فصل: تفسير الآية رقم (118)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***


تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

‏{‏يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏نُورَ اللَّهِ‏}‏ القرآن والإسلام، أو دلائله التي يُهتدى بها كما يُهتدى بالنور‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

‏{‏هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ‏(‏33‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْهُدَى‏}‏ الهدى البيان، ‏{‏وَدِينِ الْحَقِّ‏}‏ الإسلام، أو كلاهما واحد، أو الهدى الدليل، ودين الحق المدلول، أو بالهدى إلى دين الحق‏.‏ ‏{‏لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ‏}‏ عند نزول عيسى عليه السلام فلا يعبد الله تعالى إلا بالإسلام، أو يطلعه على شرائع الدين كله، أو يظهر دلائله وحججه، أو يرعب المشركين من أهله، أو لما أسلمت قريش انقطعت رحلتاهم إلى الشام واليمن لتباينهم في الدين فذكروا ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت ‏{‏لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ‏}‏ في الشام واليمن وقد أظهره الله تعالى أو الظهور‏:‏ الاستعلاء، والإسلام أعلى الأديان كلها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ‏(‏34‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْبَاطِلِ‏}‏ جميع الوجوه المحرمة، أو الرِّشا في الحكم‏.‏ ‏{‏يَكْنِزُونَ‏}‏ الكنز الذي توعد عليه كل ما لم تؤدَّ زكاته مدفوناً أو غير مدفون، أو ما زاد على أربعة آلاف درهم أُديت زكاته أو لم تؤدَّ، والأربعة آلاف فما دونها ليست بكنز، قاله علي رضي الله تعالى عنه، أو ما فضل من المال عن الحاجة، ولما نزلت قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «تباً للذهب والفضة»، فقال له عمر رضي الله تعالى عنه‏:‏ إن أصحابك قد شق عليهم وقالوا فأي المال نتخذ، فقال‏:‏ «لساناً ذاكراً وقلباً شاكراً، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على دينه» ومات رجل من أهل الصُّفة فوجد في مئزره دينار، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كَيَّة» ومات آخر فوجد في مئزره ديناران، فقال «كيَّتان» والكنز في اللغة كل مجموع بعضه إلى بعض ظاهراً كان أو مدفوناً، ومنه كنز التمر‏.‏ ‏{‏وَلا يُنفِقُونَهَا‏}‏ الكنوز، أو الفضة اكتفى بذكر أحدهما، قال‏:‏

إن شرخ الشباب والشعر الأسود *** ما لم يُعَاصَ كان جنونا

ولم يقل‏:‏ يعاصيا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏36 - 37‏]‏

‏{‏إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ‏(‏36‏)‏ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏حُرُمٌ‏}‏ لعظم انتهاك الحرمات فيها، ‏{‏الدِّينُ الْقَيِّمُ‏}‏ الحساب المستقيم، أو القضاء الحق‏.‏ ‏{‏فَلا تَظْلِمُواْ ‏[‏فِيهِنَّ‏]‏ أَنفُسَكُمْ‏}‏ بالمعاصي في الإثني عشر، أو في الأربعة، أو فلا تظلموها في الأربعة بعد تحريم الله تعالى لها، أو لا تظلموها بترك قتل عدوكم فيها‏.‏

‏{‏النَّسِىءُ‏}‏ كانوا يؤخرون السنة أحد عشر يوماً حتى يجعلوا المحرم صفراً أو كانوا يؤخرون الحج في كل سنتين شهراً، قال مجاهد‏:‏ حج المشركون في ذي الحجة عامين ثم حجوا في المحرم عامين ثم حجوا في صفر عامين ثم في ذي القعدة عامين الثاني منهما حجة أبي بكر، ثم حج الرسول صلى الله عليه وسلم من قابل في ذي الحجة، وقال‏:‏ «إن الزمان قد استدار كهيئته» وكان ينادي بالنسيء في الموسم بنو كنانة قال شاعرهم‏:‏

ألسنا الناسئين على معد *** شهور الحل نجعلها حراما

وأول من نسأ الشهور ‏[‏سرير‏]‏ بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة، أو القلمس الأكبر، وهو عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث، وآخر من نسأها إلى أن نزل تحريمها سنة عشر أبو ثُمامة جُنادة بن عوف، وكان ينادي إذا نسأها في كل عام إلا إن أبا ثمامة لا يحاب ولا يعاب‏.‏ ‏{‏لِّيُوَاطِئُواْ‏}‏ ليوافقوا عدة الأربعة فيحرموا أربعة كما حرم الله تعالى أربعة‏.‏ ‏{‏سُوءُ أَعْمَالِهِمْ‏}‏ من تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم، أو الربا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏انفِرُواْ‏}‏ لما دعوا لى غزوة تبوك تثاقلوا، فنزلت‏.‏ ‏{‏الأَرْضِ‏}‏ الإقامة بأوطانكم وأرضكم، دعوا إلى ذلك في شدة الحر وإدراك الثمار، أو اطمأنوا إلى الدنيا فسماها ‏[‏أرضاً‏]‏ ‏{‏أَرَضِيتُم‏}‏ بمنافع الدنيا بدلاً من ثواب الآخرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

‏{‏إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏39‏)‏‏}‏

‏{‏عَذَاباً أَلِيماً‏}‏ احتباس القطر «ع»، ولا تضروا الله بترك النفير، أو لا تضروا الرسول، لأن الله تعالى تكفل بنصره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ‏(‏40‏)‏‏}‏

‏{‏إِلاَّ تَنصُرُوهُ‏}‏ إن لا تنصروا الرسول بالنفير معه فقد نصره الله بالملائكة، أو بإرشاده إلى الهجرة حتى أغناه من إعانتكم‏.‏ ‏{‏أخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ‏}‏ من مكة أعلمهم أنه غني عن نصرهم، دخل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر رضي الله تعالى عنه الغاز فأقاما فيه ثلاثاً وجعل الله تعالى على بابه ثمامة وهي شجيرة صغيرة، وألهمت العنكبوت فنسجت على بابه، ولما ألم الحزن قلب أبي بكر رضي الله تعالى عنه بما تخيله من وهن الدين بعد الرسل صلى الله عليه وسلم قال له الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تحزن إن الله معنا بالنصر عليهم» ‏{‏سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ‏}‏ النبي صلى الله عليه وسلم أو أبو بكر رضي الله تعالى عنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أنه منصور، والسكينة الرحمة، أو الطمأنينة، أو الوقار، أو شيء سَكَّنَ الله تعالى به قلوبهم‏.‏ ‏{‏بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا‏}‏ الملائكة، أو الثقة بوعده واليقين بنصره وتأييده بإخفاء أثره في الغار لما طلب، أو بمنعهم من التعرض له لما هاجر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏خِفَافاً وثِقَالاً‏}‏ شباباً وشيوخاً، أو فقراء وأغنياء، أو مشاغيل وغير مشاغيل، أو نشاطاً وغير نشاط «ع» أو ركباناً ومشاة، أو ذا ضيعة وغير ذي ضعية، أو ذوي عيال وغير ذوي عيال، أو أصحاء ومرضى، أو خفة النفير وثقله، أو خفافاً إلى الطاعة ثقالاً عن المخالفة‏.‏ ‏{‏وَجَاهِدُواْ‏}‏ الجهاد بالنفس فرض كفاية متعين عند هجوم العدو‏.‏ وبالمال بالزاد والراحلة إذا قدر بنفسه، وإن عجز لزمه بذل المال بدلاً عن نفسه، أو لا يلزمه ذلك عند الجمهور، لأن المال تابع للنفس‏.‏ ‏{‏خَيْرٌ لَّكُمْ‏}‏ الجهاد خير من القعود المباح، أو الخير في الجهاد لا في تركه ‏{‏تَعْلَمُونَ‏}‏ صدق وعد الله تعالى بثواب الجهاد، أو أن الخير في الجهاد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏لَوْ كَانَ‏}‏ الذي دُعوا إليه ‏{‏عَرَضاً‏}‏ غنيمة، أو أمراً سهلاً‏.‏ ‏{‏قَاصِدًا‏}‏ سهلاً مقتصداً‏.‏ ‏{‏لاَّتَّبَعُوكَ‏}‏ في الخروج‏.‏ ‏{‏الشُّقَّةُ‏}‏ القطعة من الأرض يشق ركوبها لبعده‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏عُدَّةً‏}‏ صحة عزم ونشاط نفس، أو الزاد والراحلة ونفقة الحاضرين من الأهل‏.‏ ‏{‏كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ‏}‏ لوقوع الفشل بتخاذلهم كابن أُبي، والجد بن قيس‏.‏ ‏{‏وَقِيلَ اقْعُدُواْ‏}‏ قاله بعضهم لبعض، أو قاله الرسول صلى الله عليه وسلم غضباً عليهم لعلمه بذلك منهم‏.‏ ‏{‏الْقَاعِدِينَ‏}‏ بغير عذر، أو بعذر كالنساء والصبيان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

‏{‏لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ‏(‏47‏)‏‏}‏

‏{‏خَبَالاً‏}‏ فساداً «ع»، أو اضطراباً استثناء منقطع، لأن المسلمين لم يكونوا في خبال فيزدادوا منه‏.‏ ‏{‏وَلأَوْضَعُواْ‏}‏ الإيضاع‏:‏ سرعة السير، والخِلال‏:‏ الفُرج، المعنى ولأسرعوا في اختلالكم، أو لأوقعوا الخلف بينكم‏.‏ ‏{‏الْفِتْنَةَ‏}‏ الكفر، أو اختلاف الكلمة وتفريق الجماعة‏.‏ ‏{‏سَمَّاعُونَ‏}‏ مطيعون، أو عيون منكم ينقلون أخباركم إليهم، أو «عيون منهم ينقلون أخباركم إلى المشركين»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ‏(‏48‏)‏‏}‏

‏{‏ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ‏}‏ الاختلاف وتفريق الكلمة‏.‏ ‏{‏وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ‏}‏ بمعاونتهم ظاهراً وممالأة المشركين باطناً، أو قالوا بأفواههم ما ليس في قلوبهم، أو توقعوا الدوائر وانتظروا الفرص، أو حلفهم لو استطعنا لخرجنا‏.‏ ‏{‏جَآءَ الْحَقُّ‏}‏ النصر ‏{‏وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ‏}‏ دينه ‏{‏وَهُمْ كَارِهُونَ‏}‏ لهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ‏(‏49‏)‏‏}‏

‏{‏وَلا تَفتِنِّى‏}‏ لا تكسبني الإثم بمخالفتي في القعود، أو لا تصرفني عن شغلي، أو نزلت في الجد بن قيس قال‏:‏ ‏{‏ائْذَن لِّى وَلا تَفْتِنِّى‏}‏ ببنات الأصفر فإني مستهتر بالنساء‏.‏ ‏{‏فِي الْفِتْنَةِ‏}‏ جهنم، أو محبة النفاق والشقاق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

‏{‏إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ‏(‏50‏)‏‏}‏

‏{‏حَسَنَةٌ‏}‏ نصر، أو النصر ببدر، والمصيبة‏:‏ النكبة يوم أُحد ‏{‏أَمْرَنَا‏}‏ حِذرنا وسَلمنا ‏{‏فَرِحُونَ‏}‏ بمصيبتك وسلامتهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

‏{‏قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ‏(‏51‏)‏‏}‏

‏{‏كَتَبَ اللَّهُ لَنَا‏}‏ في اللوح المحفوظ من خير، أو شر، وليس ذلك بأفعالنا فنذم أو نحمد، أو ما كتب لنا في نصرنا في العاقبة وإعزاز الدين بنا‏.‏ ‏{‏مَوْلانَا‏}‏ مالكنا وحافظنا وناصرنا‏.‏ ‏{‏وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏}‏ في معونته وتدبيره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

‏{‏قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ‏(‏52‏)‏‏}‏

‏{‏الْحُسْنَيَيْنِ‏}‏ النصر والشهادة في النصر ظهور الدين وفي الشهادة الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

‏{‏فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ‏(‏55‏)‏‏}‏

‏{‏أَمْوَالُهُمْ وَلآ أَوْلادُهُمْ‏}‏ في الحياة الدنيا ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا‏}‏ في الآخرة، فيه تقديم وتأخير «ع»، أو يعذبهم بالزكاة فيها، أو بمصائبهم فيهما، أو بسبي الأبناء وغنيمة الأموال، يعني المشركين، أو يعذبهم بجمعها وحفظها والبخل بها والحزن عليها‏.‏ ‏{‏وَتَزْهَقَ‏}‏ تهلك، ‏{‏وَزَهَقَ الباطل‏}‏ ‏[‏الأسراء‏:‏ 81‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

‏{‏لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ‏(‏57‏)‏‏}‏

‏{‏مَلْجَئاً‏}‏ حرزاً «ع»، أو حصناً، أو موضعاً حزناً من الجبل، أو مهرباً‏.‏ ‏{‏مَغَارَاتٍ‏}‏ غارات في الجبال «ع»، أو مدخل يستر من دخله‏.‏ ‏{‏مُدَّخَلاً‏}‏ سرباً في الأرض، أو المدخل الضيق الذي يدخل فيه بشدة‏.‏ ‏{‏لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ‏}‏ هرباً من القتال، وخذلاناً للمؤمنين‏.‏ ‏{‏يَجْمَحُونَ‏}‏ يهربون، أو يسرعون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ‏(‏58‏)‏‏}‏

‏{‏يَلْمِزُكَ‏}‏ يغتابك، أو يعيبك، نزلت في ثعلبة بن حاطب كان يتكلم بالنفاق ويقول‏:‏ إنما يعطي محمد من شاء فإن أعطي رضي وإن لم يعط سخط، أو في ذي الخويصرة لما أتى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماً فقال‏:‏ اعدل يا محمد فقال‏:‏ «ويلك فمن يعدل إن لم أعدل»، فاستأذن عمر رضي الله تعالى عنه في ضرب عنقه، فقال‏:‏ «دعه» فنزلت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

‏{‏إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏(‏60‏)‏‏}‏

‏{‏لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ‏}‏ الفقير المحتاج العفيف عن السؤال، والمسكين المحتاج السائل «ع»، أو الفقير المحتاج الزَّمِن، والمسكين المحتاج الصحيح، أو الفقراء هم المهاجرون، والمساكين غير المهاجرين، أو الفقراء من المسلمين والمساكين من أهل الكتاب، أو الفقير الذي لاشيء له لانكسار فقاره بالحاجة والمسكين له ما لا يكفيه لكن يسكن إليه، أو الفقير له ما لا يكفيه والمسكين لا شيء له يسكن إليه‏.‏ ‏{‏وَالْعَامِلِينَ‏}‏ السعاة لهم ثُمْنها، أو أجر مثلهم‏.‏ ‏{‏وَالْمُؤَلَّفَةِ‏}‏ كفار ومسلمون، فالمسلمون منهم ضعيف النية في الإسلام فيتألف تقوية لنيته كعيينة بن بدر والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس، ومنهم من حسن إسلامه لكنه يعطى تألفاً لعشيرته من المشركين كعدي بن حاتم، والمشركون منهم من يقصد أذى المسلمين فيتألف بالعطاء دفعاً لأذاه كعامر بن الطفيل، ومنهم من يميل إلى الإسلام فيتألف بالعطاء ليؤمن كصفوان بن أمية، فهذه أربعة أصناف، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعطي هؤلاء، وبعد هل يعطون‏؟‏ فيه قولان‏:‏ لأن الله تعالى قد أعز الدين ‏{‏فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 29‏]‏‏.‏ ‏{‏الرِّقَابِ‏}‏ المكاتبون، أو عبيد يشترون ويعتقون‏.‏ ‏{‏وَالْغَارِمِينَ‏}‏ من لزمه غرم ديْن‏.‏ ‏{‏سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ الغزاة الفقراء والأغنياء‏.‏ ‏{‏وَابْنِ السَّبِيلِ‏}‏ المسافر لا يجد نفقة سفره وإن كان غنياً في بلده، قاله جمهور، أو الضيف‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

‏{‏وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏61‏)‏‏}‏

‏{‏أُذُنٌ‏}‏ يصغي إلى كل أحد فيسمع قوله، كان المنافقون يقولون فيه ما لا يجوز ثم عابوه بأنه أُذن يسمع جميع ما يقال له، أو عابوه، فقال أحدهم‏:‏ كفوا فإني أخاف أن يبلغه فيعاقبنا، فقالوا‏:‏ هو أُذن إذا جئناه وحلفنا له صدقنا فنسبوه إلى قبول العذر في الحق والباطل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏63‏]‏

‏{‏أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ ‏(‏63‏)‏‏}‏

‏{‏يُحَادِدِ‏}‏ يخالف، أو يجاوز حدودهما، أو يعاديهما مأخوذ من حد السلاح لاستعماله في المعاداة‏.‏ ‏{‏جَهَنَّمَ‏}‏ لبعد قعرها، بئر جهنام بعيدة القعر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

‏{‏يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ‏(‏64‏)‏‏}‏

‏{‏يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ‏}‏ خبر، أو أمر بصيغة الخبر، ‏{‏بِمَا فِى قُلُوبِهِمْ‏}‏ من النفاق، أو قولهم في غزوة تبوك‏:‏ أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها هيهات، فأطلع الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على ما قالوه‏.‏ ‏{‏اسْتَهْزِءُوَاْ‏}‏ تهديد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

‏{‏الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ‏(‏67‏)‏‏}‏

‏{‏بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ‏}‏ في الدين ‏{‏بِالْمُنكَرِ‏}‏ كل ما أنكره العقل من الشر‏.‏ والمعروف‏:‏ كل ما عرفه العقل من الخير، أو المعروف في كتاب الله كله الإيمان، والمنكر في كتاب الله كله الشرك قاله أبو العالية‏.‏ ‏{‏وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ‏}‏ عن الفقة في سبيل الله، أو عن كل خير، أو عن الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن رفعها إلى الله تعالى في الدعاء‏.‏ ‏{‏فَنَسِيَهُمْ‏}‏ تركوا أمره فترك رحمتهم، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ كان المنافقون ثلاثمائة رجل ومائة وسبعين امرأة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

‏{‏كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ‏(‏69‏)‏‏}‏

‏{‏بِخَلاقِهِمْ‏}‏ بنصيبهم من خيرات الدنيا‏.‏ ‏{‏وَخُضْتُمْ‏}‏ في شهوات الدنيا، أو في قول الكفر‏.‏ ‏{‏كَالَّذِى خَاضُوَاْ‏}‏ فارس والروم، أو بنو إسرائيل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏72‏]‏

‏{‏وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ‏(‏72‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَسَاكِنَ طَيِّبةً‏}‏ قصور مبنية باللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر، أو يطيب العيش بسكناها وهو محتمل‏.‏ ‏{‏عَدْنٍ‏}‏ خلود وإقامة، والمعدن لإقامة الجوهر فيه، أو كروم وأعناب بالسريانية، أو عدن اسم لبطنان الجنة ووسطها، أو اسم قصر في الجنة، أو جنة في السماء العليا لا يدخلها إلا نبي، أو صدِّيق، أو شهيد، أو إمام عدل، أو محكَّم في نفسه‏.‏ وجنة المأوى في السماء الدنيا تأوي إليها أرواح المؤمنين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏73‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ‏(‏73‏)‏‏}‏

‏{‏جَاهِدِ الْكُفَّارَ‏}‏ بالسيف ‏{‏وَالْمُنَافِقِينَ‏}‏ بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، فإن لم يستطع فليكفهر في وجوههم، أو يجاهدهم باللسان، أو بإقامة الحدود وكانوا أكثر من يصيب الحدود‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏74‏]‏

‏{‏يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ‏(‏74‏)‏‏}‏

‏{‏يَحْلِفُونَ‏}‏ نزلت في ابن أُبَي لما قال‏:‏ ‏{‏لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى المدينة‏}‏ ‏[‏المنافقون‏:‏ 8‏]‏، أو قال الجلاس بن سويد إن كان ما جاء به محمد حقاً فنحن شر من الحمير ثم حلف بالله ما قال، أو قال ذلك جماعة من اليهود‏.‏ ‏{‏كَلِمَةَ الْكُفْرِ‏}‏ هو ما حلفوا أنهم ما قالوه فأكذبهم الله، أو قولهم محمد ليس بنبي‏.‏ ‏{‏وَهَمُّواْ‏}‏ بقتل الرسول في غزاة تبوك، أو بأخراج الرسول بقولهم ‏{‏لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى المدينة‏}‏ ‏[‏المنافقون‏:‏ 8‏]‏ أو هَمُّوا بقتل الذي أنكر عليهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ‏(‏75‏)‏‏}‏

‏{‏وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ‏}‏ نزلت والتي بعدها في حاطب بن أبي بلتعة كان له مال بالشام فنذر أن يتصدق منه فلما قدم عليه بخل، قاله الكلبي، أو قتل مولى لعمر حميما لثعلبة فوعد إن أوصل الله إليه الدية أن يخرج حق الله تعالى منها فلما وصلت بخل بحق الله تعالى فنزلت، فلما بلغته أتى الرسول صلى الله عليه وسلم بصدقته فلم يقبلها منه، وقال إن الله تعالى منعني أن أقبل صدقتك فجعل يحثو التراب على رأسه، فمات الرسول صلى الله عليه وسلم فأتى أبا بكر رضي الله تعالى عنه ثم عمر رضي الله تعالى عنه بعده، ثم عثمان رضي الله تعالى عنه فلم يقبلوها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏79‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏79‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ يَلْمِزُونَ‏}‏ لما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على النفقة في غزوة تبوك، جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم، وقال هذه شطر مالي، وجاء عاصم بن عادي بمائة وسق من تمر، وجاء أبو عقيل بصاع من تمر وقال أجرت نفسي بصاعين فذهبت بأحدهما إلى عيالي وجئت بالآخر، فقال الحاضرون من المنافقين أما عبد الرحمن وعاصم فما أعطيا إلا رياء، وأما صاع أبي عقيل فإن الله تعالى غني عنه‏.‏ فنزلت‏.‏ الجُهد والجَهد واحد، أو بالضم الطاقة وبالفتح المشقة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏80‏]‏

‏{‏اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ‏(‏80‏)‏‏}‏

‏{‏اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ‏}‏ آيسه من الغفران لهم‏.‏ ‏{‏سَبْعِينَ مَرَّةً‏}‏ ليس بحد لوجود المغفرة بما بعدها، والعرب تبالغ بالسبع والسبعين، لأن التعديل في نصف العقد وهو خمسة فإذا زيد عليه واحد كان لأدنى المبالغة وإن زيد اثنان كان لأقصى المبالغة، وقيل للأسد سبع لأن قوته تضاعفت سبع مرات، قاله علي بن عيسى‏.‏ وقال الرسول صلى الله عليه وسلم سوف أستغفر لهم أكثر من سبعين فنزلت ‏{‏سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ‏}‏ الآية ‏[‏المنافقون‏:‏ 6‏]‏ فكف‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏81‏]‏

‏{‏فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ‏(‏81‏)‏‏}‏

‏{‏الْمُخَلَّفُونَ‏}‏ المتركون كانوا أربعة وثمانين نفساً‏.‏ ‏{‏خِلافَ‏}‏ بعد، أو مخالفة عند الأكثر‏.‏ ‏{‏لا تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ‏}‏ قاله بعضهم لبعض، أو قالوه للمؤمنين ليقعدوا معهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏82‏]‏

‏{‏فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ‏(‏82‏)‏‏}‏

‏{‏فَلْيَضْحَكُواْ‏}‏ تهديد ‏{‏قَلِيلاً‏}‏، لأن ضحك الدنيا فَانٍ، أو لأنه قليل بالنسبة إلى ما فيها من الأحزان والغموم‏.‏ ‏{‏كَثِيراً‏}‏ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، أو في النار أبداً يبكون من ألم العذاب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏83‏]‏

‏{‏فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ‏(‏83‏)‏‏}‏

‏{‏أَوَّلَ مَرَّةٍ‏}‏ دعيتم، أو قبل استئذانكم‏.‏ ‏{‏الْخَالِفِينَ‏}‏ النساء والصبيان، أو الرجال المعذورين بأمراض أو غيرها «ع»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏84‏]‏

‏{‏وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ‏(‏84‏)‏‏}‏

‏{‏وَلا تُصَلِّ‏}‏ نزلت في ابن أُبي لما صلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أراد الصلاة عليه فأخذ جبريل عليه السلام بثوبه، وقال‏:‏ ولا تُصلِّ على أحد ولا تقم على قبره قيام زائر، أو مستغفر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏86‏]‏

‏{‏وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ‏(‏86‏)‏‏}‏

‏{‏أَنْ ءَامِنُواْ‏}‏ دوموا على الإيمان، أو افعلوا فعل المؤمن، أو أمر المنافقين أن يؤمنوا باطناً كما آمنوا ظاهراً‏.‏ ‏{‏الطَّوْلِ‏}‏ الغنى، أو القدرة، قيل نزلت في ابن أُبي والجد بن قيس‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏87‏]‏

‏{‏رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ‏(‏87‏)‏‏}‏

‏{‏الْخَوَالِفِ‏}‏ النساء، أو المنافقين، أو الأدنياء الأخسَّاء، فلان خَالِفة أهله إذا كان دونهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏88‏]‏

‏{‏لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ‏(‏88‏)‏‏}‏

‏{‏الْخَيْرَاتُ‏}‏ جمع خيرة، غنائم الدنيا ومنافع الجهاد، أو ثواب الآخرة، أو فواضل العطايا، أو الحور ‏{‏فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 70‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏90‏]‏

‏{‏وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏90‏)‏‏}‏

‏{‏الْمُعَذِّرُونَ‏}‏ مخفف الذين اعتذروا بحق، وبالتشديد الذين كذبوا في اعتذارهم فالعذر حق، والتعذير كذب، قيل هم بنو أسد وغطفان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏91‏]‏

‏{‏لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏91‏)‏‏}‏

‏{‏الضُّعَفَآءِ‏}‏ الصغار لضعف أبدانهم، أو المجانين لضعف عقولهم أو العميان، أو المجانين لضعف تصرفهم ‏{‏وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 91‏]‏ ضريراً‏.‏ ‏{‏نَصَحُواْ‏}‏ برئوا من النفاق، أو إذا قاموا بحفظ المخلفين والمنازل، فيرجع إلى من لا يجد النفقة خاصة، قيل نزلت في عائذ بن عمرو وعبد الله بن مغفل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏92‏]‏

‏{‏وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ‏(‏92‏)‏‏}‏

‏{‏لآ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ‏}‏ زاداً لأنهم طلبوه، أو نعالاً لأنهم طلبوها، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة‏:‏ «أكثروا من النعال فإن الرجل لا يزال راكباً ما كان منتعلاً»، نزلت في العِرْباض بن سارية، أو عبد الله بن الأزرق، أو في بني مقرن من مزينة، أو في سبعة من قبائل شتى، أو في أبي موسى وأصحابه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏93‏]‏

‏{‏إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏93‏)‏‏}‏

‏{‏السِّبِيلُ‏}‏ الإنكار، أو المأثم‏.‏ ‏{‏الْخَوَالِفِ‏}‏ المتخلفون بالنفاق، أو الذراري من النساء والأطفال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏97‏]‏

‏{‏الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏(‏97‏)‏‏}‏

‏{‏أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً‏}‏ كفرهم أكثر وأشد لجفاء طباعهم وغلظ قلوبهم، أو الكفر فيهم أكثر لعدم وقوفهم على الكتاب والسنة‏.‏ ‏{‏وَأَجْدَرُ‏}‏ أقرب مأخوذ من الجدار بين المتجاورين‏.‏ ‏{‏حُدُودَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ‏}‏ من فروض العبادات، أو من الوعيد على مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم والتخلف عن الجهاد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏98‏]‏

‏{‏وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏98‏)‏‏}‏

‏{‏مَا يُنفِقُ‏}‏ في الجهاد، أو الصدقات‏.‏ ‏{‏مَغْرَمًا‏}‏ المغرم‏:‏ التزام ما لا يلزم ‏{‏عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 65‏]‏ لازماً‏.‏ ‏{‏الدَّوَآئِرَ‏}‏ انقلاب النعمة إلى غيرها من الدور‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏99‏]‏

‏{‏وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏99‏)‏‏}‏

‏{‏وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ‏}‏ استغفاره لهم «ع»، أو دعاؤه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏100‏]‏

‏{‏وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ‏(‏100‏)‏‏}‏

‏{‏وَالسَّابِقُونَ‏}‏ أهل بيعة الرضوان، أو أهل بدر، أو الذين صلوا إلى القبلتين، أو الذين سبقوا بالموت والشهادة من المهاجرين والأنصار سبقوا إلى الثواب وحسن الجزاء ‏{‏رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ‏}‏ بالإيمان ‏{‏وَرَضُواْ عَنْهُ‏}‏ بالثواب، أو رضي عنهم بالعبادة ورضوا عنه بالجزاء، أو رضي عنهم بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ورضوا عنه بالقبول‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏101‏]‏

‏{‏وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ‏(‏101‏)‏‏}‏

‏{‏حَوْلَكُمُ‏}‏ حول المدينة، مزينة وجهينة وأسلم وغفار وأشجع كان فيهم بعد إسلامهم منافقون كما في الأنصار، وإنما نافقوا لدخول جميعهم تحت القدرة فميزوا بالنفاق وإن عمتهم الطاعة‏.‏ ‏{‏مَرَدُواْ‏}‏ أقاموا وأصروا، أو مَرنوا عليه وعتو فيه ‏{‏شَيْطَانًا مَّرِيدًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 117‏]‏ عاتياً، أو تجردوا فيه وتظاهروا به ‏{‏لا تَعْلَمُهُمْ‏}‏ حتى نعلمك بهم، أو لا تعلم عاقبتهم فلا تحكم على أحد بجنة ولا نار‏.‏ ‏{‏مَّرَّتَيْنِ‏}‏ إحداهما بالفضيحة في الدنيا والجزع من المسلمين، والثانية بعذاب القبر «ع»، أو إحداهما بالأسر والأخرى بالقتل، أو إحداهما بالزكاة والآخرى أمرهم بالجهاد، لأنهم يرونه عذاباً لنفاقهم، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه أو إحداهما عذاب الدنيا والأخرى عذاب الآخرة‏.‏ ‏{‏عَذَابٍ عَظِيمٍ‏}‏ بأخذ الزكاة، أو بإقامة الحدود في الدنيا، أو بالنار في الآخرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏102‏]‏

‏{‏وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏102‏)‏‏}‏

‏{‏وَءَاخَرُونَ اعْتَرَفُواْ‏}‏ نزلت في أبي لبابة في قضيته مع بني قريظة‏.‏ أو في سبعة أنصار من العشرة المتخلفين في غزوة تبوك، أبو لبابة بن عبد المنذر، وأوس بن ثعلبة، ووديعة بن حرام، فلما ندموا على تخلفهم وربطوا أنفسهم إلى سواري المسجد ليطلقهم الرسول صلى الله عليه وسلم إن عفا عنهم، فلما مر بهم وكانوا على طريقه فسأل عنهم فأُخبر بحالهم فقال‏:‏ «لا أعذرهم ولا أطلقهم حتى يكون الله تعالى هو الذي يعذرهم ويطلقهم» فنزلت «ع»‏.‏ ‏{‏عَملاً صَالِحاً وَءَاخَرَ سَيِئاً‏}‏ الصالح‏:‏ الجهاد، والسيىء التخلف عنه، أو السيىء الذنب والصالح التوبة، أو ذنباً وسوطاً لا ذاهباً فروطاً ولا ساقطاً سقوطاً‏.‏ قاله الحسن رضي الله تعالى عنه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏103‏]‏

‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏103‏)‏‏}‏

‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ‏}‏ لما تاب الله تعالى على أبي لبابة وأصحابه قالوا‏:‏ يا رسول الله خذ منا صدقة تطهرنا وتزكينا، فقال‏:‏ «لا أفعل حتى أُؤمر» فنزلت، صدقة بذلوها تطوعاً، أو الزكاة الواجبة ‏{‏تُطَهِّرُهُمْ‏}‏ من ذنوبهم، وتزكي أعمالهم ‏{‏وَصَلِّ‏}‏ استغفر، أو ادعُ قاله «ع»‏.‏ ‏{‏سَكَنٌ‏}‏ قربة «ع»، أو وقار، أو أمن، أو تثبيت، والدعاء واجب على الآخذ أو مستحب، أو يجب في التطوع ومستحب في الفرض، أو يستحب للوالي ويجب على الفقير، أو بالعكس، أو إن سأل الدافع الدعاء وجب وإن لم يسأل استحب، قال عبد الله بن أبي أوفى لما أتيت الرسول صلى الله عليه وسلم بصدقات قومي قلت يا رسول الله صَلِّ عليَّ فقال‏:‏ «اللهم صلِ على آل أبي أوفى»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏106‏]‏

‏{‏وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏(‏106‏)‏‏}‏

‏{‏وَءَاخَرُونَ‏}‏ هم الثلاثه الباقون من العشرة المتخلفين في غزوة تبوك لم يربطوا أنفسهم وهم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، ‏{‏مُرْجَوْنَ‏}‏ لما يرد من أمر الله فيهم‏.‏ ‏{‏يُعَذِّبُهُمْ‏}‏ يميتهم على حالهم، أو يأمر بعذابهم إن لم يعلم صحة توبتهم ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بما يؤول إليه حالهم ‏{‏حَكِيمٌ‏}‏ في إرجائهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏107‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ‏(‏107‏)‏‏}‏

‏{‏وَالِّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً‏}‏ هم بنو عمرو بن عوف، اثنا عشر رجلاً من الأنصار بنوا مسجد الضرار‏.‏ ‏{‏وَتَفْرِيقَا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ لئلا يجتمعوا في مسجد قباء‏.‏ ‏{‏وَإِرْصَادًا‏}‏ انتظاراً لسوء يتوقع، أو لحفظ مكروه يفعل‏.‏ ‏{‏لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏}‏ بمخالفتهما، أو عداوتهما، وهو أبو عامر الراهب والد حنظلة بن الراهب، وكان قد حزَّب على الرسول صلى الله عليه وسلم فبنوه له ليصلي فيه إذا رجع من عند هرقل اعتقاداً منهم أنه إذا صلى فيه نُصروا، ابتدءوا بنيانه والرسول صلى الله عليه وسلم خارج إلى تبوك فسألوه أن يصلي فيه فقال‏:‏ «أنا على سفر ولو قدمنا إن شاء الله تعالى أتيانكم وصلينا لكم فيه»، فلما رجع أتوه وقد فرغوا منه وصلوا فيه الجمعة والسبت والأحد وقالوا‏:‏ قد فرغنا منه، فأتاه خبره وأنزل الله تعالى فيه ما أنزل‏.‏ ‏{‏لا تَقُمْ فِيهِ‏}‏ لا تُصَلِّ فيه فعند ذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بهدمه فحُرق، أو انهار في يوم الأثنين ولم يُحرق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏108‏]‏

‏{‏لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ‏(‏108‏)‏‏}‏

‏{‏أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى‏}‏ مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو مسجد قباء، وهو أول مسجد بني في الإسلام «ع»، أو كل مسجد بني في المدينة أسس على التقوى‏.‏ ‏{‏يَتَطَهَّرُواْ‏}‏ بالتوبة من الذنوب‏.‏ ‏{‏واللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ‏}‏ بالتوبة، أو أراد الاستنجاء بالماء، أو المتطهرين من أدبار النساء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏109‏]‏

‏{‏أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ‏(‏109‏)‏‏}‏

‏{‏أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ‏}‏ مسجد قباء، أو قوله‏:‏ ‏{‏لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى‏}‏ مسجد المدينة، وقوله ‏{‏أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ‏}‏ مسجد قباء‏.‏ ‏{‏جُرُفٍ‏}‏ حرف الوادي الذي لا يثبت عليه البناء لرخاوته‏.‏ ‏{‏هَارٍ‏}‏ هائر، وهو الساقط‏.‏ ‏{‏فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ‏}‏ سقطوا ببنيانهم في جهنم، أو سقط المسجد بنفسه مع بقعته في جهنم، قال جابر بن عبد الله‏:‏ رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار حتى انهار، وقيل حفرت فيه بقعة فرئي فيها الدخان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏110‏]‏

‏{‏لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏(‏110‏)‏‏}‏

‏{‏رِيبَةً‏}‏ حين بنوه شك، او غطاء، أو بعد هدمه حزازة، أو ندامة‏.‏ ‏{‏تَقَطَّعَ‏}‏ يموتوا «ع»، أو يتوبوا، أو تقطع في القبور‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏111‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ‏(‏111‏)‏‏}‏

‏{‏اشْتَرَى‏}‏ لما جُوزوا بالجنة على ذلك عُبِّر عنه بلفظ الشراء تَجوزاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏112‏]‏

‏{‏التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏112‏)‏‏}‏

‏{‏التَّآئِبُونَ‏}‏ من الذنوب‏.‏ ‏{‏الْعَابِدونَ‏}‏ بالطاعة، أو بالتوحيد، أو بطول الصلاة‏.‏ ‏{‏الْحَامِدُونَ‏}‏ على السراء والضراء، أو على الإسلام‏.‏ ‏{‏السَّائِحُونَ‏}‏ المجاهدون واستؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم في السياحة فقال‏:‏ «سياحة أُمتي الجهاد»، أو الصائمون، قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «سياحة أُمتي الصوم» «ع»، أو المهاجرون أو طلبة العلم‏.‏ ‏{‏بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ التوحيد، أو الإسلام‏.‏ ‏{‏الْمُنكَرِ‏}‏ الشرك، أو الذين لم يَنْهوا عنه حتى انتهوا عنه‏.‏ ‏{‏وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ‏}‏ القائمون بأمره، أو بفرائض حلاله وحرامه، أو لشرطه في الجهاد‏.‏ ‏{‏الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ المصدقين بما وعدوا في هذه الآيات، أو بما ندبوا إليه فيها‏.‏ لما نزل ‏{‏إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى‏}‏ جاء رجل من المهاجرين فقال‏:‏ يا رسول الله، وإن زنا وإن سرق وإن شرب الخمر فنزلت ‏{‏التَّآئِبُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏113‏]‏

‏{‏مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ‏(‏113‏)‏‏}‏

‏{‏مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ‏}‏ لما زار الرسول صلى الله عليه وسلم قبر أمه، وقال‏:‏ «استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي واستأذنته في الدعاء لها فلم يأذن لي» فنزلت، أو نزلت في أبي طالب لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك»، أو سمع علي رضي الله تعالى عنه رجلاً يستغفر لأبويه فقال‏:‏ أتستغفر لهما وهما مشركان فقال أو لم يستغفر إبراهيم لأبويه فذكره علي رضي الله تعالى عنه للرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏114‏]‏

‏{‏وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ‏(‏114‏)‏‏}‏

‏{‏مَّوْعِدَةٍ‏}‏ وعد إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام أبوه أنه إن استغفر له آمن، أو وعد إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام أباه أن يستغفر له لرجائه إيمانه فلما مات على شركه تبرأ من أفعاله ومن الاستغفار له‏.‏ ‏{‏لأَوَّاهٌ‏}‏ دَعَّاء، أو رحيم، أو موقن، أو مؤمن بلغة الحبشة «ع»، أو مُسبِّح، أو مكثر من تلاوة القرآن، أو متأوه، أو فقيه، أو متضرع خاشع مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو إذا ذكر ذنوبه استغفر منها‏.‏ وأصل التأوه التوجع‏.‏ ‏{‏حَلِيمٌ‏}‏ صبور على الأذى، أو صفوح عن الذنب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏115‏]‏

‏{‏وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏115‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ‏}‏ أسلم قوم من الأعراب ورجعوا إلى بلادهم يعملون بما شاهدوه من الرسول صلى الله عليه وسلم من صوم أيام البيض والصلاة إلى بيت المقدس، ثم قدموا إليه فوجدوه يصوم رمضان ويصلي إلى الكعبة، فقالوا‏:‏ يا رسول الله دِنَّا بعدك بالضلالة إنك على أمر وإنا على غيره فنزلت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏117‏]‏

‏{‏لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ‏(‏117‏)‏‏}‏

‏{‏تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالْمُهَاجرِينَ‏}‏ توبة لعونه بإنقاذهم من شدة العسرة، أو تخليصهم من نكاية العدو وغيره، أي رجعهم إلى ما كانوا فيه من الحالة الأولى‏.‏ ‏{‏الْعُسْرَةِ‏}‏ في غزوة تبوك كانوا في قلة من الظَّهر فيتناوب الرجلان والثلاثة على بعير واحد، وتعسر الزاد فيشق الرجلان التمرة بينهما، أو يمص النفر التمرة والواحدة ثم يشربون عليها الماء وذلك في شدة الحر، واشتد عطشهم حتى نحروا الإبل وعصروا أكراشها فشربوا ماءها‏.‏ ‏{‏يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ‏}‏ يتلف بالجهد والشدة، أو يعدل عن المتابعة ‏[‏والنصرة‏]‏ ‏{‏ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ‏}‏ التوبة الأولى في الذهاب والثانية في الرجوع، أو الأولى في السفر، والثانية بعد الرجوع إلى المدينة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏118‏]‏

‏{‏وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ‏(‏118‏)‏‏}‏

‏{‏وَعَلَى الثَّلاثَةِ‏}‏ وتاب على الثلاثة‏.‏ ‏{‏خُلِّفُواْ‏}‏ عن التوبة فأُخرت توبتهم حتى تاب الله تعالى على الذين ربطوا أنفسهم مع أبي لبابة، أو خلفوا عن بعث الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏{‏ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ‏}‏ لامتناع المسلمين من كلامهم‏.‏ ‏{‏وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ‏}‏ بما لقوه من جفوة الناس ‏{‏وَظَنُّواْ‏}‏ أيقنوا أنهم لا يلجؤون في قبول توبتهم والصفح عنهم إلا إلى ربهم، ثم تاب عليهم بعد خمسين ليلة من مقدم الرسول صلى الله عليه وسلم ‏{‏لِيَتُوبُواْ‏}‏ ليستقيموا، لأن توبتهم قد تقدمت «ع» وامتحنوا بذلك إصلاحاً لهم ولغيرهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏119‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ‏(‏119‏)‏‏}‏

‏{‏يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ‏}‏ بموسى، أو عيسى عليهما الصلاة والسلام ‏{‏اتَّقُواْ اللَّهَ‏}‏ تعالى في الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏{‏وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ‏}‏ الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم أجمعين في الجهاد، أو يا أيها المسلمون اتقوا الله تعالى في الكذب، أو اتقوا الله في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمركم بالجهاد ‏{‏الصَّادِقِينَ‏}‏ أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما أو الثلاثة الذين خُلِّفوا وصدقوا الرسول في تخلفهم، أو المهاجرين، لأنهم لم يتخلفوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد، أو من صدقت نيته وقوله وعمله وسره وعلانيته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏122‏]‏

‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ‏(‏122‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ‏}‏ ما كان عليهم أن ينفروا جميعاً لأن الجهاد صار فرض كفاية‏.‏ نسخت قوله تعالى‏:‏ ‏{‏انفروا خِفَافاً وَثِقَالاً‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 41‏]‏ «ع»، أو ما كان لهم إذا بعث الرسول صلى الله عليه وسلم سرية أن يخرجوا جميعاً ويتركوا الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة واحده بل يقيم بعضهم‏.‏ لما عُيِّروا بالتخلف عن غزوة تبوك خرجوا في سرايا الرسول صلى الله عليه وسلم وتركوه وحده بالمدينة فنزلت‏.‏ ‏{‏فَلَوْلا نَفَرَ‏}‏ مع الرسول صلى الله عليه وسلم طائفة لتتفقه في الجهاد معه، أو هاجرت إليه في إقامته لتتفقه، أو لتتفقه الطائفة المقيمة مع الرسول صلى الله عليه وسلم معناه فهلا إذا نفروا أن تقيم مع الرسول صلى الله عليه وسلم طائفة لأجل التفقه في الدين في أحكامه، ومعالمه ويتحملوا ذلك لينذروا به قومهم إذا رجعوا إليهم، أو ليتفقهوا فيما يشاهدونه من المعجزات والنصر المصدق للوعد السابق ليقوي إيمانهم ويُخبروا به قومهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏123‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ‏(‏123‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ يَلُونَكُم‏}‏ العرب، أو الروم، أو الديلم، أو عام في قتال الأقرب فالأقرب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏124‏]‏

‏{‏وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ‏(‏124‏)‏‏}‏

‏{‏أَيُّكُمْ زَادَتْهُ‏}‏ قاله المنافقون بعضهم لبعض على وجه الإنكار، أو قالوه لضعفاء المسلمين استهزاء‏.‏ ‏{‏فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً‏}‏ بها لأنهم لم يؤمنوا بها قبل نزولها أو زادتهم خشية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏125‏]‏

‏{‏وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ‏(‏125‏)‏‏}‏

‏{‏رِجْساً‏}‏ إثماً، أو شكاً، أو كفراً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏126‏]‏

‏{‏أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ‏(‏126‏)‏‏}‏

‏{‏يُفْتَنُونَ‏}‏ يُبتلون، أو يضلون، أو يُختبرون بالجوع والقحط، أو بالجهاد والغزو في سبيل الله، أو ما يلقونه من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم أو ما هتكه الله تعالى من أسرارهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏128‏]‏

‏{‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ‏(‏128‏)‏‏}‏

‏{‏مِّنْ أَنفُسِكُمْ‏}‏ لم يبقَ من العرب بطن إلا ولده، أو من المؤمنين لم يصبه شرك، أو من نكاح لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية، أو ممن تعرفونه بينكم‏.‏ ‏{‏عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ‏}‏ شديد عليه ما شق عليكم «ع» أو شديد عليه ما ضللتم، أو عزيز عليه عنت مؤمنكم‏.‏ ‏{‏حَرِيصٌ عَلَيْكُم‏}‏ أن تؤمنوا‏.‏ ‏{‏رَءُوفٌ رَّحِيمٌ‏}‏ بما يأمرهم به من الهدى ويؤثره من صلاحهم، نزلت هذه الآية والتي بعدها بمكة، أو هما آخر ما نزل «ع»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏129‏]‏

‏{‏فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ‏(‏129‏)‏‏}‏

‏{‏فَإِن تَوَلَّوْاْ‏}‏ عنك، أو معن طاعة الله تعالى‏.‏

‏[‏سورة يونس‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏الر‏}‏ أنا الله أرى «ع» أو حروف من الرحمن، وقيل «الر» و«حم» و«ن» اسم الرحمن مقطع، أو اسم للقرآن، أو فواتح افتتح الله تعالى بها القرآن‏.‏ ‏{‏تِلْكَ‏}‏ هذه ‏{‏ءَايَاتُ الْكِتَابِ‏}‏‏:‏

تلك خيلي منه وتلك ركابي *** هن صفرٌ أولادها كالزبيب

أي هذه خيلي‏.‏ ‏{‏الْكِتَابِ‏}‏ التوراة والإنجيل، أو الزبور، أو القرآن‏.‏ ‏{‏الْحَكيمِ‏}‏ المحكم، أو لانه كالناطق بالحكمة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏أَكَانَ لِلنَّاسِ‏}‏ لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم قالت العرب‏:‏ الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً فنزلت‏.‏ ‏{‏قَدَمَ صِدْقٍ‏}‏ ثواباً حسناً بما قدموه من العمل الصالح «ع»، أو سابق صدق سبقت لهم السعادة في الذكر الأول، أو شفيع صدق هو محمد صلى الله عليه وسلم أو سلف صدق تقدموهم بالإيمان، أو لهم السابقة بإخلاص الطاعة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏يُدَبِّرُ الأَمْرَ‏}‏ يقضيه وحده، أو يأمر به ويمضيه‏.‏ ‏{‏مَا مِن شَفِيعٍ‏}‏ يشفع إلا أن يأذن له، أو لا يتكلم عنده إلا بإذن، أو ثانٍ له من الشفع، لأنه خلق السموات والأرض وهو فرد لا حي معه، ثم خلق الملائكة والبشر‏.‏ ‏{‏مِن بَعْدِ إِذْنِهِ‏}‏ أمره كن فكان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ‏}‏ ينشئه ثم يفنيه أو يحييه ثم يميته ثم يبدؤه ثم يحييه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏يَرْجُونَ لِقَآءَنَا‏}‏ يخافون عقابنا، أو يطمعون في ثوابنا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ‏}‏ يجعل لهم نوراً يمشون به، أو يهديهم بعملهم إلى الجنة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «يتلقى المؤمن عمله في أحسن صورة فيؤنسه ويهديه، ويتلقى الكافر عمله في أقبح صورة فيوحشه ويضله» أو يهديهم إلى طريق الجنة، أو مدحهم بالهداية‏.‏ ‏{‏مَن تَحْتِهِمُ‏}‏ تحت منازلهم، أو بين أيديهم وهم يرونها من علٍ، قال مسروق‏:‏ أنهارها تجري في غير أخدود‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏دَعْوَاهُمْ‏}‏ إذا عدوا شيئاً يشتهونه قالوا‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ‏}‏ فيأتيهم ذلك وإذا سألوا الله شيئاً قالوا‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ‏}‏ ‏{‏وَتَحِيَّتُهُمْ‏}‏ ملكهم سالم، التحية‏:‏ الملك‏.‏ أو يُحيي بعضهم بعضاً بالسلام أي سلمت مما بُلي به أهل النار‏.‏ ‏{‏وَءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ‏}‏ كما أن أول دعائهم ‏{‏سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ‏}‏ كان آخره بالحمد له‏.‏ أو إذا أجاب سؤالهم فيما ادعوه وأتاهم ما اشتهوه شكروا بالحمد له‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَوْ يُعَجِّلُ‏}‏ للكافر عذاب كفره كما عجل له المال والولد لقضي أجله ليعجل له عذاب الآخرة‏.‏ أو لو استجيب للرجل إذا غضب فدعا على نفسه أو ماله، أو ولده فقال‏:‏ لا بارك الله فيه، أو أهلكه ‏{‏لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ‏}‏ لهلكوا‏.‏ ‏{‏الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا‏}‏ خاص بمشركي مكة، أو عام‏.‏ ‏{‏طُغْيَانِهِمْ‏}‏ شركهم «ع» أو ضلالتهم، أو ظلمهم‏.‏ ‏{‏يَعْمَهُونَ‏}‏ يترددون، أو يتمادون، أو يلعبون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ‏}‏ لجنبه يتعلق بدعانا، أو بمس‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا‏}‏ كفار مكة‏.‏ ‏{‏بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَذّآ أَوْ بَدِّلْهُ‏}‏ إذا أتى بغيره جاز أن يبقى معه وإذا بدله فلا يبقى المبدل معه، طلبوا تحويل الوعد وعيداً والوعيد وعداً والحلال حراماً والحرام حلالاً، أو طلبوا إسقاط عيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم، أو إسقاط ما فيه من ذكر البعث والنشور‏.‏ ‏{‏مَا يُوحَى إِلَىَّ‏}‏ من وعد ووعيد وأمر، ونهي وتحليل وتحريم ‏{‏إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى‏}‏ بتبديله وتغييره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏أَدْرَاكُم‏}‏ أعلمكم، أو أنذركم‏.‏ ‏{‏عُمُراً‏}‏ أراد ما تقدم من عمره، أو أربعين سنة، لأنه بُعث عن الأربعين، وهو المطلق من عمر الإنسان‏.‏

‏{‏أَتُنَبِِّئُونَ اللَّهَ‏}‏ أتخبرونه بعبادة من لا يعلم ما في السموات ولا ما في الأرض، أو ليس يعلم الله له شريكاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا كَانَ النَّاسُ‏}‏ آدم عليه الصلاة والسلام، أو أهل السفينة، أو من كان على عهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو بنو آدم‏.‏ ‏{‏أُمَّةً وَاحِدَةً‏}‏ على الإسلام حتى اختلفوا «ع»، أو على الكفر، أو على دين واحد فاختلفوا في الدين فمؤمن وكافر، أو اختلف بنو آدم لما قتل قابيل أخاه‏.‏ ‏{‏سَبَقَتْ‏}‏ بتأجيل العذاب إلى الآخرة، لعجل العذاب في الدنيا، أو بأن لا يعاجل العصاة ‏{‏لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ‏}‏ وباضطرارهم إلى معرفة المحق من المبطل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏رَحْمَةً‏}‏ رخاء بعد شدة، أو عافية بعض سقم، أو خصابة بعد جدب، أو إسلاماً بعد كفر، وهو المنافق، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه ‏{‏مَّكْرٌ‏}‏ كفر وجحود، أو استهزاء وتكذيب، لما أجيب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بسبع كسبع يوسف عليه الصلاة والسلام أتاه ‏[‏أبو سفيان‏]‏ وسأله أن يدعو لهم بالخصب وقال‏:‏ إن أجابك وأخصبنا صدقناك، فدعا بذلك فأخصبوا فنقضوا ما قالوه وأقاموا على كفرهم فنزلت هذه الآية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏حَصِيداً‏}‏ ذاهباً، أو يابساً‏.‏ ‏{‏تَغْنَ‏}‏ تعمر أو تعيش، أو تقم غني بالمكان‏:‏ أقام به، أو تنعم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏دَارِ السَّلامِ‏}‏ السلامة، أو اسم الله تعالى والجنة داره‏.‏ ‏{‏وَيَهْدِى‏}‏ بالتوفيق والإعانة، أو بإظهار الأدلة‏.‏ ‏{‏صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ‏}‏ القرآن، أو الإسلام، أو الحق، أو الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحباه رضي الله تعالى عنهما من بعده‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏أَحْسَنُواْ‏}‏ عبادة ربهم ‏{‏الْحُسْنَى‏}‏ الجنة، والزيادة‏:‏ النظر إلى الله تعالى، أو الحسنى واحدة الحسنات والزيادة مضاعفتها إلى عشرة «ع»، أو الحسنى حسنة بحسنة، والزيادة‏:‏ مغفرة ورضوان، أو الحسنى‏:‏ جزاء الآخرة، والزيادة‏:‏ ما أعطوا في الدنيا، أو الحسنى‏:‏ الثواب والزيادة‏:‏ الدوام‏.‏ ‏{‏يَرْهَقُ‏}‏ يعلو، أو يلحق، غلام مراهق‏:‏ لحق بالرجال‏.‏ ‏{‏قَتَرٌ‏}‏ سواد الوجه «ع»، أو الجزاء، أو الدخان، قتار اللحم والعود دخانهما، أو الغبار في محشرهم إلى الله‏.‏ ‏{‏ذِلَّةٌ‏}‏ هوان أو خيبة‏.‏