فصل: تفسير الآية رقم (128)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***


تفسير الآية رقم ‏[‏158‏]‏

‏{‏هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ‏(‏158‏)‏‏}‏

‏{‏تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ‏}‏ لقبض أرواحهم، أو تأتيهم رسلاً لأنهم لم يؤمنوا مع ظهور الدلائل‏.‏ ‏{‏يَأْتِىَ رَبُّكَ‏}‏ أمره بالعذاب، أو قضاؤه في القيامة‏.‏ ‏{‏بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ‏}‏ طلوع الشمس من مغربها، أو طلوعها والدجال والدابة‏.‏ ‏{‏أَوْ كَسَبَتْ‏}‏ يعتد بالإيمان قبل هذه الآيات، وأما بعدها فإن لم تكسب فيه خيراً فلا يعتدّ به وإن كسبت فيه خيراً ففي الاعتداد به قولان، وظاهر الآية أنه يعتد به، ومن قال‏:‏ لا يعتدّ به كان المعنى لم تكن آمنت وكسبت قاله السدي‏.‏ ‏{‏خَيْراً‏}‏ أداء الفروض على أكمل الأحوال، أو التنفل بعد الفروض‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏159‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ‏(‏159‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ‏}‏ اليهود، أو النصارى واليهود أو جميع المشركين، أو أهل الضلالة من هذه الأمة‏.‏ ‏{‏دِينَهُمْ‏}‏ الذي أمروا به فرقوه بالاختلاف، أو الكفر الذي اعتقدوه ديناً‏.‏ ‏{‏شِيَعاً‏}‏ فرقاً يتمالؤون على أمر واحد مع اختلافهم في غيره من الظهور، شاع الخبر‏:‏ ظهر، أو من الاتباع، شايعه على الأمر‏:‏ تابعه عليه‏.‏ ‏{‏لَّسْتَ مِنْهُمْ‏}‏ من قتالهم ثم نسخ بآية السيف، أو لست من مخالطتهم، أمَرَه بالتباعد منهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏160‏]‏

‏{‏مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ‏(‏160‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْحَسَنَةِ‏}‏ بالإيمان، والسيئة‏:‏ الكفر، أو عامة في الحسنات والسيئات‏.‏ ‏{‏فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا‏}‏ عام في جميع الناس، أو خاص بالأعراب لهم عشر ولغيرهم من المهاجرين سبعمائة، قاله ابن عمر، وأبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، ولما فرض عشر أموالهم، وكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر كان العشر كأخذ جميع المال، والثلاثة كصوم الشهر، والسبعمائة من سنبلة أنبتت سبع سنابل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏162‏]‏

‏{‏قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏(‏162‏)‏‏}‏

‏{‏صَلاتِى‏}‏ ذات الركوع لله تعالى دون غيره من وثن أو بشر‏.‏ ‏{‏وَنُسُكِى‏}‏ ذبح الحج والعمرة، أو ديني، أو عبادتي، والناسك العابد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏164‏]‏

‏{‏قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ‏(‏164‏)‏‏}‏

‏{‏وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ‏}‏ لا يحمل أحد ذنب غيره، أخذ الوزر من الثقل، وزير الملك يتحمل الثقل عنه، أو من الملجأ ‏{‏كَلاَّ لاَ وَزَرَ‏}‏ ‏[‏القيامة‏:‏ 11‏]‏، وزير الملك لإلجاء أموره إليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏165‏]‏

‏{‏وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏165‏)‏‏}‏

‏{‏خَلآئِفَ الأَرْضِ‏}‏ أهل كل عصر يخلفون من تقدمهم ‏{‏وَرَفعَ بَعْضَكُمْ‏}‏ بالغنى والشرف في النسب وقوّة الأجساد‏.‏ ‏{‏سَرِيعُ الْعِقَابِ‏}‏ كل آتٍ قريب، أو لمن استحقّ تعجيل العقاب في الدنيا‏.‏

‏[‏سورة الأعراف‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏المص ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏المص‏}‏ أنا الله أفصل، أو هجاء «المصور»، أو اسم القرآن، أو للسورة، أو اختصار كلام يفهمه الرسول صلى الله عليه وسلم قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو حروف الاسم الأعظم، أو حرف هجاء مقطعة، أو من حساب الجُمَّل، أو حروف تحوي معاني كثيرة دلّ الله تعالى خلقه بها على مراده من كل ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏حَرَجٌ‏}‏ ضيق، أو شك، أو لا يضيق صدرك بتكذيبهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏أَهْلَكْنَاهَا‏}‏ حكمنا بإهلاكها فجاءها بأسنا، أو أهلكناها بإرسال ملائكة العذاب إليها فجاءها بأسنا بوقوع العذاب بهم، أون أهلكناها بالخذلان عن الطاعة فجاءتهم العقوبة، أو وقوع الهلاك والبأس معاً فتكون الفاء بمعنى «الواو» كقوله‏:‏ «أعطيت فأحسنت» وكان الإحسان مع العطاء لا بعده‏.‏ البَأس‏:‏ شدة العذاب، والبُؤْس‏:‏ شدة الفقر‏.‏ ‏{‏بَيَاتاً‏}‏ في نوم الليل‏.‏ ‏{‏قَآئِلُونَ‏}‏ نوم النهار ووقت القائلة لأن وقوع العذاب في وقت الراحة أفظع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏وَالْوَزْنُ‏}‏ القضاء بالعدل، أو موازنة الحسنات والسيئات بميزان له كفَّتان توضع الحسنات في إحداهما والسيئات في الأخرى أو توزن صحائف الأعمال إذ لا يمكن وزن الأعمال وهي أعراض قاله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أو يوزن الإنسان فيؤتى بالرجل العظيم الجثة فلا يزن جناح بعوضة، قاله عبيد بن عمير رضي الله تعالى عنهما ‏{‏فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ‏}‏ قضي له بالطاعة، أو زادت حسناته على سيئاته، أو ثقلت كفة حسناته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ خَلَقَناكُمْ‏}‏ في أصلاب الرجال ‏{‏ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ‏}‏ في أرحام النساء أو خلقناكم «إدم» ثم صورناكم في ظهره، أو خلقناكم نطفاً في أصلاب الرجال وترائب النساء ثم صورناكم في الأرحام، أو خلقناكم في الأرحام ثم صورناكم فيها بعد الخلق بشق السمع والبصر‏.‏ ‏{‏ثُمَّ قُلْنَا‏}‏ صورناكم في صلبه ثم قلنا، أو صورناكم ثم أخبرناكم بأنا قلنا، أو فيه تقديم وتأخير تقديره ثم قلنا للملائكة اسجدوا ثم صورناكم، أو يكون ثم بمعنى «الواو» قاله الأخفش، وأنكره بعض النحويين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏فَأْهْبِطْ مِنْهَا‏}‏ من السماء، أو من الجنة، قاله ربه له على لسان بعض الملائكة، أو أراه آية دلَّته على ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏أَنظِرْنِى‏}‏ طلب الإنظار بالعقوبة إلى يوم القيامة فأنظر بها إلى يوم القيامة، أو طلب الإنظار بالحياة إلى القيامة فأنظره إلى النفخة الأولى ليذوق الموت بين النفختين، وهو أربعون سنة، ولا يصح أجابة العصاة لأنها تكرمة ولا يستحقونها فقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّكَ مِنَ المنظرين‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 15‏]‏ ابتداء عطاء جعل عقيب سؤاله، أو يصح إجابتهم ابتلاءً وتأكيداً للحجة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِى‏}‏ الباء للقسم، أو للمجازاة، أو التسبب‏.‏ ‏{‏أَغْوَيْتَنِى‏}‏ أضللتني، أو خيبتني من جنتك، أو أهلكتني باللعن، غوى الفصيل‏:‏ أشفى على الهلاك‏.‏ ‏{‏لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ‏}‏ على صراطك‏:‏ طريق الحق، ليصدهم عنه، أو طريق مكة ليمنع من الحج والعمرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ‏}‏ من بين أيديهم‏:‏ أشككهم في الآخرة ‏{‏وَمِنْ خَلفِهِمْ‏}‏ أرغبهم في الدنيا ‏{‏وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ‏}‏ حسناتهم، ‏{‏وَعَن شَمَآئِلِهِمْ‏}‏ سيئاتهم‏.‏ قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أو «من بين أيديهم»‏:‏ الدنيا «وخلفهم» الآخرة، «وأيمانهم»‏:‏ الحق يشككهم فيه، وشمائلهم «الباطل» يرغبهم فيه، أو «بين أيديهم وعن أيمانهم» من حيث يبصرون، «ومن خلفهم وعن شمائلهم» من حيث لا يبصرون، أون أراد من كل جهة يمكن الاحتيال عليهم منها‏.‏ ‏{‏شَاكِرينَ‏}‏ ظنَّ أنهم لا يشكرون فصدق ظنه، أو يمكن أن علمه من بعض الملائكة بإخبار الله تعالى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏مَذْءُوماً‏}‏ مذموماً، أو أسواْ حالاً من المذموم، أو لئيماً، أو مقيتاً، أو منفياً‏.‏ ‏{‏مَّدْحُوراً‏}‏ مدفوعاً، أو مطروداً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏فَوَسْوَسَ‏}‏ الوسوسة‏:‏ إخفاء الصوت بالدعاء، وسوس له‏:‏ أوهمه النصح، ووسوس إليه‏:‏ ألقى إليه المعنى، كان في الأرض وهما في الجنة في السماء فوصلت وسوسته إليهما بقوة أعطيها قاله الحسن، أو كان في السماء، وكانا يخرجان إليه فيلقاهما هناك، أو خاطبهما من باب الجنة وهما فيها‏.‏ ‏{‏مَا نَهَاكُمَا‏}‏ هذه وسوسته‏:‏ رغَّبهما في الخلود وشرف المنزلة، وأوهمهما أنهما يتحولان في صور الملائكة، أو أنهما يصيران بمنزلة الملك في علو منزلته مع علمهما أن صورهما لا تتحول‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏فَدَلاَّهُمَا‏}‏ حطهما من منزلة الطاعة إلى منزلة المعصية‏.‏ ‏{‏وَطَفِقَا‏}‏ جعلا ‏{‏يَخْصِفَانِ‏}‏ يقطعان من ورق التين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏اهْبِطُواْ‏}‏ آدم وحواء وإبليس، أخبر أنه أمرهم وإن وقع أمره في زمانين لأن إبليس أخرج قلبهما‏.‏ ‏{‏مُسْتَقَرٌّ‏}‏ استقرار، أو موضع استقرار ‏{‏وَمَتَاعٌ‏}‏ ما انتفع به من عروض الدنيا‏.‏ ‏{‏حِينٍ‏}‏ انقضاء الدنيا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏قَدْ أَنزَلْنَا‏}‏ لما كانوا يطوفون بالبيت عراة ويرونه أبلغ في التعظيم بنزع ثياب عصوا فيها، أو للتفاؤل بالتعرِّي من الذنوب نزلت وجُعل اللباس مُنزلاً، لنباته بالمطر المنزَل، أو لأنه من بركات الله تعالى والبركة تنسب إلى النزول من السماء ‏{‏وَأَنزْلْنَا الحديد‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 25‏]‏ ‏{‏سَوْءَاتِكُمْ‏}‏ عوراتكم، لأنه يسوء صاحبها انكشافها‏.‏ ‏{‏وَرِيشاً‏}‏ المعاش، أو اللباس والعيش والنعيم، أو الجمال، أو المال‏.‏

فريشي منكم وهواي معكم *** وإن كانت زيارتكم لماما

‏{‏وَلِبَاسُ التَّقْوَى‏}‏ الإيمان، أو الحياء، أو العمل الصالح، أو السمت الحسن، أو خشية الله تعالى أو ستر العورة‏.‏ ‏{‏ذَلِكَ خَيْرٌ‏}‏ لباس التقوى خير من الرياش واللباس، أو يريد أن ما ذكره من اللباس والرياش ولباس التقوى ذلك خير كله فلا يكون خير للتفضيل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

‏{‏يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏لِبَاسَهُمَا‏}‏ من التقوى والطاعة، أو كان لباسهما نوراً، أو أظفاراً تستر البدن فنُزعت عنهما وتُركت زينة وتذكرة، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ‏}‏ توجَّهوا حيث كنتم في الصلاة إلى الكعبة، أو اجعلوا سجودكم خالصاً لله تعالى دون الأصنام‏.‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ‏}‏ شقياً وسعيداً كذلك تبعثون يوم القيامة، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو كما تبعثون، قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «يُحشر الناس حفاة عراة غُرلاً» ثم قرأ ‏{‏كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 104‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ‏(‏31‏)‏‏}‏

‏{‏خُذُواْ زِينَتَكُمْ‏}‏ ستر العورة في الطواف، أو في الصلاة أو التزين باجمل اللباس في الجمع والإعياد، أو أراد المشط لتسريح اللحية وهو شاذ‏.‏ ‏{‏وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ‏}‏ ما أحلَّ لكم ‏{‏وَلا تُسْرِفُواْ‏}‏ في التحريم، أو لا تأكلوا حراماً، أو لا تأكلوا ما زاد على الشبع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

‏{‏قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏زِينَةَ اللَّهِ‏}‏ ستر العورة في الطواف‏.‏ ‏{‏وَالطَّيِّبَاتِ‏}‏ الحلال، أو المستلذ كانوا يحرِّمون السمن والألبان في الإحرام، أو البحيرة والسائبة‏.‏ ‏{‏خَالِصَةً‏}‏ لهم دون الكفر، أو خالصة من مأثم أو مضرّة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

‏{‏فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏نَصِيبُهُم‏}‏ العذاب، أو الشقاء والسعادة، أو ما كتب عليهم مما عملوه في الدنيا، أو ما وُعدوا في الكتاب من خير أو شر، أو ما كتب لهم من الأجل والرزق والعمل‏.‏ ‏{‏يَتَوَفَّوْنَهُمْ‏}‏ بالموت، أو بالحشر إلى النار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ‏(‏40‏)‏‏}‏

‏{‏لا تُفَتَّحُ‏}‏ لأرواحهم، وتفتح لأرواح المؤمنين، أو لدعائهم وأعمالهم أو لا تفتح لهم لدخول الجنة لأنها في السماء‏.‏ ‏{‏الْجَمَلُ‏}‏ البعير، وسم الخياط‏:‏ ثقب الإبرة، أو السم القاتل الداخل في مسام الجسد الخفية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏مِهَادٌ‏}‏ المهاد‏:‏ الوطاء، ومنه مهد الصبي‏.‏ ‏{‏غَوَاشٍ‏}‏ لحف، أو لباس، أو ظلل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

‏{‏وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ‏(‏43‏)‏‏}‏

‏{‏وَنَزَعْنَا‏}‏ الحقد من صدورهم لطفاً بهم، أو انتزاعه من لوازم الإيمان الذي هدوا إليه، وهو أحقاد الجاهلية، أو لا تحاقد ولا عداوة بعد الإيمان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏الأَعْرَافِ‏}‏ جمع «عرف»، وهو سور بين الجنة والنار، مأخوذ من الارتفاع، منه عرف الديك، وأصحابه فضلاء المؤمنين، قاله الحسن ومجاهد، أو ملائكة في صور الرجال، أو قوم بطأت بهم صغائرهم إلى آخر الناس، أو قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فجعلوا هنالك حتى يقضي الله تعالى فيهم ما شاء ثم يدخلون الجنة، قاله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أو قوم قُتلوا في سبيل الله تعالى عصاة لآبائهم، سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف فقال‏:‏ «قوم قُتلوا في سبيل الله تعالى بمعصية آبائهم فمنعهم القتل في سبيل الله تعالى عن النار، ومنعتهم معصية آبائهم أن يدخلوا الجنة» ‏{‏بِسِيمَاهُمْ‏}‏ علامات في وجوههم وأعينهم، سواد الوجه وزرقة العين لأهل النار، وبياضه وحسن العين لأهل الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ‏(‏48‏)‏‏}‏

‏{‏وَنَادَى‏}‏ وينادي، أو تقديره‏:‏ إذا كان يوم القيامة نادى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ‏(‏53‏)‏‏}‏

‏{‏تَأْوِيلَهُ‏}‏ تأويل القرآن‏:‏ عاقبته من الجزاء، أو البعث والحساب‏.‏ ‏{‏نَسُوهُ‏}‏ أعرضوا عنه فصار كالمنسِي، أو تركوا العمل به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

‏{‏إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ‏(‏54‏)‏‏}‏

‏{‏سِتَّةِ أَيَّامٍ‏}‏ من الأحد إلى الجمعة‏.‏ ‏{‏اسْتَوَى‏}‏ أمره على العرش، قاله الحسن، أو استولى‏.‏ ‏{‏الْعَرْشِ‏}‏ عبَّر به عن الملك لعادة الملوك الجلوس على الأَسرَّة، أو السموات كلها، لأنها سقف وكل سقف عرش ‏{‏خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 259، الكهف‏:‏ 42‏]‏ سقوفها أو موضع هو أعلى ما في السماء وأشرفه محجوب عن الملائكة‏.‏ ‏{‏يُغْشِى‏}‏ ظلمة الليل ضوء النهار‏.‏ ‏{‏يَطْلُبُهُ‏}‏ عبَّر عن سرعة التعاقب بالطلب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

‏{‏ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ‏(‏55‏)‏‏}‏

‏{‏تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً‏}‏ رعبة ورهبة، أو التضرع‏:‏ التذلل، والخفية‏:‏ الإسرار‏.‏ ‏{‏لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ‏}‏ في الدعاء برفع الصوت، أو بطلب ما لا يستحقه من منازل الأنبياء، أو باللعنة والهلاك على من لا يستحقهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

‏{‏وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ‏(‏56‏)‏‏}‏

‏{‏وَلا تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا‏}‏ ‏[‏لا تفسدوها بالكفر بعد إصلاحها‏]‏ بالإيمان، أو بالمعصية بعد إصلاحها بالطاعة، أو بتكذيب الرسل بعد إصلاحها بالوحي، أو بقتل المؤمن بعد إصلاحها ببقائه‏.‏ ‏{‏رَحْمَتَ اللَّهِ‏}‏ أتت على المعنى لأنها «إنعام»، أو «مكان رحمة الله»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

‏{‏وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ‏(‏58‏)‏‏}‏

‏{‏وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ‏}‏ القلب النقي ‏{‏يَخْرُجُ نَبَاتُهُ‏}‏ من الإيمان والطاعات ‏{‏بِإِذْنِ رَبِّهِ‏}‏ بما أمر به ذلك ‏{‏وَالَّذِى خَبُثَ‏}‏ من القلوب ‏{‏لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا‏}‏ بالكفر والمعاصي، قاله بعض أرباب القلوب، والجمهور على أنه من بلاد الأرض الطيِّب التربة والرخيص السعر، أو الكثير العلماء، أو العادل سلطانه‏.‏ ضرب الله تعالى الأرض الطيبة مثلاً للمؤمن، والخبيثة السبخة مثلاُ للكافر ‏{‏يَخْرُجُ نَبَاتُهُ‏}‏ زرعه وثماره ‏{‏بِإِذْنِ رَبِّهِ‏}‏ بلا كد على قول التربة، أو صلاح أهله على قول الطيب بالعلماء ‏{‏بِإِذْنِ رَبِّهِ‏}‏ بدين ربه، أو كثرة أمواله وحسن أحواله على قول عدل السلطان ‏{‏بِإِذْنِ رَبِّهِ‏}‏ بأمر ربه ‏{‏وَالَّذِى خَبُثَ‏}‏ في تربته، أو بغلاء أسعاره، أو بجور سلطانه، أو قلّة علمائه‏.‏ ‏{‏نَكِداً‏}‏ بالكد والتعب، أو قليلاً لا ينتفع به، أو عسراً لشدّته مانعاً من خيره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

‏{‏أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ‏(‏69‏)‏‏}‏

‏{‏بَسطَةً‏}‏ قوة، أو بسط اليدين وطول الجسد، كان أقصرهم طوله اثنا عشر ذراعاً‏.‏ ‏{‏ءَالآءَ اللَّهِ‏}‏ نعمه، أو عهوده‏.‏

أبيض لا يرهب الهزال *** ولا يقطع رحماً ولا يخون إلاَّ

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

‏{‏قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ‏(‏71‏)‏‏}‏

‏{‏رِجْسٌ‏}‏ عذاب، أو سخط، أو هو الرجز أًبدلت زايه سيناً‏.‏ ‏{‏سَمَّيْتُمُوهَآ‏}‏ آلهة، أو سموا بعضاً بأن يسقيهم المطر والآخر أن يأتيهم بالرزق والآخر أن يشفي المرضى والآخر أن يصحبهم في السفر، قيل ما أمرهم هود إلا بالتوحيد والكف عن ظلم الناس فأبوا ‏{‏وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 15‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏73‏]‏

‏{‏وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏73‏)‏‏}‏

‏{‏ءَايَةً‏}‏ فريضة، ‏{‏وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 1‏]‏ فروضاً، فرض عليهم أن لا يعقروها ولا يمسوها بسوء، أو علامة على قدرته، لأنها تمخَّضت بها صخرة ملساء كما تتمخَّض المرأة فانفلقت عنها على الصفة التي طلبوها، وكانت تشرب في يومها ماء الوادي كله وتسقيهم اللبن بدله، ولهم يوم يخصهم لا تقرب فيه ماءهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏74‏]‏

‏{‏وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ‏(‏74‏)‏‏}‏

‏{‏وَبَوَّأَكُمْ‏}‏ أنزلكم، أو مكَّنكم فيها من منازل تأوون إليها‏.‏ ‏{‏الأَرْضِ‏}‏ أرض الحجر بين الشام والمدينة‏.‏ ‏{‏قُصُورًا‏}‏ تصيِّفون فيه، وتشتُّون في بيوت الجبال لأنها أحصن، وأبقى وأدفأ، وكانوا طوال الأعمار والآمال، والقصر‏:‏ ما شُيِّد وعلا من المنازل‏.‏ ‏{‏ءَالآءَ اللَّهِ‏}‏ تعالى نعمه، أو عهوده‏.‏ ‏{‏تَعْثُوْاْ‏}‏ العيث‏:‏ السعي في الباطل، أو الفعل المؤذي لغير فاعله‏.‏ ‏{‏مُفْسِدِينَ‏}‏ بالمعاصي، أو بالدعاء أو عبادة غير الله تعالى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏78‏]‏

‏{‏فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ‏(‏78‏)‏‏}‏

‏{‏الرَّجْفَةُ‏}‏ زلزلة الأرض، أو الصيحة، قال السدي‏:‏ «كل ما في القرآن من دارهم فالمراد به مدينتهم، وكل ما فيه من ديارهم فالمراد به عساكرهم»‏.‏ ‏{‏جَاثِمِينَ‏}‏ أصبحوا كالرماد الجاثم، لاحتراقهم بالصاعقة أو الجاثم‏:‏ البارك على ركبتيه، قيل‏:‏ كان ذلك بعد العصر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏79‏]‏

‏{‏فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ‏(‏79‏)‏‏}‏

‏{‏فَتَوَلَّىَ عَنْهُمْ‏}‏ خرج عن أرضهم بمن آمن معه وهم مائة وعشرة، قيل خرج ‏[‏إلى‏]‏ فلسطين، وقيل‏:‏ لم تهلك أمة ونبيهم بين أظهرهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏82 - 87‏]‏

‏{‏وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ‏(‏82‏)‏ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ‏(‏83‏)‏ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ‏(‏84‏)‏ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ‏(‏85‏)‏ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ‏(‏86‏)‏ وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ‏(‏87‏)‏‏}‏

‏{‏يَتَطَهَّرُونَ‏}‏ من إتيان الأدبار، أو بإتيان النساء في الأطهار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏89‏]‏

‏{‏قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ‏(‏89‏)‏‏}‏

‏{‏نَّعُودَ فِيهَآ‏}‏ حكاية عن أتباع شعيب الذين كانوا قبل اتباعه على الكفر، أو قاله تنزُّلاً لو كان عليها لم يعد إليها، أو يطلق لفظ العود على منشىء الفعل وإن لم يسبق منه فعل مثله ‏{‏فِيهَآ‏}‏ في القرية، أو ملّة الكفر عند الجمهور‏.‏ ‏{‏إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ‏}‏ علّق العود على المشيئة تبعيداً كقوله‏:‏ ‏{‏حتى يَلِجَ الجمل‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 40‏]‏، أو لو شاء الله تعالى عبادة الوثن كانت طاعة لأنه شاءها كتعظيم الحجر الأسود‏.‏ ‏{‏افْتَحْ‏}‏ اكشف؛ أو احكم، وأهل عُمان يسمون الحاكم، «الفاتح» و«الفتاح» ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ «كنت لا أدري ما معنى قوله‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا افْتَحْ‏}‏ حتى سمعت بنت ذي يزن تقول‏:‏ تعالَ أفاتحك تعني أقاضيك وسمي بذلك، لأنه يفتح باب العلم المنغلق على غيره، وحكم الله تعالى لا يكون إلا بالحق، فقوله بالحق أخرجه مخرج الصفة لا أنه طلبه، أو طلب أن يكشف الله تعالى لمخالفه أنه على الحق، أو طلب الحكم في الدنيا بنصر المحق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏92‏]‏

‏{‏الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ ‏(‏92‏)‏‏}‏

‏{‏يَغْنَواْ‏}‏ يقيموا، أو يعيشوا، أو ينعموا، أو يُعَمَّروا، ‏{‏هُمُ الْخَاسِرِينَ‏}‏ بالكفر، أو بالهلاك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏94‏]‏

‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ‏(‏94‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْبَأْسَآءِ‏}‏ بالقحط ‏{‏وَالضَّرَّآءِ‏}‏ الأمراض والشدائد، أو البأساء‏:‏ الجوع، والضراء‏:‏ الفقر، أو البأساء‏:‏ البلاء، والضراء‏:‏ الزمانة، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو البأساء‏:‏ الشدائد في أنفسهم، والضراء‏:‏ الشدائد في أموالهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏95‏]‏

‏{‏ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ‏(‏95‏)‏‏}‏

‏{‏السَّيِّئَةِ‏}‏ الشدة و‏{‏الْحَسَنَةَ‏}‏ الرخاء، أو السيئة‏:‏ الشر، والحسنة‏:‏ الخير‏.‏ ‏{‏عَفَواْ‏}‏ كثروا، أو أعرضوا، أو سمنوا، أو سُرُّوا‏.‏ ‏{‏مَسَّ ءَابَآءَنَا الضَّرَّآءُ وَالسَّرَّآءُ‏}‏ يريدون ليس عقوبة على التكذيب بل ذلك عادة الله تعالى في خلقه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏96‏]‏

‏{‏وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ‏(‏96‏)‏‏}‏

‏{‏لَفَتَحْنَا‏}‏ لرزقنا أو لوسعنا‏.‏ ‏{‏بَرَكَاتٍ‏}‏ السماء القطر، وبركات الأرض النبات والثمار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏100‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ‏(‏100‏)‏‏}‏

‏{‏لا يَسْمَعُونَ‏}‏ لا يقبلون، ومنه سمع الله لمن حمده‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏101‏]‏

‏{‏تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ‏(‏101‏)‏‏}‏

‏{‏فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ‏}‏ وقت أخذ الميثاق يوم الذر أو لم يؤمنوا عند مجيء الرسل بما سبق عليهم أنهم يكذبون به يوم الذر، أو لو أحييناهم بعد هلاكهم لم يؤمنوا بما كذبوا قبل هلاكهم كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 28‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏102‏]‏

‏{‏وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ‏(‏102‏)‏‏}‏

‏{‏مِّنْ عَهْدٍ‏}‏ من طاعة للأنبياء، أو من وفاء بعهد عهده إليهم مع الرسل أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، أو عهد يوم الذر، أو ما ركز في عقولهم من معرفته ووجوب شكره‏.‏ ‏{‏لَفَاسِقِينَ‏}‏ الفسق‏:‏ الخروج عن الطاعة، أو خيانة العهد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏105‏]‏

‏{‏حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏(‏105‏)‏‏}‏

‏{‏حَقِيقٌ‏}‏ حريص، أو واجب، أخذ من وجوب الحق‏.‏ ‏{‏إِلاَّ الْحَقَّ‏}‏ الصدق، أو ما فرضه عليَّ من الرسالة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏111‏]‏

‏{‏قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ‏(‏111‏)‏‏}‏

‏{‏أَرْجِهْ‏}‏ أخره، أو احبسه‏.‏ ‏{‏حَاشِرِينَ‏}‏ أصحاب الشُّرَط، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏117‏]‏

‏{‏وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ‏(‏117‏)‏‏}‏

‏{‏عَصَاكَ‏}‏ هي أول آيات موسى عليه الصلاة والسلام من آس الجنة، طولها عشرة أذرع بطول موسى عليه الصلاة والسلام، فضرب بها باب فرعون ففزع فشاب فخضب بالسواد حياء من قومه، وكان أول من خضب بالسواد، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏.‏ ‏{‏تَلْقَفُ‏}‏ التلقُف‏:‏ التناول بسرعة، يريد ابتلاعها بسرعة‏.‏ ‏{‏يَأْفِكُونَ‏}‏ يقلبون، المؤتفكات‏:‏ المنقلبات، أو يكذبون من الإفك‏.‏

‏{‏ألْقُواْ‏}‏ تقديره «إن كنتم محقين»، أو أَلقوا على ما يصح ويجوز دون ما لا يصح‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏118‏]‏

‏{‏فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏118‏)‏‏}‏

‏{‏فَوَقَعَ الْحَقُّ‏}‏ ظهرت العصا على حبال السحرة، أو ظهرت نبوة موسى عليه الصلاة والسلام على ربوبية فرعون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏120‏]‏

‏{‏وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ‏(‏120‏)‏‏}‏

‏{‏سَاجِدِينَ‏}‏ لله إيماناً بربوبيته، أو لموسى عليه الصلاة والسلام تسليماً له وإيماناً بنبوّته، أُلهموا السجود لله تعالى أو رأوا موسى عليه الصلاة والسلام وهارون سجدا شكراً عند الغلبة فاقتدوا بهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏127‏]‏

‏{‏وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ‏(‏127‏)‏‏}‏

‏{‏الْمَلأُ‏}‏ الأشراف، أو الرؤساء، أو الرهط، والنفر‏:‏ «الرجال الذين لا نساء معهم»، والرهط أقوى من النفر وأكبر، والملأ‏:‏ المليئون بما يراد منهم، أو تملأ النفوس هيبتهم، أو يملؤون صدور المجالس، وإنما أنكروا على فرعون، لأنهم رأوا منه خلاف عادة الملوك في السطوة بمن أظهر مخالفتهم، وكان ذلك لطفاً من الله تعالى بموسى عليه الصلاة والسلام‏.‏ ‏{‏لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ‏}‏ بعبادة غيرك، أو بالغلبة عليها وأخذ قومه منها‏.‏ ‏{‏وَءَالِهَتَكَ‏}‏ كان يعبد الأصنام وقومه يعبدونه، أو كان يعبد ما يستحسن من البقر ولذلك أخرج السامري العجل وكان معبوداً في قومه، أو أصنام كان يعبدها قومه تقرباً إليه، قاله الزجاج، قرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ‏{‏وءَالهتَك‏}‏ أي وعبادتك وقال‏:‏ كان فرعون يُعْبَد ولا يَعْبُد‏.‏ ‏{‏سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ‏}‏ عدل عن قتل موسى إلى قتلهم، لأنه علم أنه لا يقدر على قتل موسى عليه الصلاة والسلام إما لقوته، أو لأنه مصروف عن قتله فأراد استئصال بني إسرائيل ليضعف عنه موسى‏.‏ ‏{‏وَنَسْتَحْىِ نِسَآءَهُمْ‏}‏ نفتش حياءهن عن الولد، والحياء‏:‏ الفرج، والأظهر أنه نبقهن أحياء لضعفهن عن المنازعة والمحاربة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏128‏]‏

‏{‏قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ‏(‏128‏)‏‏}‏

‏{‏يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ‏}‏ أعلمهم أن الله تعالى يورثهم أرض فرعون، أو سلاهم بأن الأرض لا تبقى على أحد حتى تبقى لفرعون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏129‏]‏

‏{‏قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ‏(‏129‏)‏‏}‏

‏{‏أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا‏}‏ بالاستبعاد وقتل الأبناء ‏{‏وَمِن بَعْدِ‏}‏ بالوعيد بإعادة ذلك عليهم، أو بالجزية من قبل مجيئه وبعده، أو كانوا يضربون اللَّبِنَ ويُعطون التبن فلما جاء صاروا يضربون اللَّبِنَ وعليهم التبن أو كانوا يسخرون في الأعمال نصف النهار ويكسبون لأنفسهم في النصف الآخر فلما جاء سخَّرهم جميع النهار بغير طعام ولا شراب ‏{‏مِن قَبْلِ أَن تَأَتِيَنَا‏}‏ بالرسالة ‏{‏وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا‏}‏ بها، أو من قبل أن تأتينا بعهد الله تعالى أنه يخلِّصنا، ومن بعد ما جئتنا به شكوا ذلك استغاثة منهم بموسى عليه الصلاة والسلام أو استبطاء لوعده‏.‏ ‏{‏عَسَى‏}‏ في اللغة طمع وإشفاق، وهي من الله تعالى إيجاب ويقين ويحتمل أن يكون رجاهم ذلك‏.‏ ‏{‏وَيَسْتَخْلِفَكُمْ‏}‏ يجعلكم خلفاً من فرعون، أو يجعلكم خلفاً لنفسه لأنكم أولياؤه‏.‏ ‏{‏الأَرْضِ‏}‏ أرض مصر، أو الشام‏.‏ ‏{‏فَيَنظُرَ‏}‏ فيرى، أو فيعلم أولياؤه‏.‏ وعدهم بالنصر، أو حذّرهم من الفساد، لأن الله تعالى ينظر كيف تعملون في طاعته أو خلافته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏130‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ‏(‏130‏)‏‏}‏

‏{‏بِالسِّنِينَ‏}‏ الجوع، أو الجدوب، أخذتهم السنة‏:‏ قحطوا، قال الفراء‏:‏ بالسنين‏:‏ القحط عاماً بعد عام، قيل قحطوا سبع سنين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏131‏]‏

‏{‏فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏131‏)‏‏}‏

‏{‏الْحَسنَةُ‏}‏ الخصب، والسيئة‏:‏ الجدب، أو الحسنة‏:‏ السلامة والأمن، والسيئة‏:‏ الأمراض والخوف‏.‏ ‏{‏لَنَا هَذِهِ‏}‏ أي كانت هذه حالنا في أوطاننا قبل اتباعنا لك‏.‏ ‏{‏يَطَّيَّرُواْ‏}‏ يتشاءموا، يقولون‏:‏ هذه بطاعتنا لك‏.‏ ‏{‏طَآئِرُهُمْ‏}‏ حظهم من العقاب، أو طائر البركة، والشؤم من الخير والشر والنفع والضر من عند الله تعالى لا صنع فيه لمخلوق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏133‏]‏

‏{‏فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ‏(‏133‏)‏‏}‏

‏{‏الطُّوفَانَ‏}‏ الغرق بالماء الزائد، أو الطاعون، أو الموت، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الطوفان‏:‏ الموت» أو أمر من الله تعالى طاف بهم، أو المطر والريح، أو عذاب، «قيل‏:‏ دام بهم ثمانية أيام من السبت إلى السبت، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ فما زال الطوفان حتى خرج زرعهم حسناً، فقالوا‏:‏ هذه نعمة فأرسل الله تعالى عليهم الجراد بعد شهر فأكل جميع نبات الأرض وبقي من السبت إلى السبت، ثم طلع بعد الشهر من الزرع ما قالوا هذا يكفينا فأرسل الله تعالى عليهم القُمَّل فسحقها»، وهو الدبا صغار الجراد لا أجنحة له، أو سوس الحنطة، أو البراغيث، أو القردان، أو ذوات سود صغار‏.‏ ‏{‏وَالدَّمَ‏}‏ الرعاف، أو صار ماء شربهم دماً عبيطاً‏.‏ ‏{‏مُّفَصَّلاتٍ‏}‏ مبينات لنبوة موسى عليه الصلاة والسلام أو انفصل بعضها عن بعض فكان بين كل آيتين شهر‏.‏ ‏{‏فَأسْتَكْبَرُواْ‏}‏ عن الإيمان بموسى عليه الصلاة والسلام، أو عن الاتعاض بالآيات‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏134‏]‏

‏{‏وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏(‏134‏)‏‏}‏

‏{‏الرِّجْزُ‏}‏ العذاب، أو طاعون أهلك من القبط سبعين ألفاً ‏{‏بِمَا عَهِدَ عِندَكَ‏}‏ الباء للقسم، أو بما أوصاك أن تفعله في قومك، أو بما عهده إليك أن تدعوه به فيجيبك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏137‏]‏

‏{‏وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ‏(‏137‏)‏‏}‏

‏{‏مَشَارِقَ الأَرْضِ‏}‏ الشرق والغرب، أو أرض الشام ومصر، أو الشام وحدها شرقها وغربها‏.‏ ‏{‏بَارَكْنَا فِيهَا‏}‏ بالخصب، أو بكثرة الثمار والأشجار والأنهار‏.‏ ‏{‏وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ‏}‏ بإهلاك عدوهم واستخلافهم او بما وعدهم به بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ‏}‏ الآيتين ‏[‏القصص‏:‏ 5، 6‏]‏ ‏{‏الْحُسْنَى‏}‏ لأنها وعد بما يحبون‏.‏ ‏{‏بِمَا صَبَرُواْ‏}‏ على طاعة الله تعالى أو على أذى فرعون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏139‏]‏

‏{‏إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏139‏)‏‏}‏

‏{‏مُتَبَّرٌ‏}‏ باطل أو ضلال، أو مُهلك، والتبر‏:‏ الذهب، لأن معدنه مهلك، أو لكسره، وكل إناء مكسور متبر، قاله الزجاج‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏141‏]‏

‏{‏وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ‏(‏141‏)‏‏}‏

‏{‏بَلآءٌ‏}‏ في خلاصكم، أو فيما فعلوه بكم، والبلاء‏:‏ الاختبار بالنعم، أو النقم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏142‏]‏

‏{‏وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ‏(‏142‏)‏‏}‏

‏{‏ثَلاثِينَ لَيْلَةً‏}‏ أمر بصيامها، والعشر بعدها أجل المناجاة، أو الأربعون كلها أجل الميقات للمناجاة، قيل ذو القعدة وعشر من ذي الحجة‏.‏ تأخر عنه قومه في الأجل الأول فزادهم الله تعالى العشر ليحضروه، أو لأنهم عبدوا العجل بعده فزاد الله تعالى العشر عقوبة لهم، ‏{‏فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً‏}‏ تأكيد، أو لبيان أن العشر ليالي وليست بساعات، أو لبيان أن العشر زائد على الثلاثين غير داخل فيها، لأن تمام الشيء يكون بعضه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏143‏]‏

‏{‏وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏143‏)‏‏}‏

‏{‏أَرِنِى‏}‏ سأل الرؤية ليجاب بما يحتج به على قومه إذ قالوا ‏{‏أَرِنَا الله جَهْرَةً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 153‏]‏ مع علمه أنه لا يجوز أن يراه في الدنيا، أو كان يعلمه باستدلال فأحبَّ أن يعلمه ضرورة، أو كان يظن ذلك حتى ظهر له ما ينفيه‏.‏ ‏{‏تَجَلَّى‏}‏ ظهر بآياته التي أحدثها في الجبل لحاضري الجبل، أو ظهر من ملكوته للجبل ما تدكدك به، لأن الدنيا لا تقوم لما يظهر من ملكوت السماء، أو ظهر قدر الخنصر من العرش، أو أظهر أمره للجبل، والتجلَّي‏:‏ الظهور، ومنه جلاء المرآة وجلاء العروس‏.‏ ‏{‏دَكّاً‏}‏ مستوياً بالأرض، ناقة دكاء لا سنام لها، أو ساخ في الأرض أو صار تراباً، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو صار قطعاً‏.‏ ‏{‏صَعِقاً‏}‏ ميتاً، أو مغشياً عليه، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخذته العشية عشية الخميس يوم عرفة فأفاق عشية الجمعة يوم النحر وفيه نزلت عليه التوراة، فيها عشرة آيات نزلت في القرآن في ثماني عشرة آية من بني إسرائيل‏.‏ ‏{‏تُبْتُ‏}‏ من السؤال قبل الإذن، أو من تجويز الرؤية في الدنيا، أو ذكر ذلك على جهة التسبيح، لأن المؤمن يسبِّح عند ظهور الآيات‏.‏ ‏{‏أَوَّلُ الْمؤْمِنِينَ‏}‏ أنه لا يراك شيء من خلقك في الدنيا، أو باستعظام سؤال الرؤية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏145‏]‏

‏{‏وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ‏(‏145‏)‏‏}‏

‏{‏وَكَتَبْنَا‏}‏ فرضنا ك ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 183‏]‏ أو خططنا بالقلم‏.‏ ‏{‏الأَلْوَاحِ‏}‏ زمرد أخضر، أو ياقوت، أو بُرد، أو خشب، أًخذ اللوح من أن المعاني تلوح بالكتابة فيه‏.‏ ‏{‏مِن كُلِّ شَىْءٍ‏}‏ يحتاج إليه في الدين من حرام، أو حلال، أو مباح، أو واجب، أو غير واجب، أو كل شيء من الحِكم والعِبر‏.‏ ‏{‏مَّوْعِظَةً‏}‏ بالنواهي ‏{‏وَتَفْصِيلاً‏}‏ بالأوامر، أو موعظة‏:‏ بالزواجر، وتفصيلاً‏:‏ بالأحكام، وكانت سبعة ألواح‏.‏ ‏{‏بِقُوَّةٍ‏}‏ بجد واجتهاد، أو بطاعة، أو بصحة عزيمة، أو بشكر‏.‏ ‏{‏بِأَحْسَنِهَا‏}‏ الفرائض أحسن من المباح، أو بناسخها دون منسوخها أو المأمور أحسن من ترك المنهي وإن كانا طاعة‏.‏ ‏{‏دَارَ الْفَاسِقِينَ‏}‏ جهنم، أو منازل الهلكى ليعتبروا بنكالهم، أو مساكن الجبابرة والعمالقة بالشام، أو مصر دار فرعون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏146‏]‏

‏{‏سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ‏(‏146‏)‏‏}‏

‏{‏سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَاتِىَ‏}‏ أمنع عن فهم القرآن، أو أجزيهم على كفرهم بإضلالهم عما جاء به من الحق، أو أصرفهم عن دفع الانتقام عنهم ‏{‏يَتَكَبَّرُونَ‏}‏ عن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم أو يحقرون الناس ويرون لهم عليهم فضلاً‏.‏ ‏{‏الرُّشْدِ‏}‏ الإيمان، والغي‏:‏ الكفر، أو الرشد‏:‏ الهدى، والغي‏:‏ الضلال‏.‏ ‏{‏غَافلِينَ‏}‏ عن الإيمان، أو عن الجزاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏150‏]‏

‏{‏وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ‏(‏150‏)‏‏}‏

‏{‏أَسِفاً‏}‏ حزيناً، أو شديد الغضب، أو مغتاظاً، أو نادماً‏.‏ والأَسِف‏:‏ المتأسف على فوت ما سلف، غضب عليهم لعبادة العجل أسفاً على ما فاته من المناجاة، أو غضب على نفسه من تركهم حتى ضلُّوا أسفاً على ما رآهم عليه من المعصية، قال بعض المتصوفة‏:‏ أغضبه الرجوع عن مناجاة الحق إلى مخالطبة الخلق‏.‏ ‏{‏أَمْرَ رَبِّكُمْ‏}‏ وعده بالأربعين، ظنوا موت موسى عليه الصلاة والسلام لما لم يأتهم على رأس الثلاثين، أو وعده بالثواب على عبادته فعدلتم إلى عبادة غيره، والعجلة‏:‏ التقدم بالشيء قبل وقته، والسرعة‏:‏ عمله في أول أوقاته‏.‏ ‏{‏وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ‏}‏ غضباً لما رأى عبادة العجل، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو لما رأى فيها أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيرُ أمة أُخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله، قال‏:‏ رب اجعلهم أمتي، قال‏:‏ تلك أمة أحمد فاشتدّ عليه فألقاها، قاله قتادة‏.‏ فلما ألقاها تكسرت ورفعت إلا سبعها، وكان في المرفوع تفصيل كل شيء، وبقي الهدى والرحمة في الباقي فـ ‏{‏أَخَذَ الآَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 154‏]‏ وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تكسرت الألواح ورُفعت إلا سدسها‏.‏ ‏{‏بِرَأْسِ أَخِيهِ‏}‏ بأذنه، أو شعر رأسه، كما يقبض الرجل منا على لحيته ويعض على شفته، أو يجوز أن يكون ذلك في ذلك الزمان بخلاف ما هو عليه الآن من الهوان‏.‏ ‏{‏أبْنَ أُمَّ‏}‏ كان أخاه لأبويه، أو استعطفه بالرحمة كما في عادة العرب قال‏:‏

يا ابن أمي ويا شُقَيِّقَ نفسي ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

‏{‏مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‏}‏ لا تغضب عليَّ كما غضبت عليهم، فَرَقَّ له، فـ ‏{‏قَالَ رَبِّ أغْفِرْ لِي وَلأَخَى‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 151‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏155‏]‏

‏{‏وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ‏(‏155‏)‏‏}‏

‏{‏لِّمِيقَاتِنَا‏}‏ الميقات الأول الذي سأل فيه الرؤية، أو ميقات آخر للتوبة من عبادة العجل‏.‏ ‏{‏أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ‏}‏ لسؤالهم الرؤية أو لأنهم لم ينهوا عن عبادة العجل، والرجفة‏:‏ زلزلة، أو موت أُحيوا بعده، أو نار أحرقتهم فظنّ موسى عليه الصلاة والسلام أنهم هلكوا ولم يهلكوا‏.‏ ‏{‏أَتُهْلِكُنَا‏}‏ نفى أن يعذب إلا من ظلم، أو الاستفهام على بابه، خاف من عموم العقوبة، كقوله‏:‏ ‏{‏لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 25‏]‏ ‏{‏فِتْنَتُكَ‏}‏ عذابك، أو اختبارك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏156‏]‏

‏{‏وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ‏(‏156‏)‏‏}‏

‏{‏حَسَنَةً‏}‏ نعمة، سميت بذلك لحسن وقعها في النفوس، أو ثناءً صالحاً، أو مستحقات الطاعة‏.‏ ‏{‏هُدْنَآ‏}‏ تُبنا، أو رجعنا بالتوبة إليك، هاد يهود‏:‏ رجع، أو تقرَّبنا بالتوبة إليك، ما له عندي هوادة سبب يقربه ‏{‏مَنْ أَشَاءُ‏}‏ من من خلقي، أو من أشاء في التعجيل والتأخير‏.‏ ‏{‏وَرَحْمَتِى‏}‏ توبتي، أو الرحمة خاصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أو تسع رحمته في الدنيا البر والفاجر وتختص في والاخرة بالمتقين، قاله الحسن - رضي الله تعالى عنه - ‏{‏يَتَّقُونَ‏}‏ الشرك، أو المعاصي ‏{‏الزَّكَاةَ‏}‏ من أموالهم عند الجمهور، أو يتطهَّرون بالطاعة، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ‏{‏فَسَأكْتُبُهَا‏}‏ لما انطلق موسى -عليه الصلاة والسلام- بوفد من بني إسرائيل، قال الله - تعالى‏:‏ قد جعلت لهم الأرض طهوراً ومساجد يصلَّون حيث أدركتهم الصلاة إلا عند مرحاض، أو قبر أو حمام، وجعلت السكينة في قلوبهم، وجعلتهم يقرؤون التوراة عن ظهر قلب، فذكره موسى عليه الصلاة والسلام لهم فقالوا‏:‏ لا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا فاجعلها في تابوت، ولا نقرأ التوراة إلا نظراً، ولا نصلي إلا في الكنيسة، فقال الله -تعالى- فسأكتبها - يعني السكينة والقراءة والصلاة لمتَّبعي محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏157‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ‏(‏157‏)‏‏}‏

‏{‏الأُمِّىَّ‏}‏ لأنه لا يكتب، أو لأنه من أم القرى مكة أو لأنه من أمة أمية هي العرب‏.‏ ‏{‏بِالْمعْرُوفِ‏}‏ بالحق، لأن العقول تعرف صحته‏.‏ ‏{‏الْمُنكَرِ‏}‏ الباطل لإنكارها صحته‏.‏ ‏{‏الطَّيِّبَاتِ‏}‏ الشحوم المحرمة عليهم، أو ما حرمته الجاهلية من البحيرة والسائبة والوصية والحام‏.‏ ‏{‏الْخَبَائِثَ‏}‏ لحم الخنزير والدماء‏.‏ ‏{‏إِصْرَهُمْ‏}‏ العهد على العمل بما في التوراة، أو تشديدات دينهم كتحريم السبت والشحوم والعروق وغير ذلك‏.‏ ‏{‏وَالأَغْلآَلَ‏}‏ قوله‏:‏ ‏{‏غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 64‏]‏ أو عهده فيما حرمه عليهم سماه غلاًّ للزومه‏.‏ ‏{‏وَعَزَّرُوهُ‏}‏ عظَّموه، أو منعوه من عدوه‏.‏ ‏{‏النُّورَ‏}‏ القرآن، يسمون ما ظهر ووضح نوراً‏.‏ ‏{‏أُنزِلَ مَعَهُ‏}‏ عليه، أو في زمانه، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه‏:‏ «أي الخلق أعجب إليكم إيماناً» قالوا‏:‏ الملائكة‏؟‏ فقال‏:‏ «هم عند ربهم فما لهم لا يؤمنون‏؟‏» فقالوا‏:‏ النبيون، فقال‏:‏ «النبيون يُوحى إليهم فما لهم لا يؤمنون‏؟‏» قالوا‏:‏ نحن، فقال‏:‏ «أنا فيكم فما لكم لا تؤمنون» قالوا‏:‏ فمَن، قال‏:‏ «قوم يكونون بعدكم فيجدون كتاباً في ورق فيؤمنون به» هذا معنى قوله ‏{‏وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏159‏]‏

‏{‏وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ‏(‏159‏)‏‏}‏

‏{‏وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ‏}‏ الذين صدقوا الرسول صلى الله عليه وسلم كابن لاسم وابن صوريا، أو قوم وراء الصين لم تبلغهم دعوة الإسلام، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو الذين تمسكوا بالحق لما قُتلت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏161‏]‏

‏{‏وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ‏(‏161‏)‏‏}‏

‏{‏الْقَرْيَةَ‏}‏ لاجتماع الناس إليها، أو الماء، قَرَى الماء في حوضه جمعه، بيت المقدس، أو الشام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏163‏]‏

‏{‏وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ‏(‏163‏)‏‏}‏

‏{‏حَاضِرَةَ الْبَحْرِ‏}‏ أيلة، أو ساحل مدين، أو مدين، قرية بين إيلة والطور، أو مقنا بين مدين وعينونا، أو طبرية ‏{‏وَسْئَلْهُمْ‏}‏ توبيخاً على ما سلف من الذنوب‏.‏ ‏{‏شُرَّعًا‏}‏ طافية على الماء ظاهرة، شوارع البلد لظهروها، أو تشرع على أبوابهم كأنهم الكباش البيض رافعة رؤوسها، أو تأتيهم من كل مكان فتعدَّوا بأخذها في السبت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏165‏]‏

‏{‏فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ‏(‏165‏)‏‏}‏

‏{‏نَسُواْ‏}‏ تركوا ‏{‏مَا ذُكِّرُواْ بِهِ‏}‏ أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر‏.‏ ‏{‏ظَلَمُواْ‏}‏ بترك المعروف وإيتان المنكر‏.‏ ‏{‏بَئِيس‏}‏ شديد، أو رديء، أو عذاب مقترن بالبؤس هو الفقر، هلك المعتدون، ونجا المنكرون، ونجت التي لم تَعْتَدِ ولم تنكر، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ لا أدري ما فعلتْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏167‏]‏

‏{‏وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏167‏)‏‏}‏

‏{‏تَأَذَّنَ‏}‏ أعلم، أو أقسم، قاله الزجاج‏.‏ ‏{‏لَيَبْعَثَنَّ‏}‏ على اليهود العرب، و‏{‏سُوءَ الْعَذَابِ‏}‏ الصغار والجزية، قيل‏:‏ أول من وضع الخراج من الأنبياء موسى عليه الصلاة والسلام جباه سبع سنين، أو ثلاثة عشرة سنة ثم أمسك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏168‏]‏

‏{‏وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ‏(‏168‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَطَّعْنَاهُمْ‏}‏ فرقناهم ليذهب تعاونهم، أو ليتميز الصالح من المفسد، أو انتقاماً منهم‏.‏ ‏{‏بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ‏}‏ الثواب والعقاب، أو النعم والنقم، أو الخصب والجدب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏169‏]‏

‏{‏فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ‏(‏169‏)‏‏}‏

‏{‏خَلْفٌ‏}‏ وخَلَف واحد، أو بالسكون للذم، وبالفتح للحمد، وهو الأظهر، والخلف‏:‏ القرن، أو جمع خالف، وهم أبناء اليهود ورثوا التوراة عن آبائهم، أو النصارى خلفوا اليهود وورثوا الإنجيل لحصوله معهم‏.‏ ‏{‏عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى‏}‏ الرشوة على الحكم إجماعاً، سمي عرضاً لقلة بقائه، الأدنى‏:‏ لأنه من المحرمات الدنية، أو لأخذه في الدنيا الدانية‏.‏ ‏{‏وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ‏}‏ عبّر به عن إصرارهم على الذنوب، أو أراد لا يشبعهم شيء فهم لا يأخذونه لحاجة، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه ‏{‏وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ‏}‏ تركوه، أو تلوه وخالفوه على علم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏171‏]‏

‏{‏وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ‏(‏171‏)‏‏}‏

‏{‏نَتَقْنَا‏}‏ زحزحنا، أو جذبنا، النتق‏:‏ الجذب، والمرأة الولود ناتق لاجتذابها ماء الفحل، أو لأن ولادها كالجذب، أو رفعناه عليهم من أصله لما أبوا قبول فرائض التوراة لمشقتها، وعظهم موسى عليه الصلاة والسلام فلم يقبلوا فرفع الجبل فوقهم، وقيل‏:‏ إن أخذتموه بجد واجتهاد وإلا أُلقي عليكم، فأخذوه بجد ثم نكثوا بعده، وكان نتقه نقمة بما دخل عليهم من رعبة وخوفه، أو نعمة لإقلاعهم عن المعصية‏.‏ ‏{‏وَظَنُّواْ‏}‏ على بابه، أو أيقنوا ‏{‏مَآ ءَاتَيْنَاكُم‏}‏ التوراة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏172‏]‏

‏{‏وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ‏(‏172‏)‏‏}‏

‏{‏أَخَذَ رَبُّكَ‏}‏ أخرج الأرواح قبل الأجساد في الجنة، أو بعد هبوط آدم إلى الأرض، وخلق فيها المعرفة فعرفت من خاطبها، أو خلق الأرواح والأجساد معاً في الأرض مكة والطائف فأخرجهم كالذر في الدور الأول مسح ظهره، فخرج من صفحة ظهره اليمنى أصحاب الميمنة بيضاً كالذر، وخرج أصحاب المشأمة من اليسرى سوداً كالذر وألهمهم ذلك، فلما شهدوا على أنفسهم مؤمنهم وكافرهم أعادهم، أو أخرج الذرية قرناً بعد قرن وعصراً بعد عصر‏.‏ ‏{‏وَأَشهَدَهُمْ‏}‏ بما شهدوه من دلائل قدرته، أو بما اعترفوا به من ربوبيته، فقال للذرية لما أخرجهم على لسان الأنبياء ‏{‏أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ‏}‏ بعد كمال عقولهم‏.‏ قاله الأكثر، أو جعل لهم عقولاً علموا بها ذلك فشهدوا به، أو قال للآباء بعد إخراج ذريتهم كما خلقت ذريتكم فلكذلك خلقتكم فاعترفوا بعد قيام الحجة، والذرية من ذرأ الله تعالى الخلق أحدثهم وأظهرهم، أو لخروجهم من الأصلاب كالذر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏175‏]‏

‏{‏وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ‏(‏175‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِى ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا‏}‏ بلعم بن باعورا من أهل اليمن، أو من الكنعانيين، أو من بني صاب بن لوط، أو أمية بن أبي الصلت الثقفي، أو من أسلم من اليهود والنصارى ونافق‏.‏ ‏{‏ءَايَاتِنَا‏}‏ الاسم الأعظم الذي تُجاب به الدعوات، أو كتاب من كتب الله تعالى قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو أُتي النبوة فرشاه قومه على أن يسكت عنهم ففعل ولا يصح هذا‏.‏ ‏{‏فَانسَلَخَ‏}‏ سُلب المعرفة بها لأجل عصيانه، أو انسلخ من الطاعة مع بقاء علمه بالآيات، حُكي أن بلعم رُشي على أن يدعو على قوم موسى عليه الصلاة والسلام بالهلاك فسها فدعا على قوم نفسه فهُلكُوا‏.‏ ‏{‏فأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ‏}‏ صيَّره لنفسه تابعاً لما دعاه فأجابه، أو الشيطان متبعه من الإنس على كفره، أو لحقه الشيطان فأغواه، اتبعت القوم‏:‏ لحقتهم وتبعتهم‏:‏ سرت خلفهم‏.‏ ‏{‏الْغَاوِينَ‏}‏ الهالكين، أو الضالَّين‏.‏