسف أعلم من إخوته وفوقه من هو أعلم منه، أو أراد تعظيم العلم أن يحاط به، أو أن يستصغر العالم نفسه ولا يعجب بعلمه وعرض أخاه لتهمة السرقة إذ لم يجد سبيلاً إلى أخذه إلا بها، أو كان أخوه يعلم الحال فلم يقع منه موقعاً، أو أشار بذلك إلى سرقة تقدمت منهم، أو نبه بجعل بضاعتهم في رحالهم على المخرج من جعل الصواع في رحل أخيهم فتزول بذلك التهمة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏77‏]‏

‏{‏قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ‏(‏77‏)‏‏}‏

‏{‏سَرَقَ أَخٌ لَّهُ‏}‏ كلمة أجراها الله على ألسنتهم عقوبة ليوسف، أو أرادوا أنه جذبه عرق أخيه يوسف في السرقة لأنه كان من أبويه، والاشتراك في النسب يوجب الاشتراك في الأخلاق، وكان يوسف سرق صنماً لجده أبي أمه فكسره وألقاه في الطريق‏.‏ أو كان مع إخوته على طعام فأخذ عرقاً فخبأه فعيّروه بذلك، أو كان يسرق من طعام المائدة للمساكين، أو كذبوا عليه في ذلك، أو كانت منطقة إسحاق للكبير من ولده وكانت عند عمة يوسف لأنها الكبرى فلما أراد يعقوب أخذ يوسف من كفالتها جعلت المنطقة في ثوبه ثم أظهرت ضياعها واتهمته بها فصارت في حكمهم أحق به، وفعلت ذلك لشدة ميلها إليه‏.‏ ‏{‏فَأَسَرَّهَا‏}‏ قولهم‏:‏ ‏{‏إِن يَسْرِقْ‏}‏، أو قوله‏:‏ ‏{‏أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً‏}‏ «ع» ‏{‏شَرٌّ مَّكَاناً‏}‏ بظلم أخيكم‏.‏ وعقوق أبيكم، أو شر منزلة عند الله ممن نسبتموه إلى هذه السرقة‏.‏ ‏{‏تَصِفُونَ‏}‏ تقولون، أو تكذبون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏78‏]‏

‏{‏قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ‏(‏78‏)‏‏}‏

‏{‏شَيْخاً كَبِيراً‏}‏ في السن، أو القدر‏.‏ ‏{‏مَكَانَهُ‏}‏ عبداً بدله ‏{‏مِنَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏ في هذا إن فعلته، أو بإكرامنا وتوفية كيلنا ورد بضاعتنا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏79‏]‏

‏{‏قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ ‏(‏79‏)‏‏}‏

‏{‏لَّظَالِمُونَ‏}‏ إن أخذنا بريئاً بسقيم، أو حكمنا عليكم بغير حكم أبيكم في إرقاق السارق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏80‏]‏

‏{‏فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ‏(‏80‏)‏‏}‏

‏{‏اسْتَيْئَسُواْ‏}‏ من رد أخيهم عليهم، أو تيقنوا أنه لا يرد ‏{‏خَلَصُواْ نَجِيّاً‏}‏ انفردوا يتناجون ويتشاورون لا يختلط بهم غيرهم ‏{‏كَبِيرُهُمْ‏}‏ في العقل والعلم شمعون الذي ارتهنه يوسف لما رجعوا إلى إبيهم، أو في السن روبين ابن خالة يوسف، أو في الرأي والتمييز يهوذا‏.‏ ‏{‏مَّوْثِقاً‏}‏ عند أنفاذ ابنه معكم ‏{‏فَرَّطتُمْ فِى يُوسُفَ‏}‏ ضيعتموه ‏{‏فَلَنْ أَبْرَحَ‏}‏ أرض مصر حتى يأذن لي أبي بالرجوع، أو يحكم الله لي بالخروج منها عند الجمهور، أو بالسيف والمحاربة لأنهم هموا بذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏81‏]‏

‏{‏ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ‏(‏81‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا شَهِدْنَآ‏}‏ بأن السارق يسترق إلا بما علمنا، أون ما شهدنا عندك بسرقته إلا بما علمنا من وجود السرقة في رحله ‏{‏لِلْغَيْبِ‏}‏ من سرقته، أو استرقاقه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏82‏]‏

‏{‏وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ‏(‏82‏)‏‏}‏

‏{‏الْقَرْيَةَ‏}‏ مصر سل أهلها، أو سلها نفسها لتنطق وإن كانت جماداً ‏{‏وَالْعِيرَ‏}‏ القافلة وتسمى بها الإبل تشبيهاً، أو الحمير سل أهلها أو سلها فإن الله تعالى ينطقها معجزة لك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏83‏]‏

‏{‏قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ‏(‏83‏)‏‏}‏

‏{‏سَوَّلَتْ‏}‏ زينت، أو سهلت‏.‏ ‏{‏أمْرًا‏}‏ قولكم إنه سرق‏.‏ ‏{‏بِهِمْ جَمِيعاً‏}‏ يوسف وبنيامين والأخ المتخلف بمصر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏84‏]‏

‏{‏وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ‏(‏84‏)‏‏}‏

‏{‏يَآأَسَفَى‏}‏ يا حزناً «ع»، أو يا جزعاً شكا إلى الله ولم يشك منه، أو أضمر الدعاء تقديره «يا رب أرحم أسفي» ‏{‏وَابْيَضَّتْ‏}‏ ضعف بصره لبياض حصل فيه من كثرة بكائه، أو ذهب بصره ‏{‏كَظِيمٌ‏}‏ بالكمد، أو مخفي حزنه، كظم غيظه‏:‏ أخفاه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏85‏]‏

‏{‏قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ‏(‏85‏)‏‏}‏

‏{‏تَفْتَؤُاْ‏}‏ لا تزال ‏{‏حَرَضاً‏}‏ هرماً أو دنفاً من المرض وهو ما دون الموت «ع»، أو فاسد العقل، وأصل الحرض فساد الجسم والعقل بمرض أو عشق، قال‏:‏

إني امرؤ لج بي حب فأحرضني *** حتى بليت وحتى شفني السقم

‏{‏الْهَالِكِينَ‏}‏ الميتين اتفاقاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏86‏]‏

‏{‏قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ‏(‏86‏)‏‏}‏

‏{‏بَثِّى‏}‏ همي «ع»، أو حاجتي، والبث تفريق لهم بإظهار ما في النفس ‏{‏مَا لا تَعْلَمُونَ‏}‏ صدق رؤيا يوسف وأني أسجد له، أو أحست نفسه لما أخبروه بدعاء الملك وقال‏:‏ لعله يوسف، وقال‏:‏ لا يكون في الأرض صديق إلا نبي‏.‏ دخل على يعقوب رجل فقال ما بلغ بك ما أرى، قال‏:‏ طول الزمان وكثرة الأحزان فأوحى الله تعالى إليه يا يعقوب تشكوني فقال‏:‏ خطيئة أخطأتها فاغفرها لي، فكان بعد ذلك يقول إنما أشكو بثي وحزني إلى الله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏87‏]‏

‏{‏يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ‏(‏87‏)‏‏}‏

‏{‏فَتَحَسَّسُواْ‏}‏ استعلموا وتعرفوا، أخذ من طلب الشيءَ بالحس ‏{‏رَّوْحِ اللَّهِ‏}‏ فرجه، أو رحمته من الريح التي تأتي بالنفع‏.‏ أمرهم بذلك، لأنه تنبه على يوسف برد البضاعة واحتباس أخيه وإظهار الكرامة، وسأل يعقوب ملك الموت هل قبضت روح يوسف قال‏:‏ لا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏88‏]‏

‏{‏فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ‏(‏88‏)‏‏}‏

‏{‏مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ‏}‏ استعطفوه ليرد أخاهم، أو ليوفي كيلهم ويحابيهم‏.‏ ‏{‏الْعَزِيزُ‏}‏ الملك، أو كان اسماً لكل من ملك مصر‏.‏ ‏{‏بِبِضَاعَةٍ‏}‏ صوف وسمن أو حبة الخضراء والصنوبر، أو خَلِق الحبل والغِرارة، أو دراهم ‏{‏مُّزْجَاةٍ‏}‏ رديئة، أو كاسدة، أو قليلة، وأصل الإزجاء السوق بالدفع، ‏{‏فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ‏}‏ الذي قد كان كاله لأخيهم، أو مثل الكيل الأول، لا، بضاعتهم الثانية أقل‏.‏ ‏{‏وَتَصَدَّقْ‏}‏ تفضل بما بين سعر الجياد والرديئة، لأن الصدقة محرمة على الأنبياء، أو تصدق بالزيادة على حقنا ولا تحرم الصدقة إلا على محمد وآله لا غير، أو برد أخينا، أو تجوز عنا‏.‏ وكره مجاهد أن يقال في الدعاء‏:‏ اللهم تصدق عليَّ، لأن الصدقة لمن يبتغي الثواب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏89‏]‏

‏{‏قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ ‏(‏89‏)‏‏}‏

‏{‏هَلْ عَلِمْتُم‏}‏ قد علمتم ك ‏{‏هَلْ أتى‏}‏ ‏[‏الإنسان‏:‏ 1‏]‏ لما قالوا مسنا وأهلنا الضر رق لهم فقال‏:‏ ‏{‏هَلْ عَلِمْتُم‏}‏ ‏{‏جَاهِلُونَ‏}‏ جهل الصغر، أو جهل المعاصي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏90‏]‏

‏{‏قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ‏(‏90‏)‏‏}‏

‏{‏مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا‏}‏ بالسلامة ثم بالكرامة ‏{‏مَن يَتَّقِ‏}‏ الزنا ‏{‏وَيَصْبِرْ‏}‏ على الغربة، أو يتقي الله ويصبر على بلائه‏.‏ ‏{‏لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏ في الدنيا أو الآخرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏91‏]‏

‏{‏قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ‏(‏91‏)‏‏}‏

‏{‏ءَاثَرَكَ‏}‏ فضلك، من الإيثار‏:‏ وهو إرادة تفضيل أحد النفسين على الآخر، وإنما قالوا‏:‏ ‏{‏لَخَاطِئِينَ‏}‏ وإن كانوا إذ ذاك صغاراً لأنهم خطئوا بعد البلوغ بإخفاء صنعهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏92‏]‏

‏{‏قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ‏(‏92‏)‏‏}‏

‏{‏لا تَثْرِيبَ‏}‏ لا تعيير، أو لا تأنيب‏.‏ أو ‏[‏لا‏]‏ إباء عليكم في قبولكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏93‏]‏

‏{‏اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ‏(‏93‏)‏‏}‏

‏{‏بَصِيراً‏}‏ من العمى ولولا أن الله أعلمه بأنه يبصر بعد العمى لم يعلم يوسف أنه يرجع إليه بصره، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه أو مستبصراً بأمري لأنه إذا شم القميص عرفني قال أخوه يهوذا‏:‏ أنا حملت إلى أبيك قميصك بدم كذب فأحزنته فأنا أحمل القميص الآن لأسره ويعود إليه بصره فحمله‏.‏ ‏{‏بِأَهْلِكُمْ‏}‏ ليتخذوا مصر داراً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏94‏]‏

‏{‏وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ ‏(‏94‏)‏‏}‏

‏{‏فَصَلَتِ‏}‏ خرجت من مصر إلى الشام‏.‏ قال‏:‏ أبوهم لأولاد بنيه لأن بنيه كانوا غُيَّبا ‏{‏تُفَنِّدُونِ‏}‏ تسفهون «ع، أو تكذبون، وجد ريح القميص من مسافة عشرة أيام، أو ثمانية أيام» ع «، أو ستة أيام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏95‏]‏

‏{‏قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ‏(‏95‏)‏‏}‏

‏{‏ضَلالِكَ‏}‏ خطئك، أو جنونك قال الحسن رضي الله تعالى عنه‏:‏ وهذا عقوق‏.‏ أو في محبتك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏96‏]‏

‏{‏فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ‏(‏96‏)‏‏}‏

‏{‏الْبَشِيرُ‏}‏ يهوذا، سمي بذلك لأنه جاءه ببشارة، ‏{‏بَصِيراً‏}‏ من العمى، أو بخبر يوسف ‏{‏مَا لا تَعْلَمُونَ‏}‏ من صحة رؤيا يوسف، أو قول ملك الموت ما قبضت روحه، أو من بلوى الأنبياء بالمحن ونزول الفرج ونيل الثواب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏97‏]‏

‏{‏قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ‏(‏97‏)‏‏}‏

‏{‏اسْتَغْفِرْ‏}‏ طلبوا أن يحللهم لما أدخلوا عليه من آلام الحزن، أو لأنه نبي تجاب دعوته، أقام يعقوب وبنوه عشرين سنة يطلبون التوبة لإخوة يوسف فيما فعلوه بيوسف لا يقبل ذلك منهم حتى لقي جبريل عليه السلام يعقوب عليه الصلاة والسلام فعلمه هذا الدعاء، يا رجاء المؤمنين لا تخيب رجائي، ويا غوث المؤمنين أغثني، ويا عون المؤمنين أعني، ويا حبيب التوابين تُب علي‏.‏ فاستُجيب له‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏98‏]‏

‏{‏قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ‏(‏98‏)‏‏}‏

‏{‏سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ‏}‏ أخره إلى صلاة الليل، أو السَّحَر أو ليلة الجمعة «ع» مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو دافعهم بالتأخير، قال عطاء‏:‏ طلب الحوائج إلى الشباب أسهل منها عند الشيوخ ألا ترى قول يوسف ‏{‏لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ اليوم‏}‏ الآية ‏[‏يوسف‏:‏ 92‏]‏ وقول يعقوب ‏{‏سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏99‏]‏

‏{‏فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ ‏(‏99‏)‏‏}‏

‏{‏فَلَمَّا دَخَلُواْ‏}‏ خرج يوسف وأهله والملك الأكبر واستقبلوا يعقوب على يوم من مصر فقال لهم‏:‏ ادخلوا مصر آمنين من فرعون، أو من الجدب والقحط‏.‏ أو لم يجتمعوا به إلا بعد دخولهم عليه بمصر فقوله‏:‏ ادخلوا أي استوطنوا مصر إن شاء الله استيطانكم، أو الاستثناء متعلق بقوله‏:‏ ‏{‏سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّى‏}‏ دخلوا مصر وهم ثلاثة وتسعون ما بين رجل وامرأة، وخرجوا مع موسى وهم ستمائة وتسعون ألفاً ‏[‏أ‏]‏ ودخلوا وهم اثنان وسبعون، وخرجوا منها مع موسى وهم ستمائة ألف‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏100‏]‏

‏{‏وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ‏(‏100‏)‏‏}‏

‏{‏أَبَوَيْهِ‏}‏ أبوه وأمه، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه وابن إسحاق، أو أبوه وخالته وكانت أمه قد ماتت في نفاسها بأخيه بنيامين ‏{‏الْعَرْشِ‏}‏ السرير‏.‏ ‏{‏سُجَّداً‏}‏ سجدوا له بأمر الله تعالى تحقيقاً لرؤياه، أو كان السجود تحية من قبلنا وأعطيت هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة ‏{‏تَأْوِيلُ رُءْيَاىَ‏}‏ كان بين رؤياه وتأويلها ثمانون سنة، أو أربعون، أو ستة وثلاثون، أو اثنان وعشرون، أو ثماني عشر، ورؤيا الأنبياء لا تكون إلا صادقة، وإنما أمره يعقوب بكتامنها لأنه رآها صغيراً فلم تكن كرؤيا الأنبياء، أو خاف طول المدة مع مكابدة البلوى وخشي تعجيل الأذى بكيد الإخوة ‏{‏مِنَ السِّجْنِ‏}‏ شكر على الإخراج من السجن ولم يذكر الجب لئلا يكون معرضاً بتوبيخ إخوته بعد قوله‏:‏ ‏{‏لا تَثْرِيبَ‏}‏ أو لأنه ما تخوفه في السجن من المعرة لم يكن في الجب فكانت النعمة فيه أتم، أو لأنه انتقل من بلوى السجن إلى نعمة الملك بخلاف الجب فإنه انتقل منه إلى الرق‏.‏ ‏{‏مِّنَ الْبَدْوِ‏}‏ كانوا بادية بأرض كنعان أهل مواشي أو جاءوا في البادية وكانوا أهل مدن بفلسطين، أو ناحية حران من أهل الجزيرة قاله الحسن رضي الله تعالى عنه ‏{‏نَّزَغَ‏}‏ حرش وأفسد‏.‏ ‏{‏لَطِيفٌ‏}‏ لطف بيوسف بإخراجه من السجن ومجيء أهله من البدو، ونزع عن قلبه نزغ الشيطان

تفسير الآية رقم ‏[‏101‏]‏

‏{‏رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ‏(‏101‏)‏‏}‏

‏{‏مِنَ الْمُلْكِ‏}‏ لأنه كان على مصر من قِبَل فرعون‏.‏ ‏{‏تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ‏}‏ عبار الرؤيا، أو الإخبار عن حوادث الزمان ‏{‏مُسْلِماً‏}‏ مخلصاً للطاعة، أو على ملة الإسلام، قال السدي‏:‏ «كان أول نبي تمنى الموت» ولما لقي البشير يعقوب قال‏:‏ على أي دين خلفت يوسف قال على الإسلام قال الآن تمت النعمة‏.‏ ‏{‏بِالصَّالِحِينَ‏}‏ أهل الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏102‏]‏

‏{‏ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ‏(‏102‏)‏‏}‏

‏{‏ذَلِكَ‏}‏ قصة يوسف وإخوته من أخبار الغيب ‏{‏لَدَيْهِمْ‏}‏ مع إخوة يوسف ‏{‏إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ‏}‏ في إلقائه في الجب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏106‏]‏

‏{‏وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ‏(‏106‏)‏‏}‏

‏{‏مُّشْرِكُونَ‏}‏ يقولون‏:‏ الله ربنا وآلهتنا ترزقنا، أو المنافق يؤمن بظاهره ويكفر بباطنه «ح»، أو قول الرجل لولا الله وفلان لهلك فلان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏108‏]‏

‏{‏قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ‏(‏108‏)‏‏}‏

‏{‏سَبِيلِى‏}‏ دعوتي، أو سنتي ‏{‏بَصِيرَةٍ‏}‏ هدى، أو حق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏109‏]‏

‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ ‏(‏109‏)‏‏}‏

‏{‏مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى‏}‏ الأمصار دون البوادي لأنهم أعلم وأحكم‏.‏ ولم يبعث الله تعالى نبياً من البادية قط ولا من النساء ولا من الجن «ح»‏.‏