فصل: الفصل الثالث عشر: الديوان الصوفي الذي يحكم العالم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة **


 الفصل الثالث عشر‏:‏ الديوان الصوفي الذي يحكم العالم

إكمالًا لإحكام السيطرة الخرافية على العالم، اخترع رجال التصوف بخيالاتهم الشيطانية المريضة‏.‏‏.‏ اخترعوا ديوانًا للأقطاب والأوتاد وسائر صنوف الأولياء عندهم ينعقد في غار حراء، وفي أماكن أخرى أحيانًا ليدير هذا الديوان العالم من خلال قراراته‏.‏‏.‏

وقد كفانا أحمد بن مبارك السلجماسي المغربي في كتابه الإبريز المؤنة وقد بسط وشرح بخيال لا يجارى، وبعقلية عندها قدرة عجيبة على الكذب والبهتان، هذا الديوان العجيب على الرغم من أنه غاية في الكفر والزندقة ولا يخلو من طرافة الخرافة‏.‏ وسأحاول أن تكون تعليقاتي وشرحي لبعض ما جاء في هذا الديوان قليلة وذلك أنني أتصور وأعتقد أيضًا أن الفكرة السيئة يكفي لدحضها وبيان تفاهتها أن يعرفها الناس فلو أن الناس عرفوا الأفكار الصوفية على حقيقتها لما راج التصوف وقامت سوقه ولكن لأنه دائمًا كان يغلف الخرافة والكفر والشرك بالرموز والأسرار، واللف والدوران مع ما يعلنه من التمسك بالكتاب والسنة جعل الناس يتهافتون على ما عندهم ظنًا أن عندهم فعلًا علومًا جديدة وفوائد عظيمة ولكن لو أن الناس فهموا ما عند المتصوفة على حقيقته لتغير الحال‏.‏ وهذا نمط من الأسرار الصوفية التي يدعي المتصوفة أنهم وصلوا إليها‏.‏ يقول السلجماسي في وصف الديوان الباطني الصوفي ما يلي‏:‏

 هيئة الديوان

 الباب الرابع في ذكر ديوان الصالحين ـ رضي الله عنهم ـ أجمعين

سمعت الشيخ ‏(‏يعني بالشيخ عبدالعزيز الدباغ الأمي الجاهل الذي يدعي أنه قد علِم علمَ الأولين والآخرين جميعًا‏)‏، ـ رضي الله عنه ـ يقول الديوان يكون بغار حراء الذي كان يتحنف فيه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل البعثة قال ـ رضي الله عنه ـ فيجلس الغوث خارج الغار ومكة خلف كتفه الأيمن والمدينة أمام ركبته اليسرى وأربعة أقطاب عن يمينه وهم مالكية على مذهب مالك بن أنس ـ رضي الله عنه ـ وثلاثة أقطاب عن يساره واحد من كل مذهب ومن المذاهب الأخرى والوكيل أمامه ويسمى قاضي الديوان وهو في هذا الوقت مالكي أيضًا من بني خالد القاطنين بناحية البصرى واسمه سيدي محمد بن عبد الكريم البصراوي ومع الوكيل يتكلم الغوث ولذلك يسمى وكيلًا لأنه ينوب في الكلام عن جميع من في الديوان‏.‏ قال والتصرف للأقطاب السبعة على أمر الغوث وكل واحد من الأقطاب السبعة تحته عدد مخصوص يتصرفون تحته والصفوف الستة من وراء الوكيل وتكون دائرتها من القطب الرابع الذي على اليسار من الأقطاب الثلاثة فالأقطاب السبعة هم أطراف الدائرة وهذا هو الصف الأول وخالطه الثاني على صفته وعلى دائرته وهكذا الثالث إلى أن يكون السادس آخرها‏.‏ قال ويحضره النساء وعددهن قليل وصفوفهن ثلاثة وذلك في جهة الأقطاب الثلاثة التي على اليسار فوق دائرة الصف الأول فسحة هناك بين الغوث والأقطاب الثلاثة قال ـ رضي الله عنه ـ ويحضره بعض الكمل من الأموات ويكونون في الصفوف مع الأحياء ويتميزون بثلاثة أمور أحدها أن زيهم لا يتبدل بخلاف زي الحي وهيئته فمرة يحلق شعره ومرة يحدد ثوبه وهكذا‏.‏ وأما الموتى فلا تتبدل حالتهم فإذا رأيت في الديوان رجلًا على زي لا يتبدل فاعلم أنه من الموتى كأن تراه محلوق الشعر ولا ينبت له شعر فاعلم أنه على تلك الحالة مات، وإن رأيت الشعر على رأسه على حاله لا يزيد ولا ينقص ولا يحلق فاعلم أنه ميت وأنه مات على تلك الحالة، ثانيها أنه لا تقع معهم المشاورة في أمور عالم الأموات قال ـ رضي الله عنه ـ ومن آداب زائر القبور إذا أراد أن يدعو لصاحب القبر ويتوسل إلى الله تعالى بولي من أوليائه في إجابة دعوته أن يتوسل إليه تعالى بولي ميت فإنه أنجع للمقصود وأقرب لإجابة دعوته‏.‏ ثالثها أن ذات الميت لا ظل لها فإذا وقف الميت بينك وبين الشمس فإنك لا ترى له ظلًا وسره أنه يحضر بذات روحه لا بذاته الفانية الترابية وذات الروح خفيفة لا ثقيلة وشفافة لا كثيفة قال لي ـ رضي الله عنه ـ وكم مرة أذهب إلى الديوان أو إلى مجمع من ملجأ الأولياء وقد طلعت الشمس فإذا رأوني من بعيد استقبلوني فأراهم بعين رأسي متميزين هذا بظله وهذا لا ظل له‏.‏ قال ـ رضي الله عنه ـ والأموات الحاضرون في الديوان ينزلون إليه من البرزخ يطيرون طيرًا بطيران الروح فإذا قربوا من موضع الديوان بنحو مسافة نزلوا إلى الأرض ومشوا على أرجلهم إلى أن يصلوا إلى الديوان تأدبًا مع الأحياء وخوفًا منهم‏.‏ قال وكذا رجال الغيب إذا زار بعضهم بعضًا فإنه يجيء بسير روحه فإذا قرب من موضعه تأدب ومشى مشي ذاته الثقيلة تأدبًا وخوفًا‏.‏ قال وتحضره الملائكة وهم من وراء الصفوف ويحضر أيضًا الجن الكمل وهم الروحانيون وهم من وراء الجميع وهم لا يبلغون صفًا كاملًا قال ـ رضي الله عنه ـ وفائدة حضور الملائكة والجن أن الأولياء يتصرفون في أمور تطيق ذواتهم الوصول إليها وفي أمور أخرى لا تطيق ذواتهم الوصول إليها فيستعينون بالملائكة وبالجن في الأمور التي لا تطيق ذواتهم الوصول إليها‏"‏ ا‏.‏هـ منه بلفظه ‏(‏الإبريز ص163،164‏)‏‏.‏

الغوث الصوفي هو بمنزلة رب الأرباب عندهم أو كبير المتصوفين في هذا العالم، وهناك عدد كبير جدًا من المتصوفة زعم أنه وصل إلى هذه المرحلة ‏(‏الغوثية أو القطبية والقطبانية الكبرى‏)‏ منهم الدباغ هذا وكان أميًا جاهلًا لا يحفظ حزبًا من القرآن الكريم ‏(‏وانظر معنى الغوث في فصل الولاية الصوفية‏)‏ وجعلوا هذا الغوث الذي يدبر العالم من غار حراء جعلوا في خدمته الأقطاب والأوتاد والنجباء وسائر الأولياء بل والملائكة والجن أيضًا‏.‏‏.‏ ولم يقصروا الحضور على الأحياء فقط بل جعلوا الحضور للأموات أيضًا‏.‏‏.‏

 زعمهم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحضر الديوان

ولم يكتف هؤلاء الشياطين بأنفسهم لحضور هذه الخيالات حتى زعموا أيضًا أن الرسول يحضر معهم‏:‏ قال ‏(‏أي الدباغ‏)‏‏:‏ ‏"‏وفي بعض الأحيان يحضره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإذا أحضر عليه السلام جلس في موضع الغوث وجلس الغوث في موضع الوكيل للصف، وإذا جاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جاءت معه الأنوار التي لا تطاق دائمًا وهي أنوار محرقة مفزعة قاتله لحينها، وهي أنوار المهابة والجلالة والعظمة حتى إننا لو فرضنا أربعين رجلًا بلغوا في الشجاعة مبلغًا لا مزيد عليه ثم فجؤوا بهذه الأنوار فإنهم يصعقون لحينهم إلا أن الله تعالى يرزق أولياءه القوة على تلقيها ومع ذلك فإنه قليل منهم هو الذي يضبط الأمور والتي صدرت في ساعة حضوره ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏ قال وكلامه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الغوث قال وكذلك الغوث إذا غاب ـ صلى الله عليه وسلم ـ تكون له أنوار الخارقة حتى لا يستطيع أهل الديوان أن يقربوا منه بل يجلسون منه على بعد فالأمر الذي ينزل من عند الله تعالى لا تطيقه ذات إلا ذات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإذا خرج من عنده ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلا تطيقه ذات إلا ذات الغوث ومن ذات الغوث يتفرق على الأقطاب السبعة ومن الأقطاب السبعة تفرق على أهل الديوان‏"‏ ا‏.‏هـ منه بلفظه ‏(‏الإبريز ص164‏)‏‏.‏

 ساعة انعقاد الديوان

ويستطرد السلجماسي قائلًا‏:‏ ‏"‏وأما ساعة الديوان سبق الكلام عليها وإنها هي الساعة التي ولد فيها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإنها هي ساعة الاستجابة من ثلث الليل الأخير التي وردت بها الأحاديث كحديث‏:‏ ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حيث يبقى ثلث الليل الأخير فيقول من يدعوني فأستجيب له‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏ قلت ومن أراد أن يظفر بهذه الساعة فليقرأ عند إرادة النوم ‏{‏إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلًا‏.‏‏.‏‏}‏ [الكهف: 107: 110 ]. إلى آخر السورة ويطلب من الله تعالى أن يوقظه في الساعة المذكورة فإنه يفيق فيها ذكره الشيخ عبدالرحمن الثعالبي ـ رضي الله عنه ـ وقد جربناه ما لا يحصي وجربه غيرنا حتى إنه وقع لجماعة غير مأمورة أن يقرأوا الآية المذكورة ويطلبوا من الله تعالى الإفاقة في الساعة المذكورة كل منهم يفعل ذلك في خاصة نفسه من غير أن يعلم به صاحبه وإذا أفاقوا أفاقوا جميعًا في وقت واحد‏"‏ انتهى منه بلفظه ‏(‏الإبريز ص164‏)‏‏.‏

 زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والديوان

ويستمر السلجماسي في خيالاته الشيطانية فيقول‏:‏ ‏"‏وسألته ـ رضي الله عنه ـ هل يحضر الديوان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثل سيدنا إبراهيم وسيدنا موسى وغيرهما من الرسل على نبينا وعليهم أفضل الصلاة والسلام فقال ـ رضي الله عنه ـ يحضرونه في ليلة واحدة في العام قلت فما هي قال في ليلة القدر فيحضره في تلك الليلة الأنبياء والمرسلون ويحضره الملأ الأعلى من الملائكة المقربين وغيرهم ويحضره سيد الوجود ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويحضر معه أزواجه الطاهرات وأكابر صحابته الأكرمين ـ رضي الله عنه ـم أجمعين‏"‏ انتهى بلفظه ‏(‏الإبريز‏)‏‏.‏

قلت يتعجب المسلم كيف تأتي لهؤلاء هذه القدرة على الكذب والبهتان، وكيف قادتهم الشياطين لمثل هذه الافتراءات التي يتضاحك منها الصبيان فضلًا عن العقلاء‏.‏ فالحمد لله الذي نجانا وهدانا وأخرجنا برحمته من ظلمات هذه الوثنية إلى نور الإسلام والاستظلال بظلال القرآن الحكيم والسنة النبوية المطهرة وأبعدها عن تخريفات أهل البهتان‏.‏

 زعمهم حضور الملائكة للديوان

ثم يقول السلجماسي ‏"‏وسمعته ـ رضي الله عنه ـ يقول إن الديوان أولًا كان معمورًا بالملائكة ولما بعث الله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعل الديوان يعمر بأولياء هذه الأمة فظهر أن أولئك الملائكة كانوا نائبين عن أولياء هذه الأمة المشرفة حيث رأينا الولي إذا خرج إلى الدنيا وفتح الله عليه وصار من أهل الديوان فإنه يجيء إلى موضع مخصوص في الصف الأول أو غيره فيجلس فيه و يصعد الملك الذي في ذلك الوضع وهكذا كانت بداية عمارة الديوان حتى كمل ولله الحمد كلما ظهر ولي صعد ملك وأما الملائكة الذين هم باقون فيه يكونون في الصفوف الستة كما سبق فهم ملائكة ذات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذين كانوا حفاظًا لها في الدنيا ولما كان نور ذاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مفرقًا في أهل الديوان بقيت ملائكة الذات الشريفة مع ذلك النور الشريف‏.‏ قال ـ رضي الله عنه ـ وإذا حضر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الديوان وجاءت معه الأنوار التي لا تطاق بادرت الملائكة الذين مع أهل الديوان ودخلوا في نوره ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما دام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الديوان لا يظهر منهم ملك فإذا خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجع الملائكة إلى مراكزهم والله أعلم‏"‏ ‏(‏الإبريز ص174‏)‏‏.‏

ولست أدري لماذا يقول هؤلاء الكذابون بعد كل هذا الدجل والكذب ‏(‏والله أعلم‏)‏ ماذا تفيدهم هذه الكلمة العظيمة في هذا الموضع الذي يكذبون فيه على الله‏.‏ إنهم بزعمهم يتكلمون على حقائق وعلوم وأسرار غيبية زعموا أنهم رأوها وشاهدوها وليست عندهم مجرد ظن أو اجتهاد فلماذا يقولون بعد ذلك والله أعلم وهم يعلمون يقينًا أنهم يكذبون ويفترون، ويضحكون على عقول الدهماء والتي تسير وراءهم وتصدقهم‏.‏

أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وفاطمة والحسن والحسين أعضاء في الديوان‏:‏

ويستمر السلجماسي في خيالاته الفاجرة فيقول‏:‏

‏"‏قال ـ رضي الله عنه ـ وإذا حضر سيد الوجود ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع غيبة الغوث فإنه يحضر معه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين وأمهما فاطمة الزهراء تارة كلهم وتارة بعضهم ـ رضي الله عنهم ـ أجمعين، قال وتجلس مولاتنا فاطمة مع جماعة النسوة اللاتي يحضرن الديوان في جهة اليسار كما سبق وتكون مولاتنا فاطمة أمامهن ـ رضي الله عنها ـ وعنهن قال ـ رضي الله عنه ـ وسمعتها ـ رضي الله عنه ـا تصلي على أبيها ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلة من الليالي وهي تقول اللهم صل على من روحه محراب الأرواح والملائكة والكون اللهم صل على من هو إمام الأنبياء والمرسلين اللهم صل على من هو إمام أهل الجنة عباد الله المؤمنين وكانت تصلي عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكن لا بهذا اللفظ وإنما أنا استخرجت معناه‏.‏ والله أعلم‏"‏ انتهى ‏(‏الإبريز ص168‏)‏‏.‏

 لغة أهل الديوان

ويقول أحمد بن مبارك‏:‏

‏"‏سمعته ـ رضي الله عنه ـ يقول إن لغة أهل الديوان ـ رضي الله عنه ـم هي السريانية لاختصارها وجمعها المعاني الكثيرة ولأن الديوان يحضر الأرواح والملائكة والسريانية هي لغتهم ولا يتكلمون العربية إلا إذا حضر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أدبًا معه‏"‏ ا‏.‏هـ ‏(‏الإبريز ص168‏)‏‏.‏

ولست أدري لماذا يجمع المتصوفة تقريبًا على اختيار اللغة السريانية لغة للديوان، ولمعاني الحروف، وللأذكار فإما للتلبيس على الناس لأنها لغة منقرضة لا توجد إلا في قرية واحدة الآن من قرى سوريا ولا يتكلمها إلا نحو خمسمائة شخص فقط، أو لأن هذه اللغة كانت لغة أقوام اشتهروا بعبادة الجن والأوثان وهذا الذي يبدو فإن هذه اللغة كانت لأقوام وثنيين من عبدة الجن والكواكب وما يزال كثير من هذه القرية التي يتكلم أصحابها بهذه اللغة مهجورًا مسكونًا بالجن‏.‏

أولياء يحضرون الديوان بأرواحهم فقط‏:‏

ثم يقول السلجماسي‏:‏ ‏"‏وسمعته ـ رضي الله عنه ـ يقول إن الصغير من الأولياء يحضر بذاته وأما الكبير فلا تحجير عليه يشير ـ رضي الله عنه ـ إلى أن الصغير إذا حضر غاب عن محله وداره فلا يوجد في بلدته أصلًا لأنه يذهب إليه بذاته‏.‏ وأما الكبير فإنه يدبر وعلى رأسه فيحضر ولا يغيب عن داره لأن الكبير يقدر على التطور على ما شاء من الصور لكمال روحه تدبر له إن شاء ثلاثمائة وست وستون ذاتًا بل سمعت الشيخ ـ رضي الله عنه ـ مرة وأنا معه خارج باب الحبشة أحد أبواب فاس حرسها الله يقول‏:‏ ايش هو‏:‏ الديوان والأولياء الذين يقيمونه كلهم في صدري وسمعته مرة يقول إنما يقام الديوان في صدري‏"‏ ‏(‏الإبريز ص167‏)‏‏.‏

ولعل الكلمة الأخيرة التي قالها الدباغ هي أصدق ما قال أعني أن الديوان يقام فقط في قلبه المريض وفي عقله المجنون وأما ذكره من غار حراء والأولياء والأنبياء والرسل وسائر هذه التخريفات فلا صحة لها‏.‏

 الديوان يعقد في صحراء السودان أحيانًا

الصحراء السودانية مكان آخر لانعقاد الديوان يقول السلجماسي‏:‏ ‏"‏‏(‏وسألته‏)‏ ـ رضي الله عنه ـ هل يكون الديوان في موضع آخر غير غار حراء فقال ـ رضي الله عنه ـ نعم يكون في موضع آخر مرة في العام لا غير وهذا الموضع يقال له زاوية أَسَا بفتح الهمزة والسين بعدها ألف خارج أرض سوس بينها وبين أرض غرب السودان فيحضر أولياء السودان ومنهم من لا يحضر الديوان إلا في تلك الليلة ويأذن الله تعالى ويسوق أهل آفاق تلك الأراضي ويجتمعون بالوضع المذكور قبل تلك الليلة بيوم أو يومين وبعدها كذلك يجتمع في ذلك السوق من التبر ما لا يحصى فقلت وهل ثم مع آخر في غير هذين الموضعين فقال نعم يجتمعون ولكن لا يجتمع نحو العشرة منهم في موضع قط إلا في الموضعين السابقين لأن الأرض لا تطيقهم لأنه تعالى أراد تفرقهم في الأرض وفي الخلق والله تعالى أعلم‏"‏ ا‏.‏هـ منه بلفظه ‏(‏الإبريز ص73‏)‏‏.‏

ماذا لو غاب الغوث‏:‏

ويقول السلجماسي أيضًا‏:‏ ‏"‏وسمعته ـ رضي الله عنه ـ يقول قد يغيب الغوث عن الديوان فلا يحضر فيحصل بين أولياء الله تعالى من أهل الديوان ما يوجب اختلافهم فيقع منهم التصرف الموجب لأن يقتل بعضهم بعضًا فإن غالبهم اختار أمرًا وخالف الأقل في ذلك فإن الأقل يحصل فيهم التصرف السابق فيموتون جميعًا وقد اختلفوا ذات يوم في أمر فقال طائفة منهم قليلة إن يكن لكم ذلك الأمر فلتمت فقالت الطائفة الكثيرة فموتوا إن شئتم فماتت الطائفة القليلة قال ـ رضي الله عنه ـ فإن تكافأ الفريقان إن حصل التصرف فيهم معًا فقلت فإنهم أهل بصيرة وكشف فلم يحصل بينهم النزاع وهم يشاهدون مراد الله تعالى ببصيرتهم فقال ـ رضي الله عنه ـ إذا كان الأقل هو المخالف فإن الله يحجبهم عن المراد حتى ينفذ ما فيهم وإذا تكافأ الفريقان فإن مراد الحق سبحانه يخفى على الجميع لأن قلوب الأولياء الأوفياء مظاهر الأقدار وقد اختلفت وتكافأت فقلت فما سبب غيبة الغوث ـ رضي الله عنه ـ عن الديوان فقال ـ رضي الله عنه ـ سببه أحد أمرين إما غيبته في مشاهدة الحق سبحانه فلهذا لا يحضر في الديوان وإما كونه في بداية توليته كما إذا كان بقرب موت الغوث الذي قبله فإنه قد لا يحضر في بداية الأمر حتى تتأنس ذاته شيئًا فشيئًا قال ـ رضي الله عنه ـ وقد يحضر سيد الوجود ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غيبة الغوث فيحصل لأهل الديوان من الخوف والجزع من حيث إنهم يجهلون العاقبة في حضوره ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما يخرجهم عن جناسهم حتى إنه لو طال ذلك أيامًا لانهدم العوالم‏"‏ ‏(‏الإبريز ص168‏)‏‏.‏

 الغوث الصوفي دكتاتور كبير

وأما الغوث هذا فهو أخطر دكتاتور فإن أي أحد لا يستطيع أن يفتح فمه عنده يقول السلجماسي‏:‏

‏"‏وسألته مرة فقلت‏:‏ إذا حضر الغوث فهل يقدر أحد على مخالفته فقال ـ رضي الله عنه ـ لا يقدر أن يحرك شفته السفلى بالمخالفة فضلًا عن النطق بها فإنه لو فعل ذلك لخاف على نفسه من سلب الإيمان فضلًا عن شيء آخر والله أعلم‏"‏ ‏(‏الإبريز ص169‏)‏‏.‏

ولست أدري ما دام هذا هو حال غوثهم مع سائر أوليائهم المزعومين فلماذا الحضور إذن في هذا الديوان هل هو لمجرد تلقي الأوامر فقط‏.‏‏.‏‏؟‏‏!‏

 أولياء ينظرون في اللوح المحفوظ

ويستطرد السلجماسي مبينًا مراتب الأولياء الذين يحضرون ديوانهم المكذوب فيقول‏:‏ ‏"‏وسمعته ـ رضي الله عنه ـ يقول ليس كل من يحضر الديوان من الأولياء يقدر على النظر في اللوح المحفوظ بل منهم من يقدر على النظر فيه ومنهم من يتوجه إليه ببصيرته ويعرف ما فيه ومنهم من لا يتوجه إليه لعلمه بأنه ليس من أهل النظر إليه قال ـ رضي الله عنه ـ كالهلال فإن رؤية الناس إليه مخالفة‏"‏ ا‏.‏هـ‏.‏

وأقول ألا لعنة الله على من كذب مثل هذا الكذب الذي لم تعرف البشرية له مثيلًا من قبل قط‏.‏‏.‏ ولكن العجيب أن ينشر مثل هذا الفكر المجنون عند أناس يقرأون كتاب الله الذي يقول ‏{‏قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون‏}‏‏ [النمل: 65].‏

لماذا يجتمع أهل الديوان‏:‏

والآن نأتي إلى بيت القصيد كما يقولون فلماذا يجتمع أهل الديوان‏؟‏ يقول السلجماسي‏:‏ ‏"‏وسمعته ـ رضي الله عنه ـ يقول أن أهل الديوان إذا اجتمعوا فيه اتفقوا على ما يكون من ذلك الوقت إلى مثله من الغد فهم ـ رضي الله عنهم ـ يتكلمون في قضاء الله عز وجل في اليوم المستقبل والليلة التي تليه قال ـ رضي الله عنه ـ ولهم التصوف في العوالم كلها السفلية والعلوية وحتى في الحجب السبعين وحتى في عالم الرقا ‏(‏بالراء وتشديد القاف‏)‏ وهو ما فوق الحجب السبعين فهم الذين يتصرفون فيه وفي أهله وفي خواطرهم وما تهمس به ضمائرهم فلا يهمس في خاطر واحد منهم شيء إلا بإذن أهل التصرف ـ رضي الله عنه ـم أجمعين وإذا كان هذا في عالم الرقا الذي هو فوق الحجب السبعين التي هي فوق العرش فما ظنك بغير من العوالم‏"‏ ‏(‏الإبريز ص169‏)‏‏.‏‏.‏

فانظر كيف يتحكم هؤلاء بخيالاتهم وكذبهم ليس في الأرض فقط بل في الأرض والسماء وما فوق السماء من الحجب والعرش، فماذا أبقى هؤلاء الكاذبون المارقون لله سبحانه وتعالى ليتصرف فيه‏.‏‏.‏ تَبَّتْ عقول استساغت مثل هذا الكذب واعتقدت مثل هذا الهراء‏!‏‏!‏

 الباب الرابع‏:‏ الشريعة الصوفية

في الأبواب والفصول السابقة اطلعنا على حقيقة المعتقد الصوفي، وسبرنا غور هذا الفكر الباطني الذي يتستر بالإسلام‏.‏ والآن نأتي إلى الشريعة الصوفية ونعني بها العمل الظاهر، والمنهج العملي الذي سلكه رجال التصوف تضليلًا للعامة، ووصولًا إلى العقيدة الباطنية، وتظاهرًا بالتمسك بالإسلام المنزل على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسيعلم القارئ كيف أن الظاهر الصوفي والشريعة الخاصة الصوفية لا تكاد تخرج عن البدعة والفسق والكفر والشرك‏.‏ ولنبدأ بأخص أمورهم وأشهرها، التي جعلوها دائمًا المدخل إلى الطريق الصوفي ألا وهو الذكر‏.‏