فصل: أنواع الغيرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفوائد (نسخة منقحة)



.مراتب التقوى:

إحداها: حمية القلب والجوارح عن الآثار المحرمات.
الثانية: حميتها عن المكروهات.
الثالثة: الحمية عن الفضول وما لا يعني.
فالأولى تعطى العبد حياته، والثانية تفيد صحته وقوته، والثالثة تكسيه سروره وفرحه وبهجته.
غموض الحق حين تذب عنه ** تضل عن الدقيق فهوم قوم

يقلل ناصر الخصم المحق ** فتقضى للمجل على المدق

بالله أبلغ ما أسعى وأدركه ** لا بي ولا بشفيع لي من الناس

إذا أيست وكاد اليأس يقطعني ** جاء الرجاء مسرعاً من جانب اليأس

من خلقه الله للجنة لم تزل هداياها تأتيه من المكاره، ومن خلقه للنار لم تزل هداياه من الشهوات.
لما طلب آدم الخلود في الجنة من جانب الشجرة عوقب بالخروج منها.
ولما طلب يوسف الخروج من السجن من جهة صاحب الرؤيا لبث فيه بضع سنين.

.مشاهد العبد إذا جرى عليه مقدور يكرهه:

الأول- مشهد التوحيد:
وأن الله هو الذي قدره وشاءه وخلقه، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
الثاني- مشهد العدل:
وأنه ماض فيه حكمه عدل فيه قضاؤه.
الثالث-مشهد الرحمة:
وأن رحمته في هذا المقدور غالبة لغضبه وانتقامه ورحمته حشوه.
الرابع- مشهد الحكمة:
وأن حكمته سبحانه اقتضت ذلك، لم يقدره سدى ولا قضاه عبثاً.
الخامس- مشهد الحمد:
وأن له سبحانه الحمد التام على ذلك من جميع وجوهه.
السادس- مشهد العبودية:
وأنه عبد محض من كل وجه تجري عليه أحكام سيده وأقضيته بحكم كونه ملكه وعبده، فيصرفه تحت أحكامه القدرية كما يصرفه تحت أحكامه الدينية فهو محل لجريان هذه الأحكام عليه.
قلة التوفيق وفساد الرأي، وخفاء الحق وفساد القلب، وخمول الذكر، وإضاعة الوقت، ونفرة الخلق والوحشة بين العبد وبين ربه، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، ومحق البركة في الرزق والعمر، وحرمان العلم ولباس الذل، وإهانة العدو وضيق الصدر، والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت، وطول الهم والغم، وضنك المعيشة وكسف البال: تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله كما يتولد الزرع عن الماء، والاحتراق عن النار، وأضداد هذه تتولد عن الطاعة.

.من معاني الإنصاف له تعالى:

طوبى لمن أنصف ربه فأقر بالجهل في عمله والآفات في عمله والعيوب في نفسه والتفريط في حقه، والظلم في معاملته، فإن آخذه بذنوبه رأى عدله وإن لم يؤخذ بها رأى فضله، وإن عمل حسنة رآها من منته وصدقته عليه، فإن قبلها فمنة وصدقة ثانية، وإن ردها فلكون مثلها لا يصلح أن يواجه به، وإن عمل سيئة رآها من تخليه عنه، وخذلانه له، وإمساك عصمته عنه، وذلك من عدله فيه، فيرى في ذلك فقره إلى ربه وظلمه في نفسه، فإن غفر له فبمحض إحسانه وجوده وكرمه.
ونكتة المسألة وسرها: أنه لا يرى ربه إلا محسناً، ولا يرى نفسه إلا مسيئاً أو مفرطاً أو مقصراً فيرى كل ما يسره من فضل ربه عليه وإحسانه إليه، وكل ما يسوءه من ذنوبه وعدل الله فيه.
المحبون إذا خربت منازل أحبائهم قالوا سقياً لسكانها. وكذلك المحب إذا أتت عليه الأعوام تحت التراب ذكر حينئذ حسن طاعته له في الدنيا وتودده إليه وتجدد ورحمته وسقياه لمن كان ساكناً في تلك الأجسام البالية.

.أنواع الغيرة:

الغيرة غيرتان: غيرة على الشيء، وغيرة من الشيء، فالغيرة على المحبوب حرصك عليه، والغيرة من المكروه أن يزاحمك عليه، فالغيرة على المحبوب لا تتم إلا بالغيرة من المزاحم، وهذه تحمد حيث يكون المحبوب تقبح المشاركة في حبه كالمخلوق.
وأما من تحسن المشاركة في حبه سبحانه فلا يتصور غيره المزاحمة عليه بل هو حسد، والغيرة المحمودة في حقه أن يغار المحب على محبته له أن يصرفها إلى غيره، أو يغار عليها أن يطلع عليها الغير فيفسدها عليه، أو يغار على أعماله أن يكون فيها شيء لغير محبوبه، أو يغار عليها أن يشوبها ما يكره محبوبه من رياء أو إعجاب أو محبة لإشراف غيره عليها أو غيبته عن شهود منته عليه فيها.
وبالجملة: فغيرته تقتضي أن تكون أحواله وأعماله وأفعاله كلها لله، وكذلك يغار على أوقاته أن يذهب منها وقت في غير رضا محبوبه، فهذه الغيرة من جهة العبد، وهي غيرة من المزاحم له المعوق القاطع له عن مرضاة محبوبه. وأما غيرة محبوبه عليه فهي كراهية أن ينصرف قلبه عن محبته إلى محبة غيرة بحيث يشاركه في حبه، ولهذا كانت غيرة الله أن يأتي العبد ما حرم عليه، ولأجل غيرته سبحانه حرم الفاحشة ما ظهر وما بطن؛ لأن الخلق عبيده وإماؤه فهو يغار على إمائه كما يغار السيد على جواريه- ولله المثل الأعلى- ويغار على عبيده أن تكون محبتهم لغيره بحيث تحملهم تلك المحبة على عشق الصور ونيل الفاحشة منها.
من عظم وقار الله في قلبه أن يعصيه وقره الله في قلوب الخلق أن يذلوه.
إذا علقت شروش المعرفة في أرض القلب نبتت فيه شجرة المحبة، فإذا تمكنت وقويت أثمرت الطاعة فلا تزال الشجرة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
أول منازل القوم: {اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا} الأحزاب: 42، وأوسطها: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور} الأحزاب 43. وآخرها: {تحيتهم يوم يلقونه سلام} الأحزاب: 44.
أرض الفطرة رحبة قابلة لما يغرس فيها، فإن غرست شجرة الإيمان والتقوى أورثت حلاوة الأبدان، وإن غرست شجرة الجهل والهوى فكل الثمر مر.
ارجع إلى الله واطلبه من عينك وسمعك وقلبك ولسانك، ولا تشرد عنه من هذه الأربعة فما رجع من رجع إليه بتوفيقه إلا منها، وما شرد من شرد عنه بخذلانه إلا منها، فالموفق يسمع ويبصر ويتكلم ويبطش بمولاه، والمخذول يصدر ذلك عنه بنفسه وهواه.
مثال تولد الطاعة ونموها وتزايدها كمثل نواة غرستها فصارت شجرة ثم أثمرت فأكلت ثمرها وغرست نواها فكلما أثمر منها شيء جنيت ثمره وغرست نواه، وكذلك تداعي المعاصي، فليتدبر اللبيب هذا المثال: فمن ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها.
ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبد له ولا يمل من خدمته مع حاجته وفقره إليه، إنما العجب من مالك يتحبب إلى مملوك بصنوف إنعامه ويتودد إليه بأنواع إحسانه مع غناه عنه.
كفى بك عزًّا أنك له عبد ** وكفى بك فخراً أنه لك رب

.فوائد قيمة إياك والمعاصي:

إياك والمعاصي فإنها أذلت عِزَّ {اسجدوا} وأخرجت إقطاع: {اسكن}.
يا لها لحظة أثمرت حرارة القلق ألف سنة ما زال يكتب بدم الندم سطور الحزن في القصص ويرسلها مع أنفاس الأسف حتى جاءه توقيعُ: {فتاب عليه}.
فرح إبليس بنزول آدم من الجنة وما علم أن هبوط الغائص في اللجة خلف الدر صعود، كم بين قوله لآدم: {إني جاعل في الأرض خليفة} وقوله لك: {اذهب فمن تبعك منهم} الآية: 63 من سورة الإسراء ما جرى على آدم هو المراد من وجوده لو لم تذنبوا.
يا آدم لا تجزع من قولي لك: {اخرج منها} فلك ولصالح ذريتك خلقتها.
يا آدم كنت تدخل عليَّ دخول الملوك على الملوك، اليوم تدخل عليَّ دخول العبيد على الملوك.
يا آدم لا تجزع من كأس زال كانت سبب كيسك فقد استخرج منك داء العجب، وألبست خلعة العبودية {وعسى أن تكرهوا...} الآية: 216 من سورة البقرة.
يا آدم لم أخرج أقطاعك إلى غيرك، وإنما نحيتك عنه لأكمل عمارته لك وليبعث إلى العمال نفقة {تتجافى جنوبهم} الآية: 16 من سورة السجدة تالله ما نفعه عند معصيته عز {اسجدوا} ولا شرف {وعلم آدم} ولا خصيصة {لما خلقت بيدي} ولا فخر {ونفخت فيه من روحي} الآية: 29 من سورة الحجر وإنما انتفع بذل {ربنا ظلمنا أنفسنا} الآية: 23 من سورة الأعراف لما لبس درع التوحيد على بدن الشكر وقع سهم العدو منه في غير مقتل فجرحه، فوضع عليه جبار الانكسار فعاد كما كان، فقام الجريح كأن لم يكن به قلبة.

.نجائب النجاة مهيأة للمراد وأقدام المطرود موثوقة بالقيود:

هبت عواصف الأقدار في بيداء الأكوان فتقلب الوجود ونجم الخير فلما ركدت الريح إذا أبو طالب غريق في لجة الهلاك. وسلمان على ساحل السلامة. والوليد بن المغيرة يقدم قومه في التيه، وصهيب قد قدم بقافلة الروم، والنجاشي في أرض الحبشة يقول: لبيك اللهم لبيك، وبلال ينادي: الصلاة خير من النوم، وأبو جهل في رقدة المخالفة:
لما قضي في القدم بسابقة سلمان عرض به دليل التوفيق عن طريق آبائه في التمجس فأقبل يناظر أباه في دين الشرك، فلما علاه بالحجة لم يكن له جواب إلا القيد.
وهذا جواب يتداوله أهل الباطل من يوم حرفوه، وبه أجاب فرعون موسى: {لئن اتخذت إلهاً غيري} الآية: 29 من سورة الشعراء وبه أجاب الجهمية الإمام أحمد لما عرضوه على السياط، وبه أجاب أهل البدع شيخ الإسلام حين استودعوه السجن، وها نحن على الأثر فنزل به ضيف {و لنبلونكم} فنال بإكرامه مرتبة: «سلمان منا أهل البيت» فسمع أن ركبا على نية السفر فسرق نفسه من أبيه ولا قطع فركب راحلة العزم يرجو إدراك مطلب السعادة فغاص في بحر البحث ليقع بدرة الوجود، فوقف نفسه على خدمه الأدلاء وقوف الأذلاء. فلما أحس الرهبان بانقراض دولتهم سلموا إليه أعلام الإعلام على نبوة نبينا، وقالوا إن زمانه قد أظل فاحذر أن تضل، فرحل مع رفقة لم يرفقوا به {وشروه بثمن بخس دارهم معدودة} الآية: 20 من سورة يوسف فابتاعه يهودي بالمدينة، فلما رأى الحرة توقد حرا شوقه ولم يعلم رب المنزل بوجد النازل، فبينا هو يكابد ساعات الانتظار قدم البشير بقدوم البشير، وسلمان في رأس نخلة وكاد القلق يلقيه لولا أن الحزم أمسكه كما جرى يوم {إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها} الآية: 10 من سورة القصص فعجل النزول لتلقي ركب البشارة ولسان حاله يقول:
خليليَّ من نجد قفا بي على الربا ** قد هب من تلك الديار نسيم

فصاح به سيده: ما لك، انصرف إلى شغلك فقال: كيف انصرافي ولي في داركم شغلي ثم أخذ لسان حاله يترنم لو سمع الأطروش الأطرش الذي لا يسمع:
خليليَّ لا والله ما أنا منكما ** إذا علم من آل ليلى بدائيا

فلما لقي الرسول عارض نسخة الرهبان بكتاب الأصل فوافقه، يا محمد أنت تريد أبا طالب ونحن نريد سلمان.
أبو طالب إذا سئل عن اسمه قال: عبد مناف. وإذا انتسب افتخر بالآباء وإذا ذكرت الأموال عد الإبل، وسلمان إذا سئل عن اسمه قال: عبد الله، وعن نسبه قال ابن الإسلام. وعن ماله قال الفقر، وعن حانوته قال المسجد. وعن نسبه قال الصبر وعن لباسه قال التقوى والتواضع. وعن وساده قال السهر، وعن فخره قال سلمان منا، وعن قصده قال يريدون وجهه، وعن سيره قال إلى الجنة. وعن دليله في الطريق قال إمام الخلق وهادي الأئمة:
إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا ** كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا

وإن نحن أظللنا الطريق ولم نجد ** دليلا كفانا نور وجهك هاديا

الذنوب جراحات، ورب جرح وقع في مقتل. لو خرج عقلك من سلطان هواك عادت الدولة له. دخلت دار الهوى فقامرت بعمرك. إذا عرضت نظرة لا تحل فاعلم أنها مسعر حرب فاستتر منها بحجاب {قل للمؤمنين} الآية: 30 من سورة النور فقد سلمت من الأثر {وكفى الله المؤمنين القتال}. [الآية: 25 من سورة الأحزاب].
بحر الهوى إذا مد أغرق، وأخوف المنافذ على السابح فتح البصر في الماء.
** أحد أكرم من مفرد ** منعماً في القبر في روضه

في قبره أعماله تؤنسه ** ليس كعبد قبره محبسه

على قدر فضل المرء تأتى خطوبه ** ويعرف عند الصبر فيما يصيبه

ومن قل فيما يتقيه اصطباره ** فقد قل مما يرتجيه نصيبه

كم قطع زرع قبل التمام فما ظن الزرع المستحصد. اشتر نفسك فالسوق قائمة والثمن موجود. لا بد من سنة الغفلة ورقاد الهوى ولكن كن خفيف النوم فحراس البلد يصيحون: دنا الصباح.
نور العقل يضيء في ليل الهوى فتلوح جادة الصواب فيتلمح البصير في ذلك النور عواقب الأمور. اخرج بالعزم من هذا الفناء الضيق المحشو بالآفات إلى ذلك الفناء الرحب الذي فيه ما لا عين رأت فهناك لا يتعذر مطلوب ولا يفقد محبوب.
يا بائعاً نفسه بهوى مَنْ حُبُّه ضنى ووصله أذى، وحسنه إلى فنا، لقد بعت أنفس الأشياء بثمن بخس كأنك لم تعرف قدر السلعة ولا خسة الثمن حتى إذا قدمت يوم التغابن لك الغبن في عقد التبايع.
لا إله إلا الله، سلعة: الله مشتريها وثمنها الجنة والدلال الرسول، ترضى ببيعها بجزء يسير مما لا يساوي كله جناح بعوضة.
إذا كان شيء لا يساوي جميعه ** جناح بعوض عند من صرت عبده

ويملك جزء منه كلك ما الذي ** يكون على ذا الحال قدرك عنده

وبعت به نفساً قد استامها بما ** لديه من الحسنى وقد زال وده

ذا هنا اسم إشارة منها هاء التنبيه وليست من الأسماء الخمسة:
يا مخنث العزم أين أنت والطريق، طريق تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورمي في النار الخليل، واضطجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس، ولبث في السجن بضع سنين، ونشر بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضر أيوب، وزاد على المقدار بكاء داود، وسار مع الوحش عيسى، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم، تزها أنت باللهو واللعب.
فيا دارها بالحزن إن مزارها ** قريب ولكن دون ذلك أهوال

الحرب قائمة وأنت أعزل في النظارة، فإن حركت ركابك فللهزيمة. ومن لم يباشر حر الهجير في طلاب المجد لم يَقِل في ظلال الشرف.
تقول سليمى لو أقمت بأرضنا ** ولم تدر أني للمقام أطوف

قيل لبعض العباد: إلى كم تتعب نفسك فقال: راحتها أريد.
يا مكرماً بحلة الإيمان بعد حلة العافية وهو يخلقهما، في مخالفة الخالق لا تنكر السلب؛ يستحق من استعمل نعمة المنعم فيما يكره أن يسلبها.
عرائس الموجودات قد تزينت للناظرين ليبلوهم أيهم يؤثرهن على عرائس الآخرة فمن عرف قدر التفاوت آثر ما ينبغي إيثاره.
وحسان الكون لما أن بدت ** أقبلت نحوي وقالت لي: إلي

فتعاميت كأن لم أرها ** عندما أبصرت مقصودي لدي

كواكب همم العارفين في بروج عزائمهم سيارة ليس فيها زحل.
يا من انحرف عن جادتهم كن في أواخر الركب، ونم إذا نمت على الطريق فالأمير يراعي الساقة.
قيل للحسن: سبقنا القوم على خيل دهم ونحن على حمر معقرة، فقال: إن كنت على طريقهم فما أسرع اللحاق بهم.

.حقيقة المحب الصادق:

المحب الصادق من وجد أنسه بالله بين الناس ووجده في الوحدة.
من فقد أنسه بين الناس ووجده في الوحدة فهو صادق ضعيف. ومن وجده بين الناس وفقده في الخلوة فهو معلول. ومن فقده بين الناس وفي الخلوة فهو ميت مطرود، ومن وجده في الخلوة وفي الناس فهو المحب الصادق القوي في حاله، ومن كان فتحه في الخلوة لم يكن مزيده إلا منها، ومن كان فتحه بين الناس ونصحهم وإرشادهم كان مزيده معهم، ومن كان فتحه في وقوفه مع مراد الله حيث أقامه في أي شيء استعمله كان مزيده في خلوته ومع الناس، فأشرف الأحوال ألا تختار لنفسك حالة سوى ما يختاره لك ويقيمك فيه فكن مع مراده منك ولا تكن مع مرادك منه.
مصابيح القلوب الطاهرة في أصل الفطرة منيرة قبل الشرائع {يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار} الآية: 35 من سورة النور.
وحَّدَ قُسٌّ وما رأى الرسول، وكفر ابن أُبي وقد صلى معه في المسجد.
مع الصب ري ولا ماء، وكم من عطشان في اللجة.
سبق العلم بنبوة موسى وإيمان آسية فسيق تابوته إلى بيتها فجاء طفل منفرد عن أم إلى امرأة خالية عن ولد! فلله كم في هذه القصة من عبرة: كم ذبح فرعون في طلب موسى من ولد ولسان القدر يقول: لا تربيه إلا في حجرك!
كان ذو البجادين يتيماً في الصغر فكفله عمه فنازعته نفسه إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فهمَّ بالنهوض فإذا بقية المرض مانعة فقعد ينتظر العم، فلما تكاملت صحته نفذ الصبر فناداه ضمير الوجد:
إلى كم حبسها تشكو المضيقا ** أثرها ربما وجدت طريقاً

فقال: يا عم طال انتظاري لإسلامك وما أرى منك نشاطاً، فقال: والله لئن أسلمت لأنتزعن كل ما أعطيتك، فصاح لسان الشوق: نظرة من محمد أحب إلى من الدنيا وما فيها.
ولو قيل للمجنون ليلى ووصلها ** تريد أم الدنيا وما في طواياها

لقال ترابٌ من غبار نعالها ** ألذ إلى نفسي وأشفى لبلواها

فلما تجرد للسير إلى الرسول صلى الله عليه وسلم جرده من الثياب فناولته الأم بجادا فقطعه لسفر الوصل نصفين: اتزر بأحدهما وارتدى بالآخر، قنع أن يكون في ساقة الأحباب، والمحب لا يرى الطريق؛ لأن المقصود يعينه.
ألا بلغ الله الحمى من يريده ** وبلغ أكناف الحمى من يريدها

فلما قضى نحبه نزل الرسول صلى الله عليه وسلم يمهد له لحده وجعل يقول: «اللهم إني أمسيت عنه راضياً فارض عنه». فصاح ابن مسعود: يا ليتني كنت صاحب القبر.
فيا مخنث العزم أقل ما في الرقعة البيذق فلما نهض تفرزن.
رأى بعض الحكماء برذوناً يسقى عليه فقال لو هملج هذا لركب.
إقدام العزم بالسلوك اندفع من بين أيديها سد القواطع.
القواطع محن يتبين بها الصادق من الكاذب فإذا خضتها انقلبت أعواناً لك توصلك إلى المقصود.