فصل: كِتَابُ الْقَضَاءِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.كِتَابُ الْقَضَاءِ:

قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَرَى لِلْقَاضِي إذَا قَضَى بِقَضِيَّةٍ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ غَيْرَ مَا قَضَى بِهِ أَصْوَبُ مِمَّا قَضَى بِهِ، أَلَهُ أَنْ يَرُدَّ قَضِيَّتَهُ وَيَقْضِي بِمَا رَأَى بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ قَضِيَّتُهُ الْأُولَى مِمَّا قَدْ اخْتَلَفَ فيهَا الْعُلَمَاءُ؟
قَالَ: إنَّمَا قَالَ مَالِكٌ: إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْحَقَّ في غَيْرِ مَا قَضَى بِهِ رَجَعَ فيهِ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَرْجِعُ فيمَا قَضَتْ بِهِ الْقُضَاةُ مِمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فيهِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْقَاضِي، إذَا دَخَلَهُ وَهْمٌ أَوْ نُعَاسٌ أَوْ ضَجَرٌ أَنْ يَقْضِيَ وَقَدْ دَخَلَهُ شَيْءٌ مَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُكْثِرَ جِدًّا إذَا تَخَلَّطَ، يُرِيدُ بِهَذَا أَنْ لَا يَحْمِلَ عَلَى نَفْسِهِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ سَمِعْتَ مَالِكًا يَقُولُ: أَيْنَ يَقْضِي الْقَاضِي، أَفي دَارِهِ أَمْ في الْمَسْجِدِ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: الْقَضَاءُ في الْمَسْجِدِ مِنْ الْحَقِّ وَهُوَ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ.
قَالَ: وَقَدْ كَانَ ابْنُ خَلْدَةَ وَقَاضِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقْضِيَانِ في الْمَسْجِدِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا إذَا كَانَ في الْمَسْجِدِ رَضِيَ بِالدُّونِ مِنْ الْمَجْلِسِ، وَوَصَلَ إلَيْهِ الضَّعِيفُ وَالْمَرْأَةُ وَإِذَا احْتَجَبَ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ النَّاسُ.
قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: أَفيضْرِبُ الْقَاضِي في الْمَسْجِدِ؟
قَالَ: أَمَّا الْأَسْوَاطُ الْيَسِيرَةُ مِثْلُ الْأَدَبِ فَلَا بَأْسَ، وَأَمَّا الْحُدُودُ وَمَا أَشْبَهَهَا فَلَا.
قُلْت: هَلْ سَمِعْتَ مَالِكًا يَقُولُ: يَضْرِبُ الْقَاضِي الْخَصْمَ عَلَى اللَّدَدِ؟
قَالَ: نَعَمْ، يَضْرِبُ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ قَدْ أَلَدَّ وَأَنَّهُ ظَالِمٌ.
قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُمْ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، يَسْأَلُ في السِّرِّ عَنْهُمْ.
قُلْت: فَهَلْ يَقْبَلُ تَزْكِيَةَ وَاحِدٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْبَلُ في التَّزْكِيَةِ أَقَلَّ مِنْ رَجُلَيْنِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُسْأَلُ عَنْهُمْ وَمَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ مِنْ التَّزْكِيَةِ لِعَدَالَتِهِمْ عِنْدَ الْقَاضِي.
قُلْت: وَيُزَكَّى الشَّاهِدُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ الْقَاضِي؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا زُكُّوا في السِّرِّ أَوْ الْعَلَانِيَةِ، أَيَكْتَفي بِذَلِكَ مَالِكٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، إذَا زَكَّاهُ رَجُلَانِ أَجْزَأَهُ.
قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يُقِيلُ الشَّاهِدَ إذَا جَاءَ يَسْتَقِيلُ شَهَادَتَهُ؟
قَالَ: أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِ فَلَا يُقِيلُهُ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فيمَا يَسْتَقِيلُ.
وَأَمَّا إذَا اسْتَقَالَ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى بِشَهَادَتِهِ، فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا شَكَّ في أَنَّهُ يُقَالُ وَلَا تَفْسُدُ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ إذَا ادَّعَى الْوَهْمَ وَالشُّبْهَةَ، إلَّا أَنْ يُعْرَفَ مِنْهُ كَذِبٌ في شَهَادَتِهِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ في هَذِهِ وَفيمَا يَسْتَقِيلُ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا رَأَى خَطَّهُ في كِتَابٍ، عَرَفَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَفيهِ شَهَادَتُهُ بِخَطِّ نَفْسِهِ فَعَرَفَ خَطَّ نَفْسِهِ وَلَا يَذْكُرُ شَهَادَتَهُ تِلْكَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَشْهَدُ بِهَا حَتَّى يَسْتَيْقِنَ الشَّهَادَةَ وَيَذْكُرَهَا.
قُلْت: فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ هُوَ خَطَّ الْكِتَابَ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ؟
قَالَ: هَكَذَا سَأَلْتُ مَالِكًا أَنَّهُ يَذْكُرُ الْكِتَابَ وَيَعْرِفُهُ وَلَا يَذْكُرُ الشَّهَادَةَ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا يَشْهَدُ بِهَا وَلَكِنْ يُؤَدِّيهَا هَكَذَا كَمَا عَلِمَ.
قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: أَفَتَنْفَعُهُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ إذَا أَدَّاهَا هَكَذَا؟
قَالَ: لَا.
فَقُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ، وَقَدْ شَهِدَتْ الشُّهُودُ عِنْدَ الْمَعْزُولِ أَوْ الْمَيِّتِ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ في دِيوَانِهِ، أَيَنْظُرُ هَذَا الَّذِي وُلِّيَ الْقَضَاءَ في شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَيُجِيزُهُ؟
قَالَ: لَا يُجِيزُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، وَأَمَرَهُمْ هَذَا الْقَاضِي الْمُحْدَثُ أَنْ يُعِيدُوا شَهَادَاتِهِمْ.
قُلْت: فَإِنْ قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ: كُلُّ شَيْءٍ في دِيوَانِي قَدْ شَهِدَتْ بِهِ الشُّهُودُ عِنْدِي؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ وَلَا أَرَاهُ شَاهِدًا، وَكَذَلِكَ بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا قَالَهُ.
قُلْت: أَفيكُونُ لِي عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، مَا هَذِهِ الشَّهَادَةُ الَّتِي في دِيوَانِ الْقَاضِي مِمَّا شَهِدَتْ الشُّهُودُ عَلَيْكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أَمْضَيْتُ عَلَيْهِ تِلْكَ الشَّهَادَةَ.
قَالَ: وَإِذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أَحْلَفَ الْمَشْهُودُ لَهُ الطَّالِبَ، وَيَثْبُتُ لَهُ الشَّهَادَاتُ، وَيَنْظُرُ فيهِ الْقَاضِي الْمُحْدَثُ بِحَالِ مَا كَانَ لِلْمَعْزُولِ يَنْظُرُ فيهَا؟
قَالَ: وَمَا سَمِعْتُ هَذَا مِنْ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ كُلَّ حُكْمٍ يَدَّعِي الْقَاضِي الْمَعْزُولُ أَنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِهِ، أَيَكُونُ شَاهِدًا وَيَحْلِفُ الْمَحْكُومُ لَهُ مَعَ الْقَاضِي أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ في هَذَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْحَاكِمُ بِهَذَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقَاضِيَ، أَيَكْرَهُ لَهُ مَالِكٌ أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا مَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَا يُسْتَكْتَبُ أَهْلُ الذِّمَّةِ في شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَتَبَ قَاضٍ إلَى قَاضٍ، فَمَاتَ الَّذِي كَتَبَ الْكِتَابَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، أَوْ عُزِلَ أَوْ مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، أَوْ عُزِلَ وَوُلِّيَ الْقَضَاءَ غَيْرُهُ، أَيَقْبَلُ هَذَا الْكِتَابَ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا، وَإِنَّمَا كُتِبَ الْكِتَابُ إلَى غَيْرِهِ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: ذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَا أَدْرِي مَوْتَ أَيِّهِمَا ذَكَرَ، مَوْتَ الَّذِي كَتَبَ أَوْ مَوْتَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
مَنْ عُزِلَ مِنْهُمَا أَوْ مَاتَ مِنْهُمَا أَوْ مَاتَ فَالْكِتَابُ جَائِزٌ، يُنْفِذُهُ هَذَا الَّذِي وُلِّيَ وَإِنْ كَانَ الْكِتَابُ إنَّمَا كُتِبَ إلَى غَيْرِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ كُتُبَ الْقُضَاةِ، أَتَجُوزُ في قَوْلِ مَالِكٍ في الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: شَهَادَةُ الشُّهُودِ عَلَى الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا جَائِزَةٌ.
فَفي هَذَا مَا يَدُلُّكَ أَنَّ كُتُبَ الْقُضَاةِ في ذَلِكَ جَائِزَةٌ في رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَمْت الْبَيِّنَةَ عَلَى حَقٍّ لِي عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ، فَقَدِمَ بَعْدَمَا أَوْقَعْت الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ، ثُمَّ قَدِمَ، أَيَأْمُرُنِي الْقَاضِي بِإِعَادَةِ بَيِّنَتِي أَمْ لَا؟
قَالَ مَالِكٌ: يَقْضِي الْقَاضِي عَلَى الْغَائِبِ، فَلَمَّا قَالَ لَنَا مَالِكٌ: يَقْضِي الْقَاضِي عَلَى الْغَائِبِ، رَأَيْتُ أَنْ لَا يُعِيدَ الْبَيِّنَةَ، وَهُوَ رَأْيِي أَنْ لَا يُعِيدَ الْبَيِّنَةَ، وَلَكِنَّهُ يُعْلِمُ الْخَصْمَ أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ عَلَيْهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ حُجَّةٌ وَإِلَّا حُكِمَ عَلَيْهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مِثْلَ وَالِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة إنْ اسْتَقْضَى قَاضِيًا فَقَضَى بِقَضَاءٍ، أَوْ قَضَى وَالِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة نَفْسُهُ بِقَضَاءٍ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: كَانُوا يَأْتُونَ إلَى مَالِكٍ فيسْأَلُونَهُ عَنْ أَشْيَاءَ قَدْ قَضَتْ بِهِ وُلَاةُ الْمِيَاهِ، فَرَأَى مَالِكٌ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوْرًا بَيِّنًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا حَكَمَ بِهِ الْوَالِي، وَالِي الْفُسْطَاطِ أَمِيرُ الصَّلَاةِ، أَيَجُوزُ وَيَنْفُذُ كَمَا تَجُوزُ الْقُضَاةُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوْرًا بَيِّنًا فيرُدُّهُ الْقَاضِي.
قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلَيْنِ حَكَّمَا بَيْنَهُمَا رَجُلًا فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَرَى لِلْقَاضِي أَنْ يُمْضِيَ قَضَاءَهُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَرُدَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوْرًا بَيِّنًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا ذَكَرْتَ لِي مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ في الَّذِي يَشْتَرِي الدَّابَّةَ، فَتُعْرَفُ في يَدِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَطْلُبَ حَقَّهُ؟
قَالَ: يُخْرِجُ قِيمَتَهَا فَتُوضَعُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، وَتُدْفَعُ إلَيْهِ الدَّابَّةُ بِطَلَبِ حَقِّهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ رَدَّ الدَّابَّةَ وَقَدْ حَالَتْ أَسْوَاقُهَا أَوْ تَغَيَّرَتْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ بَيِّنٍ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَيَأْخُذَ الْقِيمَةَ الَّتِي وَضَعَهَا عَلَى يَدِي عَدْلٍ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَصَابَهَا نُقْصَانٌ فَهُوَ لَهَا ضَامِنٌ، يُرِيدُ بِذَلِكَ مِثْلَ الْعَوَرِ وَالْكَسْرِ وَالْعَجَفِ.
قَالَ: وَأَمَّا حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ هَذَا، هَلْ هُوَ في الْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ مِثْلُهُ في الدَّابَّةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، إلَّا أَنِّي سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في الْأَمَةِ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ أَمِينًا وَدُفِعَتْ إلَيْهِ الْجَارِيَةُ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهَا رَجُلًا أَمِينًا يَخْرُجُ بِهَا.
قَالَ مَالِكٌ: وَيُطْبَعُ في أَعْنَاقِهِمْ.
قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: وَلِمَ قُلْت يُطْبَعُ في أَعْنَاقِهِمْ؟
قَالَ: لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الْقَدِيمِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ ثِيَابًا أَوْ عُرُوضًا، أَيُمَكِّنُهُ مِنْهَا وَيَأْخُذُ الْقِيمَةَ؟
قَالَ: نَعَمْ في رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ أَجْرَ الْقُسَّامِ، أَعَلَى عَدَدِ الْأَنْصِبَاءِ أَمْ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ؟
قَالَ: كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُهُ، فَأَنَا أَرَى إنْ وَقَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا بَيْنَهُمْ شَيْئًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقَسَّامَ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُمْ قَسَمُوا هَذِهِ الدَّارَ بَيْنَهُمْ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ إنَّمَا ذَلِكَ مِثْلُ شَهَادَةِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمْ لِيُجِيزُوهُ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ قَسَمُوا فَادَّعَى بَعْضُهُمْ الْغَلَطَ في الْقِسْمَةِ، أَيُقْبَلُ قَوْلُهُ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فيمَنْ بَاعَ ثَوْبًا فَادَّعَى الْغَلَطَ يَقُولُ: أَخْطَأْتُ بِهِ، أَوْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً فيقُولُ: أَخْطَأْتُ: إنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ أَمْرٍ يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ ثَوْبَهُ ذَلِكَ لَا يُؤْخَذُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، فَأَرَى الْقِسْمَةَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْبُيُوعِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ دَفَعَ مَالًا إلَى رَجُلٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ، فَقَالَ الْمَبْعُوثُ مَعَهُ الْمَالُ: قَدْ دَفَعْت الْمَالَ الَّذِي أَمَرَنِي بِهِ الْقَاضِي، وَأَنْكَرَ الَّذِي أَمَرَهُ الْقَاضِي أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ، أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ قَبَضَ الْمَالَ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ الْقَاضِيَ، أَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ قَاسِمًا مَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا؟
قَالَ: لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في كِتَابِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَا قَدْ أَعْلَمْتُكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ في شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا الْعُدُولَ الْمَرْضِيِّينَ، وَهَذَا رَأْيِي.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: كَانَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٌ يَقْسِمَانِ في زَمَانِهِمَا وَلَا يَأْخُذَانِ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقَاضِيَ إذَا رَأَى مَنْ يَزْنِي أَوْ مَنْ يَسْرِقُ أَوْ مَنْ يَشْرَبُ خَمْرًا، أَيُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا وَجَدَ السُّلْطَانُ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ عَلَى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ رَفَعَ ذَلِكَ إلَى الَّذِي فَوْقَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ رَآهُ السُّلْطَانُ الْأَعْلَى الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ سُلْطَانٌ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى الْقَاضِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مِثْلَ أَمِيرِ مِصْرٍ، إنْ رَأَى أَحَدًا عَلَى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، أَيَرْفَعُهُ إلَى الْقَاضِي أَوْ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: يَرْفَعُهُ إلَى الْقَاضِي وَيَكُونُ الْأَمِيرُ شَاهِدًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ سَمِعَ الْقَاضِي رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا، أَيُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ أَمْ لَا؟
قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا قَالَ: إنْ سَمِعَ السُّلْطَانُ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فيهِ الْعَفْوُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَ السُّلْطَانِ شُهُودٌ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فيهِ الْعَفْوُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ يُرِيدُ سَتْرًا يَخَافُ إنْ لَمْ يَجُزْ عَفْوُهُ عَنْ الْقَاذِفِ أَنْ يَأْتِيَ الْقَاذِفُ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَذَلِكَ.
فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَكَيْفَ يُعْرَفُ ذَلِكَ؟
قَالَ: يَسْأَلُ الْإِمَامُ في السِّرِّ وَيُسْتَحْسَنُ ذَلِكَ، فَإِذَا أُخْبِرَ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ قَدْ سُمِعَ أَجَازَ عَفْوَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ رَأَى الْقَاضِي بَعْدَمَا وُلِّيَ الْقَضَاءَ رَجُلًا يَأْخُذُ مَالَ رَجُلٍ أَوْ يَغْصِبُهُ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ، أَيَقْضِي بِذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ غَيْرُهُ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَقْضِيَ بِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تُثْبِتُ إنْ أَنْكَرَهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الْخَصْمَيْنِ يَخْتَصِمَانِ إلَى الْقَاضِي وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ، فيقِرُّ أَحَدُهُمَا بِالشَّيْءِ ثُمَّ يَأْتِيَانِ بَعْدَ ذَلِكَ فيجْحَدُ أَحَدُهُمَا وَقَدْ أَقَرَّ عِنْدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، أَتَرَى أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِمَا أَقَرَّ بِهِ؟
قَالَ مَالِكٌ: هُوَ عِنْدِي مِثْلُ الْحَدِّ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ، وَلَا أَرَى أَنْ يَقْضِيَ بِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تُثْبِتُ سِوَاهُ عِنْدَهُ، أَوْ يَرْفَعَهُ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ، فيكُونُ شَاهِدًا، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ فَرَّقُوا بَيْنَ مَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَقْضِيَ وَبَعْدَمَا يَسْتَقْضِي، فَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ذَلِكَ، فَرَآهُ وَاحِدًا.
وَرَأَى أَنْ لَا يَقْضِيَ بِهِ وَرَآهُ مِثْلَ الْحَدِّ الَّذِي يَطَّلِعُ عَلَيْهِ في حَدِّ الْفِرْيَةِ، إلَّا أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فيكُونُ شَاهِدًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَخْبَرَنِي بِهَذَا عَنْ مَالِكٍ مَنْ أَثِقُ بِهِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ الْقَاضِيَ إذَا بَاعَ مَالَ الْيَتَامَى، أَوْ بَاعَ مَالَ رَجُلٍ مُفْلِسٍ في الدَّيْنِ، أَوْ بَاعَ مَالَ مَيِّتٍ وَوَرَثَتُهُ غُيَّبٌ، عَلَى مَنْ الْعُهْدَةُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الْوَصِيِّ: إنَّهُ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ الْقَاضِي لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ.
قُلْت: فَعَلَى مَنْ عُهْدَةُ الْمُشْتَرِي إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ؟
قَالَ: في مَالِ الْيَتَامَى.
قُلْت: فَإِنْ ضَاعَ الثَّمَنُ، أَوْ ضَاعَ مَالُ الْيَتَامَى وَلَا مَالَ لِلْيَتَامَى غَيْرُ ذَلِكَ وَاسْتُحِقَّتْ السِّلَعُ الَّتِي بَاعَ؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي بِذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ مَنْ أَثِقُ بِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا عُزِلَ الْقَاضِي عَنْ الْقَضَاءِ، وَقَدْ حَكَمَ عَلَى النَّاسِ بِأَحْكَامٍ، فَادَّعَوْا أَنَّهُ قَدْ جَارَ عَلَيْهِمْ في تِلْكَ الْأَحْكَامِ؟
قَالَ: لَا يُنْظَرُ فيمَا قَالُوا، وَمَا حَكَمَ الْقَاضِي بِهِ جَائِزٌ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقَاضِي خُصُومَةٌ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَرَى الْقَاضِي الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ قَضَائِهِ جَوْرًا بَيِّنًا فيرُدَّهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاضِي الْأَوَّلِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا وُلِّيَ الْقَضَاءَ رَجُلٌ، أَيَنْظُرُ في قَضَاءِ الْقُضَاةِ قَبْلَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَعْرِضُ لِقَضَاءِ الْقُضَاةِ قَبْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوْرًا بَيِّنًا.
قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ مَنْ لَيْسَ بِفَقِيهٍ؟
قَالَ: ذَلِكَ كَانَ رَأْيَهُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ لَنَا مَالِكٌ مَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَكَانَ يُعْجِبُهُ فيمَا رَأَيْتُ مِنْهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ حَتَّى يَكُونَ عَارِفًا بِآثَارِ مَنْ مَضَى، مُسْتَشِيرًا لِذَوِي الرَّأْسِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ، هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُفْتِيَ حَتَّى يَسْتَبْحِرَ في الْعِلْمِ؟
قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحِيمِ: لَا يَنْبَغِي لِمَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ أَنْ يُفْتِيَ النَّاسَ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ أَهْلًا لِلْفُتْيَا، فَإِذَا رَآهُ النَّاسُ أَهْلًا لِلْفُتْيَا فَلْيُفْتِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَقَدْ أَتَى رَجُلٌ فَقَالَ لِابْنِ هُرْمُزَ: إنَّ هَذَا السُّلْطَانَ قَدْ اسْتَشَارَنِي أَفَتَرَى أَنْ أَفْعَلَ؟ قَالَ فَقَالَ ابْنُ هُرْمُزَ: إنْ رَأَيْتَ نَفْسَكَ أَهْلًا لِذَلِكَ وَرَآكَ النَّاسُ أَهْلًا لِذَلِكَ فَافْعَلْ.

.كِتَابُ الشَّهَادَاتِ:

.في شَهَادَةِ الْأَجِيرِ:

قُلْت لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ الْأَجِيرَ، هَلْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ هُوَ في عِيَالِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا لَا يَكُون في عِيَالِهِ وَلَا في مُؤْنَتِهِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَرِّزًا في الْعَدَالَةِ.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَإِذَا كَانَ الْأَجِيرُ في عِيَالِهِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ في عِيَالِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِنَّمَا رَدَدْتُ شَهَادَتَهُ إذَا كَانَ في عِيَالِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ إلَيْهِ وَجَرُّهُ إلَيْهِ جَرٌّ إلَى نَفْسِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَخَ إذَا كَانَ في عِيَالِ أَخِيهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ لِجَرِّهِ إلَيْهِ، وَجَرُّهُ إلَيْهِ جَرٌّ إلَى نَفْسِهِ.
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ في عِيَالِهِ وَكَانَ مُبَرِّزًا في حَالِهِ، جَازَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ في الْأَمْوَالِ وَالتَّعْدِيلِ.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ وَلَا جَارٍ إلَى نَفْسِهِ».
أَشْهَلُ بْنُ حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا أُجِيزَ شَهَادَةَ الْقَرِيبِ وَلَا الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ، وَلَا الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ، وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَلَا الْخَصْمِ وَلَا دَافِعِ الْمَغْرَمِ.

.في شَهَادَةِ السُّؤَالِ:

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ السُّؤَالِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا تَجُوزُ فيهِ شَهَادَةُ السُّؤَالِ في الشَّيْءِ الْكَثِيرِ الْأَمْوَالِ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَأَمَّا الشَّيْءُ التَّافِهُ الْيَسِيرُ فَهِيَ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ عَدْلًا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: سَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: لَمْ يَكُنْ السَّلَفُ الَّذِينَ مَضَوْا يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْقَانِعِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَكَانَ بَعْضُ مَنْ مَضَى لَمْ يَكُنْ يُجِيزُ شَهَادَةَ السَّائِلِ.

.في شَهَادَةِ الْمُغَنِّي وَالْمُغَنِّيَةِ وَالنَّائِحَةِ وَالشَّاعِرِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ شَهَادَةَ الْمُغَنِّيَةِ وَالْمُغَنِّي وَالشَّاعِرِ وَالنَّائِحَةِ أَتُقْبَلُ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الشَّاعِرِ، أَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؟
قَالَ: إنْ كَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي النَّاسَ بِلِسَانِهِ، وَهُوَ يَهْجُوهُمْ إذَا لَمْ يُعْطُوهُ، وَيَمْدَحُهُمْ إذَا أَعْطَوْهُ، فَلَا أَرَى أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَهْجُو أَحَدًا، وَهُوَ مِمَّنْ إذَا أُعْطِي شَيْئًا أَخَذَهُ، وَلَيْسَ يُؤْذِي أَحَدًا بِلِسَانِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَهْجُ؛ فَأَرَى أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا.
وَأَمَّا النَّائِحَةُ وَالْمُغَنِّيَةُ وَالْمُغَنِّي، فَمَا سَمِعْتُ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمْ إذَا كَانُوا مَعْرُوفينَ بِذَلِكَ.

.في شَهَادَةِ اللَّاعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ، أَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الَّذِي يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ الْمُدْمِنِ عَلَيْهَا، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ إنَّمَا هُوَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، فَأَرَى أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا.
قُلْت: وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يُلْعَبَ بِالشِّطْرَنْجِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا.
قَالَ: نَعَمْ، كَانَ يَرَاهَا أَشَدَّ مِنْ النَّرْدِ.
قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ هَذَا كُلِّهِ، فَأَخْبَرَنِي بِمَا أَخْبَرْتُكَ.

.في شَهَادَةِ الْمَوْلَى لِمَوْلَاهُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ عَبْدِي شَهِدَ لِي عَلَى شَهَادَةٍ وَهُوَ عَبْدٌ ثُمَّ أَعْتَقْته فَشَهِدَ لِي بِهَا، تَجُوزُ شَهَادَتُهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِمَوْلَاهُ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ عَدْلًا.
فَأَرَى شَهَادَتَهُ جَائِزَةً لِلَّذِي قَالَ مَالِكٌ مِنْ شَهَادَةِ الْمَوْلَى لِمَوْلَاهُ، إذَا كَانَ مَا شَهِدَ لَهُ بِهِ لَا يَجُرُّ بِهِ إلَى نَفْسِهِ شَيْئًا وَلَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْهَا شَيْئًا.

.في شَهَادَةِ الرَّجُلِ لِعَبْدِ ابْنِهِ وَالرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ شَهَادَةَ الرَّجُلِ لِعَبْدِ ابْنِهِ أَتَجُوزُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِابْنِهِ، فَعَبْدُهُ بِمَنْزِلَتِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ أَمَةً شَهِدَ لَهَا بِالْعِتْقِ زَوْجُهَا وَرَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ وَلَا الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا.
قَالَ: فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ وَرَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ، أَنَّ سَيِّدَهَا أَعْتَقَهَا، لَكَانَ أَحْرَى أَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا أَسْفَلَ.

.في شَهَادَةِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالنَّصْرَانِيِّ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الصَّبِيَّ إذَا شَهِدَ بِشَهَادَةٍ وَهُوَ صَغِيرٌ فَرَدَّهَا الْقَاضِي، أَوْ الْعَبْدَ أَوْ النَّصْرَانِيَّ إذَا شَهِدُوا فَرَدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمْ، فَكَبُرَ الصَّبِيُّ وَأُعْتِقَ الْعَبْدُ وَأَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ ثُمَّ شَهِدُوا بِهَا بَعْدَ أَنْ رُدَّتْ؟
قَالَ: فَإِنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُدَّتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ.
سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: أَنَّهُ قَضَى في شَهَادَةِ الْمَمْلُوكِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُشْرِكِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ إذَا شَهِدَ بِهَا الْمَمْلُوكُ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَالصَّغِيرُ بَعْدَ كِبَرِهِ، وَالْمُشْرِكُ بَعْدَ إسْلَامِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونُوا رُدَّتْ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَهِيَ مَرْدُودَةٌ أَبَدًا.
وَقَالَهُ أَبُو الزِّنَادِ وَمَكْحُولٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ مِثْلَهُ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ في الْمُشْرِكِ مِثْلَ قَوْلِ عُثْمَانَ.

.في شَهَادَةِ ذَوِي الْقَرَابَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدَ لِي أَبِي أَوْ ابْنِي، أَنَّ فُلَانًا هَذَا الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَيَّ، أَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَبِ لِابْنِهِ وَلَا شَهَادَةُ الِابْنِ لِأَبِيهِ.
قُلْت: تَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ في شَهَادَةِ وَلَدِ الْوَلَدِ لِجَدِّهِمْ، أَوْ شَهَادَةِ الْجَدِّ لِوَلَدِ الْوَلَدِ؟
قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِهِ السَّاعَةَ، وَلَا أَرَى أَنْ تَجُوزَ.
قُلْت: فَهَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِمُكَاتَبِهِ؟
قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِ قَوْلِ مَالِكٍ فيهِ، وَلَا أَرَاهَا جَائِزَةً.
قُلْت: أَرَأَيْتَ شَهَادَةَ الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ، أَوْ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، أَتَجُوزُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ.
قُلْت: أَفَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأُمِّ لِابْنِهَا، أَوْ الِابْنِ لِأُمِّهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ يَتَّهِمُ سَلَفُ الْمُسْلِمِينَ الصَّالِحُ شَهَادَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَلَا الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، وَلَا الْأَخِ لِأَخِيهِ، وَلَا الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ، ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَظَهَرَتْ مِنْهُمْ أُمُورٌ حَمَلَتْ الْوُلَاةَ عَلَى اتِّهَامِهِمْ، فَتَرَكَتْ شَهَادَةَ مَنْ يُتَّهَمُ إذَا كَانَتْ مِنْ قَرَابَةٍ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالْأَخِ وَالزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ، لَمْ يُتَّهَمْ إلَّا هَؤُلَاءِ في آخِرِ الزَّمَانِ.
يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مِثْلُهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ شُرَيْحٍ الْكِنْدِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ التَّابِعِينَ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ في الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالزَّوْجَيْنِ وَالْأَخِ.
ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: هَؤُلَاءِ دَافِعُوا مَغْرَمٍ، فَلَمْ يَكُنْ يُجِزْ شَهَادَتَهُمْ الْوَلَدُ وَالْوَالِدُ وَالزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ.
وَقَدْ قَالَ في الشَّهَادَاتِ: وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْهَا لِذَوِي الْقَرَابَاتِ وَغَيْرِهِمْ، فَقَالَ ذَلِكَ يَرْجِعُ كُلُّهُ إلَى جَرِّ الْمَرْءِ إلَى نَفْسِهِ وَدَفْعِهِ عَنْهَا، أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ وَلَدٌ لِوَالِدٍ وَلَا وَالِدٌ لِوَلَدٍ وَلَا زَوْجٌ لِامْرَأَتِهِ وَلَا امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا.
مِنْ ذَلِكَ شَهَادَتُهُ لَهُ بِالْمَالِ وَشَهَادَتُهُ لَهُ بِالتَّعْدِيلِ، وَجُرْحَتُهُ عَنْهُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ دَفْعِهِ عَنْهُ وَدَفْعِهِ عَنْهُ جَرٌّ إلَيْهِ، وَذَلِكَ يَرْجِعُ إلَيْهِ أَنَّ الْمَرْءَ فيمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ مِنْهُ كَأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَجُرُّ إلَيْهَا، وَالدَّفْعُ عَنْهَا جَرٌّ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا جَرَّ إلَى ابْنِهِ وَأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ وَزَوْجَتِهِ، فَإِنَّهُ يَدْفَعُ عَنْهُمْ، وَدَفْعُهُ عَنْهُمْ جَرٌّ إلَيْهِمْ وَجَرُّهُ إلَيْهِمْ لِمَوْضِعِهِمْ مِنْهُ جَرٌّ إلَى نَفْسِهِ.

.في شَهَادَةِ الصَّدِيقِ وَالْأَخِ وَالشَّرِيكِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ شَهَادَةَ الرَّجُلِ، هَلْ تَجُوزُ لِلصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: شَهَادَةُ الرَّجُلِ تَجُوزُ لِأَخِيهِ إذَا كَانَ عَدْلًا وَلِمَوْلَاهُ، فَالصَّدِيقُ الْمُلَاطِفُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: إلَّا أَنْ يَكُونَ في عِيَالِهِ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يُمَوِّنُهُ، فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الشَّرِيكَيْنِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ، إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بِشَهَادَةٍ مِنْ غَيْرِ التِّجَارَةِ، أَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ؟
قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ لَا يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ شَيْئًا.
قُلْت: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِهِ السَّاعَةَ.
ابْنُ مَهْدِيٍّ وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَشُرَيْحًا وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَالْحَسَنَ قَالُوا: تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ.
قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إذَا كَانَ عَدْلًا.
وَقِيلَ لِلشَّعْبِيِّ: مَا أَدْنَى مَا يَجُوزُ مِنْ شَهَادَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ؟
فَقَالَ: الْأَخُ لِأَخِيهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَبِ لِابْنِهِ، وَلَا الِابْنِ لِأَبِيهِ، وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ، وَلَا الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا.
فَأَمَّا الْأَخُ إذَا كَانَ غِنَاهُ لَهُ غِنًى إنْ أَفَادَ شَيْئًا أَصَابَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، أَوْ كَانَ في عِيَالِهِ، فَإِنِّي لَا أَرَى شَهَادَتَهُ لَهُ جَائِزَةً، فَأَمَّا إذَا كَانَ مُنْقَطِعًا مِنْهُ لَا تَنَالُهُ صِلَتُهُ وَلَا فَائِدَتُهُ.
قَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ وَلَا بَأْسَ بِحَالِهِ رَأَيْتُ شَهَادَتَهُ لَهُ جَائِزَةً.
فَقِيلَ لِمَالِكٍ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ ذَا الْوُدِّ لِلرَّجُلِ، الْمُصَافي لَهُ يَصِلُهُ وَيَعْطِفُ عَلَيْهِ.
قُلْت: لَا أَرَى شَهَادَتَهُ لَهُ جَائِزَةً، وَإِذَا كَانَ لَا يَنَالُهُ مَعْرُوفُهُ وَلَا صِلَتُهُ فَأَرَى شَهَادَتَهُ لَهُ جَائِزَةً.

.في شَهَادَةِ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا هَلَكَ الرَّجُلُ في السَّفَرِ وَلَيْسَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَحَدٌ، أَتَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْكُفْرِ الَّذِينَ مَعَهُ إنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ؟
قَالَ: لَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يُجِيزُ شَهَادَةَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، لَا في سَفَرٍ وَلَا في حَضَرٍ، وَلَا أَرَى أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُمْ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ وَلَا النَّصْرَانِيِّ فيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُسْلِمُوا.
قَالَ يُونُسُ: وَقَالَ رَبِيعَةُ: لَيْسَ لِأَهْلِ الْكُفْرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَهَادَةٌ، وَلَا يَجْتَمِعُ حُكْمٌ يَكُونُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَبَيْنَ كَافِرٍ، إلَّا كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَمْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ.
وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ في حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَلَا في أَمْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ.

.في شَهَادَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ أَهْلَ الذِّمَّةِ، تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، في شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْمِلَلِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَتَجُوزُ شَهَادَاتُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَاتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ مِثْلَهُ.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ يَهُودِيٍّ عَلَى نَصْرَانِيٍّ، وَلَا نَصْرَانِيٍّ عَلَى يَهُودِيٍّ، وَقَالَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، وَالْمَجُوسِيِّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مِلَّةٍ إلَّا الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهَا تَجُوزُ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ.

.في شَهَادَةِ نِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ في الِاسْتِهْلَالِ:

قُلْت: هَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ في الْوِلَادَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
وَقَالَ: شَهَادَةُ رِجَالِهِمْ لَا تَجُوزُ في شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، فَكَيْفَ تَجُوزُ شَهَادَةُ نِسَائِهِمْ.
وَقَدْ رَدَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ.

.شَهَادَةُ النِّسَاءِ في الِاسْتِهْلَالِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الِاسْتِهْلَالَ، هَلْ تَجُوزُ فيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ في الِاسْتِهْلَالِ جَائِزَةٌ.
قُلْت: كَمْ يُقْبَلُ في الشَّهَادَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ مَنْ النِّسَاءِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَالَ رَبِيعَةُ: تَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ، وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِهْلَالَ سُنَّةٌ، وَمِمَّا يَكُونُ أَنَّهُ لَا تَشْهَدُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ النِّفَاسِ إلَّا النِّسَاءَ.
وَقَدْ رَأَى النَّاسُ أَنْ قَدْ تَمَّ أَمْرُهُ وَكَمُلَ جَسَدُهُ إلَّا الِاسْتِهْلَالَ لَا يَبْقَى كَمَا يَبْقَى الْجَسَدُ، فيرَى وَيُشْهَدُ عَلَيْهِ.
فَشَهَادَةُ مَنْ حَضَرَ النِّفَاسَ مِنْ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ.