فصل: الْمُقَارَضِ يَبِيعُ السِّلْعَةَ فيوجَدُ بِهَا عَيْبٌ فيضَعُ مِنْ الثَّمَنِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ أَوْ أَقَلَّ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.الْمُقَارَضِ يَبِيعُ السِّلْعَةَ فيوجَدُ بِهَا عَيْبٌ فيضَعُ مِنْ الثَّمَنِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ أَوْ أَقَلَّ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُقَارَضَ إذَا بَاعَ سِلْعَةً، فَظَهَرَ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَحَطَّ مِنْ الثَّمَنِ أَكْثَرَ مَنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ أَوْ أَقَلَّ، أَوْ اشْتَرَى مَنْ أَبِيهِ أَوْ مِنْ وَلَدِهِ، أَيَجُوزُ هَذَا عَلَى الْمَالِ الْقِرَاضِ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ إنَّمَا يَنْظُرُ في هَذَا، فَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ مِنْ هَذَا عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَلَيْسَ فيهِ مُحَابَاةٌ فَأَرَاهُ جَائِزًا.

.في الْمُقَارَضِ يَبْتَاعُ الْعَبْدَ فيجِدُ بِهِ عَيْبًا فيرِيدُ رَدَّهُ وَيَأْبَى ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ:

قُلْت: فَلَوْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ قِرَاضًا، فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا، ثُمَّ أَصَابَ الْعَامِلُ بِهِ عَيْبًا يَنْقُصُهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَأَرَادَ رَدَّ الْعَبْدِ وَأَبَى ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ؟
قَالَ: لَا أَرَى لِرَبِّ الْمَالِ هَاهُنَا قَوْلًا؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَقُولُ: إنْ أَنَا أَخَذْتُهُ - وَقِيمَتُهُ تِسْعُمِائَةٍ - ثُمَّ عَلِمْتُ بِهِ كَانَ عَلَيَّ أَنْ أُجْبِرَ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا رِبْحَ لِي إلَّا بَعْدَ رَأْسِ الْمَالِ، فَهَذَا يُدْخِلُ عَلَى الْعَامِلِ الضَّرَرَ، لَا أَنْ يَقُولَ رَبُّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ: إنْ أَبَيْتَ فَاتْرُكْ الْقِرَاضَ وَاخْرُجْ؛ لِأَنَّكَ إنَّمَا تُرِيدُ رَدَّهُ وَأَنَا أَقْبَلُهُ فَذَلِكَ لَهُ.
قُلْت: فَلَوْ أَنَّ مُقَارِضًا اشْتَرَى عَبْدًا بِهِ عَيْبٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَبِلَ الْعَبْدَ، أَيَكُونُ الْعَبْدُ عَلَى الْمُقَارَضَةِ أَوْ تَرَاهُ مُتَعَدِّيًا؟
قَالَ: إنْ حَابَى فَهُوَ مُتَعَدٍّ، وَإِنْ قَبِلَهُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ فَهُوَ عَلَى الْقِرَاضِ وَقَالَ مَالِكٌ في الْمُقَارَضِ يَبِيعُ وَيُحَابِي: إنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فيهِ نَصِيبٌ، فيجُوزُ قَدْرَ نَصِيبِهِ.

.في الْمُقَارَضِ يَبِيعُ بِالْقِرَاضِ وَيَحْتَالُ بِالثَّمَنِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا، فَاشْتَرَى بِهِ وَبَاعَ.
فَلَمَّا بَاعَ بَعْضَ السِّلْعَةِ احْتَالَ بِالثَّمَنِ عَلَى رَجُلٍ مَلِيءٍ أَوْ مُعْسِرٍ إلَى أَجَلٍ، أَتَرَاهُ ضَامِنًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا بَاعَ الْعَامِلُ بِالدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ رَبُّ الْمَالِ بِذَلِكَ، فَهُوَ ضَامِنٌ.
فَأَرَاهُ إذَا احْتَالَ بِذَلِكَ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ ضَامِنٌ كَمَنْ بَاعَ بِالدَّيْنِ.

.الْمُقَارَضِ يَبْتَاعُ السِّلْعَةَ وَيَنْقُدُ ثَمَنَهَا فَإِذَا أَرَادَ قَبْضَهَا جَحَدَهُ رَبُّ السِّلْعَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا، فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً مَنْ السِّلَعِ فَنَقَدَ الثَّمَنَ رَبَّ السِّلْعَةِ، فَأَرَادَ قَبْضَ السِّلْعَةِ فَجَحَدَهُ رَبُّ السِّلْعَةِ أَنْ يَكُونَ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْهُ، أَيَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِ قَوْلِ مَالِكٍ في هَذَا، وَأَرَاهُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ رَبِّ الْمَالِ حِينَ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى الْبَائِعِ حِينَ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ.
قُلْت: فَإِنْ وَكَّلْت وَكِيلًا وَدَفَعْت إلَيْهِ دَنَانِيرَ يَشْتَرِي لِي بِهَا عَبْدًا بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، فَاشْتَرَى لِي عَبْدًا، فَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ فَجَحَدَهُ الْبَائِعُ وَقَالَ: لَمْ آخُذ الثَّمَنَ، أَيَكُونُ عَلَى الْوَكِيلِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِ قَوْلِ مَالِكٍ في هَذَا أَيْضًا، وَأَرَاهُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ رَبِّ الْمَالِ حِينَ لَمْ يُشْهِدْ.
قُلْت: فَإِنْ عَلِمَ رَبُّ الْمَالِ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ عِنْدَهُ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ جَحَدَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ قَبَضَ شَيْئًا، يَطِيبُ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُغْرِمَ الْوَكِيلَ أَوْ الْمُقَارَضَ الثَّمَنَ بِمَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ مَالَهُ؟ وَهَلْ يَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، يَقْضِي لَهُ بِأَنْ يُغْرِمَهُ الثَّمَنَ وَيَطِيبَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَتْلَفَ عَلَيْهِ مَالَهُ حِينَ لَمْ يُشْهِدْ، إلَّا أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ الْوَكِيلُ بِحَضْرَةِ رَبِّ الْمَالِ، فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ في رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ، فَقَالَ الْمَأْمُورُ قَدْ دَفَعْتُ الْمَالَ إلَى فُلَانٍ الَّذِي أَمَرْتَنِي أَنْ أَدْفَعَهُ إلَيْهِ، وَجَحَدَ الرَّجُلُ فَقَالَ: مَا دَفَعَ إلَيَّ شَيْئًا.
قَالَ مَالِكٌ: الْمَأْمُورُ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مَالَهُ حِينَ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مَسْأَلَتِكَ في الْوَكَالَةِ وَالْقِرَاضِ قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ رَجُلٍ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ سِلْعَةً فَاشْتَرَاهَا، ثُمَّ دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ ثَمَنَهَا إلَى الْمَأْمُورِ بَعْدَ مَا اشْتَرَى الْمَأْمُورُ السِّلْعَةَ، وَدَفَعَهَا إلَى الْآمِرِ فَدَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ لِيَدْفَعَهُ إلَى الْبَائِعِ، ثُمَّ تَلِفَ قَبْلَ أَنْ يُوَصِّلَهُ الْمَأْمُورُ إلَى الْبَائِعِ، عَلَى أَنَّ عَلَى الْآمِرِ الَّذِي اشْتَرَى لَهُ أَنْ يَغْرَمَ الْمَالَ ثَانِيَةً؟
قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الْمَدَنِيِّينَ قَالُوا: لَا يَغْرَمُ رَبُّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَفَعَهُ إلَيْهِ فَضَاعَ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اقْتَضَى فَقَالَ مَالِكٌ: يَغْرَمُ الْآمِرُ وَلَا يَغْرَمُ الْمَأْمُورُ؛ لِأَنَّهُ رَسُولٌ، وَهُوَ مُؤْتَمَنٌ.

.في الْعَامِلَيْنِ بِالْقِرَاضِ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ يَبِيعُ أَحَدَهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ سِلْعَةً:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ، وَدَفَعْت إلَى آخَرَ مَالًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا سِلْعَةً مِنْ صَاحِبِهِ فَحَابَاهُ فيهَا؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الَّذِي حَابَى إذَا لَمْ يَكُنْ فيمَا في يَدَيْهِ فَضْلٌ في الْمَالِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَابِيَ في رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ لِلْمُحَابَاةِ حِصَّةً فيمَا حَابَاهُ بِهِ هَذَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُحَابِي إنَّمَا حَابَاهُ مِنْ فَضْلٍ في يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنْ وَضَعَ فيمَا يَسْتَقْبِلُ، جُبِرَ رَأْسُ الْمَالِ بِذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي حَابَاهُ فيهِ.
وَلَوْ كَانَ في يَدَيْهِ لَجُبِرَ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ، وَهُوَ حِينَ حَابَاهُ لَمْ يَجْعَلْهُ كُلَّهُ لِرَبِّ الْمَالِ.

.في الْمُقَارَضِ يَشْتَرِي مِنْ رَبِّ الْمَالِ سِلْعَةً:

قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ مَالًا قِرَاضًا، فَهَلْ لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ سِلْعَةً إنْ وَجَدَهَا عِنْدَهُ؟
قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا إنْ صَحَّتْ مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَأَخَافُ أَنْ لَا تَصِحَّ مِنْ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ يُقَارِضُ.
فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعْمَلَ بِهِ وَوَجْهُ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ مَالِكٌ، أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُقَارَضُ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ سِلْعَةً، وَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا خَوْفًا مِنْ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ رَأْسَ مَالِهِ، وَيَصِيرَ إنَّمَا قَارَضَهُ بِهَذَا الْعَرَضِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: ذَلِكَ أَصْلٌ جَيِّدٌ، وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ تُوجَدُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ فَرُدَّهَا إلَى هَذِهِ.

.في الْمُقَارَضِ يَشْتَرِي وَلَدَ رَبِّ الْمَالِ أَوْ وَالِدَهُ أَوْ وَلَدَ نَفْسِهِ أَوْ وَالِدَهُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَى الْعَامِلُ وَلَدَ رَبِّ الْمَالِ، أَوْ وَالِدَهُ، أَوْ وَلَدَ نَفْسِهِ، أَوْ وَالِدَهُ، عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَالْمُقَارَضُ مُعْسِرٌ أَوْ مُوسِرٌ؟
قَالَ: إنْ اشْتَرَى وَالِدَ نَفْسِهِ أَوْ وَلَدَ نَفْسِهِ وَكَانَ مُوسِرًا وَقَدْ عَلِمَ، رَأَيْتُ أَنْ يُعْتَقَا عَلَيْهِ وَيُدْفَعَ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسُ مَالِهِ وَرِبْحُهُ إنْ كَانَ فيهِ رِبْحٌ عَلَى مَا قَارَضَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ وَكَانَ فيهِمْ فَضْلٌ، يَكُونُ لِلْعَامِلِ فيهِمْ نَصِيبُ مَا عَتَقُوا عَلَيْهِ، وَيُرَدُّ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسُ مَالِهِ وَرِبْحُهُ عَلَى مَا قَارَضَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فيهِمْ فَضْلٌ بِيعُوا، وَأَسْلَمَ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَلَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ لَا مَالَ لِلْعَامِلِ، وَكَانَ فيهِمْ فَضْلٌ بِيعَ مِنْهُمْ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَرَبِحَ رَبُّ الْمَالِ فَدَفَعَ إلَى رَبِّ الْمَالِ، وَيُعْتِقُ مِنْهُمْ مَا بَقِيَ، عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ.
قُلْت: فَإِنْ اشْتَرَى أَبَا صَاحِبِ الْمَالِ، أَوْ ابْنَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ؟
قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، عَتَقُوا عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ فيهِمْ رِبْحٌ دَفَعَ إلَى الْعَامِلِ مِنْ مَالِ صَاحِبِ الْمَالِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ عَلَى مَا قَارَضَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ الْعَامِلُ وَلَهُ مَالٌ، رَأَيْتُ أَنْ يُعْتَقُوا عَلَيْهِ وَيُؤْخَذَ مِنْ الْعَامِلِ ثَمَنُهُمْ، فيدْفَعَ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَالْوَلَاءُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ حِينَ اشْتَرَاهُمْ، أَنَّهُمْ يُعْتَقُونَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، فَأَرَاهُ ضَامِنًا إذَا ابْتَاعَهُمْ بِمَعْرِفَةٍ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بِيعُوا، فَأَعْطَى رَبَّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَرِبْحَهُ وَعَتَقَ مِنْهُمْ حِصَّةَ الْعَامِلِ وَحْدَهُ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ قَدْ اُخْتُلِفَ فيهَا، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ وَاخْتَرْتُ لِنَفْسِي.

.في الْمُقَارَضِ يُعْتِقُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ عَبْدًا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَى الْعَامِلُ عَبْدًا بِمَالِ الْقِرَاضِ، قِيمَتُهُ مِثْلُ مَالِ الْقِرَاضِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلُّ، فَأَعْتَقَهُ الْعَامِلُ وَهُوَ مُوسِرٌ أَوْ مُعْسِرٌ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ الَّذِي حَفِظْنَا عَنْ مَالِكٍ في الْعَامِلِ يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ فيطَؤُهَا فَتَحْمِلُ مِنْهُ، أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ قِيمَتُهَا، فيجْبَرُ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ وَأَمَّا مَسْأَلَتُكَ في الْعِتْقِ، فَإِنِّي أَرَى إنْ كَانَ الْعَامِلُ مُوسِرًا أُعْتِقَ عَلَيْهِ وَغَرِمَ لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَرِبْحَهُ إنْ كَانَ فيهِ فَضْلٌ، وَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا لَا مَالَ لَهُ، لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ وَبِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ رَأْسِ مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَرِبْحِهِ إنْ كَانَ فيهِ فَضْلٌ، وَيُعْتَقُ مِنْهُ نَصِيبُ الْعَامِلِ.
قُلْت: فَإِنْ أَعْتَقَهُ رَبُّ الْمَالِ؟
قَالَ: يَجُوزُ عِتْقُهُ وَيَضْمَنُ لِلْعَامِلِ رِبْحَهُ، إنْ كَانَ في قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ وَهَذَا رَأْيِي.
وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ: كُلُّ مَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا أُطْلِقَتْ لَهُ فيهِ يَدُهُ، فَبَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ، فَالْآمِرُ بِالْخِيَارِ.
فَإِنْ أَجَازَ فِعْلَهُ فَقَدْ تَمَّ عِتْقُهُ، وَإِنْ رَدَّ فِعْلَهُ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ إلَّا الْمُقَارَضَ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ في الْعَبْدِ فَضْلٌ، فَقَدْ عَتَقَهُ لِلشِّرْكِ الَّذِي لَهُ فيهِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَالْأَبُ في ابْنِهِ الصَّغِيرِ إذَا فَاتَ الْعَبْدَ يُعْتَقُ، لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ وَكَانَ نَظَرًا مِنْهُ لِوَلَدِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ، نَفَذَ عِتْقُهُ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ.

.في الْمُقَارَضِ يَبْتَاعُ الْعَبْدَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فيقْتُلُ الْعَبْدُ عَبْدَ رَجُلٍ عَمْدًا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلَ عَبْدٌ مِنْ مَالِ الْمُقَارَضَةِ عَمْدًا، قَتَلَهُ عَبْدُ رَجُلٍ، فَأَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَقْتَصَّ وَقَالَ الْعَامِلُ: أَنَا أَعْفُو، عَلَى أَنْ آخُذَ الْعَبْدَ، أَوْ قَالَ الْعَامِلُ: أَنَا أَقْتُلُ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ أَنَا أَعْفُو عَلَى أَنْ آخُذَ الْعَبْدَ؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ عَفَا مِنْهُمَا عَلَى الرَّقَبَةِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَنْ أَرَادَ الْقِصَاصَ، وَلَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ.
قُلْت: فَمَنْ عَفَا مِنْهُمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ، أَيَكُونُ هَذَا الْعَبْدُ عَلَى الْقِرَاضِ كَمَا كَانَ الْعَبْدُ الْمَقْتُولُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَهُ سَيِّدُهُ، فَقِيمَةُ الْعَبْدِ في الْقِرَاضِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَكُنْ في الْعَبْدِ فَضْلٌ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَقَالَ سَيِّدُهُ: أَنَا أَقْتَصُّ، وَأَبَى ذَلِكَ الْعَامِلُ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَأَرَى الْقَوْلَ لِرَبِّ الْمَالِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ في الْقَتْلِ.

.(في الْمُقَارَضِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ يَبِيعَانِ الْجَارِيَةَ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ):

في الْمُقَارَضِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ يَبِيعَانِ الْجَارِيَةَ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ وَيَبْتَاعَهَا رَبُّ الْمَال أَوْ السَّيِّدُ بِأَقَلَّ قَبْلَ الْأَجَلِ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ مُقَارَضًا بَاعَ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِينَارٍ إلَى سَنَةٍ، وَقَدْ أَذِنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَبِيعَ بِالدَّيْنِ، فَاشْتَرَاهَا رَبُّ الْمَالِ بِمِائَةِ دِينَارٍ قَبْلَ الْأَجَلِ، أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ في التِّجَارَةِ بَاعَ سِلْعَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى أَجَلٍ، أَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا نَقْدًا قَبْلَ الْأَجَلِ؟
قَالَ: أَمَّا مَسْأَلَتُكَ هَذِهِ في الْعَبْدِ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَبْدُ إنَّمَا يَتَّجِرُ بِمَالِ نَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ إنَّمَا يَتَّجِرُ بِمَالِ سَيِّدِهِ، فَلَا يَصْلُحُ، وَكَذَلِكَ الْمُقَارَضُ لَا خَيْرَ فيهِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَالُهُ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى أَسْلَمَ بِمَالِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ تَبِعَهُ مَالُهُ إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ سَيِّدُهُ؟ أَوْ لَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَحْنَثُ بِالْعِتْقِ في عَبِيدِهِ، فَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ في ذَلِكَ عَبِيدُ عَبِيدِهِ وَيَبْقُونَ في أَيْدِي عَبِيدِهِ، الَّذِينَ أَعْتَقُوا عَبِيدًا لَهُمْ؟ أَوْ لَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ عَلَيْهِ في مَالِهِ زَكَاةٌ، نَظَائِرُ لَهُ كَثِيرَةٌ؟

.الدَّعْوَى في الْقِرَاضِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ مَالًا، فَقَالَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ: أَوْدَعْتنِي، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: أَقْرَضْتُك الْمَالَ قِرَاضًا؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي في الرَّجُلِ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ مَالًا، فَقَالَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ: إنَّمَا أَخَذْته قَرْضًا، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: أَعْطَيْتُك الْمَالَ قِرَاضًا.
قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ مَعَ يَمِينِهِ.
قُلْت: فَإِنْ ادَّعَى الْعَامِلُ أَنَّهُ قِرَاضٌ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ أَبْضَعْتُهُ مَعَكَ لِتَعْمَلَ بِهِ لِي؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ، وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ إجَارَةُ مِثْلِهِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ إجَارَةُ مِثْلِهِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ رِبْحِ الْقِرَاضِ، فَلَا يُعْطِي أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى.
فَإِنْ نَكَلَ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا كَانَ مِمَّا يُسْتَعْمَلُ مِثْلُهُ في الْقِرَاضِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في رَجُلٍ دَفَعَ إلَى صَبَّاغٍ ثَوْبًا، فَقَالَ صَاحِبُهُ، اسْتَوْدَعْتُك، إيَّاهُ وَلَمْ آمُرْك بِالْعَمَلِ، وَقَالَ الصَّبَّاغُ: بَلْ اسْتَعْمَلْتَنِيهِ.
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبَّاغِ، وَأَمَّا في الْقِرَاضِ، فَإِذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ هُوَ قَرْضٌ، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ هُوَ قِرَاضٌ.
قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ: أَخَذْتَ مِنِّي الْمَالَ عَلَى ضَمَانٍ، وَقَالَ الْعَامِلُ: إنَّمَا أَخَذْتُهُ مِنْكَ عَلَى غَيْرِ ضَمَانٍ فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ قَبْلَهُ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْعَامِلُ بِمَخْرَجٍ مِنْ ذَلِكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: اسْتَوْدَعْتُك، وَقَالَ الْعَامِلُ: بَلْ أَخَذْته قِرَاضًا قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ مُدَّعٍ يُرِيدُ طَرْحَ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ أَيْضًا.
قُلْت: فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: أَعْطَيْتُك الْمَالَ قِرَاضًا وَقَالَ الْعَامِلُ: بَلْ سَلَفًا؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُدَّعٍ هَاهُنَا في الرِّبْحِ فَلَا يُصَدَّقُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ: لَكَ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ قِرَاضًا، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: بَلْ هِيَ سَلَفٌ، الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ.
قُلْت: فَهَلْ يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ هَذَا: أَخَذْتُ مِنْكَ وَأَخَذْتَ مِنِّي؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اخْتَلَفَا في رَأْسِ الْمَالِ - الْعَامِلُ وَرَبُّ الْمَالِ - فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: رَأْسُ مَالِي أَلْفَانِ، وَقَالَ الْعَامِلُ: رَأْسُ الْمَالِ أَلْفُ دِرْهَمٍ؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَهُوَ أَمِينٌ.
قُلْت: فَإِنْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا، فَعَمِلَ فَخَسِرَ.
فَقُلْت لَهُ: قَدْ تَعَدَّيْتُ، وَإِنَّمَا كُنْتُ أَمَرْتُك بِالْبَزِّ وَحْدَهُ، وَقَالَ الْعَامِلُ: لِمَ أَتَعَدَّ وَلَمْ تَنْهَنِي عَنْ شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: لَمْ أَقْتَضِ مِنْكَ رَأْسَ مَالِي، وَقَالَ الْعَامِلُ: قَدْ دَفَعْته إلَيْك وَهَذَا الَّذِي مَعِي رِبْحٌ؟
قَالَ: أَرَى الْقَوْلَ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ مَا دَامَ في الْمَالِ رِبْحٌ، حَتَّى يَسْتَوْفي رَأْسَ مَالِهِ، وَعَلَى الْعَامِلِ الْبَيِّنَةُ.
قُلْت: وَلِمَ؟ وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَ الْعَامِلِ في الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ عَمِلَ عَلَى الثُّلُثَيْنِ وَخَالَفَهُ رَبُّ الْمَالِ.
فَلِمَ لَا تَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَ الْعَامِلِ في مَسْأَلَتِي؟ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ الْمَالَ وَأَنَّ هَذَا الَّذِي مَعَهُ رِبْحٌ؟
قَالَ: لَيْسَ مِنْ هَاهُنَا أَخَذْتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ هُوَ رَأْسُ الْمَالِ أَبَدًا حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مَالٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ مُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ يَقُولُ قَدْ دَفَعْتُهُ إلَيْكَ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا، فَسَافَرَ بِهِ ثُمَّ قَدِمَ وَمَعَهُ رِبْحُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَنْفَقْت مَنْ مَالِي مِائَةَ دِرْهَمٍ في سَفَرِي، عَلَى أَنْ آخُذَهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، أَوْ جَاءَ بِرَأْسِ الْمَالِ وَحْدَهُ وَقَالَ: لَمْ أَرْبَحْ وَقَدْ أَنْفَقْت مِائَةَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَرْجِعَ بِهَا في مَالِ الْقِرَاضِ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ هَذَا كُلِّهِ فَقَالَ لِي: ذَلِكَ لَهُ وَهُوَ مُصَدَّقٌ، وَيَرْجِعُ بِمَا قَالَ: أَنْفَقْتُهُ في مَالِ الْقِرَاضِ إذَا كَانَ يُشْبِهُ - مَا قَالَ - نَفَقَةَ مِثْلِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ دَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ وَقَاسَمَهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ يَدَّعِي ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ.

.في الْمُقَارِضِ يَبْدُو لَهُ في أَخْذِ مَالِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ:

قُلْت: أَرَأَيْت مَا لَمْ يَعْمَلْ الْمُقَارَضُ بِالْمَالِ، أَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ الْمَالَ قِرَاضًا، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ.
قَالَ: إذَا كَانَ الْمَالُ عَلَى حَالِهِ، أَخَذَهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُقَارَضُ قَدْ اشْتَرَى بِالْمَالِ أَوْ تَجَهَّزَ بِالْمَالِ يَخْرُجُ بِهِ إلَى سَفَرٍ، فَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَرُدَّهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ قَدْ مَضَى مَعَهُ في بَعْضِ سَفَرِهِ، فَقَالَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ: ارْجِعْ وَرُدَّ عَلَيَّ مَالِي وَأَنَا أُنْفِقُ عَلَيْكَ في رَجْعَتِكَ حَتَّى تَبْلُغَ؟
قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ بِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَى الْعَامِلُ بِالْمَالِ سِلْعَةً، فَنَهَيْتُهُ عَنْ الْعَمَلِ في الْقِرَاضِ بَعْدَ مَا اشْتَرَى، وَقُلْت لَهُ: اُرْدُدْ عَلَيَّ مَالِي، أَيَكُونُ لِي أَنْ أُجْبِرَهُ عَلَى بَيْعِ مَا بَقِيَ في يَدَيْهِ مِنْ السِّلَعِ، وَآخُذَ الثَّمَنَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَكِنْ يُنْظَرُ فيمَا في يَدَيْهِ مِنْ السِّلَعِ، فَإِنْ رَأَى السُّلْطَانُ وَجْهَ بَيْعٍ بَاعَ فَأَوْفَاكَ رَأْسَ مَالِكَ، وَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبْحِ عَلَى مَا اشْتَرَطْتُمَا، وَإِنْ لَمْ يَرَ السُّلْطَانُ وَجْهَ بَيْعٍ، أَخَّرَ السِّلَعَ حَتَّى يَرَى وَجْهَ بَيْعٍ.
قُلْت: وَمَا الَّذِي تُؤَخَّرُ لَهُ السِّلَعُ؟
قَالَ: السِّلَعُ لَهَا أَسْوَاقٌ تُكْرَى إلَيْهِ في إبَّانِ شِرَائِهَا، وَتُحْبَسُ إلَيْهِ إبَّانَ سُوقِهَا، فَتُبَاعُ في ذَلِكَ الْإِبَّانِ، بِمَنْزِلَةِ الْحُبُوبِ الَّتِي تُشْتَرَى في أَيَّامِ الْحَصَادِ، فيرْفَعُهَا الْمُشْتَرِي إلَى إبَّانِ نَفَاقِهَا، وَمِثْلُ الضَّحَايَا تُشْتَرَى قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ، فيرْفَعُهَا إلَى أَيَّامِ النَّحْرِ رَجَاءَ نَفَاقِهَا وَمَا أَشْبَهَهُ.
قُلْت: فَلَوْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا، فَبَعَثْتُ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْمَالِ شَيْئًا فَقُلْت: لَا تَشْتَرِ بِالْمَالِ شَيْئًا وَرُدَّهُ عَلَيَّ، فَتَعَدَّى فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً فَرَبِحَ فيهَا؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ في هَذَا شَيْئًا، إلَّا أَنِّي أَرَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِفَارٍّ مِنْ الْقِرَاضِ، وَأَرَاهُ ضَامِنًا لِلْمَالِ وَالرِّبْحُ لَهُ.
وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ، فَتَعَدَّى فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً فَرَبِحَ فيهَا.
فَالرِّبْحُ لَهُ وَهُوَ ضَامِنٌ لِلْوَدِيعَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ فَارًّا مِنْ الْقِرَاضِ إذَا قَالَ لَهُ: لَا تَشْتَرِ سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا، فَذَهَبَ فَاشْتَرَاهَا.
فَهَذَا الَّذِي فَرَّ مِنْ الْقِرَاضِ إلَى هَذِهِ السِّلْعَةِ الَّتِي نَهَاهُ عَنْهَا لِيَذْهَبَ بِرِبْحِ الْمَالِ فَجَعَلَ مَالِكٌ الرِّبْحَ عَلَى قِرَاضِهِمَا وَالْوَضِيعَةَ عَلَى الْعَامِلِ لِتَعَدِّيهِ.

.في الْعَامِلِ يَبْدُو لَهُ في تَرْكِ الْقِرَاضِ وَالْمَالُ عَلَى الرِّجَالِ أَوْ في السِّلَعِ:

قُلْت: فَإِنْ بَاعَ الْعَامِلُ أَوْ اشْتَرَى، وَقَدْ أَذِنَ لَهُ رَبُّ الْمَال أَنْ يَبِيعَ بِالنَّقْدِ وَبِالنَّسِيئَةِ، فَاشْتَرَى وَبَاعَ حَتَّى صَارَ جَمِيعُ مَالِ الْقِرَاضِ دَيْنًا عَلَى النَّاسِ وَفيهِ وَضِيعَةٌ، فَقَالَ الْعَامِلُ لِرَبِّ الْمَالِ: أَنَا أُحِيلُك عَلَيْهِمْ وَلَا أَقْتَضِي وَلَا أَعْمَلُ فيهِ؟
قَالَ: يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَا أَقْتَضِي وَلَا أَقْبِضُ، إلَّا أَنْ يَرْضَى رَبُّ الْمَالِ بِالْحَوَالَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ فيهِ رِبْحٌ وَقَدْ صَارَ كُلُّهُ دَيْنًا فَقَالَ لَا أَقْتَضِيهِ، أَيُجْبَرُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُسَلِّمَ جَمِيعَ ذَلِكَ وَيَرْضَى بِذَلِكَ رَبُّ الْمَالُ.
قُلْت: وَإِنْ كَانَ الْمَالُ دَيْنًا في بَلَدٍ، فَأَجْبَرْتُهُ عَلَى أَنْ يَقْتَضِيَهُ وَقَدْ خَسِرَ فيهِ، أَتَجْعَلُ نَفَقَتَهُ إذَا سَافَرَ لِيَقْتَضِيَهُ في الْمَالِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَى سِلَعًا بِجَمِيعِ الْمَالِ يَرْجُو بِهَا الْأَسْوَاقَ، فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ: أَنَا آخُذُ قِيمَةَ رَأْسِ مَالِي مِنْ هَذِهِ السِّلَعِ، وَأُقَاسِمُكَ مَا بَقِيَ عَلَى مَا اشْتَرَطْنَا مِنْ الرِّبْحِ وَيَأْبَى ذَلِكَ الْعَامِلُ؟
قَالَ: ذَلِكَ إلَى الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: أَنَا أَرْجُو في هَذِهِ السِّلَعِ الَّتِي يَأْخُذُهَا رَبُّ الْمَالِ بِقِيمَتِهَا الْيَوْمَ، إنْ ازْدَادَ فيهَا إذَا جَاءَتْ أَسْوَاقُهَا، لِأَنِّي سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في الْعَامِلِ يُرِيدُ بَيْعَ مَا مَعَهُ، فيقُولُ رَبُّ الْمَالِ: أَنَا آخُذُهَا بِمَا تَسْوَى: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ وَأَجْنَبِيٌّ مِنْ النَّاسِ سَوَاءٌ.

.في الْمُقَارِضِ يَمُوتُ أَوْ الْمُقَارَضِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى رَجُلَيْنِ مَالًا قِرَاضًا فَهَلَكَ الرَّجُلَانِ وَقَدْ عَمِلَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في الرَّجُلِ يُدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالُ قِرَاضًا يَعْمَلُ فيهِ ثُمَّ يَمُوتُ الْمُقَارَضُ.
قَالَ: إنْ كَانَ وَرَثَتُهُ مَأْمُونِينَ، قِيلَ لَهُمْ: تَقَاضَوْا هَذَا الْمَالَ، وَبِيعُوا مَا بَقِيَ في يَدَيْ صَاحِبِكُمْ مِنْ السِّلَعِ، وَأَنْتُمْ عَلَى الرِّبْحِ الَّذِي كَانَ لِصَاحِبِكُمْ، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَأْمُونِينَ، فَأَتَوْا بِأَمِينٍ ثِقَةٍ كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ.
وَإِنْ لَمْ يَأْتُوا بِأَمِينٍ ثِقَةٍ، وَلَمْ يَكُونُوا مَأْمُونِينَ، أُسْلِمَ الْمَالُ الدَّيْنُ أَوْ الْعُرُوض وَجَمِيعُ مَالِ الْقِرَاضِ إلَى رَبِّ الْمَالِ، وَلَمْ يَكُنْ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِنْ الرِّبْحِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ.
فَاَلَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ، يُقَالُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا مِثْلَ مَا قِيلَ لِوَرَثَةِ هَذَا.
قُلْت: فَإِنْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ؟
قَالَ: فَهَؤُلَاءِ عَلَى قِرَاضِهِمْ، بِحَالِ مَا كَانُوا إنْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ أَخْذَ مَالِهِمْ كَانُوا بِمَنْزِلَةِ مَا وَصَفْتُ لَكَ في الرَّجُلِ إذَا قَارَضَ رَجُلًا فَاشْتَرَى سِلْعَةً، ثُمَّ أَرَادَ أَخْذَ مَالِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ، وَالْمَالُ في يَدِ الْمُقَارَضِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ بَعْدُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ.
قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْعَامِلُ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ، حَتَّى اشْتَرَى بِالْمَالِ سِلْعَةً بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ؟
قَالَ: هُوَ عَلَى الْقِرَاضِ حَتَّى يَعْلَمَ بِمَوْتِهِ.

.في الْمُقَارَضِ يَمُوتُ وَعِنْدَهُ وَدَائِعُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ:

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ في رَجُلٍ هَلَكَ، وَقَدْ كَانَ أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا، وَعِنْدَهُ وَدَائِعُ لِلنَّاسِ، وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَمْ يُوجَدْ الْقِرَاضُ وَلَا الْوَدَائِعُ عِنْدَهُ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يُوصِ بِشَيْءٍ.
قَالَ مَالِكٌ: يَتَحَاصُّ أَهْلُ الْوَدَائِعِ وَأَهْلُ الْقِرَاضِ وَأَهْلُ الدَّيْنِ فيمَا تَرَكَ.
ابْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ قِيلَ لَهُ: رَجُلٌ كَانَ عِنْدَهُ قِرَاضٌ لِرَجُلٍ فَأَفْلَسَ.
قَالَ: لِلْقِرَاضِ هَيْئَةٌ لَيْسَتْ لِمَا سِوَاهُ، لَا يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِقِرَاضِهِ وَلَكِنْ يَسْتَوْفيهِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ لِلنَّاسِ قَبْلَ الْقِرَاضِ أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ في الْقِرَاضِ ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَهُ اللَّيْثُ.

.في إقْرَارِ الْمَرِيضِ في مَرَضِهِ الْوَدِيعَةِ وَالْقِرَاضِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ في مَرَضِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِوَدِيعَةٍ أَوْ بِمَالِ قِرَاضٍ بِعَيْنِهِ بَعْدَ مَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ؟
قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا أَقَرَّ بِهِ بِعَيْنِهِ، فَلَا أُبَالِي كَانَ إقْرَارُهُ قَبْلَ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَ الدَّيْنِ، أَصْحَابُهُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ في هَذَا.
وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا أَقَرَّ بِهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، فَهُوَ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ، وَهَذَا رَأْيِي؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا أَقَرَّ بِوَدِيعَةٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ بِمَالِ قِرَاضٍ في مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دِينٌ في صِحَّتِهِ بِبَيِّنَةٍ، إنَّ إقْرَارَهُ جَائِزٌ بِمَا أَقَرَّ بِهِ، وَيَأْخُذُ أَهْلُ الْوَدِيعَةِ وَدِيعَتَهُمْ وَأَهْلُ الْقِرَاضِ قِرَاضَهُمْ سَحْنُونٌ.
عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ في رَجُلٍ كَانَ قِبَلَهُ مَالُ قِرَاضٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأَخَذَهُ غُرَمَاؤُهُ، فَقَالَ يَحْيَى: صَاحِبُ الْقِرَاضِ إنْ عَرَفَ مَالَهُ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ.
قَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَتَقُومُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ.

.كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ:

قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ في الْخَصْمَيْنِ إذَا أَتَيَا إلَى الْقَاضِي، فَتَبَيَّنَ لِلْقَاضِي الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا، فَأَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الَّذِي اتَّضَحَ الْحَقُّ عَلَيْهِ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا وَهُوَ يَقُولُ مِنْ وَجْهِ الْحُكْمِ في الْقَضَاءِ، إذَا أَدْلَى الْخَصْمَانِ بِحُجَّتِهِمَا، وَفَهِمَ الْقَاضِي عَنْهُمَا، فَأَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، أَنْ يَقُولَ لَهُمَا: أَبَقِيَتْ لَكُمَا حُجَّةٌ؟ فَإِنْ قَالَا: لَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا وَأَوْقَعَ الْحُكْمَ، فَإِنْ أَتَيَا بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدَانِ نَقْضَ ذَلِكَ لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُمَا، إلَّا أَنْ يَأْتِيَا بِأَمْرٍ يَرَى أَنَّ لِذَلِكَ وَجْهًا.
قُلْت: مَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ يَرَى لِذَلِكَ وَجْهًا؟
قَالَ: مَعْنَاهُ، أَنَّهُ إذَا أَتَى بِشَاهِدٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ، وَقَالَ الْخَصْمُ لَا أَعْلَمُ لِي شَاهِدًا آخَرَ، فَوَجَّهَ الْقَاضِي عَلَيْهِ الْحُكْمَ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى شَاهِدٍ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، أَنَّهُ يَقْضِي بِهَذَا الْآخَرِ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا قَالَ مَالِكٌ يُعْرَفُ بِهِ وَجْهُ حُجَّتِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا هَلَكَ الرَّجُلُ في السَّفَرِ، وَلَيْسَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَحَدٌ، أَتَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْكُفْرِ الَّذِينَ مَعَهُ إنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ؟
قَالَ: لَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يُجِيزُ شَهَادَةَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، في سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ، وَلَا أَرَى أَنْ تَجُوزَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ سَمِعَ رَجُلٌ رَجُلًا يَقُولُ: لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا، أَوْ يَقُولُ: فُلَانٌ قَتَلَ فُلَانًا، أَوْ يَقُولُ: سَمِعْته قَذَفَ فُلَانًا أَوْ يَقُولُ: سَمِعْت فُلَانًا طَلَّقَ فُلَانَةَ وَلَمْ يَشْهَدْهُ، إلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِهِ فَسَمِعَهُ وَهُوَ يَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، أَيَشْهَدُ بِهَا وَإِنَّمَا مَرَّ فَسَمِعَهُ يَتَكَلَّمُ بِهَا وَلَمْ يَشْهَدْهُ؟
قَالَ: لَا يَشْهَدُ بِهَا، وَلَكِنْ إنْ مَرَّ فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا، وَسَمِعَ رَجُلًا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُشْهِدَاهُ.
قَالَ مَالِكٌ: فَهَذَا الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدَاهُ.
قَالَ: فيأْتِي مَنْ لَهُ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ، فيعْلِمُهُ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ شَهَادَةً.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ هَذَا في الْحُدُودِ، أَنَّهُ يَشْهَدُ بِمَا سَمِعَ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ.
قَالَ: فَأَمَّا قَوْلُكَ الْأَوَّلُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ مَالِكًا وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَمُرُّ بِالرَّجُلَيْنِ وَهُمَا يَتَكَلَّمَانِ في الشَّيْءِ وَلَمْ يَسْتَشْهِدَاهُ، فيدْعُوهُ أَحَدُهُمَا إلَى الشَّهَادَةِ، أَتَرَى أَنْ يَشْهَدَ بِهَا؟
قَالَ: لَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتَوْعَبَ كَلَامَهُمَا، إلَّا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّ الَّذِي سَمِعَ لَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَهُ كَلَامٌ يُبْطِلُ مَا بَعْدَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ في قَتْلِ الْخَطَأِ، أَتَجُوزُ في قَوْلِ مَالِكٍ: قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ ادَّعَيْت قِبَلَ رَجُلٍ الْقِصَاصَ، أَوْ أَنَّهُ ضَرَبَنِي بِالسَّوْطِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا، أَتَسْتَحْلِفُهُ لِي في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، وَلَا يُسْتَحْلَفُ، لَكَ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِشَاهِدِ عَدْلٍ فيسْتَحْلَفَ لَكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ رَجُلٍ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا وَأَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدًا وَاحِدًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً وَتُقْطَعُ يَدُ الْقَاطِعِ.
قَالَ: الْقَاسِمُ: فَإِنْ نَكَلَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ عَنْ الْيَمِينِ، اُسْتُحْلِفَ لَهُ الْقَاطِعُ.
فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِلَّا حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدًا وَاحِدًا أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّهُ، أَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ؟
قَالَ: إذَا كَانَ عَدْلًا، أَقْسَمَ هُوَ وَبَعْضُ عَصَبَةِ الْمَقْتُولِ الَّذِينَ هُمْ وُلَاتُهُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيُقْتَلُ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَلِمَ قُلْت يُقْسِمُ هُوَ وَآخَرُ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْقَسَامَةَ في الْعَمْدِ لَا تَكُونُ بِأَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ.
قُلْت: لِمَ لَا يَكُونُ لَهُ إنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا أَنْ يَحْلِفَ في الْعَمْدِ مَعَ شَاهِدِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيُقْتَلُ، كَمَا يَحْلِفُ في الْحُقُوقِ، وَهَلْ الْيَمِينُ إلَّا مَوْضِعُ الشَّاهِدِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّهُ لَا يُقْسِمُ في الْقَسَامَةِ في الْقَتْلِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْقَاتِلِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ، إلَّا أَنْ يُقْسِمَ مَعَ الشَّاهِدِ رَجُلَانِ فَصَاعِدًا يَقْسِمَانِ خَمْسِينَ يَمِينًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالشَّاهِدُ الْوَاحِدُ الْعَدْلُ في الْقَسَامَةِ، إنَّمَا هُوَ لَوْثٌ لَيْسَتْ شَهَادَةً؛ لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَا اثْنَيْنِ فَأَقْسَمَا، فَإِنَّمَا هُمَا مَوْقِعُ الشَّهَادَةِ التَّامَّةِ، وَبِالْقَسَامَةِ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ لَوْثٌ.
كَذَلِكَ إذَا قَالَ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ.
وَأَمَّا في الْحُقُوقِ فَإِنَّمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، فَالشَّاهِدُ في الْحُقُوقِ قَدْ تَمَّتْ بِهِ الشَّهَادَةُ، إلَّا أَنَّ مَعَهُ يَمِينَ طَالِبِ الْحَقِّ، وَجُعِلَ في الْقَسَامَةِ لَا يُقْسِمُ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا جُعِلَا جَمِيعًا مَوْقِعَ الشَّهَادَةِ، وَاللَّوْثُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ شَهَادَةً.
فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الْيَمِينِ في الْقَسَامَةِ وَبَيْنَ الْيَمِينِ في الْحُقُوقِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْسِمُ في الدَّمِ إلَّا مَعَ شَاهِدِ عَدْلٍ، أَوْ أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، وَلَا يُقْسِمُ الشَّاهِدُ إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ الْمَقْتُولُ أَبِي، وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرِي مَنْ يُقْسِمُ مَعِي؟
قَالَ: يُقْسِمُ مَعَكَ عَمُّكَ أَوْ ابْنُ عَمِّكَ، أَوْ رَجُلٌ مِنْ عُصْبَتِهِ الَّذِينَ يَكُونُونَ وُلَاتَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ حَيًّا، إنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْ الْأَعْمَامِ أَوْ بَنِي الْأَعْمَامِ حُضُورًا.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْأَعْمَامُ وَبَنُو الْأَعْمَامِ حَضَرُوا مَعَهُ فَأَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا مَعَهُ، أَيَكُونُ لِي أَنْ أَحْلِفَ مَعَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الْعَشِيرَةِ؟
قَالَ: لَا، وَلَا يُقْسِمُ مَعَهُ في الْعَمْدِ إلَّا عَصَبَةُ الْمَقْتُولِ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِالدَّمِ، وَيَكُونُونَ هُمْ وُلَاتَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ حَيًّا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدَيْنِ عَلَى حَقٍّ لَهُ عَلَى رَجُلٍ، وَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: أَحْلِفْهُ لِي مَعَ شَاهِدَيْهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْلِفُ لَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ يَمِينٌ، إذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى حَقٍّ لَهُ عَلَى رَجُلٍ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ قَضَاهُ فيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَأَرَى أَنْ يَحْلِفَ الطَّالِبُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَبَرِئَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقَاضِيَ، كَيْفَ يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَيَسْتَحْلِفُهُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، أَمْ يَزِيدُ عَلَى هَذَا: الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَسْتَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، لَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا.
وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ وَبِهِ مَضَى أَمْرُ النَّاسِ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ الَّذِي يَأْخُذُ بِيَمِينِهِ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ، فَإِنَّمَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ قَالَ لَنَا مَالِكٌ.
قُلْت: فَأَيْنَ يَحْلِفَانِ الَّذِي يُدَّعَى قِبَلَهُ الْحَقُّ وَاَلَّذِي يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ مَعَ شَاهِدِهِ أَيْنَ يَسْتَحْلِفُهُمَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ شَيْءٍ لَهُ بَالٌ، فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ فيهِ هَذَانِ جَمِيعًا في الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ.
فَقِيلَ لِمَالِكٍ: عِنْدَ الْمِنْبَرِ؟
قَالَ: لَا أَعْرِفُ الْمِنْبَرَ إلَّا مِنْبَرَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَأَمَّا مَسَاجِدُ الْآفَاقِ فَلَا أَعْرِفُ الْمِنْبَرَ فيهَا، وَلَكِنَّ لِلْمَسَاجِدِ مَوَاضِعَ هِيَ أَعْظَمُ.
فَأَرَى أَنْ يُسْتَحْلَفُوا في الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ عِنْدَهُمْ.
قَالَ مَالِكٌ: وَعِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ إلَّا في رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا.
قَالَ: فَقُلْت: فَالْقَسَامَةُ، أَيْنَ يُسْتَحْلَفُ فيهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في الْمَسَاجِدِ وَعَلَى رُءُوسِ النَّاسِ وَفي دُبُرِ الصَّلَوَاتِ.
قُلْت: فَاللِّعَانُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في الْمَسْجِدِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ.
قُلْت: وَلَمْ يَذْكُرْ لَكُمْ مَالِكٌ أَنَّهُمَا يَلْتَعِنَانِ في دُبُرِ صَلَاةٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ أَنَّهُمَا يَلْتَعِنَانِ في دُبُرِ صَلَاةٍ، وَإِنَّمَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ في الْمَسْجِدِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قُلْت لِمَالِكٍ: فَالنَّصْرَانِيَّة تَكُونُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ أَيْنَ تَلْتَعِنُ؟
قَالَ مَالِكٌ: في كَنِيسَتِهَا وَحَيْثُ يُعَظِّمُونَ وَتَحْلِفُ بِاَللَّهِ.
قُلْت: وَهَلْ ذَكَرَ لَكُمْ مَالِكٌ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّة يَحْلِفَانِ في شَيْءٍ مِنْ أَيْمَانِهِمَا في دَعْوَاهُمَا؟ أَوْ إذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِمَا أَوْ في لِعَانِهِمَا، بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ إلَّا يَحْلِفُوا بِاَللَّهِ فَقَطْ.
قُلْت: فَالْيَهُودُ، هَلْ سَمِعْته يَقُولُ إنَّهُمْ يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى؟
قَالَ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءٌ.
قُلْت: فَهَلْ يَحْلِفُ الْمَجُوسِيُّ في بَيْتِ نَارِهِمْ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَأَرَى أَنْ لَا يَحْلِفُوا إلَّا بِاَللَّهِ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْقَسَامَةِ في أَهْلِ الْقُرَى أَيْنَ يَحْلِفُونَ؟
قَالَ: أَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَأَرَى أَنْ يُجْلَبُوا إلَيْهَا فيقْسِمُونَ فيهَا.
قَالَ: وَأَمَّا أَهْلُ الْآفَاقِ، فَإِنِّي أَرَى أَنْ يُسْتَحْلَفُوا في مَوَاضِعِهِمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوَاضِعُهُمْ مِنْ الْمِصْرِ قَرِيبًا الْعَشَرَةُ الْأَمْيَالَ وَنَحْوَهَا فَأَرَى أَنْ يُجْلَبُوا إلَى الْمِصْرِ فيحْلِفُوا في الْمَسْجِدِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا ذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ، مِنْ أَنَّهُمْ يُجْلَبُونَ إلَى هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ في الْقَسَامَةِ؟ مِنْ أَيْنَ يُجْلَبُونَ إلَى هَذَا؟ أَوْ مِنْ مَسِيرَةِ كَمْ مِنْ يَوْمٍ أَوْ مِنْ مَسِيرَةِ عَشْرَةِ أَيَّامٍ؟
قَالَ: لَمْ أُوقِفْ مَالِكًا عَلَيْهِ، وَلَمْ أَشُكَّ أَنَّ أَهْلَ عَمَلِ مَكَّةَ حَيْثُ مَا كَانُوا يُجْلَبُونَ إلَى مَكَّةَ، وَأَهْلَ عَمَلِ الْمَدِينَةِ حَيْثُ مَا كَانُوا يُجْلَبُونَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَأَهْلَ عَمَلِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَيْثُ مَا كَانُوا يُجْلَبُونَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْحَالِفَ، هَلْ يُسْتَقْبَلُ بِهِ الْقِبْلَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ النِّسَاءَ الْعَوَاتِقَ وَغَيْرَ الْعَوَاتِقِ، وَالْإِمَاءَ وَالْعَبِيدَ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْمُكَاتَبِينَ وَالْمُدَبَّرِينَ، أَيَحْلِفُونَ في الْمَسَاجِدِ؟
قَالَ: إنَّمَا سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ النِّسَاءِ أَيْنَ يَحْلِفْنَ فَقَالَ: أَمَّا كُلُّ شَيْءٍ لَهُ بَالٌ فَإِنَّهُنَّ يَخْرُجْنَ فيهِ إلَى الْمَسَاجِدِ.
فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ أُخْرِجَتْ نَهَارًا فَأُحْلِفَتْ في الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْرُجُ أُخْرِجَتْ لَيْلًا فَأُحْلِفَتْ فيهِ.
قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ إنَّمَا هُوَ يَسِيرٌ لَا بَالَ لَهُ، أُحْلِفَتْ في بَيْتِهَا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْرُجُ، وَأَرْسَلَ الْقَاضِي إلَيْهَا مَنْ يُحَلِّفُهَا لِطَالِبِ الْحَقِّ، فَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، فَسُنَّتُهُمْ سُنَّةُ الْأَحْرَارِ، إلَّا أَنِّي أَرَى أَنَّ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِمَنْزِلَةِ الْأَحْرَارِ: مِنْهُنَّ مَنْ تَخْرُجُ وَمِنْهُنَّ مَنْ لَا تَخْرُجُ.
قُلْت: هَلْ يُجْزِئُ في هَذِهِ الْمَرْأَةِ الَّتِي تُسْتَحْلَفُ في بَيْتِهَا رَسُولٌ وَاحِدٌ مِنْ الْقَاضِي يَسْتَحْلِفُهَا؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَأَرَى أَنْ يُجْزِئَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الصِّبْيَانَ، هَلْ عَلَيْهِمْ يَمِينٌ في شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، أَيَحْلِفُونَ إذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَحْلِفُونَ إذَا كَانَ لَهُمْ شَاهِدٌ وَاحِدٌ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْلِفُ الصِّبْيَانُ في شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، ادَّعَوْا أَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَبْلُغُوا.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ، في الرَّجُلِ يَهْلَكُ وَيَتْرُكُ أَوْلَادًا صِغَارًا، فيوجَدُ لِلْمَيِّتِ ذِكْرُ حَقٍّ فيهِ شُهُودٌ، فيدَّعِي الْحَيُّ أَنَّهُ قَدْ قَضَى الْمَيِّتَ حَقَّهُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ.
قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: أَفيحْلِفُ الْوَرَثَةُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ فيهِمْ مَنْ قَدْ بَلَغَ مِمَّنْ يُظَنُّ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِالْقَضَاءِ أُحْلِفَ، وَإِلَّا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِمْ.
قُلْت: فَإِنْ نَكَلَ هَذَا الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِالْقَضَاءِ عَنْ الْيَمِينِ، أَيَسْقُطُ الدَّيْنُ كُلُّهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ كُلُّهُ، وَلَكِنْ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ قَدْرُ حَقِّهِ إذَا حَلَفَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَنَّهُ قَدْ قَضَى الْمَيِّتَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الطَّلَاقَ، أَيُحْلَفُ فيهِ في قَوْلِ مَالِكٍ إذَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْلِفُ لَهَا إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ، فيحْلِفَ لَهَا، وَإِنْ أَبَى قَالَ مَالِكٌ: آخِرُ مَا لَقِينَاهُ.
قَالَ: يُسْجَنُ حَتَّى يَحْلِفَ، وَثَبَتَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ مَرَّةً يَقُولُ لَنَا: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إذَا أَبَى أَنْ يَحْلِفَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى إنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَطَالَ حَبْسُهُ؛ أَنْ يُخَلَّى سَبِيلُهُ وَيُدَيَّنُ في ذَلِكَ.
قَالَ وَقَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَيْنِي وَبَيْنَهُ خُلْطَةٌ، ادَّعَيْت عَلَيْهِ حَقًّا مِنْ الْحُقُوقِ وَاسْتَحْلَفْته؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ بَرِئَ.
قُلْت: وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَقَالَ أَنَا أَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَيْكَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَمْ يَقْضِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ أَبَدًا، حَتَّى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي عَلَى حَقِّهِ.
وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي بِالْحَقِّ إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ، حَتَّى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي.
وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينَ الطَّالِبِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي لِلطَّالِبِ بِالْحَقِّ إذَا نَكَلَ الْمَطْلُوبُ عَنْ الْيَمِينِ، حَتَّى يَسْتَحْلِفَ الطَّالِبَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَدَّعِي الْمَطْلُوبُ يَمِينَ الطَّالِبِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَالَ لِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ: لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَعْرِفُ هَذَا، أَنَّهُ إذَا نَكَلَ الْمَطْلُوبُ عَنْ الْيَمِينِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الطَّالِبِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ، وَنَكَلَ الْمُدَّعِي أَيْضًا عَنْ الْيَمِينِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَبْطُلُ حَقُّهُ إذَا لَمْ يَحْلِفْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ ادَّعَيْت قِبَلَ رَجُلٍ حَقًّا فَاسْتَحْلَفْتُهُ فَحَلَفَ، ثُمَّ أَصَبْت عَلَيْهِ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ، أَيَكُونُ لِي أَنْ آخُذَ حَقِّي مِنْهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، لَهُ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْهُ إذَا كَانَ لَمْ يَعْلَمْ بَيِّنَتَهُ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا اسْتَحْلَفَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِبَيِّنَتِهِ تَارِكًا لَهَا فَلَا حَقَّ لَهُ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ الطَّالِبِ غَيْبًا بِبَلَدٍ آخَرَ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمَطْلُوبَ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً بِبِلَادٍ أُخْرَى فَاسْتَحْلَفَهُ، ثُمَّ قُدِّمَتْ الْبَيِّنَةُ، أَيُقْضَى لَهُ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ وَيُرَدُّ يَمِينُ الْمَطْلُوبِ الَّتِي حَلَفَ بِهَا أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ في هَذَا شَيْئًا، إلَّا أَنِّي أَرَى أَنَّهُ إذَا كَانَ عَارِفًا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً عَنْهُ وَرَضِيَ بِالْيَمِينِ مِنْ الْمَطْلُوبِ تَارِكًا لِلْبَيِّنَةِ، لَمْ أَرَ لَهُ حَقًّا وَإِنْ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ.
قُلْت: وَمَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ: تَارِكًا لِلْبَيِّنَةِ؟ أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ، فَأَحْلِفْهُ لِي فَإِنْ حَلَفَ فَقَدَّمْتُ بَيِّنَتِي، فَأَنَا عَلَى حَقِّي وَلَسْتُ بِتَارِكٍ لِبَيِّنَتِي؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، إلَّا أَنِّي أَرَى لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَنْظُرَ في ذَلِكَ، فَإِنْ ادَّعَى بَيِّنَةً بَعِيدَةً وَخَافَ عَلَى الْغَرِيمِ أَنْ يَذْهَبَ، أَوْ أَنْ يَتَطَاوَلَ ذَلِكَ.
أَرَأَيْتَ أَنْ يُحَلِّفَهُ لَهُ وَيَكُونَ عَلَى حَقِّهِ إذَا قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ؟
قُلْت: وَإِنْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ بِبِلَادٍ قَرِيبَةٍ؟
قَالَ: فَلَا أَرَى أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ لَهُ إذَا كَانَتْ بَيِّنَتُهُ قَرِيبَةً الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، وَيُقَالُ لَهُ: قَرِّبْ بَيِّنَتَكَ وَإِلَّا فَاسْتَحْلِفْهُ عَلَى تَرْكِ الْبَيِّنَةِ.
قُلْت: أَيْنَ تَحْلِفُ النَّصَارَى وَالْيَهُودُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في كَنَائِسِهِمْ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَحْلِفُونَ إلَّا بِاَللَّهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ شَهَادَةَ الرَّجُلِ، هَلْ تَجُوزُ لِلصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: شَهَادَةُ الرَّجُلِ تَجُوزُ لِأَخِيهِ إذَا كَانَ عَدْلًا وَلِمَوَالِيهِ، فَالصَّدِيقُ الْمُلَاطِفُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: إلَّا أَنْ يَكُونَ في عِيَالِهِ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَمُونُهُ، فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّائِلِ وَلَا الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيِّنَ الْعَدَالَةِ وَإِنَّمَا الَّذِي لَا تَجُوزُ فيهِ شَهَادَةُ السُّؤَالِ، في الشَّيْءِ الْكَثِيرِ مِثْلُ الْأَمْوَالِ وَمَا أَشْبَهَهَا.
وَأَمَّا الشَّيْءُ التَّافِهُ الْيَسِيرُ فَهُوَ جَائِزٌ إذَا كَانَ عَدْلًا، وَأَمَّا الْأَجِيرُ، فَإِنْ كَانَ في عِيَالِهِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ في عِيَالِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمَحْدُودَ في الْقَذْفِ، هَلْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إنْ تَابَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ شَهَادَةَ الْمُغَنِّيَةِ وَالْمُغَنِّي وَالنَّائِحَةِ، أَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ؟
قَالَ: سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الشَّاعِرِ أَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؟
قَالَ: إنْ كَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي النَّاسَ بِلِسَانِهِ، وَيَهْجُوهُمْ إذَا لَمْ يُعْطُوهُ، وَيَمْدَحُهُمْ إذَا أَعْطَوْهُ، فَلَا أَرَى أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ؟
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ لَا يَهْجُو، وَهُوَ إنْ أُعْطِيَ شَيْئًا، أَخَذَ، وَلَيْسَ يُؤْذِي أَحَدًا بِلِسَانِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَهْجُ، فَأَرَى أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا.
فَأَمَّا النَّائِحَةُ وَالْمُغَنِّيَةُ وَالْمُغَنِّي، فَمَا سَمِعْتُ فيهِمْ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَتُهُمْ إذَا كَانُوا مَعْرُوفينَ بِذَلِكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الشَّاةَ، إذَا بَاعَهَا الرَّجُلُ، أَوْ الْبَعِيرَ أَوْ الْبَقَرَةَ، وَاسْتَثْنَى مِنْهَا ثُلُثًا أَوْ رُبُعًا أَوْ نِصْفًا، أَوْ اسْتَثْنَى جِلْدَهَا أَوْ رَأْسَهَا أَوْ فَخِذَهَا أَوْ كَبِدَهَا أَوْ صُوفَهَا أَوْ شَعْرَهَا أَوْ أَكَارِعَهَا، أَوْ اسْتَثْنَى بُطُونَهَا كُلَّهَا أَوْ اسْتَثْنَى مِنْهَا أَرْطَالًا مُسَمَّاةً كَثِيرَةً أَوْ قَلِيلَةً، أَيَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ كُلُّهُ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: أَمَّا إذَا اسْتَثْنَى ثُلُثًا أَوْ رُبُعًا أَوْ نِصْفًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ، وَأَمَّا إذَا اسْتَثْنَى جِلْدَهَا أَوْ رَأْسَهَا فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ حَاضِرًا فَلَا خَيْرَ فيهِ.
قُلْت: لِمَ أَجَازَهُ مَالِكٌ في السَّفَرِ وَكَرِهَهُ في الْحَضَرِ؟
قَالَ: السَّفَرُ إذَا اسْتَثْنَى الْبَائِعُ فيهِ الرَّأْسَ وَالْجِلْدَ فَلَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثَمَنٌ.
قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا في الْحَضَرِ، فَلَا يُعْجِبنِي وَلَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا يَطْلُبُ بِشِرَائِهِ اللَّحْمَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْمُشْتَرِي إذَا اشْتَرَى في السَّفَرِ وَاسْتَثْنَى الْبَائِعُ جِلْدَهَا وَرَأْسَهَا، فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَذْبَحُهَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ في الرَّجُلِ يَبِيعُ الْبَعِيرَ الَّذِي قَدْ قَامَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ مِنْ أَهْلِ الْمِيَاهِ، وَيَسْتَثْنِي الْبَائِعُ جِلْدَهُ وَيَبِيعُهُمْ إيَّاهُ لِيَنْحَرُوهُ فَاسْتَحْيَوْهُ.
قَالَ مَالِكٌ: أَرَى لِصَاحِبِ الْجِلْدِ شَرْوَى جِلْدِهِ.
قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: أَوْ قِيمَةُ الْجِلْدِ؟
قَالَ مَالِكٌ: أَوْ قِيمَتُهُ، كُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ.
قَالَ: قُلْت: مَا مَعْنَى شَرْوَى جِلْدِهِ عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: جِلْدٌ مِثْلُهُ.
قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ صَاحِبُ الْجِلْدِ: أَنَا أَرْضَى أَنْ أَكُونَ شَرِيكًا في الْبَعِيرِ بِقَدْرِ الْجِلْدِ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، يَبِيعُهُ عَلَى الْمَوْتِ وَيَكُونُ شَرِيكًا عَلَى الْحَيَاةِ، لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ.
وَلَيْسَ لَهُ إلَّا قِيمَةُ جِلْدِهِ أَوْ شَرْوَاهُ.
فَمَسْأَلَتُكَ في الْمُسَافِرِ مِثْلُ هَذَا.
قَالَ: وَأَمَّا إذَا اسْتَثْنَى فَخِذَهَا، فَلَا خَيْرَ فيهِ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ في الْفَخِذِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَأَمَّا إذَا اسْتَثْنَى كَبِدَهَا، فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا خَيْرَ في الْبُطُونِ، فَالْكَبِدُ مِنْ الْبُطُونِ.
قَالَ: وَأَمَّا إذَا اسْتَثْنَى صُوفَهَا أَوْ شَعْرَهَا، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ فيهِ اخْتِلَافٌ أَنَّهُ جَائِزٌ.
قَالَ: وَأَمَّا الْأَرْطَالُ إذَا اسْتَثْنَاهَا؟
قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الشَّيْءَ الْخَفيفَ، الثَّلَاثَةَ الْأَرْطَالَ وَالْأَرْبَعَةَ، فَذَلِكَ جَائِزٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا اسْتَثْنَيْت أَرْطَالًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَذْبَحُ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يَذْبَحَ عَلَى مَا أُحِبُّ أَوْ أَكْرَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ عَبْدِي شَهِدَ لِي شَهَادَةً وَهُوَ عَبْدِي، ثُمَّ أَعْتَقْته فَشَهِدَ لِي بِهَا أَتَجُوزُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِمَوْلَاهُ جَائِزَةٌ، إذَا كَانَ عَدْلًا.
فَأَرَى شَهَادَةَ هَذَا جَائِزَةً لِلَّذِي قَالَ مَالِكٌ مِنْ شَهَادَةِ الْمَوْلَى لِمَوْلَاهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَتَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ في الْقِصَاصِ؟
قَالَ: لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ في الْحُدُودِ، وَلَا في الْقِصَاصِ وَلَا في الطَّلَاقِ وَلَا في النِّكَاحِ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ فيهِ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِنَّ في شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ.
وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ عَلَى شَهَادَةٍ، إذَا كَانَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ، في الْأَمْوَالِ وَفي الْوَكَالَاتِ عَلَى الْأَمْوَالِ.
وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ عَلَى شَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَلَا رَجُلٍ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ.
كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا تَجُوزُ مِنْ النِّسَاءِ إذَا شَهِدَ امْرَأَتَانِ، عَلَى مَالٍ مَعَ يَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ، فَإِذَا كَانَتْ الشَّهَادَتَانِ عَلَى شَهَادَةٍ كَانَتَا بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ، فَلَا تَجُوزُ إلَّا وَمَعَهُ غَيْرُهُ.
فَكَذَلِكَ هُنَا لَا تَجُوزُ إلَّا وَمَعَهُمَا رَجُلٌ.
وَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَمَا أَكْثَرُ مِنْهُنَّ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ لَا تَجُوزُ إلَّا وَمَعَهُنَّ رَجُلٌ إلَّا أَنْ يَشْهَدْنَ هُنَّ أَنْفُسُهُنَّ عَلَى حَقٍّ، فيكُنَّ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ مَعَ الْيَمِينِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا لَا يَرَاهُ الرِّجَالُ، هَلْ يَجُوزُ فيهِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ في شَيْءٍ مِنْ الشَّهَادَاتِ أَقَلُّ مِنْ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ.
لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ في شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ اسْتِهْلَالَ هِلَالِ رَمَضَانَ، هَلْ تَجُوزُ فيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ فيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا.
قُلْت: فَشَهَادَةُ رَجُلَيْنِ؟
قَالَ: جَائِزَةٌ في قَوْلِ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ هِلَالَ شَوَّالٍ؟
قَالَ: كَذَلِكَ أَيْضًا، لَا يَجُوزُ فيهِ أَقَلُّ مِنْ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ.
وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْعَبِيدَ وَالْإِمَاءَ وَالْمُكَاتَبِينَ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، هَلْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ في هِلَالِ رَمَضَانَ أَوْ شَوَّالٍ؟
قَالَ: مَا وَقَّفْنَا مَالِكًا عَلَى هَذَا، وَهَذَا مِمَّا لَا يُشَكُّ فيهِ أَنَّ الْعَبِيدَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ في الْحُقُوقِ، فَفي هَذَا أَبْعَدُ أَنْ لَا تَجُوزَ فيهِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: في الَّذِينَ قَالُوا إنَّهُ يُصَامُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ.
قَالَ مَالِكٌ: أَرَأَيْتَ إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمْ هِلَالُ شَوَّالٍ، كَيْفَ يَصْنَعُونَ؟ أَيُفْطِرُونَ أَمْ يَصُومُونَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ؟ فَإِنْ أَفْطَرُوا خَافُوا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ؟
قُلْت: أَرَأَيْتَ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في الْمَوْسِمِ: إنَّهُ يُقَامُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقَاضِيَ إذَا أَخَذَ شَاهِدَ زُورٍ، كَيْفَ يَصْنَعُ بِهِ وَمَا يَصْنَعُ بِهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ، يَضْرِبُهُ وَيَطُوفُ بِهِ في الْمَجْلِسِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: حَسِبْتُ أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الْمَجَالِسَ في الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ.
قُلْت: وَكَمْ يَضْرِبُهُ؟
قَالَ: قَدْرَ مَا يَرَى.
قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ وَحَسُنَتْ حَالَتُهُ وَهُوَ رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَمْت شَاهِدًا عَلَى مِائَةٍ وَآخَرَ عَلَى خَمْسِينَ؟
قَالَ: إنْ أَرَدْتَ أَنْ تَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِكَ الَّذِي شَهِدَ لَكَ بِمِائَةٍ وَتَسْتَحِقَّ الْمِائَةَ فَذَلِكَ لَكَ، وَإِنْ أَبَيْتَ أَنْ تَحْلِفَ وَأَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَ خَمْسِينَ فَذَلِكَ لَكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَمْت شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى حَقٍّ لِي، وَأَبَيْت أَنْ أَحْلِفَ وَرَدَدْت الْيَمِينَ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ؟
قَالَ: يَغْرَمُ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: وَيَغْرَمُهُ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَيَّ؟
قَالَ: نَعَمْ، إذَا أَبَيْتَ أَنْ تَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِكَ وَرَدَدْتَ الْيَمِينَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ غَرِمَ وَلَمْ يُرْجِعْ الْيَمِينَ عَلَيْكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قَالَ: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلَّذِي لَمْ يَأْتِ بِشَاهِدٍ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا كَانَتْ مَعَ الشَّاهِدِ لِلْمُدَّعِي، وَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ وَإِلَّا غَرِمَ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ في الَّذِي لَا شَاهِدَ لَهُ إنَّمَا كَانَتْ عَلَى الْمُدَّعِي لَا عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ وَإِلَّا رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِنْ حَلَفَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ.
قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْأَجِيرَ، هَلْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ في عِيَالِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ، فَأَرَى الْأَجِيرَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا لَا يَكُونُ في عِيَالِهِ وَلَا مُؤْنَتِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّ لَهُمَا وَلِفُلَانٍ مَعَهُمَا عَلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا لِفُلَانٍ بِحِصَّتِهِ مَنْ الدَّيْنِ؟
قَالَ: لَا تَجُوزُ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ في رَجُلٍ إذَا شَهِدَ لِرَجُلٍ في ذِكْرِ حَقٍّ لَهُ فيهِ شَيْءٌ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْوَصِيَّةِ وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ عَلَى وَصِيَّةٍ قَدْ أَوْصَى لَهُ فيهَا، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِهِ شَيْئًا تَافِهًا يَسِيرًا لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ، جَازَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ.
وَإِنْ كَانَ شَيْئًا كَثِيرًا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ لَمْ تَجُزْ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَالْحُقُوقُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ إذَا أَرَدْتَ شَهَادَتَهُ في حَقٍّ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ لِغَيْرِهِ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجَازَ بَعْضُ الشَّهَادَةِ وَيُرَدُّ بَعْضُهَا.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عَلَى وَصِيَّةِ رَجُلٍ وَفيهَا عِتْقٌ وَوَصَايَا لِقَوْمٍ، لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ في الْعِتْقِ، وَجَازَتْ لِلْقَوْمِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ.
وَإِنَّمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ إذَا شَهِدَ لِغَيْرِهِ إذَا كَانَ يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ الرَّجُلِ فيهِ حَقٌّ.
فَهَذَا الَّذِي تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أَحْلَفْتُهُمْ مَعَ الشَّاهِدِ في الْوَصِيَّةِ وَفيهَا الْعِتْقُ وَالثُّلُثُ لَا يُحْمَلُ؟
قَالَ: إنَّمَا يَكُونُ لَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ مَا فَضَلَ عَنْ الْعِتْقِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ مَاتَ عِنْدَنَا مَيِّتٌ، فَأَتَى رَجُلٌ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ، وَلَمْ تَشْهَدْ الشُّهُودُ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، أَتُجِيزُ شَهَادَتَهُمْ وَيُعْطَى هَذَا الْمِيرَاثَ أَمْ لَا يُعْطَى مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْئًا؟ وَهَلْ تَحْفَظُ قَوْلَ مَالِكٍ في هَذَا الْوَجْهِ؟
قَالَ: وَجْهُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ مَالِكٍ في هَذَا، أَنْ يَقُولُوا إنَّهُ ابْنُهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِذَا لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، فَأَرَى أَنْ يَنْظُرَ السُّلْطَانُ في ذَلِكَ وَيَسْأَلَ وَيَنْظُرَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَمْت الْبَيِّنَةَ عَلَى دَارٍ أَنَّهَا دَارُ جَدِّي، وَلَمْ تَشْهَدْ الشُّهُودُ أَنَّ جَدِّي مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لِأَبِي، وَأَنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ، لَمْ يُحَدِّدُوا الْمَوَارِيثَ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ؟
قَالَ: سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْهَا فَقَالَ: يُنْظَرُ في ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي حَاضِرًا بِالْبَلَدِ الَّتِي الدَّارُ بِهَا، وَقَدْ حِيزَتْ دُونَهُ السِّنِينَ يَرَاهُمْ يَسْكُنُونَ وَيَحُوزُونَ بِمَا تُحَازُ بِهِ الدُّورُ، فَلَا حَقَّ لَهُ فيهَا.
وَإِنْ كَانَ لَمْ يَكُنْ بِالْبَلَدِ الَّذِي الدَّارُ بِهِ، وَإِنَّمَا قَدِمَ مِنْ بِلَادٍ أُخْرَى فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا دَارُ أَبِيهِ وَدَارُ جَدِّهِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَحَدَّدُوا الْمَوَارِيثَ حَتَّى صَارَ ذَلِكَ إلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: يُسْأَلُ مَنْ الدَّارُ في يَدَيْهِ، فَإِنْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ عَلَى أَصْلِ شِرَاءٍ، أَوْ الْوَجْهِ الَّذِي صَارَتْ بِهِ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَسَمَاعٌ مِنْ جِيرَانِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِيرَانِهِ، أَنَّ جَدَّهُ أَوْ وَالِدَهُ كَانَ اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ، أَوْ هُوَ نَفْسَهُ إذَا طَالَ الزَّمَانُ، فَقَالُوا: طَالَ سَمْعُنَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا، فَهَهُنَا عِنْدَنَا دُورٌ يُعْرَفُ لِمُزَاوِلِهَا تَقَادُمُ الزَّمَانِ، وَلَيْسَ عَلَى أَصْلِ الشِّرَاءِ بَيِّنَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ سَمَاعٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ فُلَانًا اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَتَى الَّذِي الدَّارُ في يَدَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي في يَدَيْهِ الدَّارُ، اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ أَوْ اشْتَرَاهَا وَالِدُهُ أَوْ اشْتَرَاهَا جَدُّهُ، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: سَمِعْنَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا وَلَكِنَّا لَمْ نَسْمَعْ بِاَلَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ مَنْ هُوَ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ في هَذَا شَيْئًا، وَلَا أَرَى ذَلِكَ حَتَّى يَشْهَدُوا عَلَى سَمَاعِ صِحَّةٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ أَبِي هَذَا الْمُدَّعِي أَوْ جَدِّهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْحِيَازَةَ، هَلْ وَقَّتَ مَالِكٌ فيهَا سِنِينَ مُسَمَّاةً عَشَرَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؟
قَالَ: لَا، لَمْ يُوَقِّتْ لَنَا مَالِكٌ في الْحِيَازَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالَ: عَلَى قَدْرِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهَا حِيَازَةٌ إذَا حَازَهَا السِّنِينَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا طَرَأَ رَجُلٌ عَلَى قَوْمٍ مِنْ بَلَدٍ وَلَا يَعْرِفُونَهُ فَقَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ، فَأَقَامَ بَيْنَهُمْ أَمْرًا قَرِيبًا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: لَسْتَ مِنْ الْعَرَبِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُضْرَبُ هَذَا الَّذِي قَالَ لَهُ لَسْتَ مِنْ الْعَرَبِ الْحَدَّ، إلَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ زَمَانُهُ مُقِيمًا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ الزَّمَانَ الطَّوِيلَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ الْعَرَبِ، فيولَدُ لَهُ أَوْلَادٌ وَيَكْتُبُ شَهَادَتَهُ وَيَحُوزُ نَسَبَهُ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ لَهُ رَجُلٌ: لَسْتَ مِنْ الْعَرَبِ.
قَالَ: فَهَذَا الَّذِي يُضْرَبُ مَنْ قَالَ لَهُ لَسْتَ مِنْ الْعَرَبِ الْحَدَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَازَ نَسَبُهُ هَذَا الزَّمَانَ كُلَّهُ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ كُلَّ مِنْ انْتَهَى هُوَ وَعُصْبَتُهُ إلَى جَدٍّ جَاهِلِيٍّ، أَيَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في كُلِّ بِلَادٍ اُفْتُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا، وَكَانَتْ دَارَهُمْ في الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ سَكَنَهَا أَهْلُ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ: إنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِأَنْسَابِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا في الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُمْ عَلَى أَنْسَابِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، يُرِيدُ بِذَلِكَ كَمَا كَانَتْ الْعَرَبُ حِينَ أَسْلَمَتْ.
قَالَ: وَأَمَّا قَوْمٌ تَحَمَّلُوا، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ عَدَدٌ وَكَثْرَةٌ تَوَارَثُوا بِهِ، وَكَذَلِكَ الْحِصْنُ يُفْتَحُ، فَإِنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِأَنْسَابِهِمْ.
وَأَمَّا النَّفَرُ الْيَسِيرُ يَتَحَمَّلُونَ مِثْلُ الْعَشَرَةِ وَنَحْوِهِ، فَلَا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ، إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُمْ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ عَلَى الْأَصْلِ، مِثْلُ الْأُسَارَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَكُونُونَ عِنْدَهُمْ فيخْرُجُونَ فيشْهَدُونَ لَهُمْ. فَإِنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ لِي مَالِكٌ في شَهَادَةِ السَّمَاعِ في الْوَلَاءِ: إنَّهَا جَائِزَةٌ.
قَالَ سَحْنُونٌ: يُرِيدُ في الْمَالِ لَيْسَ في الْوَلَاءِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ دَارًا في يَدَيَّ وَرِثْتهَا عَنْ أَبِي، فَأَقَامَ ابْنُ عَمِّي الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَارُ جَدِّي وَطَلَبَ مُورَثَهُ؟
قَالَ: هَذَا مِنْ وَجْهِ الْحِيَازَةِ الَّتِي أَخْبَرْتُكَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا وَاخْتُصِمَ إلَيْهِ في أَرْضٍ احْتَفَرَ فيهَا رَجُلٌ عَيْنًا، فَادَّعَى فيهَا رَجُلٌ دَعْوَى فَاخْتَصَمُوا فيهَا إلَى صَاحِبِ تِلْكَ الْمِيَاهِ، فَأَوْقَفَهُمْ حَتَّى يَرْتَفِعُوا إلَى الْمَدِينَةِ.
فَأَتَى صَاحِبُ الْعَيْنِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا فَشَكَا ذَلِكَ إلَى مَالِكٍ، فَقَالَ مَالِكٌ: قَدْ أَحْسَنَ حِينَ أَوْقَفَهَا وَرَآهُ قَدْ أَصَابَ.
قَالَ: فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ: اُتْرُكْ عُمَّالِي يَعْمَلُونَ فَإِنْ اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ فَلْيَهْدِمْ عَمَلِي.
قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى ذَلِكَ، وَأَرَى أَنْ يُوقِفَ، فَإِنْ اسْتَحَقَّ حَقَّهُ أَخَذَهُ وَإِلَّا ثَبَتَتْ.
قُلْت: وَهَلْ يَكُونُ هَذَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَغَيْرِ شَيْءٍ تُوقَفُ هَذِهِ الْأَرْضُ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أَرَى أَنْ تُوقَفَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يُرَى لِقَوْلِ الْمُدَّعِي وَجْهٌ فَتُوقَفُ عَلَيْهِ الْأَرْضُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى نَسَبٍ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا، أَتُثْبِتُ النَّسَبَ أَمْ تَرُدُّهُ؟
قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ قَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فيهِ، فَالْقَضَاءُ نَافِذٌ وَلَا يُرَدُّ.
قلت: أَرَأَيْتَ الشَّاهِدَ، بِمَ يُجَرَّحُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: يُجَرَّحُ إذَا أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا، أَوْ صَاحِبُ قِيَانٍ، أَوْ كَذَبَ في غَيْرِ شَيْءٍ أَوْ نَحْوِ هَذَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اخْتَلَطَ دِينَارٌ لِي بِمِائَةِ دِينَارٍ لَكَ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: يَكُونُ شَرِيكًا لَهُ فيمَا ضَاعَ مِنْهُمَا، هَذَا بِجُزْءٍ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ وَجُزْءٍ، وَصَاحِبُ الْمِائَةِ بِمِائَةِ جُزْءٍ، كَذَلِكَ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى، أَنَّ لِصَاحِبِ الْمِائَةِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ دِينَارًا، وَيُقَسِّمُ صَاحِبُ الْمِائَةِ وَصَاحِبُ الدِّينَارِ الدِّينَارَ الْبَاقِيَ نِصْفينِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ مِنْهَا لِصَاحِبِ الْمِائَةِ، فَكَيْفَ يَدْخُلُ صَاحِبُ الدِّينَارِ فيمَا يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ فيهِ؟ وَكَذَلِكَ بَلَغَنِي عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ.