فصل: تفسير الآيات رقم (20 - 21)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***


تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏زَادَهُمْ‏}‏ الاستهزاء هدى، أو زادهم القرآن، أو الناسخ والمنسوخ ‏{‏هُدىً‏}‏ علماً، أو نصرة في الدين وتصديقاً للرسول صلى الله عليه وسلم، أو شرحاً لصدورهم، أو عملاً بما علموا مما سمعوا ‏{‏تَقْوَاهُمْ‏}‏ الخشية، أو ثواب التقوى، أو وفقهم للعمل بما فرض عليهم، أو بين لهم ما يتقون، أو ترك المنسوخ والعمل بالناسخ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏أَشْرَاطُهَا‏}‏ آياتها، أو انشقاق القمر على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه آخر الرسل وأمته آخر الأمم‏.‏ «بعثت والساعة كهاتين» ‏{‏فَأَنَّى لَهُمْ‏}‏ كيف لهم بالنجاة ‏{‏جَآءَتْهُمْ‏}‏ الساعة، أو الذكرى عند مجيء الساعة ‏{‏ذِكْرَاهُمْ‏}‏ تذكيرهم بما عملوا من خير، أو شر، أو دعاؤهم بأسمائهم تبشيراً وتخويفاً‏.‏ قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أحسنوا أسماءكم فإنكم تدعون بها يوم القيامة يا فلان قم إلى نورك‏.‏ يا فلان قم فلا نور لك»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏فَاعْلَمْ‏}‏ أن الله أعلمك ‏{‏أَنَّهُ لآ إِلَهَ إِلا اللَّهُ‏}‏ هو، أو ما علمته استدلالاً فاعلمه يقيناً، أو ما ذكر عبر عن الذكر بالعلم لحدوثه عنه‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏20 - 21‏]‏

‏{‏وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ ‏(‏20‏)‏ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏لَوْلا نُزِّلَتْ‏}‏ كان المؤمنون إذا تأخر نزول القرآن اشتاقوا إليه وتمنوه ‏{‏مُّحْكَمَةٌ‏}‏ بذكر الحلال والحرام، أو بالقتال ‏{‏مَّرَضٌ‏}‏ شك لأن القلب به كالمريض ‏{‏فَأَوْلَى لَهُمْ‏}‏ وعيد كأنه قال العقاب أولى، أو أولى لهم‏.‏ ‏{‏طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ‏}‏ من أن يجزعوا عن فرض الجهاد، أو طاعة وقول معروف حكاية من الله تعالى عنهم قبل فرض الجهاد ‏{‏مَّعْرُوفٌ‏}‏ الصدق والقبول، أو الإجابة بالسمع والطاعة ‏{‏صَدَقُواْ اللَّهَ‏}‏ بأعمالهم ‏{‏لَكَانَ خَيْراً‏}‏ من نفاقهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏فَهَلْ عَسَيْتُمْ‏}‏ يا قريش، أو أيها الخوارج، أو المنافقون وهو الأظهر ‏{‏تَوَلَّيْتُمْ‏}‏ الحكم فتفسدوا بأخذ الرشا، أو توليتم أمر الأمة أن تفسدوا بالظلم، أو توليتم عن القرآن فتفسدوا بسفك الدم، أو توليتم عن الطاعة فتفسدوا بالمعاصي وقطع الأرحام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ ارْتَدُّواْ‏}‏ اليهود كفروا بمحمد بعد علمهم أنه نبي، أو المنافقون قعدوا عن الجهاد بعدما علموه في القرآن‏.‏ ‏{‏سَوَّلَ‏}‏ أعطاهم سؤالهم، أو زين لهم خطاياهم ‏{‏وَأَمْلَى لَهُمْ‏}‏ أمهلهم الله بالعذاب، أو مدَّ لهم في الأمل، أو مدَّ الشيطان آمالهم بالتسويف‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏بِأَنَّهُمْ قَالُواْ‏}‏ قالت اليهود للمنافقين ‏{‏سَنُطِيعُكُمْ‏}‏ في أن لا نصدق بشيء من مقالته، أو في كتم ما علمناه من نبوته، أو قال المنافقون لليهود سنطيعكم في غير القتال في بغض محمد والقعود عن نصرته، أو في الميل إليكم والمظاهرة على محمد، أو في الارتداد بعد الإيمان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏مَّرَضٌ‏}‏ نفاق، أو شك ‏{‏أَضْغَانَهُمْ‏}‏ غشهم، أو حسدهم، أو حقدهم، أو عدوانهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

‏{‏وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ‏(‏30‏)‏‏}‏

‏{‏لَحْنِ الْقَوْلِ‏}‏ كذبه، أو فحواه واللحن الذهاب بالكلام في غير جهته، واللحن في الإعراب الذهاب عن الصواب، ألحن بحجته أذهب بها في الجهات، فلم يتكلم بعدها منافق عند الرسول صلى الله عليه وسلم إلا عرفه ‏{‏يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ‏}‏ يميزها أو يراها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ‏(‏31‏)‏‏}‏

‏{‏الْمُجَاهِدِينَ‏}‏ في سبيل الله، أو الزاهدين في الدنيا ‏{‏وَالْصَّابِرِينَ‏}‏ على الجهاد، أو عن الدنيا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ‏(‏33‏)‏‏}‏

‏{‏أَطِيعُواْ اللَّهَ‏}‏ تعالى بتوحيده، ‏{‏الرَّسُولَ‏}‏ صلى الله عليه وسلم بتصديقه، أو أطيعوا الله تعالى في حرمة الرسول صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم في تعظيم الله عز وجل ‏{‏أَعْمَالَكُمْ‏}‏ حسناتكم بالمعاصي، أو لا تبطلوها بالكبائر، أو بالرياء والسمعة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

‏{‏فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ‏(‏35‏)‏‏}‏

‏{‏يَتِرَكُمْ‏}‏ ينقصكم أجود أعمالكم، أو يظلمكم، أو يستلبكم، ومنه فقده «وُتِرِ أهله وماله»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

‏{‏إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ ‏(‏36‏)‏‏}‏

‏{‏وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ‏}‏ لنفسه، أو لا يسألكم جميعها في الزكاة ولكن بعضها، أو لا يسألكم أموالكم إنما هي أمواله وهو المنعم بها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

‏{‏إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏فَيُحْفِكُمْ‏}‏ بأخذ الجميع، أو الإلحاح وإكثار السؤال من الحفاء وهو المشي بغير حذاء، أو ‏{‏فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ‏}‏ فيجدكم تبخلوا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏تَتَوَلَّوْاْ‏}‏ عن كتابي، أو طاعتي أو الصدقة التي أمرتكم بها أو عن هذا الأمر فلا تقبلوه ‏{‏قَوْماً غَيْرَكُمْ‏}‏ أهل اليمن، أو من شاء من سائر الناس، أو الفرس‏.‏ سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فضرب على منكب سلمان، فقال‏:‏ «هذا وقومه» ‏{‏أَمْثَالَكُم‏}‏ في البخل بالنفقة في سبيل الله، أو في المعصية وترك الطاعة‏.‏

‏[‏سورة الفتح‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏فَتَحْنَا‏}‏ أعلمناك بما أنزلناه من القرآن وعرفناك من الدين يعبّر عن العلم بالفتح ومنه ‏{‏مَفَاتِحُ الغيب‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 59‏]‏ علم الغيب، أو قضينا لك بفتح مكة قضاء بَيِّناً‏.‏ وعده بذلك مرجعه من الحديبية، أو قضينا في الحديبية قضاء مبيناً بالهدنة‏.‏ قال جابر‏:‏ ما كنا نعد فتح مكة إلا يوم الحديبية، أو بيعة الرضوان قال البراء‏:‏ أنتم تعدون الفتح فتح مكة ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، أو نحره وحلقه يومئذ، والحديبية بئر تمضمض فيها الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقد غارت فجاشت بالماء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏لِّيَغْفِرَ لَكَ‏}‏ إكمالاً للنعمة عليك، أو يَصْبرك على أذى قومك ‏{‏مَا تَقَدَّمَ‏}‏ قبل الفتح ‏{‏وَمَا تَأَخَّرَ‏}‏ بعده، أو ما تقدم النبوة وما تأخر عنها، أو ما وقع وما لم يقع‏.‏ وعده بأنه مغفور إن وقع ‏{‏نِعْمَتَهُ‏}‏ بفتح مكة والطائف وخيبر، أو بخضوع من استكبر وطاعة من تجبر قال عبد الله بن أُبي للأنصار كيف تدخلون في دين رجل لا يدري ما يُفعل به ولا بمن اتبعه هذا والله هو الضلال المبين، فقال شيحان‏:‏ يا رسول الله ألا تسأل ربك يخبرك بما يفعل بك وبمن اتبعك فقال‏:‏ إن له أجلاً فأبشرا بما يسركما فلما نزلت قرأها على أصحابه فقال أحدهم‏:‏ هنيئاً مريئاً يا رسول الله قد بيّن الله تعالى لك ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فنزلت ‏{‏لِّيُدْخِلَ المؤمنين‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 5‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏السَّكِينَةَ‏}‏ الصبر على أمر الله، أو الثقة بوعده، أو الرحمة لعباده‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏ظَنَّ السَّوْءِ‏}‏ أن له شريكاً، أو أنه لن يبعث أحداً، أو أن يجعلهم كرسوله، أو ينصرهم عليه‏.‏ ظنت أسد وغطفان لما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية أنه يقتل أو ينهزم فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة سالماً ظافراً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏شَاهِداً‏}‏ على أمتك بالبلاغ، أو بأعمالهم من طاعة ومعصية، أو مبيناً لهم ما أرسلت به ‏{‏وَمُبَشِّراً‏}‏ للمؤمنين ‏{‏وَنَذِيراً‏}‏ للكافرين، أو مبشراً بالجنة للطائع ونذيراً بالنار للعاصي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏وَتُعَزِّرُوهُ‏}‏ الضمائر الثلاثة لله، فتوقيره بإثبات ربوبيته ونفي الأولاد والشركاء عنه، أو التعزير والتوقير للرسول صلى الله عليه وسلم فتوقيره أن يدعى بالنبوة والرسالة دون الاسم والكنية، أو تُسَوِّدوه، والتعزير المنع وها هنا الطاعة، أو التعظيم، أو النصر‏.‏ ‏{‏وَتُسَبِّحُوهُ‏}‏ بتنزيهه عن كل قبيح، أو بالصلاة المشتملة على التسبيح ‏{‏بُكْرَةً وَأَصِيلاً‏}‏ غودة وعشياً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏يُبَايِعُونَكَ‏}‏ بيعة الرضوان ‏{‏إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ‏}‏ لأن بيعة نبيه طاعة له‏.‏ سميت بيعة تشبيهاً بالبيع، أو لأنهم باعوا أنفسهم بالجنة ‏{‏يَدُ اللَّهِ‏}‏ عقده في هذه البيعة فوق عقودهم، أو قوته في نصرة النبي فوق قوتهم، أو ملكه فوق ملكهم لأنفسهم، أو يده بالمنة في هدايتهم فوق أيديهم في طاعتهم، أو يده عليهم في فعل الخير بهم فوق أيديهم في بيعتهم ‏{‏نَّكَثَ‏}‏ نقض العهد عند الجمهور، أو كفر ‏{‏عَاهَدَ عَلَيْهُ‏}‏ في البيعة، أو الإيمان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏بُوراً‏}‏ فاسدين أو هلكى أو أشراراً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏يُبَدِّلُواْ كَلامَ اللَّهِ‏}‏ وعده لنبيه صلى الله عليه وسلم بالنصر والظفر لما ظنوا ظن السوء أنه يهلك، أو قوله ‏{‏لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 83‏]‏ لما استأذنوا في الخروج لأجل الغنائم بعد امتناعهم عنه بظن السوء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏لِّلْمُخَلَّفِينَ‏}‏ المنافقون ثلاثة أحدهم‏:‏ لا يؤمن ‏{‏سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 101‏]‏ والثاني‏:‏ تابوا ‏{‏عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 102‏]‏ فقبلت توبتهم والثالث‏:‏ قوم بين الخوف والرجاء وهم المدعوون‏.‏ ‏{‏إِلَى قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ‏}‏ فارس، أو الروم، أو غطفان وهوازن بحنين، أو بنو حنيفة مع مسيلمة، أو قوم لم يأتوا بعد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ‏}‏ لما تأخر عثمان رضي الله تعالى عنه بمكة وأرجف بقتله بايع الرسول صلى الله عليه وسلم هذه البيعة على الصبر والجهاد‏.‏ وكانوا ألفاً وأربعمائة، أو وخمسمائة، أو ثلاثمائة والشجرة سَمُرة، وسميت بيعة الرضوان لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَّقَدْ رَضِىَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏ ‏{‏مَا فِى قُلُوبِهِمْ‏}‏ من صدق النية، أو كراهية البيعة على الموت‏.‏ ‏{‏السَّكِينَةَ‏}‏ الصبر، أو سكون النفس بصدق الوعج ‏{‏فَتْحاً قَرِيباً‏}‏ خيبر، أو مكة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً‏}‏ خيبر، أو كل مغنم غنمه المسلمون ‏{‏لَكُمْ هَذِهِ‏}‏ خيبر، أو صلح الحديبية ‏{‏أَيْدِىَ النَّاسِ‏}‏ اليهود كف أيديهم عن المدينة لما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية، أو قريش بالحديبية أو الحليفان أسد وغطفان، جاءوا لنصرة أهل خيبر فألقى في قلوبهم الرعب فانهزموا ‏{‏وَلِتَكُونَ‏}‏ فتح خيبر، أو كف الأيدي ‏{‏ءَايَةً‏}‏ علامة لصدق وعد الله تعالى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏وَأُخْرَى‏}‏ أرض فارس والروم وكل ما فتحه المسلمون، أو خيبر، أو مكة ‏{‏أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا‏}‏ قدر عليها أو حفظها لكم لتفتحوها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏سُنَّةَ اللَّهِ‏}‏ طريقته السالفة في نصر رسله وأوليائه على أعدائه ‏{‏وَلَن تَجِدَ‏}‏ لن يغير سنته في نصرك على أعدائك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏كَفَّ أَيْدِيَهُمْ‏}‏ بالرعب ‏{‏وَأَيْدِيَكُمْ‏}‏ بالنهي، أو أيديهم بالخذلان وأيديكم بالإبقاء لعلمه بمن يسلم منهم، أو أيديكم وأيديهم بصلح الحديبية ‏{‏بِبَطْنِ مَكَّةَ‏}‏ الحديبية لأن بعضها مضاف إلى الحرم، أو بمكة نفسها ‏{‏أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ‏}‏ بفتح مكة فيكون نزول هذه الآية بعد الفتح، أو بقضاء العمرة التي صدوكم عنها، أو بالثمانين بأخذه الثمانين سلماً وأعتقهم وكانوا هبطوا من التنعيم ليقتلوا من ظفروا به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏وَصَدُّوكُمْ‏}‏ عام الحديبية ‏{‏مَعْكُوفاً‏}‏ محبوساً، أو واقفاً، أو مجموعاً ‏{‏مَحِلَّهُ‏}‏ منحره أو الحرم المحل بالكسر غاية الشيء وبالفتح الموضع الذي يحله الناس وكان الهدى سبعين بدنة‏.‏ ‏{‏لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ‏}‏ لم تعلموا إيمانهم ‏{‏تَطَؤُهُمْ‏}‏ بخيلكم ورجلكم فتقتلوهم، أو لولا أن في أصلاب الكفار وأرحام نسائهم رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهن أن تطؤوا آباءهم فيهلك الأبناء ‏{‏مَّعَرَّةٌ‏}‏ إثم، أو غرم الدية، أو كفارة قتل الخطأ، أو الشدة، أو العيب، أو الغم ‏{‏تَزَيَّلبُواْ‏}‏ تميزوا، أو تفرقوا، أو زايلوا حتى لا يختلطوا بمشركي مكة ‏{‏لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ‏}‏ بالقتل بالسيف ولكن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ‏}‏ عصبيتهم لآلهتهم وأنفتهم أن يعبدوا غيرها، أو أنفتهم من الإقرار بالرسالة والافتتاح ببسم الله الرحمن الرحيم ومنعهم من دخول مكة ‏{‏سَكِينَتَهُ‏}‏ الصبر وإجابتهم إلى الصلح حتى عاد في قابل فقضى عمرته ‏{‏كَلِمَةَ التَّقْوَى‏}‏ لا إله إلا الله «ع»، أو الإخلاص، أو بسم الله الرحمن الرحيم، أو قولهم سمعنا وأطعنا بعد خوضهم وسميت كلمة التقوى لأنهم يتقون بها غضب الله تعالى فكان المؤمنون أحق بكلمة التقوى، أو أهل مكة لتقدم إنذارهم لولا سلب التوفيق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏الرُّءْيَا‏}‏ كان الرسول صلى الله عليه وسلم رأى أنه يدخل مكة على الصفة المذكورة فلما صالح بالحديبية ارتاب المنافقون فقال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ فما رأيت في هذا العام ‏{‏فَعَلِمَ‏}‏ أن دخولها إلى سنة ولم تعلموه أنتم، أو علم أن بها رجالاً مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم ‏{‏فَتْحاً قَرِيباً‏}‏ صلح الحديبية، أو فتح خيبر ‏{‏إِن شَآءَ اللَّهُ‏}‏ شرط واستثناء، أو ليس بشرط بل خرج مخرج الحكاية معناه لتدخلنه بمشيئة الله تعالى أو إن شاء الله دخول الجميع أو البعض لأنهم علم أن بعضهم يموت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏سِيمَاهُمْ‏}‏ ثرى الأرض وندى الطهور، أو السمت الحسن، أو الصفار من السهر، أو تبدوا صلاتهم في وجوههم، أو نور وجوههم يوم القيامة ‏{‏مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ‏}‏ بأن سيماهم في وجوههم ‏{‏وَمَثَلُهُمْ فِى الإنْجِيلِ‏}‏ كزرع، أو كلا المثلين في التوراة والإنجيل ‏{‏شَطْئَهُ‏}‏ شوك السنبل وهو البهمي والسفا، أو السنبل يخرج من الحبة عشر سنبلات وتسع وثمان، أو فراخه التي تخرج من جوانبه‏.‏ شاطىء النهر جانبه ‏{‏فَآزَرَهُ‏}‏ ساواه فصار مثل الأم، أو شد فراخ الزرع أصول النبت وقواها ‏{‏فَاسْتَغْلَظَ‏}‏ باجتماع الفراخ مع الأصول ‏{‏لِيَغِيظَ بِهِمُ‏}‏ بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم لأن ما أعجب المؤمنين من قوتهم كإعجاب الزراع بقوة زرعهم هو الذي غاظ الكفار منهم شبه ضعف الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره وإجابة الواحد بعد الواحد له حتى قوي أمره وكثر جمعه بالزرع يبدو ضعيفاً فيقوى حالاً بعد حال حتى يغلظ بساقه وأفراخه‏.‏

‏[‏سورة الحجرات‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏لا تُقَدِّمُواْ‏}‏ كان بعضهم يقول لو أنزل فِيَّ كذا لو أنزل فِيَّ كذا فنزلت، أو نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه «ع»، أو لا يفتاتوا على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم حتى يقضي على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، أو ذبحوا قبل الرسول صلى الله عليه سلم فأمروا بإعادة الذبح، أو لا تقدموا أعمال الطاعات قبل وقتها المأمور به قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ بعث الرسول صلى الله عليه وسلم أربعة عشر رجلاً من أصحابه إلى بني عامر فقتلوهم إلا ثلاثة فلما رجعوا إلى المدينة لقوا رجلين من بني سليم فسألوهم عن نسبهما فقالا من بين عامر فقتلوهما فأتى بنو سليم وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن بيننا وبينك عهداً وقد قتل منا رجلان فوداهما الرسول صلى الله عليه وسلم ونزلت هذه الآية في قتلهما ‏{‏وَاتَّقُواْ‏}‏ في التقديم ‏{‏إِنَّ اللَّهُ سَمِيعٌ‏}‏ لأقوالكم ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بأفعالكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏لا تَرْفَعُواْ أصْوَاتَكُمْ‏}‏ تمار عند الرسول صلى الله عليه وسلم رجلان فارتفعت أصواتهما فنزلت فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه‏:‏ والذي بعثك بالحق لا أكلمك بعدها إلا كأخي السرار ‏{‏وَلا تَجْهَرُواْ‏}‏ برفع أصواتكم، أو لا تدعوه باسمه وكنيته كدعاء بعضكم بعضاً بالأسماء والكنى ولكن أدعوه بالنبوة والرسالة ‏{‏أَن تَحْبَطَ‏}‏ أي فتحبط، أو لئلا تحبط‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏امْتَحَنَ‏}‏ أخلصها، أو اختصها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ يُنَادُونَكَ‏}‏ جاءه رجل فناداه من وراء الحجرة يا محمد إن مدحي زين وإن شتمي شين فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ «ويلك ذاك الله، ذاك الله» فنزلت‏.‏ أو قال قوم انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن كان نبياً فنحن أسعد الناس به وإن يكن ملكاً نعش في جنابه فأتوه ينادونه وهو في حجرته يا محمد يا محمد فنزلت قيل‏:‏ كانوا تسعة من بني تميم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ‏}‏ أحسن أدباً وطاعة لله ورسوله، أو لأطلقت أسرارهم بغير فداء لأنه كان سبى قوماً من بني العنبر فجاءوا في فداء سبيهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏جَآءَكُمْ فَاسِقٌ‏}‏ الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق مصدقاً وأقبلوا نحوه فهابهم فرجع وأخبر الرسول صلى الله عليه سلم أنهم ارتدوا عن الإسلام فأرسل خالداً وأمره بالتثبت فأرسل خالد عيونه فرأوا أذانهم وصلاتهم فأخبروا خالداً فلما علم ذلك منهم أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏لَعَنِتُّمْ‏}‏ لأثمتم، أو لاتهمتم، أو هلكتم، أو نالتكم شدة ومشقة ‏{‏حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ‏}‏ حسَّنه عندكم، أو بما وصف من الثواب عليه ‏{‏وَزَيَّنَهُ‏}‏ بما وعد عليه من نصر الدنيا وثواب الآخرة، أو بدلالات صحته ‏{‏وَكَرَّهَ‏}‏ قبح، أو بما وصف عليه من العقاب، الفاسقون‏:‏ الكاذبون أو كل ما خرج من الطاعة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِن طَآئِفَتَانِ‏}‏ كان بين الأوس والخزرج قتال بالنعال والسعف ونحوه على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت، أو اختصم اثنان منهم في حق فقال أحدهما لآخذنه عنوة لكثرة عشيرته فدعاه الآخر إلى المحاكمة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأبى لم يزل الأمر حتى نال بعضهم بعضاً بالأيدي والنعال فنزلت، أو كان لرجل منهم امرأة فأرادت زيارة أهلها فمنعها زوجها وجعلها في علية لا يدخل عليها أحد من أهلها فأرسلت إلى أهلها وجاءوا فأنزلوها لينطلقوا بها فاستعان زوجها بعصبته فجاءوا ليحولوا بينها وبين عصبتها فتدافعوا واجتلدوا بالنعال فنزلت، أو مر الرسول صلى الله عليه وسلم بابن أُبي فوقف عليه فراث حماره فأمسك ابن أُبي أنفه وقال إليك حمارك فغضب ابن رواحة وقال أتقول هذا لحمار رسول الله صلى عليه وسلم فوالله لهو أطيب ريحاً منك ومن أبيك فغضب لكل واحد منهما قومه حتى اقتتلوا بالأيدي والنعال فنزلت فأصلح الرسول صلى الله عليه وسلم ما ‏{‏الَّتِى تَبْغِى‏}‏ بالتعدي في القتال، أو ترك الصلح، البغي التعدي بالقوة إلى طلب ما لا يستحق ‏{‏إِلَى أَمْرِ اللَّهِ‏}‏ كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو الصلح الذي أمر به ‏{‏بِالْعَدْلِ‏}‏ بالحق أو كتاب الله ‏{‏الْمُقْسِطِينَ‏}‏ ذوو العدل في أقوالهم وأفعالهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏لا يَسْخَرْ‏}‏ غني بفقير أو مسلم بمن أعلن بفسقه والقوم‏:‏ الرجال خاصة لقيام بعضهم مع بعض، أو لقيامهم بالأمور دون النساء ‏{‏أَنفُسَكُمْ‏}‏ أهل دينكم أو بعضكم بعضاً واللمز‏:‏ العيب لا يطعن بعضكم على بعض، أو لا يلعنه، أو لا يخونه ‏{‏تَنَابَزُواْ‏}‏ وضع اللقب المكروه على الرجل ودعاؤه به قدم وفد بني سلمة على الرسول صلى الله عليه وسلم ولأحدهم اسمان وثلاثة فكان يدعوه بالاسم فيقال إنه يكره هذا فنزلت أو التسمية بالأعمال السيئة بعد الإسلام يا سارق يا زاني، أو يا فاسق، أو التعيير بعد الإسلام بما سلف من الشرك أو تسميته بعد الإسلام باسم دينه السابق كاليهودي والنصراني لمن كان يهودياً أو نصرانياً ولا يأتي بالألقاب الحسنة والنبز اللقب الثابت، أو القول بالقبيح نزلت في ثابت بن قيس نبز رجلاً بلقب كان لأمه، أو في كعب بن مالك كان على المقسم فقال لعبد الله بن أبي حدرد يا أعرابي فقال له عبد الله يا يهودي فتشاكيا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أو في الذين نادوا الرسول صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات لما عابوا أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم من الفقراء والموالي، أو في عائشة رضي الله تعالى عنها عابت أم سلمة بالقِصَر أو بلباس تشهرت به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ‏}‏ ظن السوء ‏{‏بَعْضَ الظَّنِّ‏}‏ أي ظن السوء، أو التكلم بما ظنه فإن لم يتكلم به فلا إثم عليه ‏{‏تَجَسَّسُواْ‏}‏ بتتبع عثرات المؤمن أو بالبحث عما خفي حتى يظهر، والتجسس والتحسس واحد «ع»، أو بالجيم البحث ومنه الجاسوس وبالحاء الإدراك ببعض الحواس، أو بالحاء أن يطلبه لنفسه وبالجيم أن يكون رسولاً لغيره ‏{‏وَلا يَغْتَب‏}‏ الغيبة‏:‏ ذكر العيب بظهر الغيب إذا كان صدقاً فإن كان كذباً فهو بهتان وإن كان من سماع فهو إفك ‏{‏لَحْمَ أَخِيِهِ مَيْتاً‏}‏ كما تمتنعون من أكل لحوم الموتى فكذلك يجب أن تمتنعوا من غيبة الأحياء، أو كما يحرم الأكل يحرم الاغتياب ‏{‏فَكَرِهْتُمُوهُ‏}‏ كرهتم أن يغتابكم الناس فكذلك فاكرهوا غيبتهم، أو كرهتم أكل الميتة فاكرهوا الغيبة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى‏}‏ نهى عن التفاخر بالأحساب ‏{‏شُعُوباً‏}‏ النسب الأبعد والقبائل النسب الأقرب لأنها تشعبت من الشعوب، أو الشعوب عرب اليمن من قحطان والقبائل ربيعة ومضر وسائر عدنان، أو الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب ‏{‏لِتَعَارَفُواْ‏}‏ لا لتفتخروا، وواحد الشعوب شَعب بالفتح والشِعب الطريق جمعه شِعاب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ‏}‏ أعراب حول المدينة أظهروا الإسلام وأبطنوا الشرك ومنوا بإسلامهم على الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا‏:‏ فضلنا على غيرنا لأنا أسلمنا طوعاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏لا تَمُنُّواْ عَلَىَّ إِسْلامَكُم‏}‏ لأنه إن كان حقاً فهو لخلاصكم وإن كان نفاقاً فللدفع عنكم فلا مِنَّة لكم فيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَتِ الأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ‏}‏ أقروا ولم يعملوا فالإسلام قول والإيمان عمل، أو أرادوا التسمي باسم الهجرة قبل المهاجرة فأعلموا أن اسمهم أعراب، أو منُّوا بإسلام وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم لم نقاتلك فقيل لهم ‏[‏لم‏]‏ تؤمنوا ‏{‏وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا‏}‏ خوف السيف لأنهم آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم وتركوا القتال فصاروا مستسلمين لا مسلمين فيكون من الاستسلام دون الإسلام قيل نزلت في أعراب بني أسد ‏{‏يَلِتْكُم‏}‏ لا يمنعكم، أو لا ينقصكم من ثواب أعمالكم يألتكم ويلتكم واحد أو يألت أبلغ وأكثر من يلت‏.‏

‏[‏سورة ق‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏ق‏}‏ اسم لله تعالى أقسم به، أو اسم القرآن، أو قضى والله كما حم‏:‏ حُم والله، أو الجبل المحيط بالدنيا ‏{‏الْمَجِيدِ‏}‏ الكريم أو الكثير القدر والمنزلة، في كل الشجر نار واستمجد المرخ والعفار استكثر، أو العظيم من مجدت الإبل عظمت بطونها من كلأ الربيع أقسم به تعظيماً لقدره وتشريفاً لخطره لأن القسم لا يكون في العرف إلا بمعظم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏عَجِيبٌ‏}‏ كون الإله واحد، أو كون المنذر منهم، أو إنذارهم بالبعث‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏مَا تَنقُصُ الأَرْضُ‏}‏ من يموت منهم، أو ما تأكله من لحومهم وتبليه من عظامهم ‏{‏كِتَابٌ‏}‏ اللوح المحفوظ ‏{‏حَفِيظٌ‏}‏ لأعمالهم، أو لما تأكله الأرض من لحومهم وأبدانهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْحَقِّ‏}‏ القرآن اتفاقاً ‏{‏مَّرِيجٍ‏}‏ مختلط، أو مختلف، أو ملتبس، أو فاسد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏فُرُوجٍ‏}‏ شقوق، أو فتوق إلا أن الملك تفتح له أبوابها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏مَدَدْنَاهَا‏}‏ بسطناها ‏{‏رَوَاسِىَ‏}‏ جبالاً ثوابت واحدها راسية ‏{‏بَهِيجٍ‏}‏ حسن، أو من أبهجني الأمر أي سرني لأن السرور يحدث حُسْن الوجه قال الشعبي‏:‏ الناس نبات الأرض من دخل الجنة فهو كريم ومن دخل النار فهو لئيم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏تَبْصِرَةً‏}‏ دلالة، أو بصيرة للإنسان، أو نعماً بصر الله تعالى بها عباده ‏{‏مُّنِيبٍ‏}‏ مخلص، أو تائب، أو راجع متذكر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏مُّبَارَكاً‏}‏ لإحيائه النبات والحيوان ‏{‏جَنَّاتٍ‏}‏ البساتين عند الجمهور، أو الشجر ‏{‏وَحَبَّ الْحَصِيدِ‏}‏ البُر والشعير وكل ما يحصد من الحبوب إذا تكامل واستحصد سمي حصيداً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏بَاسِقَاتٍ‏}‏ طوالاً «ع»، أو أثقلها حملها ‏{‏نَّضِيدٌ‏}‏ منضود أي متراكم «ع»، أو منظوم، أو قائم معتدل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ‏}‏ ماء المطر ونبات الأرض ‏{‏كَذَلِكَ الْخُرُوجُ‏}‏ إذا كانت النشأة الأولى مقدورة من غير أصل فالثانية أولى بذلك لأن لها أصلاً، أو مشاهدة إعادة ما مات من زرع ونبات دالة على أن إعادة الموتى أولى للتكليف والجزاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏الرَّسِّ‏}‏ كل بئر لم تطو أو كل حفر في الأرض من بئر أو قبر وهي البئر التي قتل فيها صاحب ياسين ورسَّوه، أو بئر بأذربيجان «ع»، أو قوم باليمامة على آبارٍ لهم، أو أصحاب الأخدود ‏{‏وَثَمُودُ‏}‏ قوم صالح وهم عرب بوادي القرى وما حوله من الثمر وهو الماء القليل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏وَعَادٌ‏}‏ أسلم رجل من العماليق كثر ولده وصاروا قبائل بأحقاف اليمن وهم قوم هود ‏{‏وَفِرْعَوْنُ‏}‏ كان فارسياً من أهل اصطخر أو كان من أهل مصر وكان من لخم، أو من تبع ‏{‏وَإِخْوَانُ لُوطٍ‏}‏ كانوا أربعة آلاف ألف ألف وما من نبي إلا يقوم يوم القيامة معه قوم إلا لوط فإنه يقوم وحده‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ‏}‏ قوم شعيب أهلكوا بيوم الظلة وأرسل إلى مدين أيضاً فأهلكوا بالصيحة والأيكة‏:‏ الغيضة ذات الشجر الملتف وكان عامة شجرهم الدوم ‏{‏تُبَّعٍ‏}‏ لكثرة أتباعه أسلم وكفر قومه وهو حميري من ملوك العرب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏أَفَعَيِينَا‏}‏ ما عجزت عن أهلاك الأولين مع قوتهم أفيشكون في إهلاكي إياهم مع قلتهم وضعفهم، أو ما عجزت عن الإنشاء أفتشكون في قدرتي على الإعادة‏.‏ واللبس اكتساب الشك والخلق الجديد إعادة خلق بعد خلق أول‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏تُوَسْوِسُ‏}‏ الوسوسة كثرة حديث النفس بما لا يتحصل في خفاء وإسرار ‏{‏الْوَرِيدِ‏}‏ حبل معلق به القلب وهو الوتين، أو عرق في الحلق عرق العنق وهو حبل العاتق وهما وريدان عن يمين وشمال سمي وريداً لأنه ينصب إليه ما يرد من الرأس ‏{‏وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ‏}‏ من وريده الذي هو منه أو أملك به من حبل وريده مع استيلائه عليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏الْمُتَلَقِّيَانِ‏}‏ ملكان يتلقيان العمل أحدهما عن يمينك يكتب الحسنات والآخر عن شمالك يكتب السيئات وهم أربعة ملكان بالليل وملكان بالنهار ‏{‏قَعِيدٌ‏}‏ قاعد أو رصَد حافظ من القعود‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏يَلْفِظُ‏}‏ يتكلم من لفظ الطعام وهو إخراجه من الفم ‏{‏رَقِيبٌ‏}‏ متبع للأمور، أو حافظ، أو شاهد ‏{‏عَتِيدٌ‏}‏ حاضر لا يغيب، أو حافظ معد للحفظ، أو الشهادة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏تَحِيدُ‏}‏ تفر، أو تعدل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏سَآئِقٌ‏}‏ ملك يسوقه إلى محشره، أو أمر الله يسوقه إلى الحسنات ‏{‏وَشَهِيدٌ‏}‏ ملك يشهد بعمله، أو الإنسان يشهد على نفسه بعمله، أو يداه ورجلاه تشهد عليه، أو العمل يشهد عليه بنفسه، وهي عامة في المسلمين والكافرين عند الجمهور، أو خاصة بالكفار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏كُنتَ‏}‏ أيها النبي ‏{‏غَفْلَةٍ‏}‏ عن الرسالة فكشفنا عنك غطاءك بالوحي قاله ابن زيد، أو كنت أيها الكافر في غفلة من عواقب كفرك ‏{‏غِطَآءَكَ‏}‏ كان في بطن أمه فولد، أو في القبر فنشر «ع»، أو وقت العرض في القيامة ‏{‏فَبَصَرُكَ‏}‏ بصيرتك سريعة، أو صحيحة لسرعة مور الحديد وصحة قطعه، أو أبصر عينك حديد شديد، أو بصير «ع»، ومدرَكه معاينة الآخرة، أو لسان الميزان، أو ما يصير إليه من ثواب وعقاب «ع»، أو ما أمر من طاعة وحذر من معصية وهو معنى قول ابن زيد، أو العمل الذي كان يعمله في الدنيا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏قَرِينُهُ‏}‏ الملك الشهيد عليه، أو الذي قيض له من الشياطين، أو الإنس قاله ابن زيد ‏{‏مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ‏}‏ هذا الذي وكلت به قد أحضرته، أو هذا الذي كان يحبني وأحبه قد حضر قاله ابن زيد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏أَلْقِيَا‏}‏ يؤمر بإلقاء كل كافر ملكان، أو ملك ويؤمر بلفظ الاثنين قال‏:‏

فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر *** وإن تَدَعَاني أحمِ عِرضاً ممنعاً

أو بمعنى تثنية القول ألق ألق‏.‏ ‏{‏عَنِيدٍ‏}‏ معاند للحق، أو منحرف عن الطاعة، أو جاحد متمرد، أو مشاق، أو المعجب بما عنده المقيم على العمل به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏لِّلْخَيْرِ‏}‏ المال أن ينفقه في الطاعة، أو الزكاة المفروضة، أو عام في الخير من قول وعمل ‏{‏مُّرِيبٍ‏}‏ شاك في الله تعالى، أو في البعث، أو متهم نزلت في الوليد بن المغيرة استشاره بنو أخيه في الإسلام فمنعهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏لا تَخْتَصِمُواْ‏}‏ اختصامهم اعتذار كل واحد منهم فيما قدم من معاصيه «ع»، أو تخاصم كل واحد مع قرينه الذي أغواه في الكفر وأما خصامهم في مظالم الدنيا فلا يضاع لأنه يوم التناصف ‏{‏بِالْوَعِيدِ‏}‏ بالرسول صلى الله عليه وسلم «ع»، أو القرآن، أو الأمر والنهي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ‏}‏ فيما أَوجبه من أمر ونهي، أو فيما وعد به من ثواب وعقاب أو في أن الحسنة بعشر والصلوات الخمس بخمسين صلاة ‏{‏بِظَلامٍ‏}‏ بمعذب من لم يجترم «ع»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

‏{‏يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ‏(‏30‏)‏‏}‏

‏{‏نَقُولُ‏}‏ بلسان حالها‏.‏

امتلأ الحوض وقال قطني ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

أو يقول زبانيتها ‏{‏هَلْ مِن مَّزِيدٍ‏}‏ هل يزاد إلى من ألقي فيَّ غيرهم كالاستخبار عمن بقي، أو امتلأت بمن ألقي فهل أتسع لغيرهم، أو هل يزاد في سعتي لإلقاء غير من ألقي فيَّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

‏{‏هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏أَوَّابٍ‏}‏ ذاكر ذنبه في الخلاء، أو إذا ذكر ذنباً تاب واستغفر، أو الذي لا يقوم من مجلس حتى يستغفر ‏{‏حَفِيظٍ‏}‏ لوصية الله تعالى، أو مطيع فيما أُمِر، أو حافظ لحق الله تعالى بالاعتراف ولنعمه بالشكر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

‏{‏مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ‏(‏33‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْغَيْبِ‏}‏ يدع الذنب سراً كما يدعه جهراً، أو يتوب سراً كما أذنب سراً، أو أطاع الله تعالى بالأدلة ولم يره ‏{‏مُّنِيبٍ‏}‏ تائب، أو مقبل على الله تعالى أو مخلص‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

‏{‏لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ‏(‏35‏)‏‏}‏

‏{‏مَزِيدٌ‏}‏ مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها، أو التزوج بالحور العين ويوم الجمعة يسمى في الآخرة يوم المزيد إما لزيادة ثواب العمل فيه أو لأن الله تعالى يقضي فيه بين خلقه يوم القيامة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

‏{‏وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ‏(‏36‏)‏‏}‏

‏{‏فَنَقَّبُواْ‏}‏ أثَّروا، أو ملكوا، أو ساروا، أو طَوَّفوا، أو اتخذوا فيها طرقاً ومسالك ‏{‏مَّحِيصٍ‏}‏ منجى من الموت، أو مهرب، أو مانع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏قَلْبٌ‏}‏ عقل لأن القلب محله، أو نفس حية مميزة عبر عنها بالقلب لأنه وظنها ومعدن حياتها ‏{‏أَلْقَى السَّمْعَ‏}‏ فيما غاب عنه بالأخبار ‏{‏وَهُوَ شَهِيدٌ‏}‏ فيما عاينه بالحضور، أو سمع ما نزل من الكتب وهو شهيد بصحته، أو سمع ما أُنذر به من ثواب وعقاب وهو شهيد على نفسه بما عمل من خير أو شر خاصة بأهل القرآن، أو باليهود والنصارى، أو عامة في جميع أهل الكتب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏لُّغُوبٍ‏}‏ نصب وتعب زعم يهود المدينة أن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام أولها يوم الأحد وآخرها الجمعة واستراح يوم السبت ولذلك جعلوه يوم راحة فنزلت تكذيباً لهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

‏{‏فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ‏(‏39‏)‏‏}‏

‏{‏عَلَى مَا يَقُولُونَ‏}‏ من تكذيب، أو وعيد ‏{‏وَسَبِّحْ‏}‏ بقولك تنزيهاً لله تعالى، أو فَصَلّ قبل طلوع الشمس الصبح‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ‏(‏40‏)‏‏}‏

‏{‏فَسَبِّحْهُ‏}‏ قولاْ بالليل، أو عشاء الآخرة، أو صلاة الليل، أو ركعتا الفجر ‏{‏وَأَدْبَارَ السُّجُودِ‏}‏ التسبيح أدبار الصلوات، أو النوافل بعد الفرائض، أو ركعتان بعد المغرب قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ركعتين بعد المغرب إدبار السجود وركعتين قبل الفجر إدبار النجوم»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏يُنَادِ‏}‏ بالنفخة الثانية إلى أرض المحشر ‏{‏مَّكَانٍ قَرِيبٍ‏}‏ صخرة بيت المقدس، أو وسط الأرض‏:‏ يا أيتها العظام البالية قومي لفصل القضاء وما أعد من الجزاء وهي أقرب إلى السماء بثمانية عشرة ميلاً، أو يسمعها كل قريب وبعيد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْحَقِّ‏}‏ بقول الحق، أو بالبعث الذي هو حق ‏{‏الْخُرُوجِ‏}‏ من القبور، أو الخروج من أسماء القيامة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

‏{‏نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ‏(‏45‏)‏‏}‏

‏{‏بِجَبَّارٍ‏}‏ برب، أو متجبر مسلط عليهم، كل متسلط‏:‏ جبار، أو لا تجبرهم على الإسلام من جبرته على الأمر قهرته عليه‏.‏

‏[‏سورة الذاريات‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏وَالذَّارِيَاتِ‏}‏ الرياح واحدتها ذارية لأنها تذرو التراب والتبن أي تفرقه في الهواء ‏{‏ذَرْواً‏}‏ مصدر، أو مَا ذَرَتْه أقسم بها وبما ذرته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏فَالْحَامِلاتِ‏}‏ السحاب موقرة بالمطر، أو الرياح موقرة بالسحاب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏فَالْجَارِيَاتِ‏}‏ السفن، أو السحاب ‏{‏يُسْرًا‏}‏ إلى حيث يسرها الله من البلاد، أو سهولة تيسيرها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏فَالْمُقَسِّمَاتِ‏}‏ السحاب يقسم الله بها الحظوظ بين الناس، أو الملائكة تقسم أمره في خلقه‏:‏ جبريل صاحب الوحي والغلظة، وميكائيل صاحب الرزق والرحمة، وإسرافيل صاحب الصور واللوح، وعزرائيل قابض الأرواح؛ أقسم الله تعالى بذلك لما فيه من الآيات والمنافع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّمَا تُوعَدُونَ‏}‏ يوم القيامة كائن، أو الثواب والعقاب حق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏الدِّينَ‏}‏ الحساب لواجب، أو الجزاء لكائن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏والسَّمَآءِ‏}‏ السحاب أو السماء المعروفة على المشهور قال ابن عمر رضي الله عنهما هي السماء السابعة ‏{‏الْحُبُكِ‏}‏ الاستواء «ع»، أو الشدة، أو الصفاقة، أو الطرائق من حباك الحمام طرائق على جناحه، أو الحسن والزينة، أو كحبك الماء إذا ضربته الريح، أو الريح، أو لأنها حبكت بالنجوم «ج»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ‏}‏ أمر مختلف فمؤمن وكافر ومطيع وعاصٍ، أو مصدق بالقرآن ومكذب به، أو أهل الشرك يختلف عليه بالباطل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏يُؤْفَكُ‏}‏ يضل عنه من ضل «ع»، أو يصرف عنه من صرف، أو يؤفن عنه من أفن، والأفَن فساد العقل، أو يخدع عنه من خدع، أو يكذب فيه من كذب، أو يدفع عنه من دفع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏قُتِلَ‏}‏ لعن ‏{‏الْخَرَّاصُونَ‏}‏ المرتابون، أو الكذابون، أو أهل الظنون والفرية، أو المتكهنون، والخرص هاهنا تعمد الكذب، أو ظن الكذب لأن الخرص حذر وظن ومنه خرص الثمار، خرصوا للتكذيب بالرسول صلى الله عليه وسلم، أو بالبعث‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏غَمْرَةٍ‏}‏ غفلة لاهون «ع»، أو ضلالة يتمادون، أو عمىً وشبهة يترددون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏أَيَّانَ‏}‏ متى يوم الجزاء قيل إنها مركبة من أي والآن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏يُفْتَنُونَ‏}‏ يعذبون، أو يطبخون ويحرقون كما يفتن الذهب بالنار، أو يكذبون توبيخاً وتقريعاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏فِتْنَتَكُمْ‏}‏ عذابكم أو تكذيبكم أو حريقكم‏.‏