فصل: (فِي الْمُكَاتَبِ يُولَدُ لَهُ فِي كِتَابَتِهِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.الْعَبْدُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يُكَاتِبُهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ:

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُكَاتِبَهُ دُونَ شَرِيكِهِ أَذِنَ لَهُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، فَإِنْ فَعَلَ فُسِخَتْ الْكِتَابَةُ وَكَانَ مَا أَخَذَ هَذَا مِنْهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ نِصْفَيْنِ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ثُمَّ كَاتَبَ شَرِيكُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ أَيْضًا لَمْ يَعْلَمْ أَحَدُهُمَا بِكِتَابَةِ صَاحِبِهِ.
قَالَ: أَرَاهُ غَيْرَ جَائِزٍ إذَا لَمْ يَكُنْ يُكَاتِبَاهُ جَمِيعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَاتَبَهُ بِخِلَافِ كِتَابَةِ الْآخَرِ فَصَارَ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ إذَا حَلَّ دُونَ صَاحِبِهِ، فَلَيْسَ هَذَا وَجْهَ الْكِتَابَةِ وَلَوْ كَانَ هَذَا جَائِزًا لَأَخَذَ أَحَدُهُمَا مَالَهُ دُونَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا فِي أَصْلِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَشْتَرِكَا بِالْكِتَابَةِ وَلَوْ كَانَ هَذَا جَائِزًا لَجَازَ إذَا كَاتَبَاهُ جَمِيعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا مَالَهُ دُونَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، فَأَرَى الْكِتَابَةَ مَفْسُوخَةً هَهُنَا كَانَ مَا كَاتَبَاهُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ مُخْتَلِفًا، وَيَبْتَدِئَانِ الْكِتَابَةَ جَمِيعًا إنْ أَحَبَّا.
قال سَحْنُونٌ: وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الرُّوَاةِ: إذَا كَاتَبَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ وَكَانَ الَّذِي كَاتَبَاهُ عَلَيْهِ مُخْتَلِفًا وَأَجَلُهُمَا مُخْتَلِفٌ، مِثْلُ أَنْ يُكَاتِبَهُ أَحَدُهُمَا بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى سَنَتَيْنِ، وَيُكَاتِبَهُ الْآخَرُ بِمِائَتَيْنِ إلَى سَنَةٍ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلَّذِي كَاتَبَهُ بِمِائَتَيْنِ إلَى سَنَةٍ: أَتَرْضَى أَنْ تَحُطَّ عَنْهُ الْمِائَةَ الْوَاحِدَةَ وَتُؤَخِّرَهُ بِالْأُخْرَى إلَى أَجَلِ مِائَةِ صَاحِبِكَ فَيَكُونُ لَكُمَا عَلَيْهِ مِائَةٌ مِائَةٌ إلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ فَعَلَ جَازَتْ الْكِتَابَةُ وَإِنْ أَبَى فُسِخَتْ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِائَةٌ إلَى سَنَتَيْنِ يَقُولُ: لَا يَأْخُذُ هَذَا مِائَتَيْهِ عِنْدَ حُلُولِ السَّنَةِ وَلَا يَجِدُ مَا يُعْطِينِي عِنْدَ السَّنَتَيْنِ، وَيَقُولُ: لَا تَأْخُذْ مِنْ عَبْدٍ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَكْثَرَ مِمَّا آخُذُ أَنَا، فَتَكُونُ لَهُ حُجَّةٌ وَمَقَالَةٌ، وَإِذَا وَضَعَ الْآخَرُ مَا زَادَ عَلَيْهِ وَأَخَّرَ بِالْبَقِيَّةِ إلَى صَاحِبِهِ صَارَ مَالُهُمَا عَلَى الْمُكَاتَبِ إلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ وَعَدَدٍ وَاحِدٍ وَلَا يَتَفَضَّلُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِقُرْبِ أَجَلٍ وَلَا بِزِيَادَةِ مَالٍ فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ إذَا رَضِيَ الَّذِي لَهُ الْمِائَتَانِ بِمَا أَخْبَرْتُكَ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا مِنْ الشَّرِيكِ وَإِذَا أَبَى ذَلِكَ قِيلَ لِلْمُكَاتَبِ: أَتَرْضَى أَنْ تَزِيدَ صَاحِبَ الْمِائَةِ مِائَةً أُخْرَى وَتَجْعَلَ لَهُ الْمِائَتَيْنِ إلَى سَنَةٍ مَعَ مِائَتَيْ صَاحِبِهِ فَتُؤَدِّيَ إلَيْهِمَا أَرْبَعَمِائَةٍ إلَى سَنَةٍ فَيَكُونُ أَجَلُهُمَا وَاحِدًا كَأَنَّمَا كَاتَبَاهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً إلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ جَازَتْ الْكِتَابَةُ أَيْضًا وَلَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ فُسِخَتْ الْكِتَابَةُ.
وَقال سَحْنُونٌ: قَالَ غَيْرُهُ مِنْ الرُّوَاةِ: إنْ وَافَقَتْ كِتَابَةُ الثَّانِي كِتَابَةَ الْأَوَّلِ فِي النُّجُومِ وَالْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ وَكَأَنَّهُمَا كَاتَبَاهُ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ مُخْتَلِفَةً، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ مَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ.
قُلْتُ: فَإِنْ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ شَرِيكِهِ ثُمَّ دَبَّرَهُ الْآخَرُ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ شَرِيكِهِ ثُمَّ أَعْتَقَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ شَرِيكِهِ قَالَ: أَرَى ذَلِكَ كُلَّهُ جَائِزًا؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا دَبَّرَ نِصْفَ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ فَرَضِيَ الَّذِي لَمْ يُدَبِّرْ أَنْ يُلْزِمَ الَّذِي دَبَّرَ الْعَبْدَ كُلَّهُ وَيَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ.
قَالَ: ذَلِكَ لَهُ، وَيَكُونُ مُدَبَّرًا كُلُّهُ عَلَى الَّذِي دَبَّرَهُ، وَإِذَا دَبَّرَاهُ جَمِيعًا جَازَ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ فِي التَّدْبِيرِ إذَا دَبَّرَهُ هَذَا ثُمَّ دَبَّرَهُ هَذَا جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ عِتْقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي هَذَا التَّدْبِيرِ فِي الثُّلُثِ لَا يُقَوِّمُ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَأَمَّا الْعَتَاقَةُ فَهُوَ أَمْرٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَلَا يُعْرَفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ خِلَافُهُ: أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَعْتَقَ الْآخَرُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهِ وَلَا قِيمَةَ فِيهِ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.
ابْنُ وَهْبٍ وَقَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُكَاتِبُ نَصِيبَهُ أَذِنَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُهُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ إلَّا أَنْ يُكَاتِبَاهُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَعْقِدُ لَهُ عِتْقًا وَيَصِيرُ إذَا أَدَّى الْعَبْدُ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يُعْتَقَ بَعْضُهُ فَلَا يَكُونُ عَلَى الَّذِي كَاتَبَهُ أَنْ يَسْتَتِمَّ عِتْقَهُ وَذَلِكَ خِلَافٌ لِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قَوَّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبُ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ رَدَّ الَّذِي كَاتَبَهُ مَا قَبَضَ مِنْ الْمُكَاتَبِ فَاقْتَسَمَهُ هُوَ وَشَرِيكُهُ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا وَبَطَلَتْ كِتَابَتُهُ وَكَانَ عَبْدًا لَهُمَا عَلَى حَالِهِ الْأَوَّلِ».
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ فِي عَبْدٍ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَكَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا وَأَبَى الْآخَرُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا نَرَى أَنْ يَجُوزَ نَصِيبُ الَّذِي كَاتَبَهُ وَلَا يَجُوزَ عَلَى شَرِيكِهِ فِي نَصِيبِهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يُكَاتِبُهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يُكَاتِبُهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ: إنَّ الْكِتَابَةَ بَاطِلٌ.

.فِيمَنْ كَاتَبَ نِصْفَ عَبْدِهِ أَوْ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَاتَبْتُ نِصْفَ عَبْدِي أَتَجُوزُ الْكِتَابَةُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْكِتَابَةُ وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ مُكَاتَبًا.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قَالَ: هَذَا رَأْيِي وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيُكَاتِبَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ: إنَّ تِلْكَ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِكِتَابَةٍ.
قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْكِتَابَةَ إلَى الَّذِي كَاتَبَهُ فَهُوَ رَقِيقٌ كُلُّهُ وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ عَتِيقًا وَيَرْجِعُ السَّيِّدُ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ عَلَى السَّيِّدِ الَّذِي كَاتَبَ فَيَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ مَا أَخَذَ مِنْ الْعَبْدِ مِنْ مَالِهِ وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا رَقِيقًا عَلَى حَالِهِ الْأُولَى، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مَسَائِلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُكَاتَبًا إذَا كَاتَبَ نِصْفَهُ وَلَا يُعْتَقُ إذَا أَدَّى.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ أَتَجُوزُ الْكِتَابَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا تَجُوزُ وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُكَاتَبًا وَيَكُونُ رَقِيقًا.
قُلْتُ: فَمَا حَالُ مَا أَخَذَ السَّيِّدُ مِنْهُ؟
قَالَ: يَكُونُ بَيْنَهُمَا.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، قَالَ نَعَمْ، كَذَلِكَ قَالَ لَنَا مَالِكٌ وَنَزَلَتْ وَكُتِبَ بِهَا إلَيْهِ فِي الرَّجُلِ يَأْذَنُ لِشَرِيكِهِ بِكِتَابَةِ عَبْدٍ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يَفْسَخُ ذَلِكَ وَإِنْ اقْتَضَى الْكِتَابَةَ كُلَّهَا.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ قَدْ اقْتَضَى مَالًا أَيَكُونُ بَيْنَهُمَا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الرُّوَاةِ: إنْ اجْتَمَعَا عَلَى أَخْذِهِ أَخَذَاهُ، وَمَنْ أَرَادَ رَدَّهُ عَلَى الْعَبْدِ، رَدَّهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمَا اقْتِسَامُ مَالِ الْعَبْدِ إلَّا بِرِضًا مِنْهُمَا، وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ عَيْبِ كِتَابَةِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ نَصِيبَهُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ قَدْ أَذِنَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالٍ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا دُونَ صَاحِبِهِ لِاخْتِلَافِ الْحُرِّيَّةِ بِلَا قِيمَةٍ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ قَوِيٌّ ثَابِتٌ وَلَيْسَ هِيَ مِنْ حَقَائِقِ الْحُرِّيَّةِ، فَيُقَوَّمُ عَلَى الْمُعْتِقِ إذَا أَعْتَقَ الْمُكَاتَبَ بِأَدَائِهَا، وَإِنَّمَا عَتَقَ الْمُكَاتَبُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يُحْدِثْ لَهُ السَّيِّدُ عِتْقًا إنَّمَا صَارَ عِتْقُهُ عَلَى أَصْلِ عَقْدِهِ، وَأَدَائِهِ الَّذِي يَفْتَحُ لَهُ عِتْقَهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُكَاتَبِ قِيمَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ الْقِيمَةَ أَنْ تَكُونَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجَزُ فَيَكُونُ قَدْ أُقِيمَ عَلَى الْمُسْتَمْسِكِ عَبْدَهُ إلَى رِقٍّ لَا إلَى حُرِّيَّةٍ وَذَلِكَ خِلَافٌ لِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَإِنَّهُمَا أَيْضًا يَتَحَاصَّانِ فِي مَالِهِ بِحَالَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ يَأْخُذُ هَذَا بِنُجُومٍ وَيَأْخُذُ هَذَا بِخَرَاجٍ، فَأَحَدُهُمَا لَا يَدْرِي يَوْمَ أُذِنَ لَهُ فِي شَرْطِهِ لِمَا أُذِنَ لَهُ مِنْ النُّجُومِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَدِّدْ عَلَيْهِ فِي شَرْطِهِ مَا يَأْخُذُ الْمُسْتَمْسِكِ بِالرِّقِّ مِنْ الْخَرَاجِ، وَأَنَّهُ إذَا كَاتَبَ نِصْفَ عَبْدٍ هُوَ لَهُ فَإِنَّ أَصْلَ الْكِتَابَةِ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى الْمُرَاضَاةِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ أَرَادَ أَوَّلًا قَبْلَ أَنْ يُكَاتَبَ مِنْهُ شَيْءٌ أَنْ يُكَاتِبَهُ سَيِّدُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ مَا لَزِمَ سَيِّدُهُ مُكَاتَبَتَهُ بِكِتَابَةِ مِثْلِهِ وَلَا بِقَلِيلٍ وَلَا بِكَثِيرٍ، فَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدُ أَنْ يُكَاتِبَ مَا بَقِيَ بَعْدَمَا كَاتَبَ إلَّا بِالرِّضَا كَمَا كَانَ يُدِينُ الْكِتَابَةَ، وَأَنَّهُ لَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ فِي نِصْفِهِ لَمْ يَكُنْ عِتْقًا؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَسْتَحْدِثْ لَهُ عِتْقًا إنَّمَا عَقَدَ كِتَابَةً ثُمَّ كَانَ الْأَدَاءُ يَصِيرُ بِهِ إلَى الْعِتْقِ، فَهُوَ لَمْ يُعْتَقْ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَدَّى شَيْئًا، فَلِذَلِكَ إذَا أَدَّى كَانَ لَا يُعْتَقُ إلَّا بِهَذَا الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ كَانَ ضَعِيفًا لَيْسَ بِعَقْدٍ.

.الْمُكَاتَبُ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ أَوْ يُعْتِقُهُ عَلَى مَالٍ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَاتَبَ رَجُلٌ عَبْدًا لَهُ فَكَاتَبَ الْمُكَاتَبُ عَبْدًا لَهُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَالْأَدَاءِ، فَعَجَزَ الْمُكَاتَبُ الْأَعْلَى قَالَ: يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ الْأَسْفَلُ إلَى السَّيِّدِ الْأَعْلَى، فَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ الْأَعْلَى بَعْدَمَا عَجَزَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَدَّى هَذَا الْمُكَاتَبُ الْأَسْفَلُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ عَجَزَ صَارَ رَقِيقًا وَصَارَ مَالُهُ لِلسَّيِّدِ فَمَا كَانَ لَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ فَهُوَ مَالٌ لِلسَّيِّدِ؛ وَلِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ الْأَعْلَى فَوَلَاءُ الْمُكَاتَبِ الْأَسْفَلِ إذَا أَدَّى وَعَتَقَ لِلسَّيِّدِ الْأَعْلَى وَلَا يَرْجِعُ إلَى الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ عَلَى حَالٍ أَبَدًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مُكَاتِبًا قَالَ لِعَبْدٍ لَهُ: إذَا جِئْتَنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَأَرَى أَنْ يَصْنَعَ فِي هَذَا مَا يَصْنَعُ فِي الْكِتَابَةِ وَيَجُوزُ فِي هَذَا مَا يَجُوزُ فِي الْكِتَابَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ ابْتِغَاءِ الْفَضْلِ وَطَلَبِ الْمَالِ لِزِيَادَةِ الْمَالِ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ وَيُنْظَرُ وَيُتَلَوَّمُ لِلْعَبْدِ كَمَا كَانَ يُتَلَوَّمُ فِي الْحُرِّ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِعَبْدِهِ، وَلَا تُنَجَّمُ كَمَا تُنَجَّمُ الْكِتَابَةُ إذَا كَانَ قَوْلُ الْمُكَاتِبِ لِعَبْدِهِ: إنْ جِئْتَنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ.

.فِي الْمِدْيَانِ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ:

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ أَنَّ عَبْدًا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ وَعَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ، وَقَدْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً قَبْلَ الْكِتَابَةِ ثُمَّ قَامُوا عَلَيْهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَقَالَ الْمُكَاتَبُ: أَنَا أُؤَدِّي الدَّيْنَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ تَرُدُّونَنِي بِهِ مِنْ دَيْنِ سَيِّدِي أَوْ مِنْ عَقْلِ جِنَايَتِي وَأَكُونُ عَلَى كِتَابَتِي كَمَا أَنَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَاتَبَ رَجُلٌ أَمَتَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ قِيمَةَ الْأَمَةِ فَوَلَدَتْ فِي كِتَابَتِهَا وَلَدًا ثُمَّ قَامَ الْغُرَمَاءُ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ تُفْسَخُ وَتَكُونُ الْأَمَةُ رَقِيقًا وَوَلَدُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي قِيمَةِ الْكِتَابَةِ إذَا بِيعَتْ بِالنَّقْدِ وَفَاءٌ لِلدَّيْنِ فَلَا تُغَيَّرُ الْكِتَابَةُ وَتُبَاعُ الْكِتَابَةُ فِي الدَّيْنِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا أَفْلَسَ سَيِّدُ الْعَبْدِ بِدَيْنٍ رَهِقَهُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ بِيعَتْ الْكِتَابَةُ لِلْغُرَمَاءِ فَيُعَاضُوا حُقُوقَهُمْ إنْ أَحَبُّوا.

.فِي النَّصْرَانِيِّ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ النَّصْرَانِيَّ إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ أَتَجُوزُ كِتَابَتُهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَسْلَمَ مُكَاتَبُ النَّصْرَانِيِّ بِيعَتْ كِتَابَتُهُ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ، إلَّا أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بَيْعَهُ وَهُمَا فِي حَالِ نَصْرَانِيَّتهمَا لَمْ يُعْرَضْ لَهُ وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ.

.كِتَابَةُ الذِّمِّيِّ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الذِّمِّيَّ إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَفْسَخَ كِتَابَةَ عَبْدِهِ وَيَأْبَى الْعَبْدُ وَقَالَ: أَنَا أَمْضِي عَلَى كِتَابَتِي قَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حُقُوقِهِمْ الَّتِي يَتَظَالَمُونَ فِيهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَا أَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَعْرِضُ لَهُ فِي ذَلِكَ وَالْعِتْقُ أَعْظَمُ حُرْمَةً، وَلَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ رَدَّهُ فِي الرِّقِّ لَمْ أَعْرِضْ لَهُ فِيهِ وَلَمْ أَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ وَالْعِتْقُ إذَا أَرَادَ تَغْيِيرَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْعَبْدُ؛ وَقَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: لَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ التَّظَالُمِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَتْرُكَهُمْ لِذَلِكَ.

.مُكَاتَبُ النَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ النَّصْرَانِيَّ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ ثُمَّ يُسْلِمُ الْمُكَاتَبُ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: تُبَاعُ كِتَابَتُهُ قُلْتُ: فَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فَكَاتَبَهُ.
قَالَ: تُبَاعُ كِتَابَتُهُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ أَيْضًا فِي النَّصْرَانِيِّ يَبْتَاعُ الْمُسْلِمَ: إنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ وَلَا يُفْسَخُ شِرَاؤُهُ، فَهُوَ إذَا اشْتَرَاهُ ثُمَّ كَاتَبَهُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ بِيعَتْ كِتَابَتُهُ فَبَيْعُ كِتَابَتِهِ كَأَنَّهَا بَيْعٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ رَقَّ فَهُوَ لِمَنْ اشْتَرَاهُ وَإِنْ عَتَقَ كَانَ حُرًّا وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ أَسْلَمَ مَوْلَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ وَلَاؤُهُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: فِي الَّذِي يُكَاتِبُ عَبْدَهُ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ وَالْعَبْدُ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُكَاتَبُ فَبِيعَتْ كِتَابَتُهُ فَأَدَّى الْكِتَابَةَ لِمَنْ وَلَاؤُهُ قَالَ: وَلَاؤُهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ أَسْلَمَ مَوْلَاهُ الَّذِي كَاتَبَهُ رَجَعَ إلَيْهِ وَلَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ كِتَابَتَهُ وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ جَمِيعًا، وَالْأَوَّلُ إنَّمَا عَقَدَ كِتَابَةَ عَبْدِهِ وَالْعَبْدُ مُسْلِمٌ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْوَلَاءُ أَبَدًا وَإِنْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الَّذِي عَقَدَ كِتَابَةَ عَبْدِهِ وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ قَالَ: وَسَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ النَّصْرَانِيِّ يَشْتَرِي الْمُسْلِمَ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا يُرَدُّ بَيْعُهُ، وَلَكِنْ يُجْبَرُ هَذَا النَّصْرَانِيُّ عَلَى بَيْعِهِ.
قَالَ: فَإِنْ كَانَ كَاتَبَهُ هَذَا النَّصْرَانِيُّ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ، أُجْبِرَ النَّصْرَانِيُّ عَلَى بَيْعِ الْكِتَابَةِ.
قال سَحْنُونٌ: لَوْ كَاتَبَهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَأَدَّى نِصْفَ كِتَابَتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ بَاقِي الْكِتَابَةِ وَأَتْبَعَهُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ قِيلَ لَهُ: فَإِنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يُسْلِمْ الْعَبْدُ فَقَالَ: هُوَ عَلَى مَا أَخْبَرْتُكَ: مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُكَاتَبِ إلَّا نِصْفُ قِيمَتِهِ؛ وَقَدْ قِيلَ: نِصْفُ كِتَابَةِ مِثْلِهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تُبَاعُ كِتَابَةُ الْعَبْدِ مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَدَّى كِتَابَتَهُ عَتَقَ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلنَّصْرَانِيِّ إنْ أَسْلَمَ يَوْمًا مَا وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ كَانَ رَقِيقًا لِمَنْ اشْتَرَاهُ.

.أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تُسْلِمُ أَوْ يُسْلِمُ عَبْدُهُ فَيُكَاتِبَهُ:

قُلْتُ: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ؟
قَالَ: تُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا مِنْ السِّعَايَةِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا رِقَّ لَهُ عَلَيْهَا إنَّمَا كَانَ لَهُ الْوَطْءُ، فَلَمَّا أَسْلَمَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا فَقَدْ انْقَطَعَ الَّذِي كَانَ لَهُ فِيهَا.
قَالَ مَالِكٌ: فَأَمْثَلُ شَأْنِهَا أَنْ تُعْتَقَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَرَدَدْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَالِكٍ مُنْذُ لَقَيْتُهُ فَمَا اخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُهُ، وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ: تَكُونُ مَوْقُوفَةً إلَّا أَنْ يُسْلِمَ فَيَطَؤُهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَسْلَمَ عَبْدُ النَّصْرَانِيِّ فَكَاتَبَهُ النَّصْرَانِيُّ بَعْدَمَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ.
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُبَاعَ كِتَابَتُهُ لِأَنَّا إنْ نَقَضْنَا كِتَابَتَهُ رَدَدْنَاهُ رَقِيقًا لِلنَّصْرَانِيِّ فَبِعْنَاهُ لَهُ، فَنَحْنُ نُجِيزُ كِتَابَتَهُ وَنَبِيعُ كِتَابَتَهُ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَنْفَعَةً لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَدَّى عَتَقَ، وَإِنْ عَجَزَ كَانَ رَقِيقًا لِمَنْ اشْتَرَاهُ إلَّا أَنَّ وَلَاءَ هَذَا الْمُكَاتَبِ إذَا أَدَّى مُخَالِفٌ لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ الَّذِي كَاتَبَهُ مَوْلَاهُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي كَاتَبَهُ مَوْلَاهُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ الْعَبْدُ وَلَاؤُهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ يَوْمًا مَا رَجَعَ وَلَاؤُهُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مُسْلِمُونَ ثُمَّ عَتَقَ الْعَبْدُ كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ قَدْ ثَبَتَ لِأَبِيهِمْ، وَأَمَّا هَذَا الَّذِي كَاتَبَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَإِنْ أَدَّى وَعَتَقَ لَمْ يَكُنْ لِلنَّصْرَانِيِّ مِنْ وَلَائِهِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَوَلَاؤُهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَكُونُ لِوَلَدِهِ أَيْضًا مِنْ وَلَائِهِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَمْ يَثْبُتْ لِأَبِيهِمْ فَإِنْ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ يَوْمًا مَا لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ مِنْ وَلَائِهِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ؛ لِأَنَّهُ كَاتَبَهُ وَالْعَبْدُ مُسْلِمٌ فَلَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِهَذَا النَّصْرَانِيِّ، وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَمَا أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ لِلنَّصْرَانِيِّ مِنْ وَلَائِهِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَلَا لِوَلَدِهِ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى، وَوَلَاؤُهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، هَذَا قَوْلُهُ فِي الْوَلَاءِ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَتْ أَمَةُ هَذَا النَّصْرَانِيِّ فَوَطِئَهَا بَعْدَ إسْلَامِهَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا أَعْتَقْتهَا عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ وَلَاؤُهَا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأَمَّا الَّتِي كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِهَذَا النَّصْرَانِيِّ فَأَسْلَمَتْ عَتَقَتْ عَلَيْهِ وَكَانَ وَلَاؤُهَا لِلْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ النَّصْرَانِيُّ يَوْمًا مَا فَيَرْجِعُ إلَيْهِ وَلَاؤُهَا قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي فِي الَّتِي وُطِئَتْ بَعْدَمَا أَسْلَمَتْ، وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ النَّصْرَانِيَّةُ فَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.

.فِي النَّصْرَانِيِّ يُكَاتِبُ عَبْدَيْنِ لَهُ نَصْرَانِيَّيْنِ فَيُسْلِمُ أَحَدُهُمَا:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ النَّصْرَانِيَّ إذَا كَاتَبَ عَبْدَيْنِ لَهُ نَصْرَانِيَّيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَالَ: أَحْسَنُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ تُبَاعَ كِتَابَتُهُمَا جَمِيعًا.
قُلْتُ: وَلِمَ لَا تُبَاعُ كِتَابَةُ الْمُسْلِمِ وَحْدَهُ وَتُفَضُّ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِمَا فَيُبَاعُ مَا كَانَ مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَى هَذَا الْمُسْلِمِ.
قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُفَرِّقَ كِتَابَتَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَمِيلٌ بِمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَهَذَا الَّذِي ثَبَتَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ يَقُولُ: لَا تُفَرِّقُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ حَمِيلٌ عَنِّي بِكِتَابَتِي وَيَقُولُ الْمُسْلِمُ ذَلِكَ أَيْضًا، فَهَذَا مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا رَضِيَ الْمُكَاتَبَانِ بِذَلِكَ أَوْ سَخَطًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ نَصْرَانِيًّا فَوُلِدَ لِلْمُكَاتَبِ وَلَدٌ فِي كِتَابَتِهِ مِنْ أَمَتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْضُ وَلَدِهِ وَالْمُكَاتَبُ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ قَالَ: هُوَ مِثْلُ الْمُكَاتَبَيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا، فَإِنَّهُ تُبَاعُ كِتَابَتُهُمَا جَمِيعًا وَهَذَا وَوَلَدُهُ بِمَنْزِلَةِ هَذَيْنِ تُبَاعُ كِتَابَتُهُمَا جَمِيعًا الْمُسْلِمُ مِنْهُمْ وَالنَّصْرَانِيُّ.

.مُكَاتَبُ الذِّمِّيِّ يَهْرُبُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَيَغْنَمُهُ الْمُسْلِمُونَ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مُكَاتَبَ الذِّمِّيِّ إذَا أَغَارَ أَهْلُ الشِّرْكِ فَهَرَبُوا بِهِ أَوْ هَرَبَ الْمُكَاتَبُ إلَيْهِمْ ثُمَّ ظَفَرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ هَلْ يَكُونُ فَيْئًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَالٍ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ أَوْ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ إنْ ظَفَرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ أَحْرَزُوهُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُرَدُّ إلَى الذِّمِّيِّ كَمَا يُرَدُّ إلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَكُونُ فَيْئًا كَانَ سَيِّدُهُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا بَعْدَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَالُ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ وَعُرِفَ صَاحِبُهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ عَرَفُوا أَنَّهُ مُكَاتَبٌ ثُمَّ عَرَفُوا سَيِّدَهُ رُدَّ إلَيْهِ، وَإِنْ عَرَفُوا أَنَّهُ مُكَاتَبٌ وَلَمْ يَعْرِفُوا سَيِّدَهُ أُقِرَّ عَلَى كِتَابَتِهِ وَكَانَتْ كِتَابَتُهُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ.
وَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي مَقَاسِمِهِمْ، فَإِنْ أَدَّى إلَى مَنْ صَارَ لَهُ، كَانَ حُرًّا وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ عَجَزَ كَانَ رَقِيقًا لِمَنْ صَارَ لَهُ.

.الدَّعْوَى فِي الْكِتَابَةِ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَ إذَا قَالَ سَيِّدُهُ: قَدْ حَلَّ النَّجْمُ فَأَدِّهِ، وَقَالَ الْمُكَاتَبُ: لَمْ يَحِلَّ بَعْدُ.
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْمُتَكَارِي يَتَكَارَى مِنْ الرَّجُلِ الدَّارَ فَيَقُولُ رَبُّ الدَّارِ: أَكْرَيْتُكَ سَنَةً وَقَدْ مَضَتْ السَّنَةُ، وَيَقُولُ الْمُتَكَارِي: لَمْ تَمْضِ.
قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُتَكَارِي.
قُلْتُ: لَا يُشْبِهُ هَذَا الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَدْ قَبَضَ مَا اشْتَرَى، إنَّمَا اشْتَرَى رَقَبَتَهُ فَقَدْ قَبَضَهَا وَادَّعَى أَنَّ الثَّمَنَ عَلَيْهِ إلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ سَيِّدُهُ: بَلْ كَانَ إلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ حَلَّ، قَالَ الْمُكَاتَبُ: يُشْبِهُ الرَّجُلَ يَشْتَرِي مِنْ الرَّجُلِ السِّلْعَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى أَجَلِ سَنَةٍ فَيَتَصَادَقَانِ أَنَّ الْأَجَلَ قَدْ كَانَ سَنَةً وَقَالَ الْبَائِعُ: قَدْ مَضَتْ السَّنَةُ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَمْ تَمْضِ السَّنَةُ قَالَ: هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَلَا يُصَدَّقُ الْبَائِعُ عَلَى أَنَّ الْأَجَلَ قَدْ مَضَى فَكَذَلِكَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ لَا يُصَدَّقُ عَلَى أَنَّ الْأَجَلَ قَدْ مَضَى وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْعَبْدُ: نَجَّمْتَ عَلَيَّ كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً، وَقَالَ السَّيِّدُ: بَلْ نَجَّمْتُ عَلَيْكَ كُلَّ شَهْرٍ مِائَتَيْنِ.
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ انْعَقَدَتْ فَادَّعَى السَّيِّدُ أَنَّ أَجَلَ الْمِائَةِ الزَّائِدَةِ الَّتِي ادَّعَى قَدْ حَلَّتْ، وَقَالَ الْعَبْدُ: لَمْ تَحِلَّ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ فِيمَا أَخْبَرْتُكَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَصَادَقَا عَلَى أَصْلِ الْكِتَابَةِ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ أَنَّهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقَالَ السَّيِّدُ: نَجَّمْتُهَا عَلَيْكَ خَمْسَةَ أَنْجُمٍ كُلَّ شَهْرٍ مِائَتَيْنِ وَقَالَ الْمُكَاتَبُ: بَلْ نَجَّمْتَهَا عَلَيَّ عَشْرَةَ أَنْجُمٍ كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً وَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ قَالَ: يُنْظَرُ إلَى أَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ أَعْدَلَ.
قُلْتُ: فَإِنْ اتَّفَقَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَدَالَةِ قَالَ: هُمَا كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُكَاتَبِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ مِثْلَ قَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ هَذَا مِنْ التَّكَافُؤِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ السَّيِّدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَيِّنَةَ السَّيِّدِ قَدْ زَادَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا أَلَا تَرَى أَنْ لَوْ قَالَ السَّيِّدُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ الْمُكَاتَبُ بِتِسْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ، فَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِالْأَكْثَرِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْمُكَاتَبُ: كَاتَبَنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ السَّيِّدُ: بَلْ كَاتَبْتُكَ بِأَلْفِ دِينَارٍ.
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ إذَا كَانَ يُشْبِهُ مَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فَوْتٌ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَكَاتَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ فَوْتٌ.
قَالَ: وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ مَرَّةً يَقُولُ: مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ فَقَبَضَهَا وَفَازَ بِهَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بَعْضُهَا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَرَى أَنْ يَتَحَالَفَا وَيَتَرَادَّا إذَا لَمْ تَفُتْ بِعِتْقٍ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ اخْتِلَافِ أَسْوَاقٍ أَوْ نَمَاءٍ أَوْ نُقْصَانٍ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مَسْأَلَتِكَ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فَوْتٌ لِأَنَّهَا عِتْقٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ مُكَاتَبًا بَعَثَ بِكِتَابَتِهِ مَعَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَالٍ بَعَثَتْ بِهِ أَيْضًا فَدَفَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَكَذَّبَهُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ بِذَلِكَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فِي الدَّيْنِ مَا أَخْبَرْتُكَ، وَهَذَا كُلُّهُ مَحْمَلُ الدَّيْنِ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا ضَمِنُوا.

.الْخِيَارُ فِي الْكِتَابَةِ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ بِالْخِيَارِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ بِالْخِيَارِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا وَأَرَى الْخِيَارَ فِي الْكِتَابَةِ جَائِزًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَاتَبَ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَوَلَدَتْ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَاخْتَارَ السَّيِّدُ الْكِتَابَةَ مَا حَالُ هَذَا الْوَلَدِ أَيَكُونُ مُكَاتَبًا أَمْ يَكُونُ رَقِيقًا؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ عَبْدَهُ: عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ أَيَّامًا سَمَّاهَا فَدَخَلَ الْعَبْدَ عَيْبٌ أَوْ مَاتَ أَنَّ ضَمَانَ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ عَلَى الْبَائِعِ، فَأَرَى هَذَا الرَّجُلَ إذَا بَاعَ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَوَهَبَ لِأَمَتِهِ مَالًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهَا أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ كَانَ ضَامِنًا لِلْأَمَةِ وَكَانَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا.
قُلْتُ: وَسَوَاءٌ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ أَوْ الْبَائِعُ إذَا ابْتَاعَ فَاخْتَارَ الشِّرَاءَ وَقَدْ وَلَدَتْ الْأَمَةُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى الْوَلَدَ مَعَ الْأُمِّ، وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: إنْ شِئْتَ فَخُذْ الْأُمَّ وَالْوَلَدَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ دَعْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ الْعَبْدَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ تُجْرَحُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ: إنَّ عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ لِلْبَائِعِ قَالَ: وَلَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ عَبْدَهُ وَلَهُ مَالٌ وَرَقِيقٌ وَحَيَوَانٌ وَعُرُوضٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَيَشْتَرِطُ الْمُشْتَرِي مَالَ الْعَبْدِ فَيَقْبِضُ مُشْتَرِي الْعَبْدِ رَقِيقَ الْعَبْدِ وَدَوَابَّهُ فَيَتْلَفُ الْمَالُ فِي أَيَّامِ الْعُهْدَةِ الثَّلَاثَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَرُدَّ الْعَبْدَ قُلْتُ: فَإِنْ هَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ مَالَ الْعَبْدِ، وَيَقُولُ: أَنَا أَخْتَارُ الْبَيْعَ وَأَدْفَعُ الثَّمَنَ.
قَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا مَاتَ فِي أَيَّامِ الْعُهْدَةِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَصَابَ الْعَبْدَ عَوَرٌ أَوْ عَمًى أَوْ شَلَلٌ أَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّ الْعَبْدَ وَمَالُهُ عَلَى الْبَائِعِ وَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ، فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَحْبِسَ الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ وَيَحْبِسَ مَالَهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعُ فَذَلِكَ لَهُ.
قُلْتُ: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَحْبِسَ الْعَبْدَ وَمَالُهُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الَّذِي أَصَابَ الْعَبْدَ فِي أَيَّامِ الْعُهْدَةِ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعَبْدِ فِي أَيَّامِ الْعُهْدَةِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْعُيُوبِ وَالْمَوْتُ مِنْ الْبَائِعِ وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْبَلَ الْعَبْدَ مَجْنِيًّا عَلَيْهِ وَالْعَقْلُ لِلْبَائِعِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّ الْعَبْدَ فَذَلِكَ لَهُ، فَلَمَّا قَالَ لِي مَالِكٌ فِي عَقْلِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ فِي أَيَّامِ الْعُهْدَةِ: إنَّهَا لِلْبَائِعِ عَلِمْتُ أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ أَيْضًا فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ إذَا أَجَازَ الْبَيْعَ وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ وَيَكُونُ الْعَقْلُ لِلْبَائِعِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَالْوَلَدُ إذَا وَلَدَتْهُ الْأَمَةُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ مُخَالِفٌ لِهَذَا عِنْدِي أَرَاهُ لِلْمُبْتَاعِ إنْ رَضِيَ الْبَيْعَ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ وَالْمُكَاتَبَةُ عِنْدِي أَبْيَنُ أَنَّ وَلَدَهَا إذَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْكِتَابَةِ مَعَهَا وَتَكُونُ هِيَ عَلَى الْكِتَابَةِ وَوَلَدُهَا إنْ أَحَبَّتْ بِجَمِيعِ ذَلِكَ فِي كِتَابَتِهَا وَإِنْ كَرِهَتْ رَجَعَتْ رَقِيقًا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهَا قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلسَّيِّدِ كَانَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ الْكِتَابَةَ لَهَا وَيَدْخُلُ وَلَدُهَا مَعَهَا عَلَى مَا أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ بِالْكِتَابَةِ الْأُولَى فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهَا هِيَ وَوَلَدَهَا فِي الرِّقِّ فَذَلِكَ لَهُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ رُوَاةِ مَالِكٍ: إنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مَعَ الْأُمِّ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ زَايَلَهَا قَبْلَ تَمَامِ الْكِتَابَةِ وَإِنَّمَا تَمَّتْ الْكِتَابَةُ بَعْدَ زَوَالِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أَصَابَتْ مِنْ جِنَايَةٍ أَوْ أُصِيبَتْ بِهِ أَوْ وُهِبَ لَهَا فَهُوَ لِلَّذِي كَانَ يَمْلِكُهَا قَبْلَ وُجُوبِ الْكِتَابَةِ وَالْبَيْعِ إلَّا أَنَّ فِي الْبَيْعِ إنْ وَلَدَتْ فَالْوَلَدُ لِلْبَائِعِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَخْتَارَ الشِّرَاءَ لِلتَّفْرِقَةِ.

.الرَّهْنُ فِي الْكِتَابَةِ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ ارْتِهَانَ السَّيِّدِ مِنْ مُكَاتَبِهِ رَهْنًا بِكِتَابَتِهِ عِنْدَمَا كَاتَبَهُ وَقِيمَةُ الرَّهْنِ وَالْكِتَابَةِ سَوَاءٌ وَهُوَ مِمَّا يَغِيبُ عَلَيْهِ السَّيِّدُ فَضَاعَ عِنْدَ السَّيِّدِ أَيَكُونُ السَّيِّدُ ضَامِنًا لِذَلِكَ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَأَرَى أَنْ يُعْتَقَ وَيَكُونُ قِصَاصًا بِالْكِتَابَةِ.
قُلْتُ: فَإِنْ رَهِقَ السَّيِّدَ دَيْنٌ فَأَفْلَسَ أَيُحَاصُّ الْعَبْدَ الْمُكَاتَبَ غُرَمَاءُ سَيِّدِهِ؟
قَالَ: إنْ كَانَ ارْتَهَنَ مِنْهُ الرَّهْنَ فِي أَصْلِ الْكِتَابَةِ لَمْ يُحَاصَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَأَنَّهُ انْتِزَاعٌ مِنْ السَّيِّدِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّفَهُ الْعَبْدُ دَنَانِيرَ أَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إذَا أَفْلَسَ السَّيِّدُ لَمْ يَدْخُلْ الْمُكَاتَبُ عَلَى غُرَمَاءِ سَيِّدِهِ، وَلَوْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ حَلَّ نَجْمٌ مِنْ نُجُومِهِ فَسَأَلَ سَيِّدَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ رَهْنًا فَفَعَلَ، فَارْتَهَنَهُ ثُمَّ فَلَسَ السَّيِّدُ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ إنْ وَجَدَ رَهْنَهُ بِعَيْنِهِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ وَوَجَدَهُ قَدْ تَلِفَ فَإِنَّهُ يُحَاصُّ غُرَمَاءُ سَيِّدِهِ بِقِيمَةِ رَهْنِهِ فَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ قَضَاءُ مَا حَلَّ عَلَيْهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ إنْ لَمْ يُوجَدْ لِلسَّيِّدِ مَالٌ كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَيِّدِهِ يُقَاصُّ بِهِ الْمُكَاتَبَ فِي أَدَاءِ مَا يَحِلُّ مِنْ نُجُومِهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ وَجَدَ رَهْنَهُ بِعَيْنِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقَدْ فَلَسَ سَيِّدُهُ قَالَ: فَلَا يَكُونُ لَهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَلَا مُحَاصَّةَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ لِغُرَمَاءِ الْمُكَاتَبِ مِنْ هَذَا الرَّهْنِ وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا يَكُونُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ كَانَ الرَّهْنُ قَدْ تَلِفَ أَوْ لَمْ يَتْلَفْ.
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الرُّوَاةِ: كَانَ الرَّهْنُ فِي أَصْلِ الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا لَيْسَ هُوَ انْتِزَاعًا وَالسَّيِّدُ ضَامِنٌ لَهُ إنْ تَلِفَ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دَنَانِيرَ وَاَلَّذِي عَلَى الْمُكَاتَبِ دَنَانِيرُ كَانَتْ قِصَاصًا بِمَا عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ وَقْفَهَا ضَرَرٌ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي وَقْفِهَا مَنْفَعَةٌ إلَّا أَنْ يَتَّهِمَ السَّيِّدَ بِالْعَدَاءِ عَلَيْهَا لِيَتَعَجَّلَ الْكِتَابَةَ قَبْلَ وَقْتِهَا فَيَغْرَمُ ذَلِكَ وَيُجْعَلُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ عُرُوضًا أَوْ طَعَامًا فَالْقِيمَةُ مَوْقُوفَةٌ لِمَا يَرْجُو مِنْ رُخَصِ مَا عَلَيْهِ فَيَشْتَرِيهِ بِالْيَسِيرِ مِنْ الْعَيْنِ وَهُوَ يُحَاصُّ بِالْقِيمَةِ الْغُرَمَاءَ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَهُ وَيَرْتَهِنُ الثَّمَنَ مِنْ غَيْرِ مُكَاتَبِهِ فَيَكُونُ مِثْلَ الْحَمَالَةِ بِالْكِتَابَةِ وَذَلِكَ مَا لَا يَجُوزُ.

.بَابُ الْحَمَالَةِ فِي الْكِتَابَةِ:

قَالَ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا، وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَاتَبَ جَارِيَتَهُ فَأَتَى رَجُلٌ لَهُ فَقَالَ: أَنَا أَضْمَنُ لَكَ كِتَابَةَ جَارِيَتِكِ وَزَوِّجْنِيهَا، وَاحْتَلَّ عَلَيَّ بِمَا كَانَ لَكَ عَلَيْهَا مِنْ الْكِتَابَةِ فَفَعَلَ وَزَوَّجَهُ إيَّاهَا وَاحْتَالَ عَلَيْهِ بِهِ، ثُمَّ إنَّ الْجَارِيَةَ وَلَدَتْ مِنْ الرَّجُلِ بِنْتًا ثُمَّ هَلَكَ الرَّجُلُ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تِلْكَ الْحَمَالَةُ بَاطِلٌ وَالْأَمَةُ مُكَاتَبَةٌ عَلَى حَالِهَا وَابْنَتُهُ أَمَةٌ لَا تَرِثُ أَبَاهَا وَمِيرَاثُهُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ سِوَاهَا.

.فِي الْأَخِ يَرِثُ شِقْصًا مِنْ أَخِيهِ مُكَاتَبًا:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي وَأَخًا لِي مِنْ أَبِي وَرِثْنَا مُكَاتَبًا مِنْ أَبِينَا وَهُوَ أَخِي لِأُمِّي أَيُعْتَقُ عَلَيَّ أَمْ لَا؟
قَالَ: أَمَّا نَصِيبُكَ مِنْهُ فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْ الْمُكَاتَبِ مِنْ سِعَايَتِهِ وَيَسْعَى لِأَخِيكَ فِي نَصِيبِهِ وَيَخْرُجُ حُرًّا، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ وَرِثَ شِقْصًا مِنْ ذَوِي رَحِمٍ مِنْ الْمَحَارِمِ الَّذِينَ يُعْتَقُونَ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُمْ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ إلَّا مَا وَرِثَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ نَصِيبُ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْ فَسَادًا وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِنِصْفِ هَذَا الْمُكَاتَبِ فَقَبِلَهُ أَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَقَبِلَهُ وَهُوَ أَخُوهُ، كَانَ الْمُكَاتَبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ مَضَى عَلَى كِتَابَتِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ حِصَّةُ أَخِيهِ، وَإِنْ شَاءَ عَجَّزَ نَفْسَهُ فَيُقَوَّمُ عَلَى أَخِيهِ وَعَتَقَ كُلُّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَتَقَ مِنْهُ نَصِيبُ أَخِيهِ وَكَانَ مَا بَقِيَ رَقِيقًا وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْمُكَاتَبَ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ثُمَّ يَعْجَزُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا لَيْسَ بِعِتْقٍ وَإِنَّمَا هُوَ وَضْعُ دَرَاهِمَ، وَلِأَنَّ هَذَا الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ إنْ عَجَزَ كَانَ نَصِيبُ مَنْ قَبْلَهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَكَمَا كَانَ يُعْتَقُ عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ، فَكَذَلِكَ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ نَصِيبُ صَاحِبِهِ إذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ وَكَمَا كَانَ الْأَوَّلُ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ إذَا أَعْتَقَ وَلَا عِتْقَ فِيهِ إنْ عَجَزَ، فَكَذَلِكَ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ نَصِيبُ صَاحِبِهِ وَهُوَ رَأْيِي وَإِنْ ثَبَتَ عَلَى كِتَابَتِهِ فَلَيْسَ لِأَخِيهِ مِنْ الْوَلَاءِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي عَقَدَ كِتَابَتَهُ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ مَالٌ ظَاهِرٌ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ دُورٍ فَأَرَادَ أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ مَالُهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مَالٌ وَأَرَادَ أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ فَذَلِكَ لَهُ وَيُقَوَّمُ عَلَى أَخِيهِ إذَا قَبِلَهُ حِينَ عَجَّزَ نَفْسَهُ.
وَقَدْ قَالَ الْمَخْزُومِيُّ مِثْلَ مَا قَالَ فِي الْمِيرَاثِ وَالشِّرَاءِ: إنَّهُ إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ إذَا اشْتَرَاهُ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ فِي الْمِيرَاثِ إلَّا مَا وَرِثَ مِنْهُ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ.

.(فِي الْمُكَاتَبِ يُولَدُ لَهُ فِي كِتَابَتِهِ):

فِي الْمُكَاتَبِ يُولَدُ لَهُ فِي كِتَابَتِهِ أَوْ يَشْتَرِي وَلَدَهُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَتَّجِرُونَ وَيَتَقَاسَمُونَ بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ:
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ أَوْلَادَ الْمُكَاتَبِ إذَا أَحْدَثُوا فِي الْكِتَابَةِ فَبَلَغُوا رِجَالًا فَاتَّجَرُوا وَبَاعُوا وَقَاسَمُوا أَيَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبِ؟
قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا كَانُوا مَأْمُونِينَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ ابْنَهُ أَوْ أَبَاهُ أَيَدْخُلَانِ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا اشْتَرَى ابْنَهُ دَخَلَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَالْأَبُ عِنْدِي مِثْلُهُ، وَأَنَا أَرَى أَنَّ كُلَّ ذِي مَحْرَمٍ يُعْتَقُ عَلَيْهِ إذَا اشْتَرَاهُ الْحُرُّ فَكَذَا إذَا اشْتَرَاهُ الْمُكَاتَبُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ دَخَلَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَمَا اشْتَرَى مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهِ مِمَّنْ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَنْ لَوْ اشْتَرَاهُ وَهُوَ حُرٌّ فَلَا أَرَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الْكِتَابَةِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ.
قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَاهُمَا الْأَبَ أَوْ الِابْنَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ دَخَلَا مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ قُلْتُ: فَإِنْ اشْتَرَاهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ أَيَدْخُلَانِ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ أَمْ لَا؟
قَالَ: أَرَى أَنْ لَا يَدْخُلَا مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ.
قُلْتُ: أَفَيَبِيعُهُمَا إنْ أَحَبَّ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَبِيعَهُمَا إلَّا أَنْ يَعْجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ فَيَبِيعُهُمَا بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَاهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ فَاتَّجَرَا وَقَاسَمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكَاتَبِ أَيَجُوزُ شِرَاؤُهُمَا وَبَيْعُهُمَا وَمُقَاسَمَتُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكَاتَبِ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ، وَلَكِنْ أَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَتَّجِرَا إلَّا بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَّجِرَ إلَّا بِأَمْرِهِ فَعَلَى أُمِّ الْوَلَدِ رَأَيْتُ هَذَيْنِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ اتَّجَرَا وَقَاسَمَا شُرَكَاءَهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكَاتَبِ أَيَجُوزُ هَذَا؟
قَالَ: نَعَمْ هَذَا جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ حِينَ اشْتَرَاهُ وَهَذَا رَأْيِي.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ احْتَاجَ أَوْ عَجَزَ وَقَدْ اشْتَرَى أَبَاهُ وَابْنَهُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمَا أَمْ لَا؟
قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمَا، وَإِذَا عَجَزَ وَعَجَزُوا كَانُوا كُلُّهُمْ رَقِيقًا لِسَيِّدِهِ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ ابْنَهُ أَوْ أَبَاهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى إنْ اشْتَرَاهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمَا إنْ خَافَ الْعَجْزَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَى أُمَّهُ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهَا شَيْئًا وَأَرَى الْأُمَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ.
قُلْتُ: وَكُلُّ مَنْ اشْتَرَاهُ إذَا دَخَلَ مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ جَازَ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ وَمُقَاسَمَتُهُ شُرَكَاءَهُ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَعَ الْمُكَاتَبِ فِي الْكِتَابَةِ إذَا اشْتَرَاهُ لَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَلَا مُقَاسَمَتُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ.
قَالَ: نَعَمْ.