فصل: مَا جَاءَ في الرَّجُلِ يَضْرِبُ رَجُلًا ضَرْبَةً خَطَأً فَقَطَعَ يَدَهُ أَوْ كَفَّهُ وَشَلَّ السَّاعِدَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.مَا جَاءَ في الرَّجُلِ يَضْرِبُ رَجُلًا ضَرْبَةً خَطَأً فَقَطَعَ يَدَهُ أَوْ كَفَّهُ وَشَلَّ السَّاعِدَ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً خَطَأً فَقَطَعَ كَفَّهُ فَشُلَّ السَّاعِدُ، مَا عَلَيْهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: عَلَيْهِ دِيَةُ الْيَدِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ فَدَخَلَ الشَّلَلُ وَالْقَطْعُ جَمِيعًا في دِيَةِ الْيَدِ إذَا كَانَتْ ضَرْبَةً وَاحِدَةً.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا كَانَ مَنْ أَهْلِ الْإِبِلِ فَجَنَى جِنَايَةً لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مَنْ الثُّلُثِ، أَيَكُونُ عَلَى الْجَانِي مِنْ الْإِبِلِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ في الْأُصْبُعِ، إنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْجَانِي في الْإِبِلِ في مَالِهِ، ابْنَتَا مَخَاضٍ وَابْنَتَا لَبُونٍ وَابْنَا لَبُونٍ وَحِقَّتَانِ وَجَذَعَتَانِ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ جَنَى مَا هُوَ أَقَلَّ مِنْ بَعِيرٍ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ في الْإِبِلِ؟
قَالَ: نَعَمْ، ذَلِكَ عَلَيْهِ في الْإِبِلِ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا قَتَلَ قَتِيلًا عَمْدًا - وَالْجَانِي مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الدَّنَانِيرِ - فَصَالَحُوهُ عَلَى أَكْثَرَ مَنْ الدِّيَةِ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا اصْطَلَحُوا - كَانَ ذَلِكَ دِيَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ - فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ جَنَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ جِنَايَةً خَطَأً، فَصَالَحَ عَاقِلَتُهُ أَوْلِيَاءَ الْجِنَايَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ؟
قَالَ: أَرَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إنْ قَدَّمُوا الدَّنَانِيرَ وَلَمْ يُؤَخِّرُوهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَيْنًا بِدَيْنٍ إذَا أَخَّرُوهَا، وَلَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِ قَوْلِ مَالِكٍ في هَذَا وَلَكِنْ هَذَا رَأْيِي في الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَصَالَحُوهُ عَلَى مَالٍ إلَى أَجَلٍ؟
قَالَ: هَذَا جَائِزٌ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا كَانَ دَمًا وَهُوَ رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ صَالَحَ الَّذِي جَنَى أَوْلِيَاءَ الْجِنَايَةِ - وَالْجِنَايَةُ خَطَأٌ، وَهِيَ مِمَّا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ - فَقَالَتْ الْعَاقِلَةُ: لَا نَرْضَى بِهَذَا الصُّلْحِ وَلَكِنَّا نَحْمِلُ مَا عَلَيْنَا مِنْ الدِّيَةِ؟ قَالَ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَذَلِكَ لَهُمْ لِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ وَجَبَتْ.

.مَا جَاءَ في الرَّجُلِ يَقُولُ قَتَلَنِي فُلَانٌ خَطَأً أَوْ عَمْدًا وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ خِلَافَ مَا قَالَ الْمَقْتُولُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْمَقْتُولُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ قَتَلَنِي عَمْدًا.
أَيَكُونُ لِوُلَاةِ الدَّمِ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَقْتُلُوا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمَقْتُولُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ قَتَلَنِي خَطَأً، فَلِوُلَاةِ الدَّمِ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَأْخُذُوا الدِّيَةَ مَنْ الْعَاقِلَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
وَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قُلْت لَكَ.
قُلْت: فَلَوْ قَالَ الْمَقْتُولُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ قَتَلَنِي خَطَأً أَوْ عَمْدًا، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ خِلَافَ مَا قَالَ الْمَقْتُولُ.
أَيَكُونُ لَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ الْمَقْتُولُ؟
قَالَ: لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا إلَّا عَلَى مَا قَالَ الْمَقْتُولُ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا أَصَابَ النَّائِمَ مِنْ شَيْءٍ، أَعْلَى الْعَاقِلَةِ هُوَ؟
قَالَ: إذَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَ مَالِكٍ.
قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ امْرَأَةٍ نَامَتْ عَلَى صَبِيِّهَا فَقَتَلَتْهُ؟
قَالَ مَالِكٌ: أَرَى دِيَتَهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَتُعْتِقُ رَقَبَةً.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا خَطَأً رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ أَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً، أَيَكُونُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في الرَّجُلِ يَشْهَدُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا خَطَأً: إنَّ أَوْلِيَاءَ الْقَتِيلِ يُقْسِمُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ قِبَلَ الْعَاقِلَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا خَطَأً: إنَّ أَوْلِيَاءَ الْقَتِيلِ يُقْسِمُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ قِبَلَ الْعَاقِلَةِ.
قُلْت: فَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَلَى إقْرَارِ رَجُلٍ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا خَطَأً، أَيَكُونُ لِوُلَاةِ الدَّمِ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَسْتَحِقُّوا الدِّيَةَ، وَإِنَّمَا شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ؟
قَالَ: لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ مِنْ إقْرَارِهِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى إقْرَارِهِ وَيَقْتَسِمُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَقَرَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ جَحَدَهُ، كَانَ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى الْإِقْرَارِ وَيَسْتَحِقَّ حَقَّهُ، وَهَذَا عِنْدِي مُخَالِفٌ لِلدَّمِ - دَمِ الْخَطَأِ - وَهُوَ رَأْيِي.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في الْعَبْدِ يَجْرَحُ وَلَهُ مَالٌ: إنَّهُ مُرْتَهَنٌ بِمَالِهِ في جِرَاحِهِ.
فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَدَيْنُهُ أَوْلَى بِمَالِهِ مِنْ جُرْحِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جُرْحُهُ في رَقَبَتِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في الْمُدَبَّرِ إذَا جَرَحَ رَجُلًا فَأَسْلَمَ سَيِّدُهُ خِدْمَتَهُ، ثُمَّ جَرَحَ آخَرَ بَعْدَمَا أَسْلَمَ سَيِّدُهُ خِدْمَتَهُ: إنَّهُمَا جَمِيعًا يَتَحَاصَّانِ في خِدْمَتِهِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لِلْأَوَّلِ وَبِقَدْرِ جِرَاحَةِ الثَّانِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمَحْدُودَ في قَذْفٍ إذَا حَسُنَتْ حَالُهُ، أَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ في الدِّمَاءِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا حَسُنَتْ حَالُ الْمَحْدُودِ في قَذْفٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَأَرَى شَهَادَتَهُ في الدَّمِ وَغَيْرِ الدَّمِ جَائِزَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا في شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ حِينَ قَالَ: إذْ حَسُنَتْ حَالُهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ شَهَادَاتِ النِّسَاءِ في الْجِرَاحَاتِ الْخَطَأِ وَالْقَتْلِ خَطَأً، أَتَجُوزُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدَ النِّسَاءُ مَعَ رَجُلٍ عَلَى مُنَقِّلَةٍ عَمْدًا أَوْ مَأْمُومَةٍ عَمْدًا، أَتَجُوزُ أَمْ لَا؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَأَنَا أَرَاهَا جَائِزًا في رَأْيِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَجَازَ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ في الْخَطَأِ وَهُوَ دَمٌ.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَآلَهَا أَنْ تَكُونَ مَالًا؛ إذْ الْمَأْمُومَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ عَمْدُهُمَا وَخَطَؤُهُمَا إنَّمَا هُوَ مَالٌ لَيْسَ فيهِ قَوَدٌ.

.في الرَّجُلِ يَقُولُ قَتَلَنِي فُلَانٌ وَلَمْ يَقُلْ خَطَأً وَلَا عَمْدًا:

قُلْت لِأَبِي الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إذَا قَالَ الْمَقْتُولُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، وَلَمْ يَقُلْ خَطَأً وَلَا عَمْدًا؟
قَالَ: إنْ قَالَ وُلَاةُ الدَّمِ كُلُّهُمْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ، وَيُقْسِمُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ مَا ادَّعَوْا مِنْ ذَلِكَ.
فَإِنْ افْتَرَقُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ خَطَأً وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَمْدًا فَحَلَفُوا كُلُّهُمْ، كَانَ لَهُمْ دِيَةُ الْخَطَأِ بَيْنَهُمْ كُلِّهِمْ، الَّذِينَ ادَّعَوْا الْعَمْدَ وَاَلَّذِينَ ادَّعَوْا الْخَطَأَ.
وَإِنْ أَبَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَحْلِفَ وَنَكِلَ عَنْ الْيَمِينِ، فَإِنْ نَكِلَ مُدَّعُو الْخَطَأِ وَقَالَ مُدَّعُو الْعَمْدِ: نَحْنُ نَحْلِفُ عَلَى الْعَمْدِ، بَطَلَ دَعْوَاهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ إلَى الدَّمِ وَلَا إلَى الدِّيَةِ سَبِيلٌ.
فَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: قَتَلَ عَمْدًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا عِلْمَ لَنَا فَكَذَلِكَ أَيْضًا تَبْطُلُ دَعْوَاهُمْ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا.
وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: قَتَلَ خَطَأً وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا عِلْمَ لَنَا.
أَوْ نَكَلُوا، أُحَلِّفُ الَّذِينَ ادَّعَوْا الْخَطَأَ وَأَخَذُوا نَصِيبَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ، وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ مَالِكٍ وَلَكِنَّهُ رَأْيِي.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا قَالَ فيمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَادَّعَى بَعْضُ وُلَاتِهِ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا عِلْمَ لَنَا بِهِ وَلَا بِمَنْ قَتَلَهُ وَلَا نَحْلِفُ.
قَالَ مَالِكٌ: فَإِنَّ دَمَهُ يَبْطُلُ.
وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ قَتَلَ خَطَأً وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا عِلْمَ لَنَا بِذَلِكَ وَلَا نَحْلِفُ، كَانَ لِلَّذِينَ حَلَفُوا أَنْصِبَاؤُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ بِأَيْمَانِهِمْ وَلَيْسَ لِلَّذِينَ لَمْ يَحْلِفُوا شَيْءٌ.
وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: قَتَلَ عَمْدًا وَقَالَ الْآخَرُونَ: قَتَلَ خَطَأً وَحَلَفُوا كُلُّهُمْ كَانَ لَهُمْ جَمِيعُ الدِّيَةِ، إنْ أَحَبَّ الَّذِينَ ادَّعَوْا الْعَمْدَ أَخَذُوا أَنْصِبَاءَهُمْ.
فَأَمَّا الْقَتْلُ فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَيْهِ فَهَذَا رَأْيِي، وَاَلَّذِي بَلَغَنِي.
قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ إنْ ادَّعَى بَعْضُ وُلَاةِ الدَّمِ الْخَطَأَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا عِلْمَ لَنَا بِمَنْ قَتَلَهُ، فَحَلَفَ الَّذِينَ ادَّعَوْا الْخَطَأَ وَأَخَذُوا حُظُوظَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ، ثُمَّ أَرَادَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا: لَا عِلْمَ لَنَا بِمَنْ قَتَلَهُ خَطَأً أَنْ يَحْلِفُوا وَيَأْخُذُوا حُظُوظَهُمْ مَنْ الدِّيَةِ، أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا نَكِلَ مُدَّعُو الدَّمِ عَنْ الْيَمِينِ وَأَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا وَرَدُّوا الْأَيْمَانَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ.
فَأَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا إذَا عُرِضَتْ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ فَأَبَوْهَا.
قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ في الْحُقُوقِ إذَا شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَأْخُذَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا أَقَمْت شَاهِدًا وَاحِدًا وَأَبَيْت أَنْ أَحْلِفَ مَعَهُ، وَرَدَدْت الْيَمِينَ عَلَى الَّذِي ادَّعَيْت قِبَلَهُ فَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، مَا يَكُونُ عَلَيْهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ مَالِكٍ أَوْ يَغْرَمَ.
قُلْت: وَلَا يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى الَّذِي أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا؟
قَالَ: لَا؛ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا أَيْضًا.

.مَا جَاءَ في قَسَامَةِ الْوَارِثِ الْوَاحِدِ في الْقَتْلِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً:

قُلْت: وَالْقَسَامَةُ في هَذَا وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ في رَدِّ الْيَمِينِ قَالَ: نَعَمْ هُمَا سَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ إلَّا وَارِثٌ وَاحِدٌ، أَيَحْلِفُ هَذَا الْوَارِثُ وَحْدَهُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ، أَوْ الْقَتْلَ إنْ ادَّعَى الْعَمْدَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا في الْخَطَأِ فيحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ كُلَّهَا، وَأَمَّا في الْعَمْدِ فَلَا يُقْتَلُ إلَّا بِقَسَامَةِ رَجُلَيْنِ فَصَاعِدًا.
فَإِنْ نَكِلَ وَاحِدٌ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ الَّذِينَ يَجُوزُ عَفْوُهُمْ إنْ عَفَوْا فَلَا سَبِيلَ لِلْقَتْلِ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ، فَإِنْ كَانَ وُلَاةُ الدَّمِ رَجُلَيْنِ فَنَكِلَ أَحَدُهُمَا فَلَا سَبِيلَ إلَى الدَّمِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ الْأَوْلَى وَاحِدٌ فَادَّعَى الدَّمَ عَمْدًا مَا يُصْنَعُ بِهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنْ حَلَفَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ وُلَاةِ الْمَقْتُولِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا في الْعَدَدِ مِثْلَ هَذَا قَتَلُوا، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ وُلَاةِ الْمَقْتُولِ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
فَإِذَا حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا بَطَلَ عَنْهُ مَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّمِ.
قُلْت: فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ، أَيَقْتُلُهُ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي: إذَا جَرَحَ الرَّجُلُ رَجُلًا عَمْدًا فَأَتَى الْمَجْرُوحُ بِشَاهِدٍ عَلَى جُرْحِهِ حَلَفَ وَاقْتَصَّ.
فَإِنْ نَكِلَ عَنْ الْيَمِينِ قِيلَ لِلْجَارِحِ: احْلِفْ وَابْرَأْ.
فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ.
وَكَذَلِكَ الْقَتْلُ عِنْدِي.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ في الْمُتَّهَمِ في الدَّمِ إذَا رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ: إنَّهُ لَا يَبْرَأُ دُونَ أَنْ يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا، فَأَرَى أَنْ يُحْبَسَ حَتَّى يَحْلِفَ.

.مَا جَاءَ في الرَّجُلِ يُقِيمُ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى جُرْحِهِ عَمْدًا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الَّذِي أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى جُرْحِهِ عَمْدًا، وَأَرَادَ الْقِصَاصَ أَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى جُرْحِهِ خَطَأً وَأَرَادَ الْعَقْلَ، كَمْ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ في قَوْلِ مَالِكٍ، أَيَمِينًا وَاحِدَةً أَمْ خَمْسِينَ يَمِينًا؟
قَالَ: يَمِينًا وَاحِدَةً في قَوْلِ مَالِكٍ.
وَإِنَّمَا تَكُونُ خَمْسِينَ يَمِينًا في النَّفْسِ، وَلَيْسَ في الْجِرَاحَاتِ خَمْسُونَ يَمِينًا عِنْدَ مَالِكٍ إنَّمَا ذَلِكَ في الدَّمِ.
قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: لَيْسَ في شَيْءٍ مِنْ الْجِرَاحَاتِ قَسَامَةٌ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: لِمَ أَجَازَ مَالِكٌ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ في جِرَاحَاتِ الْعَمْدِ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ، وَلَيْسَتْ الْجِرَاحَاتُ عَمْدًا بِمَالٍ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ إلَّا في الْأَمْوَالِ لَا تَجُوزُ في الْفِرْيَةِ؟ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ في الدَّمِ إذَا كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ وَاحِدًا وَأَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقْسِمَ مَعَ شَاهِدِهِ؟
قُلْت: فَلِمَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ في جِرَاحَاتِ الْعَمْدِ وَمَا حُجَّتُهُ في ذَلِكَ؟
قَالَ: كَلَّمْتُهُ في ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ لَأَمْرٌ مَا سَمِعْتُ فيهِ شَيْئًا مِنْ أَحَدٍ مِمَّنْ مَضَى، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ اسْتَحْسَنْتُهُ.
قُلْت: فَلِمَ قَالَ مَالِكٌ في الدَّمِ في الْعَمْدِ: لَا يُقْسِمُ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ، وَلَا أَرَاهُ أَخَذَهُ إلَّا مِنْ قِبَلِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ أَحَدٌ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ.

.مَا جَاءَ في الرَّجُلِ يُقْتَلُ وَلَهُ وَلِيَّانِ: أَحَدُهُمَا كَبِيرٌ وَالْآخَرُ صَغِيرٌ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ لِهَذَا الْمَقْتُولِ وَلِيُّ رَجُلٌ كَبِيرٌ وَلَهُ وَلِيٌّ آخَرُ صَبِيٌّ صَغِيرٌ، فَأَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْلِفَ وَقَالَ: أَنَا أَحْلِفُ وَأَنْتَظِرُ حَتَّى يَكْبَرَ الصَّبِيُّ فيحْلِفُ وَنَسْتَحِقُّ الدَّمَ جَمِيعًا؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الَّذِي يُقْتَلُ وَلَهُ وَلَدٌ صِغَارٌ، كَيْفَ تَرَى في أَمَرَهُ، أَيُنْتَظَرُ بِالْقَاتِلِ إلَى أَنْ يَكْبَرَ وَلَدُهُ؟
قَالَ: إذًا تَبْطُلُ الدِّمَاءُ وَلَكِنَّ ذَلِكَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ يَنْظُرُونَ في ذَلِكَ، فَإِنْ أَحَبُّوا الْقَتْلَ قَتَلُوا وَإِنْ أَرَادُوا الْعَفْوَ عَفَوْا.
فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ إلَّا بِالدِّيَةِ - عَنْ مَالِكٍ - وَلَا يَجُوزُ عَفْوُهُمْ بِغَيْرِ دِيَةٍ؛ لِأَنَّ وُلَاةَ الدَّمِ هَؤُلَاءِ الصِّغَارُ دُونَهُمْ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانُوا بَنِينَ صِغَارًا وَكِبَارًا فَقَالَ الْكِبَارُ: نَحْنُ نُقْسِمُ وَنَقْتُلُ وَلَا نَنْتَظِرُ الصِّغَارَ.
قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْكِبَارُ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا فَذَلِكَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الصِّغَارَ مِنْهُمْ لَيْسُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، وَإِنْ اُسْتُؤْنِيَ بِهِ إلَى أَنْ يَكْبَرَ الصِّغَارُ بَطَلَ الدَّمُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فَلِهَؤُلَاءِ الْأَكَابِرِ أَنْ يَحْلِفُوا وَيَقْتُلُوا، وَإِنْ عَفَا هَؤُلَاءِ الْأَكَابِرُ بَعْدَمَا اسْتَحَقُّوا الدَّمَ جَازَ عَفْوُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ لِلْبَاقِينَ الْأَصَاغِرِ حُظُوظُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ.
وَمَنْ لَمْ يَعْفُ مِنْ الْأَكَابِرِ فَلَهُمْ نَصِيبُهُمْ في مَسْأَلَتِكَ.
قَالَ: فَأَرَى إذَا كَانَ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا فَأَرَادَ الْكَبِيرُ أَنْ يَحْلِفَ وَوَجَدَ أَحَدًا مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ يَحْلِفُ مَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ لَهُ عَفْوٌ حَلَفَ مَعَهُ وَقَتَلَ وَلَمْ يُسْتَأْنَ بِالصَّغِيرِ أَنْ يَكْبَرَ.
وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَحْلِفُ مَعَهُ حَلَفَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَمِينًا وَانْتَظَرَ الصَّغِيرَ حَتَّى يَكْبَرَ، فَإِنْ بَلَغَ حَلَفَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَمِينًا أَيْضًا ثُمَّ اسْتَحَقَّ الدَّمَ وَقَتَلَ.
قُلْت: وَإِنَّمَا يَحْلِفُ وُلَاةُ الدَّمِ في الْخَطَأِ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ مِنْ الْمَيِّتِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَهَلْ يُقْسِمُ النِّسَاءُ في قَتْلِ الْعَمْدِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: فَهَلْ يُقْسِمُ النِّسَاءُ في قَتْلِ الْخَطَأِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قلت: فَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً وَلَمْ يَدَعْ الْمَيِّتُ إلَّا بِنْتًا وَلَيْسَتْ لَهُ عَصَبَةٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تَحْلِفُ هَذِهِ الْبِنْتُ خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ تَأْخُذُ نِصْفَ الدِّيَةِ إنْ جَاءَتْ وَحْدَهَا، وَإِنْ جَاءَتْ مَعَ عَصَبَةٍ حَلَفَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَمِينًا وَأَخَذَتْ نِصْفَ الدِّيَةِ إذَا حَلَفَتْ الْعَصَبَةُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَمِينًا، وَإِنْ نَكَلَ الْعَصَبَةُ عَنْ الْيَمِينِ لَمْ تَأْخُذْ نِصْفَ الدِّيَةِ حَتَّى تَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: وَلِمَ اسْتَحْلَفَهَا مَالِكٌ هَاهُنَا خَمْسِينَ يَمِينًا وَإِنَّمَا لَهَا نِصْفُ الدِّيَةِ؟
قَالَ: لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ الدَّمَ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ يَمِينًا.
قُلْت: فَلَوْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ بِنْتٌ حَاضِرَةٌ وَابْنٌ بِالْمَغْرِبِ فَقَالَتْ الِابْنَةُ: أَنَا أَحْلِفُ وَآخُذُ حَقِّي، كَمْ تَحْلِفُ؟
قَالَ: تَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ تَأْخُذُ ثُلُثَ الدِّيَةِ، فَإِذَا قَدِمَ الْأَخُ الْغَائِبُ حَلَفَ ثُلُثَ الْأَيْمَانِ وَأَخَذَ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: وَمَنْ وَقَعَ في حَظِّهِ كَسْرُ يَمِينٍ جُبِرَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: تُجْبَرُ الْيَمِينُ عَلَى الَّذِي يُصِيبُهُ مِنْ هَذِهِ الْيَمِينِ أَكْثَرُهَا، إنْ كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ مِنْ هَذِهِ الْيَمِينِ السُّدُسَ، وَنَصِيبُ الْآخَرِ مِنْهَا الثُّلُثَ، وَنَصِيبُ الْآخَرِ النِّصْفَ، حَمَلَهَا صَاحِبُ النِّصْفِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُهُمْ خَطَأً في هَذِهِ الْيَمِينِ فَتُجْبَرُ عَلَيْهِ.

.مَا جَاءَ في عَفْوِ الْحَدِّ دُونَ الْإِخْوَةِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ أَخٌ وَجَدٌّ، فَأَتَوْا بِلَوْثٍ مَنْ بَيِّنَةٍ وَادَّعَوْا الدَّمَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً؟
قَالَ: يَحْلِفُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: وُلَاةُ الدَّمِ يَحْلِفُونَ فَهَؤُلَاءِ وُلَاةُ الدَّمِ.
قُلْت: فَإِنْ كَانُوا عَشَرَةَ إخْوَةٍ وَجَدٍّ - وَالدَّمُ خَطَأٌ - حَلَفَ الْجَدُّ ثُلُثَ الْأَيْمَانِ وَفَرَّقَ ثُلُثَا الْأَيْمَانِ عَلَى الْإِخْوَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ عَفَا الْجَدُّ عَنْ الْقَاتِلِ دُونَ الْإِخْوَةِ؟
قَالَ: أَرَى عَفْوَهُ جَائِزًا وَأَرَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَخِ لِأَنَّهُ أَخٌ مَعَ الْإِخْوَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ وَرَثَةٌ بَنَاتٌ وَبَنُونَ فَأَقْسَمَ الْبَنُونَ عَلَى الْعَمْدِ، أَيَكُونُ لِلْبَنَاتِ هَاهُنَا عَفْوٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا عَفْوَ لَهُنَّ وَلَا يُقْسِمْنَ.

.مَا جَاءَ فيمَا إذَا عَفَا الْبَنُونَ وَلَمْ يَعْفُ الْبَنَاتُ وَتَفْسِيرُ الْبَنَاتِ وَالْعَصَبَةِ:

قُلْت: فَإِنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ ابْنَانِ وَابْنَةٌ، فَأَقْسَمَ الِابْنَانِ وَاسْتَحَقَّا الدَّمَ ثُمَّ عَفَا أَحَدُهُمَا، هَلْ يَكُونُ لِلِابْنِ الَّذِي لَمْ يَعْفُ وَلِلِابْنَةِ شَيْءٌ؟
قَالَ: لِلِابْنِ الَّذِي لَمْ يَعْفُ خُمُسَا الدِّيَةِ وَلِلِابْنَةِ خُمُسُ الدِّيَةِ، وَيَسْقُطُ خُمُسَا الدِّيَةِ حَظُّ الَّذِي عَفَا إلَّا أَنْ يَكُونَ عَفَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ.
فَإِنْ عَفَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ.
وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ في الَّذِي يُقْتَلُ عَمْدًا وَلَهُ وَرَثَةٌ بَنُونَ، رِجَالٌ وَنِسَاءٌ: إنَّ النِّسَاءَ لَيْسَ لَهُنَّ مِنْ الْعَفْوِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، فَإِنْ عَفَا الرِّجَالُ عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ، فَهِيَ مَوْرُوثَةٌ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ يَدْخُلُ في ذَلِكَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ نِسَاؤُهُمْ وَرِجَالُهُمْ.
فَكَذَلِكَ الْقَسَامَةُ أَيْضًا وَالْقَتْلُ عَمْدًا بِبَيِّنَةٍ تُقَوَّمُ سَوَاءٌ إذَا اسْتَحَقُّوا الدَّمَ فَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ عَفْوٌ، فَإِنْ عَفَا وَاحِدٌ مِمَّنْ يَجُوزُ عَفْوُهُ مِنْ الرِّجَالِ صَارَ مَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ مَوْرُوثًا عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ يَدْخُلُ في ذَلِكَ النِّسَاءُ.
وَإِنَّمَا قَالَ لِي مَالِكٌ: إذَا عَفَا الرِّجَالُ وَقَبِلُوا الدِّيَةَ دَخَلَ في ذَلِكَ النِّسَاءُ.
وَأَنَا أَرَى إذَا عَفَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَفْوِهِمْ كُلِّهِمْ.
قُلْت: وَتَدْخُلُ امْرَأَتُهُ في الدِّيَةِ إذَا وَقَعَ الْعَفْوُ في قَوْلِ مَالِكٍ وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ؟
قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا وَقَعَ الْعَفْوُ وَقَبِلُوا الدِّيَةَ فَقَدْ صَارَ مَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ مَوْرُوثَةً عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ وَيُقْضَى مِنْهَا دَيْنُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ عَفَا الرِّجَالُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطُوا الدِّيَةَ، أَيَكُونُ لِلنِّسَاءٍ حُظُوظُهُنَّ مِنْ الدِّيَةِ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ يَعْفُوَ بَعْضُ الرِّجَالِ وَيَبْقَى بَعْضُهُمْ.
فَإِنْ بَقِيَ بَعْضُهُمْ كَانَ لِلنِّسَاءِ مَعَ مَنْ بَقِيَ نَصِيبُهُنَّ مِنْ الدِّيَةِ،
فَإِنْ عَفَا الرِّجَالُ كُلُّهُمْ لَمْ يَكُنْ لِلنِّسَاءِ فيهِ دِيَةٌ، وَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ فيهِ، وَهُوَ الَّذِي فَسَّرْتُ لَكَ في هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كُلِّهَا، في الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ بَنَاتٌ وَعَصَبَةٌ أَوْ أَخَوَاتٌ وَعَصَبَةٌ، فَإِنَّهُ لَا عَفْوَ لِلْبَنَاتِ وَلَا لِلْأَخَوَاتِ إلَّا بِالْعَصَبَةِ، وَلَا عَفْوَ لِلْعَصَبَةِ إلَّا بِالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ بَعْضُ الْبَنَاتِ وَبَعْضُ الْعَصَبَةِ، فيقْضَى لِمَنْ بَقِيَ مِنْ الْبَنَاتِ وَالْعَصَبَةِ بِالدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ الْأَخَوَاتُ وَالْعَصَبَةُ وَهُوَ الَّذِي سَمِعْتُ وَاسْتَحْسَنْتُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ دَمَ الْعَمْدِ، هَلْ تَجُوزُ فيهِ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ تَجُوزُ في الْحُدُودِ، فَالْقَتْلُ عِنْدِي حَدٌّ مِنْ الْحُدُودِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ إذَا شَهِدَ لِرَجُلٍ عَلَى دَمٍ عَمْدًا وَدَمٍ خَطَأً، أَيَكُونُ فيهِ قَسَامَةٌ، أَمْ يَحْلِفُ وُلَاةُ الدَّمِ مَعَ شَاهِدِهِمْ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّونَ؟
قَالَ: بَلْ تَكُونُ فيهِ الْقَسَامَةُ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى الْقَتْلِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، أَيُحْبَسُ هَذَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ الشَّاهِدِ؟
قَالَ: أَمَّا في الْخَطَأِ فَلَا يُحْبَسُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ.
وَأَمَّا في الْعَمْدِ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ الشَّاهِدِ.
فَإِذَا زَكَّى كَانَتْ الْقَسَامَةُ، وَمَا لَمْ يُزَكِّ لَمْ تَكُنْ فيهِ قَسَامَةٌ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْسِمُ إلَّا مَعَ الشَّاهِدِ الْعَدْلِ، وَلَا كَفَالَةَ في الْقِصَاصِ وَلَا في الْحُدُودِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقَتْلَ خَطَأً، هَلْ فيهِ تَعْزِيرٌ وَحَبْسٌ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا يُعَزَّرُ في الْخَطَأِ وَلَا يُحْبَسُ فيهِ، أَرَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ حَبْسٌ وَلَا تَعْزِيرٌ.

.مَا جَاءَ في الْقَتِيلِ يُوجَدُ في دَارِ قَوْمٍ أَوْ مَحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ في أَرْضِهِمْ أَوْ في فَلَوَاتِ الْمُسْلِمِينَ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقَتِيلَ إذَا وُجِدَ في دَارِ قَوْمٍ أَوْ مَحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ أَرْضِ قَوْمٍ، أَتَكُونُ فيهِ الْقَسَامَةُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ وُجِدَ قَتِيلٌ في أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ في فَلَوَاتِ الْمُسْلِمِينَ، لَا يُدْرَى مَنْ قَتَلَهُ، أَتَكُونُ دِيَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ في بَيْتِ مَالِهِمْ أَمْ لَا؟
قَالَ: الَّذِي قَالَ مَالِكٌ في كِتَابِهِ الْمُوَطَّإِ: إنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ أَحَدٌ إذَا وُجِدَ في قَرْيَةِ قَوْمٍ أَوْ دَارِهِمْ.
فَإِذَا قَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْخَذُ بِهِ أَحَدٌ.
فَأَرَاهُ وَقَدْ أَبْطَلَهُ وَلَمْ أُوقِفْهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا رَأْيِي أَنَّهُ يَبْطُلُ وَلَا يَكُونُ في بَيْتِ الْمَالِ وَلَا عَلَى أَحَدٍ.
قُلْت: فَأَيْنَ الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ: «لَا يَبْطُلُ دَمُ الْمُسْلِمِ»؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مَالِكًا يَذْكُرُ في هَذَا شَيْئًا.

.مَا جَاءَ في الْمَسْخُوطِ يَقُولُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مَسْخُوطًا فَقَالَ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ.
أَيُقْبَلُ قَوْلُهُ أَمْ لَا وَيَكُونُ فيهِ الْقَسَامَةُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فيهِ الْقَسَامَةُ إذَا قَالَ الْمَقْتُولُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ.
وَلَمْ يَذْكُرْ لَنَا مَالِكٌ مَسْخُوطًا مِنْ غَيْرِ مَسْخُوطٍ، وَلَكِنْ قَالَ ذَلِكَ لَنَا مُجْمَلًا.
وَأَرَى الْمَسْخُوطَ وَغَيْرَ الْمَسْخُوطِ في ذَلِكَ سَوَاءً، وَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ قَوْلِهِ.
قُلْت: فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الشَّاهِدِ إذَا كَانَ مَسْخُوطًا وَبَيْنَ الْمَقْتُولِ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْمَقْتُولَ لَا يُتَّهَمُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ في هَذَا سَوَاءٌ، وَتَكُونُ الْقَسَامَةُ في هَذَا الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّاهِدِ إذَا كَانَ مَسْخُوطًا وَبَيْنَ الْمَقْتُولِ إذَا كَانَ مَسْخُوطًا، وَتَكُونُ الْقَسَامَةُ في هَذَا الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ.
وَقَدْ جَعَلَ مَالِكٌ الْوَرَثَةَ يُقْسِمُونَ بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ - وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ بِتَامَّةِ الشَّهَادَةِ - وَلَا يُقْسَمُ مَعَ شَهَادَتِهَا في عَمْدٍ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَسْخُوطَ يَأْتِي بِشَاهِدٍ عَلَى حَقِّهِ فيحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ، وَلَوْ أَتَى بِشَاهِدٍ مَسْخُوطٍ لَمْ يَحْلِفْ مَعَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ شَيْءٌ، فَكَذَلِكَ الدَّمُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلَ صَبِيٌّ فَقَالَ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا وَأَنَا عِنْدَهُ، وَأَتَاهُ قَوْمٌ فَقَالُوا: إنَّ صَبِيَّيْنِ كَانَ بَيْنَهُمَا قِتَالٌ، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَأُتِيَ بِالْمَقْتُولِ فَقَالُوا: مَنْ فَعَلَ بِكَ؟
فَقَالَ: فُلَانٌ، لِلصَّبِيِّ الَّذِي كَانَ مَعَهُ.
وَشَهِدَ عَلَى قَوْلِ الصَّبِيِّ الْمَقْتُولِ رِجَالٌ عُدُولٌ وَأَقَرَّ الصَّبِيُّ الْقَاتِلُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ بِقَوْلِ الصَّبِيِّ الْمَيِّتِ وَلَا بِإِقْرَارِ الصَّبِيِّ الْحَيِّ الْقَاتِلِ، وَلَا يَجُوزُ في ذَلِكَ، إلَّا رَجُلَانِ عَدْلَانِ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ.
قُلْت لِمَالِكٍ: وَلَا تَكُونُ في هَذَا قَسَامَةٌ؟
فَقَالَ: لَا.
قُلْت: فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَسْخُوطِ، وَقَدْ قُلْت إنَّ مَالِكًا قَالَ في الْمَرْأَةِ وَالْمَسْخُوطِ: إذَا قَالَا دَمُنَا عِنْدَ فُلَانٍ، إنَّ في ذَلِكَ الْقَسَامَةَ.
وَقُلْت لِي إنَّ مَالِكًا قَالَ في الصَّبِيِّ لَا قَسَامَةَ فيهِ؟
فَقَالَ: لِأَنَّ الصَّبِيَّ - في قَوْلِ مَالِكٍ - إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى حَقِّهِ لَمْ يَحْلِفْ مَعَ شَاهِدِهِ.
وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً وَمَسْخُوطًا أَقَامَا شَاهِدًا عَلَى حَقِّهِمَا حَلَفَا مَا شَاهَدَهُمَا - عِنْدَ مَالِكٍ - وَثَبَتَ حَقُّهُمَا، فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا.
قُلْت: فَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا لَهُ عَلَى حَقٍّ، أَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ؟
قَالَ: نَعَمْ فَقُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.

.مَا جَاءَ في النَّصْرَانِيِّ يَقُولُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلَ هَذَا النَّصْرَانِيُّ فَقَالَ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ.
أَتَكُونُ فيهِ الْقَسَامَةُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْسِمُ النَّصَارَى وَلَا يُقْسِمُ إلَّا الْمُسْلِمُونَ، وَلَا يَكُونُ مَعَ قَوْلِهِ قَسَامَةٌ إذَا قَامَ لَهُمَا شَاهِدٌ عَدْلٌ عَلَى قَتْلِهِ.
فَإِنْ كَانَ عَمْدًا كَانَتْ دِيَتُهُ في مَالِ الْقَاتِلِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً حَمَلَ ذَلِكَ عَاقِلَةُ الْمُسْلِمِ الْقَاتِلِ، وَجُعِلَ ذَلِكَ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ الَّتِي تُحْمَلُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْمَقْتُولُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ قَصَدَ بِدَمِهِ قَصْدَ رَجُلٍ هُوَ أَوْرَعُ أَهْلِ الْبِلَادِ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ في الدِّمَاءِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِمُتَّهَمٍ في شَيْءٍ مِنْ الشَّرِّ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مَالِكًا يُحَاشِي أَحَدًا مِنْ أَحَدٍ، فَأَرَى أَنَّهُ مُصَدَّقٌ في كُلِّ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَصَدَ بِدَمِهِ قَصْدَ صَبِيٍّ، أَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَأْخُذُوا الدِّيَةَ مِنْ عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَصَدَ بِدَمِهِ قَصْدَ ذِمِّيٍّ أَوْ ذِمِّيَّةٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، أَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُقْسِمُوا أَوْ يَقْتُلُوا وَإِنْ ادَّعَوْا الْخَطَأَ أَقْسَمُوا وَقِيلَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ: ادْفَعْ أَوْ افْدِ.
وَقِيلَ لِأَهْلِ جِزْيَةِ: هَذَا الذِّمِّيِّ احْمِلُوا عَقْلَ هَذَا الرَّجُلِ؟
قَالَ: نَعَمْ وَهُوَ رَأْيِي.

.مَا جَاءَ في ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ يَقُولُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ:

قلت: أَرَأَيْتَ ابْنَ الْمُلَاعَنَةِ إذَا قَالَ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ كَيْفَ يُصْنَعُ فيهِ؟
قَالَ: إنْ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ الْمَوَالِي فَلِمَوَالِي أُمِّهِ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَسْتَحِقُّوا الدَّمَ إنْ كَانَ عَمْدًا، أَوْ الدِّيَةَ إنْ كَانَ خَطَأً وَهُوَ رَأْيِي.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ الْعَرَبِ؟
قَالَ: هُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا عَصَبَةَ لَهُ وَلَا وَلَاءَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ الْعَرَبِ لَمْ يَرِثْهُ أَحَدٌ إلَّا أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ، وَيَكُونُ مَا بَقِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ.
فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ مِنْ الرِّجَالِ وَلَا عَصَبَةَ لَهُ وَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ.
فَسَبِيلُ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ وَهَذَا وَاحِدٌ، وَمَا سَمِعْتُ ذَلِكَ إلَّا أَنِّي أَرَى أَنْ لَا يُقْتَلَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلَا يَكُونُ في هَذَا قَسَامَةٌ في عَمْدٍ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً أَقْسَمَتْ أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ وَأَخَذُوا حُقُوقَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ.
قَالَ: وَأَمَّا إخْوَةُ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لِأُمِّهِ - في قَوْلِ مَالِكٍ فَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ الدَّمِ في الْعَمْدِ شَيْءٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلَ ابْنُ الْمُلَاعَنَةِ عَمْدًا بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ، أَيَكُونُ لِأُمِّهِ أَنْ تَقْتُلَ في قَوْلِ مَالِكٍ قَاتِلَهُ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قُتِلَ وَلَهُ أُمٌّ وَعَصَبَةٌ فَصَالَحُوا الْعَصَبَةَ وَأَبَتْ الْأُمُّ إلَّا أَنْ تَقْتُلَ.
قَالَ: ذَلِكَ لَهَا.
فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَإِنَّهَا قَدْ مَاتَتْ؟
قَالَ: فَوَرَثَتُهَا عَلَى مَا كَانَ لَهَا مِنْ الْقَتْلِ، إنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا، فَكَذَلِكَ ابْنُ الْمُلَاعَنَةِ.

.مَا جَاءَ في تَقْسِيمِ الْيَمِينِ في الْقَسَامَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِالْقَتْلِ، أَتَكُونُ في هَذَا قَسَامَةٌ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: كَيْفَ يُقْسِمُ الْوَرَثَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ، أَوْ لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ ضَرْبِهِ حَيًّا.
قُلْت: وَلَا يَذْكُرُ مَالِكٌ في أَيْمَانِهِمْ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَا يَرَى مَالِكٌ في الْأَيْمَانِ كُلِّهَا إلَّا بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَلَا يَبْلُغُ بِالْحَلِفِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، لَا يُقَالُ لَهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ.
وَذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا الْمَدَنِيِّينَ يَحْلِفُونَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فَمَا يَزِيدُونَ عَلَى مَا أَخْبَرْتُكَ عَنْ مَالِكٍ، فَسَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ الَّذِي أَخْبَرْتُكَ عَنْهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقَسَامَةَ أَعَلَى أَلْبَتَّةَ يَحْلِفُونَ فيهَا - عِنْدَ مَالِكٍ - أَمْ عَلَى الْعِلْمِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: عَلَى الْبَتَّةِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ غَائِبًا يَوْمَ قُتِلَ هَذَا الْقَتِيلُ بِأَرْضِ إفْرِيقِيَّةَ فَأَتَى بَعْدَ ذَلِكَ، أَيُقْسِمُ عَلَى الْبَتَّةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ الْقَتِيلُ مَسْخُوطًا فَقَالَ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ - وَوَرَثَةُ الْمَقْتُولِ كُلُّهُمْ مَسْخُوطٌ - أَيَكُونُ لَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَقْتُلُوا إنْ كَانَ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً أَقْسَمُوا وَأَخَذُوا الدِّيَةَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ لَهُمْ.
قَالَ: وَهَذَا خِلَافُ الشَّهَادَةِ، لَا يُقْسِمُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا مَعَ الشَّاهِدِ الْعَدْلِ، وَلَا يُقْسِمُ مَعَ شَاهِدٍ مَسْخُوطٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْأَعْمَى، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُقْسِمَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ الدِّيَةِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الرِّجَالِ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا عَلَى الذُّرِّيَّةِ مِنْهُ شَيْءٌ عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَا شَيْءَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَلَا عَلَى النِّسَاءِ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الدِّيَةَ إذَا حَمَلَتْهَا الْعَاقِلَةُ، قَدْرُ كَمْ يُؤْخَذُ مِنْ الرَّجُلِ؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَحُدَّ لَنَا في هَذَا حَدًّا.
قَالَ: وَلَكِنَّ الْغَنِيَّ عَلَى قَدْرِهِ، وَمَنْ دُونَهُ عَلَى قَدْرِهِ، وَقَدْ كَانَ يُحْمَلُ عَلَى النَّاسِ في أُعْطِيَّاتِهِمْ مِنْ كُلِّ مِائَةِ دِرْهَمٍ دِرْهَمٌ وَنِصْفُ.