فصل: تفسير الآية رقم (37)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***


‏[‏سورة الفاتحة‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏بسمِ اللَّهِ‏}‏ أبدأ بسم الله، أو بدأت بسم الله، الاسم صلة، أو ليس بصلة عند الجمهور، واشتق من السمة، وهي العلامة، أو من السمو‏.‏

 الله - ‏(‏ الله‏(‏ أخص أسماء الرب لم يتسم به غيره ‏{‏هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 65‏]‏ تسمى باسمه، أو شبيهاً‏.‏ أبو حنيفة‏:‏ «هو الاسم الأعظم» وهو علم إذ لا بد اللذات من اسم علم يتبعه أسماء الصفات، أو هو مشتق من الوله لأنه يأله إليه العباد‏:‏ أي يفزعون إليه في أمورهم، فالمألوه إليه إله، كما أن المأموم ‏[‏به‏]‏ إمام أو اشتق من التأله وهو التعبدن تأله فلان‏:‏ تعبد، واشتق من فعل العبادة فلا يتصف به في الأزل، أو من استحقاقها على الأصح فيتصف به أزلاً ‏{‏الرَّحْمَن الرَّحِيمِ‏}‏ الرحمن والرحيم الراحم، أو الرحمن أبلغ، وكانت الجاهلية تصرفه للرب سبحانه وتعالى، الشنفري‏:‏

إلا ضربت تلك الفتاة هجينها *** ألا هدر الرحمن ربي يمينها

ولما سُمي مسيلمة بالرحمن قُرِن لله تعالى الرحمن الرحيم، لأن أحداً لم يتسم بهما،، واشتقا من رحمة واحدة، أو الرحمن من رحمته لجميع الخلق، والرحيم من رحمته لأهل طاعته، أو الرحمن من رحمته لأهل الدنيا، والرحيم من رحمته لأهل ‏[‏الآخرة‏]‏، أو الرحمن من الرحمن التي يختص بها، والرحيم من الرحمن التي يوجد في العباد مثلها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏(‏2‏)‏‏}‏

 العالمين - ‏{‏الْحَمْدُ‏}‏ الثناء بجميل الصفات والأفعال والشكر والثناء بالإنعام، فالحمد أعم، الرب‏:‏ المالك كرب الدار أو السيد، أو المدبر كربة البيت، الربانيون يدبرون الناس بعلمهم، أو المربى، ومنه الربيبة ابنة الزوجة، ‏(‏ العالمين‏(‏ جمع عالم لا واحد له من لفظه، كرهط وقوم، أُخذ من العلم، فيعبر به عمن يعقل من الجن والإنس والملائكة، أو من العلامة، فيكون لكل مخلوق، أو هو الدنيا وما فيها، أو كل ذي روح من عاقل وبهيم، وأهل كل زمان عالم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏مُلْكِ‏}‏ ‏{‏مالك‏}‏ أُخذا من الشدة، ملكت العجين عجنته بشدة، أو من القدرة‏.‏

ملكت بها كفي فأنهرت فتقها ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

فالمالك من اختص ملكه، والملك من عمَّ ملكه، وملك يختص بنفوذ الأمر، والمالك يختص بملك الملوك، والملك أبلغ لنفوذ أمره على المالك، ولأن كل ملك مالك ولا عكس، أو المالك أبلغ لأنه لا يكون إلا على ما يملكه، والملك يكون على من لا يملكه كملك الروم والعرب، ولأن الملك يكون على الناس وحدهم والمالك يكون مالكاً للناس وغيرهم، أو المالك أبلغ في حق الله تعالى من ملك، إذ المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك بخلاف الرب سبحانه وتعالى‏.‏ ‏{‏يَوْمَ‏}‏ أوله الفجر، وآخره غروب الشمس، أو هو ضوء يدوم إلى انقضاء الحساب‏.‏ ‏{‏الدِّينِ‏}‏ الجزاء أو الحساب، ويستعمل الدين في العادة والطاعة، وخص المُلْك بذلك اليوم إذ لا مَلِك فيه سواه، أو لأنه قصد ملكه للدنيا بقوله ‏{‏رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ فذكر ملك الآخر ليجمع بينهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏إِيَّاكَ‏}‏ الخليل‏:‏ إيا‏:‏ اسم مضاف إلى الكاف، الأخفش إياك‏:‏ كلمة واحدة، لأن الضمير لا يضاف‏.‏ ‏{‏نَعْبُدُ‏}‏ العبادة‏:‏ أعلى مراتب الخضوع تقرباً، ولا يستحقها إلا الله تعالى، لإنعامه بأعظم النعم، كالحياة والعقل والسمع والبصر، أو هي لزوم الطاعة، أو التقرب بالطاعة، أو المعنى «إياك نؤمل ونرجوا» مأثور والأول أظهر ‏{‏نَسْتَعِينُ‏}‏ على عبادتك أو هدايتك أمروا بذلك كما أمروا بالحمد له، أو أخبروا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏اهْدِنَا‏}‏‏:‏ دلنا، أو وفقنا ‏{‏الصِّرَاطَ‏}‏ السبيل المستقيم أو الطريق الواضح، مأخوذ من مسرط الطعام وهو ممره في الحلق، طلبوا دوام الهداية، أو زيادتها، أو الهداية إلى طريق الجنة في الآخرة، أو طلبوها إخلاصاً للرغبة، ورجاء ثواب الدعاء، فالصراط‏:‏ القرآن، أو الإسلام أو الطريق الهادي إلى دين الله، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ‏[‏رضي الله عنهما‏]‏ أو طريق الحج أو طريق الحق‏.‏ ‏{‏الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏}‏ الملائكة أو الأنبياء، أو المؤمنون بالكتب السالفة أو المسلمون أو النبي ومن معه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏}‏‏:‏ اليهود، والضالون، النصارى‏.‏ اتفاقاً خُصت اليهود بالغضب لشدة عداوتها، والغضب هو المعروف من العباد، أو إرادة الانتقام، أو ذمه لهم، أو نوع من العقاب سماه غضباً كما سمى نعمته رحمة‏.‏

‏[‏سورة البقرة‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏الم ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏الم‏}‏ اسم من أسماء القرآن، كالذكر، والفرقان، أو اسم للسورة أو اسم الله الأعظم، أو اسم من أسماء الله أقسم به، وجوابه ذلك الكتاب، أو افتتاح للسورة يفصل به ما قبلها، لأنه يتقدمها ولا يدخل في أثنائها، أو هي حروف قطعت من أسماء، أفعال، الألف من أنا، اللام من الله، الميم، من أعلم، معناه «أنا الله أعلم»، أو هي حروف لكل واحد منها معاني مختلفة، الألف مفتاح الله، أو آلاؤه، واللام مفتاح لطيف، والميم مجيد أو مجده، والألف سنة، واللام ثلاثون، والميم أربعون سنة، آجالا ذكرها، أو هي حروف من حساب الجُمَّل، لما روى جابر قال‏:‏ مر أبو ياسر بن أخطب بالنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ‏{‏الم‏}‏، فأتى أخاه حُيي بن أخطب في نفر من اليهود، فقال‏:‏ سمعت محمداً صلى الله عليه وسلم يتلو فيما أُنزل عليه ‏{‏الم‏}‏، قالوا‏:‏ أنت سمعته قال‏:‏ نعم، فمشى حُيي في أولئك النفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا‏:‏ يا محمد، ألم يذكر لنا أنك تتلو فيما أُنزل عليك ‏{‏الم‏}‏، قال‏:‏ «بلى» فقال‏:‏ أجاءك بها جبريل عليه السلام من عند الله تعالى قال‏:‏ «نعم»، قالوا‏:‏ لقد بعث قبلك أنبياء، ما نعلمه بُين لنبي منهم مدة ملكه، وأجل أمته غيرك‏.‏ فقال حُيي لمن كان معه‏:‏ الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة، ثم قال‏:‏ يا محمد هل كان مع هذا غيره قال‏:‏ «نعم»، قال‏:‏ ماذا، قال‏:‏ ‏{‏المص‏}‏ قال‏:‏ هذه أثقل وأطول، الألف واحدة واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، فهذه إحدى وستون ومائة سنة، وهل مع هذا غيره قال‏:‏ «نعم» فذكر ‏{‏المر‏}‏ فقال‏:‏ هذه أثقل، وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون والراء مائتان، فهذه إحدى وسبعون ومئتا سنة، ثم قال‏:‏ لقد التبس علينا أمرك، ما ندري أقليلاً أُعطيت أم كثيراً‏:‏ ثم قاموا عنه‏.‏ فقال لهم أبو ياسر‏؟‏ ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد صلى الله عليه وسلم، وذلك سبعمائة وأربع وثلاثون سنة، قالوا‏:‏ قد التبس علينا أمره‏.‏ فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم ‏{‏هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 7‏]‏ أو أعلم الله تعالى العرب لما تحدوا بالقرآن أنه مؤتلف من حروف كلامهم، ليكون عجزهم عن الإتيان بمثله أبلغ في الحجة عليهم، أو الألف من الله واللام من جبريل والميم من محمد صلى الله عليه وسلم، أو افتتح به الكلام كما يفتتح بألا‏.‏

أبجد‏:‏ كلمات أبجد حروف أسماء من أسماء الله تعالى مأثور أو هي أسماء الأيام الستة التي خلق الله ‏[‏تعالى‏]‏ فيها الدنيا أو هي أسماء ملوك مدين قال‏:‏

ألا يا شعيب قد نطقت مقالة *** سَببْت بها عمرا وحي بني عمرو

ملوك بني حطي وهواز منهم *** وسعفص أصل في المكارم والفخر

هم صبحوا أهل الحجاز بغارة *** كمثل شعاع الشمس أو مطلع الفجر

أو أول من وضع الكتاب العربي ستة أنفس «أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت»، فوضعوا الكتاب على أسمائهم، وبقي ستة أحرف لم تدخل في أسمائهم، وهي الضاء، والذال، والشين، والغين، والثاء، والخاء، وهي الروادف التي تحسب بعد حساب الجُمَّل، قاله عروة بن الزبير، ابن عباس «أبجد» أبى آدم الطاعة، وجد في أكل الشجرة، «هوز» فزل آدم فهوى من السماء إلى الأرض، «حطي»، فحطت عنه خطيئته، «كلمن» فأكل من الشجرة، ومَنَّ عليه بالتوبة «سعفص» فعصى آدم فأُخرج من النعيم إلى النكد «قرشت» فأقر بالذنب، وسلم من العقوبة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏ذّلِكَ الْكِتَابُ‏}‏‏:‏ إشارة إلى ما نزل من القرآن قبل هذا بمكة أو المدينة، أو إلى قوله ‏{‏إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً‏}‏ ‏[‏المزمل‏:‏ 5‏]‏ أو ذلك بمعنى هذا إشارة إلى حاضر، أو إشارة إلى التوراة والإنجيل، خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أي‏:‏ الكتاب الذي ذكرته لك التوراة والإنجيل هو الذي أنزلته عليك، أو خوطب به اليهود والنصارى‏:‏ أي الذي وعدتكم به هو هذا الكتاب الذي أنزلته على محمد، أو إلى قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً‏}‏، أو قال لمحمد صلى الله عليه وسلم‏:‏ الكتاب الذي ذكرته في التوراة والأنجيل هو هذا الذي أنزلته عليك ‏[‏أو المراد‏]‏ بالكتاب‏:‏ اللوح ‏[‏المحفوظ‏]‏ ‏{‏لا رَيْبَ فِيهِ‏}‏‏:‏ الريب التهمة أو الشك‏.‏ ‏{‏لِلْمُتَّقِينَ‏}‏ الذين أقاموا الفرائض واجتنبوا المحرمات، أو الذين يخافون العقاب ويرجون الثواب، أو الذين اتقوا الشرك وبرئوا من النفاق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏يُؤْمِنُونَ‏}‏ يصدقون أو يخشون الغيب، أصل الإيمان التصديق ‏{‏وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 17‏]‏ أو الأمان، فالمؤمن يؤمن نفسه بإيمانه من العذاب، والله تعالى مؤمِّن لأوليائه من عذابه، أو الطمأنينة، فالمصدق بالخبر مطمئن إليه، ويُطلق الإيمان على اجتناب الكبائر، وعلى كل خَصلة من الفرائض، وعلى كل طاعة‏.‏ ‏{‏بِالْغَيْبِ‏}‏ بالله، أو ما جاء من عند الله، أو القرآن، أو البعث والجنة والنار، أو الوحي‏.‏ ‏{‏وَيُقِيمُونَ‏}‏ يديمون، كل شيء راتب قائم، وفاعله يقيم، ومنه فلان يقيم أرزاق الجند، أو يعبدون الله بها، إقامتها‏:‏ أداؤها بفروضها، أو إتمام ركوعها وسجودها وتلاوتها وخشوعها «ع»، سُمي ذلك إقامة لها من تقويم الشيء، قام بالأمر أحكمه، وحافظ عليه، أو سمى فعلها إقامة لها لاشتمالها على القيام‏.‏ ‏{‏رَزَقْنَاهُمْ‏}‏ أصل الرزق الحظ، فكان ما جعله حظاً من عطائه رزقاً‏.‏ ‏{‏يُنفِقُونَ‏}‏ وأصل الإنفاق الإخراج، نفقت الدابة خرجت روحها، والمراد الزكاة «ع»، أو نفقة الأهل، أو التطوع بالنفقة فيما يقرب إلى الله تعالى‏.‏ نزلت هاتان الآيتان في مؤمني العرب خاصة، واللتان بعدهما في أهل الكتاب «ع»، أو نزلت الأربع في مؤمني أهل الكتاب، أو نزلت الأربع في جميع المؤمنين، فتكون الأربع في المؤمنين، وآيتان بعدهن في الكافرين، وثلاث عشرة في المنافقين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ‏}‏ القرآن‏.‏ ‏{‏وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ‏}‏‏:‏ التوراة، والإنجيل وسائر الكتب‏.‏ ‏{‏وَبِالأَخِرَةِ‏}‏‏:‏ النشأة الآخرة، أو الدار الآخرة لتأخرها عن الدنيا، أو لتأخرها عن الخلق، كما سميت الدنيا لدنوها منهم ‏{‏يُوقِنُونَ‏}‏‏:‏ يعلمون، أو يعلمون بموجب يقيني‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏هُدىً‏}‏ بيان ورشد، ‏{‏الْمُفْلِحُونَ‏}‏ الناجون من عذاب الله، والفلاح‏:‏ النجاة أو الفائزون السعداء، أو الباقون في الثواب، الفلاح‏:‏ البقاء، أو المقطوع لهم بالخير، الفلح‏:‏ القطع، الأكَّار‏:‏ فلاح لشقه الأرض، شعر‏:‏

لقد علمت يا ابن أم صحصح *** أن الحديد بالحديد يفلح

والمراد بهم جميع المؤمنين، أو مؤمنو العرب، أو المؤمنون من «العرب» وغير العرب ممن آمن بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى من قبله من الأنبياء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ كَفَرُواْ‏}‏‏:‏ نزلت في قادة الأحزاب، أو في مشركي أهل الكتاب، أو في معينين من اليهود حول المدينة أو مشركو العرب، والكفر‏:‏ التغطية‏.‏

شعر‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ *** في ليلة كفرَ النجومَ غمامُها

والزارع، كافر، لتغطيته البذر في الأرض، فالكافر مغطي نعم الله تعالى بجحوده‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏خَتَمَ اللَّهُ‏}‏ حفظ ما في قلوبهم ليجازيهم عنه، كأنه مأخوذ من ختم ما يُراد حفظه، الختم‏:‏ الطبع، ختمت الكتاب‏.‏ وذلك علامة تعرفهم الملائكة بها من بين المؤمنين، أو القلب كالكف إذا أذنب العبد ذنباً ختم منه كالإصبع، فإذا أذنب آخر ختم منه كلإصبع الثانية حتى ينختم جميعه، ثم يطبع عليه بطابع، أو هو إخبار عن كفرهم، وإعراضهم عن سماع الحق شبهة بما سد وختم عليه فلا يدخله خير، أو شهادة من الله عليها أنها لا تعي الحق، وعلى أسماعهم أنها لا تصغي إليه، كما يختم الشاهد على الكتاب ‏{‏غِشَاوَةٌ‏}‏ والغشاوة الغطاء الشامل، أراد بذلك تعاميهم عن الحق‏.‏ سمى القلب قلباً، لتقلبه بالخواطر‏.‏

ما سمى القلب إلا من تقلبه *** والرأي يصرف والإنسان أطوار

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏يُخَادِعُونَ اللَّهَ‏}‏ أصل الخدع‏:‏ الإخفاء، مخدع البيت يخفي ما فيه، جعل خداع الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين خداعاً له، لأنه دعاهم برسالته‏.‏ ‏{‏وَمَا يَخْدَعُونَ‏}‏ لما رجع وبال خداعهم عليهم قال ذلك‏.‏ ‏{‏وَمَا يَشْعُرُونَ‏}‏ وما يفطنون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏مَّرَضٌ‏}‏ أصله الضعف أي شك، أو نفاق، أو غم بظهور النبي صلى الله عليه وسلم على أعدائه‏.‏ ‏{‏فَزَادَهُمُ‏}‏ دعاء، أو إخبار عن الزيادة عند نزول الفرائض والحدود ‏{‏أَلِيمُ‏}‏ مؤلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏لا تُفْسِدُواْ‏}‏ بالكفر، أو بفعل ما نهيتم عنه، وتضييع ما أمرتم به، أو بممايلة الكفار‏.‏ نزلت في المنافقين، أو في قوم لم يكونوا موجودين حنيئذٍ بل جاءوا فيما بعد قاله سلمان‏:‏ ‏{‏مُصْلِحُونَ‏}‏ ظنوا ممايلة الكفار صلاحاً لهم، وليس كذلك، لأن الكفار لو ظفروا بهم لم يبقوا عليهم، أو مصلحون في اجتناب ما نهينا عنه إنكاراً لممايلة الكفار، أو نريد بممايلتنا الكفار الإصلاح بينهم وبين المؤمنين، أو إن ممايلة الكفار صلاح وهدى ليست بفساد، عرَّضوا بهذا، أو قالوه لمن خلوا به من المسلمين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏كَمَآ ءَامَنَ النَّاسُ‏}‏ الناس‏:‏ الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ‏{‏السُّفَهَآءُ‏}‏ الصحابة عند عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه، أو النساء والصبيان عند عامة المفسرين، والسفه خفة الأحلام ثوب سفيه خفيف النسج‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏خَلَوْاْ إِلَى‏}‏ إلى بمعنى «مع» أو خلوت إليه‏:‏ إذا جعلته غايتك في حاجتك، أو صرفوا خلاءهم إلى شياطينهم‏.‏ ‏{‏شَيَاطِينِهِمْ‏}‏ رؤوسهم في الكفر، أو اليهود الذي يأمرونهم بالتكذيب، شيطان‏:‏ فيعال من شطن إذا بعد نوىً شطون سمى به لبعده عن الخير، أو لبعد مذهبه في الشر، نونه أصلية، أو من شاط يشيط إذا هلك زائد النون، أو من التشيط وهو الاحتراق سمى ما يؤول إليه أمره‏.‏ ‏{‏إِنَّا مَعَكُمْ‏}‏ على التكذيب والعداوة‏.‏ ‏{‏مُسْتَهْزِءُونَ‏}‏ بإظهار التصديق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ‏}‏ يجزيهم على استهزائهم، سمى الجزاء باسم الذنب ‏{‏فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 194‏]‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ *** فنجهل فوق جهل الجاهلينا

أو نجزيهم جزاء المستهزئين، أو إظهاره عليهم أحكام الإسلام مع ما أوجبه لهم من العقاب فاغتروا به كالأستهزاء بهم، أو هو كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 49‏]‏ للاستهزاء به، أو يُفتح لهم باب جهنم فيريدون الخروج على رجاء فيزدحمون فإذا انتهوا إلى الباب ضُربوا بمقامع الحديد حتى يرجعوا فهذا نوع من العذاب على صورة الاستهزاء‏.‏ ‏{‏وَيَمُدُّهُمْ‏}‏ يملي لهم، أو يزيدهم، مددت وأمددت أو مددت في الشر وأمددت في الخير، أو مددت فيما زيادته منه، وأمددت فيما زيادته من غيره‏.‏ ‏{‏طُغْيَانِهِمْ‏}‏ غلوهم في الكفر، الطغيان‏:‏ مجاوزة القدر‏.‏ ‏{‏يَعْمَهُونَ‏}‏ يترددون أو يتحيرون، أو يعمون عن الرشد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏اشْتَرَوُاْ‏}‏ الكفر بالإيمان على حقيقة الشراء، أو استحبوا الكفر على الإيمان إذ المشتري محب لما يشتريه، إذ لم يكونوا قبل ذلك مؤمنين، أو أخذوا الكفر وتركوا الإيمان‏.‏ ‏{‏فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ‏}‏ في اشتراء الضلالة، أو ما اهتدوا إلى تجارة المؤمنين، أو نفى عنهم الربح والاهتداء جميعاً، لأن التاجر قد لا يربح مع أنه على هدى في تجارته، فلذلك أبلغ في ذمهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏اسْتَوْقَدَ‏}‏ أوقد، أو طلب ذلك من غيره للاستضاءة ‏{‏أَضَآءَتْ‏}‏ ضاءت النار في نفسها، وأضاءت ما حولها‏.‏ قال‏:‏

أضاءت لهم أحسابُهم ووجوهُهم *** دُجَى الليل حتى نظَّمَ الجَزعَ ثاقبُه

‏{‏بِنُورِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ المُستوقد، لأنه في معنى الجمع، أو بنور المنافق عند الجمهور، فيذهب في الآخرة فيكون ذهابه سمة يعرفون بها، أو ذهب ما أظهروه للنبي صلى الله عليه وسلم من الإسلام ‏{‏فِى ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ‏}‏ لم يأتهم بضياء يبصرون به، أو لم يخرجهم من الظلمات، وحصول الظلمة بعد ضياء أبلغ، لأن من صار في ظلمة بعد ضياء أقل إبصاراً ممن لم يزل فيها، ثم الضياء دخولهم في الإسلام، والظلمة خروجهم منه، أو الضياء تعززهم بأنهم في عداد المسلمين، والظلمة زواله عنهم في الآخرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏صُمُّ‏}‏ أصل الصم‏:‏ الانسداد، قناة صماء أي غير مجوفة، وصممت القارورة سددتها، فالأصم‏:‏ المسند خروق المسامع‏.‏ ‏{‏بُكْمٌ‏}‏ البكم‏:‏ آفة في اللسان تمنع معها اعتماده على مواضع الحروف، أو الأبكم الذي يولد أخرس، أو المسلوب الفؤاد الذي لا يعي شيئاً ولا يفهمه، أو الذي جمع الخرس، وذهاب الفؤاد، صموا عن سماع الحق، فلم يتكلموا به، ولم يبصروه، فهم لا يرجعون إلى الإسلام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏كَصَيِّبٍ‏}‏ الصيب‏:‏ المطر، أو السحاب‏.‏ ‏{‏الرَّعْدُ‏}‏ ملك ينعق بالغيث نعيق الراعي بالغنم، سمى ذلك الصوت باسمه، أو ريح تختنق تحت السماء قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو اصطكاك الأجرم‏.‏ ‏{‏الْبَرْقُ‏}‏ ضرب الملك الذي هو الرعد السحاب بمخراق من حديد قاله علي رضي الله عنه‏:‏ أو ضربه بسوط من نور قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو ما ينقدح من اصطكاك الأجرام‏.‏

‏{‏الصَّاعِقَةُ‏}‏ الشديد من صوت الرعد تقع معه قطعة نار‏.‏ شبه المطر بالقرآن، وظلماته بالابتلاء الذي في القرآن، ورعده بزواجر القرآن، وبرقه ببيان القرآن، وصواعقه بوعيد القرآن في الآجل، ودعائه إلى الجهاد عاجلاً قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو شبه المطر بما يخافونه من وعيد الآخرة، وبرقه بما في إظهارهم الإسلام من حقن دمائهم ومناكحتهم وإرثهم، وصواعقه بزواجر الإسلام بالعقاب عاجلاً وآجلاً، أو شبه المطر بظاهر إيمانهم، وظلمته بضلالهم، وبرقه بنور الإيمان، وصواعقه بهلاك النفاق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏يَكَادُ‏}‏ يقارب، الخطف‏:‏ الاستلاب بسرعة‏.‏ ‏{‏أَضَآءَ لَهُم‏}‏ الحق‏.‏ ‏{‏مَّشَوْاْ فِيهِ‏}‏ تبعوه ‏{‏وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ‏}‏ بالهوى تركوه، أو كلما غنموا وأصابوا خيراً تبعوا المسلمين، وإذا أظلم فلم يصيبوا خيراً قعدوا عن الجهاد‏.‏ ‏{‏لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ‏}‏ أسماعهم‏.‏

كلوا في نصف بطنكم تعيشوا ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏أَندَاداً‏}‏ أكفاء أو أشباهاً، أو أضداداً‏.‏ ‏{‏وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ أن الله خلقكم، أو لأنه لا ند له ولا ضد، أو وأنتم تعقلون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏عَبْدِنَا‏}‏ العبد مأخوذ من التعبد، وهو التذلل، فسُمي به المملوك من جنس ما يعقل لتذلُلِه لمولاه‏.‏ ‏{‏مِّن مِّثْلِهِ‏}‏ من مثل القرآن، أو من مثل محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه بشر مثلكم‏.‏ ‏{‏شُهَدَآءَكُم‏}‏ أعوانكم، أو آلهتكم، لاعتقادهم أنها تشهد لهم، أو ناساً يشهدون لكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏وَقُودُهَا‏}‏ الوقود‏:‏ الحطب، والوُقود‏:‏ التوقد‏.‏ ‏{‏وَالْحِجَارَةُ‏}‏ من كبريت أسود، فالحجارة وقود للنار مع الناس‏.‏ هول أمرها بإحراقها الأحجار كما تحرق الناس، أو أنهم يعذبون فيها بالحجارة مع النار التي وقودها الناس‏.‏ ‏{‏أُعِدَّتْ لِلْكَافِرينَ‏}‏ إعدادها مع اتحادها لا ينفي أن تعد لغيرهم من أهل الكبائر أو هذه نار أعدت لهم خاصة، ولغيرهم نار آخرى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏وَبَشِّرِ‏}‏ البشارة‏:‏ أول خبر يرد عليك بما يسرّ، أو هي أول خبر يسرّ أو يغم، وإن كثر استعمالها فيما يسرّ، أُخذت من البشرة، وهي ظاهر الجلد، لتغيرها بأول خبر‏.‏ ‏{‏جَنَّاتٍ‏}‏ سمي البستان جنة لأن شجره يستره، المفضل‏:‏ الجنة‏:‏ كل بستان فيه نخل وإن لم يكن فيه شجر غيره، فإن كان فيه كَرْم فهو فردوس سواء كان فيه شجر غير الكَرْم، أو لم يكن‏.‏ ‏{‏مِن تَحْتِهَا‏}‏ من تحت الأشجار، قيل تجري أنهارها في غير أخدود‏.‏ ‏{‏رُزِقُواْ مِنْهَا‏}‏ أي من ثمر أشجارها‏.‏ ‏{‏هَذَا الَّذِى رُزِقْنَا‏}‏ أي الذي رزقنا من ثمار الجنة كالذي رزقنا من ثمار الدنيا، أو إذا استخلف مكان جَنى الجنة مثله فرأوه فاشتبه عليهم بالذي جنوه قبله فقالوا هذا الذي رزقنا من قبل‏.‏ ‏{‏مُتَشَابِهاً‏}‏ يشبه بعضه بعضاً في الجودة لا رديء فيه، أو يشبه ثمار الدنيا في اللون دون الطعم، أو يشبه ثمار الدنيا في اللون والطعم، أو يشبهها في الأسم دون اللون والطعم، وليس بشيء ‏{‏مُّطَهَّرَةٌ‏}‏ في الأبدان، والأخلاق، والأفعال، فلا حيض، ولا ولاد، ولا غائط، ولا بول، إجماعاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏لا يَسْتَحْىِ‏}‏ لا يترك، أو لا يخشى، أو لا يمنع، أصل الاستحياء‏:‏ الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفاً من مواقعة القبيح‏.‏ ‏{‏بَعُوضَةً‏}‏ صغار البق لأنها كبعض بقة كبيرة ‏{‏فَمَا فَوْقَهَا‏}‏ ما‏:‏ صلة، أو بمعنى الذي، أو ما بين بعوضة إلى ما فوقها ‏{‏فَوْقَهَا‏}‏ في الكبر، أو في الصغر‏.‏ نزلت في المنافقين لما ضرب لهم المثل بالمُستوقد والصيب قالوا‏:‏ الله أعلى أن يضرب هذه الأمثال، أو ضربت مثلاً للدنيا وأهلها فإن البقة تحيا ما جاعت فإذا شبعت ماتت، فكذا أهل الدنيا إذا امتلئوا منها أُخذوا‏.‏ أو نزلت في أهل الضلالة لما ذكر الله تعالى العنكبوت والذباب قالوا ما بالهما يذكران فنزلت‏.‏ ‏{‏يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً‏}‏ بالمثل كثيراً ‏{‏وَيَهْدِى بِهِ كَثِيراً‏}‏ أو يضل بالتكذيب بالأمثال المضروبة كثيراً، ويهدي بالتصديق بها كثيراً، أو حكاه عمن ضل منهم، ومن اهتدى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ‏}‏ النقض‏:‏ ضد الإبرام، والميثاق‏:‏ ما وقع التوثق به، والعهد‏:‏ الوصية، أو الموثق، فعهده‏:‏ ما أنزله في الكتب من الأمر والنهي، ونقض ذلك، مخالفته، أو العهد‏:‏ ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب، ونقضه‏:‏ جحودهم له بعد إعطائهم ميثاقهم ‏{‏لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 187‏]‏، أو العهد‏:‏ ما جعل في العقول من حجج التوحيد، وتصديق الرسل صلوات الله تعالى عليهم وسلامه بالمعجزات، أو العهد‏:‏ الذي أُخذ عليهم يوم الذر إذ أخرجوا من صلب آدم عليه الصلاة والسلام، والضمير في ميثاقه عائد على اسم الله تعالى، أو على العهد‏.‏ عُني بهؤلاء المنافقين، أو أهل الكتاب، أو جميع الكفار‏.‏ ‏{‏مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ‏}‏ هو الرسول، قطعوه بالتكذيب والعصيان، أو الرحم والقرابة، أو هو عام في كل ما أمر بوصله‏.‏ ‏{‏وَيُفْسِدُونَ فِى الأَرْضِ‏}‏ بإخافة السبيل، وقطع الطريق، أو بدعائهم إلى الكفر‏.‏ ‏{‏الْخَاسِرُونَ‏}‏ الخسار‏:‏ النقصان، نقصوا حظوظهم وشرفهم، أو الخسار‏:‏ الهلاك، أو كل ما نسب إلى غير المسلم من الخسار فالمراد به الكفر، وما نسب إلى المسلم فالمراد به الذنب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏كَيْفَ تَكْفُرُونَ‏}‏ توبيخ، أو تعجب، عجَّبَ المؤمنين من كفرهم ‏{‏وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ‏}‏ أمواتاً‏:‏ عَدَماً، فأحياكم‏:‏ خلقكم ‏{‏ثُمَّ يُمِيتُكُمْ‏}‏ عند الأجل ‏{‏ثُمَّ يُحْيِيكُمْ‏}‏ في القيامة، أو أمواتاً في القبور، فأحياكم فيها للمساءلة، ثم يميتكم فيها، ثم يحييكم للبعث، لأن حقيقة الموت ما كان عن حياة، أو أمواتاً في الأصلاب، فأحياكم أخرجكم من بطون الأمهات، ثم يميتكم في الأجل، ثم يحييكم للبعث يوم القيامة، أو كنتم أمواتاً بعد أخذ الميثاق يوم الذر، فأحياكم خلقكم في بطون أمهاتكم، ثم يميتكم عند الأجل، ثم يحييكم يوم القيامة، أو أمواتاً نطفاً‏.‏ فأحياتكم بنفخ الروح، ثم يميتكم في الأجل، ثم يحييكم يوم القيامة، أو كنتم أمواتاً خاملي الذكر، فأحياكم بالظهور والذكر، ثم يميتكم في الأجل، ثم يحييكم يوم القيامة‏.‏ ‏{‏تُرْجَعُونَ‏}‏ إلى مجازاته على أعمالكم، أو إلى الموضع الذي يتولى الله تعالى فيه الحكم بينكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏اسْتَوَى إِلىَ السَّمَآءِ‏}‏ أقبل عليها، أو قصد إلى خلقها، أو تحول فعله إليها، أو استوى أمره وصنعه الذي صنع به الأشياء إليها، أو استوت به السماء، أو علا عليه وارتفع، أو استوى الدخان الذي خلقت منه السماء وارتفع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

‏{‏وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ‏(‏30‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذْ قَالَ‏}‏ «إذ» صلة، أو أصلية مقصودة، لما ذكر نعمه لخلقه بما خلق لهم في الأرض ذكَّرهم نعمه على أبيهم آدم صلى الله عليه وسلم أو أنه ذكر ابتداء الخلق كأنه قال وابتدأ خلقكم إذ قال ربك‏.‏ ‏{‏لِلْملآئِكَةِ‏}‏ الملك مأخوذ من ألك يألك إذا أرسل ‏[‏والألوك‏:‏ الرسالة‏]‏ سميت بذلك، لأنها تولك في الفم، يقال‏:‏ الفرس يألك اللجام ويعلكه، ألكنى إليها‏:‏ أرسلني إليها، والملك‏:‏ أفضل الحيوان، وأعقل الخلق، لا يأكل، ولا يشرب ولا ينكح، ولا ينسل، وهو رسول لا يعصي الله تعالى في قليل ولا كثير، له جسم لطيف لا يرى إلا إذا قوّى الله تعالى أبصرنا‏.‏ ‏{‏جَاعِلٌ‏}‏ خالق، أو فاعل‏.‏ ‏{‏فِى الأَرْضِ‏}‏ قيل إنها مكة‏.‏ ‏{‏خَلِيفَةً‏}‏ الخليفة من قام مقام غيره، خليفة‏:‏ يخلفني في الحكم بين الخلق، هو آدم صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من ذريته، أو بنو آدم يخلفون آدم، ويخلف بعضهم بعضاً في العمل بالحق، وعمارة الأرض، أو آدم وذريته خلفاء من الذين كانوا فيها فأفسدوا، وسفكوا الدماء‏.‏ ‏{‏أَتَجْعَلُ‏}‏ استفهام لم يجبهم عنه، أو إيجاب قالوه ظناً لما رأوا الجن قد أفسدوا في الأرض ألحقوا الإنس بهم في ذلك، أو قالوه عن إخبار الله تعالى لهم بذلك، فذكروا ذلك استعظاماً لفعلهم مع أنعامه عليهم، أو قالوه تعجباً من استخلافه لهم مع إفسادهم‏.‏ ‏{‏وَيَسْفِكُ‏}‏ السفك‏:‏ صب الدم خاصة، والسفح‏:‏ مثله إلا أنه يستعمل في كل مائع على وجه التضييع ولذلك قيل للزنا سفاح‏.‏ ‏{‏نُسَبِّحُ‏}‏ التسبيح‏:‏ التنزيه من السوء على وجه التعظيم، فلا يُسبَّح غير الله تعالى، لأنه قد صار مستعملاً في أعلى مراتب التعظيم التي لا يستحقها سواه، نسبح لك نصلي لك، أو نعظمك، أو التسبيح المعروف، أو هو رفع الصوت بالذكر‏.‏ ‏{‏وَنُقَدِّسُ لَكَ‏}‏ التقديس‏:‏ التطهير، الأرض المقدسة‏:‏ المطهرة‏.‏ نقدس‏:‏ نصلي لك، أو نطهرك من الأدناس، أو التقديس المعروف‏.‏ ‏{‏مَا لا تَعْلَمُونَ‏}‏ ما أضمره إبليس من المعصية، أو من ذرية آدم صلى الله عليه وسلم من الأنبياء المصلحين، أو ما اختص بعلمه من تدبير المصالح‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏31‏)‏‏}‏

‏{‏ءَادَمَ‏}‏ سُمي به، لأنه خلق من أديم الأرض‏:‏ «وهو وجهها الظاهر»، أو أُخذ من الأُدمة‏.‏ ‏{‏الأَسْمَآءَ‏}‏ أسماه الملائكة، أو أسماء ذريته، أو أسماء كل شيء، عُلم الأسماء وحدها، أو الأسماء والمسميات، وعلى الأول علمها بلغته التي كان يتكلم بها، أو علمها بجميع اللغات، وعلمها آدم صلى الله عليه وسلم ولده فلما تفرقوا تكلمت كل طائفة بلسان ألفوه منها، ثم نسوا الباقي بتطاول الزمان، أو أصبحوا وقد تكلمت كل طائفة بلغة، ونسوا غيرها في ليلة واحدة، وهذا خارق‏.‏ ‏{‏عَرَضَهُمْ‏}‏ الأسماء، أو المسمين على الأصح، وعرضهم بعد أن خلقهم، أو صورهم لقلوب الملائكة ثم عرضهم قبل خلقهم‏.‏ ‏{‏أَنبِئُونِى‏}‏ أخبروني، مأخوذة من الإنباء، وهو الإخبار على الأظهر، أو الإعلام‏.‏ ‏{‏صَادِقِينَ‏}‏ أني لا أخلق خلقاً إلا كنتم أعلم منه، لأنه وقع لهم ذلك، أو فيما زعتمم أن الخليفة يفسد في الأرض، أو أني إن استخلفتكم سبحتم، وقدستم، وإن أستخلف غيركم عصى، أو أني لا أخلق خلقاً إلا كنتم أفضل منه، أو صادقين‏:‏ عالمين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

‏{‏قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏الْعَلِيمُ‏}‏ العالم من غير تعليم ‏{‏الْحَكِيمُ‏}‏ المحكم لأفعاله، أو المصيب للحق، ومنه الحاكم لإصابته، أو المانع من الفساد، وحكمة اللجام تمنع الفرس من شدة الجري‏.‏ قال‏:‏

أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم *** إني أخاف عليكم أن أغضبا

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

‏{‏قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ‏(‏33‏)‏‏}‏

‏{‏مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ‏}‏ ما تبدون من قولكم ‏{‏أَتَجْعَلُ فِيهَا‏}‏ والمتكوم‏:‏ ما أسرَّه إبليس من الكِبْرِ، والعصيان، أو ما أضمروه من أن الله تعالى لا يخلق خلقاً إلا كانوا أكرم عليه منهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

‏{‏وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ‏(‏34‏)‏‏}‏

‏{‏اسْجُدُواْ‏}‏ أصل السجود‏:‏ الخضوع، والتطامن، أُمروا بذلك تكريماً لآدم صلى الله عليه وسلم وتعظيماً لشأنه، أو جُعل قِبلة لهم، وأُمروا بالسجود إليه‏.‏ ‏{‏إِلآ إِبْلِيسَ‏}‏ امتنع حسداً، وتكبراً، وكان أبا الجن كما آدم صلى الله عليه وسلم أبو البشر، أو كان من الملائكة فيكون قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كَانَ مِنَ الجن‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 50‏]‏ وهم حي من الملائكة يسمون جِنّاً، أو كان من خزان الجنة، فاشتق اسمه منها، أو لانه جن عن الطاعة، أو الجن اسم لكل مستتر مجتنن‏.‏ قال‏:‏

براه إلهي واصطفاه لدينه *** وملكه ما بين توما إلى مصر

وسخر من جن الملائك تسعة *** قياماً لديه يعملون بلا آجر

واشتق من الإبلاس، وهو اليأس من الخير، أو هو اسم أعجمي لا اشتقاق له‏.‏

‏{‏وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ‏}‏ صار منهم أو كان قبله كفار هو منهم، أو كان من الجن وإن لم يكن قبله جن، كما كان آدم صلى الله عليه وسلم من الإنس وليس قبله إنس‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

‏{‏وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ‏(‏35‏)‏‏}‏

‏{‏اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ‏}‏ خلقت حواء من ضلع آدم صلى الله عليه وسلم وهو نائم، ولهذا يقال لها ضلع أعوج، وسميت امرأة لأنها خلقت من المرء، وسمت حواء لأنها خلقت من حي، أو لأنها أم كل حي، وخلقت قبل دخوله الجنة، أو بعد دخوله إليها‏.‏ ‏{‏الْجَنَّةَ‏}‏ جنة الخلد، أو جنة أعدها الله تعالى لهما‏.‏ ‏{‏رَغَداً‏}‏ الرغد‏:‏ العيش الهنيء، أو الواسع، أو الحلال الذي لا حساب فيه‏.‏ ‏{‏الشَّجَرَةَ‏}‏ البر، أو الكرم، أو التين، أو شجرة الخلد التي كانت الملائكة تَحنَك منها‏.‏ ‏{‏الظَّالِمِينَ‏}‏ لأنفسهما، أو المعتدين بأكل ما لم يبح، وأكلها ناسياً فحكم عليه بالمعصية، لترك التحرز، لأنه يلزم الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم وسلامه من التحرز ما لا يلزم غيرهم أو أكل منها وهو سكران، قاله ابن المسيب‏:‏ أو أكل عالماً متعمداً، أو تأول النهي على التنزيه دون التحريم، أو على عين الشجرة دون جنسها، أو على قوله تعالى ‏{‏مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 20‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

‏{‏فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ‏(‏36‏)‏‏}‏

‏{‏فَأَزَلَّهُمَا‏}‏ أزالهما‏:‏ نَحَّاهما، وأزلهما‏:‏ من الزلل وهو الزوال عن الحق‏.‏ والشيطان‏:‏ إبليس، وسوس لهما من غير مشاهدة، ولا خلوص إليهما، أو خلص إليهما وشافههما بالخطاب، وهو الأظهر، وقول الأكثر‏.‏ ‏{‏فَأَخْرَجَهُمَا‏}‏ نسب الخروج إليه، لأنه سببه‏.‏ ‏{‏اهْبِطُواْ‏}‏ الهُبوط‏:‏ الزوال، والهبوط‏:‏ موضع الهَبوط، المأمور به آدم، وحواء، وإبليس، والحية، أو آدم، وإبليس وذريتهما، أوآدم، وحواء والوسوسة‏.‏ ‏{‏عَدُوٌّ‏}‏ بنو آدم وبنو إبليس أعداء، أو الذي أُمروا بالهبوط بعضهم لبعض أعداء، ‏{‏مُسْتَقَرٌّ‏}‏ مقامهم عليها، أو قبورهم‏.‏ ‏{‏وَمَتَاعٌ‏}‏ كل ما انتفع به فهو متاع‏.‏ ‏{‏إِلَى حِينٍ‏}‏ الموت، أو قيام الساعة، أو أجل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

‏{‏فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏كَلِمَاتٍ‏}‏ الكلام من التأثير، لتأثيره في النفس بما يدل عليه من المعاني، والجرح كلم لتأثيره في الجسد‏.‏ والكلمات قوله تعالى‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا ظَلَمْنَآ‏}‏ الآية ‏[‏الأعراف‏:‏ 23‏]‏ أو قول آدم صلى الله عليه وسلم لربه تبارك وتعالى «أرأيت إن تبت وأصلحت» فقال‏:‏ إني راجعك إلى الجنة، أو قوله‏:‏ «لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ربي إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، ربي إني ظلمت نفسي فارحمني إنك خير الراحمين، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إي ظلمت نفسي فتب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم» ‏{‏فَتَابَ عَلَيْهِ‏}‏ توبة العبد الرجوع عن المعصية، وتوبة الرب عليه قبول ذلك، ورجوعه له إلى ما كان عليه، والتوبة واجبة عليه وعلى حواء، وأفرد بالذكر، لقوله تعالى ‏{‏فَتَلَقَّى ءَادَمُ‏}‏ أفرده بالذكر فرد الإضمار إليه، أو استغنى باذكر أحدهما عن الآخر لاشتراكهما في حكم واحد ‏{‏وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 62‏]‏ ‏{‏انفَضُّوَاْ إِلَيْهَا‏}‏ ‏{‏التَّوَّابُ‏}‏ الكثير القبول للتوبة‏.‏ ‏{‏الرَّحِيمُ‏}‏ الذي لا يخلي عباده من نعمه‏.‏ ولم يهبط عقوبة، لأن ذنبه صغير، وهبوطه وقع بعد قبول توبته، وإنما أُهبط تأديباً، أو تغليظاً للمحنة‏.‏ الحسن «خلق آدم للأرض، فلو لم يعص لخرج على غير تلك الحال» أو يجوز أن يخلق لها إن عصى ولغيرها إن لم يعص‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ‏(‏40‏)‏‏}‏

‏{‏إِسْرَآءِيلَ‏}‏ يعقوب، إسرا بالعبرانية عبد، وإيل هو الله تعالى فهو عبد الله‏.‏ ‏{‏أذْكُرُواْ‏}‏ الذّكِر باللسان وبالقلب، والذُّكر بالشرف بضم الذال وكسرها في القلب واللسان‏.‏ أو بالضم في القلب وبالكسر في اللسان، ومراد الآية ذكر القلب، يقول‏:‏ لا تتناسوا نعتمي‏.‏ ‏{‏نِعْمَتىَ‏}‏ إنعامي العام على خلقي، أو أنعامي على آبائكم بما ذكر في هذه السورة، فالإنعام على الآباء شرف للأبناء‏.‏ ‏{‏وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى‏}‏ أوفوا بما أمرتكم به ‏{‏أوف‏}‏ بما وعدتكم، أو أوفوا بما أنزلته في كتابكم، «أن تؤمنوا بي وبرسلي» أوف لكم بالجنة، سماه عهداً، لأنه عهد به إليهم في الكتب السالفة، أو جعل الأمر كالعهد الذي هو يمين لاشتراكهما في لزوم الوفاء بهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏بِمَآ أَنزَلْتُ‏}‏ على محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن ‏{‏مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ‏}‏ من التوراة في التوحيد ولزوم الطاعة، أو مصدقاً لما فيها من أنها من عند الله، أو لما فيها من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن‏.‏ ‏{‏أَوَّلَ كَافِرِ‏}‏ بالقرآن من أهل الكتاب، أو بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو بما في التوراة والإنجيل من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن‏.‏ ‏{‏ثَمَناً قَلِيلاً‏}‏ لا تأخذوا عليه أجراً، وفي كتابهم «يا ابن آدم عَلم مجاناً كما عُلمت مجاناً»، أو لا تأخذوا على تغييره وتبديله ثمناً، أو لا تأخذوا ثمناً على كتم ما فيه من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏وَلا تَلْبِسُواْ‏}‏ ولا تخلطوا الصدق بالكذب، اللبس‏:‏ الخلط، أو اليهودية والنصرانية بالإسلام، أو التوراة المنزلة بما كتبوه بأيديهم ‏{‏وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ‏}‏ نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ‏{‏وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ أنه في كتبكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

‏{‏وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ‏(‏43‏)‏‏}‏

‏{‏الزَّكَاةَ‏}‏ من النماء والزيادة، لأنها تثمر المال، أو من الطهارة بأدائها يطهر المال فيصير حلالاً، أو تطهر المالك من إثم المنع‏.‏ ‏{‏الرَّاكِعِينَ‏}‏ الركوع من التطامن والانحناء، أو من الذل والخضوع، عُبِّر عن الصلاة بالركوع، أو أراد ركوعها إذ لا ركوع في صلاتهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

‏{‏أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ‏(‏44‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْبِرِّ‏}‏ بالطاعة، أُمروا بها وعصوا، أو أُمروا بالتمسك بكتابهم، وتركوه بجحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أو أُمروا بالصدقة وضنوا بها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

‏{‏وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ‏(‏45‏)‏‏}‏

‏{‏بِالصَّبْرِ‏}‏ على الطاعة، وعن المعصية، أو بالصوم، ويسمى صبراً لأنه يحبس نفسه عن الطعام والشراب، والصبر‏:‏ حبس النفس عما تنازع إليه‏.‏ «كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر استعان بالصلاة والصوم» ‏{‏وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ‏}‏ وإن الصلاة لثقيلة إلا على المؤمنين، أو إن الصبر والصلاة أرادهما وأعاد الضمير إلى أحدهما، أو أن إجابة محمد صلى الله عليه وسلم لشديدة ‏{‏إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ‏}‏ الخشوع والخضوع‏:‏ التواضع، أو الخضوع في البدن، والخشوع في الصوت والصبر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏يَظُنُّون أَنَّهُم مُّلاقُواْ رَبِّهِمْ‏}‏ بذنوبهم لإشفاقهم منها أو يتيقنون عند الجمهور‏.‏ ‏{‏رَاجِعُونَ‏}‏ بالموت، أو بالإعادة، أو إلى أن لا يملك لهم أحد غيره ضراً ولا نفعاً كما كانوا في بدو الخلق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ‏(‏48‏)‏‏}‏

‏{‏لاَّ تَجْزِى‏}‏ لا تغني، أو لا تقضي، جزاه الله خيراً‏:‏ قضاه‏.‏ ‏{‏شَفَاعَةٌ‏}‏ لا يقدر على شفيع تقبل شفاعته، أو لا يجيبه الشفيع إلى الشفاعة، إن كان مشفعاً لو شفع‏.‏ ‏{‏عَدْلٌ‏}‏ فدية، وعِدْل‏:‏ مثل «لا يقبل منه صرف ولا عدل» الصرف‏:‏ العمل، والعدل‏:‏ الفدية‏.‏ أو الصرف‏:‏ الدية، والعدل‏:‏ رجل مكانه‏.‏ أو الصرف‏:‏ التطوع، والعدل‏:‏ الفرض أو الصرف‏:‏ الحيلة، والعدل‏:‏ الفدية، قاله أبو عبيدة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

‏{‏وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ‏(‏49‏)‏‏}‏

‏{‏ءَالِ فِرْعَوْنَ‏}‏ آل الرجل‏:‏ هم الذين تؤول أمروهم إليه في نسب أو صحبة، والآل والأهل سوا ‏[‏أ‏]‏ والآل يضاف إلى المُظهر دون المضمر والأهل يضاف إليهما، أهل العلم وأهل البصرة ولا يقال آل العلم ولا آل البصرة‏.‏ ‏{‏فِرعَوْنَ‏}‏ اسم رجل معين، أو فرعون لملوك العمالقة، كقيصر للروم وكسرى للفرس، واسم فرعون «الوليد بن مصعب» ‏{‏يَسُومُونَكُمْ‏}‏ يولونكم «سامه خطة خسفٍ»‏:‏ أولاه، أو يجشمونكم الأعمال الشاقة، أو يزيدونكم على ذلك سوء العذاب ومساومة البيع‏:‏ مزايدة كل واحد من العاقدين‏.‏ ‏{‏وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ‏}‏ يبقونهم أحياء للاسترقاق والخدمة فلذلك كان من سوء العذاب‏.‏ والنساء يقع على الكبار والصغار، أو تسمى به الصغار، اعتباراً بما يصرن إليه ‏{‏وَفِى ذَلِكُم‏}‏ إنجائكم، أو في سومهم إياكم سوء العذاب‏.‏ والذبح والإبقاء، والبلاء‏:‏ يستعمل في الاختبار بالخير والشر‏.‏ والأكثر في الخير‏:‏ أبليته أبليه إبلاء، وفي الشر‏:‏ بلوته أبلوه بلاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

‏{‏وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ‏(‏50‏)‏‏}‏

‏{‏فَرَقْنَا‏}‏ فصلنا «أو ميزنا» وسمى البحر بحراً لسعته وانبساطه، تبحر في العلم اتسع فيه‏.‏ ‏{‏تُنظُرُونِ‏}‏ إلى سلوكهم البحر، وانطباقه عليهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

‏{‏وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ‏(‏51‏)‏‏}‏

‏[‏‏{‏وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى‏}‏‏]‏ ووجد موسى ‏[‏عليه السلام‏]‏ في اليم بين الماء والشجر فمسى لذلك موسى، مو‏:‏ هو الماء، وساء‏:‏ هو الشجر‏.‏ ‏{‏الْعِجْلَ‏}‏ قال الحسن‏:‏ صار لحماً ودماً له خوار ومنع غيره ذلك لما فيه من الخرق المختص بالأنبياء، وإنما جعل فيه خروقاً تدخلها الريح فتصوت كالخوار‏.‏ وعلى طريق الحسن فالخرق يقع لغير الأنبياء في زمن الأنبياء، لانهم يبطلونه‏.‏ وقد قال السامري‏:‏ ‏{‏هاذآ إلهكم وإله موسى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 88‏]‏ فأبطل أن يدعي بذلك أعجاز الأنبياء، وسمي عجلاً، لأنه عجل بأن صار له خوار، أو لانهم عجلوا بعبادته قبل رجوع موسى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ‏(‏53‏)‏‏}‏

‏{‏الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ‏}‏ الكتاب‏:‏ التوراة، وهي الفرقان، أو الفرقان ما في التوراة من الفرق بين الحق والباطل، أو فرقة سبحانه وتعالى بين موسى وفرعون بالنصر، أو انفراق البحر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

‏{‏وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ‏(‏54‏)‏‏}‏

‏{‏بَارِئِكُمْ‏}‏ خالقكم والبرية‏:‏ الخلق متروك همزها من برأ الله الخلق، أو من البري وهو التراب، أو من بريت العود، أو من تبرى شيء من غيره إذا انفصل منه، كالبراءة من الدَّيْن والمرض‏.‏ ‏{‏فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ‏}‏ مكنوا من قتلها، أو ليقتل بعضكم بعضاً‏.‏ والقتل إماتة الحركة قتلت الخمر بالماء إذا مزجتها به، فسكنت حركتها، ابن جريج، جُعلت توبتهم بالقتل، لأن الذين لم ينكروا خافوا القتل فجعلت توبتهم به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

‏{‏وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ‏(‏55‏)‏‏}‏

‏{‏جَهْرَةً‏}‏ علانية، أو عياناً، وأصل الجهر‏:‏ الظهور، ومنه جهر بالقراءة، وجاهر بالمعاصي‏.‏ ‏{‏الصَّاعِقَةُ‏}‏ الموت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

‏{‏ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏(‏56‏)‏‏}‏

‏{‏بَعَثْنَاكُم‏}‏ أحييانكم، أو سألوا أن يبعثوا بعد الإحياء أنبياء‏.‏ والبعث هو الإرسال، أو إثارة الشيء من محله، وهؤلاء هم السبعون المختارون للميقات‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

‏{‏وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ‏(‏57‏)‏‏}‏

‏{‏الْغَمَامَ‏}‏ ما غطى السماء من السحاب، غُم الهلال‏:‏ غطاه السحاب، وكل مُغطى مغموم‏.‏ وهذا الغمام هو السحاب، أو الذي أتت فيه الملائكة يوم بدر‏.‏ ‏{‏الْمَنَّ‏}‏ ما سقط على الشجر فأكله الناس أو صمغة، أو شراب كانوا يشربونه ممزوجاً بالماء‏.‏ أو عسل ينزل عليهم أو الخبز الرقاق، أو الزنجبيل‏.‏ أو الترنجبين‏.‏ ‏{‏وَالسَّلْوَى‏}‏ السماني أو طائر يشبهه‏.‏ كانت تحشره عليهم ريح الجنوب‏.‏ ‏{‏طَيِّبَاتِ‏}‏ اللذيذة، أو الحلال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

‏{‏وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ‏(‏58‏)‏‏}‏

‏{‏الْقَرْيَةَ‏}‏ بيت المقدس، أو قرية بيت المقدس، أو أريحيا‏.‏ ‏{‏الْبَابَ‏}‏ باب القرية المأمور بدخولها، أو باب حِطة، وهو الثامن من بيت المقدس‏.‏ ‏{‏سُجَّداً‏}‏ ركعاً، أو متواضعين خاضعين، أصل‏:‏ السجود الانحناء تعظيماً وخضوعاً‏.‏ ‏{‏حِطَّةٌ‏}‏ لا إله إلا الله، أو أُمروا بالاستغفار أو حط عنا خطايانا، أو قولوا‏:‏ هذا الأمر حق كما قيل لكم‏.‏ ‏[‏‏{‏نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ‏}‏‏]‏ نغفرها بسترها عليكم فلا نفضحكم، من الغفر وهو الستر، ومنه بيضة الحديد‏:‏ مغفر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

‏{‏فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ‏(‏59‏)‏‏}‏

‏{‏فَبَدَّلَ‏}‏ دخلوا الباب يزحفون على أستاههم، وقالوا حنطة في شعيرة استهزاء منهم‏.‏ ‏{‏رِجْزاً‏}‏ عذاب، أو غضب أو طاعون أهلكهم كلهم، وبقي الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم وسلامه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

‏{‏وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ‏(‏60‏)‏‏}‏

‏{‏اسْتَسْقَى‏}‏ طلب السقيا، سقيته وأسقيته، أو سقيته بسقى شفته، وأسقيته دللته على الماء‏.‏ ‏{‏فَانفَجَرَتْ‏}‏ الانفجار‏:‏ الانشقاق، والانبجاس أضيق منه‏.‏ ‏{‏عَيْناً‏}‏ شبهت بعين الحيوان، لخروج الماء منها كما يخرج الدمع‏.‏ ‏{‏كُلُّ أُنَاسٍ‏}‏ لكل سبط عين عرفها لا يشرب من غيرها‏.‏ ‏{‏تَعْثَوْاْ‏}‏ تطغوا، أو تسعوا «العيث»‏:‏ شدة الفساد‏.‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

‏{‏وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ‏(‏61‏)‏‏}‏

‏{‏وَفُومِهَا‏}‏ الحنطة، أو الخبز، أو الثوم‏.‏ ‏{‏مِصْراً‏}‏ مبهماً، أو مصر فرعون، والمصر من القطع لانقطاعه بالعمارة، أو من الفصل، قال‏:‏

وجاعل الشمس مصراً لاخفاء به *** بين النهار وبين الليل قد فصلا

‏{‏الذِّلَّةُ‏}‏ الصغار، أو ضرب الجزية‏.‏ ‏{‏وَالْمَسْكَنَةُ‏}‏ الفقر، أو الفاقة‏.‏ ‏{‏وَبَآءُو‏}‏ نزلوا من المنزلة، قال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ هذا قاتل أخي ‏[‏قال‏]‏‏:‏ فهو بواء به‏:‏ أي ينزل منزلته في القتل، أو أصله التسوية أي تساووا في الغضب‏:‏ عبادة بن الصامت‏:‏ جعل الله تعالى الأنفال إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقسمها بينهم على بواء‏:‏ أي سواءَ، أو رجعوا‏.‏ والبواء الرجوع لا يكون إلا بشر أو خير‏.‏ ‏{‏وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّنَ‏}‏ مكنهم من قتل الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم وسلامه ليرفع درجاتهم، أو كل نبي أمره بالحرب نصره، ولم يمكن من قتله قاله الحسن‏:‏ والنبي من النبأ، وهو الخبر لإنبائه عن الله تعالى أو من النبوة المكان المرتفع، لارتفاع منزلته، أو من النبي وهو الطريق، لأنه طريق إلى الله تعالى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏62‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ‏(‏62‏)‏‏}‏

‏{‏هَادُواْ‏}‏ من هاد يهود هودا وهيادة إذا تاب‏.‏ أو من قولهم ‏{‏هُدْنَآ إِلَيْكَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 156‏]‏ أو نسبوا إلى يهوذا أكبر ولد يعقوب عليه الصلاة والسلام فعربته العرب بالدال‏.‏ ‏{‏وَالنَّصَارَى‏}‏ جمع نصراني، أو نصرانِ عند سيبويه وعند الخليل نصري‏.‏ لنصرة بعضهم لبعض، أو لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَنْ أنصارى إِلَى الله‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 52‏]‏ أو كان يقال لعيسى عليه الصلاة والسلام الناصري لنزوله الناصرة فنُسب إليه النصارى‏.‏ ‏{‏وَالصَّابِئِينَ‏}‏ جمع صابىء، من الطلوع والظهور، صبأ ناب البعير‏:‏ طلع، أو من الخروج من شيء إلى آخر، لخروجهم من اليهودية إلى النصرانية، أو من صبا يصبو إذا مال إلى شيء وأحبه على قراءة نافع بغير الهمز، ثم هم قوم بين اليهود والمجوس، أو قوم يعبدون الملائكة، ويصلون إلى القبلة، ويقرؤون الزبور، أو دينهم شبيه بدين النصارى، قبلتهم نحو مهب الجنوب حيال منتصف النهار، يزعمون أنهم على دين نوح عليه الصلاة والسلام ‏{‏مَنْ ءَامَنَ‏}‏ نزلت في سلمان، والذين نَصَّروه وأخبروه بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم أو هي منسوخة بقوله تعالى ‏{‏وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 85‏]‏ والمراد بالنسخ التخصيص‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏63‏]‏

‏{‏وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ‏(‏63‏)‏‏}‏

‏{‏الطُّورَ‏}‏ جبل التكليم، وإنزال التوراة، أو ما أنبت من الجبال دون ما لم ينبت، أو اسم كل جبل بالسرياني، أو بالعربي، قال‏:‏

داني جناحيه من الطور فمرَّ *** تَقضِّيَ البازي إذا البازي كسر

‏{‏بِقُوَّةٍ‏}‏ بجد واجتهاد، أو بطاعة الله تعالى، أو بالعمل بما فيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏65‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ‏(‏65‏)‏‏}‏

‏{‏اعْتَدَوْاْ‏}‏ بأخذ الحيتان استحلالاً، أو حبسوها يوم السبت، وأخذوها يوم الأحد‏.‏ ‏{‏السَّبْتِ‏}‏ من القطع، فهو القطعة من الدهر، أو سبت فيه خلق كل شيء‏:‏ قطع وفرغ منه، أو تسبت فيه اليهود عن العمل، أو من الهدوء والسكون، لأنهم يستريحون فيه ‏{‏نَوْمَكُمْ سُبَاتاً‏}‏ ‏[‏النبأ‏:‏ 9‏]‏ والنائم مسبوت‏.‏ ‏{‏قِرَدَةً‏}‏ صاروا في صورها، أو لم يمسخوا بل مثلوا بالقردة، كقوله ‏{‏كَمَثَلِ الحمار‏}‏ ‏[‏الجمعة‏:‏ 5‏]‏ قاله مجاهد‏.‏ ‏{‏خَاسِئِينَ‏}‏ مطرودين مبعدين، أو أذلاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

‏{‏فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ‏(‏66‏)‏‏}‏

‏{‏فَجَعَلْنَاهَا‏}‏ العقوبة، أو القرية، أو الأمة، أو الحيتان، أو القردة الممسوخ على صورهم‏.‏

‏{‏نَكَالاً‏}‏ عقوبة، أو عبرة يَنْكُل بها من رآها، أو النكال الاشتهار بالفضيحة‏.‏ ‏{‏لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا‏}‏ من القرى، أو ما بين يديها من يأتي بعدهم، وما خلفها الذين عاصروهم‏.‏ أو ما بين يديها من الذنوب، وما خلفها عبرة لمن يأتي بعدههم‏.‏ أو ما بين يديها ذنوبهم، وما خلفها للحيتان التي أصابوها، أو ما بين يديها ما مضى من ذنوبهم، وما خلفها ذنوبهم التي أُهلكوا بها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

‏{‏وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ‏(‏67‏)‏‏}‏

‏{‏هُزُواً‏}‏ اللعب والسخرية، قالوه استبعاداً لما بين السؤال والجواب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

‏{‏قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ‏(‏68‏)‏‏}‏

‏{‏بَقَرَةً‏}‏ من البَقْرِ وهو الشق، لأنها تشق الأرض، والذكر‏:‏ ثور‏.‏ ‏{‏فَارِضٌ‏}‏ ولدت بطوناً كثيرة فاتسع جوفها، لأن الفارض في اللغة‏:‏ الواسع، أو الكبيرة الهرمة عند الجمهور‏.‏ ‏{‏بِكْرٌ‏}‏ صغيرة لم تحمل، البكر من البهائم والناس‏:‏ ما لم يفتحله الفحل، والبكر بفتح الباء‏:‏ فتى الإبل‏.‏ ‏{‏عَوَانٌ‏}‏ النَّصَف، قد ولدت بطناً أو بطنين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

‏{‏قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ‏(‏69‏)‏‏}‏

‏{‏صَفْرَآءُ‏}‏ اللون المعروف لقوله تعالى، ‏{‏فَاقِعٌ‏}‏ ‏[‏يقال‏]‏ أسود حالك، وأحمر قاني، وأبيض ناصع، وأخضر ناضر، وأصفر فاقع، وقال الحسن وحده‏:‏ سوداء شديدة السواد، كما قالوا‏:‏ ناقة صفراء أي سوداء، قال‏:‏

تلك خيلي منه وتلك ركابي *** هن صفرٌ أولادها كالزبيبِ

وأُريد بالصفرة قرنها وظلفها، أو جميع لونها‏.‏ ‏{‏فَاقِعٌ‏}‏ شديد الصفرة، أو خالصها، أو صافيها‏.‏