فصل: في الْقَضَاءِ في جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.في الْقَضَاءِ في جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَ إذَا جَنَى جِنَايَةً، أَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ كُلِّهَا أَمْ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ؟
قَالَ: يُقْضَى عَلَيْهِ بِجِنَايَتِهِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ إذَا جَنَى.
فيقَالُ لِسَيِّدِهِ: أَدِّ الْجِنَايَةَ كُلَّهَا أَوْ أَسْلِمْهُ، فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ، إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ جَمِيعَ الْجِنَايَةِ، وَإِلَّا عَجَزَ وَخُيِّرَ سَيِّدُهُ في أَنْ يَفْتَكَّهُ بِالْجِنَايَةِ أَوْ يُسْلِمَهُ بِهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَ إذَا جَنَى جِنَايَةً فَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا فَعَجَزَ بَعْدَمَا قَضَى عَلَيْهِ الْقَاضِي، أَيَكُونُ ذَلِكَ وَعَجْزُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَلَمْ أَسْمَعْ مَالِكًا يَذْكُرُ الْقَاضِيَ في شَيْءٍ مِنْ هَذَا، إنَّمَا قَالَ: يُقَالُ لِلْمُكَاتَبِ أَدِّ وَإِلَّا عَجَزْتَ، وَإِنَّمَا يَقْضِي الْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهُ أَدِّ وَإِلَّا عَجَزْتَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مُكَاتَبًا جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ؟
قَالَ: يُقَالُ لَهُ: أَدِّ الْجِنَايَةَ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فُسِخَتْ كِتَابَتُهُ.
قُلْت: وَالْأَجْنَبِيُّ وَسَيِّدُهُ في هَذَا سَوَاءٌ؟
قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ قِيلَ لَهُ أَدِّ الْجِنَايَةَ وَإِلَّا فَارْجِعْ رَقِيقًا.

.في الْمُكَاتَبِ يَجْنِي جِنَايَةً عَمْدًا فيصَالِحُهُ أَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ عَلَى مَالٍ فيعْجِزُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَالَ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَ إذَا جَنَى جِنَايَةً عَمْدًا، فَصَالَحَهُ أَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَعَجَزَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمِائَةَ، أَيُقَالُ لِلسَّيِّدِ ادْفَعْهُ أَمْ افْدِهِ بِالْجِنَايَةِ؟
قَالَ: إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ مَعْرُوفَةً، فَإِنَّهُ يُقَالُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ: ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ بِالْمِائَةِ.
إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمِائَةُ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةِ الْجُرْحِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الْمُكَاتَبِ إذَا جَنَى جِنَايَةً فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: أَدِّ الْجِنَايَةَ وَأَقِمْ عَلَى كِتَابَتِكَ، فَإِنْ هُوَ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فُسِخَتْ كِتَابَتُهُ ثُمَّ خُيِّرَ سَيِّدُهُ، فَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِعَقْلِ الْجِنَايَةِ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَنَا أَقْوَى عَلَى أَدَاءِ الْكِتَابَةِ وَلَا أَقْوَى عَلَى أَدَاءِ الْجِنَايَةِ، أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ لَا أَقْوَى عَلَى أَدَاءِ الْجِنَايَةِ، كَانَ عَاجِزًا مَكَانَهُ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ في قَوْلِ مَالِكٍ.
قَالَ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ: قَالَ رَبِيعَةُ: إنْ أَصَابَ الْمُكَاتَبُ جُرْحًا فَعَتَقَ، فَإِنَّمَا أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ رَقَّ فَإِنَّمَا أَدَّى مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ.
قَالَ يُونُسُ: وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: إذَا جَرَحَ هُوَ جُرْحَهُ فَإِنَّا نَرَى عَقْلَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ في مَالِهِ، وَإِنْ هُوَ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ مُحِيَتْ كِتَابَتُهُ وَخُيِّرَ سَيِّدُهُ، فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ عَقَلَ الْجُرْحَ الَّذِي جَرَحَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُسْلِمَهُ إلَى الْمَجْرُوحِ عَبْدًا لَهُ أَسْلَمَهُ.
قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ في الْمُكَاتَبِ إذَا جَرَحَ الرَّجُلَ جُرْحًا يَقَعُ عَلَيْهِ فيهِ الْعَقْلُ، أَنَّ الْمُكَاتَبَ إنْ قَوِيَ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ مَعَ كِتَابَتِهِ أَدَّاهُ، وَكَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ وَلَا يَنْجُمُ عَلَيْهِ كَمَا يَنْجُمُ عَلَى الْحُرِّ.
وَإِنْ هُوَ لَمْ يَقْوَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ عَجَزَ عَنْ كِتَابَتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ قَبْلَ كِتَابَتِهِ، وَكَذَلِكَ حُقُوقُ النَّاسِ أَيْضًا تُؤَدَّى قَبْلَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي خَرَاجًا وَالْكِتَابَةُ خَرَاجٌ وَعَلَيْهِ أَمْوَالُ النَّاسِ.
فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ أَدَاءِ عَقْلِ ذَلِكَ الْجُرْحِ خُيِّرَ سَيِّدُهُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُؤَدِّيَ عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ فَعَلَ وَأَمْسَكَ غُلَامَهُ وَصَارَ عَبْدًا مَمْلُوكًا، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدَهُ لِلْمَجْرُوحِ أَسْلَمَهُ وَلَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدَهُ.
قَالَ سَحْنُونٌ: عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ في الْعَبْدِ يُكَاتِبُهُ سَيِّدُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ فَكَانَ يَقُولُ: يُبْدَأُ بِدَيْنِ النَّاسِ فيؤَدَّى قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ نُجُومِهِ شَيْءٌ.
إنْ كَانَ دَيْنُهُ يَسِيرًا بُدِئَ بِقَضَائِهِ وَأُقِرَّ عَلَى كِتَابَتِهِ، وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ كَثِيرًا تُحْبَسْ نُجُومُهُ، وَمَا اُشْتُرِطَ مِنْ تَعْجِيلِ مَنْفَعَتِهِ فَسَيِّدُهُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَقَرَّهُ عَلَى كِتَابَتِهِ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ ثُمَّ يَسْتَقْبِلَ نُجُومَهُ، وَإِنْ شَاءَ مَحَا كِتَابَتَهُ.
يُونُسُ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَمَّا دَيْنُ الْمُكَاتَبِ فيكْسِرُ كِتَابَتَهُ وَيَنْزِلُ في دَيْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ في التِّجَارَةِ.
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو: عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: الْمُكَاتَبُ لَا يُحَاصُّ سَيِّدُهُ الْغُرَمَاءَ، يَبْدَأُ بِاَلَّذِي لَهُمْ قَبْلَ كِتَابَةِ سَيِّدِهِ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: كَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ: يُحَاصُّهُمْ بِنَجْمِهِ الَّذِي حَلَّ؟ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: أَخْطَأَ شُرَيْحٌ.
قَالَ: وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْدَأُ بِاَلَّذِي لِلدَّيَّانِ.
وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ يَقُولُونَ: مَضَتْ السُّنَّةُ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمَمْلُوكِ عَقْلٌ فَلَا يُؤَخَّرُ وَلَا يَنْجُمُ كَمَا يَنْجُمُ الْمُعَاقِلُ وَلَكِنَّهُ عَاجِلٌ.

.في الْمُكَاتَبِ يُقِرُّ بِقَتْلِ خَطَأٍ أَوْ عَمْدٍ فيصَالِحُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ مُكَاتَبًا أَقَرَّ بِقَتْلِ خَطَأٍ أَوْ عَمْدٍ، فَصَالَحَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ دَفَعَهُ مَنْ مَالِهِ إلَى الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِالْجِنَايَةِ، أَيَجُوزُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إعْطَاءُ مَالِهِ، إلَّا أَنَّ في الْعَمْدِ لَهُمْ إنْ كَانَتْ نَفْسُهُ أَنْ يَقْتَصُّوا، وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَقْتَصُّوا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ في مَالِ الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ وَلَا في رَقَبَتِهِ إنْ عَجَزَ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الْعَبْدِ يُقِرُّ بِأَنَّهُ قَدْ قَتَلَ عَمْدًا وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ.
قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَحَبُّوا أَنْ يَقْتُلُوهُ قَتَلُوهُ وَإِنْ اسْتَحْيَوْهُ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَبْدَ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ في الْمُكَاتَبِ.

.في الْمُكَاتَبِ يَقْتُلُ رَجُلًا خَطَأً أَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ عَلَيْهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَ إذَا قَتَلَ قَتِيلًا خَطَأً، أَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ عَلَيْهِ في قَوْلِ مَالِكٍ، الدِّيَةُ أَمْ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدِّيَةِ؟
قَالَ: عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً في قَوْلِ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ الْجِرَاحَاتُ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا جَرَحَ، وَلَا يُلْتَفَتُ فيهِ إلَى قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ.

.في الْمُكَاتَبِ يَقْتُلُ رَجُلًا عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فيعْفُو أَحَدُهُمَا وَيَتَمَاسَكُ الْآخَرُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ مُكَاتَبًا قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا لَهُ وَلِيَّانِ، فَعَفَا أَحَدُهُمَا عَنْ الْمُكَاتَبِ وَتَمَاسَكَ الْآخَرُ؟
قَالَ: يُقَالُ لِلْمُكَاتَبِ: أَدِّ إلَى هَذَا الْبَاقِي نِصْفَ الدِّيَةِ وَأَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَتَكَ.
قُلْت: فَإِنْ أَدَّى إلَى هَذَا نِصْفَ الدِّيَةِ، أَيَكُونُ لِلْآخَرِ الَّذِي عَفَا شَيْءٌ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّهُ إنَّمَا عَفَا لِلدِّيَةِ.
وَيَسْتَدِلُّ عَلَى مَا قَالَ بِأَمْرٍ يُعْرَفُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ.
قُلْت: فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ إلَى هَذَا الَّذِي لَمْ يَعْفُ عَنْهُ شَيْئًا وَعَجَزَ فَرَجَعَ رَقِيقًا؟
قَالَ: يُقَالُ لِلسَّيِّدِ: ادْفَعْ نِصْفَ الدِّيَةِ إلَى هَذَا الَّذِي لَمْ يَعْفُ أَوْ أَسْلِمْ إلَيْهِ نِصْفَ الْعَبْدِ.
قُلْت: فَإِنْ أَسْلَمَ إلَيْهِ نِصْفَ الْعَبْدِ أَوْ نِصْفَ الدِّيَةِ، أَيَكُونُ لِلْأَخِ الَّذِي عَفَا عَنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا أَرَى لَهُ شَيْئًا.
قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ.
قَالَ: لَا، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ في الْعَبْدِ يَجْرَحُ الرَّجُلَيْنِ جَمِيعًا عَمْدًا: إنَّ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَفْتَدِيَهُ بِدِيَةِ جُرْحِهِمَا، أَوْ يَفْتَدِيَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِدِيَةِ جُرْحِهِ وَيُسْلِمَ إلَى الْآخَرِ بِقَدْرِ مَا يُصِيبُهُ فيهِ مِنْ الْجِنَايَةِ فَكَذَلِكَ هَذَا.
أَشْهَبُ يَقُولُ: يُسْلِمُهُ كُلَّهُ أَوْ يَفْتَدِيهِ كُلَّهُ.

.في الْمُكَاتَبِ يَجْنِي جِنَايَةً فيؤَدِّي كِتَابَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ مُكَاتَبًا جَنَى فَأَدَّى كِتَابَتَهُ إلَى سَيِّدِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَخَرَجَ حُرًّا؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يُقَالَ لِلْمُكَاتَبِ: أَدِّ عَقْلَ الْجِنَايَةِ وَيَمْضِي عِتْقُكَ وَإِلَّا رُدَّ رَقِيقًا وَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ، فَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ.
وَمَا أَخَذَ مِنْ نُجُومِهِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ يَرُدُّهَا مَعَهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا إذَا أَسْلَمَهُ.

.في الْمُكَاتَبِ يَجْنِي جِنَايَةً ثُمَّ يَمُوتُ عَنْ مَالٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَ يَجْنِي جِنَايَةً ثُمَّ يَمُوتُ عَنْ مَالٍ، مَنْ أَوْلَى بِمَالِهِ؟ أَسَيِّدُهُ أَمْ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الْعَبْدِ يَجْنِي جِنَايَةً: إنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِصَاحِبِ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ السَّيِّدِ.
فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ عِنْدِي إلَّا أَنْ يَدْفَعَ السَّيِّدُ - سَيِّدُ الْعَبْدِ أَوْ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ - إلَى الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ دِيَةَ جِنَايَتِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَ يَمُوتُ عَنْ مَالٍ لَيْسَ فيهِ وَفَاءٌ بِكِتَابَتِهِ، وَعَلَى الْمُكَاتَبِ جِنَايَةٌ وَلَيْسَ في الْمَالِ وَفَاءً بِالْجِنَايَةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الْعَبْدِ يَجْنِي جِنَايَةً: إنَّ أَهْلَ الْجِنَايَةِ أَوْلَى بِمَالِهِ.
فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ عِنْدِي لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا، فَمَالُهُ لِأَهْلِ الْجِنَايَةِ دُونَ سَيِّدِهِ حَتَّى يَسْتَوْفُوا جِنَايَتَهُمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ، أَوْ عَلَى مُكَاتَبِهِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ الْكِتَابَةِ، أَيَضْرِبُ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ؟
قَالَ: نَعَمْ.

.في الْمُكَاتَبِ يَجْنِي جِنَايَةً وَلَهُ أُمُّ وَلَدٍ فيرِيدُ أَنْ يَدْفَعَهَا في جِنَايَتِهِ:

قُلْت: أَرَيْتَ الْمُكَاتَبَ يَجْنِي جِنَايَةً وَلَهُ أُمُّ وَلَدٍ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ أُمَّ وَلَدِهِ؟
قَالَ: إنْ خَافَ الْعَجْزَ فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الْمُكَاتَبِ إذَا خَافَ الْعَجْزَ، فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ أُمَّ وَلَدِهِ فَكَذَلِكَ هُوَ في الْجِنَايَةِ إذَا خَافَ الْعَجْزَ.

.في الْمُكَاتَبِ يَجْنِي جِنَايَةً وَلَهُ أَوْلَادٌ حَدَثُوا في كِتَابَتِهِ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَ إذَا حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ في الْكِتَابَةِ مِنْ أُمِّ وَلَدٍ لَهُ، فَجَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَتَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، أَيَكُونُ عَلَى الِابْنِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: أَمَّا الدَّيْنُ فَلَا يَلْزَمُ الِابْنَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَأَمَّا الْجِنَايَةُ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْأَبَ وَالِابْنَ لَا يُعْتَقَانِ إلَّا بِأَدَاءِ الْجِنَايَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ قِيلَ لَهُ: أَدِّ، فَإِنْ لَمْ يَقْوَ قِيلَ لِلِابْنِ: أَدِّ، فَإِنْ لَمْ يَقْوَ رَجَعَ رَقِيقًا ثُمَّ يُخَيَّرُ السَّيِّدُ في الَّذِي جَنَى وَحْدَهُ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَهُ أَوْ يَفْدِيَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ الْجَانِي، أَيَكُونُ عَلَى الِابْنِ الَّذِي مَعَهُ في الْكِتَابَةِ مِنْ جِنَايَتِهِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ فيهِ.
شَيْئًا وَلَا أَرَى عَلَيْهِ مِنْ جِنَايَةِ الْأَبِ شَيْئًا إذَا مَاتَ الْأَبُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ في رَقَبَتِهِ.
فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا فَقَدْ ذَهَبَتْ رَقَبَتُهُ فَلَا يَكُونُ عَلَى الِابْنِ شَيْءٌ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَالَ غَيْرُهُ: الْجِنَايَةُ وَالدَّيْنُ لَا يَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ إلَّا بَعْدَهُمَا، وَالدَّيْنُ يُرِقُّ الْعَبْدَ وَيُبْطِلُ كِتَابَتَهُ كَمَا تُبْطِلُهَا الْجِنَايَةُ.
فَإِذَا كَانَ عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَدَاءِ النُّجُومِ لِمَكَانِ الدَّيْنِ، صَارَ الدَّيْنُ كَالْجُرْحِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَدَاءِ النُّجُومِ لِمَكَانِ الْجُرْحِ قِيلَ لِلْمُكَاتَبِ وَلِلِابْنِ: لَا سَبِيلَ لَكُمَا إلَّا بِحَمَالَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا بِصَاحِبِهِ إلَى أَدَاءِ غَلَّتِهِ، وَالدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ قِبَلَكُمَا، فَإِنْ قَوَيْتُمَا عَلَى أَدَاءِ هَذَا الدَّيْنِ وَالْجِنَايَةِ فَالْكِتَابَةُ قَائِمَةٌ، وَإِلَّا فُسِخَتْ الْكِتَابَةُ وَخُيِّرَ في الْجَانِي وَحْدَهُ في إسْلَامِهِ أَوْ افْتِكَاكِهِ بِالْجِنَايَةِ وَفي الدَّيْنِ يَصِيرَانِ رَقِيقَيْنِ، وَالدَّيْنُ في ذِمَّةِ الَّذِي كَانَ في ذِمَّتِهِ وَحْدَهُ.
وَإِنْ أَدَّيَا الدَّيْنَ جَمِيعًا أَوْ الْجِنَايَةَ جَمِيعًا أَوْ أَدَّاهُمَا الِابْنُ الَّذِي لَمْ يَجْنِ وَلَمْ يُدَايَنْ، ثُمَّ أَدَّيَا الْكِتَابَةَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَبِيهِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ دَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْتَقَ الْأَبَ بِمَا أَدَّى عَنْهُ فَصَارَ ذَلِكَ كَالْكِتَابَةِ الَّتِي أَدَّاهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا كَانَ بِأَدَائِهِمَا، وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّيَا رَقَّا.
وَكَذَلِكَ كُلَّمَا أَرَقَّهُمَا مِنْ دَيْنٍ أَوْ جِنَايَةٍ كَمَا تُرِقُّهُمَا الْكِتَابَةُ، فَإِذَا أَدَّيَا الدَّيْنَ وَالْجِنَايَةَ كَانَ كَأَدَاءِ الْكِتَابَةِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: فَخُذْ هَذَا الْأَصْلَ عَلَى هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

.في الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَيَتْرُكُ عَبْدًا فيجْنِي الْعَبْدُ جِنَايَةً:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ مُكَاتَبًا مَاتَ وَتَرَكَ عَبْدًا وَعَلَى الْمُكَاتَبِ دَيْنٌ حِينَ مَاتَ فَجَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ أَوْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ.
مَنْ أَوْلَى بِهَذَا الْعَبْدِ، الْغُرَمَاءُ أَمْ أَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ الَّذِينَ جَنَى عَلَيْهِمْ هَذَا الْعَبْدُ؟
قَالَ: أَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ أَوْلَى بِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا حُرًّا جَنَى عَبْدُهُ جِنَايَةً - وَعَلَى الْحُرِّ دَيْنٌ - أَنَّ الْجِنَايَةَ أَوْلَى بِالْعَبْدِ مِنْ دَيْنِ السَّيِّدِ إلَّا أَنْ يَفْتَكَّهُ أَهْلُ الدَّيْنِ بِدِيَةِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ إنَّمَا لَزِمَتْ رَقَبَةَ الْعَبْدِ، وَدَيْنُ السَّيِّدِ إنَّمَا هُوَ في ذِمَّةِ السَّيِّدِ؟ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ أَوْلَى بِالْعَبْدِ مِنْ غُرَمَاءِ السَّيِّدِ، وَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَفْتَكُّوهُ لِأَنَّهُ مَالٌ لِلسَّيِّدِ، وَقَدْ كَانَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَفْتَكَّهُ، فَكَذَلِكَ غُرَمَاؤُهُ ذَلِكَ لَهُمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ سَيِّدُ الْعَبْدِ هُوَ الَّذِي جَنَى، وَجِنَايَتُهُ مِمَّا لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَ ثَمَنِ هَذَا الْعَبْدِ؟
قَالَ: يَضْرِبُ في ثَمَنِ هَذَا الْعَبْدِ الْغُرَمَاءُ وَأَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ بِالْحِصَصِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ في ذِمَّةِ السَّيِّدِ وَالدَّيْنَ في ذِمَّةِ السَّيِّدِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.

.في الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي كَاتَبْتُ عَبْدِي فَحَدَثَ لَهُ أَوْلَادٌ في كِتَابَتِهِ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ ثُمَّ قَتَلْتُهُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا؟
قَالَ: يُقَاصُّ الْوَلَدُ السَّيِّدَ بِقِيمَةِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ في آخِرِ نُجُومِهِمْ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ في قِيمَةِ رَقَبَتِهِ وَفَاءٌ بِالْكِتَابَةِ وَفَضْلٌ؟
قَالَ: يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الْفَضْلَ مِنْ السَّيِّدِ، فيكُونُ مِيرَاثًا بَيْنَ وَلَدِهِ الَّذِينَ كَانُوا في الْكِتَابَةِ - كَانُوا مِمَّنْ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ أَوْ مِمَّنْ حَدَثُوا مَعَهُ في الْكِتَابَةِ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في السَّيِّدِ إذَا شَجَّ مُكَاتَبَهُ مُوضِحَةً، أَنَّهُ يُقَاصُّهُ بِهَا الْمُكَاتَبُ في آخِرِ نُجُومِهِ، وَقَالَ في الْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ فَأَخَذَ السَّيِّدُ قِيمَتَهُ: أَنَّ وَلَدَهُ يُقَاصُّونَهُ بِذَلِكَ في آخِرِ كِتَابَتِهِمْ، فَإِنْ كَانَ في قِيمَتِهِ فَضْلٌ كَانَ لَهُمْ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ سَعَوْا في بَقِيَّةِ ذَلِكَ وَعَتَقُوا، فَسَيِّدُهُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ.
قَالَ: وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى السَّيِّدِ في مُوضِحَةِ الْمُكَاتَبِ - في قَوْلِ مَالِكٍ - نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ مُكَاتَبًا عَلَى حَالِهِ في أَدَائِهِ وَقُوَّتِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَةَ تَلِدُ وَلَدًا في كِتَابَتِهَا فَقَتَلَهُ السَّيِّدُ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في مُكَاتَبٍ كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ فَشَجَّهُ مُوضِحَةً.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يُقَاصَّ لَهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ بِنِصْفِ عُشْرِ قِيمَتِهِ.
فَمَسْأَلَتُكَ مِثْلُ هَذَا، أَنَّ السَّيِّدَ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْوَلَدِ، فَإِنْ كَانَ فيهِ وَفَاءٌ بِالْكِتَابَةِ كَانَ قِصَاصًا، وَإِنْ كَانَ فيهِ فَضْلٌ عَنْ الْكِتَابَةِ أَخَذَتْ الْأُمُّ مِنْ فَضْلِ الْقِيمَةِ قَدْرَ مُوَرَّثِهَا مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا قَتَلَ الْمُكَاتَبَ قُوِّمَ عَلَى هَيْئَتِهِ في حَالِهِ وَمُلَائِهِ وَالْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ وَضَعَ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَضَعَ في الثُّلُثِ الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، قُوِّمَ عَلَى حَالِهِ وَهَيْئَتِهِ وَمِلَائِهِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهَا في حُسْنِ أَدَائِهِ، وَقِلَّةِ ذَلِكَ وَكَثْرَتِهِ أَوْ الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ مَا عَلَيْهِ، فَأَيُّهُمَا كَانَ أَقَلَّ وُضِعَ في ثُلُثِ الْمَيِّتِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ قَتَلْتُ عَبْدِي أَوْ مُكَاتَبًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، أَيَلْزَمُنِي شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ الدَّيْنُ في ذِمَّتِهِمْ، فَلَمَّا قُتِلَ لَمْ يَلْزَمْ الْقَاتِلَ شَيْءٌ لِأَنَّ الذِّمَّةَ قَدْ ذَهَبَتْ.
قُلْت: وَالْعَبْدُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ فَأَخَذَ السَّيِّدُ قِيمَتَهُ، أَيَكُونُ الدَّيْنُ في هَذِهِ الْقِيمَةِ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ - غُرَمَاءِ الْعَبْدِ - مِنْ جِرَاحِهِ شَيْءٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُمْ ثَمَنُ رَقَبَتِهِ.
لَوْ جَعَلْتُ لَهُمْ في مَسْأَلَتِكَ قِيمَةَ رَقَبَتِهِ الَّتِي أَخَذَهَا السَّيِّدُ مِنْ الْقَاتِلِ لَجَعَلْتُ لَهُمْ الثَّمَنَ إذَا بَاعَهُ السَّيِّدُ.
قُلْت: فَإِنْ قُتِلَ الْمُكَاتَبُ وَقَدْ أَدَّى جَمِيعَ كِتَابَتِهِ إلَّا دِينَارًا وَاحِدًا أَوْ أَدْنَى، كَيْفَ يُقَوَّمُ؟
قَالَ: يُقَالُ: هَذَا مُكَاتَبٌ كَانَتْ قُوَّتُهُ عَلَى أَدَاءِ كِتَابَتِهِ كَذَا وَكَذَا فَمَا يُسَوِّي عَبْدًا مُكَاتَبًا قُوَّتُهُ عَلَى الْأَدَاءِ كَذَا وَكَذَا، وَيَلْزَمُ قَاتِلَهُ تِلْكَ الْقِيمَةُ.
قَالَ: وَلَا يُنْظَرُ في هَذَا إلَى مَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ مِنْ الْكِتَابَةِ وَلَا إلَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا.
قَالَ: وَلَوْ أَنَّ مُكَاتَبًا أَدَّى جَمِيعَ كِتَابَتِهِ إلَّا دِرْهَمًا وَاحِدًا، وَآخَرَ لَمْ يُؤَدِّ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا، قَتَلَهُمَا رَجُلٌ وَكَانَتْ قُوَّتُهُمَا عَلَى الْأَدَاءِ سَوَاءٌ وَقِيمَةُ رِقَابِهِمَا سَوَاءٌ، إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ أَدَّى جَمِيعَ الْكِتَابَةِ إلَّا دِينَارًا وَاحِدًا، وَالْآخَرَ لَمْ يُؤَدِّ مَنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا قَالَ: لَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا أَدَّى مِنْ الْكِتَابَةِ الَّتِي أَدَّى وَقِيمَتُهَا لِلسَّيِّدِ عَلَى قَاتِلِهِمَا سَوَاءٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ رِقَابِهِمَا وَكَانَتْ قُوَّتُهُمَا عَلَى الْأَدَاءِ سَوَاءً، فَقَتَلَهُمَا رَجُلٌ وَلَمْ يُؤَدِّيَا شَيْئًا بَعْدُ؟
قَالَ: هَذَانِ مُخْتَلِفَا الْقِيمَةِ، فَإِنَّمَا يُقَوَّمُ عَلَى قَدْرِ قُوَّتِهِ عَلَى الْأَدَاءِ مَعَ قِيمَةِ رَقَبَتِهِ، يُقَالُ: مَا يُسَوِّي هَذَا الْمُكَاتَبُ قِيمَةَ رَقَبَتِهِ كَذَا وَكَذَا، وَقُوَّتُهُ عَلَى أَدَاءِ كِتَابَتِهِ كَذَا وَكَذَا، فَعَلَى هَذَا يُقَوَّمُ الْمُكَاتَبُ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ في الَّذِي يَتْرُكُ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ لِعَبْدِهِ فَقُلْت: يَعْتِقُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الْكِتَابَةِ في ثُلُثِ الْمَيِّتِ.
قَالَ: نَعَمْ، إنَّمَا تُقَوَّمُ الْكِتَابَةُ بِالنَّقْدِ.
وَقِيمَةُ رَقَبَتِهِ عَلَى قَدْرِ قُوَّتِهِ عَلَى أَدَاءِ الْكِتَابَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا وَصَفْتُ لَكَ في الْمُكَاتَبِ إذَا قَتَلَهُ رَجُلٌ يَعْتِقُ بِالْأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَ لِي مَالِكٌ في قِيمَتِهِ إذَا قُتِلَ وَفي كِتَابَتِهِ كَيْفَ يُقَوَّمُ في الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا كَمَا فَسَّرْتُ لَكَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا تُقَوَّمُ الْكِتَابَةُ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ رَقَبَتِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ فيجْعَلُ في الثُّلُثِ لَيْسَ قِيمَةَ الْكِتَابَةِ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى عَدَدِ مَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ إنْ كَانَ هُوَ الْأَقَلَّ فيجْعَلُ في الثُّلُثِ لَيْسَ قِيمَةَ الْكِتَابَةِ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى عَدَدِ مَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ إنْ كَانَ هُوَ الْأَقَلَّ فيجْعَلُ في الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّقَبَةِ أَقَلَّ جُعِلَتْ في الثُّلُثِ.

.في الْأَبَوَيْنِ يُكَاتَبَانِ فيولَدُ لَهُمَا وَلَدٌ فَاكْتَسَبَ الْوَلَدُ مَالًا وَجَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ وَأَمَتَهُ - وَهُمَا زَوْجَانِ - كِتَابَةً وَاحِدَةً فَحَدَثَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، فَاكْتَسَبَ الْوَلَدُ مَالًا وَجُنِيَ عَلَى الْوَلَدِ جِنَايَاتٌ؟
قَالَ: أَمَّا الْجِنَايَاتُ فَذَلِكَ لِلسَّيِّدِ - عِنْدَ مَالِكٍ - يُحْسَبُ لَهُمْ ذَلِكَ في آخِرِ كِتَابَتِهِمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ في الْجِنَايَةِ وَفَاءُ كِتَابَتِهِ، فيكُونُ ذَلِكَ لِلسَّيِّدِ وَيَعْتِقُ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مَكَانَهُمْ.
فَإِنْ كَانَ في الْجِنَايَةِ فَضْلٌ فَهُوَ لِلِابْنِ وَلَا يَرْجِعُ الْوَلَدُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ بِمَا أَخَذَ السَّيِّدُ مِنْ جِنَايَتِهِ في كِتَابَةِ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَا أَدَّوْا.
وَأَمَّا الَّذِي اكْتَسَبَ الِابْنُ فَهُوَ لِلِابْنِ وَلَيْسَ لِلْأَبَوَيْنِ أَنْ يَأْخُذَا مِنْهُ مَالَهُ، عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى مَعَهُمْ وَيُؤَدِّيَ الْكِتَابَةَ عَلَى قَدْرِ قُوَّتِهِ وَأَدَاءِ مِثْلِهِ، فَإِذَا كَانَ لِلِابْنِ مَالٌ وَخَافَ الْأَبَوَانِ الْعَجْزَ كَانَ لَهُمَا أَنْ يُؤَدِّيَا الْكِتَابَةَ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لِلْأَبَوَيْنِ مَالٌ فَقَالَا: لَا نُؤَدِّي، وَخَافَ الْوَلَدُ الْعَجْزَ، فَإِنَّ الْكِتَابَةَ تُؤَدَّى مِنْ مَالِ الْأَبَوَيْنِ وَلَا يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِشَيْءٍ مِمَّا أَدَّى عَنْ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ، فَالْأَبَوَانِ إذَا كَانَ لَهُمَا مَالٌ ظَاهِرٌ فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يُعْجِزَا أَنْفُسَهُمَا وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ.
قُلْت: فَإِنْ عَدَا السَّيِّدُ عَلَى الْوَلَدِ فَقَتَلَهُ وَفي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَنْ كِتَابَةِ هَؤُلَاءِ؟
قَالَ: يَعْتِقُ الْأَبَوَانِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِمَا مِنْ الْكِتَابَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْوَلَدِ تَكُونُ قِصَاصًا بِالْكِتَابَةِ وَيَرْجِعُ الْأَبَوَانِ الْمُكَاتَبَانِ عَلَى السَّيِّدِ بِالْفَضْلِ فيكُونُ لَهُمَا.
قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فيمَنْ قَتَلَ وَلَدَ الْمُكَاتَبِ أَوْ الْمُكَاتَبَ نَفْسَهُ، فَإِنَّ السَّيِّدَ يَأْخُذُ مِنْ ذَلِكَ كِتَابَتَهُ.
فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ كَانَ لِأَبَوَيْهِ اللَّذَيْنِ مَعَهُ في الْكِتَابَةِ، فَإِنْ كَانَ قَتَلَ الْأَبَوَيْنِ، فَإِنَّ السَّيِّدَ يَأْخُذُ مِنْ ذَلِكَ كِتَابَتَهُ، وَمَا بَقِيَ عَنْ كِتَابَتِهِمْ فَلِلْوَلَدِ.
وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ إذَا قَتَلَهُمْ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ إذَا قَتَلَهُمْ، وَقِيمَتُهُمْ قَدْ صَارَتْ هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ أَمْوَالِهِمْ.
وَقَدْ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في مُكَاتَبٍ جَرَحَهُ سَيِّدُهُ: إنَّ جُرْحَهُ عَلَى سَيِّدِهِ يَحْسُبُهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ في ابْنِ الْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ: إنَّ عَقْلَهُ لِلسَّيِّدِ، إنْ كَانَ فيهِ وَفَاءٌ بِجَمِيعِ كِتَابَتِهِمْ وَيَعْتِقُونَ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ لَيْسَ فيهَا وَفَاءٌ بِجَمِيعِ كِتَابَتِهِمْ أَخَذَهُ السَّيِّدُ وَحَسَبَ ذَلِكَ لَهُمْ في آخِرِ كِتَابَتِهِمْ، وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمُكَاتَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فيهَا وَفَاءٌ بِجَمِيعِ كِتَابَتِهِمْ، أَخَذَ ذَلِكَ السَّيِّدُ وَحَسَبَ ذَلِكَ لَهُمْ في آخِرِ كِتَابَتِهِمْ، فَإِنْ كَانَ فيهَا وَفَاءٌ أَخَذَهُ أَيْضًا وَحَسَبَ لَهُمْ أَيْضًا ذَلِكَ في آخِرِ كِتَابَتِهِمْ.
وَالْمَالُ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ أَخَذَهُ السَّيِّدُ إنْ كَانَ فيهِ وَفَاءٌ بِكِتَابَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فيهِ وَفَاءٌ بِكِتَابَتِهِمْ تُرِكَ في أَيْدِيهِمْ إنْ كَانُوا مَأْمُونِينَ.
وَهَذَا في الْوَلَدِ - في قَوْلِ مَالِكٍ - وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ وَلَدٍ، فَهَذَا الْمَالُ في الْمَوْتِ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ يَأْخُذُ السَّيِّدُ مَا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ وَيَحْسُبُ ذَلِكَ لَهُمْ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِمْ، فَإِذَا عَتَقُوا أَتْبَعَهُمْ السَّيِّدُ بِمَا يَصِيرُ لَهُ عَلَيْهِمْ مِمَّا حَسَبَ لَهُمْ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا إخْوَةً فَلَا يَتْبَعَهُمْ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ كَانَ رَبِيعَةُ يَقُولُ: ذَكَرَهُ يُونُسُ عَنْهُ إذَا كَاتَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ ثُمَّ تُوُفي، وَكَانَ فيمَنْ كَاتَبَ قُوَّةٌ عَلَى الِاسْتِسْعَاءِ - سَعَوْا وَسَعَى الْكَبِيرُ عَلَى الصَّغِيرِ - وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا مَعَهُ في الْكِتَابَةِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْجِزُوا حَتَّى لَا يُرْجَى عِنْدَهُمْ سَعْيٌ.
وَإِنْ مَاتَ أَبُوهُمْ وَتَرَكَ مَالًا لَيْسَ فيهِ وَفَاءٌ فَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ مَعُونَةُ مَالِهِ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَصْلُهُ إنْ قَتَلُوا أَوْ أَجْرَمُوا جَرِيمَةً، فَالْمَالُ يُدْفَعُ إلَى سَيِّدِهِ فيقَاصُّونَ بِهِ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِمْ وَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ أَصْلُهُ لَهُمْ وَهُوَ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ التَّلَفُ إذَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ، وَإِنْ صِغَارًا لَا يَقْوُونَ فَهُمْ أَرِقَّاءُ وَلِسَيِّدِهِمْ ذَلِكَ الْمَالُ.
ابْنُ وَهْبٍ: وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: إذَا كَانُوا صِغَارًا لَا يَسْتَطِيعُونَ السَّعْيَ لَمْ يُنْتَظَرْ بِهِمْ أَنْ يَكْبَرُوا وَكَانُوا رَقِيقًا لِسَيِّدِهِمْ.
قَالَ مَالِكٌ: إلَّا أَنْ يَكُونَ فيمَا تَرَكَ أَبُوهُمْ مَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ نُجُومَهُمْ إلَى أَنْ يَبْلُغُوا وَيَقْوَوْا عَلَى السَّعْيِ فيفْعَلُ ذَلِكَ بِهِمْ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ صِغَارًا وَكَانَتْ مَعَهُمْ أُمُّ وَلَدٍ لِأَبِيهِمْ فَأَرَادَتْ السَّعْيَ، فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهَا مَالَ الْمَيِّتِ إذَا لَمْ يَكُنْ فيهِ وَفَاءٌ إذَا كَانَ يَرَى أَنَّهَا مَأْمُونَةٌ عَلَى ذَلِكَ قَوِيَّةٌ عَلَى السَّعْيِ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ أُخِذَ الْمَالُ مِنْهُمْ لَمْ يَقْوَوْا عَلَى السَّعْيِ وَالْأَدَاءِ وَعَجَزُوا وَصَارُوا عَبِيدًا، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِمْ لَهُمْ مَا لَهُ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ وَلَدُهُ يَحْتَمِلُونَ السَّعْيَ وَلَيْسَ مَعَهُمْ أُمُّ وَلَدٍ؛ أُعْطُوا الْمَالَ يُقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى السَّعْيِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَأْمُونَةً وَلَا قَوِيَّةً عَلَى ذَلِكَ رَجَعَتْ هِيَ وَوَلَدُ الْمُكَاتَبِ رَقِيقًا لِلسَّيِّدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فيمَا تَرَكَ الْمُكَاتَبُ أَوْ في ثَمَنِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا بِيعَتْ مَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ، فَإِنَّهَا تُبَاعُ وَيَعْتِقُونَ، وَيَكُونُ فيمَا تَرَكَ وَفي ثَمَنِهَا إذَا بِيعَتْ مَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ إلَى أَنْ يَبْلُغُوا السَّعْيَ.
ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ بُكَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: إذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَبَنِيهِ فَمَاتَ وَعَلَيْهِ كِتَابَةٌ، فَإِنْ آنَسَ مِنْهُمْ رُشْدًا دَفَعَ إلَى بَنِيهِ مَالَهُ وَاسْتَسْعَوْا فيمَا بَقِيَ، وَإِنْ لَمْ يُؤْنَسُ مِنْهُمْ رُشْدٌ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِمْ مَالَ أَبِيهِمْ.
مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَاسْتُفْتِيَ في مُكَاتَبٍ تُوُفي وَعَلَيْهِ فَضْلٌ مِنْ كِتَابَتِهِ وَتَرَكَ مَالًا وَتَرَكَ بَنِينَ لَهُ أَيَأْخُذُونَ مَالَهُ إنْ شَاءُوا يَقْضُونَ كِتَابَتَهُ وَيَكُونُونَ عَلَى نُجُومِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ إنْ اسْتَقَلُّوا بِذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُمْ إنْ شَاءُوا.
وَقَالَ ذَلِكَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: إنْ كَانُوا صَالِحِينَ دُفِعَ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا أُنَاسَ سَوْءٍ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِمْ.
ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ وَسَالِمًا عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَقَالَا: إنْ تَرَكَ مَالًا قَضَوْا عَنْهُ وَهُمْ أَحْرَارٌ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا وَقَدْ آنَسَ مِنْهُمْ الرُّشْدَ سَعَوْا في كِتَابَةِ أَبِيهِمْ، بَلَغُوا مِنْ ذَلِكَ مَا بَلَغُوا.
وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا لَمْ يَسْتَأْنِ بِاَلَّذِي لِلرَّجُلِ كَبَرَهُمْ يَخْشَى أَنْ يَمُوتُوا قَبْلَ ذَلِكَ فَهُمْ لَهُ عَبِيدٌ.
قَالَ يُونُسُ: وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: إنْ كَانَ وَلَدُهُ كُلُّهُمْ صِغَارًا لَا قُوَّةَ لَهُمْ عَلَى الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَتْرُكْ أَبُوهُمْ مَالًا، فَإِنَّهُمْ يَرِقُّونَ، وَإِنْ تَرَكَ أَبُوهُمْ مَالًا لَيْسَ فيهِ وَفَاءٌ أَدَّوْا نُجُومَهُمْ عَامًا بِعَامٍ.
ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فيهِ عِنْدَنَا، أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا أُصِيبَ بِجُرْحٍ لَهُ فيهِ عَقْلٌ، أَوْ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِهِ الَّذِينَ مَعَهُ في كِتَابَتِهِ، فَإِنَّ عَقْلَهُمْ عَقْلُ الْعَبِيدِ في قِيمَتِهِمْ.
وَإِنَّ مَا وَجَبَ لَهُمْ في عَقْلِهِمْ يُدْفَعُ إلَى سَيِّدِهِمْ الَّذِي لَهُ الْكِتَابَةُ، وَيُحْسَبُ لِلْمُكَاتَبِ في آخِرِ كِتَابَتِهِ وَيُوضَعُ عَنْهُ مَا أَخَذَهُ سَيِّدُهُ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ.
وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُدْفَعَ إلَى الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ فيأْكُلُهُ أَوْ يَسْتَهْلِكُهُ، فَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ إلَى سَيِّدِهِ أَعْوَرَ وَمَقْطُوعَ الْيَدِ أَوْ مَغْصُوبَ الْجَسَدِ، وَإِنَّمَا كَاتَبَهُ عَلَى كَسْبِهِ وَمَالِهِ وَلَمْ يُكَاتِبْهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ وَلَدِهِ وَلَا مَا أُصِيبَ مِنْ جَسَدِهِ فيسْتَهْلِكُهُ.
يُونُسُ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ في الْمُكَاتَبِ لَهُ عَقْلُ جِرَاحٍ: إنْ أَصَابَتْهُ فَإِنْ جُرِحَ الْمُكَاتَبُ فَالْعَقْلُ فيهِ يَأْخُذُهُ سَيِّدُهُ، فَإِذَا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ مِثْلُ ذَلِكَ الْعَقْلِ قَاصَّ بِهِ سَيِّدَهُ وَعَتَقَ، وَإِنْ عَجَزَ كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ لِسَيِّدِهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ جُرْحَ الْعَبْدِ لَيْسَ مِنْ مَالِهِ إنَّمَا هُوَ لِسَيِّدِهِ.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَرَبِيعَةُ: إنْ أُصِيبَ الْمُكَاتَبُ بِجُرْحٍ لَهُ عَقْلٌ فَعَقْلُ ذَلِكَ الْجُرْحِ لِسَيِّدِهِ يَقْبِضُهُ وَيُقَاصُّهُ بِهِ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ.
قَالَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ وَكُلُّهَا لِابْنِ وَهْبٍ.

.في جِنَايَةِ عَبِيدِ الْمُكَاتَبِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ عَبِيدَ الْمُكَاتَبِ إذَا جَنَوْا، أَيَكُونُ الْمُكَاتَبُ فيهِمْ مُخَيَّرًا بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ يَفْتَكُّهُمْ بِعَقْلِ الْجُرْحِ أَوْ يَدْفَعُهُمْ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ رَأْيِي إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ.

.في جِنَايَةِ عَبْدِ الْمُكَاتَبِ عَلَى الْمُكَاتَبِ فيرِيدُ وَلَدُهُ الْقِصَاصَ وَيَأْبَى سَيِّدُهُ أَوْ يُرِيدُ سَيِّدُهُ وَيَأْبَى الْوَلَدُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَ إذَا قَتَلَهُ عَبْدُهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الْعَبْدَيْنِ يَكُونَانِ لِلرَّجُلِ فيقْتُلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ يَجْرَحُهُ: إنَّ السَّيِّدَ يَقْتَصُّ مِنْ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَيْنِ جَمِيعًا عَبْدَانِ لَهُ، فَأَرَى هَذَا مِثْلَهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمُكَاتَبِ أَوْلَادٌ مَعَهُ في الْكِتَابَةِ، فَإِنِّي أَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَقْتَصَّ إذَا أَبَى الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ قَدْ صَارَ لَهُمْ يَسْتَعِينُونَ بِهِ في كِتَابَتِهِمْ.
قَالَ: وَلَا أَرَى لِلْأَوْلَادِ أَنْ يَقْتَصُّوا أَيْضًا إذَا أَبَى السَّيِّدُ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ يَقُولُ: لَا تُتْلِفُوا عَلَيَّ الْمَالَ فَتَرْجِعُوا إلَيَّ وَقَدْ أَتْلَفْتُمْ الْمَالَ وَهَذَا رَأْيِي؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُتْلِفُوا الْمَالَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَرْجِعُوا إلَى السَّيِّدِ عَبِيدًا وَقَدْ أَتْلَفُوا الْمَالَ، فَإِذَا اجْتَمَعَ السَّيِّدُ وَأَوْلَادُ الْمُكَاتَبِ عَلَى الْقَتْلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُمْ مِثْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ في الْعَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا إنْ كَانَ الْعَبْدُ لِلسَّيِّدِ جَازَ لَهُ الْقَتْلُ، وَإِنْ كَانَ لِلْوَلَدِ جَازَ لَهُمْ الْقَتْلُ، وَإِنْ أَبَى السَّيِّدُ الْقَتْلَ وَأَرَادَ الْوَلَدُ الْقَتْلَ ثُمَّ عَتَقُوا فَأَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُوا بَعْدَ الْعِتْقِ كَانَ ذَلِكَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ هُوَ الَّذِي أَرَادَ الْقَتْلَ وَأَبَى ذَلِكَ الْأَوْلَادُ ثُمَّ عَجَزُوا كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَبَى السَّيِّدُ أَنْ يَقْتُلَ وَأَرَادَ الْوَلَدُ الْقَتْلَ ثُمَّ عَجَزُوا لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ هَاهُنَا قَوْلٌ وَلَا يَقْتُلُهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ كَانَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، فَلَمَّا تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى قَتْلِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكُوا الْقَتْلَ وَأَرَادَ السَّيِّدُ الْقَتْلَ ثُمَّ أَدَّوْا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الْقَتْلُ.
وَلَيْسَ لِمَنْ تَرَكَ مِنْهُمْ الْقَتْلَ ثُمَّ رَجَعَ الْعَبْدُ إلَيْهِمْ يَوْمًا مَا أَنْ يَقْتُلُوا - لَا السَّيِّدُ وَلَا الْوَلَدُ - وَمَنْ لَمْ يَتْرُكْ الْقَتْلَ مِنْهُمْ إذَا رَجَعَ الْعَبْدُ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ في الْمُكَاتَبِ يَجْنِي جِنَايَةً عَمْدًا فيعْفُوا أَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ عَنْهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُكَاتَبُ لَهُمْ رَقِيقًا.
قَالَ: يُقَالُ لِلْمُكَاتَبِ إذَا عَفَوْا عَنْهُ: ادْفَعْ إلَيْهِمْ الدِّيَةَ.
فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ قِيلَ لِسَيِّدِهِ: ادْفَعْ إلَيْهِمْ الدِّيَةَ أَوْ أَسْلِمْ إلَيْهِمْ الْعَبْدَ.
وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ أَيْضًا في الْعَبْدِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا فيعْفُوا عَنْهُ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْعَبْدُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُقَالُ لِلسَّيِّدِ: افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ أَوْ أَسْلِمْهُ؛ لِأَنَّهُمْ حِينَ عَفَوْا عَنْ الْعَبْدِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ صَارَتْ الْجِنَايَةُ مَالًا وَهُوَ في رَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَالْعَبْدُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ، فيقَالُ لِلسَّيِّدِ: ادْفَعْهُ بِمَا صَارَ في رَقَبَتِهِ أَوْ افْدِهِ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ.
قَالَ: وَمَا وَجَبَ في رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ مِنْ دِيَةِ جِنَايَتِهِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: أَدِّهَا حَالَّةً وَأَقِمْ عَلَى كِتَابَتِكَ.
فَإِنْ أَبَى وَعَجَزَ كَانَ رَقِيقًا لِلسَّيِّدِ، ثُمَّ خُيِّرَ السَّيِّدُ بَيْنَ افْتِكَاكِهِ بِدِيَةِ الْجُرْحِ وَبَيْنَ إسْلَامِهِ إلَى أَهْلِ الْجِنَايَةِ.