فصل: تفسير الآية رقم (3)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***


تفسير الآية رقم ‏[‏249‏]‏

‏{‏فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ‏(‏249‏)‏‏}‏

‏{‏بِنَهَرْ‏}‏ نهر بين الأردن وفلسطين، أو نهر فلسطين ابتلوا به لشكايتهم قلة الماء وخوف العطش‏.‏ ‏{‏مِنِّى‏}‏ من أهل ولايتي‏.‏ ‏{‏غُرْفَةَ‏}‏ الفعل والغُرفة اسم المغروف‏.‏ ‏{‏قَليلآً‏}‏ ثلاثمائة وبضعة عشر عدة أهل بدر، ومن استكثر منه عطش‏.‏ ‏{‏جَاوَزَهُ‏}‏ مع المؤمنين والكافرين ثم انخزلوا عن المؤمنين، وقالوا‏:‏ لا طاقة لنا اليوم بجالوت، أو لم يجاوزه إلا مؤمن‏.‏ ‏{‏قَالُواْ لا طَاقَةَ‏}‏ قاله الكفار المنخزلون، أو من قلّت نصرته من المؤمنين‏.‏ ‏{‏يَظُنُّونَ‏}‏ يوقنون، أو يتوقعون ‏{‏أَنَّهُم مُّلاَقُواْ اللَّهِ‏}‏ بالقتل في تلك الواقعة‏.‏ ‏{‏مَعَ الصَّابِرِينَ‏}‏ بالنصر والمعونة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏251‏]‏

‏{‏فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ‏(‏251‏)‏‏}‏

‏{‏فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ‏}‏ بنصر الله، أضاف الهزيمة إليهم تجاوزاً لأنهم بالإلجاء إليها صاروا سبباً لها‏.‏ ‏{‏وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ‏}‏ رماه بحجر بين عينيه فخرج من قفاه فقتل جماعة من عسكره، وكان نبياً قبل قتله لوقوع هذا الخارق على يديه، أو لم يكن نبياً، لأنه لا يجوز أن يولى على النبي من ليس بنبي‏.‏ ‏{‏الْمُلْكَ‏}‏ السلطان‏.‏ ‏{‏وَالْحِكْمَةَ‏}‏ النبوة‏.‏ ‏{‏وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ‏}‏ قيل صنعة الدروع، والتقدير في السرد‏.‏ ‏{‏دَفْعُ اللَّهِ‏}‏ الهلاك عن البر الفاجر، أو يدفع باللطف للمؤمن وبالرعب في قلب الكافر‏.‏ ‏{‏لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ‏}‏ لعم فسادها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏255‏]‏

‏{‏اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ‏(‏255‏)‏‏}‏

‏{‏الْحَىُّ‏}‏ ذو الحياة، أو تسمى به لتصريفه الأمور وتقديره الأشياء، أو اسم تسمى به فيقبل تسليماً لأمره‏.‏ ‏{‏الْقَيُّومُ‏}‏ القائم بتدبير الخلق، أو القائم على كل نفس بما كسبت فيجزيها بما علمه منها، أو القائم الموجود، أو العالم بالأمور، قام فلان بالكتاب إذا كان عالماً به، أو أخذ من الاستقامة‏.‏ ‏{‏سِنَةٌ‏}‏ نعاس، والنعاس ما كان في العين، فإذا صار في القلب صار نوماً‏.‏ ‏{‏مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ‏}‏ الدنيا ‏{‏وَمَا خَلْفَهُمْ‏}‏ الآخرة‏.‏ ‏{‏كُرْسِيُّهُ‏}‏ علمه، أو العرش، أو سرير دون العرش، أو موضع القدمين، أو الملك وأصل الكرسي‏:‏ العلم ومنه الكراسة، والعلماء كراس، لأنه يُعْتَمد عليهم كما قيل‏:‏ أوتاد الأرض‏.‏ ‏{‏وَلا يَؤُدُهُ‏}‏ لا يثقله إجماعاً، والضمير عائد إلى الله تعالى أو إلى الكرسي‏.‏ ‏{‏الْعَلِىُّ‏}‏ بالاقتدار، ونفوذ السلطان، أو العلي‏:‏ عن الأشباه والأمثال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏256‏]‏

‏{‏لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏256‏)‏‏}‏

‏{‏لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ‏}‏ في الكتابي إذا بذل الجزية، أو نسخت بفرض القتال، أو كانت المقلاة من الأنصار تنذر إن عاش لها ولد أن تهوّده رجاءً لطول عمره، وذلك قبل الإسلام، فلما أجلى الرسول صلى الله عليه وسلم بني النضير وفيهم أولاد الأنصار، قالت الأنصار كيف نصنع بأبنائنا فنزلت قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ‏{‏بِالطَّاغُوتِ‏}‏ الشيطان، أو الساحر، أو الكاهن، أو الأصنام، أو مردة الإنس والجن، أو كل ذي طغيان على الله تعالى عبده مَنْ دُونه بقهر منه أو بطا ‏[‏عة‏]‏ إنساناً كان أو صنماً‏.‏ ‏{‏بِالْعُرْوَةِ‏}‏ الإيمان بالله تعالى‏.‏ ‏{‏لا انفِصَامَ‏}‏ لا انقطاع، أو لا انكسار، أصل الفصم الكسر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏257‏]‏

‏{‏اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ‏(‏257‏)‏‏}‏

‏{‏مِّنَ الظُّلُمَاتِ‏}‏ الضلالة إلى الهدى‏.‏ ‏{‏مِّنَ النُّورِ إِلى الظُّلُمَاتِ‏}‏ نزلت في مرتدين، أو في كافر أصلي، لأنهم بمنعهم من الإيمان كأنهم أخرجوهم منه‏.‏

‏{‏الَّذِى حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ‏}‏ عليه الصلاة والسلام‏:‏ النمرود بن كنعان أو من تجبر في الأرض وأدّعى الربوبية‏.‏ ‏{‏ءَاتَاهُ اللَّهُ الُمُلْكَ‏}‏ الضمير لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، أو لنمرود‏.‏ ‏{‏أُحْىِ وَأُمِيتُ‏}‏ أترك من لزمه القتل، وأقتل بغير سبب يوجب القتل‏.‏ عارض اللفظ بمثله، وعدل عن اختلاف الفعلين، فلذلك عدل إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى حجة أخرى لظهور فساد ما عارض به، أو عدل عما شغب به إلى ما لا إشغاب فيه، استظهاراً عليه‏.‏ ‏{‏فَأًتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ‏}‏ لم يعارضه نمرود بأن يأتي بها ربه، لأن ‏[‏الله‏]‏ خذله بالصَّرفة عن ذلك، أو علم أنه لو طلب ذلك لفعل لما رآه من الآيات فخاف ازدياد الفضيحة‏.‏ ‏{‏فَبُهِتَ‏}‏ تحيّر، أو انقطع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏259‏]‏

‏{‏أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏259‏)‏‏}‏

‏{‏كَالِّذِى مَرَّ‏}‏ عُزير، أو أرميا، أو الخضر‏.‏ ‏{‏قَرْيَةٍ‏}‏ بيت المقدس لما خربه بختنصر، أو القرية التي خرج منها الألوف حذر الموت‏.‏ ‏{‏خَاوِيَةٌ‏}‏ خراب، أو خالية من الخواء وهو الخلو، ومنه خوت الدار، والخواء الجوع لخلو البطن‏.‏ ‏{‏عُرُوشِهَا‏}‏ العروش البناء‏.‏ ‏{‏يُحْىِ هَذِهِ اللَّهُ‏}‏ بالعمارة ‏{‏بَعْدَ مَوْتِهَا‏}‏ بالخراب‏.‏ ‏{‏يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ‏}‏ قال ذلك، لأنه مات أول النهار، وعاش بعد المائة آخر النهار فقال‏:‏ يوماً، ثم رأى بقية الشمس فقال‏:‏ أو بعض يوم‏.‏ ‏{‏لَمْ يَتَسَنَّهْ‏}‏ لم يأتِ عليه السنون فيتغير، أو لم يتغير بالأسن‏.‏ ‏{‏نُنِشزُهَا‏}‏ نحييها، من نشر الثوب، لأن الميت كالثوب المطوي، لانقباضه عن التصرف فإذا عاش فقد انتشر بالتصرف‏.‏ ‏{‏نُنِشزُهَا‏}‏ نرفع بعضها إلى بعض، النشز المكان المرتفع، نشزت المرأة لارتفاعها عن طاعة زوجها، قاله ملك، أو نبي، أو بعض المعمرين ممن شاهد موته وحياته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏260‏]‏

‏{‏وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ‏(‏260‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنىِ‏}‏ لما حاجه نمرود في الإحياء، أو رأى جيفة تمزقها السباع‏.‏ ‏{‏أَوَلَمْ تُؤْمِن‏}‏ ألف إيجاب‏.‏

ألستم خير من ركب المطايا ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

‏{‏لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى‏}‏ بعلم المشاهد بعد علم الاستدلال من غير شك‏.‏ ‏{‏أَرْبَعَةً‏}‏ ديك وطاووس، وغراب، وحمام‏.‏ ‏{‏فَصُرْهُنَّ‏}‏ بالضم والكسر واحد ضمهن إليك، أو قطعهن فيتعلق إليك بخذ‏.‏ ‏{‏عَلَى كُلِّ جَبَلٍ‏}‏ أربعة أجبال، أو سبعة، أو كل جبل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏261‏]‏

‏{‏مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ‏(‏261‏)‏‏}‏

‏{‏فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ الجهاد، أو أبواب البر كلها، فالنفقة في الجهاد بسبعمائة ضعف، وفي غيره بعشرة أمثاله، أو تجوز مضاعفتها بسبعمائة‏.‏ ‏{‏وَاسِعٌ‏}‏ لا يضيق عن الزيادة ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بمستحقها، أو ‏{‏وَاسِعٌ‏}‏ الرحمة لا يضيق عن المضاعفة ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بالنفقة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏262‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ‏(‏262‏)‏‏}‏

‏{‏مَنّاً‏}‏ كقوله‏:‏ أحسنت إليك ونعشتك‏.‏ ‏{‏أَذىً‏}‏ كقوله‏:‏ من أبلاني بك وأنت أبداً فقير‏.‏ ‏{‏وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ‏}‏ في ثواب الآخرة، أو من أهوالها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏263‏]‏

‏{‏قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ‏(‏263‏)‏‏}‏

‏{‏قَوْلٌ مَّعْروفٌ‏}‏ حسن ‏{‏وَمَغْفِرَةٌ‏}‏ وعفو عن أذى السائل، أو سلامة عن المعصية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏264‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ‏(‏264‏)‏‏}‏

‏{‏لا تُبْطِلُواْ‏}‏ فضل صدقاتكم دون ثوابها، بخلاف المرائي فإنه لا ثواب له، لانه لم يقصد وجه الله تعالى‏.‏ ‏{‏صَفْوَانٍ‏}‏ جمع صفوانة وهي حجر أملس‏.‏ والوابل‏:‏ المطر الشديد الواقع‏.‏ والصلد‏:‏ من الحجارة ما صلب، ومن الأرض‏:‏ ما لم ينبت تشبيهاً بالحجر‏.‏ ‏{‏شَىْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ‏}‏ أنفقوا، لما طلبوا بها الكسب سميت كسباً، وهو مثل المرائي في بطلان ثوابه، والمانَّ في بطلان فضله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏265‏]‏

‏{‏وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏(‏265‏)‏‏}‏

‏{‏وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ‏}‏ أين يضعون الصدقة، أو توطيناً لها بالثبوت على الطاعة، أو بقوة اليقين، ونصرة الدين‏.‏ ‏{‏بِرَبْوَةٍ‏}‏ مكان مرتفع، نبتها أحسن، وريعها أكثر‏.‏ ‏{‏أُكُلَهَا‏}‏ الأكل للطعام‏.‏ ‏{‏ضِعْفَيْنِ‏}‏ مثلين، ضعف الشيء‏:‏ مثله زائداً عليه، وضعفاه‏:‏ مثلاه زائداً عليه عند الجمهور، أو ضعف الشيء‏:‏ مثلاه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏266‏]‏

‏{‏أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ‏(‏266‏)‏‏}‏

‏{‏إِعْصَارٌ‏}‏ ريح تهب من الأرض إلى السماء كالعمود، لأنها تلتف كالتفاف الثوب المعصور، وتسميها العامة «الزوبعة» قال‏:‏

إن كنت ريحاً فقد لاقيت إعصاراً

مثل لانقطاع أجر المرائي عند حاجته، أو مثل للمفرط في الطاعة بملاذ الدنيا، أو للذي يختم عمله بفساد‏.‏ قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏267‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ‏(‏267‏)‏‏}‏

‏{‏أَنفَقُواْ‏}‏ الزكاة المفروضة، أون التطوع‏.‏ ‏{‏كَسَبْتُمْ‏}‏ من الذهب والفضة، أو من التجارة‏.‏ ‏{‏أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ‏}‏ من الزروع والثمار ‏{‏وَلا تَيَمَّمُواْ‏}‏ الخليل‏:‏ «أممته‏:‏ قصدت أمامه، ويممته‏:‏ تعمدته من أي جهة كان»، أو هما سواء‏.‏ ‏{‏الْخَبِيثَ‏}‏ حشف كانوا يجعلونه في تمر الصدقة، أو الحرام، والخبيث‏:‏ الرديء من كل شيء‏.‏ ‏{‏تُغْمِضُواْ‏}‏ تتساهلوا، أو تحطوا في الثمن أو إلاَّ أن يُوكَسَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏269‏]‏

‏{‏يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ‏(‏269‏)‏‏}‏

‏{‏الْحِكْمَةَ‏}‏ الفقه في القرآن، أو العلم بالدين، أو الفهم أو البنوة، أو الخشية، أو الإصابة، أو الكتابة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏271‏]‏

‏{‏إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ‏(‏271‏)‏‏}‏

‏{‏فَنِعِمَّا هِىَ‏}‏ ليس في إبدائها كراهة‏.‏ ‏{‏وَإِن تُخْفُوهَا‏}‏ صدقة التطوع، أو الفرض والتطوع‏.‏ ‏{‏مِّن سَيِّئَاتِكُمْ‏}‏ من «زائدة» أو للتبعيض، لأن الطاعة بغير التوبة لا تُكَفِّر إلا الصغائر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏273‏]‏

‏{‏لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ‏(‏273‏)‏‏}‏

‏{‏لِلْفُقَرَآءِ‏}‏ فقراء المهاجرين‏.‏ ‏{‏أُحْصِرُواْ‏}‏ امتنعوا من المعاش خوف الكمفار، أو منعهم الكفار بخوفهم منهم‏.‏ ‏{‏ضَرْباً‏}‏ تصرفاً أو تجارة‏.‏ ‏{‏بِسِيمَاهُمْ‏}‏ بخشوعهم، أو فقرهم، ‏{‏إِلْحَافاً‏}‏ إلحاحاً في السؤال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏274‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ‏(‏274‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ يُنفِقُونَ‏}‏ نزلت في علي رضي الله عنه كان معه أربعة دنانير فأنفقها على هذا الوجه، أو في النفقة على خيل الجهاد، أو في كل نفقة طاعة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏275‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ‏(‏275‏)‏‏}‏

‏{‏يَأْكُلُونَ‏}‏ يأخذون عبّر به عن الأخذ، لانه الأغلب والربا‏:‏ الزيادة على الدَّيْن لمكان الأجل، رَبَا السويق زاد‏.‏ ‏{‏لا يَقُومُونَ‏}‏ من قبورهم يوم القيامة‏.‏ ‏{‏يَتَخَبَّطُهُ‏}‏ يتخنقه الشيطان في الدنيا‏.‏ ‏{‏مِنَ الْمَسِّ‏}‏ وهو الجنون، وذلك لغلبة السوداء، فنسب إلى الشيطان تشبيهاً بما يفعله من إغوائه به، أو هو فعل للشيطان، لجوازه عقلاً، وهو ظاهر القرآن‏.‏ ‏{‏إِنَّمَا الْبَيْعُ‏}‏ قالته ثقيف، وكانوا من أكثر العرب رِباً‏.‏ ‏{‏مَا سَلَفَ‏}‏ ما أَكل من الربا لا يلزمه رده‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏276‏]‏

‏{‏يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ‏(‏276‏)‏‏}‏

‏{‏يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَوَاْ‏}‏ ينقصه شيئاً بعد شيء، من محاق الشهر، لنقصان الهلال فيه‏.‏ ‏{‏وَيُرْبِى الصَّدَقَاتِ‏}‏ يضاعف أجرها وعداً منه واجباً، أو ينمي المال الذي أخرجت منه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏278‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ‏(‏278‏)‏‏}‏

‏{‏وَذَرُواْ مَا بَقِىَ‏}‏ نزلت في بقية من الربا للعباس، ومسعود، وعبد يا ليل، وحبيب، وربيعة‏.‏ ‏{‏إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏}‏ على ظاهره، أو من كان مؤمناً فهذا حكمه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏279‏]‏

‏{‏فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ‏(‏279‏)‏‏}‏

‏{‏لا تَظْلِمُونَ‏}‏ بأخذ زيادة على رأس المال‏.‏ ‏{‏وَلا تُظْلَمُونَ‏}‏ بنقص رأس المال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏280‏]‏

‏{‏وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ‏(‏280‏)‏‏}‏

‏{‏فَنَظِرَةٌ‏}‏ يجب الإنظار في دَين الربا خاصة، أو في كل دَين، أو الإنظار في دَين الربا بالنص وفي غيره بالقياس‏.‏ ‏{‏مَيْسَرَةٍ‏}‏ أن يوسر عند الأكثر، أو الموت عند إبراهيم ‏{‏وَأَن تَصَدَّقُواْ‏}‏ على المعسر بالإبراء خير من الإنظار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏281‏]‏

‏{‏وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ‏(‏281‏)‏‏}‏

‏{‏إِلَى اللَّهِ‏}‏ إلى جزائه، أو ملكه‏.‏ ‏{‏مَّا كَسَبَتْ‏}‏ من الأعمال، أو الثواب والعقاب‏.‏ ‏{‏لا يُظْلَمُونَ‏}‏ بنقص ما يستحقونه من الثواب، ولا بالزيادة على ما يستحقونه من العقاب، هذه آخر آية نزلت، وقال ابن جريج‏:‏ «مكث الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها تسع ليالٍ»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏282‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏282‏)‏‏}‏

‏{‏تَدَايَنتُم‏}‏ تجازيتم، أو تعاملتم، ‏{‏فاكْتُبُوهُ‏}‏ ندب، أو فرض‏.‏ ‏{‏فَلْيَكْتُبْ‏}‏ فرض كفاية على الكاتب، أو واجب في حال فراغه، أو ندب، أو نُسِخَ بقوله تعالى ‏{‏وَلا يُضَآرَّ كَاتِبٌ‏}‏ ‏{‏وَلا يَبْخَسْ‏}‏ لا ينقص‏.‏ ‏{‏سَفِيهاً‏}‏ لا يعرف الصواب في إملاء ما عليه، أو الطفل، أو المرأة والصبي، أو المبذر لماله المفسد لدينه‏.‏ ‏{‏ضَعِيفاً‏}‏ أحمق، أو عاجزاً عن الإملاء لِعَيٍّ، أو خرس‏.‏ ‏{‏لا يَسْتَطِيعُ‏}‏ لِعَيِّه وخرسه، أو لجنونه، أو لحبسه، أو غيبته‏.‏ ‏{‏وَلِيُّهُ‏}‏ ولي الحق، أو ولي من عليه الدَّيْن‏.‏ ‏{‏وَاسْتَشْهِدُواْ‏}‏ ندب، أو فرض كفاية‏.‏ ‏{‏تَرْضَوْنَ‏}‏ الأحرار المسلمون العدول، أو المسلمون العدول وإن كانوا أرقاء‏.‏ ‏{‏فَتُذَكِّرَ‏}‏ من الذكر، أو بجعلها كَذَكَر من الرجال ‏{‏دُعُواْ‏}‏ لتحملها وكتابتها، أو لأدائها، أو لهما وذلك ندب، أو فرض كفاية، أو فرض عين‏.‏ ‏{‏وَلا تَسْئَمُوَاْ‏}‏ لا تملوا ‏{‏صَغِيراً‏}‏ لا يراد به التافه الحقير كالدانق لخروجه عن العرف‏.‏ ‏{‏أَقْسَطُ‏}‏ أعدل‏.‏ ‏{‏وَأَقْوَمُ‏}‏ وأصح من الاستقامة‏.‏ ‏{‏وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ‏}‏ فرضن أو ندب‏.‏ ‏{‏وَلا يُضَآرَّ كَاتِبٌ‏}‏ بأن يكتب ما لم يُمل عليه، ولا يشهد الشاهد بما لم يُستشهد، أو يمنع الكاتب أن يكتب والشاهد أن يشهد، أو يدعيان وهما مشغولان‏.‏ ‏{‏فُسُوقٌ‏}‏ معصية، أو كذب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏283‏]‏

‏{‏وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ‏(‏283‏)‏‏}‏

‏{‏ءَاثِمٌ قَلْبُهُ‏}‏ فاجر، أو مكتسب لإثم الكتمان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏284‏]‏

‏{‏لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏284‏)‏‏}‏

‏{‏لِّلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ‏}‏ له تدبير ذلك، أو ملكه ‏{‏وَإِن تُبْدُواْ مَا فِى أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏}‏ كتمان الشهادة، أو ما حَدَّث به نفسه من سوء أو معصية، فنسخت بقوله تعالى ‏{‏رَبَّنَا لا تُوَاخِذْنَآ‏}‏ إلى ‏{‏الْكَافِرِينَ‏}‏، أو هي محكمة فيؤاخذ الإنسان بما أضمره إلا أن ‏[‏الله‏]‏ يغفره للمؤمن فيؤاخذ به الكافر، أو هي عامة في المؤاخذة بما أضمره، أو هي عامة ومؤاخذة المسلم بمصائب الدنيا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏285‏]‏

‏{‏آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ‏(‏285‏)‏‏}‏

‏{‏وَكُتُبِهِ‏}‏ القرآن، أو جنس الكتب‏.‏ ‏{‏لا نُفَرّقُ‏}‏ لا نؤمن ببعض ونكفر ببعَ‏.‏ ‏{‏غُفْرَانَكَ‏}‏ نسألك غفرانك، وإلى جزائك المصير‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏286‏]‏

‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ‏(‏286‏)‏‏}‏

‏{‏وُسْعَهَا‏}‏ طاقتها ‏{‏كَسَبَتْ‏}‏ من الحسنات ‏{‏اكْتَسَبَتْ‏}‏ من السيئات‏.‏ ‏{‏نَسِينَآ‏}‏ أمرك أو تركناه‏.‏ ‏{‏أَخْطَأْنَا‏}‏ أصبنا من المعاصي بالشبهات، أو تعمدنا‏.‏ ‏{‏إِصْراً‏}‏ عهداً نعجز عن القيام به، أو لا تمسخنا قردة وخنازير، أو الذنب الذي لا توبة له ولا كفارة، أو الثقل العظيم‏.‏ ‏{‏الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا‏}‏ بنو إسرائيل فيما حُمِّلوه من قتل أنفسهم‏.‏ ‏{‏لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ‏}‏ من العذاب، أو مما كُلِّفته بنو إسرائيل‏.‏ ‏{‏مَوْلانَا‏}‏ وليّنا وناصرنا‏.‏

‏[‏سورة آل عمران‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْحَقِّ‏}‏ بالصدق ‏{‏مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ‏}‏ يخبر عما قبله خبر صدق دال على إعجازه، أو يخبر بصدق الأنبياء فيما أتوا به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏مًّحْكَمَاتٌ‏}‏ المحكم‏:‏ الناسخ، والمتشابه‏:‏ المنسوخ، أو المحكم‏:‏ ما أحكم بيان حلاله وحرامه فلم يشتبه، والمتشابه‏:‏ ما اشتبهت معانيه، أو المحكم‏:‏ ما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً والمتشابه‏:‏ ما احتمل أوجهاً، أو المحكم‏:‏ ما لم يتكرر لفظه، والمتشابه ما تكرر لفظه، أو المحكم‏:‏ ما فهمه العلماء، المتشابه ما لا طريق لهم إلى فهمه، كقيام الساعة، ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام، وطلوع الشمس من مغربها، وجعله محكماً ومتشابهاً استدعاء للنظر من غير اتكال على الخبر‏.‏ ‏{‏أُمُّ الْكِتَابِ‏}‏ آيات الفرائض والحدود، أو فواتح السور التي يستخرج منها القرآن‏.‏ ‏{‏زَيْغٌ‏}‏ ميل عن الحق، أو شك‏.‏ ‏{‏مَا تَشَابَهَ مِنْهُ‏}‏ الأجل الذي أرادت اليهود ‏[‏أن‏]‏ تعرفه من حساب الجُمَّل، أو معرفة عواقب القرآن في العلم بورود النسخ قبل وقته، أو نزلت في وفد نجران حاجوا الرسول صلى الله عليه وسلم في المسيح عليه الصلاة والسلام فقالوا للرسول‏:‏ أليس هو كلمة الله تعالى وروحه، فقال‏:‏ «بلى» فقالوا‏:‏ حسبنا‏.‏ ‏{‏الْفِتْنَةٍ‏}‏ الشرك، أو اللبس، أو الشبهة التي حاج بها وفد نجران‏.‏ ‏{‏وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ‏}‏ تأويل جميع المتشابه، لأن في الناس من يعلم تأويل بعضه، أو يوم القيامة لما فيه من الوعد والوعيد‏.‏ ‏{‏الرَّاسِخُونَ‏}‏ الثابتون العاملون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ‏}‏ كعادتهم في تكذيب الحق، أو في العقوبة على ذنوبهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏سَتُغْلَبُونَ‏}‏ نزلت في قريش قبل بدر بسنة فأنجز الله تعالى وعده بمن قُتل ببدر، أو في يهود بني قينقاع لما حذرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما نزل بأهل بدر، قالوا‏:‏ لسنا بقريش الأغمار، أو نزلت في عامة الكفار‏.‏ ‏{‏الْمِهَادُ‏}‏ ما مهدوه لأنفسهم، أو القرار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ‏}‏ المؤمنون ببدر‏.‏ ‏{‏وَأُخْرَى كَافِرَةٌ‏}‏ قريش‏.‏ ‏{‏يَرَوْنَهُم‏}‏ كان المؤمنون ثلاثمائة وبضعة عشر، والكفار ألف، أو ما بين تسعمائة إلى ألف، فرأى المؤمنون الكافرين مثلي عدد المؤمنين تقوية من الله لقلوبهم، أو رأى الكافرون المؤمنون مثلي عددهم إضعافاً من الله تعالى لقلوبهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏زُيِّنَ لِلنَّاسِ‏}‏ حُسِّن‏.‏ والشهوة‏:‏ من خلق الله تعالى ضرورية لا يقدر العبد على دفعها، زينها الشيطان، لأن الله تعالى ذمها، أو زينها الرب بما جعله في الطبع من المنازعة إليها، أو زين الله تعالى ما حَسُنَ وزين الشيطان ما قَبُحَ‏.‏ ‏{‏وَالْقَنَاطِيرٍ‏}‏ القنطار‏:‏ ألف ومائتا أوقية وهو مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو الف دينار ومائتا دينار، عن الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً، أو اثنا عشر ألف درهم، أو ألف دينار، أو ثمانون ألفاً، من الدراهم، أو مائة رطل من الذهب، أو سبعون ألفاً، أو ملْ مسك ثور ذهباً، أو المال الكثير‏.‏ ‏{‏الْمُقَنطَرَةِ‏}‏ المقنطرة‏:‏ المضاعفة، أو تسعة قناطر، أو المضروبة دراهم أو دنانير، أو المجعولة كذلك، لقولهم‏:‏ «دراهم مدرهمة»‏.‏ ‏{‏الْمُسَوَّمَةِ‏}‏ الراعية، أو الحسنة، أو المعلمة، أو المعدة للجهاد، أو من السيما مقصور وممدود‏.‏ ‏{‏وَالأَنْعَامِ‏}‏ الإبل، والبقر والغنم، ولا يفرد بعضها اسم النَّعم إلا الإبل‏.‏ ‏{‏وَالْحَرْثِ‏}‏ الزرع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏الصَّابِرِينَ‏}‏ عن المعاصي، أو الصائمين‏.‏ ‏{‏وَالْقَانِتِينَ‏}‏ المطيعون، أو القائمون على العبادة‏.‏ ‏{‏وَالْمُنافِقِينَ‏}‏ في الجهاد، أو جميع البر‏.‏ ‏{‏وَالْمُسْتَغْفِرِينَ‏}‏ المصلون، أو سائلوا المغفرة بقولهم، أو الذين يشهدون الصبح في جماعة، والسحر من الليل‏:‏ قبل الفجر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏شَهِدَ اللَّهُ‏}‏ أخبر، أو فعل ما يقوم مقام الشهادة‏.‏ وشهادة الملائكة، وأولو العلم بما شاهدوه من دلائل الوحدانية ‏{‏بِالْقِسْطِ‏}‏ العدل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏الدِّينَ‏}‏ هنا الطاعة أي طاعته هي الإسلام، من السلامة، لأنه يقود إليها، أو من التسليم، لأمره في العمل بطاعته‏.‏ ‏{‏الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ‏}‏ اليهود، أو النصارى، أو أهل الكتب كلها‏.‏ ‏{‏بَغْيَا‏}‏ عدول عن الحق بغير عناد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏أَسْلَمْتُ‏}‏ انقدت‏.‏ ‏{‏وَجْهِىَ‏}‏ نفسي، انقدت بإخلاص التوحيد‏.‏ ‏{‏وَالأُمِّيِّنَ‏}‏ الذين لا كتاب لهم، من الأمي الذي لا يكتب، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «هم مشركوا العرب»‏.‏ ‏{‏ءَأَسْلَمْتُمْ‏}‏ أمر ليس باستفهام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّنَ‏}‏ قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً أول النهار في ساعة واحدة، فقام مائة واثنا عشر رجلاً من عُبَّادهم فأمروا القاتلين بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوهم جميعاً آخر ذلك اليوم»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏نَصِيباً‏}‏ حظاً، لأنهم لم يعلموا الكل‏.‏ ‏{‏إِلَى كِتَابِ اللَّهِ‏}‏ التوراة، أو القرآن لموافقته التوراة‏.‏ ‏{‏لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ‏}‏ في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو إن الإسلام دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أو في حد من الحدود‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ‏}‏ الأربعون التي عبدوا فيها العجل، أو سبعة أيام، أو أيام منقطعة لانقضاء العذاب فيها‏.‏ ‏{‏مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ‏}‏ بقولهم‏:‏ ‏{‏نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 18‏]‏ أو قولهم‏:‏ ‏{‏لن تَمَسَّنا النَّارُ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏مَالِكَ‏}‏ مالك الدنيا والآخرة، أو مالك العباد وما ملكوه، أو مالك النبوة ‏{‏تُؤْتِى الْمُلْكَ‏}‏ النبوة، أو السطان‏.‏ دعا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يجعل الله تعالى ملك فارس والروم في أمته فنزلت ‏{‏بِيَدِكَ الْخَيْرُ‏}‏ خص بالذكر، لأنه المعروف من فعله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

‏{‏تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏تُولِجُ الَّيلَ فِى النَّهَارِ‏}‏ تجعل كل واحد منهما بدلاًَ من الآخر، أو تدخل نقصان كل واحد منهما في زيادة الآخر‏.‏ ‏{‏وَتُخْرِجُ الْحَىَّ‏}‏ الحيوان من النطفة، والنطفة من الحيوان، أو المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، الميْت والميّت واحد، أو الميْت الذي مات وبالتشديد الذي لم يمت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ‏(‏33‏)‏‏}‏

‏{‏وَءَالَ عِمْرَانَ‏}‏ موسى وهارون، أو المسيح عليهم الصلاة والسلام لأن أمه بنت عمران، اصطفاهم بالنبوة، أو بتفضيلهم على أهل زمانهم، أو باختيار دينهم لهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

‏{‏ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏34‏)‏‏}‏

‏{‏بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ‏}‏ بالتناصر دون النسب، أو بالنسب، لأنهم من ذرية آدم ثم من ذرية نوح ثم ذرية إبراهيم عليهم الصلاة والسلام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

‏{‏إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ‏(‏35‏)‏‏}‏

‏{‏مُحَرَّرًا‏}‏ مُخلَصاً للعبادة، أو خادماً للبيعة، أو عتيقاً من أمر الدنيا لطاعة الله تعالى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

‏{‏فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ‏(‏36‏)‏‏}‏

‏{‏وَضَعْتُهَا أُنثَى‏}‏ اعتذرت بذلك لعدوله عن نذرها‏.‏ ‏{‏وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى‏}‏ إذ لا تصلح لخدمة بيت المقدس، ولصيانتها عن التبرج‏.‏ ‏{‏وَإِنِّى أُعِيذُهَا‏}‏ من طعن الشيطان الذي يستهل به المولود، أو من إغوائه ‏{‏الرَّجِيمِ‏}‏ المرجوم بالشهب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

‏{‏فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏فَتَقَبَّلَهَا‏}‏ رضيها في النذر‏.‏ ‏{‏وَأَنبَتَهَا‏}‏ أنشأها إنشاء حسناً في غذائها وحسن تربيتها‏.‏ ‏{‏الْمِحْرَابَ‏}‏ أكرم موضع في المجلس‏.‏ ‏{‏رِزْقًا‏}‏ فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، أو لم تُلقم ثدياً حتى تكلمت في المهد، وكان يأتيها رزقها من الجنة، وكان ذلك بدعوة زكريا عليه الصلاة والسلام، أو توطئة لنبوة المسيح عليه الصلاة والسلام ‏{‏مِنْ عِندِ اللَّهِ‏}‏ يأتيها الله تعالى به أو بعض الأولياء، بتسخير الله تعالى ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ‏}‏ من قول الله تعالى، أو من قول مريم عليها السلام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ‏}‏ بإذنه له في ذلك، لأنه معجز فلا يطلب إلا بإذن، أو لما رأى خرق العادة في رزق مريم طمع في الولد من عاقر فدعا ‏{‏طَيِّبةَ‏}‏ مباركة‏.‏ ‏{‏سَمِيعُ الدُّعَآءِ‏}‏ مجيب الدعاء، لأن الإجابة بعد السماع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

‏{‏فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ‏(‏39‏)‏‏}‏

‏{‏الْمَلائِكَةُ‏}‏ جبريل عليه السلام، أو جماعة من الملائكة‏.‏ ‏{‏بِيَحْيَىَ‏}‏ سماه الله تعالى «يحيى» قبل ولادته، قيل‏:‏ لأنه حَيَا بالإيمان ‏{‏بِكَلِمَةٍ‏}‏ كتاب، أو بالمسيح، سمي بالكلمة، لأنه يُهتدى به كما يُهتدى بكلام الله تعالى، أو لأنه خلق بالكلمة من غير أب‏.‏ ‏{‏وَسَيِّدًا‏}‏ حليماً، أو تقياً، أو شريفاً، أو فقيهاً عالماً، أو رئيساً على المؤمنين‏.‏ ‏{‏وَحَصُورًا‏}‏ عنينا لا ماء له، أو لا يأتي النساء، أو لم يكن له ما يأتي به النساء لأنه كان كالنواة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ‏(‏40‏)‏‏}‏

‏{‏بَلَغَنِىَ الْكِبَرُ‏}‏، لأنه بمنزلة الطالب له‏.‏ ‏{‏عَاقِرٌ‏}‏ لا تلد، وإنما قال ذلك بعد البشارة تعجباً من قدرة الله تعالى وتعظيماً لأمره، أو أراد ‏[‏أن‏]‏ يعلم على أي حال يكون‏؟‏ بأن يردا إلى شبابهما، أو على حال الكبر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏ءَايَةً‏}‏ علامة لوقت الحمل لتعجيل السرور به‏.‏ ‏{‏رَمْزًا‏}‏ تحريك الشفتين، أو الإشارة أو الإيماء‏.‏ ‏{‏وَاذْكُر رَّبَّكَ‏}‏ منع من الكلام ولم يمنع من الذكر‏.‏ ‏{‏بِالْعَشِيَ‏}‏ أصله الظلمة فسمي ما بعد الزوال عشياً لاتصاله بالظلام‏.‏ والعشا‏:‏ ضعف البصر‏.‏ ‏{‏وَالإِبْكَارِ‏}‏ من الفجر إلى الضحى أصله التعجيل، لأنه تعجيل للضياء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏اصْطَفَاكِ‏}‏ لولادة المسيح، أو على عالمي زمانك‏.‏ ‏{‏وَطَهَّرَكِ‏}‏ من الكفر، أو أدناس الحيض النفاس‏.‏ ‏{‏وَاصْطَفَاكِ‏}‏ تأكيد للأصطفاء ‏[‏أو‏]‏ الأول للعبادة، والثاني لولادة المسيح عليه الصلاة والسلام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

‏{‏يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ‏(‏43‏)‏‏}‏

‏{‏اقْنُتِى‏}‏ أَخلصي لربك، أو أديمي طاعته، أو أطيلي القيام في الصلاة‏.‏ ‏{‏وَاسْجُدِى‏}‏ كان السجود في شرعهم مقدماً على الركوع، أو «الواو» لا ترتيب فيها، فكلمتها الملائكة معجزة لزكريا عليه الصلاة والسلام، أو توكيداً لنبوة المسيح عليه الصلاة والسلام، أصل السجود‏:‏ الانخفاض الشديد، والركوع‏:‏ دونه‏.‏ ‏{‏مَعَ الرَّاكعِينَ‏}‏ افعلي كفعلهم، أو صلي في جماعة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

‏{‏ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ‏(‏44‏)‏‏}‏

‏{‏أَنبَآءِ الْغَيْبِ‏}‏ البشارة بالمسيح عليه الصلاة والسلام أصل الوحي‏:‏ إلقاء المعنى إلى صاحبه، فيلقى إلى الرسل بالإنزال، وإلى النحل بالإلهام، ومن بعض إلى بعض بالإشارة ‏{‏فأوحى إِلَيْهِمْ‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 11‏]‏‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ *** أوحى لها القرار فاستقرت

‏{‏يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ‏}‏ قالوا نحن أحق بكفالتها، لأنها ابنة إمامنا وعالمنا وقال زكريا‏:‏ «أنا أحق لأن خالتها عندي»، فاقترعوا على ذلك بأقلامهم وهي القداح فأُصعد قلم زكريا في جرية الماء، وانحدرت أقلامهم مع الجرية، فقرعهم فكفلها، أو كفلها زكريا بغير قرعة، ثم أصابتهم أزمة ضعف بها عن مؤنتها فقال‏:‏ ليأخذها أحدكم فتدافعوها فاقترعوا فقرعهم زكريا عليه الصلاة والسلام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

‏{‏إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ‏(‏45‏)‏‏}‏

‏{‏الْمَسِيحُ‏}‏، لأنه مسح بالبركة، أو مسح بالتطهير من الذنوب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏الْمَهْدِ‏}‏ من التمهيد، تكلم فيه تبرئة لأمه، أو لظهور معجزته، وكان في المهد نبياً، لظهور المعجزة، أو لم يكن حينئذ نبياً وكان كلامه تأسيساً لنبوته‏.‏ ‏{‏وَكَهْلاً‏}‏ حليماً، أو كهلاً في السن، والكهولة أربع وثلاثون سنة، أو فوق حال الغلام ودون حال الشيخ، أخذ من القوة، اكتهل النبت إذا طال وقوي، يريد يكلمهم كهلاً بالوحي، أو يتكلم صغيراً بكلام الكهل في السن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

‏{‏فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ‏(‏52‏)‏‏}‏

‏{‏أَنصَارِى إِلَى اللهِ‏}‏ مع الله، أو في السبيل إلى الله، أو من ينصرني إلى نصر الله‏.‏ ‏{‏الْحَوَارِيُّونَ‏}‏ لبياض ثيابهم، أو كانوا قَصَّارين يبيّضون الثياب، أو هم خواص الأنبياء، لنقاء قلوبهم من الحور، وهو شدة البياض، ومنه الحواري من الطعام، استنصرهم ليمنعوه من قتل الذين أرادوا قتله، أو ليتمكن من إقامة الحجة وإظهار الحق، أو ليميز المؤمن من الكافر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ‏(‏53‏)‏‏}‏

‏{‏فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ‏}‏ ثبت أسماءنا مع أسمائهم لننال مثل كرامتهم، أو صل ما بيننا وبينهم بالأخلاص على التقوى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

‏{‏وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ‏(‏54‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَكَرُواْ‏}‏ بالمسيح عليه الصلاة والسلام، ليقتلوه فمكر الله تعالى بهم بالخيبة بإلقاء شَبَهه على غيره، أو مكروا بإضمار الكفر ومكر الله لمجازاتهم بالعقوبة، وذكر ذلك للازدواج، كقوله تعالى ‏{‏فاعتدوا عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 194‏]‏ وأصل المكر الالتفاف، الشجر المتلف مكر، فالمكر احتيال على الإنسان، لإلقاء المكروه به، والفرق بينه وبين الحلية أنه لايكون إلا لقصد الإضرار، والحيلة قد تكون لإظهار ما يعسر من غير قصد إضرار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

‏{‏فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ‏(‏61‏)‏‏}‏

‏{‏فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ‏}‏ الضمير لعيسى عليه الصلاة السلام، أو للحق ‏[‏‏{‏فَقُلْ تَعَالَوْاْ‏}‏‏]‏ المدعو للمباهلة نصارى نجران‏.‏ ‏{‏نَبْتَهِلْ‏}‏ نلتعن، أو ندعو بالهلاك

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ *** نظر الدهر إليهم فابتهل

أي دعا عليهم بالهلاك، لما نزلت أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بيد علي وفاطمة وولديها رضي الله تعالى عنهم ثم دعاهم إلى المباهلة فقال بعضهم لبعض‏:‏ «إن باهلتموه اضطرم عليكم الوادي ناراً فامتنعوا»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

‏{‏قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ‏(‏64‏)‏‏}‏

‏{‏تَعَالَوْاْ‏}‏ خطاب لنصارى نجران، أو ليهود المدينة، ‏{‏أرْبَابًا‏}‏ هو سجود بعضهم لبعض، أو طاعة الأتباع للرؤساء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

‏{‏هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ‏(‏66‏)‏‏}‏

‏{‏حَاجَجْتُمْ‏}‏ فيما وجتموه في كتبكم، ‏{‏فَلِمَ تُحَآجُّونَ‏}‏ في شأن إبراهيم ‏{‏وَاللهُ يَعْلَمُ‏}‏ شأنه وأنتم لا تعلمونه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

‏{‏مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ‏(‏67‏)‏‏}‏

‏{‏مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ‏}‏ لما اجتمعت اليهود والنصارى عند الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت النصارى‏:‏ لم يكن إبراهيم إلا نصرانياً، وقالت اليهود‏:‏ لم يكن إلا يهودياً فنزلت‏.‏‏.‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏70‏]‏

‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ‏(‏70‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ‏}‏ بما يدل على صحة الآيات من كتابكم المبشر بها، أو تشهدون بمثلها من آيات الأنبياء، أو تشهدون بما عليكم في الحجة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ‏(‏71‏)‏‏}‏

‏{‏تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ‏}‏ الإيمان بموسى وعيسى والكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام، أو تحريف التوراة والأنجيل، أو الدعاء إلى إظهار الإسلام أول النهار والكفر آخره، طلباً لتشكيك الناس فيه‏.‏ ‏{‏وَتَكْتُمُونَ‏}‏ صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأنتم تعلمونها من كتبكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏73‏]‏

‏{‏وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ‏(‏73‏)‏‏}‏

‏{‏وَلا تُؤْمِنُوَاْ إِلآَّ‏}‏ قاله اليهود بعضهم لبعض، أو قاله يهود خيبر ليهود المدينة، نهوا عن ذلك لئلا يكون طريقاً لعبدة الأوثان إلى تصديقه، أو لئلا يعرفوا به فيلزمهم الدخول فيه‏.‏ ‏{‏الْهُدَى هُدَى اللهِ‏}‏ أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أيها المسلمون فحذف «لا»، أو ‏{‏الْهُدَىَ هُدَى اللهِ‏}‏ فلا تجحدوا أ ‏[‏ن‏]‏ يؤتى ‏{‏أَوْ يُحَآجُّوكُمْ‏}‏ ولا تؤمنوا أن يحاجوكم إذ لا حجة لهم، أو يكون «أو» بمعنى حتى تبعيداً كقولك «لا يلقاه أو تقوم الساعة» قاله الكسائي والفراء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏74‏]‏

‏{‏يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ‏(‏74‏)‏‏}‏

‏{‏بِرَحْمَتِهِ‏}‏ النبوة، أو القرآن والإسلام، وهل تكون النبوة جزاء على عمل، أو تفضلاً‏؟‏ فيه مذهبان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

‏{‏وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ‏(‏75‏)‏‏}‏

‏{‏بِقِنطَارٍ‏}‏ «الباء» فيه، وفي الدينار لإلصاق الأمانة به، أو بمعنى «على» ‏{‏قَآئِمًا‏}‏ بالاقتضاء، أو ملازماً، أو قائماً على رأسه‏.‏ ‏{‏الأُمِّيِّنَ‏}‏ العرب، قالوا لا سبيل علينا في أموالهم لإشراكهم، أو لتحولهم عن الدين الذي عاملناهم عليه، ولما نزلت قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كذب أعداء الله ما شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البرّ والفاجر»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏77‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏77‏)‏‏}‏

‏{‏بِعَهْدِ اللَّهِ‏}‏ أمره ونهيه، أو ما جعل في العقل من الزجر عن الباطل والانقياد إلى الحق‏.‏ ‏{‏لا خَلاقَ‏}‏ من الخَلْق وهو التقدير أي لا نصيب، أو من الخُلُق أي لا نصيب لهم مما يوجبه الخلق الكريم‏.‏ ‏{‏وَلا يُكَلِّمُهُمُ‏}‏ بما يسرهم بل بما يسوؤهم عند الحساب، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ‏}‏ ‏[‏الغاشية‏:‏ 26‏]‏ أو لا يكلمهم أصلاً بل يكل حسابهم إلى الملائكة‏.‏ ‏{‏وَلا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ‏}‏ لا يراهم، أو لا يمن عليهم‏.‏ ‏{‏وَلا يُزَكِّيهِمْ‏}‏ لا يقضي بزكاتهم، نزلت فيمن حلف يميناً فاجرة لينفق بيع سلعته، أو في الأشعث نازع خصماً في أرض فقام ليحلف فنزلت فنكل الأشعث واعترف بالحق، أو في أربعة من أحبار اليهود، كتبوا كتاباً وحلفوا أنه من عند الله فيما ادّعوا أنه ليس عليهم في الأميين سبيل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏79‏]‏

‏{‏مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ‏(‏79‏)‏‏}‏

‏{‏مَا كَانَ لِبَشَرٍ‏}‏ قالت طائفة من اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ أتدعونا إلى عبادتك كما دعا المسيح النصارى‏؟‏ فنزلت ‏{‏رَبَّانِيِّنَ‏}‏ فقهاء علماء، أو حكماء أتقياء، أو الولاة الذين يربون أمور الناس، أخذ الرباني ممن يرب الأمور بتدبيره ولذلك قيل للعالم رباني، لأنه يدبر الأمور بعلمه، أو الرباني مضاف إلى علم الرب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏81‏]‏

‏{‏وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ‏(‏81‏)‏‏}‏

‏{‏مِيثَاقَ النَّبيِّنَ‏}‏ أن يؤمنوا بالآخرة، أو يأخذوا على قومهم تصديق محمد صلى الله عليه وسلم ‏{‏ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ‏}‏ محمد صلى الله عليه وسلم ‏{‏مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ‏}‏ من التوراة والإنجيل‏.‏ ‏{‏وَأَخَذْتُمْ عَلَى‏}‏ قبلتم عهدي، ‏[‏أ‏]‏ ووأخذتم على متبعكم عهدي ‏{‏فَاشْهَدُواْ‏}‏ على أممكم، وأنا من الشاهدين عليكم وعليهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏83‏]‏

‏{‏أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ‏(‏83‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَهُ أَسْلَمَ‏}‏ أسلم المؤمن طوعاً، والكافر عند الموت كرهاً، أو أقروا بالعبودية وإن كان فيهم المشرك فيها، أو سجود المؤمن طوعاً وسجود ظل الكافر كرهاً، أو طوعاً بالرغبة في الثواب، وكرهاً لخوف السيف، أو إسلام الكاره يوم أخرج الذر ظهر آدم، أو استسلم بالانقياد والذلة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏90‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ ‏(‏90‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ كَفَرُواْ‏}‏ اليهود كفروا بالمسيح‏.‏ ‏{‏ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا‏}‏ بمحمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏{‏لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ‏}‏ عند الموت، أو أهل الكتاب لا تقبل توبتهم من ذنوبهم مع إصرارهم على كفرهم، أو هم مرتدون عزموا على إظهار التوبة تورية فأطلع الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم على سرهم أو اليهود والنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم به قبل بعثه، ثم ازدادوا كفراً إلى حضور آجالهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏92‏]‏

‏{‏لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ‏(‏92‏)‏‏}‏

‏{‏الْبِرَّ‏}‏ ثواب الله تعالى، أو فعل الخير الذي يستحق به الثواب، أو الجنة‏.‏ ‏{‏تُنفِقُواْ‏}‏ الصدقة المفروضة، أو الفرض والتطوع، أو الصدقة وغيرها من وجوه البر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏93‏]‏

‏{‏كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏93‏)‏‏}‏

‏{‏كُلًّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ‏}‏ لما أنكرت اليهود تحليل النبي صلى الله عليه وسلم لحوم الإبل أخبر الله تعالى أنه أحلها إلى أن حرمها إسرائيل على نفسه، لما أصابه وجع النسا نذر تحريم العروق على نفسه وأحب الطعام إليه، وكانت لحوم الإبل من أحب الطعام إليه، ونذر ذلك بإذن الله تعالى، أو باجتهاده، فحرمت اليهود ذلك تباعاً لإسرائيل على الأصح، أو نزلت التوراة بتحريمها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏96‏]‏

‏{‏إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ‏(‏96‏)‏‏}‏

‏{‏أُوَّلَ بَيْتٍ‏}‏ اتفقوا أنه أول بيت وضع للعبادة، وهل كانت قبله بيوت‏؟‏ أو لم تكن قبله‏؟‏ مذهبان‏.‏ ‏{‏بِبَكَّةَ‏}‏ ومكة واحد، أو بكة المسجد، ومكة الحرم كله، أو بكة بطن مكة، أخذت بكة من الزحمة، تَبَاكَّ القوم ازدحموا، أو تَبُك أعناق الجبابرة، إذا ظلموا فيها لم يمهلوا‏.‏ ‏{‏مُّبَارَكاً‏}‏ بحصول الثواب لقصاده، أو يأمن داخله حتى الوحش‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏97‏]‏

‏{‏فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ‏(‏97‏)‏‏}‏

‏{‏ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ‏}‏ أثر قدمي إبراهيم عليه الصلاة والسلام في المقام‏:‏ وهو حجر صلد في غير المقام أمن الخائف، وهيبة البيت، وتعجيل عقوبة من عتا فيه وقصة أصحاب الفيل‏.‏ ‏{‏وَمَن دَخَلَهُ‏}‏ في الجاهلية من الجناة أمن، وفي الإسلام يأمن من النار، أو من القتال، فإنه محظور على داخليه، ويقام الحد على من جنى ‏[‏فيه‏]‏ وإن دخله الجاني ففي إقامة الحد عليه مذهبان‏؟‏ ‏{‏مَنِ اسْتَطَاعَ‏}‏ بالزاد والراحلة، أو بالبدن وحده، أو بالمال والبدن‏.‏ ‏{‏وَمَن كَفَرَ‏}‏ بفرض الحج، أو لم يَرَ حَجَّهُ بِراً وتركه ‏[‏إثماً‏]‏، أو نزلت في اليهود لما نزل قوله تعالى ‏{‏وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 85‏]‏ قالوا نحن مسلمون، فأُمروا بالحج فامتنعوا فنزلت‏.‏‏.‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏99‏]‏

‏{‏قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ‏(‏99‏)‏‏}‏

‏{‏تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ‏}‏ هم اليهود أغَروْا بين الأوس والخزرج بتذكيرهم حروباً كانت بينهم في الجاهلية، ليفترقوا بذلك، أو هم اليهود والنصارى صدوا الناس بإنكارهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏{‏شُهَدَآءُ‏}‏ على صدكم، أو على عنادكم، أو عقلاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏100‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ‏(‏100‏)‏‏}‏

‏{‏يَاأيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ‏}‏ الأوس والخزرج‏.‏ ‏{‏إِن تُطِيعُواْ‏}‏ اليهود‏.‏ ‏{‏يَرُدُّوكُم‏}‏ إلى الكفر بإغرائهم بينكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏102‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ‏(‏102‏)‏‏}‏

‏{‏حَقَّ تُقَاتِهِ‏}‏ أن يطاع فلا يُعصى، ويُذكر ولا يُنسى، ويشكر ولا يكفر، أو اتقاء جميع المعاصي، أو الاعتراف بالحق في الأمن والخوف، أو طاعته فلا يُتَّقَى في تركها أحد سواه، وهي محكمة، أو منسوخة بقوله تعالى ‏{‏فاتقوا الله مَا استطعتم‏}‏ ‏[‏التغابن‏:‏ 16‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏103‏]‏

‏{‏وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ‏(‏103‏)‏‏}‏

‏{‏بِحَبْلِ اللَّهِ‏}‏ القرآن، أو الإسلام، أو العهد، أو الإخلاص له بالتوحيد، أو الجماعة، سمي ذلك حبلاً؛ لنجاة المتمسك به كما ينجو المتمسك بالحبل من بئر أو نحوها‏.‏ ‏{‏وَلا تَفَرَّقُواْ‏}‏ عن دين الله تعالى، أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم ‏{‏كُنتُمْ أَعْدَآءً‏}‏ للأوس والخزرج لحروب تطاولت بهم مائة وعشرين سنة إلى أن تآلفوا بالإسلام، أو لمشركي العرب لما كان بينهم من الطوائل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏106‏]‏

‏{‏يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ‏(‏106‏)‏‏}‏

‏{‏تَبْيَضُّ وُجُوهٌ‏}‏ المؤمنين لإسفارها بالثواب‏.‏ ‏{‏وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ‏}‏ أهل النار لانكسافها بالحزن‏.‏ ‏{‏أَكَفَرْتُم بَعْدَ‏}‏ إظهار الإيمان بالنفاق، أو الذين ارتدوا بعد الإسلام، أو الذين كفروا من أهل الكتاب بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد بعثه، وكانوا قبل ذلك به مؤمنين، أو جميع من كفر بعد الإيمان يوم الذر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏110‏]‏

‏{‏كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ‏(‏110‏)‏‏}‏

‏{‏كُنتُمْ خَيْرَ أُمَةٍ‏}‏ أي كنتم في اللوح المحفوظ، أو خلقتم، أو أراد التأكيد لأن المتقدم مستصحب بخلاف المستأنف، أو أشار إلى ما قدمه من البشارة بأنهم خير أمة‏.‏