فصل: مسألة: والربح على ما اصطلحا عليه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والربح على ما اصطلحا عليه‏]‏

يعني في جميع أقسام الشركة ولا خلاف في ذلك في المضاربة المحضة قال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم على أن للعامل أن يشترط على رب المال ثلث الربح‏,‏ أو نصفه أو ما يجمعان عليه بعد أن يكون ذلك معلوما جزءا من أجزاء ولأن استحقاق المضارب الربح بعمله‏,‏ فجاز ما يتفقان عليه من قليل وكثير كالأجرة في الإجارة وكالجزء من الثمرة في المساقاة والمزارعة وأما شركة العنان‏,‏ وهو أن يشترك بدنان بماليهما فيجوز أن يجعلا الربح على قدر المالين ويجوز أن يتساويا مع تفاضلهما في المال‏,‏ وأن يتفاضلا فيه مع تساويهما في المال وبهذا قال أبو حنيفة وقال مالك والشافعي‏:‏ من شرط صحتها كون الربح والخسران على قدر المالين لأن الربح في هذه الشركة تبع للمال بدليل أنه يصح عقد الشركة وإطلاق الربح‏,‏ فلا يجوز تغييره بالشرط كالوضيعة ولنا أن العمل مما يستحق به الربح‏,‏ فجاز أن يتفاضلا في الربح مع وجود العمل منهما كالمضاربين لرجل واحد وذلك لأن أحدهما قد يكون أبصر بالتجارة من الآخر‏,‏ وأقوى على العمل فجاز له أن يشترط زيادة في الربح في مقابلة عمله كما يشترط الربح في مقابلة عمل المضارب يحققه أن هذه الشركة معقودة على المال والعمل جميعا‏,‏ ولكل واحد منهما حصة من الربح إذا كان مفردا فكذلك إذا اجتمعا وأما حالة الإطلاق‏,‏ فإنه لما لم يكن بينهما شرط يقسم الربح عليه ويتقدر به قدرناه بالمال‏,‏ لعدم الشرط فإذا وجد الشرط فهو الأصل‏,‏ فيصير إليه كالمضاربة يصار إلى الشرط فإذا عدم‏,‏ وقالا‏:‏ الربح بيننا كان بينهما نصفين وفارق الوضيعة فإنها لا تتعلق إلا بالمال بدليل المضاربة وأما شركة الأبدان‏,‏ فهي معقودة على العمل المجرد وهما يتفاضلان فيه مرة ويتساويان أخرى‏,‏ فجاز ما اتفقا عليه من مساواة أو تفاضل كما ذكرنا في شركة العنان بل هذه أولى لانعقادها على العمل المجرد وأما شركة الوجوه‏,‏ فكلام الخرقي بعمومه يقتضي جواز ما يتفقان عليه من مساواة أو تفاضل وهو قياس المذهب لأن سائر الشركات الربح فيها على ما يتفقان عليه فكذلك هذه ولأنها تنعقد على العمل وغيره‏,‏ فجاز ما اتفقا عليه كشركة العنان وقال القاضي‏:‏ الربح بينهما على قدر ملكيهما في المشترى لأن الربح يستحق بالضمان إذ الشركة وقعت عليه خاصة إذ لا مال عندهما‏,‏ فيشتركان على العمل والضمان لا تفاضل فيه فلا يجوز التفاضل في الربح ولنا‏,‏ أنها شركة فيها عمل فجاز ما اتفقا عليه في الربح كسائر الشركات وقول القاضي‏:‏ لا مال لهما يعملان فيه قلنا‏:‏ إنما يشتركان ليعملا في المستقبل فيما يأخذانه بجاههما‏,‏ كما أن سائر الشركات إنما يكون العمل فيها فيما يأتى فكذا ها هنا وأما المضاربة التي فيها شركة وهي أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما مثل أن يخرج كل واحد منهما ألفا‏,‏ ويأذن أحدهما للآخر في التجارة بهما فمهما شرطا للعامل من الربح إذا زاد على النصف جاز لأنه مضارب لصاحبه في ألف‏,‏ ولعامل المضاربة ما اتفقا عليه بغير خلاف وإن شرطا له دون نصف الربح لم يجز لأن الربح يستحق بمال وعمل وهذا الجزء الزائد على النصف المشروط لغير العامل لا مقابل له‏,‏ فبطل شرطه وإن جعلا الربح بينهما نصفين فليس هذا شركة ولا مضاربة لأن شركة العنان تقتضى أن يشتركا في المال والعمل‏,‏ والمضاربة تقتضى أن للعامل نصيبا من الربح في مقابلة عمله ولم يجعلا له ها هنا في مقابلة عمله شيئا وإنما جعلا الربح على قدر المالين وعمله في نصيب صاحبه تبرع‏,‏ فيكون ذلك إبضاعا وهو جائز إن لم يكن ذلك عوضا عن قرض فإن كان العامل اقترض الألف أو بعضها من صاحبه‏,‏ لم يجز لأنه جعل عمله في مال صاحبه عوضا عن قرضه وذلك غير جائز وأما إذا اشترك بدنان بمال أحدهما مثل أن يخرج أحدهما ألفا ويعملان جميعا فيه‏,‏ فإن للعامل الذي لا مال له من الربح ما اتفقا عليه لأنه مضارب محض فأشبه ما لو لم يعمل معه رب المال فحصل مما ذكرنا أن الربح بينهما على ما اصطلحا عليه في جميع أنواع الشركة‏,‏ سواء ما ذكرنا في المضاربة التي فيها شركة على ما شرحنا‏.‏

فصل‏:‏

دومن شرط صحة المضاربة تقدير نصيب العامل لأنه يستحقه بالشرط فلم يقدر إلا به ولو قال‏:‏ خذ هذا المال مضاربة ولم يسم للعامل شيئا من الربح فالربح كله لرب المال‏,‏ والوضيعة عليه وللعامل أجر مثله نص عليه أحمد وهو قول الثوري والشافعي‏,‏ وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي وقال الحسن‏,‏ وابن سيرين والأوزاعي‏:‏ الربح بينهما نصفين لأنه لو قال‏:‏ والربح بيننا لكان بينهما نصفين‏,‏ فكذلك إذا لم يذكر شيئا ولنا أن المضارب إنما يستحق بالشرط ولم يوجد وقوله‏:‏ مضاربة اقتضى أن له جزءا من الربح مجهولا‏,‏ فلم تصح المضاربة كما لو قال‏:‏ ولك جزء من الربح فأما إذا قال‏:‏ والربح بيننا فإن المضاربة تصح ويكون بينهما نصفين لأنه أضافه إليهما إضافة واحدة‏,‏ لم يترجح فيها أحدهما على الآخر فاقتضى التسوية كما لو قال‏:‏ هذه الدار بيني وبينك وإن قدر نصيب العامل‏,‏ فقال‏:‏ ولك ثلث الربح أو ربعه أو جزء معلوم‏,‏ أي جزء كان فالباقي لرب المال لأنه يستحق الربح بماله لكونه نماءه وفرعه والعامل يأخذ بالشرط‏,‏ فما شرط له استحقه وما بقي فلرب المال بحكم الأصل وإن قدر نصيب رب المال مثل أن يقول‏:‏ ولى ثلث الربح ولم يذكر نصيب العامل‏,‏ ففيه وجهان أحدهما لا يصح لأن العامل إنما يستحق بالشرط ولم يشترط له شيء‏,‏ فتكون المضاربة فاسدة والثاني يصح ويكون الباقي للعامل وهذا قول أبي ثور‏,‏ وأصحاب الرأي لأن الربح لهما لا يستحقه غيرهما فإذا قدر نصيب أحدهما منه فالباقي للآخر من مفهوم اللفظ كما علم ذلك من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث‏}‏ ولم يذكر نصيب الأب‏,‏ فعلم أن الباقي له ولأنه لو قال‏:‏ أوصيت بهذه المائة لزيد وعمرو ونصيب زيد منها ثلاثون كان الباقي لعمرو كذا ها هنا وإن قال‏:‏ لي النصف ولك الثلث وسكت عن السدس صح وكان لرب المال لأنه لو سكت عن جميع الباقي بعد جزء العامل كان لرب المال فكذلك إذا ذكر بعضه وترك بعضه وإن قال‏:‏ خذه مضاربة على الثلث أو النصف أو قال‏:‏ بالثلث أو الربع صح‏,‏ وكان تقدير النصيب للعامل لأن الشرط يراد لأجله فإن رب المال يستحق بماله لا بالشرط والعامل يستحق بالعمل والعمل يكثر ويقل‏,‏ وإنما تتقدر حصته بالشرط فكان الشرط له ومتى شرطا لأحدهما شيئا‏,‏ واختلفا في الجزء المشروط لمن هو‏؟‏ فهو للعامل قليلا كان أو كثيرا لذلك وإن قال‏:‏ خذه مضاربة ولك ثلث الربح‏,‏ وثلث ما بقي صح وكان له خمسة أتساع لأن هذا معناه وإن قال‏:‏ لك ثلث الربح وربع ما بقي فله النصف وإن قال‏:‏ لك ربع الربح‏,‏ وربع ما بقي فله ثلاثة أثمان ونصف ثمن وسواء عرفا الحساب أو جهلاه لأن ذلك أجزاء معلومة مقدرة فأشبه ما لو شرط الخمسين ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله كمذهبنا‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال‏:‏ خذه مضاربة‏,‏ ولك جزء من الربح أو شركة في الربح أو شيء من الربح‏,‏ أو نصيب أو حظ لم يصح لأنه مجهول ولا تصح المضاربة إلا على قدر معلوم وإن قال‏:‏ خذه ولك مثل ما شرط لفلان وهما يعلمان ذلك صح لأنهما أشارا إلى معلوم عندهما وإن كانا لا يعلمانه‏,‏ أو لا يعلمه أحدهما فسدت المضاربة لأنه مجهول‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال‏:‏ خذ هذا المال فاتجر به وربحه كله لك كان قرضا لا قراضا لأن قوله‏:‏ خذه فاتجر به يصلح لهما وقد قرن به حكم القرض‏,‏ فانصرف إليه وإن قال مع ذلك‏:‏ ولا ضمان عليك فهذا قرض شرط فيه نفي الضمان فلا ينتفي بشرطه كما لو صرح به‏,‏ فقال‏:‏ خذ هذا قرضا ولا ضمان عليك وإن قال‏:‏ خذه فاتجر به والربح كله لي كان إبضاعا لأنه قرن به حكم الإبضاع فانصرف إليه فإن قال مع ذلك‏:‏ وعليك ضمانه لم يضمنه لأن العقد يقتضي كونه أمانة غير مضمونة فلا يزول ذلك بشرطه وإن قال‏:‏ خذه مضاربة‏,‏ والربح كله لك أو كله لي فهو عقد فاسد وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ إذا قال‏:‏ والربح كله لي كان إبضاعا صحيحا لأنه أثبت له حكم الإبضاع فانصرف إليه كالتى قبلها وقال مالك‏:‏ يكون مضاربة صحيحة في الصورتين لأنهما دخلا في القراض‏,‏ فإذا شرط لأحدهما فكأنه وهب الآخر نصيبه فلم يمنع صحة العقد ولنا‏,‏ أن المضاربة تقتضى كون الربح بينهما فإذا شرط اختصاص أحدهما بالربح فقد شرط ما ينافي مقتضى العقد‏,‏ ففسد كما لو شرط الربح كله في شركة العنان لأحدهما ويفارق ما إذا لم يقل مضاربة لأن اللفظ يصلح لما أثبت حكمه من الإبضاع والقراض بخلاف ما إذا صرح بالمضاربة وما ذكره مالك لا يصح لأن الهبة لا تصح قبل وجود الموهوب‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز أن يدفع مالا إلى اثنين مضاربة في عقد واحد‏,‏ فإن شرط لهما جزءا من الربح بينهما نصفين جاز وإن قال‏:‏ لكما كذا وكذا من الربح ولم يبين كيف هو بينهما نصفان لأن إطلاق قوله بينهما يقتضي التسوية‏,‏ كما لو قال لعامله‏:‏ والربح بيننا وإن شرط لأحدهما ثلث الربح وللآخر ربعه وجعل الباقي له‏,‏ جاز وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك‏:‏ لا يجوز لأنهما شريكان في العمل بأبدانهما فلا يجوز تفاضلهما في الربح كشريكى الأبدان ولنا أن عقد الواحد مع الاثنين عقدان‏,‏ فجاز أن يشترط في أحدهما أكثر من الآخر كما لو انفرد ولأنهما يستحقان بالعمل وهما يتفاضلان فيه فجاز تفاضلهما في العوض‏,‏ كالأجيرين ولا نسلم وجوب التساوى في شركة الأبدان بل هي كمسألتنا في جواز تفاضلهما ثم الفرق بينهما أن ذلك عقد واحد وهذان عقدان‏.‏

فصل‏:‏

وإن قارض اثنان واحدا بألف لهما‏,‏ جاز وإذا شرطا له ربحا متساويا منهما جاز وإن شرط أحدهما له النصف والآخر الثلث‏,‏ جاز ويكون باقى ربح مال كل واحد منهما لصاحبه وإن شرطا كون الباقي من الربح بينهما نصفين لم يجز وهذا مذهب الشافعي وكلام القاضي يقتضي جوازه وحكى ذلك عن أبي حنيفة وأبي ثور ولنا‏,‏ أن أحدهما يبقى له من ربح ماله النصف والآخر يبقى له الثلثان فإذا اشترطا التساوى فقد شرط أحدهما للآخر جزءا من ربح ماله بغير عمل فلم يجز كما لو شرط ربح ماله المنفرد‏.‏

فصل‏:‏

وإذا شرطا جزءا من الربح لغير العامل نظرت فإن شرطاه لعبد أحدهما أو لعبديهما‏,‏ صح وكان ذلك مشروطا لسيده فإذا جعلا الربح بينهما وبين عبديهما أثلاثا كان لصاحب العبد الثلثان‏,‏ وللآخر الثلث وإن شرطاه لأجنبي أو لولد أحدهما أو امرأته أو قريبه وشرطا عليه عملا مع العامل‏,‏ صح وكانا عاملين وإن لم يشترطا عليه عملا لم تصح المضاربة وبهذا قال الشافعي وحكى عن أصحاب الرأي أنه يصح‏,‏ والجزء المشروط له لرب المال سواء شرط لقريب العامل أو لقريب رب المال‏,‏ أو لأجنبي لأن العامل لا يستحق إلا ما شرط له ورب المال يستحق الربح بحكم الأصل والأجنبي لا يستحق شيئا لأنه إنما يستحق الربح بمال أو عمل‏,‏ وليس هذا واحدا منهما فما شرط لا يستحقه فيرجع إلى رب المال‏,‏ كما لو ترك ذكره ولنا أنه شرط فاسد يعود إلى الربح ففسد به العقد‏,‏ كما لو شرط دراهم معلومة وإن قال‏:‏ لك الثلثان على أن تعطى امرأتك نصفه فكذلك لأنه شرط في الربح شرطا لا يلزم فكان فاسدا والحكم في الشركة كالحكم في المضاربة‏,‏ فيما ذكرناه‏.‏

فصل‏:‏

والحكم في الشركة كالحكم في المضاربة في وجوب معرفة قدر ما لكل واحد منهما من الربح إلا أنهما إذا أطلقاها ولم يذكرا الربح‏,‏ كان بينهما على قدر المالين وفي شركة الوجوه يكون على قدر ملكيهما في المشترى لأن لهما أصلا يرجعان إليه‏,‏ ويتقدر الربح به بخلاف المضاربة فإنه لا يمكن تقدير الربح فيها بالمال والعمل‏,‏ لكون أحدهما من غير جنس الآخر فلا يعلم قدره منه وأما شركة الأبدان فلا مال فيها يقدر الربح به‏,‏ فيحتمل أن يتقدر بالعمل لأن عمل أحدهما من جنس عمل الآخر فقد تساويا في أصل العمل فيكون ذلك أصلا يرجع إليه ويحتمل ألا يقدر به لأن العمل يقل ويكثر ويتفاضل‏,‏ ولا يوقف على مقداره بخلاف المال فيعتبر ذكر الربح والمعرفة به‏,‏ كما في المضاربة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والوضيعة على قدر المال‏]‏

يعني الخسران في الشركة على كل واحد منهما بقدر ماله فإن كان مالهما متساويا في القدر فالخسران بينهما نصفين‏,‏ وإن كان أثلاثا فالوضيعة أثلاثا لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وغيرهما وفي شركة الوجوه تكون الوضيعة على قدر ملكيهما في المشترى‏,‏ سواء كان الربح بينهما كذلك أو لم يكن وسواء كانت الوضيعة لتلف أو نقصان في الثمن عما اشتريا به‏,‏ أو غير ذلك والوضيعة في المضاربة على المال خاصة ليس على العامل منها شيء لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال وهو مختص بملك ربه‏,‏ لا شيء للعامل فيه فيكون نقصه من ماله دون غيره وإنما يشتركان فيما يحصل من النماء فأشبه المساقاة والمزارعة‏,‏ فإن رب الأرض والشجر يشارك العامل فيما يحدث من الزرع والتمر وإن تلف الشجر أو هلك شيء من الأرض بغرق أو غيره لم يكن على العامل شيء‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولا يجوز أن يجعل لأحد من الشركاء فضل دراهم‏]‏

وجملته أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة‏,‏ أو جعل مع نصيبه دراهم مثل أن يشترط لنفسه جزءا وعشرة دراهم بطلت الشركة قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة وممن حفظنا ذلك عنه مالك والأوزاعي والشافعي‏,‏ وأبو ثور وأصحاب الرأي والجواب فيما لو قال‏:‏ لك نصف الربح إلا عشرة دراهم أو نصف الربح وعشرة دراهم‏,‏ كالجواب فيما إذا شرط دراهم مفردة وإنما لم يصح ذلك لمعنيين‏:‏ أحدهما أنه إذا شرط دراهم معلومة احتمل أن لا يربح غيرها‏,‏ فيحصل على جميع الربح واحتمل أن لا يربحها فيأخذ من رأس المال جزءا وقد يربح كثيرا‏,‏ فيستضر من شرطت له الدراهم والثاني أن حصة العامل ينبغي أن تكون معلومة بالأجزاء لما تعذر كونها معلومة بالقدر‏,‏ فإذا جهلت الأجزاء فسدت كما لو جهل القدر فيما يشترط أن يكون معلوما به ولأن العامل متى شرط لنفسه دراهم معلومة‏,‏ ربما توانى في طلب الربح لعدم فائدته فيه وحصول نفعه لغيره بخلاف ما إذا كان له جزء من الربح‏.‏

فصل‏:‏

وإن دفع إليه ألفين مضاربة على أن لكل واحد منهما ربح ألف‏,‏ أو على أن لأحدهما ربح أحد الثوبين أو ربح إحدى السفرتين أو ربح تجارته في شهر أو عام بعينه‏,‏ ونحو ذلك فسد الشرط والمضاربة لأنه قد يربح في ذلك المعين دون غيره وقد يربح في غيره دونه‏,‏ فيختص أحدهما بالربح وذلك يخالف موضوع الشركة ولا نعلم في هذا خلافا وإن دفع إليه ألفا وقال لك ربح نصفه لم يجز وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏,‏ وأبو ثور‏:‏ يجوز لأن نصف ربحه هو ربح نصفه فجاز شرطه كما لو عبر عنه بعبارته الأخرى ولنا‏,‏ أنه شرط لأحدهما ربح بعض المال دون بعض وكذلك جعل الآخر فلم يجز كما لو قال‏:‏ لك ربح هذه الخمسمائة ولأنه يمكن أن يفرد نصف المال‏,‏ فيربح فيه دون النصف الآخر بخلاف نصف الربح فإنه لا يؤدى إلى انفراده بربح شيء من المال‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والمضارب إذا باع بنسيئة بغير أمر ضمن‏,‏ في إحدى الروايتين والأخرى لا يضمن‏]‏

وجملته أن المضارب وغيره من الشركاء إذا نص له على التصرف‏,‏ فقال‏:‏ نقدا أو نسيئة أو قال‏:‏ بنقد البلد أو ذكر نقدا غيره جاز ولم تجز مخالفته لأنه متصرف بالإذن‏,‏ فلا يتصرف في غير ما أذن له فيه كالوكيل ولأن ذلك لا يمنع مقصود المضاربة وقد يطلب بذلك الفائدة في العادة وإن أطلق‏,‏ فلا خلاف في جواز البيع حالا وفي البيع نسيئة روايتان‏:‏ إحداهما ليس له ذلك وهو قول مالك‏,‏ وابن أبي ليلى والشافعي لأنه نائب في البيع فلم يجز له البيع نسيئة بغير إذن صريح فيه كالوكيل‏,‏ وذلك لأن النائب لا يجوز له التصرف إلا على وجه الحظ والاحتياط وفي النسيئة تغرير بالمال وقرينة الحال تقيد مطلق الكلام‏,‏ فيصير كأنه قال‏:‏ بعه حالا والثانية‏:‏ أنه يجوز له البيع نساء وهو قول أبي حنيفة واختيار ابن عقيل لأن إذنه في التجارة والمضاربة ينصرف إلى التجارة المعتادة‏,‏ وهذا عادة التجار ولأنه يقصد به الربح والربح في النساء أكثر ويفارق الوكالة المطلقة فإنها لا تختص بقصد الربح‏,‏ وإنما المقصود تحصيل الثمن فحسب فإذا أمكن تحصيله من غير خطر كان أولى‏,‏ ولأن الوكالة المطلقة في البيع تدل على أن حاجة الموكل إلى الثمن ناجزة فلم يجز تأخيره بخلاف المضاربة وإن قال له اعمل برأيك فله البيع نساء وكذلك إذا قال له‏:‏ تصرف كيف شئت‏,‏ وقال الشافعي‏:‏ ليس له البيع نساء في الموضعين لأن فيه غررا فلم يجز كما لو لم يقل له ذلك ولنا‏,‏ أنه داخل في عموم لفظه وقرينة حاله تدل على رضائه برأيه في صفات البيع وفي أنواع التجارة‏,‏ وهذا منها فإذا قلنا‏:‏ له البيع نساء فالبيع صحيح ومهما فات من الثمن لا يلزمه ضمانه إلا أن يفرط ببيع من لا يوثق به‏,‏ أو من لا يعرفه فيلزمه ضمان الثمن الذي انكسر على المشترى وإن قلنا‏:‏ ليس له البيع نساء فالبيع باطل لأنه فعل ما لم يؤذن له فيه فأشبه البيع من الأجنبي‏,‏ إلا على الرواية التي تقول‏:‏ يقف بيع الأجنبي على الإجازة فهاهنا مثله ويحتمل قول الخرقي صحة البيع فإنه إنما ذكر الضمان ولم يذكر فساد البيع وعلى كل حال يلزم العامل الضمان لأن ذهاب الثمن حصل بتفريطه فإن قلنا بفساد البيع ضمن المبيع بقيمته إذا تعذر عليه استرجاعه إما لتلف المبيع أو امتناع المشترى من رده إليه وإن قلنا بصحته‏,‏ احتمل أن يضمنه بقيمته أيضا لأنه لم يفت بالبيع أكثر منها ولا يتحفظ بتركه سواها وزيادة‏,‏ الثمن حصلت بتفريطه فلا يضمنها واحتمل أن يضمن الثمن لأنه وجب بالبيع وفات بتفريط البائع وإن نقص عن القيمة‏,‏ فقد انتقل الوجوب إليه بدليل أنه لو حصل الثمن لم يضمن شيئا‏.‏

فصل‏:‏

وليس له السفر بالمال في أحد الوجهين‏,‏ وهو مذهب الشافعي لأن في السفر تغريرا بالمال وخطرا ولهذا يروى‏:‏ ‏"‏ إن المسافر وماله لعلى خطر ‏"‏ قلت إلا ما وقى الله تعالى‏:‏ أي هلاك‏,‏ ولا يجوز له التغرير بالمال بغير إذن مالكه والوجه الثاني له السفر به إذا لم يكن مخوفا قال القاضي‏:‏ قياس المذهب جوازه بناء على السفر الوديعة وهذا قول مالك ويحكى ذلك عن أبي حنيفة لأن الإذن المطلق ينصرف إلى ما جرت به العادة‏,‏ والعادة جارية بالتجارة سفرا وحضرا ولأن المضاربة مشتقة من الضرب في الأرض فملك ذلك بمطلقها‏,‏ وهذان الوجهان في المطلق فأما إن أذن في السفر أو نهى عنه أو وجدت قرينة دالة على أحد الأمرين‏,‏ تعين ذلك وثبت ما أمر به وحرم ما نهى عنه وليس له السفر في موضع مخوف على الوجهين جميعا وكذلك لو أذن له في السفر مطلقا‏,‏ لم يكن له السفر في طريق مخوف ولا إلى بلد مخوف فإن فعل‏,‏ فهو ضامن لما يتلف لأنه متعد بفعل ما ليس له فعله وإن سافر في طريق آمن جاز ونفقته في مال نفسه وبهذا قال ابن سيرين وحماد بن أبي سليمان ظاهر مذهب الشافعي وقال الحسن‏,‏ والنخعي والأوزاعي ومالك‏,‏ وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي‏:‏ ينفق من المال بالمعروف‏,‏ إذا شخص به عن البلد لأن سفره لأجل المال فكانت نفقته منه كأجر الحمال ولنا أن نفقته تخصه‏,‏ فكانت عليه كنفقة الحضر وأجر الطبيب‏,‏ وثمن الطب ولأنه دخل على أنه يستحق من الربح الجزء المسمى فلا يكون له غيره‏,‏ ولأنه لو استحق النفقة أفضى إلى أن يختص بالربح إذا لم يربح سوى ما أنفقه فأما إن اشترط له النفقة فله ذلك وله ما قدر له من مأكول وملبوس ومركوب وغيره قال أحمد‏,‏ في رواية الأثرم‏:‏ أحب إلى أن يشترط نفقة محدودة وإن أطلق صح نص عليه وله نفقته من المأكول ولا كسوة له قال أحمد‏:‏ إذا قال‏:‏ له نفقته فإنه ينفق قيل له‏:‏ فيكتسى‏؟‏ قال‏:‏ لا‏,‏ إنما له النفقة وإن كان سفره طويلا يحتاج إلى تجديد كسوة فظاهر كلام أحمد جوازها لأنه قيل له‏:‏ فلم يشترط الكسوة‏,‏ إلا أنه في بلد بعيد وله مقام طويل يحتاج فيه إلى كسوة فقال‏:‏ إذا أذن له في النفقة فعل‏,‏ ما لم يحمل على مال الرجل ولم يكن ذلك قصده هذا معناه وقال القاضي وأبو الخطاب‏:‏ إذا شرط له النفقة فله جميع نفقته‏,‏ من مأكول أو ملبوس بالمعروف وقال أحمد‏:‏ ينفق على معنى ما كان ينفق على نفسه غير متعد بالنفقة ولا مضر بالمال لم يذهب أحمد إلى تقدير النفقة لأن الأسعار تختلف‏,‏ وقد تقل وقد تكثر فإن اختلفا في قدر النفقة فقال أبو الخطاب‏:‏ يرجع في القوت إلى الإطعام في الكفارة‏,‏ وفي الكسوة إلى أقل ملبوس مثله فإن كان معه مال لنفسه مع مال المضاربة أو كان معه مضاربة أخرى أو بضاعة لآخر‏,‏ فالنفقة على قدر المالين لأن النفقة إنما كانت لأجل السفر والسفر للمالين‏,‏ فيجب أن تكون النفقة مقسومة على قدرهما إلا أن يكون رب المال قد شرط له النفقة مع علمه بذلك ولو أذن له في السفر إلى موضع معين أو غير معين‏,‏ ثم لقيه رب المال في السفر إما بذلك الموضع أو في غيره‏,‏ وقد نض المال فأخذ ماله فطالبه العامل بنفقة الرجوع إلى بلده‏,‏ لم يكن له لأنه إنما يستحق النفقة ما داما في القراض وقد زال فزالت النفقة‏,‏ ولذلك لو مات لم يجب تكفينه وقد قيل‏:‏ له ذلك لأنه كان شرط له نفقة ذهابه ورجوعه وغيره بتسفيره إلى الموضع الذي أذن له فيه معتقدا أنه مستحق للنفقة ذاهبا وراجعا‏,‏ فإذا قطع عنه النفقة تضرر بذلك‏.‏

فصل‏:‏

وحكم المضارب حكم الوكيل في أنه ليس له أن يبيع بأقل من ثمن المثل‏,‏ ولا يشترى بأكثر منه مما لا يتغابن الناس بمثله فإن فعل فقد روى عن أحمد‏,‏ أن البيع يصح ويضمن النقص لأن الضرر ينجبر بضمان النقص والقياس أن البيع باطل وهو مذهب الشافعي لأنه بيع لم يؤذن له فيه‏,‏ فأشبه بيع الأجنبي فعلى هذا إن تعذر رد المبيع ضمن النقص أيضا‏,‏ وإن أمكن رده وجب رده إن كان باقيا أو قيمته إن كان تالفا ولرب المال مطالبة من شاء من العامل أو المشتري‏,‏ فإن أخذ من المشترى قيمته رجع المشترى على العامل بالثمن وإن رجع على العامل بقيمته رجع العامل على المشترى بها ورد عليه الثمن لأن التلف حصل في يده وأما ما يتغابن الناس بمثله فغير ممنوع منه لأنه لا يمكن التحرز منه‏,‏ وأما إذا اشترى بأكثر من ثمن المثل بعين المال فهو كالبيع وإن اشترى في الذمة لزم العامل دون رب المال‏,‏ إلا أن يجيزه فيكون له هذا ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي‏:‏ إن أطلق الشراء ولم يذكر رب المال فكذلك‏,‏ وإن صرح للبائع إنني اشتريته لفلان فالبيع باطل أيضا‏.‏

فصل‏:‏

وهل له أن يبيع ويشترى بغير نقد البلد‏؟‏ على روايتين‏:‏ الأولى جوازه إذا رأى المصلحة فيه والربح حاصل به‏,‏ كما يجوز أن يبيع عرضا بعرض ويشتريه به فإذا قلنا‏:‏ لا يملك ذلك ففعله فحكمه حكم ما لو اشترى أو باع بغير ثمن المثل وإن قال له‏:‏ اعمل برأيك فله ذلك وهل له الزراعة‏؟‏ يحتمل أن لا يملك ذلك لأن المضاربة لا يفهم من إطلاقها المزارعة وقد روى عن أحمد -رحمه الله- في من دفع إلى رجل ألفا‏,‏ وقال‏:‏ اتجر فيها بما شئت فزرع زرعا فربح فيه فالمضاربة جائزة‏,‏ والربح بينهما قال القاضي‏:‏ ظاهر هذا أن قوله‏:‏ اتجر بما شئت دخلت فيه المزارعة لأنها من الوجوه التي يبتغي بها النماء وعلى هذا لو نوى المال كله في المزارعة لم يلزمه ضمانه‏.‏

فصل‏:‏

وله أن يشترى المعيب‏,‏ إذا رأى المصلحة فيه لأن المقصود الربح وقد يكون الربح في المعيب فإن اشتراه يظنه سليما فبان معيبا‏,‏ فله فعل ما يرى المصلحة فيه من رده بالعيب أو إمساكه وأخذ أرش العيب فإن اختلف العامل ورب المال في الرد‏,‏ فطالبه أحدهما وأباه الآخر فعل ما فيه النظر والحظ لأن المقصود تحصيل الحظ فيحتمل الأمر على ما فيه الحظ وأما الشريكان إذا اختلفا في رد المعيب‏,‏ فلطالب الرد رد نصيبه وللآخر إمساك نصيبه إلا أن يكون البائع لم يعلم أن الشراء لهما جميعا‏,‏ فلا يلزمه قبول رد بعضه لأن ظاهر الحال أن العقد لمن وليه فلم يجز إدخال الضرر على البائع بتبعيض الصفقة عليه ولو أراد الذي ولى العقد رد بعض المبيع وإمساك البعض كان حكمه حكم ما لو أراد شريكه ذلك‏,‏ على ما فصلناه‏.‏

فصل‏:‏

وليس له أن يشترى من يعتق على رب المال بغير إذنه لأن عليه فيه ضررا فإن اشتراه بإذن رب المال صح لأنه يجوز أن يشتريه بنفسه فإذا أذن لغيره فيه‏,‏ جاز ويعتق عليه وتنفسخ المضاربة في قدر ثمنه لأنه قد تلف‏,‏ ويكون محسوبا على رب المال فإن كان ثمنه كل المال انفسخت المضاربة وإن كان في المال ربح رجع العامل بحصته منه وإن كان بغير إذن رب المال‏,‏ احتمل أن لا يصح الشراء إذا كان الثمن عينا لأن العامل اشترى ما ليس له أن يشتريه فكان بمنزلة ما لو اشترى شيئا بأكثر من ثمنه ولأن الإذن في المضاربة إنما ينصرف إلى ما يمكن بيعه والربح فيه‏,‏ فلا يتناول غير ذلك وإن كان اشتراه في الذمة وقع الشراء للعاقد وليس له دفع الثمن من مال المضاربة‏,‏ فإن فعل ضمن وبهذا قال الشافعي وأكثر الفقهاء وقال القاضي‏:‏ ظاهر كلام أحمد صحة الشراء لأنه مال متقوم قابل للعقود فصح شراؤه كما لو اشترى من نذر رب المال إعتاقه‏,‏ ويعتق على رب المال وتنفسخ المضاربة فيه ويلزم العامل ضمانه على ظاهر كلام أحمد‏,‏ علم بذلك أو جهل لأن مال المضاربة تلف بسببه ولا فرق في الإتلاف الموجب للضمان بين العلم والجهل وفيما يضمنه وجهان‏:‏ أحدهما قيمته لأن الملك ثبت فيه ثم تلف‏,‏ فأشبه ما لو أتلفه بفعله والثاني الثمن الذي اشتراه به لأن التفريط منه حصل بالشراء‏,‏ وبذل الثمن فيما يتلف بالشراء فكان عليه ضمان ما فرط فيه ومتى ظهر في المال ربح فللعامل حصته منه وقال أبو بكر‏:‏ إن لم يكن العامل عالما بأنه يعتق على رب المال لم يضمن لأن التلف حصل لمعنى في المبيع لم يعلم به المشتري‏,‏ فلم يضمن كما لو اشترى معيبا لم يعلم بعيبه فتلف به قال‏:‏ ويتوجه أن لا يضمن‏,‏ وإن علم‏.‏

فصل‏:‏

وإن اشترى امرأة رب المال صح الشراء وانفسخ النكاح فإن كان قبل الدخول‏,‏ فهل يلزم الزوج نصف الصداق‏؟‏ فيه وجهان ذكرناهما في غير هذا الموضع فإن قلنا‏:‏ يلزمه رجع به على العامل لأنه سبب تقريره عليه فرجع عليه كما لو أفسدت امرأة نكاحه بالرضاع وإن اشترى زوج ربة المال‏,‏ صح الشراء وانفسخ النكاح لأنها ملكت زوجها وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي‏:‏ لا يصح الشراء إذا كان بغير إذنها لأن الإذن إنما يتناول شراء ما لها فيه حظ وشراء زوجها يضر بها لأنه يفسخ نكاحها‏,‏ ويضر بها ويسقط حقها من النفقة والكسوة فلم يصح كشراء ابنها ولنا‏,‏ أنه اشترى ما يمكن طلب الربح فيه فجاز كما لو اشترى أجنبيا ولا ضمان على العامل فيما يفوت من المهر ويسقط من النفقة لأن ذلك لا يعود إلى المضاربة‏,‏ وإنما هو بسبب آخر ولا فرق بين شرائه في الذمة أو بعين المال‏.‏

فصل‏:‏

وإن اشترى المأذون له من يعتق على رب المال بإذنه صح وعتق فإن كان على المأذون له دين يستغرق قيمته وما في يده وقلنا‏:‏ يتعلق الدين برقبته فعليه دفع قيمة العبد الذي عتق إلى الغرماء لأنه الذي أتلف عليهم بالعتق وإن نهاه عن الشراء‏,‏ فالشراء باطل لأنه يملكه بالإذن وقد زال بالنهى وإن أطلق الإذن فقال أبو الخطاب‏:‏ يصح شراؤه لأن من صح أن يشتريه السيد‏,‏ صح شراء المأذون له كالأجنبي وهذا قول أبي حنيفة إذا أذن له في التجارة ولم يدفع إليه مالا وقال القاضي‏:‏ لا يصح لأن فيه إتلافا على السيد فإن إذنه يتناول ما فيه حظ‏,‏ فلا يدخل فيه الإتلاف وفارق عامل المضاربة لأنه يضمن القيمة فيزول الضرر وللشافعي قولان كالوجهين وإن اشترى امرأة رب المال‏,‏ أو زوج ربة المال فهل يصح‏؟‏ على وجهين أيضا كشراء من يعتق بالشراء‏.‏

فصل‏:‏

وإن اشترى المضارب من يعتق عليه صح الشراء‏,‏ فإن لم يكن ظهر في المال ربح لم يعتق منه شيء وإن ظهر فيه ربح‏,‏ ففيه وجهان مبنيان على العامل متى يملك الربح‏؟‏ فإن قلنا‏:‏ يملكه بالقسمة لم يعتق منه شيء لأنه ما ملكه وإن قلنا‏:‏ يملكه بالظهور ففيه وجهان‏:‏ أحدهما لا يعتق وهو قول أبي بكر لأنه لم يتم ملكه عليه‏,‏ لأن الربح وقاية لرأس المال فلم يعتق لذلك والثاني يعتق بقدر حصته من الربح‏,‏ إن كان معسرا ويقوم عليه باقيه إن كان موسرا لأنه ملكه بفعله فيعتق عليه كما لو اشتراه بماله وهذا قول القاضي‏,‏ ومذهب أصحاب أبي حنيفة لكن عندهم يستسعى في بقيته إن كان معسرا ولنا رواية كقولهم وإن اشتراه ولم يظهر ربح ثم ظهر بعد ذلك‏,‏ والعبد باق في التجارة فهو كما لو كان الربح ظاهرا وقت الشراء وقال الشافعي إن اشتراه بعد ظهور الربح لم يصح‏,‏ في أحد الوجهين لأنه يؤدى إلى أن ينجز العامل حقه قبل رب المال ولنا أنهما شريكان فصح شراء كل واحد منهما من يعتق عليه كشريكى العنان‏.‏

فصل‏:‏

وليس له أن يشترى بأكثر من رأس المال لأن الإذن ما تناول أكثر منه فإن كان رأس المال ألفا‏,‏ فاشترى عبدا بألف ثم اشترى عبدا آخر بعين الألف فالشراء فاسد لأنه اشتراه بمال يستحق تسليمه في البيع الأول وإن اشتراه في ذمته‏,‏ صح الشراء والعبد له لأنه اشترى في ذمته لغيره ما لم يأذن له في شرائه فوقع له وهل يقف على إجازة رب المال‏؟‏ على روايتين ومذهب الشافعي كنحو ما ذكرنا‏.‏

فصل‏:‏

وليس للمضارب وطء أمة من المضاربة‏,‏ سواء ظهر في المال ربح أو لم يظهر فإن فعل فعليه المهر والتعزير وإن علقت منه ولم يظهر في المال ربح‏,‏ فولده رقيق لأنها علقت منه في غير ملك ولا شبهة ملك ولا تصير أم ولد له وكذلك وإن ظهر في المال ربح فالولد حر‏,‏ وتصير أم ولد له وعليه قيمتها ونحو هذا قال سفيان وإسحاق وقال القاضي‏:‏ إن لم يظهر ربح فعليه الحد لأنه وطئ في غير ملك ولا شبهة ملك والمنصوص عن أحمد‏,‏ أن عليه التعزير لأن ظهور الربح ينبني على التقويم والتقويم غير متحقق لأنه يحتمل أن السلع تساوى أكثر مما قومت به فيكون ذلك شبهة في درء‏,‏ الحد لأنه يدرأ بالشبهات‏.‏

فصل‏:‏

وليس لرب المال وطء الأمة أيضا لأنه ينقصها إن كانت بكرا ويعرضها للخروج من المضاربة والتلف‏,‏ فإن فعل فلا حد عليه لأنها مملوكته وإن علقت منه صارت أم ولده‏,‏ وولده حر كذلك وتخرج من المضاربة وتحسب قيمتها ويضاف إليها بقية المال فإن كان فيه ربح فللعامل حصته منه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أذن رب المال للمضارب في الشراء من مال المضاربة‏,‏ فاشترى جارية ليتسرى بها خرج ثمنها من المضاربة وصار قرضا في ذمته لأن استباحة البضع لا تحصل إلا بملكه لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم‏}‏‏.‏

فصل‏:‏

وليس لواحد منهما تزويج الأمة لأنه ينقصها‏,‏ ولا مكاتبة العبد لذلك فإن اتفقا على ذلك جاز لأن الحق لهما لا يخرج عنهما‏.‏

فصل‏:‏

وليس للمضارب دفع المال إلى آخر مضاربة نص عليه أحمد في رواية الأثرم‏,‏ وحرب وعبد الله قال‏:‏ إن أذن له رب المال‏,‏ وإلا فلا وخرج القاضي وجها في جواز ذلك بناء على توكيل الوكيل من غير إذن الموكل ولا يصح هذا التخريج وقياسه على الوكيل ممتنع لوجهين أحدهما‏,‏ أنه إنما دفع إليه المال ها هنا ليضارب به وبدفعه إلى غيره مضاربة يخرج عن كونه مضاربا به بخلاف الوكيل الثاني‏,‏ أن هذا يوجب في المال حقا لغيره ولا يجوز إيجاب حق في مال إنسان بغير إذنه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ولا أعرف عن غيرهم خلافهم فإن فعل فلم يتلف المال‏,‏ ولا ظهر فيه ربح رده إلى مالكه ولا شيء له ولا عليه وإن تلف‏,‏ أو ربح فيه فقال الشريف أبو جعفر‏:‏ هو في الضمان والتصرف كالغاصب ولرب المال مطالبة من شاء منهما برد المال إن كان باقيا‏,‏ وبرد بدله إن كان تالفا أو تعذر رده فإن طالب الأول‏,‏ وضمنه قيمة التالف ولم يكن الثاني علم بالحال لم يرجع عليه بشيء لأنه دفعه إليه على وجه الأمانة وإن علم بالحال‏,‏ رجع عليه لأنه قبض مال غيره على سبيل العدوان وتلف تحت يده فاستقر ضمانه عليه وإن ضمن الثاني مع علمه بالحال‏,‏ لم يرجع على الأول وإن لم يعلم فهل يرجع على الأول‏؟‏ على وجهين‏:‏ أحدهما يرجع عليه لأنه غره‏,‏ فأشبه ما لو غره بحرية أمة والثاني‏:‏ لا يرجع لأن التلف كان في يده فاستقر الضمان عليه وإن ربح في المال فالربح لمالكه‏,‏ ولا شيء للمضارب الأول لأنه لم يوجد منه مال ولا عمل وهل للثاني أجر مثله‏؟‏ على روايتين‏:‏ إحداهما له ذلك لأنه عمل في مال غيره بعوض لم يسلم له فكان له أجر مثله‏,‏ كالمضاربة الفاسدة والثانية‏:‏ لا شيء له لأنه عمل في مال غيره بغير إذنه فلم يستحق لذلك عوضا كالغاصب وفارق المضاربة لأنه عمل في ماله بإذنه وسواء اشترى بعين المال أو في الذمة ويحتمل أنه إذا اشترى في الذمة يكون الربح له‏,‏ لأنه ربح فيما اشتراه في ذمته مما لم يقع في الشراء فيه لغيره فأشبه ما لو لم ينقد الثمن من مال رب المال قال الشريف أبو جعفر‏:‏ هذا قول أكثرهم يعني قول مالك والشافعي وأبي حنيفة ويحتمل أنه إن كان عالما بالحال فلا شيء للعامل‏,‏ كالغاصب وإن جهل الحال فله أجر مثله‏,‏ يرجع به على المضارب الأول لأنه غره واستعمله بعوض لم يحصل له فوجب أجره عليه‏,‏ كما لو استعمله في مال نفسه وقال القاضي‏:‏ إن اشترى بعين المال فالشراء باطل وإن كان اشترى في الذمة ثم نقد المال‏,‏ وكان قد شرط رب المال للمضارب النصف فدفعه المضارب إلى آخر على أن يكون لرب المال النصف‏,‏ والنصف الآخر بينهما فهو على ما اتفقوا عليه لأن رب المال رضي بنصف الربح فلا يدفع إليه أكثر منه والعاملان على ما اتفقا عليه وهذا قول قديم للشافعي وليس هذا موافقا لأصول المذهب ولا لنص أحمد فإن أحمد قال‏:‏ لا يطيب الربح للمضارب ولأن المضارب الأول ليس له عمل ولا مال‏,‏ ولا يستحق الربح في المضاربة إلا بواحد منهما والعامل الثاني عمل في مال غيره بغير إذنه ولا شرطه فلم يستحق ما شرطه له غيره كما لو دفعه إليه الغاصب مضاربة‏,‏ ولأنه إذا لم يستحق ما شرطه له رب المال في المضاربة الفاسدة فما شرطه له غيره بغير إذنه أولى‏.‏

فصل‏:‏

وإن أذن رب المال في دفع المال مضاربة جاز ذلك نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا ويكون العامل الأول وكيلا لرب المال في ذلك فإذا دفعه إلى آخر‏,‏ ولم يشرط لنفسه شيئا من الربح كان صحيحا وإن شرط لنفسه شيئا من الربح لم يصح لأنه ليس من جهته مال ولا عمل‏,‏ والربح إنما يستحق بواحد منهما وإن قال‏:‏ اعمل برأيك أو بما أراك الله جاز له دفعه مضاربة نص عليه لأنه قد يرى أن يدفعه إلى أبصر منه ويحتمل أن لا يجوز له ذلك لأن قوله‏:‏ اعمل برأيك يعني في كيفية المضاربة والبيع والشراء وأنواع التجارة وهذا يخرج به عن المضاربة‏,‏ فلا يتناوله إذنه‏.‏

فصل‏:‏

وليس له أن يخلط مال المضاربة بماله فإن فعل ولم يتميز ضمنه لأنه أمانة فهو كالوديعة فإن قال له‏:‏ اعمل برأيك جاز له ذلك وهو قول مالك‏,‏ والثوري وأصحاب الرأي وقال الشافعي‏:‏ ليس له ذلك وعليه الضمان إن فعله لأن ذلك ليس من التجارة ولنا أنه قد يرى الخلط أصلح له فيدخل في قوله‏:‏ اعمل برأيك وهكذا القول في المشاركة به ليس له فعلها‏,‏ إلا أن يقول‏:‏ اعمل برأيك فيملكها‏.‏

فصل‏:‏

وليس له أن يشترى خمرا ولا خنزيرا سواء كانا مسلمين أو كان أحدهما مسلما والآخر ذميا فإن فعل‏,‏ فعليه الضمان وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ إن كان العامل ذميا صح شراؤه للخمر وبيعه إياها لأن الملك عنده ينتقل إلى الوكيل وحقوق العقد تتعلق به وقال أبو يوسف ومحمد‏:‏ يصح شراؤه إياها لأن الملك فيها ينتقل إلى الوكيل‏,‏ ولا يصح بيعه لأنه يبيع ما ليس بملك له ولا لموكله ولنا إنه إن كان العامل مسلما فقد اشترى خمرا ولا يصح أن يشترى خمرا ولا يبيعه‏,‏ وإن كان ذميا فقد اشترى للمسلم ما لا يصح أن يملكه ابتداء فلا يصح‏,‏ كما لو اشترى الخنزير ولأن الخمر محرمة فلا يصح شراؤها له كالخنزير والميتة‏,‏ ولأن ما لا يجوز بيعه لا يجوز شراؤه كالميتة والدم وكل ما جاز في الشركة جاز في المضاربة‏,‏ وما جاز في المضاربة جاز في الشركة وما منع منه في إحداهما منع منه في الأخرى لأن المضاربة شركة‏,‏ ومبنى كل واحدة منهما على الوكالة والأمانة‏.‏