فصل: تفسير الآية رقم (194)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***


تفسير الآية رقم ‏[‏113‏]‏

‏{‏لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ‏(‏113‏)‏‏}‏

‏{‏لَيْسُواْ سَوَآءً‏}‏ لما أسلم عبد الله بن سلام مع جماعة قالت أحبار اليهود‏:‏ ما آمن بمحمد إلا شرارنا فنزلت‏.‏ ‏{‏قَآئِمَةٌ‏}‏ عادلة أو قائمة بطاعة الله، أو ثابتة على أمره‏.‏ ‏{‏ءَانَآءَ الَّيْلِ‏}‏ ساعاته، أو جوفه، يريد صلاة العتمة، أو الصلاة بين المغرب والعشاء‏.‏ ‏{‏وَهُمْ يَسْجُدُونَ‏}‏ في الصلاة أو عبّر عن الصلاة بالسجود، أو أراد وهم مع ذلك يسجدون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏117‏]‏

‏{‏مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ‏(‏117‏)‏‏}‏

‏{‏مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ‏}‏ نزلت في أبي سفيان وأصحابه يوم بدر، أو في نفقة المنافقين في الجهاد رياء وسمعة‏.‏ ‏{‏صِرٌّ‏}‏ برد شديد، أو صوت لهيب النار التي تكون في الريح قاله الزجاج، وأصل الصِّر‏:‏ الصوت من الصرير‏.‏ ‏{‏ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ‏}‏ بزرعهم في غير موضع الزرع، وفي غير وقته، أو أهلك ظلمهم زرعهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏118‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ‏(‏118‏)‏‏}‏

‏{‏بِطَانَةً‏}‏ نزلت في بعض المسلمين صَافَوا بعض اليهود والمنافقين لصحبة كانت بينهم في الجاهلية، فنهوا عن ذلك، والبطانة‏:‏ خاصتك الذين يستبطنون أمرك من البطن، وبطانة الثوب، لأنها تلي البطن‏.‏ ‏{‏لا يَأْلُونَكُمْ‏}‏ لا يقصرون في أمركم‏.‏ ‏{‏خَبَالاً‏}‏ أصله الفساد، ومنه الخبل للجنون‏.‏ ‏{‏وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ‏}‏ أي‏:‏ ضلالكم عن دينكم، أو أن تعنتوا في دينكم فتحملوا فيه على المشقة، وأصل العنت‏:‏ المشقة‏.‏ ‏{‏مِنْ أَفْوَاهِهِمْ‏}‏ بدا منها ما يدل على البغضاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏121‏]‏

‏{‏وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏121‏)‏‏}‏

‏{‏وإِذْ غَدَوْتَ‏}‏ يوم أُحُد، أو يوم الأحزاب‏.‏ ‏{‏تُبَوِّئُ‏}‏ تتخذ منزلاً ترتبهم في مواضعهم‏.‏ ‏{‏سَمِيعٌ‏}‏ لقول المنافقين‏.‏ ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بما أضمروه من التهديد أو ‏{‏سَمِيعٌ‏}‏ لقول المؤمنين، ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بإخلاص نياتهم، أو ‏{‏سَمِيعٌ‏}‏ لقول المشيرين ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بنصح المؤمن وغش الغاوي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏122‏]‏

‏{‏إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ‏(‏122‏)‏‏}‏

‏{‏طَّآئِفَتَانِ‏}‏ بنو سَلَمة، وبنو حارثة، أو قوم من المهاجرين والأنصار همتا بذلك لان ابن أُبي دعاهما إلى الرجوع عن القتال، أو اختلفوا في المقام والخروج إلى العدو حتى هموا بالفشل والجبن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏123‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏(‏123‏)‏‏}‏

‏{‏بِبَدْرٍ‏}‏ اسم ماء سمي باسم صاحبه «بدر بن مخلد بن النضر بن كنانة» أو سمي بذلك من غير إضافة إلى صاحب‏.‏ ‏{‏أَذِلَّةٌ‏}‏ ضعفاء عن مقاومة العدو، أو قليل عددكم ضعيف حالكم، كان المهاجرون يومئذ سبعة وسبعين، وكانت الأنصار مائتين وستة وثلاثين، والمشركون ما بين تسعمائة وألف‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏124‏]‏

‏{‏إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ ‏(‏124‏)‏‏}‏

‏{‏إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ‏}‏ يوم بدر‏.‏ ‏{‏أَلَن يَكْفِيَكُمْ‏}‏ الكفاية‏:‏ قدر سد الخَلَّة، والاكتفاء‏:‏ الاقتصار عليه‏.‏ ‏{‏يُمِدَّكُمْ‏}‏ الإمداد‏:‏ إعطاء الشيء حالاً بعد حال، من الإمداد‏:‏ وهو الزيادة، ومنه مد الماء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏125‏]‏

‏{‏بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ‏(‏125‏)‏‏}‏

‏{‏فَوْرِهِمْ‏}‏ وجههم، أو غضبهم من فور القِدْر وهو غليانها، ومنه فور الغضب‏.‏ ‏{‏مُسَوِّمِينَ‏}‏ بالفتح أرسلوا خيلهم في المرعى، وبالكسر سوموها بعلائم في نواصيها وأذنابها، أو نزلوا على خيل بلق وعليهم عمائم صفر‏.‏ وكانوا خمسة آلاف عند الحسن، وعند غيره ثمانية آلاف قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏127‏]‏

‏{‏لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ ‏(‏127‏)‏‏}‏

‏{‏لِيَقْطَعَ‏}‏ يوم بدر ‏{‏طَرَفاً‏}‏ منهم بقتل صناديدهم وقادتهم إلى الكفر، أو يوم أُحد قُتل منهم ثمانية عشر رجلاً، وقال‏:‏ ‏{‏طَرَفاً‏}‏، لأنهم كانوا أقرب إلى المؤمنين من الوسط‏.‏ ‏{‏يَكْبِتَهُمْ‏}‏ يخزيهم، أو الكبت‏:‏ الصرع على الوجه قاله الخليل ‏{‏خَآئِبِينَ‏}‏ الخيبة لا تكون إلا بعد أمل، واليأس قد يكون قبل الأمل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏128‏]‏

‏{‏لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ‏(‏128‏)‏‏}‏

‏{‏لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ‏}‏ في عقابهم واستصلاحهم، او فيما نفعله في أصحابك وفيهم، بل إلى الله تعالى التوبة عليهم، أو الانتقام منهم، أو قال قوم بعد كسر رباعية الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يفلح من فعل هذا بالرسول صلى الله عليه وسلم مع حرصه على هدايتهم فنزلت أو استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعاء عليهم فنزلت بمنعه، لان في علمه سبحانه وتعالى أن فيهم من يؤمن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏130‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ‏(‏130‏)‏‏}‏

‏{‏أَضْعَافًا مًّضَاعَفَةً‏}‏ أن يقول عند الأجل‏:‏ «إما أن تعطي، وإما أن تُربي» فإن لم يعطه ضاعف عليه، ثم يفعل ذلك عند حلول أجله من بعد فيتضاعف بذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏131‏]‏

‏{‏وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ‏(‏131‏)‏‏}‏

‏{‏النَّارَ الَّتِى أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ‏}‏ نار آكل الربا كنار الكفرة عملاً بالظاهر، أو نار الربا والفجرة أخف من نار الكفرة لتفاوتهم في المعاصي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏135‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ‏(‏135‏)‏‏}‏

‏{‏فَاحِشَةً‏}‏ الكبائر، أو الزنا‏.‏ ‏{‏ظَلَمُوَاْ‏}‏ بالصغائر‏.‏ ‏{‏ذَكَرُواْ اللَّهَ‏}‏ بقلوبهم فحلمهم ذكره على التوبة والاستغفار، أو ذكروه بقولهم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا‏.‏ ‏{‏يُصِرُّواْ‏}‏ الثبوت على المعصية، أو مواقعتها إذا هَمَّ بها، أو ترك الاستغفار منها، ‏{‏وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏}‏ أنهم قد أتوا معصيته، أو يعلمون الحجة في أنها معصية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏137‏]‏

‏{‏قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ‏(‏137‏)‏‏}‏

‏{‏سُنَنٌ‏}‏ من الله بإهلاك من سلف، أو أهل سنن في الخير والشر، وأصل السُّنة‏:‏ الطريقة المتبعة في الخير والشر، ومنه سُّنة الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏138‏]‏

‏{‏هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ‏(‏138‏)‏‏}‏

‏{‏هَذَا‏}‏ القرآن ‏{‏بَيَانٌ‏}‏، أو المذكور من قوله ‏{‏قدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ‏}‏ ‏{‏وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ‏}‏ نور وأدب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏140‏]‏

‏{‏إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ‏(‏140‏)‏‏}‏

‏{‏إِن يَمْسَسْكُمْ‏}‏ يوم أُحُد ‏{‏قَرْحٌ‏}‏ فقد مسهم يوم بدر مثله، واللمس‏:‏ مباشرة وإحساس، والمس‏:‏ مباشرة بغير إحساس‏.‏ ‏{‏قَرْحٌ‏}‏ وقَرح‏:‏ واحد، أو بالفتح الجراح، وبالضم‏:‏ ألم الجراح قاله الأكثر ‏{‏نُدَاوِلُهَا‏}‏ مرة لقوم، ومرة لآخرين، والدولة‏:‏ الكرة، أدال الله فلاناً من فلان جعل له الكرة عليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏141‏]‏

‏{‏وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ‏(‏141‏)‏‏}‏

‏{‏وَلِيُمَحِّصَ‏}‏ وليبتلي، أو يخلصهم من الذنوب، وأصل التمحيص‏:‏ التخليص، أو وليمحص الله ذنوب الذين آمنوا‏.‏ ‏{‏وَيَمْحَقَ‏}‏ ينتقص‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏143‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ‏(‏143‏)‏‏}‏

‏{‏تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ‏}‏ تمنى الجهاد من لم يحضر بدراً ثم أعرض كثير منهم عنه يوم أحد فعوتبوا‏.‏ ‏{‏رَأَيْتُمُوهُ‏}‏ علمتموه، أو رأيتم أسبابه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏144‏]‏

‏{‏وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ‏(‏144‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ‏}‏ لما شاع يوم أُحد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قُتل قال أناس‏:‏ لو كان نبياً ما قُتل، وقال آخرون‏:‏ نقاتل على ما قاتل عليه حتى نلحق به‏.‏ ‏{‏انقَلَبْتُمْ‏}‏ رجعتم كفاراً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏145‏]‏

‏{‏وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ‏(‏145‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن يُرِدْ‏}‏ بجهاده ‏{‏ثَوَابَ الدُّنْيَا‏}‏ الغنيمة، أو من عمل للدنيا لم نحرمه ما قسمنا له منها من غير حظ في الآخرة، أو من أراد ثواب الدنيا بالتعرض لها بعمل النوافل مع مواقعة الكبائر جوزي بها في الدنيا دون الآخرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏146‏]‏

‏{‏وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ‏(‏146‏)‏‏}‏

‏{‏رِبِّيُّونَ‏}‏ يعبدون الرب واحدهم رِبَّي، أو جماعات كثيرة، أو علماء كثيرون، أو الرِّبيون‏:‏ الأتباع والرعية، والرَّبانيون‏:‏ الولاة، قال الحسن‏:‏ ما قتل نبي قط في المعركة‏.‏ ‏{‏فَمَا وَهَنُواْ‏}‏ الوهن‏:‏ الانكسار بالخوف، والضعف‏:‏ نقص القوة، والاستكانة‏:‏ الخضوع «لم يهنوا بقتل نبيهم، ولا ضعفوا عن عدوهم، ولا استكانوا لما أصابهم»، قاله أبن إسحاق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏148‏]‏

‏{‏فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ‏(‏148‏)‏‏}‏

‏{‏ثَوَابَ الدُّنْيَا‏}‏ النصر على العدو، أو الغنيمة‏.‏ ‏{‏ثَوَابِ الأَخِرَةِ‏}‏ الجنة إجماعاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏152‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏152‏)‏‏}‏

‏{‏تَحُسُّونَهُم‏}‏ تقتلونهم اتفاقاً، حسه يحسه حساً، قتله لأنه أبطل حسه‏.‏ ‏{‏بِإِذْنِهِ‏}‏ بلطفه، أو بمعونته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏153‏]‏

‏{‏إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ‏(‏153‏)‏‏}‏

‏{‏تُصْعِدُونَ‏}‏ الإصعاد يكون في مستوىً من الأرض، والصعود في ارتفاع، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم صعدوا إلى الجبل فراراً‏.‏ ‏{‏يَدْعُوكُمْ‏}‏ يقول يا عباد الله أرجعوا‏.‏ ‏{‏غَمَّا بِغَمٍ‏}‏ على غم، أو مع غم، الغم الأول‏:‏ القتل والجرح، والثاني‏:‏ الإرجاف بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم أو غم يوم أُحد بغم يوم بدر‏.‏ ‏{‏مَا فَاتَكُمْ‏}‏ من الغنيمة وما أصابكم من الهزيمة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏154‏]‏

‏{‏ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ‏(‏154‏)‏‏}‏

‏{‏أَمَنَةً نُعَاسًا‏}‏ لما توعد الكفار المؤمنين يوم أُحُد بالرجوع تأهب للقتال أبو طلحة، والزبير، وعبدالرحمن بن عوف، وغيرهم، تحت حُجَفهم فناموا حتى أخذتهم الأَمنة‏.‏ ‏{‏وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُم‏}‏ بالخوف فلم يناموا، لظنهم ‏{‏ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ‏}‏ في التكذيب بوعد الله‏.‏ ‏{‏لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ‏}‏ ما خرجنا أي أُخرجنا كَرْهاً، أو الأمر‏:‏ النصر أي ليس لنا من الظفر شيء كما وعدنا تكذيباً منهم بذلك‏.‏ ‏{‏لَبَرَزَ‏}‏ لخرج ‏{‏الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ‏}‏ منكم ولم ينجهم قعودهم، أو لو تخلفتم لخرج المؤمنون ولم يتخلفوا بتخلفكم‏.‏ ‏{‏وَلِيَبْتَلِىَ اللهُ‏}‏ يعاملكم معاملة المبتلي، أو ليبتلي أولياؤه فأضافه إليه تفخيماً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏155‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ‏(‏155‏)‏‏}‏

‏{‏تَوَلَّوْاْ‏}‏ عن المشركين بأُحد، أو من قرب من المدينة وقت الهزيمة‏.‏ ‏{‏بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ‏}‏ محبة الغنائم والحرص على الحياة، أو استزلهم بذكر خطايا أسلفوها فكرهوا القتل قبل أن يتوبوا منها‏.‏ ‏{‏عَفَا اللهُ عَنْهُمْ‏}‏ لم يعاجلهم بالعقوبة، أو غفر خطيئتهم ليدل على إخلاصهم التوبة، وقيل الذين بقوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينهزموا ثلاثة عشر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏159‏]‏

‏{‏فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ‏(‏159‏)‏‏}‏

‏{‏فَظًّا‏}‏ الفظ‏:‏ الجافي، والغليظ‏:‏ القاسي القلب، معناهما واحد، فجمع بينهما تأكيداً‏.‏ ‏{‏وَشَاوِرْهُمْ‏}‏ في الحرب، لتسفر عن الرأي الصحيح فيه، أو أمر بالمشاورة تأليفاً لقلوبهم، أو أَمَره بها لما علم فيها من الفضل، أو أُمر بها ليقتدي به المؤمنين، وكان غنياً عن المشاورة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏161‏]‏

‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ‏(‏161‏)‏‏}‏

‏{‏يَغُلَّ‏}‏ فقدت قطيفة حمراء يوم بدر فقال قوم‏:‏ أخذها الرسول فنزلت، أو وجَّه الرسول صلى الله عليه وسلم طلائع في جهة ثم غنم الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يقسم للطلائع فنزل ما كان لنبي أن يخون في القسم فيعطي فرقة ويدع أخرى، أو ما كان لنبي أن يكتم الناس ما أرسل به لرغبة ولا رهبة قاله ابن إسحاق‏.‏ ‏{‏يَغُلَّ‏}‏ يتهمه أصحابه ويُخَوِّنونه، أو أن يغله أصحابه ويَخُونُونه، والغلول من الغلل، وهو دخول الماء خلال الشجر فسميت الخيانة غلولاً لوقوعها خفية، والغِل‏:‏ الحقد، لجريانه في النفس مجرى الغلل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏164‏]‏

‏{‏لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏164‏)‏‏}‏

‏{‏لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمؤْمِنِينَ‏}‏ بكون الرسول صلى الله عليه وسلم ‏{‏مِّنْ أَنفُسِهِمْ‏}‏ لما فيه من شرفهم، أو لتسهيل تعلم الحكمة عليهم لأنه بلسانهم، أو ليظهر لهم علم أحواله بالصدق والأمانة والعفة والطهارة‏.‏ ‏{‏ويُزَكِّيهِمْ‏}‏ يشهد بأنهم أزكياء في الدين، أو يدعوهم إلى ما يتزكون به، أو يأخذ زكاتهم التي تطهرهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏165‏]‏

‏{‏أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏165‏)‏‏}‏

‏{‏مُّصِيبَةٌ‏}‏ التي أصابتهم يوم أُحُد، والتي أصابوها يوم بدر‏.‏ ‏{‏هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ‏}‏ بخلافكم في الخروج يوم أُحد «لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يتحصنوا بالمدينة»، أو بأختياركم الفداء يوم بدر، وقد قيل لكم إن فعلتم ذلك قُتِلَ منكم مثلهم، أومخالفة الرماة للرسول صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد في ملازمة موضعهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏166‏]‏

‏{‏وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏166‏)‏‏}‏

‏{‏فَبِإِذْنِ اللَّهِ‏}‏ بتمكينه، أو بعلمه‏.‏ ‏{‏وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ليراهم، أو ليميزهم من المنافقين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏167‏]‏

‏{‏وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ‏(‏167‏)‏‏}‏

‏{‏أَوِ ادْفَعُواْ‏}‏ بتكثير السواد إن لم تقاتلوا، أو بالمرابطة على الخيل إن لم تقاتلوا‏.‏ ‏{‏لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً‏}‏ قال عبد الله بن عمرو بن حرام‏:‏ علام نقتل أنفسنا ارجعوا بنا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم‏.‏ ‏{‏يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم‏}‏ يظهرون من الإسلام ما ليس في قلوبهم، ‏{‏بِأَفْوَاهِهِم‏}‏ تأكيد، أو لأن القول ينسب إلى الساكت تجوزاً إذا رضي به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏168‏]‏

‏{‏الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏168‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ‏}‏ لما انخذل ابن أُبي وأصحابه وهم نحو من ثلاثمائة وتخلف عنهم من قُتل منهم قالوا لو أطاعونا وقعدوا معنا ما قُتلوا‏.‏ ‏{‏صَادِقِينَ‏}‏ في أنهم لو أطاعوكم ما قُتلوا، أو محقين في تثبيطكم عن الجهاد فراراً من القتل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏169‏]‏

‏{‏وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ‏(‏169‏)‏‏}‏

‏{‏أمْوَاتاً بَلْ أَحْيَآءٌ‏}‏ أحياء في البرزخ، وأما في الجنة فإن حالهم معلومة لجميع المؤمنين‏.‏ ‏{‏عِندَ رَبِّهِمْ‏}‏ بحيث لا يملك أحد لهم ضراً ولا نفعاً سوى ربهم، أو يعلم أنهم أحياء دون غيره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏170‏]‏

‏{‏فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ‏(‏170‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَسْتَبْشِرُونَ‏}‏ يقولون إِخواننا يُقتلون كما قُتلنا فيُكرمون بما أُكرمنا، أو يؤتى الشهيد بكتاب يذكر فيه من يقدم عليه من إخوانه بشارة فيستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏173‏]‏

‏{‏الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ‏(‏173‏)‏‏}‏

‏{‏النَّاسُ‏}‏ الأول‏:‏ أعرابي جعل له على ذلك جُعْل، أو نعيم بن مسعود الأشجعي، ‏{‏النَّاسَ‏}‏ الثاني‏:‏ أبو سفيان وأصحابه أراد ذلك بعد رجوعه من أُحد سنة ثلاث فوقع في قلوبهم الرعب فكفوا، أو في بدر الصغرى سنة أربع بعد أُحد بسنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏175‏]‏

‏{‏إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ‏(‏175‏)‏‏}‏

‏{‏يُخَوِّفُ أَوْلِيَآءَهُ‏}‏ يخوف المؤمنين من أوليائه الكفار، أو يخوف أولياءه المنافقين ليقعدوا عن الجهاد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏176‏]‏

‏{‏وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ‏(‏176‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فَى الْكُفْرِ‏}‏ المنافقون، أو قوم من العرب ارتدوا عن الإسلام‏.‏ ‏{‏يُرِيدُ اللَّهُ أَلآَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًا‏}‏ أي يحكم، أو سيريد في الآخرة أن يحرمهم الثواب لكفرهم، أو يريد إحباط أعمالهم بذنوبهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏179‏]‏

‏{‏مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ‏(‏179‏)‏‏}‏

‏{‏يَمِيزَ الْخَبِيثَ‏}‏ المنافق، أو الكافر، و‏{‏الطَّيِّبِ‏}‏ المؤمن غير المنافق بتكليف الجهاد، والكافر بالدلالات التي يستدل بها عليهم‏.‏ ‏{‏وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ‏}‏ قال قوم من المشركين‏:‏ إن كان محمد صادقاً فليخبرنا بمن يؤمن ومن يكفر فنزلت، السدي‏:‏ ما أَطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على الغيب، ولكن اجتباه فجعله رسولاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏180‏]‏

‏{‏وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ‏(‏180‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ يَبْخَلُونَ‏}‏ مانعو الزكاة، أو أهل الكتاب بخلوا ببيان صفة محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏{‏سَيُطَوَّقُونَ‏}‏ بطوق من نار، أو شجاعاً أقرع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏186‏]‏

‏{‏لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ‏(‏186‏)‏‏}‏

‏{‏لَتُبْلَوُنَ فِى أَمْوَالِكُمْ‏}‏ بالزكاة والنفقة في الطاعة ‏{‏وَأَنفُسِكُمْ‏}‏ بالجهاد والقتل‏.‏ ‏{‏أَذًى كَثِيرًا‏}‏ الكفر كقولهم عُزير ابن الله، والمسيح ابن الله، أو هجو كعب بن الأشرف للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وتحريضه عليهم للمشركين، أو قول فنحاص اليهودي لما سئل الإمداد قال‏:‏ احتاج ربكم إلى أن نمده‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏187‏]‏

‏{‏وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ‏(‏187‏)‏‏}‏

‏{‏مِيثَاقَ‏}‏ هو اليمين‏.‏ ‏{‏الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ‏}‏ اليهود، أو اليهود والنصارى، أو كل من أوتي علم شيء من الكتب، أخذ أنبياؤهم ميثاقهم لتبيننه للناس‏.‏ ‏{‏لَتُبَيِّنُنَّهُ‏}‏ لتبينن الكتاب الذي فيه ذكر محمد صلى الله عليه وسلم، أو لتبينن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏188‏]‏

‏{‏لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏188‏)‏‏}‏

‏{‏يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ‏}‏ اليهود فرحوا باتفاقهم على تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم، وإخفاء أمره، وأحبوا ‏{‏أن يُحْمَدُواْ‏}‏ بأنهم أهل علم ونسك، أو المنافقون فرحوا بقعودهم عن الجهاد، وأحبوا ‏{‏أَن يُحْمَدُواْ‏}‏ بما ليس فيهم من الإيمان به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏193‏]‏

‏{‏رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ‏(‏193‏)‏‏}‏

‏{‏مُنَادِيًا‏}‏ النبي صلى الله عليه وسلم، أو القرآن، لأن كل الناس لم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏لِلإِيمَانِ‏}‏ إلى الإيمان ‏{‏الحمد للَّهِ الذي هَدَانَا لهذا‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 43‏]‏ وقال‏:‏

أوحى لها القرار فاستقرت *** وشدها بالراسيات الثبت

تفسير الآية رقم ‏[‏194‏]‏

‏{‏رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ‏(‏194‏)‏‏}‏

‏{‏وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا‏}‏ المقصود منه مع العلم بأنه لا يخلف وعده الخضوع بالدعاء والطلب، أو طلبوا التمسك بالعمل الصالح، أو طلبوا تعجيل النصر وإنجاز الوعد، أو معناه اجعلنا ممن وعدته ثوابك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏195‏]‏

‏{‏فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ‏(‏195‏)‏‏}‏

‏{‏مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى‏}‏ قالت أم سلمة‏:‏ يا رسول الله ما بال الرجال يذكرون في الهجرة دون النساء فنزلت ‏{‏بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ‏}‏ الإناث من الذكور والذكور من الإناث‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏196‏]‏

‏{‏لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ‏(‏196‏)‏‏}‏

‏{‏لا يَغُرَّنَّكَ‏}‏ تأديباً له وتحذيراً، أو هو خطاب لكل من سمعه أي لا يغرنك أيها السامع‏.‏ ‏{‏تَقَلُّبُ‏}‏ تقلبهم في نعم البلاد، أو تقلبهم غير مأخوذين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏199‏]‏

‏{‏وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ‏(‏199‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِنَّ مِنْ أهْلِ‏}‏ عبد الله بن سلام ومسلمي أهل الكتاب أو نزلت في النجاشي لما صلى عليه الرسول صلى الله عليه سلم قال المنافقون‏:‏ انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏200‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ‏(‏200‏)‏‏}‏

‏{‏اصْبِرُواْ‏}‏ على طاعة الله تعالى ‏{‏وَصَابِرُواْ‏}‏ أعداءه ‏{‏وَرَابِطُواْ‏}‏ في سبيله، أو ‏{‏اصْبِرُواْ‏}‏ على دينكم ‏{‏وَصَابِرُواْ‏}‏ الوعد الذي وعدتكم ‏{‏وَرَابِطُواْ‏}‏ عدوكم، أو ‏{‏اصْبِرُواْ‏}‏ على الجهاد ‏{‏وَصَابِرُواْ‏}‏ العدو ‏{‏وَرَابِطُواْ‏}‏ بملازمة الثغر، من ربط النفس، ومنه ربط الله على قلبه بالصبر، أو ‏{‏رابطوا‏}‏ بانتظار الصوات الخمس واحدة بعد واحدة قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات» قالوا‏:‏ بلى يا رسول الله، قال «إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط»‏.‏

‏[‏سورة النساء‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ‏}‏ آدم عليه الصلاة والسلام‏.‏ ‏{‏زَوْجَهَا‏}‏ حواء، خلقت من ضلعه الأيسر، ولذا قيل للمرأة‏:‏ «ضلع أعوج»، قال الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزلت‏:‏ «خلقت المرأة من الرجل فهمها الرجل، وخلق الرجل من التراب فهمه في التراب»‏.‏ ‏{‏تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ‏}‏ كقوله‏:‏ أسألك بالله وبالرحم، ‏[‏أو‏]‏ والأرحام صلوها ولا تقطعوها، أخبر أنه خلقهم من نفس واحدة ليتواصلوا ويعلموا أنهم إخوة‏.‏ ‏{‏رَقِيبًا‏}‏ حفيظاً، أو عليماً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏وَلا تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ‏}‏ الحرام بالحلال، أو أن تجعل الزايف بدل الجيد، والمهزول بدل السمين، وتقول‏:‏ درهم بدرهم، وشاة بشاة، أو استعجال أكل الحرام قبل مجيء الحلال، أو كانوا لا يورثون الصغار والنساء ويأخذ الرجل الأكبر فيتبدل نصيبه الطيب من الميراث بأخذه الكل وهو خبيث‏.‏ ‏{‏إِلَىَ أَمْوَالكُِمْ‏}‏ مع أموالكم، وهو أن يخلطوها بأموالهم فتصير في ذمتهم فيأكلوا ربحها‏.‏ ‏{‏حُوبًا‏}‏ إثماً، تحوب من كذا توقى إثمه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِنّ خِفْتُمْ‏}‏ أن لا تعدلوا في نكاح اليتامى ‏{‏فَانكِحُواْ‏}‏ ما حل لكم من غيرهن، أو كانوا يخافون ألا يعدلوا في أموالهم، ولا يخافون أن لا يعدلوا في النساء فقيل لهم‏:‏ كما خفتم أن لا تعدلوا في أموال اليتامى فكذلك خافوا أن لا تعدلوا في النساء، أو كانوا يتوقون أموال اليتامى ولا يتوقون الزنا فأُمروا أن يخافوا الزنا كخوف أموال اليتامى فيتركوا الزنا وينكحوا ما طاب، أو كانت قريش في الجاهلية تكثر التزوج بلا حصر فإذا كثرث عليهم المؤن وقل ما بأيديهم أكلوا ما عندهم من أموال اليتامى فقيل لهم‏:‏ إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا إلى الأربع حصراً لعددهن‏.‏ ‏{‏مَا طَابَ‏}‏ من طاب، أو انكحوا نكاحاً طيباً‏.‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعدِلُواْ‏}‏ في الأربع‏.‏ ‏{‏تَعُولُواْ‏}‏ تكثر عيالكم، أو تضلوا، أو تجوروا والعول‏:‏ من الخروج عن الحق، عالت الفريضة لخروجها عن السهام المسماة، وعابت أهل الكوفة عثمان رضي الله عنه تعالى، في شيء فكتب إليهم «إني لست بميزان قسط لا أعول»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏وَءَاتُواْ النِّسآءَ‏}‏ أيها الأزواج عند الأكثرين، أو أيها الأولياء، لأن الولي في الجاهلية كان يتملك صداق المرأة‏.‏ ‏{‏نِحْلَةً‏}‏ النحلة‏:‏ العطية بغير بدل، الدِّين نحلة، لأنه عطية من الله تعالى ومنه النَّحْل لإعطائه العسل، أو لأن الله تعالى نحله عباده، ‏[‏الصداق‏]‏ أي نحلة من الله تعالى لهن بعد أن كان ملكاً لآبائهن، أو فريضة مسماة، أو نهى عما كانوا عليه من خطبة الشغار والنكاح بغير صداق، أو أراد طيب نفوسهم بدفعه إليهم كما يطيبون نفساً بالهبة‏.‏ ‏{‏فَإِن طِبْنَ لَكُمْ‏}‏ أيها الأزواج عند من جعله للأزواج، أو أيها الأولياء عند من رآه لهم‏.‏ ‏{‏هَنِيئًا‏}‏ الهني‏:‏ ما أعقب نفعاً وشفاء منه هنأ البعير لشفائه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏السُّفَهَآءَ‏}‏ النساء، أو الصبيان، أو كل مستحق للحَجْر، أو الأولاد المفسدين، نهى أن يقسم ماله بينهم ثم يصير عيالاً عليهم، والسَّفَه‏:‏ خِفَّة الحُلم، ولذا وصف به الناقص العقل، والمفسد للمال لنقصان تدبيره، والفاسق لنقصانه عند أهل الدين‏.‏ ‏{‏أَمْوَالَكُمُ‏}‏ أيها الأولياء، أو أموال السفهاء‏.‏ ‏{‏قِيَامًا‏}‏ و‏{‏قياماً‏}‏ قوام معايشكم‏.‏ ‏{‏وَارْزُقُوهُمْ‏}‏ أنفقوا من أموالكم على سفهائكم أو لينفق الولي مال السفيه عليه‏.‏ ‏{‏قَوْلاً مَّعْرُوفًا‏}‏ وعداً جميلاً، أو دعاء كقوله‏:‏ «بارك الله فيك»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى‏}‏ اختبروهم في عقولهم وتمييزهم وأديانهم‏.‏ ‏{‏النِّكَاحَ‏}‏ الحلم اتفاقاً‏.‏ ‏{‏ءَانَسْتُم‏}‏ علمتم ‏{‏رُشْدًا‏}‏ عقلاً، أو عقلاً وصلاحاً في الدين، أو صلاحاً في الدين والمال، أو صلاحاً وعلماً بما يصلح‏.‏ ‏{‏إِسْرَافاً‏}‏ تجاوز المباح، فإن كان إفراطاً قيل أسرف إسرافاً، وإن كان تقصيراً قيل سرف يسرف‏.‏ ‏{‏وَبِدَارًا‏}‏ هو أن يأكله مبادرة أن يكبر فيحول بينه وبين ماله‏.‏ ‏{‏فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ قرضاً ثم يرد بدله، أو سد جوعه وستر عورته ولا بدل عليه، أو يأكل من ثمره ويشرب من رِسْل ما شيته ولا يتعرض لما سوى ذلك من أمواله، أو يأخذ أجره بقدر خدمته، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كُلْ من مالِ يتيمك غير مسرف ولا متأثل مالك بماله» ‏{‏حَسِيبًا‏}‏ شهيداً، أو كافياً من الشهود‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ‏}‏ نزلت بسبب أن الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون الإناث‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ‏}‏ منسوخة بآية المواريث، أو محمولة على وصية الميت لمن ذكر في الآية وفيمن حضر، أو محكمة فلو كان الوارث صغيراً فهل يجب على وَليِّه الإخراج من نصيبه‏؟‏ فيه قولان‏:‏ أحدهما‏:‏ لا يجب، ويقول الولي لهم قولاً معروفاً‏.‏ ‏{‏وَقُولُواْ‏}‏ أمر الآخذ أن يدعو للدافع بالغنى والزرق، أو أمر الوارث والولي أن يقول للآخذين عند إعطائهم المال قولاً معروفاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏وَلْيَخْشَ الَّذِينَ‏}‏ يحضرون الموصي أن يأمروه بالوصية بماله فيمن لا يرثه بل يأمرونه بإبقاء ماله لورثته كما يؤثرون ذلك لأنفسهم، أو أمر بذلك الأوصياء أن يحسنوا إلى الموصى عليه كما يؤثرون ذلك في أولادهم، أو من خاف الأذى على ذريته بعده وأحب أن يكف الله تعالى عنهم الأذى فليتق الله تعالى في قوله وفعله، أو مر به الذين ينهون الموصي عن الوصية لأقاربه ليبقى ماله لولده، وهم لو كانوا أقرباء الموصي لآثروا أن يوصي لهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏نَارًا‏}‏ يصيرون به إلى النار، أو تمتلىء بها بطونهم عقاباً يوجب النار، وعَبَّر عن الأخذ بالأكل، لأنه المقصود الأغلب منه، والصلا‏:‏ لزوم النار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏يُوصِيكُمُ‏}‏ كانوا لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الغلمان، ولا يورث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال، فمات عبد الله أخو حسان الشاعر وترك خمس أخوات فأخذ ورثته ماله فشكت زوجته ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت‏.‏ ‏{‏فَوْقَ اثْنَتَيْنِ‏}‏ فرض الاثنتين الثلثان كالأختين، وخالف فيه ابن عباس فجعل لهما النصف، ‏{‏وَلأَبَوَيْهِ ‏[‏لكل واحد منهما‏]‏ السُّدُسُ‏}‏ نسخت كان ‏[‏المال‏]‏ للولد وكانت الوصية للوالدين والأقربين فنسخ من ذلك فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، ولكل واحد من الأبوين السدس، واتفقوا على أن ثلاثة من الإخوة يحجبون الأم إلى السدس، والباقي للأب، وقال طاوس يأخذ الإخوة ما حجبوها عنه وهو السدس، والأخوان يحجبانها إلى السدس خلافاً لابن عباس‏.‏ وقدّم الدَّيْن والوصية على الإرث، لأن الدِّيْن حق على الميت، والوصية حق له فقدما، وقد قضى الرسول صلى الله عليه وسلم بتقديم الدَّيْن على الوصية إذ لا ترتيب في «أو» ‏{‏لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ‏}‏ أنفع لكم في الدين أو الدنيا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏كَلالَةً‏}‏ الكلالة‏:‏ من عدا الولد، أو من عدا الوالد، أو من عداهما، والمسمى بالكلالة هو الميت، أو وارثه، أو كلاهما، والكلالة من الإحاطة لإحاطتها بأصل النسب الذي هو الولد والوالد، ومنه الإكليل لإحاطته بالرأس‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏حُدُودُ اللَّهِ‏}‏ شروطه، أو طاعته، أو سننه وأمره، أو فرائضه التي حدها للعباد، أو تفصيله لفرائضه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏الْفَاحِشَةَ‏}‏ الزنا‏.‏ ‏{‏فَأَمْسِكُوهُنَ‏}‏ إمساكهن في البيوت حد منسوخ بآية النور، أو وعد بالحد لقوله تعالى ‏{‏أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَ سَبِيلاً‏}‏ وهو الحد، قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم»، فنسخ جلد الثيب عند الجمهور خلافاً لقتادة وداود‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏وَالَّذاَنِ‏}‏ في الأبكار، أو في الثيب والأبكار، والمراد باللذين الرجل والمرأة، أو البكران من الرجال والنساء‏.‏ ‏{‏فَأَذُوهُمَا‏}‏ بالتعيير والتوبيخ، أو بالتعيير والضرب بالنعال، وكلاهما منسوخ، أو الأذى مجمل فسره آية النور في الأبكار، والسنة في الثيب‏.‏ ونزلت هذه الآية قبل الأولى فيكون الأذى أولاً ثم الحبس ثم الجلد أو الرجم، أو الأذى للأبكار والحبس للثيب‏.‏ ‏{‏تَابَا‏}‏ من الفاحشة‏.‏ ‏{‏وَأَصْلَحَا‏}‏ دينهما‏.‏ ‏{‏فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ‏}‏ بالصفح والكف عن الأذى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏بِجَهَالَةٍ‏}‏ كل عاص جاهل، أو الجهالة‏:‏ العمد، أو عمل السوء في الدنيا ‏{‏قَرِيبٍ‏}‏ في صحته قبل مرضه، أو قبل موته، أو قبل معاينة ملك الموت‏.‏ والدنيا كلها قريب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ‏}‏ عصاة المسلمين عند الجمهور أو المنافقون، سَوَّى بين من لم يتب وبين التائب عند حضور الموت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرْهًا‏}‏ كان أهل المدينة في الجاهلية إذا مات ‏[‏أحدهم‏]‏ عن زوجه كان ابنه وقريبه أولى بها من نفسها ومن غيرها، إن شاء نكحها بالصداق الأول، وإن شاء زوجها وملك صداقها، وإن شاء عضلها عن النكاح حتى تموت فيرثها، أو تفتدي منه بصداقها، فمات أبو القيس بن الأسلت عن زوجته «كبشة» فأراد ابنه أن يتزوجها فأتت الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فأنكح فنزلت‏.‏‏.‏‏.‏ ‏{‏وَلا تَعْضُلُوهُنَّ‏}‏ نهى ورثة الزوج أن يمنعوهن من التزوج كما ذكرنا، أو نهى الأزواج أن يعضلوهن بعد الطلاق كما كانت قريش تفعله في الجاهلية، أو نهى الأزواج عن حبسهن كرهاً ليفتدين أو يتمن فيرثوهن، أو نهى الأولياء عن العضل‏.‏ ‏{‏بِفَاحِشَةٍ‏}‏ بزنا، أو نشوز، أو أذىً وبذاءة‏.‏ ‏{‏خَيْرًا كَثِيرًا‏}‏ الولد الصالح‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏بُهْتَانًا‏}‏ ظلماً بالبهتان، أو يبهتها أنه جعل ذلك لها ليستوجبه منها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏أَفْضَى‏}‏ بالجماع، أو الخلوة‏.‏ ‏{‏مِّيثَاقاً‏}‏ عقد النكاح، أو إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، أو قول الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أخذتموهن بأمانة الله تعالى، واستحللتم فروجهن بكلمة الله»، وهي محكمة، أو منسوخة بآية الخلع، أو محكمة إلا عند خوف النشوز‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ‏}‏ كانوا يخلفون الآباء على النساء فحرمه الإسلام، وعفا عما كان منهم في الجاهلية إذا اجتنبوه في الإسلام، أو لا تنكحوا كنكاح آبائكم في الجاهلية على الوجه الفاسد إلا ما سلف في الجاهلية فإنه معفو عنه إذا كان مما يجوز تقريره، أو لا تنكحوا ما نكح آباؤكم بالنكاح الجائز إلا ما سلف منهم بالسفاح فإنهن حلال لكم لأنهن غير حلائل وإنما كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا، أو إلا ما قد سلف فاتركوه فإنكم مؤاخذون به، والاستثناء منقطع، أو بمعنى «لكن» ‏{‏وَمَقْتًا‏}‏ المقت شدة البغض لارتكاب قبيح، وكان يقال للولد من زوجة الأب «المقتي»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ‏}‏ ذوات الأزواج ‏{‏إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏ بالسبي، لما سبى الرسول صلى الله عليه وسلم أهل أوطاس، قالوا‏:‏ كيف نقع على نساء قد عرفنا أزواجهن فنزلت أو ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ‏}‏ ذوات الأزواج ‏{‏إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏ إذا اشترى الأمة بطل نكاحها وحلت للمشتري قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو المحصنات العفائف، ‏{‏إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏ بعقد نكاح، أو ملك، أو نزلت في مهاجرات تزوجهن المسلمون، ثم قدم أزواجهن مهاجرين فنهي المسلمون عن نكاحهن، والإحصان‏:‏ من المنع، حصن البلد لمنعه من العدو، ودرع حصينة‏:‏ منيعة، وفرس حصان‏:‏ لامتناع راكبه من الهلاك، وامرأة حصان‏:‏ لامتناعها عن الفاحشة‏.‏ ‏{‏كِتَابَ اللَّهِ‏}‏ الزموا كتاب الله، أو حرم ذلك كتاباً من الله، أو كتاب الله قيم عليكم فيما تحرمونه وتحلونه‏.‏ ‏{‏مَّا وَرَآءَ ذَالِكُمْ‏}‏ ما دون الخمس، أو ما دون ذوات المحارم، أو مما وراءه مما ملكت أيمانكم‏.‏ ‏{‏أَن تَبْتَغُواْ‏}‏ تلتمسوا بأموالكم بشراء، أو صداق‏.‏ ‏{‏مُسَافِحِينَ‏}‏ زناة، السفح‏:‏ من الصب، سفح الدمع‏:‏ صبه، وسفح الجبل‏:‏ أسفله لانصباب الماء فيه‏.‏ ‏{‏فَمَا اسْتَمْتَعْتُم‏}‏ قلت تكون «ما» ها هنا بمعنى «من» فما نكحتم منهن فجامعتموهن، أو المتعة المؤجلة، كان أُبَي وابن عباس يقرآن ‏{‏فما استمتعتم به منهن إلى أ جل مسمى‏}‏ ‏{‏أُجُورَهُنَّ‏}‏ الصداق‏.‏ ‏{‏فَرِيضَةً‏}‏ أي معلومة‏.‏

‏{‏فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ‏}‏ من تنقيص أو إبراء عند إعسار الزوج، أو فيما زدتموه في أجل المتعة بعد انقضاء مدتها وفي أجرتها قبل استبرائهن أرحامهن، أو لا جناح عليكم فيما دفعتموه وتراضيتم به أن يعود إليكم تراضياً‏.‏ ‏{‏كَانَ عَلِيمًا‏}‏، بالأشياء قبل خلقها‏.‏ ‏{‏حَكِيماً‏}‏ في تدبيره لها، قال سيبويه‏:‏ «لما شاهدوا علماً وحكمة قيل لهم‏:‏ إنه كان كذلك لم يزل»، أو الخبر عن الماضي يقوم مقام الخبر عن المستقبل قاله الكوفيون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏طَوْلاً‏}‏ سعة موصلة إلى نكاح الحرة، أو يكون تحته حرة، أو أن يهوي أمة فيجوز له تزوجها إن كان ذا يسار وكان تحته حرة قاله جابر وجماعة، والطَّوْل‏:‏ من الطُّول، لأن الغنى ينال به معالي الأمور، ليس فيه طائل أي لا ينال به شيء من الفوائد، وإيمان الأمة شرط، أو ندب‏.‏ ‏{‏غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ‏}‏ محصنات عفائف، والمسافحات‏:‏ المعلنات بالزنا، ومتخذات الأخدان‏:‏ أن تتخذ صديقاً تزني به دون غيره، وكانوا يحرمون ما ظهر من الزنا ويحلون ما بطن فنزل ‏{‏وَلاَ تَقْرَبُواْ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 151‏]‏‏.‏ ‏{‏أَحْصَنَّ‏}‏ أسلمن، و‏{‏أُحْصِنَّ‏}‏ تزوجن، ونصف عذاب الحرة‏:‏ نصف حدها‏.‏

‏{‏الْعَنَتَ‏}‏ الزنا، أو الإثم، أو الحد، أو الضرب الشديد في دين أو دنيا‏.‏ ‏{‏وَأَن تَصْبِرُواْ‏}‏ عن نكاح الأمة خير من إرقاق الولد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

‏{‏وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ‏}‏ الزناة، أو اليهود والنصارى أو كل متبع شهوة غير مباحة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏يُخَفِّفَ عَنكُمْ‏}‏ في نكاح الإماء، ‏{‏وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا‏}‏ عن الصبر عن الجماع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْبَاطِلِ‏}‏ القمار والربا والبخس والظلم، أو العقود الفاسدة، أو نُهوا عن أكل الطعام قِرىً وأُمروا بأكله شراء ثم نسخ ذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ على أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ‏}‏ الآية ‏[‏النور‏:‏ 61‏]‏ ‏{‏تَرَاضٍ‏}‏ تخاير للعقد، أو تخاير بعد العقد‏.‏ ‏{‏أَنفُسَكُمْ‏}‏ بعضكم بعضاً، جُعلوا كنفس واحدة لاتحاد دينهم، أو نُهوا عن قتل أنفسهم في حال الضجر والغضب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

‏{‏وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ‏(‏30‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ‏}‏ أكل المال وقتل النفس، أو كل ما نهوا عنه عن أول هذه السورة، أو وراثتهم النساء كَرْهاً‏.‏ ‏{‏عُدْوَانًا وَظُلْمًا‏}‏ جمع بينهما تأكيداً لتقارب معناهما، أو فعلاً واستحلالاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ‏(‏31‏)‏‏}‏

‏{‏كَبَآئِرَ‏}‏ ما نهيتم عنه من أول هذه السورة إلى رأس الثلاثين منها، أو هي سبع‏:‏ الإشراك بالله، وقتل النفس المحرمة، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والفرار يوم الزحف، والتعرب بعد الهجرة أو تسع‏:‏ الشرك، والقذف، وقتل المؤمن، والفرار من الزحف، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين المسلمين، وإلحاد بالبيت الحرام‏.‏ أو السبعة المذكورة مع العقوق والزنا والسرقة وسب أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما أو الإشراك بالله، والقنوط من رحمته، واليأس من روحه، والأمن من مكره، أوكل ما وعد الله تعالى عليه النار، أو كل ما لا تصلح معه الأعمال‏.‏ ‏{‏سَيّئَاتِكُمْ‏}‏ مكفرة إذا تركتم الكبائر فإن لم تتركوها أُخذِتم بالصغائر والكبائر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

‏{‏وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏وَلا تَتَمَنَّوْاْ‏}‏ كقوله‏:‏ «ليت لي مال فلان»، نهوا عنه نهي تحريم، أو كراهية، وله أن يقول‏:‏ «ليت لي مثله» والأشهر أنها نزلت في نساء تمنين أن يكن كالرجال في الفضل والمال، أو قالت أم سلمة‏:‏ يا رسول الله يغزوا الرجال ولا نغزوا وإنما لنا نصف الميراث فنزلت‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏{‏لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ‏}‏ من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية وكذلك النساء، الحسنة لهما بعشر أمثالها، أو للرجال نصيب من الميراث وللنساء نصيب منه، لأنهم كانوا لا يورثون النساء‏.‏ ‏{‏فَضْلِهِ‏}‏ نعم الدنيا، أو العبادة المكسبة لثواب الآخرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

‏{‏وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ‏(‏33‏)‏‏}‏

‏{‏مَوَالِىَ‏}‏ عصبة، أو ورثة وهو أشبه كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏خِفْتُ الموالى‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 5‏]‏ ‏{‏عاقدت‏}‏ مفاعلة من عقد الحلف حلف الجاهلية توارثوا به في الإسلام ثم نسخ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 75‏]‏، أو الأخوة التي آخاها الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار توارثوا بها ثم نسخت بقوله‏:‏ ‏{‏وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ‏}‏، أو نزلت في أهل العقد بالحلف يؤتون نصيبهم من النصر والنصيحة دون الإرث قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا حلف في الإسلام وما كان من حلف الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة» أو نزلت في ابن التبني، أمروا أن يوصوا لهم عند الموت، أو فيمن أوصي لهم بشيء ثم هلكوا فأمروا أن يدفعوا نصيبهم إلى ورثتهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

‏{‏الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ‏(‏34‏)‏‏}‏

‏{‏قَوَّامُونَ‏}‏ عليهن بالتأديب، والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن الله تعالى ولأزواجهن‏.‏ ‏{‏بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ‏}‏ الرجال عليهن في العقل والرأي‏.‏ ‏{‏وَبِمَآ أَنفَقُواْ‏}‏ من الصداق والقيام بالكفاية، أو لطم رجل امرأته فأتت الرسول صلى الله عليه وسلم تطلب القصاص فأجابها الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت ‏{‏وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 114‏]‏ ونزلت هذه الآية، قال الزهري لا قصاص بين الزوجين فيما دون النفس‏.‏

‏{‏فَالصَّالِحَاتُ‏}‏ في دينهن ‏{‏قَانِتَاتٌ‏}‏ مطيعات لربهن وأزواجهن ‏{‏حَافِظَاتٌ‏}‏ لأنفسهن في غيبة أزواجهن، ولحق الله عليهن ‏{‏بِمَا حَفِظَ اللَّهُ‏}‏ بحفظه إياهن صرن كذلك، أو بما أوجبه لهن من مهر ونفقة فصرن بذلك محفوظات‏.‏ ‏{‏تَخَافُونَ‏}‏ تعلمون

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ *** أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها

أو تظنون‏.‏

أتاني عن نُصَيْب كلام يقوله *** وما خفت يا سلام أنكِ عائبي

يريد الاستدلال على النشوز بما تبديه من سوء فعلها، والنشوز من الارتفاع لترفعها عن طاعة زوجها‏.‏ ‏{‏فَعِظُوهُنَّ‏}‏ بالأمر بالتقوى، والتخويف من الضرب الذي أذن الله تعالى فيه‏.‏ ‏{‏وَاهْجُرُوهُنَّ‏}‏ بترك الجماع، أو لا يكلمها ويوليها ظهره في المضجع، أو يهجر مضاجعتها، أو يقول لها في المضجع هُجراً وهو الإغلاظ في القول، أو يربطها بالهجار وهو حبل يربط به البعير قاله الطبري، أصل الهجر‏:‏ الترك عن قلى، وقبيح الكلام هجر، لأنه مهجور، فإذا خاف نشوزها وعظها وهجرها فإن أقامت عليه ضربها، أو إذا خافه وعظها فإن أظهرته هجرتها فإن أقامت عليه ضربها ضرباً يزجرها عن النشوز غير مبرح ولا منهك‏.‏ ‏{‏سَبِيلاً‏}‏ أذى، أو يقول لها‏:‏ «لست محبة لي وأنت تبغضيني فيضربها» على ذلك مع طاعتها له‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ‏(‏35‏)‏‏}‏

‏{‏شِقَاقَ بَيْنِهِمَا‏}‏ بنشوزها وترك حقه، وبعدوله عن إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، والشقاق‏:‏ مصدر شاق فلان فلاناً إذا أتى كل واحد منهما ما يشق على الآخر، أو لأنه صار في شق بالعداوة والمباعدة‏.‏ ‏{‏فَابْعَثُواْ حَكَمًا‏}‏ خطاب للسلطان إذا ترافعا إليه، أو خطاب للزوجين، أو لأحدهما‏.‏ ‏{‏إِن يُرِيدَآ‏}‏ الحكمان، فإن رأى الحكمان الفرقة بغير إذن الزوجين فهل لهما ذلك‏؟‏ فيه قولان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

‏{‏وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ‏(‏36‏)‏‏}‏

‏{‏وَبِذِى الْقُرْبَى‏}‏ المناسب، ‏{‏وَالْيَتَامَى‏}‏ جمع يتيم وهو الذي مات أبوه ولم يبلغ الحلم، والمسكين‏:‏ الذي ركبه ذل الفاقة حتى سكن لذلك، ‏{‏وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبَىَ‏}‏ المناسب، أو القريب في الدين أراد به المسلم ‏{‏وَالْجَارِ الْجُنُبِ‏}‏ الأجنبي لا نسب بينك وبينه، أو البعيد في دينه، والجنب في كلامهم‏:‏ البعيد، ومنه الجنب لبعده عن الصلاة‏.‏

‏{‏وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ‏}‏ رفيق السفر، أو زوجة الرجل تكون إلى جنبه، أو الذي يلزمك ويصبحك رجاء نفعك‏.‏ ‏{‏وَابْنِ السَّبِيلِ‏}‏ المسافر المجتاز، أو الذي يريد السفر ولا يجد نفقة، أو الضيف، والسبيل‏:‏ الطريق فقيل لصاحب الطريق‏:‏ ابن السبيل كما قيل لطير الماء‏:‏ «ابن ماء»‏.‏ ‏{‏مُخْتَالاً‏}‏ من الخيلاء خال يخول خالاً وخولاً‏.‏ ‏{‏فَخُورًا‏}‏ يفتخر على العباد بما أنعم الله به عليه من رزق وغيره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ يَبْخَلُونَ‏}‏ بالإنفاق في الطاعة ‏{‏وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ‏}‏ بمثل ذلك، أو نزلت في اليهود بخلوا بما في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وكتموها، وأمروا الناس بذلك، والبخل‏:‏ أن يبخل بما في يده، والشح‏:‏ أن يشح بما في يد غيره يحب أن يكون له‏.‏