فصل: تفسير الآية رقم (17)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***


تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏لِّئَلاَّ يَعْلَمَ‏}‏ ليعلم و«لا» صلة ‏{‏فَضْلِ اللَّهِ‏}‏ الإسلام، أو الرزق‏.‏

‏[‏سورة المجادلة‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏الَّتِى تُجَادِلُكَ‏}‏ خولة بن خويلد، أو بنت ثعلبة أحدهما أبوها والآخر جدها، زوجها أوس بن الصامت كان به لمم فأصابه بعض لممه فظاهر منها فأتت الرسول صلى الله عليه سلم تستفتيه فقالت‏:‏ يا رسول الله إن الله قد نسخ سنن الجاهلية وإن زوجي ظاهر مني فقال‏:‏ «ما أوحي إليَّ في هذا شيء» فقالت‏:‏ أوحي إليك في كل شيء وطوي عنك هذا فقال‏:‏ «هو ما قلت» فقالت أشكو إلى الله لا إلى رسوله فنزلت وكانت تقول يا رسول الله أكل شبابي وانقطع ولدي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني ظاهر مني اللهم حتى إليك أشكو فما برحت حتى نزلت ‏{‏وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ‏}‏ تستغيث به، أو تسترحمه ‏{‏تَحَاوُرَكُمَآ‏}‏ المحاورة‏:‏ مراجعة الكلام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏يظَّهَّرُون‏}‏ سمي ظهاراً لأنه حرم ظهرها عليه، أو شبهها بظهر أمه وكان في الجاهلية طلاقاً لا رجعة فيه ولا إباحة بعده فنسخ بوجوب الكفارة بالعود‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏يُحَآدُّونَ‏}‏ يعادون، أو يخالفون، من الحديد المعد للمحاربة، أو أن تكون في حد يخالف حد صاحبك ‏{‏كُبِتُواْ‏}‏ أخزوا، أو أهلكوا، أو لعنوا، بلغة مذحج، أو ردوا مقهورين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ نُهُواْ‏}‏ المسلمون، أو المنافقون، أو اليهود يتناجون بما يسوء المسلمين ‏{‏النَّجْوَى‏}‏ السرار من النجوة وهي ما ارتفع وبعد لبعد الحاضرين عنه وكل سرار نجوى، أو السرار ما كان بين اثنين والنجوى ما كان بين ثلاثة ‏{‏حَيَّوْكَ‏}‏ كان اليهود إذا دخلوا على الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا السام عليك فيقول وعليكم، والسام‏:‏ الموت، أو السيف، أو ستسأمون دينكم «ح» ولما رد ذلك عليهم قالوا لو كان نبياً لاستجيب له فينا وليس بنا سأمة وليس في أجسادنا فترة فنزلت ‏{‏وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِمْ‏}‏ الآية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّمَا النَّجْوَى‏}‏ أحلام النوم المحزنة أو تناجي اليهود والمنافقين بالإرجاف بالمسلمين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏المجلس‏}‏ مجالس الذكر، أو صلاة الجمعة، أو في الحرب، أو مجلس الرسول خاصة كانوا يشحون أن يؤثروا به، أو يتفسحوا فأمروا بذلك ‏{‏تَفَسَّحُواْ‏}‏ وسعوا ‏{‏انشُزُواْ‏}‏ إلى القتال، أو الصلاة، بالنداء، أو الخير أو كانوا يطيلون الجلوس في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون كل واحد منهم آخر عهد به فأمروا أن ينشزوا إذا قيل لهم انشزوا ‏{‏فَانشُزُواْ‏}‏ قوموا أو ارتفعوا من النشز إلى الصلاة، أو الغزو، أو إلى كل خير ‏{‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ‏}‏ بإيمانهم على من ليس بمنزلتهم في الإيمان ‏{‏وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ‏}‏ على من ليس بعالم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏فَقَدِّمُواْ‏}‏ كان المنافقون يناجون الرسول صلى الله عليه وسلم بما لا حاجة لهم به فقطعوا عنه بالأمر بالصدقة، أو كان يخلو به طائفة من المسلمين يناجونه فظن قوم من المسلمين أنهم ينتقصونهم في نجواهم فقطعوا عن استخلائه «ح»، أو أكثر المسلمون المسائل عليه فخفف الله عنه بذلك فظنوا فكفوا «ع»، ولم يناجه إلا علي رضي الله تعالى عنه سأله عن عشر خصال وقدم ديناراً تصدق به ولم يعمل بها غيره حتى نسخت بعد عشر ليال، أو ناجاه رجل من الأنصار بكلمات وتصدق بآصع ثم نسخت بما بعدها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ تَوَلَّوْا‏}‏ المنافقون تولوا اليهود ‏{‏مَّا هُم مِّنكُمْ‏}‏ على دينكم ‏{‏وَلا مِنْهُمْ‏}‏ على يهوديتهم ‏{‏وَيَحْلِفُونَ‏}‏ على نفي النفاق ‏{‏وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏}‏ نفاقهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏اسْتَحْوَذَ‏}‏ قوي، أو أحاط، أو غلب واستولى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏لا تجد‏}‏ نهي بلفظ الخبر، أو مدحهم باتصافهم بذلك ‏{‏حَآدَّ‏}‏ حارب، أو خالف، أو عادى ‏{‏كَتَبَ فِى قُلُوبِهمُ‏}‏ أثبت، أو حكم، أو كتب في اللوح المحفوظ أن في قلوبهم الإيمان، أو جعل على قلوبهم سمة للإيمان تدل على إيمانهم ‏{‏بِرُوحٍ‏}‏ برحمة، أو نصر وظفر، أو نور الهدى، أو رغبهم في القرآن حتى أمنوا، أو بجبريل يوم بدر ‏{‏رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ‏}‏ في الدنيا بطاعتهم ‏{‏وَرَضُواْ عَنْهُ‏}‏ في الآخرة بالثواب، أو في الدنيا بما قضاه عليهم فلم يكرهوه ‏{‏حِزْبَ‏}‏ يغضبون له ولا تأخذهم فيه لومة لائم نزلت في أبي عبيدة قتل أباه الجراح يوم بدر، أو في أبي بكر رضي الله تعالى عنه سمع أباه يسب النبي صلى الله عليه وسلم فصكه فسقط على وجهه فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ «أفعلت يا أبا بكر» فقال‏:‏ والله لو كان السيف قريباً مني لضربته به فنزلت، أو في حاطب بن أبي بلتعة لما كتب إلى قريش عام الفتح يخبرهم بمسير الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏[‏سورة الحشر‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏لأَوَّلِ الْحَشْرِ‏}‏ لأنهم أول من أُجلي من اليهود، أو لأنه أول حشرهم لأنه يحشرون بعده إلى أرض المحشر في القيامة، أو حشرهم الثاني بنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتأكل من تخلف ‏{‏مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ‏}‏ لقوتهم وامتناعهم ‏{‏حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ‏}‏ من أمره ‏{‏لَمْ يَحْتَسِبُواْ‏}‏ بأمر الله، أو بقتل ابن الأشرف ‏{‏الرُّعْبَ‏}‏ بقتل ابن الأشرف، أو بخوفهم من الرسول صلى الله عليه وسلم ‏{‏بِأَيْدِيهِمْ‏}‏ بنقض الموادعة ‏{‏وَأيْدِى الْمؤْمِنِينَ‏}‏ بالمقاتلة، أو بأيديهم في تركها، وأيدي المؤمنين في إجلائهم عنها، أو كانت منازلهم مزخرفة فحسدوا المسلمين أن يسكنوها فخربوا بواطنها بأيديهم وخرب المسلمون ظواهرها ليصلوا إليه أو كما هدم المؤمنون من حصونهم شيئاً نقضوا من بيوتهم ما يبنون بهم ما خرب من حصونهم أو لما صولحوا على حمل ما أقلته الإبل نقضوا ما أعجبهم من بيوتهم حتى الأوتاد ليحملوها معهم ‏{‏يخرِّبون‏}‏ ويخربون واحد أو بالتخفيف خرابها بفعل غيرهم وبالتشديد خرابها بفعلهم أو بالتخفيف فراغها لخروجهم عنها وبالتشديد هَدْمُها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏الْجَلاءَ‏}‏ القتل لعذبهم في الدنيا بالسَّبى أو الإخراج من المنازل لعذبهم بالقتل أو الجلاء ما كان مع الأهل والولد بخلاف الإخراج فقد يكون مع بقائهما والجلاء لا يكون إلا لجماعة والإخراج قد يكون لواحد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏لِّينَةٍ‏}‏ النخلة من أي صنف كانت أو كرام النخل أو العجوة وكانت العجوة والعتيق مع نوح في السفينة والعتيق الفحل وكانت العجوة أصول الإناث كلها ولذلك شق على اليهود قطعها أو اللينة الفسيلة لأنها ألين من النخلة أو جميع الأشجار للينها بالحياة وقال الأخفش اللينة من اللون لا من اللين قطعوا وأحرقوا ست نخلات أو قطعوا نخلة وحرقوا أخرى توسيعاً للمكان أو إضعافاً لهم فقالوا ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح أفمن الصلاح قطع النخل وعقر الشجر‏.‏ وقال شاعرهم سماك اليهودي‏:‏

ألسنا ورثنا الكتاب الحكيم *** على عهد موسى ولم نصدف

وأنتم رعاء لشاء عجاف *** بسهل تهامة والأخيف

ترون الرعاية مجداً لكم *** لدى كل دهر لكم مجحف

فيا أيها الشاهدون انتهوا عن *** الظلم والمنطق الموكف

لعل الليالي وصرف الدهور *** يديل من العادل المنصف

بقتل النضير وأجلائها *** وعقر النخيل ولم يقطف

فأجابه حسان بن ثابت‏:‏

هم أوتوا الكتاب فضيعوه *** وهم عمي عنا لتوراة بور

كفرتم بالقرآن وقد أبيتم *** بمصداق الذي قال النذير

فهان على سراة بني لؤي *** حريق بالبويرة مستطير

وحز في صدور بعض المسلمين ما فعلوه فقالوا هذا فساد، وقال آخرون‏:‏ هذا مما تحدى الله به أعداءه وينصر به أولياءه، فقالوا‏:‏ يا رسول الله هل لنا فيما قطعنا من أجر وفيما تركنا من وزر فشق ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏أَوْجَفْتُمْ‏}‏ الإيجاف الإسراع، والركاب‏:‏ الإبل فكانت أموالهم للرسول صلى الله عليه وسلم خاصة فقسهما في المهاجرين إلاَّ سهل بن حنيف وأبا دجانة فإنهما ذكرا فقراً فأعطاهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏دُولَةً‏}‏ ودَولة واحد أو بالفتح الظفر في الحرب وبالضم الغنى عن الفقر، أو بالفتح في الأيام، وبالضم في الأموال، أو بالفتح ما كان كالمستقر، وبالضم ما كان كالمستعار، أو بالفتح الظفر في الحرب، وبالضم أيام الملك وأيام السنين التي تتغير‏.‏ ‏{‏وَمَآ ءَاتَاكُمْ الرَّسُولُ‏}‏ من الفيء فقبلوه وما منعكم فلا تطلبوه، أو من الغنيمة فخذوه وما نهاكم عنه من الغلول فلا تفعلوه «ح»، أو من طاعتي فافعلوه وما نهاكم عنه من معصيتي فاتركوه، أو هو عام من أوامره ونواهيه‏.‏ قيل نزلت في رؤساء المسلمين قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم فيما ظهر عليه من أموال المشركين يا رسول الله خذ صَفِيِّك والربع ودعنا والباقي فهكذا كنا نفعل في الجاهلية وأنشدوه‏:‏

لك المرباع منها والصفايا *** وحكمك والنشيطة والفضول

فنزلت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏الْمُهَاجِرِينَ‏}‏ إلى المدينة لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم وخوفاً من قومهم ‏{‏فَضْلاً‏}‏ من عطاء الدنيا ‏{‏وَرِضْوَاناً‏}‏ ثواب الآخرة‏.‏ كان أحدهم يعصب الحجر على بطنه ليقم به صلبه من الجوع ويتخذ الحفيرة في الشتاء ما له دثار غيرها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏تَبَوَّءُو الدَّارَ‏}‏ من قبل المهاجرين ‏{‏وَالإيمَانَ‏}‏ من بعدهم، أو تبوءوا الدار والإيمان قبل الهجرة إليه وهم الأنصار والدار المدينة‏.‏ ‏{‏يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ‏}‏ بالفضول والمواساة بالأموال والمساكين ‏{‏حَاجَةً‏}‏ حسداً على ما خصوا به من مال الفيء وغيره ‏{‏وَيُؤْثِرُونَ‏}‏ يقدمونهم على أنفسهم ‏{‏خَصَاصَةٌ‏}‏ فاقة وحاجة آثروهم بالفيء والغنيمة حتى قسم في المهاجرين دونهم لما قسم الرسول صلى الله عليه سلم للمهاجرين أموال النضير أو قريظة على أن يردوا على الأنصار ما كانوا أعطوهم من أموالهم، قالت الأنصار‏:‏ بل نقسم لهم من أموالنا ونؤثرهم بالفيء فنزلت أو آثروهم بأموالهم وواسوهم بها قال الرسول صلى الل عليه وسلم‏:‏ «إخوانكم تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم» فقالوا‏:‏ يا رسول الله أموالنا بينهم قطائع فقال‏:‏ «أو غير ذلك هم قوم لا يعرفون العمل فتكفوهم وتقاسمونهم الثمر» يعني ما صار لهم من نخيل بني النضير قالوا‏:‏ نعم يا رسول الله‏.‏ ‏{‏شُحَّ نَفْسِهِ‏}‏ الشح أن يشح بما في أيدي الناس يحب أن يكون له أو منع الزكاة، أو هوى نفسه «ع»، أو اكتساب الحرام، أو إمساك النفقة، أو الظلم، أو العمل بالمعاصي، أو ترك الفرائض وانتهاك المحارم، والبخل والشح واحد، أو الشح أخذ المال بغير حق والبخل منع المال المستحق، أو الشح بما في يدي غيره والبخل بما في يديه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏وَالَّذِينَ جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ‏}‏ المهاجرون بعد ذلك أو التابعون ومن يأتي إلى يوم القيامة ‏{‏الَّذِينَ سَبَقُونَا‏}‏ السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، أو سابقو هذه الأمة ومؤمنو أهل الكتاب قالت عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ أمروا أن يستغفروا لهم فسبّوهم ‏{‏غِلاًّ‏}‏ غشاً أو عداوة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏بَأْسُهُم‏}‏ «حرب بعضهم لبعض» أو اختلافهم واختلاف قلوبهم فلا يتفقون على أمر واحد ووعيدهم للمسلمين لنفعلن كذا وكذا ‏{‏تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً‏}‏ اليهود، أو المنافقون واليهود ‏{‏شَتَّى‏}‏ مختلفة لأنهم على باطل والباطل مختلف أو على نفاق والنفاق اختلاف «وتركه ائتلاف»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ‏}‏ كفار قريش ببدر أو قتلى بدر أو بنو النضير الذين أجلوا إلى الشام، أو بنو قريظة كانوا بعد إجلاء النضير بسنة ‏{‏ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ‏}‏ نزولهم على حكم سعد أن يقتل المقاتلة وسبي الذرية مثَّلهم بهم في تخاذلهم أو في نزول العذاب بهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏لِلإِنسَانِ‏}‏ ضرب مثلاً للكافر في طاعة الشيطان وهو عام في كل إنسان أو عني راهباً حسن العبادة من بني إسرائيل فافتتن إلى أن زنا وقتل النفس وسجد لإبليس وقصته مشهورة فكذلك المنافقون وبنو النضير مصيرهم إلى النار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏اتَّقُواْ اللَّهَ‏}‏ باجتناب المنافقين، أو اتقاء الشبهات ‏{‏لِغَدٍ‏}‏ يوم القيامة، قربه حتى جعله كالغد ‏{‏وَاتَّقُواْ اللَّهَ‏}‏ تأكيد للأولى أو الأولى التوبة فيما مضى والثانية ترك المعصية في المستقبل، أو الأولى فيما تقدم لغد والثانية فيما يكون منكم ‏{‏بِمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ بعملكم، أو بما يكون منكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏نَسُواْ اللَّهَ‏}‏ تركوا أمره ‏{‏فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ‏}‏ أن يعملوا لها خيراً، أو نسوا حقه فأنساهم حق أنفسهم، أو نسوا شكره وتعظيمه فأنساهم بالعذاب أن يذكر بعضهم بعضاً، أو نسوه عند الذنوب فأنساهم أنفسهم عند التوبة ‏{‏الْفَاسِقُونَ‏}‏ العاصون أو الكاذبون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏الْفَآئِزُونَ‏}‏ الناجون من النار، أو المقربون المكرمون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏هُوَ اللَّهُ‏}‏ قال جابر بن زيد اسم الله الأعظم هو الله لمكان هذه الآية‏.‏ ‏{‏الْغَيْبِ وَالْشَّهَادَةِ‏}‏ السر والعلانية «ع»، أو ما كان وما يكون، أو الدنيا والآخرة، أو ما يدرك وما لا يدرك من الحياة والموت والأجل والرزق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏الْمَلِكُ‏}‏ «المالك، أو الواسع القدرة» ‏{‏الْقُدُّوسُ‏}‏ المبارك، أو الطاهر، أو المنزه عن القبائح ‏{‏السَّلامُ‏}‏ مأخوذ من سلامته وبقائه وإذا وصف بمثله المخلوق قيل سالم، أو من سلامة عباده من ظلمه‏.‏ ‏{‏الْمُؤْمِنُ‏}‏ خَلْقه من ظلمه، أو يصدقهم وعده، أو دعاهم إلى الإيمان ‏{‏الْمُهَيْمِنُ‏}‏ الشاهد على خلقه بأعمالهم وعلى نفسه بثوابهم، أو الأمين، أو المصدق، أو الحافظ قال عمر رضي الله تعالى عنه‏:‏ إني داع فهيمنوا أي قولوا آمين حفظاً للدعاء لما يرجى من الإجابة أو الرحيم ‏{‏الْعَزِيزُ‏}‏ في امتناعه، أو انتقامه ‏{‏الْجَبَّارُ‏}‏ العظيم الشأن في القدرة والسلطان، أو الذي جبر خلقه على ما يشاء، أو جبر فاقة عباده، أو أذل له من دونه‏.‏ ‏{‏الْمُتَكَبِّرُ‏}‏ عن النسيان ‏[‏أو‏]‏ عن ظلم عباده، أو المستحق لصفات الكبر والتعظيم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏الْخَالِقُ‏}‏ محدث الأشياء على إرادته، أو مقدرها بحكمته ‏{‏الْبَارِئُ‏}‏ المنشىء للخلق، أو المميز له برئت منه تميزت ‏{‏الْمُصَوِّرُ‏}‏ للخلق على مشيئته، أو كل جنس على صورته، ‏{‏الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى‏}‏ جميع أسمائه حسنى لاشتقاقها من صفاته الحسنى، أو الأمثال العليا‏.‏

‏[‏سورة الممتحنة‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ‏(‏1‏)‏‏}‏

لما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم التوجه إلى مكة ورَّى لخيبر فأرسل حاطب إلى أهل مكة يخبرهم بذلك ليحفظ ماله عندهم فاطلع الرسول صلى الله عليه وسلم على كتابه فاسترده ثم سأله فاعتذر بأنه فعل ذلك ليحموا ماله فقدره الرسول صلى الله عليه وسلم وصدقه ونزلت هذه الآية والتي بعدها ‏{‏تُسِرُّونَ‏}‏ تعلمونهم في السر أن بينكم وبينهم مودة، أو تعلمونهم سراً بأحوال الرسول لمودة بينكم وبينهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏قَدْ كَانَتْ لَكُمْ‏}‏ يا حاطب أسوة حسنة أو عبرة حسنة فهلا تبرأت يا حاطب من كفار مكة كما تبرأ إبراهيم والمؤمنون معه ‏{‏إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ‏}‏ إلا استغفاره فلا تقتدوا به فيه، أو إلا إبراهيم فإنه استثنى أباه من قومه في الاستغفار له‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏فِتْنَةً‏}‏ لا تسلطهم علينا فيفتنونا «ع»، أو لا تعذبنا بعذاب منك ولا بأيديهم فيفتنوا بنا يقولون لو كانوا على حق لما عذبوا دعا بذلك إبراهيم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏مَّوَدَّةً‏}‏ بإسلامهم عام الفتح، أو نزلت في أبي سفيان والمودة تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم ابنته أم حبيبة أو ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم على بعض اليمن، فلما قبض الرسول صلى الله عليه وسلم أقبل فلقي ذا الخمار مرتداً فقاتله فكان أو من قاتل في الردة وجاهد عن الدين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ‏}‏ كان هذا في الابتداء عند موادعة المشركين ثم صارت منسوخة بالأمر بالقتال أو كان لخزاعة والحارث بن عبد مناة عهد فأمروا أن يبروهم بالوفاء به، أو أراد النساء والصبيان أمروا ببرهم، أو نزلت في قُتَيْلَة امرأة أبي بكر كان قد طلقها في الجاهلية فقدمت على ابنتها أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه في الهدنة فأهدت لها قرطاً وأشياء فكرهت قبوله حتى ذكرته للرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت‏.‏ ‏{‏وَتُقْسِطُواْ‏}‏ تعطوهم قطساً من أموالكم أو تعدلوا فيهم فلا تغلوا في مقاربتهم ولا تسرفوا في مباعدتهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏إذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ‏}‏ لما هادن الرسول صلى الله عليه وسلم قريشاً على أن يرد إليهم من جاء منهم جاءت أميمة بنت بشر مسلمة أو سعيدة زوجة صيفي أو أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أو سُبَيْعَة الأسلمية فلما طلب المشركون الرد منع الله من ذلك نسخاً منه للرد عند من قال دخلن في العموم أو بياناً لخروجهن من العموم، وإنهن لم يشترط ردهن لسرعة انخداعهن إلى الكفر وحفظاً لفروجهن عند من قال لم يدخلن في العموم وإن كان ظاهراً في شمولهن ‏{‏فَامْتَحِنُوهُنَّ‏}‏ بالشهادتين أو بما في قوله ‏{‏يُبَايِعْنَكَ على أَن لاَّ يُشْرِكْنَ‏}‏ الآية ‏[‏الممتحنة‏:‏ 12‏]‏ أو تحلف بالله تعالى ما خرجت من بغض زوج، بالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، بالله ما خرجت التماس دنيا، بالله ما خرجت إلا حباً لله ورسوله ‏{‏وَءَاتُوهُم‏}‏ آتوا الأزواج ما أنفقوا من المهور وهل يدفع إلى غير الأزواج من أهلن فيه اختلاف ‏{‏بِعِصَمِ‏}‏ العصمة‏:‏ الحبل أو العقد فإذا أسلم الكافر على وثنية فلا يجوز له التمسك بعصمتها إلا أن تسلم قبل انقضاء عدتها‏.‏ ولما نزلت طلق جماعة من الصحابة أزواجهم من المشركات ‏{‏وَسْئَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ‏}‏ من المهور إذا ارتد أزواجكم المسلمات ولحقن بالكفار من ذوي العهد المذكور ولا يجوز لأحد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشترط رد النساء المسلمات لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان له وعد من الله بفتح بلادهم ودخولهم في الإسلام طوعاً وكرهاً فجاز له ما لم يجز لغيره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِن فَاتَكُمْ شَىْءٌ‏}‏ إذا فاتت المسلم زوجته بارتدادها إلى أهل العهد المذكور فلم يصل إلى مهرها منهم ثم غنمها المسلمون ردوا عليه مهرها مما غنموه «ع»، أو من مال الفيء أو من صداق من أسلمت منهن عن زوج كافر ‏{‏فَعَاقَبْتُمْ‏}‏ فغنمتم مأخوذ من معاقبة الغزو أو فأصبتم منهم عاقبة من قَتْل أو سَبْي أو عاقبتم المرتدة بالقتل فلزوجها المهر من الغنائم وهذا منسوخ لنسخ الشرط الذي شرطه الرسول صلى الله عليه وسلم بالحديبية أو محكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏يُبَايِعْنَكَ‏}‏ لما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح بايعه الرجال ثم جاءت النساء بعدهم للبيعة فبايعهن فجلس على الصفا وعمر رضي الله تعالى عنه دون الصفا فأمره أن يبايع النساء أو أمر أميمة أخت خديجة بنت خويلد بعدما أسلمت أن تبايع عنه النساء أو بايعهن بنفسه وعلى يده ثوب قد وضعه على كفه أو وضع ماء في قِعب وغمس يده فيه وأمرهن فغمسن أيديهن ‏{‏وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ‏}‏ كانوا يئدون الأولاد في الجاهلية ‏{‏بِبُهْتَانٍ‏}‏ بسحر أو المشي بالنميمة والسعي بالفساد أو أن يُلحقن بأزواجهن غير أولادهم كانت أحداهن تلتقط الولد وتلحقه بزوجها قاله الجمهور‏.‏ ‏{‏يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ‏}‏ ما أخذته لقيطاً ‏{‏وَأَرْجُلِهِنَّ‏}‏ ما ولدنه من زنا ‏{‏مَعْرُوفٍ‏}‏ طاعة الله ورسوله أو ترك النوح أو خمش الوجه ونشر الشعر وشق الجيب والدعاء بالويل أو عام في كل معروف مأمور به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‏}‏ اليهود أو اليهود والنصارى أو جميع الكفار ‏{‏يَئِسُواْ‏}‏ من ثواب الآخرة كما يئس الكفار من بعث من في القبور «ع» أو كما يئس الكفار المقبورون من ثوابها لمعاينة عقابها أو يئسوا من خير الآخرة كما يئسوا من خير أهل القبور أو يئسوا من البعث والرحمة كما يئس منها من مات منهم وقبر‏.‏

‏[‏سورة الصف‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ‏(‏2‏)‏‏}‏

قالوا لو علمنا أحب الأعمال إلى الله تعالى لسارعنا إليه فلما فرض الجهاد تثاقلوا عنه فنزلت ‏{‏يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقَولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ‏}‏ «ع» أو نزلت في قوم كان أحدهم يقول قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وصبرت ولم يصبر وضربت ولم يضرب، أو في المنافقين قالوا إن خرجتم وقاتلتم خرجنا وقاتلنا فلما خرجوا نكص المنافقون وتخلفوا أو أراد لم تقولون نفعل فيما ليس أمره إليكم فلا تدرون هل تفعلون أو لا تفعلون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏صَفّاً‏}‏ كصف الصلاة لأنه بالتلاصق يكون أثبت لهم وأمنع لعددهم ‏{‏مَّرْصُوصٌ‏}‏ ملصق بعضه إلى بعض أو مبني بالرصاص‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏زَاغُواْ‏}‏ عدلوا أو مالوا ولا يستعمل إلا في الميل عن الحق يريد بذلك الخوارج أو المنافقين أو عام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ‏}‏ بشرهم به ليؤمنوا به عند مجيئه أو ليكون مجيئه معجزة مصدقة لعيسى ‏{‏أَحْمَدُ‏}‏ اسم للرسول صلى الله عليه وسلم كمحمد أو اشتق من اسم الله تعالى المحمود قال حسان‏:‏

وشق له من اسمه ليجله *** فذو العرش محمود وهذا محمد

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ‏}‏ اليهود والمنافقون أو النضر من بني عبد الدار قال إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى فنزلت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏نُورَ اللَّهِ‏}‏ القرآن يريدون إبطاله أو الإسلام يريدون دفعه بالكلام أو محمد يريدون هلاكه بالأراجيف أو حجج الله ودلائله يريدون إبطالها بتكذيبهم وإنكارهم أو مثل من أراد إبطال الحق بمن أراد إطفاء نور الشمس بفمه، قال كعب بن الأشرف‏:‏ لما أبطأ الوحي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً يا معشر اليهود أبشروا فقد أطفأ الله نور محمد فيما كان ينزل عليه وما كان الله ليتم أمره فحزن الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت ثم اتصل الوحي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏لِيُظْهِرَهُ‏}‏ بالغلبة لأهل الأديان كلها، أو بالعلو على الأديان أو بعلمه بالأديان كلها ظهرت على سره‏:‏ علمت به‏.‏

‏[‏سورة الجمعة‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏الأُمِّيِّينَ‏}‏ لأنهم لم ينزل فيهم كتاب أو لم يكونوا يكتبون، قريش خاصة لم يكونوا يكتبون حتى تعلم بعضهم في آخر الجاهلية من أهل الحيرة أو جميع العرب لأنه لم يكن لهم كتاب ولا كتب منهم إلا القليل ومنَّ عليهم بكونه أمياً لموافقة ذلك بشارة الأنبياء قبله أو لمشاكلته لهم ليكون أقرب إلى الموافقه أو لئلا يتهم بقراءة كتب الأولين‏.‏ ‏{‏وَيُزَكِّيهِمْ‏}‏ يجعل قلوبهم زكية بالإيمان أو يطهرهم من الكفر والذنوب أو يأخذ زكاة أموالهم‏.‏ ‏{‏الْكِتَابَ‏}‏ القرآن أو الخط بالقلم «ع» لأنه شاع فيهم لما أمروا بتقييد الشرع بالخط أو معرفة الخير والشر كما يعرف بالكتاب ‏{‏وَالْحِكْمَةَ‏}‏ السنة أو الفقه في الدين أو الفهم والاتعاظ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏وَءَاخَرِينَ‏}‏ ويعلِّم آخرين ويزكيهم وهم المسلمون بعد الصحابة أو العجم بعد العرب أو الملوك أبناء الأعاجم أو الأطفال بعد الرجال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏فَضْلُ اللَّهِ‏}‏ النبوة أو الإسلام أو ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله للفقراء في أهل الدثور ‏{‏ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏فَاسْعَوْاْ‏}‏ بالمشي على الأقدام من غير إسراع أو بنية القلوب أو بالعمل لها أو بإجابة الداعي ‏{‏ذِكْرِ اللَّهِ‏}‏ موعظة الخطبة أو الصلاة عند الجمهور أو الوقت، وكانوا يسمون الأيام في الجاهلية غير هذه الأسماء الأحد أول والأثنين أهون والثلاثاء جبار والأربعاء دبار والخميس مؤنس والجمعة عروبة والسبت شيار‏.‏

أؤمل أن أعيش وإن يومي *** بأول أو بأهون أو جبار

أو التالي دبار «فإن أفُته» *** فمؤنس أو عروبة أو شيار

وأول من سماه الجمعة كعب بن لؤي لاجتماع قريش فيه إلى كعب أو في الإسلام لاجتماعهم فيه إلى الصلاة‏.‏ ‏{‏وَذَرُواْ الْبَيْعَ‏}‏ فحرم البيع على المخاطب بالجمعة من بعد الزوال إلى الفراغ منها، أو من وقت آذان الخطبة إلى الفراغ من الصلاة والآذان الأول أحدثه عثمان رضي الله تعالى عنه ليتأهبوا لحضور الخطبة لما اتسعت المدينة وكثر أهلها وكان عمر رضي الله تعالى عنه أمر بآذان في السوق قِبَل المسجد ليقوموا عن البيع فإذا اجتمعوا أذَّن في المسجد فجعله عثمان آذانين في المسجد ‏{‏ذَلِكُمْ‏}‏ الصلاة خير من البيع الشراء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏فَضْلِ اللَّهِ‏}‏ قال الرسول صلى الله عليه وسلم «ليس بطلب دنيا ولكن من عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله تعالى أو البيع والشراء أو العمل يوم السبت»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏تِجَارَةَ أَوْ لَهْواً‏}‏ قَدِمَ دِحْيَة بعير عند مجاعة وغلاء سعر وكان معه جميع ما يحتاجون إليه من برود ودقيق وغيره فنزل عند أحجار الزيت وضرب بطبل ليؤذن بقدومه فانفضوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الخطبة فلم يبق معه إلا ثمانية أو اثنا عشر فقال‏:‏ «والذي نفسي بيده لو ابتدرتموها حتى لم يبق معي منك أحد لسال بكم الوادي ناراً»‏.‏ ‏{‏لَهْواً‏}‏ لعباً «ع» أو الطبل أو المزمار أو الغناء ‏{‏قَآئِماً‏}‏ في الخطبة ‏{‏إِلَيْهَا‏}‏ لأن غالب انفضاضهم كان إلى التجارة دون اللهو فاقتصر على ذكرها أو تقديره تجارة انفضوا إليها أو لهواً‏.‏ ‏{‏انفَضُّواْ‏}‏ ذهبوا أو تفرقوا‏.‏

‏[‏سورة المنافقون‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏نَشْهَدُ‏}‏ نحلف عبر عن الحلف بالشهادة لأن كل واحد منهما إثبات لأمر غائب ‏{‏وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ‏}‏ فلا يضرك نفاق من نافق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏جُنَّةً‏}‏ من القتل والسبي فعصموا بها دماءهم وأموالهم أو من الموت أن لا تصلي عليهم فيظهر للناس نفاقهم‏.‏ ‏{‏فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ عن الإسلام بالتنفير أو عن الجهاد بتثبيط المسلمين عنه بالإرجاف‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ‏}‏ لحسن منظرهم ‏{‏تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ‏}‏ لحسن منطقهم ‏{‏خُشُبٌ‏}‏ شبهوا بالنخل القائمة لحسن منظرهم أو بالخشب النخرة لسوء مخبرهم أو لأنهم لا ينتفعون بسماع الهدى فصاروا كالخشب ‏{‏مُّسَنَّدَةٌ‏}‏ لاستنادهم إلى الإيمان لحقن دمائهم ‏{‏يَحْسبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيهِمْ‏}‏ لخبثهم لا يسمعون صيحة إلا ظنوا أن العدو قد أصطلمهم وأن القتل قد حل بهم أو يظنون عند كل صيحة أن قد فطن بهم وعلم نفاقهم لأن المريب خائف، أو يظنون عند كل صياح في المسجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتلهم فهم أبداً وجلون‏.‏ ‏{‏فَأحْذَرْهُمْ‏}‏ أن تثق بقولهم أو احذر ممايلتهم لأعدائك وتخذيلهم لأصحابك ‏{‏قَاتَلَهُمُ‏}‏ لعنهم أو أحلهم محل من قاتله ملك قاهر لقهر الله تعالى لكل معاند ‏{‏يُؤْفَكُونَ‏}‏ يكذبون أو يعدلون عن الحق أو يصرفون عن الرشد أو كيف تضل عقولهم عن هذا‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏لَوَّوْاْ‏}‏ لما ‏[‏كانت غزوة تبوك‏]‏ قال ابن أُبي ‏{‏لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ‏}‏ فارتحل الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل الناس فقيل لان أُبيَّ ائت الرسول حتى يستغفر لك فلوَّى رأسه استهزاءً وامتناعاً من إتيانه، أو لوَّاه بمعنى ماذا قلت‏.‏ ‏{‏يَصُدُّونَ‏}‏ يمتنعون، أو يعرضون عما دعوا إليه من استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن إخلاص الإيمان ‏{‏مُّسْتَكْبِرُونَ‏}‏ متكبرون أو ممتنعون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏لا تُنفِقُواْ‏}‏ لما قال ابن أبي مرجع الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق وقد جرت مشاجرة بين بعض المهاجرين والأنصار يا معشر الأوس والخزرج ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل‏:‏ سمن كلبك يأكلك أوطأنا هذا الرجل ديارنا وقاسمناهم أموالنا ولولاها لانفظوا عنه ‏{‏لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ‏}‏ فبلغت الرسول صلى الله عليه وسلم فاعتذر له قومه فنزلت هذه الآية والتي بعدها ‏{‏خَزَآئِنُ السَّمَاوَاتِ‏}‏ المطر وخزائن ‏{‏الأَرْضِ‏}‏ النبات أو خزائن السماوات ما قضاه وخزائن الأرض ما أعطاه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏عَن ذِكْرِ اللَّهِ‏}‏ الصلاة المكتوبة أو عامة في جميع الفرائض أو الجهاد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَنفِقُواْ‏}‏ زكاة المال أو صدقة التطوع ورفد المحتاج ومعونة المضطر‏.‏

‏[‏سورة التغابن‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏فَمِنكُمْ كَافِرٌ‏}‏ بأنه خلقه و‏{‏مُّؤْمِنٌ‏}‏ بأنه خلقه أو كافر به وإن أقر بأنه خالقه ومؤمن به وفيه محذوف تقديره ومنكم فاسق «ح» أو لا تقدير فيه بل ذكر الطرفين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْحَقِّ‏}‏ للحق قاله الكلبي ‏{‏وَصَوَّرَكُمْ‏}‏ آدم، أو جميع الخلق ‏{‏فَأحْسَنَ صُوَرَكُمْ‏}‏ في العقول أو في المنظر أو أحكم صوركم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏أَبَشَرٌ‏}‏ استحقروا البشر أن يكونوا رسلاً لله إلى أمثالهم والبشر والإنسان واحد فالبشر من ظهور البشرة والإنسان من الأنس أو من النسيان‏.‏ ‏{‏فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ‏}‏ عن الإيمان ‏{‏وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ‏}‏ بسلطانه عن طاعة عباده أو بما أظهر لهم من البرهان عن زيادة تدعوهم إلى الرشد ‏{‏غَنِىٌّ‏}‏ عن أعمالكم أو صدقاتكم ‏{‏حَمِيدٌ‏}‏ مستحمد إلى خلقه بإنعامه عليهم أو مستحق لحمدهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏زَعَمَ‏}‏ كُنْية الكذب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏الْجَمْعِ‏}‏ بين كل نبي وأمته أو بين المظلومين والظالمين ‏{‏يَوْمُ التَّغَابُنِ‏}‏ من أسماء القيامة أو غبن فيه أهل الجنة ‏[‏أهل النار‏]‏ أو يغبن فيه المظلوم الظالم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏بِإِذْنَ اللَّهِ‏}‏ بأمره أو بحكمه ‏{‏يَهْدِ قَلْبَهُ‏}‏ يؤمن قلبه لله أو يعلم أنه من عند الله فيرضى به أو يسترجع أو إذا ابتلي صبر وإذا أنعم عليه شكر وإذا ظُلم غفر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ‏}‏ نزلت في قوم أسلموا بمكة فأرادوا الهجرة فمنعهم أزواجهم وأولادهم أو منهم من لا يأمر بطاعة ولا ينهى عن معصية وكبر ذلك عداوة أو منهم من يأمر بقطع الرحم ومعصية الله ولا يستطيع مع حبه إلا أن يطيعه أو منهم من يخالفك في دينك فصار بذلك عدواً أو منهم من يحملك على طلب الدنيا والاستكثار منها ‏{‏وَإِن تَعْفُواْ‏}‏ عن الظالم ‏{‏وتَصْفَحُواْ‏}‏ عن الجاهل ‏{‏وَتَغْفِرُواْ‏}‏ للمسيء ‏{‏فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ‏}‏ للذنب ‏{‏رَّحِيمٌ‏}‏ بالعباد‏.‏ لما هاجر بعض من منعه أهله من الهجرة فلم يقبل منهم قال لئن رجعت إلى أهلي لأفعلن ولأفعلن ومنهم من قال لا ينالون مني خيراً أبداً فلما كان عام الفتح أمروا بالعفو والصفح عن أهاليهم ونزلت هذه الآية فيهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏فِتْنَةٌ‏}‏ بلاء أو محنة يكن بهما عن الآخرة ويتوفر لأجلهما على الدنيا أو يشح لأجل أولاده فيمنع حقوق الله من ماله الولد مبخلة مجهلة محزنة مجبنة ‏{‏أَجْرٌ عَظِيمٌ‏}‏ الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ جهدكم أو أن يطاع فلا يعصى أو ما يتطوع به من نافلة أو صدقة لما نزلت ‏{‏اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 102‏]‏ اشتد عليهم فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فنسخها الله تعالى بهذه الآية‏.‏ ‏{‏وَاسْمَعُوا‏}‏ كتاب الله تعالى ‏{‏وَأَنفِقُواْ‏}‏ في الجهاد أو الصدقة «ع» أو نفقة المؤمن لنفسه ‏{‏شُحَّ نَفْسِهِ‏}‏ هواها أو ظلمها أو منع الزكاة فمن أعطاها فقد وقي شح نفسه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏قَرْضاً‏}‏ نفقة الأهل أو النفقة في سبيل الله أو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر‏.‏ ‏{‏حَسَناً‏}‏ طيبة بها نفسه أو لا يمتن بها ‏{‏يُضَاعِفْهُ‏}‏ بالحسنة عشراً أو ما لا يحد من تفضله ‏{‏شَكُورٌ‏}‏ للقليل من أفعالنا ‏{‏حَلِيمٌ‏}‏ عن ذنوبنا أو ‏{‏عَالِمُ‏}‏ بمضاعفة الصدقة ‏{‏حَلِيمٌ‏}‏ بأن لا يعاجل عقوبة مانع الزكاة‏.‏

‏[‏سورة الطلاق‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏يَآأَيُّهَا النَّبِىُّ‏}‏ خوطب به وهو عام لأمته نزلت لما طلق الرسول صلى الله عليه وسلم حفصة فأوحي إليه أن يراجعها فإنها صوامة قوامة وهي من أزواجك في الجنة ‏{‏لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ في الطهر من غير جماع وجمع الثلاث بدعة أو ليس ببدعة فإن طلقها حائضاً أو في طهر جماع وقع أو لا يقع ‏{‏وَاتَّقُواْ اللَّهَ‏}‏ في المطلقات ‏{‏لا تُخْرِجُوهُنَّ‏}‏ في عدتهن ‏{‏بِفَاحِشَةٍ‏}‏ الزنا فتخرج لإقامة الحد أو بُذَاء على أحمائها «ع» أو كل معصية لله أو خروجها من بيتها تقديره إلا أن يأتين بفاحشة بخروجهن ‏{‏وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ‏}‏ طاعته أو شرطه أو سننه وأمره ‏{‏يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ‏}‏ لم يرض بها أو خالفها ‏{‏ظَلَمَ نَفْسَهُ‏}‏ بترك الرضا لأنه يأثم به أو بإضراره بالمرأة بإيقاع الطلاق في غير الطهر المشروع ‏{‏أَمْراً‏}‏ بالرجعة اتفاقاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ‏}‏ قاربنه ‏{‏فَأَمْسِكُوهُنَّ‏}‏ ارتجعوهن ‏{‏بِمَعْرُوفٍ‏}‏ طاعة الله في الشهادة أو أن لا يقصد إضرارها بتطويل العدة ‏{‏فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏ أن يتركها في منزلها حتى تنقضي عدتها ‏{‏وَأَشْهِدُواْ‏}‏ على الرجعة فإن لم يشهد فقولان في صحتها‏.‏ ‏{‏مَخْرَجاً‏}‏ ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة أو علمه بأنه من الله وأنه هو المعطي المانع أو قناعته برزقه أو مخرجاً من الباطل إلى الحق ومن الضيق إلى السعة أو من يتق بالطلاق في العدة يجعل له مخرجاً بالرجعة وأن يكون كأحد الخطاب بعد انقضائها، أو بالصبر عند المصيبة يجعله له مخرجاً من النار إلى الجنة، أو نزلت في مالك الأشجعي أُسِرَ ابنه عوف فشكا ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مع ضر أصابه فأمره بالإكثار من الحوقلة فأفلت ابنه من الأسر واستاق معه سرحاً للكفار فأتى أباه فأخبر أبوه الرسول صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإبل فقال اصنع بها ما أحببت فنزلت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏بَالغُ أَمْرِهِ‏}‏ قاضٍ أمره فيمن توكل ومن لم يتوكل إلا أن من توكل يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً ‏{‏قَدْراً‏}‏ أجلاً ووقتاً أو منتهى وغاية أو مقداراً واحداً فإن كان فعلاً للعبد فهو مقدر بأمر الله وإن كان فعلاً لله فهو مقدر بمشيئته أو بمصلحة عباده‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏إِنِ ارْتَبْتُمْ‏}‏ بدمها هل هو حيض أو استحاضة أو بحكم عدتها فلم تعلموا بماذا يعتدون‏.‏ قالوا قد بقي من عدد النساء عِدد لم يذكرن الصغار والكبار المنقطع حيضهن وذوات الحمل فنزلت ‏{‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ‏}‏ بطلاق السنة ييسر أمره بالرجعة أو باجتناب المعصية يَسَّر أمره بالتوفيق للطاعة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏وُجْدِكُمْ‏}‏ سعتكم أو قوتكم أو طاقتكم أو مما تجدون ‏{‏لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ‏}‏ في المساكن أو النفقة ‏{‏فَإِنْ أَرْضَعْنَ‏}‏ أي المطلقات ‏{‏فَآتُوهُنَّ‏}‏ أجرة الرضاع لوجوب النفقة على الآباء ‏{‏وَأْتَمِرُواْ‏}‏ تشاوروا أو تراضوا في إرضاع الولد إذا وقعت بينكما الفرقة ‏{‏تَعَاسَرْتُمْ‏}‏ تضايقتم أو إختلفتم ‏{‏فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى‏}‏ وإن اختلفا فطلبت الأم الإرضاع وامتنع الأب أو طلبه الأب فامتنعت الأم والولد لا يقبل ثدي غيرها أجبر الممتنع وإن أعسر الأب بالأجرة لزمها الإرضاع للولد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏مِمَّآ ءَاتَاهُ‏}‏ نفقة المرضع بقدر المكنة أو لا يكلف بصدقة ولا زكاة ولا مال له أو لا يكلفه فريضة إلا بحسب قدرته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏ذِكْراً‏}‏ القرآن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏رَّسُولاً‏}‏ جبريل عليه السلام‏.‏ فيكون الذكر والرسول منزلين أو محمد صلى الله عليه وسلم تقديره وبعث رسولاً نزلت في مؤمني أهل الكتاب «ع» ‏{‏الظُّلُمَاتِ‏}‏ الجهل و‏{‏النُّورِ‏}‏ العلم أو ظلمات المنسوخ إلى ضياء الناسخ أو الباطل إلى الحق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏سَبْعَ سَمَاوَاتٍ‏}‏ اتفقوا أن السموات بعضها فوق بعض ‏{‏وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ‏}‏ سبع أرضين منبسطة ليس بعضها فوق بعض تفرق بينهن البحار ويظل جميعهن السماء «ع» وقال الجمهور سبع أرضين بعضها فوق بعض في كل أرض خلق تقلهم تلك الأرض وتظلهم أرض أخرى ولا تصل إلينا إلا الأرض العليا التي نحن عليها فعلى هذا إن الأرض العليا التي نحن عليها فعلى هذا إن كان منهم من يعقل فلا يلزمه دعوة الإسلام ولهم ضياء خلقه الله تعالى في أراضيهم عند من رأى الأرض كرية فلا يشاهدون السماء أو يشاهدونها من كل جوانب أرضهم فيرون منها الضياء عند من رأى الأرض منبسطة‏.‏ ‏{‏الأَمْرُ‏}‏ الوحي ‏{‏بَيْنَهُنَّ‏}‏ الأرض العليا والسماء السابعة وقال الأكثر الأمر قضاؤه وقدره ‏{‏بَيْنَهُنَّ‏}‏ بين أقصى الأرضين والسماء العليا ‏{‏لِتَعْلَمُواْ‏}‏ خلق هذا الملك العظيم لتعلموا أنه قادر على كل شيء قدير وإنها على ما بينهما من الخلق أقدر‏.‏

‏[‏سورة التحريم‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏لِمَ تُحَرِّمُ‏}‏ أراد المرأة التي وهبته نفسها فلم يقبلها «ع» أو سقته حفصة أو سودة أو أم سلمة عسلاً فحسدها نساؤه فقلن للرسول صلى الله عليه وسلم نجد منك ريح المغافير فقال شربت عسلاً فقلن جَرَستْ نحلُه العُرْفُط فحرمه على نفسه أو خلا الرسول صلى الله عليه وسلم بمارية في بيت حفصة لما خرجت لزيارة أبيها فلما عادت وعلمت عتبت فحرم مارية إرضاءاً لحفصة وقال لا تخبرين أحداً من نسائي فأخبرت به عائشة رضي الله تعالى عنها لمصافاة كانت بينهما وكانتا تتظاهران على نسائه فحرم مارية وطلق حفصة وجعل على نفسه أن يحرم سائر نسائه شهراً فاعتزلهن شهراً فنزلت هذه الآية فراجع حفصة واستحل مارية وعاد إلى سائر نسائه «ح» وحلف يميناً حرمها بها فعوتب على ذلك وأمر بتكفير يمينه أو حرمها بغير يمين فكان التحريم موجباً لكفارة اليمين «ع»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ‏}‏ بَيَّن المَخْرج من أيمانكم أو قدر كفارة حنثها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏حَدِيثاً‏}‏ أسر إلى حفصة تحريم مارية فلما ذكرته لعائشة وعلم الرسول ذلك عرفها بعض ما ذكرت ‏{‏وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ‏}‏ أدباً وإبقاءاً، أو أسرَّ إليها تحريم مارية وبشرها أن أبا بكر خليفته من بعده وأن أباها الخليفة بعد أبي بكر فذكرتهما لعائشة فلما اطلع على ذلك عرَّف ذلك التحريم ‏{‏وَأَعْرَضَ‏}‏ عن ذكر الخلافة لئلا ينتشر و‏{‏عَرَّفَ‏}‏ مخففاً غضب منه وجازى عليه‏.‏