فصل: كِتَابُ الْوَقْفِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج



وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَحْفِرَ سَاقِيَةً قَبْلَ الْمَقْسَمِ؛ لِأَنَّ حَافَّةَ النَّهْرِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمْ وَلِكُلٍّ حَرْثُ أَرْضِهِ وَخَفْضُهَا وَرَفْعُهَا وَحِينَئِذٍ يُفْرِدُ كُلَّ أَرْضِهِ بِسَاقِيَةٍ يَجْرِي الْمَاءُ فِيهَا إلَيْهَا وَمُؤْنَةُ مَا يَخُصُّ كُلًّا عَلَيْهِ بِخِلَافِ عِمَارَةِ النَّهْرِ الْأَصْلِيَّةِ فَإِنَّهَا عَلَى جَمِيعِهِمْ بِقَدْرِ الْحِصَصِ فَإِنْ عَمَرَهَا بَعْضُهُمْ فَزَادَ الْمَاءُ لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا عَمَرَهَا بَعْدَ امْتِنَاعِ الَآخَرِينَ وَلِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَحْرُثَ وَيَحْفِرَ فِي أَرْضِهِ مَا يَدْفَعُ بِهِ ضَرَرَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضُرَّ الْعُلْيَا وَلَيْسَ لِلْأَعْلَى ذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ أَيْ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ هَذَا إنْ كَانَا يَشْرَبَانِ مَعًا وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ شِرْبُ السُّفْلَى مِنْ مَاءِ الْعُلْيَا فَلَا مَنْعَ أَيْ حَيْثُ لَا ضَرَرَ، وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْدِثَ فِي أَرْضِهِ شَجَرًا أَوْ نَحْوَهُ إنَّ أَضَرَّ بِالسُّفْلَى لِحَبْسِهِ الْمَاءَ وَأَخْذِهِ مِنْهُ فَوْقَ مَا كَانَ يَعْتَادُ قَبْلَ إحْدَاثِ مَا ذُكِرَ وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ لِصَاحِبِ السُّفْلَى إجْرَاءَ الْمَاءِ الْمُسْتَحِقِّ لِإِجْرَائِهِ فِي الْعُلْيَا وَإِنْ أَضَرَّ بِنَخْلِهَا أَوْ زَرْعِهَا وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ لِتَقْصِيرِ صَاحِبِهَا بِالزَّرْعِ أَوْ الْغَرْسِ فِي الْمَجْرَى الْمُسْتَحَقِّ لِلْأَسْفَلِ.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ: لِبُعْدِ أَرْضِ بَعْضِهِمْ مِنْ الْمَقْسَمِ) أَيْ لِأَنَّ الْأَقْرَبَ يَحْصُلُ لَهُ زِيَادَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَنَحْوُ) عُطِفَ عَلَى الْمُهَايَأَةِ ش.
(قَوْلُهُ: أَيْ الشُّرَكَاءِ) إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ حَافَّةَ النَّهْرِ فِي النِّهَايَةِ قَوْلُ الْمَتْنِ: (مُهَايَأَةً) مَنْصُوبٌ إمَّا عَلَى الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ وَهُوَ الْقِسْمَةُ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْحَالِ مِنْهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ أَوْ عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ بِتَقْدِيرِ وَيُقْسَمُ مُهَايَأَةً وَيَجُوزُ كَوْنُ الْقِسْمَةِ فَاعِلَةٌ بِالظَّرْفِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ عَمَلَ الْجَارِ بِلَا اعْتِمَادٍ وَهُمْ الْكُوفِيُّونَ وَعَلَيْهِ فَيُنْصَبُ مُهَايَأَةً عَلَى الْحَالِ مِنْ الْفَاعِلِ مُغْنِي وَنِهَايَةٌ أَقُولُ: وَيَجُوزُ كَوْنُهَا حَالًا مِنْ فَاعِلِ الظَّرْفِ الْمُسْتَتِرِ الرَّاجِعِ إلَى الْمُبْتَدَأِ بَلْ هُوَ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ وِفَاقٍ أَحْسَنُ.
(قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَتَتَعَيَّنُ الْمُهَايَأَةُ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُهَايَأَةَ مُتَعَيِّنَةٌ فِي قِسْمَةِ مَاءِ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ الْمُتَعَذِّرِ قِسْمَتِهَا وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَصْحَابِ- رَحِمَهُمُ اللَّهُ- نَقْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ مَاءِ الْبِئْرِ فَإِنْ ظُفِرَ بِنَقْلٍ فَهُوَ الْمُتَّبَعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. سَيِّدُ عُمَرَ.
(قَوْلُهُ: لِبُعْدِ أَرْضِ بَعْضِهِمْ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَقْرَبَ يَحْصُلُ لَهُ زِيَادَةٌ. اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: وَنَحْوُ الْخَشَبَةِ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ الْمُهَايَأَةُ.
(قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ الْقَنَاةُ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ؛ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِالتَّرَاضِي وَمَعَهُ لَا نَظَرَ لِلتَّفَاوُتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَلَا نَظَرَ إلَخْ. اهـ. سَيِّدُ عُمَرَ عِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ: فَتَمْتَنِعُ الْمُهَايَأَةُ هَذَا قَدْ يُخَالِفُ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَلَا نَظَرَ لِزِيَادَةِ الْمَاءِ وَنَقْصِهِ مَعَهُ التَّرَاضِي إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالِامْتِنَاعِ هُنَا عَدَمُ الْإِجْبَارِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا مُنَافَاةَ لَكِنْ يُرَدَّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُهَايَأَةَ لَا إجْبَارَ فِيهَا، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ يُصَوَّرُ ذَاكَ بِزِيَادَةٍ تَارَةً مِنْ اعْتِيَادٍ كَتَحَرُّكِ هَوَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ وَمَا هُنَا بِمَا عَهِدَتْ الزِّيَادَةُ تَارَةً وَالنَّقْصُ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ اعْتِيَادِ وَقْتٍ بِخُصُوصِهِ لِلزِّيَادَةِ وَآخَرُ لِلنَّقْصِ. اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا مَرَّ فِي الزِّيَادَةِ الْمُحْتَمَلَةِ وَمَا هُنَا فِي الزِّيَادَةِ الْمُحَقَّقَةِ الْمَعْلُومَةِ بِالْعَادَةِ وَمُقْتَضَاهُ امْتِنَاعُ الْمُهَايَأَةِ حِينَئِذٍ وَلَوْ مَعَ التَّرَاضِي مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ الْجَهْلُ بِمِقْدَارِ الزَّائِدِ وَعَدَمِ انْضِبَاطِهِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى فَالْأَوْلَى حَمْلُ مَقَالَةِ الزَّرْكَشِيّ عَلَى الْإِجْبَارِ فِيمَا إذَا تَنَازَعُوا وَضَاقَ الْمَاءُ كَمَا مَرَّ فِي الشَّرْحِ تَقْيِيدُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ الْمَقْسِمِ) بِكَسْرِ السِّينِ عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ تَوْسِيعُ فَمٍ لِنَهْرٍ وَلَا تَضْيِيقُهُ وَلَا تَقْدِيمُ رَأْسِ السَّاقِيَةِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ وَلَا تَأْخِيرُهُ وَلَا غَرْسُ شَجَرَةٍ عَلَى حَافَّتِهِ بِدُونِ رِضَا الْبَاقِينَ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ. اهـ.
زَادَ الْمُغْنِي وَلَا بِنَاءُ قَنْطَرَةٍ وَرَحًى عَلَيْهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ تَفَاوَتَتْ أَرَاضِيهُمْ بِالِانْخِفَاضِ وَالِارْتِفَاعِ.
(قَوْلُهُ: الْأَصْلِيَّةِ) صِفَةٌ لِلنَّهْرِ وَالتَّأْنِيثُ هُنَا وَفِي قَوْلِهِ فَإِنَّ عُمْرَهَا بِتَأْوِيلِ الْعَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ أَجْلِ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الضَّرَرِ.
(قَوْلُهُ: امْتَنَعَ عَلَيْهِ) أَيْ الْأَعْلَى (قَوْلِهِ: فِي الْعُلْيَا) مُتَعَلِّقٌ بِإِجْرَاءِ الْمَاءِ (خَاتِمَةٌ) فِي الْمُغْنِيَ وَالنِّهَايَةِ لَا يَصِحُّ بَيْعُ مَاءِ الْبِئْرِ وَالْقَنَاةِ مُنْفَرِدًا عَنْهُمَا لِأَنَّهُ يَزِيدُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ فَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ فَإِنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَخْذِهِ الْآنَ صَحَّ وَلَوْ بَاعَ صَاعًا مِنْ مَاءٍ رَاكِدٍ صَحَّ لِعَدَمِ زِيَادَتِهِ أَوْ مَنْ جَارٍ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَبْطُ الْعَقْدِ بِمِقْدَارٍ مَضْبُوطٍ لِعَدَمِ وُقُوفِهِ وَلَوْ بَاعَ مَاءَ الْقَنَاةِ مَعَ قَرَارِهِ وَالْمَاءُ جَارٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ لِلْجَهَالَةِ وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الرَّوْضَةِ الْبُطْلَانَ فِي الْمَاءِ فَقَطْ عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَإِنْ اشْتَرَى الْبِئْرَ وَمَاءَهَا الظَّاهِرَ أَوْ جُزْأَهُمَا شَائِعًا وَقَدْ عَرَفَ عُمْقَهَا فِيهِمَا صَحَّ، وَمَا يَنْبُعُ فِي الثَّانِيَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا كَالظَّاهِرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَاهَا أَوْ جُزْأَهَا الشَّائِعَ دُونَ الْمَاءِ أَوْ أَطْلَقَ فَلَا يَصِحُّ؛ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءَانِ وَلَوْ سَقَى زَرْعَهُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ ضَمِنَ الْمَاءَ بِبَدَلِهِ وَالْغَلَّةُ لَهُ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلْبَذْرِ فَإِنْ غَرِمَ الْبَدَلَ وَتَحَلَّلَ مِنْ صَاحِبِ الْمَاءِ كَانَتْ الْغَلَّةُ أَطْيَبَ لَهُ مِمَّا لَوْ غَرِمَ الْبَدَلَ فَقَطْ وَلَوْ أَشْعَلَ نَارًا فِي حَطَبٍ مُبَاحٍ لَمْ يَمْنَعْ أَحَدًا الِانْتِفَاعَ بِهَا وَلَا الِاسْتِصْبَاحَ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ الْحَطَبُ لَهُ فَلَهُ الْمَنْعُ مِنْ الْأَخْذِ مِنْهَا لَا الِاصْطِلَاءَ بِهَا وَلَا الِاسْتِصْبَاحَ مِنْهَا. اهـ.
قَالَ ع ش قَوْله م ر صَحَّ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ لَكِنْ إذَا تَأَخَّرَ مُدَّةً وَاخْتَلَطَ فِيهَا الْحَادِثُ بِالْمَوْجُودِ وَتَنَازَعَا جَاءَ فِيهِ مَا قِيلَ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ إذَا اخْتَلَطَ حَادِثُهَا بِمَوْجُودِهَا وَهُوَ تَصْدِيقُ ذِي الْيَدِ. اهـ.

.كِتَابُ الْوَقْفِ:

هُوَ لُغَةً الْحَبْسُ وَيُرَادِفُهُ التَّسْبِيلُ وَالتَّحْبِيسُ وَأَوْقَفَ لُغَةً رَدِيئَةً وَأَحْبَسَ أَفْصَحُ مِنْ حَبَسَ عَلَى مَا نُقِلَ لَكِنْ حَبَسَ هِيَ الْوَارِدَةُ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، وَشَرْعًا حَبْسُ مَالٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ عَلَى مَصْرِفٍ مُبَاحٍ وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَلَمَّا سَمِعَهَا أَبُو طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَادَرَ إلَى وَقْفِ أَحَبِّ أَمْوَالِهِ إلَيْهِ بَيْرُحَاءَ حَدِيقَةٌ مَشْهُورَةٌ كَذَا قَالُوهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءُ وَأَنَّهَا صَدَقَةٌ لَهُ تَعَالَى وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لَا تُفِيدُ الْوَقْفَ لِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كِنَايَةٌ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّهُ نَوَى الْوَقْفَ بِهَا لَكِنْ قَدْ يُقَالُ سِيَاقُ الْحَدِيثِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ نَوَاهُ بِهَا ثَانِيهِمَا وَهُوَ الْعُمْدَةُ أَنَّهُمْ شَرَطُوا فِي الْوَقْفِ بَيَانَ الْمَصْرِفِ فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ لِلَّهِ عَنْهُ بِخِلَافِهِ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَا يَأْتِي مَعَ الْفَرْقِ فَقَوْلُهُ وَأَنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَصْلُحُ لِلْوَقْفِ عِنْدَنَا وَإِنْ نَوَاهُ بِهَا وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَقُولُونَ أَنَّهُ وَقَفَهَا فَهُوَ: إمَّا غَفْلَةٌ عَمَّا فِي الْحَدِيثِ أَوْ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ كَالْوَصِيَّةِ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «إذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ أَيْ مُسْلِمٌ يَدْعُو لَهُ» وَحَمَلَ الْعُلَمَاءُ الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ عَلَى الْوَقْفِ دُونَ نَحْوِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ الْمُبَاحَةِ لِنُدْرَتِهَا وَوَقَفَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْضًا أَصَابَهَا بِخَيْبَرَ بِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَطَ فِيهَا شُرُوطًا مِنْهَا أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ وَأَنَّ مَنْ وَلِيَهَا يَأْكُلُ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمُ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْفٍ فِي الْإِسْلَامِ وَقِيلَ بَلْ «وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْوَالَ مُخَيْرِيقٍ الَّتِي أَوْصَى بِهَا لَهُ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ» وَجَاءَ عَنْ جَابِرٍ مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ مَقْدِرَةٌ حَتَّى وَقَفَ وَأَشَارَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى أَنَّ هَذَا الْوَقْفَ بِالْمَعْرُوفِ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ لَمْ تَعْرِفْهُ الْجَاهِلِيَّةُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ خَبَرَ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا رَجَعَ عَنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِبَيْعِ الْوَقْفِ وَقَالَ لَوْ سَمِعَهُ لَقَالَ بِهِ وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ الرَّدُّ بِهِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ يَقُولُ بِبَيْعِهِ أَيْ الِاسْتِبْدَالِ بِهِ وَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ عَدَمَهُ وَأَرْكَانُهُ مَوْقُوفٌ وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ وَوَاقِفٌ وَبَدَأَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ.
الشَّرْحُ:
(كِتَابُ الْوَقْفِ):
(قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لَا تُفِيدُ الْوَقْفَ لِشَيْئَيْنِ إلَخْ) يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَا قَالَهُ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنْ يَلْتَزِمَ أَنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ يُغْنِي عَنْ بَيَانِ الْمَصْرِفِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ فَقَدْ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشَّرْطِ الرَّابِعِ بَيَانُ الْمَصْرِفِ مَا نَصُّهُ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ أَيْ بُطْلَانِ الْوَقْفِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمَصْرِفَ إذَا لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ.
لِخَبَرِ أَبِي طَلْحَةَ هِيَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ ثُمَّ يُعَيِّنُ الْمَصْرِفَ. اهـ.
وَفِي فَتَاوَى الشَّارِحِ سُئِلَ عَمَّنْ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا لِلَّهِ فَهَلْ يَصِحُّ وَمَا مَصْرِفُهُ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ قِيَاسُ قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِلَّهِ تَعَالَى صَحَّ وَصُرِفَ لِلْفُقَرَاءِ أَنَّهُ يُصْرَفُ هُنَا لِلْفُقَرَاءِ. اهـ.
لَكِنَّ قَوْلَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ ثُمَّ يُعَيِّنُ الْمَصْرِفَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِنَفْسِ هَذِهِ الصِّيغَةِ وَسَيَأْتِي فِي الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةِ الْمَصْرِفِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْأَذْرَعِيِّ وَالْغَزِّيِّ فَلَعَلَّ أَبَا طَلْحَةَ نَوَى الْمَصْرِفِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ الرَّدُّ بِهِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ يَقُولُ بِبَيْعِهِ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَرَطَ عَدَمَ الْبَيْعِ فَهُوَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْبَيْعِ عِنْدَ شَرْطِهِ لَا عِنْدَ عَدَمِهِ بَلْ قَدْ يُقَالُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لَوْلَا جَوَازُ الْبَيْعِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ لَمَا احْتَاجَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى الشَّرْطِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا شَرَطَ عُمَرُ ذَلِكَ لِيُبَيِّنَ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِ الْوَقْفِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(كِتَابُ الْوَقْفِ).
(قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً) إلَى قَوْلِهِ كَذَا قَالُوا فِي النِّهَايَةِ وَكَذَا فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ عَلَى مَا نُقِلَ إلَى وَشَرْعًا.
(قَوْلُهُ: وَالتَّحْبِيسُ) أَيْ وَالِاحْتِبَاسُ أَيْضًا أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي. اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: لُغَةٌ رَدِيئَةٌ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَلَا يُقَالُ أَوْقَفْته إلَّا فِي لُغَةٍ تَمِيمِيَّةٍ وَهِيَ رَدِيئَةٌ وَعَلَيْهَا الْعَامَّةُ وَهُوَ عَكْسُ حَبَسَ فَإِنَّ الْفَصِيحَ أَحْبِسُ، وَأَمَّا حَبَسَ فَلُغَةٌ رَدِيئَةٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: مِنْ حَبَّسَ) أَيْ بِالتَّشْدِيدِ. اهـ. ع ش.
وَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْمُغْنِي أَنَّهُ بِالتَّخْفِيفِ.
(قَوْلُهُ: بِقَطْعِ التَّصَرُّفِ) الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَوْ تَصْوِيرِيَّةٌ وَمُتَعَلِّقَةٌ بِحَبْسِ مَالٍ إلَخْ وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَى مَصْرِفٍ مُتَعَلِّقٌ بِذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: مُبَاحٍ) زَادَ النِّهَايَةُ وَالْمُغْنِي مَوْجُودٍ. اهـ.
قَالَ ع ش قَوْلُهُ: م ر مَوْجُودٍ أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ، أَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ وَلَوْ أَسْقَطَهُ لِيَتَأَتَّى عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا فَعَلَ حَجّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بَيْرُحَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ كَثِيرًا مَا تَخْتَلِفُ أَلْفَاظُ الْمُحَدِّثِينَ فِيهَا فَيَقُولُونَ بَيْرُحَاءُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَالْمَدِّ فِيهِمَا وَبِفَتْحِهِمَا وَالْقَصْرِ وَهِيَ اسْمُ مَاءٍ وَمَوْضِعٍ بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْفَائِقِ إنَّهَا فَيَعْلَى مِنْ الْبَرَاحِ وَهِيَ الْأَرْضُ الظَّاهِرَةُ.
انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ. اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ قَوْلُهُمْ هَذَا.
(قَوْلُهُ: فِي حَدِيثِهِ) أَيْ أَبِي طَلْحَةَ.
(قَوْلُهُ: وَأَنَّهَا إلَخْ) أَيْ بَيْرُحَا.
(قَوْلُهُ: هَذِهِ الصِّيغَةُ) أَيْ وَأَنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى.