فصل: كِتَابُ اللَّقِيطِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.الْبَابُ الْعَاشِرُ فِي الْبُغَاةِ:

أَهْلُ الْبَغْيِ كُلُّ فِرْقَةٍ لَهُمْ مَنَعَةٌ يَتَغَلَّبُونَ وَيَجْتَمِعُونَ وَيُقَاتِلُونَ أَهْلَ الْعَدْلِ بِتَأْوِيلٍ وَيَقُولُونَ الْحَقُّ مَعَنَا وَيَدَّعُونَ الْوِلَايَةَ فَإِنْ تَغَلَّبَ قَوْمٌ مِنْ اللُّصُوصِ عَلَى مَدِينَةٍ وَأَخَذُوا الْمَالَ فَلَيْسُوا بُغَاةً كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
إذَا خَرَجَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَغَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ دَعَاهُمْ إلَى الْعَوْدِ إلَى الْجَمَاعَةِ وَكَشَفَ عَنْ شُبْهَتِهِمْ وَدَعَاهُمْ إلَى التَّوْبَةِ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، إذَا بَلَغَهُ أَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ السِّلَاحَ وَيَتَهَيَّئُونَ لِلْقِتَالِ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُمْ، وَيَحْبِسَهُمْ حَتَّى يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ، وَيُحْدِثُوا تَوْبَةً دَفْعًا لِلشَّرِّ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
يَحِلُّ لِلْإِمَامِ الْعَدْلِ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُوا بِقِتَالِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يُبَاحُ قَتْلُ الْفِئَةِ الْمُمْتَنِعَةِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ الْقِتَالُ حَقِيقَةً يُبَاحُ قَتْلُ الْمُدْبِرِ إلَيْهِمْ وَلَوْ هَزَمَهُمْ إمَامُ أَهْلِ الْعَدْلِ فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوا الْمُنْهَزِمِينَ إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُمْ فِئَةٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهَا، وَأَمَّا إذَا بَقِيَ لَهُمْ فِئَةٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهَا كَانَ لِأَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَتَّبِعُوا الْمُنْهَزِمِينَ وَمَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ، فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ لَمْ يَلْتَحِقْ إلَى فِئَةٍ مُمْتَنِعَةٍ أَمَّا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ يَلْتَحِقُ إلَى فِئَةٍ مُمْتَنِعَةٍ فَيَقْتُلُهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَلَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ إذَا لَمْ تَبْقَ لَهُمْ فِئَةٌ، وَأَمَّا إذَا بَقِيَتْ، فَيُجْهَزُ عَلَيْهِمْ وَلَا تُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمْ، وَلَا يُمَلِّكُ عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَمَا أَصَابَ أَهْلُ الْعَدْلِ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ مِنْ كُرَاعٍ، أَوْ سِلَاحٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ فِي الْحَالِ وَلَكِنْ إنْ كَانَ أَهْلُ الْعَدْلِ يَحْتَاجُونَ إلَى سِلَاحِهِمْ وَكُرَاعِهِمْ فِي قِتَالِهِمْ يَنْتَفِعُونَ بِهَا، فَالسِّلَاحُ يُوضَعُ فِي مَوْضِعِهِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَالْكُرَاعُ يُبَاعُ، وَيُحْبَسُ ثَمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى النَّفَقَةِ وَلَا يُنْفِقُ إلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِحْسَانِ عَلَى الْبَاغِي، وَلَوْ أَنْفَقَ كَانَ دَيْنًا عَلَى الْبَاغِي، فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، وَزَالَتْ مَنَعَتُهُمْ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ، وَمَا أَتْلَفَ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنْ أَمْوَالِنَا وَدِمَائِنَا حَالَةَ الْحَرْبِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ إذَا تَابُوا، وَزَالَتْ مَنَعَتُهُمْ، وَكَذَلِكَ مَا أَتْلَفَ الْمُرْتَدُّونَ مِنْ أَمْوَالِنَا وَدِمَائِنَا حَالَةَ الْحَرْبِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ إذَا أَسْلَمُوا، وَمَا أَتْلَفُوا قَبْلَ الْقِتَالِ مِنْ أَمْوَالِنَا وَدِمَائِنَا إذَا كَانَ لَهُمْ مَنَعَةٌ لَا يَضْمَنُونَ وَلَكِنْ مَا كَانَ قَائِمًا يُرَدُّ عَلَى أَصْحَابِهِ إذَا تَابُوا، وَإِنْ اعْتَقَدُوا تَمَلُّكَهَا بِتَأْوِيلِهِمْ الْفَاسِدِ، وَقَدْ اتَّصَلَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ مَنَعَةٌ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْعَدْلِ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَصَابُوا مِنْ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ بِسَبَبِ إسْلَامِهِمْ هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ فَأَمَّا مَا أَصَابُوا قَبْلَ ذَلِكَ، فَهُمْ ضَامِنُونَ لِذَلِكَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
إذَا أَظْهَرَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ رَأْيًا وَدَعَتْ إلَيْهِ، وَقَاتَلَتْ عَلَيْهِ وَصَارَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَشَوْكَةٌ وَقُوَّةٌ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِظُلْمِ السُّلْطَانِ فِي حَقِّهِمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَظْلِمَهُمْ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُ مِنْ الظُّلْمِ وَقَاتَلَتْ تِلْكَ الطَّائِفَةُ السُّلْطَانَ، فَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُعِينُوهُمْ وَلَا أَنْ يُعِينُوا السُّلْطَانَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ أَنَّهُ ظَلَمَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا الْحَقُّ مَعَنَا، وَادَّعَوْا الْوِلَايَةَ، فَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ، وَلِلنَّاسِ أَنْ يُعِينُوهُ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
يَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِكُلِّ مَا يَجُوزُ بِهِ قِتَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ كَالرَّمْيِ بِالنَّبْلِ وَالْمَنْجَنِيقِ وَإِرْسَالِ الْمَاءِ وَالنَّارِ عَلَيْهِمْ وَالْبَيَاتِ بِاللَّيْلِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
فِي التَّجْرِيدِ وَلَا يُقْتَلُ مَنْ كَانَ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالشُّيُوخِ وَالْعُمْيَانِ وَلَوْ أُسِرَ عَبْدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَهُوَ يُقَاتِلُ مَعَ مَوْلَاهُ قُتِلَ، وَإِنْ كَانَ يَخْدُمُهُ لَمْ يُقْتَلْ، وَلَكِنْ يُحْبَسُ حَتَّى يَزُولَ الْبَغْيُ وَلَوْ قَاتَلَ النِّسَاءُ قُتِلْنَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
الْبَاغِي إذَا كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْعَادِلِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاشِرُ الْعَادِلُ قَتْلَهُ إلَّا دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، وَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ دَابَّتَهُ لِيَتَرَجَّلَ الْبَاغِي فَيَقْتُلُهُ غَيْرُهُ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
لَوْ اسْتَعَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِقَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى حَرْبِهِمْ، فَقَاتَلُوا مَعَهُمْ أَهْلَ الْعَدْلِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِعَهْدِهِمْ، وَمَا أَصَابَ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ قَتْلٍ، أَوْ جِرَاحَةٍ، أَوْ مَالٍ مِنَّا، أَوْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ كَمَا فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلُ الْبَغْيِ إذَا كَانُوا فِي عَسْكَرِهِمْ، فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ رَجُلًا، فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْضًا فِي أَهْلِ الْبَغْيِ إذَا غَلَبُوا عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ رَجُلًا مِنْ الْمِصْرِ عَمْدًا، ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى ذَلِكَ الْمِصْرِ يُقْتَصُّ لَهُ مِنْهُ، وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ غَلَبُوا، وَلَمْ يَجْرِ فِيهَا حُكْمُهُمْ حَتَّى أَزْعَجَهُمْ إمَامُ أَهْلِ الْمِصْرِ، فَأَمَّا إذَا جَرَى فِيهَا حُكْمُ أَهْلِ الْبَغْيِ، فَقَدْ انْقَطَعَتْ وِلَايَةُ أَهْلِ الْعَدْلِ وَمَنَعَتُهُمْ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ بِقَتْلِ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَيْضًا فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ قَتَلَ بَاغِيًا وَالْقَاتِلُ وَارِثُهُ وَرِثَهُ، وَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاغِي، فَقَالَ الْبَاغِي: كُنْتُ عَلَى الْحَقِّ حِينَ قَتَلْتُ، وَأَنَا الْآنَ عَلَى الْحَقِّ أُوَرِّثَهُ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ: قَتَلْتُهُ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي عَلَى بَاطِلٍ يَوْمَ قَتْلِهِ لَمْ أُوَرِّثْهُ مِنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
مَنْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَمَنْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَإِنَّهُ يُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالشَّهِيدِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الشَّهِيدِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
أَهْلُ الْبَغْيِ إذَا أَخَذُوا الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ لَا يُؤْخَذُ ثَانِيًا، ثُمَّ إنْ كَانَ صَرَفَ أَهْلُ الْبَغْيِ مَا أَخَذُوهُ فِي وَجْهِهِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ قَضَاءً، وَلَكِنْ يُفْتَى أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ أَنْ يُعِيدُوا ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ قَالَ مَشَايِخُنَا: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ فِي الْخَرَاجِ دِيَانَةً أَيْضًا، وَكَذَلِكَ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ أَيْضًا فِي الْعُشْرِ إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ فُقَرَاءَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
وَيُكْرَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ فِي عَسَاكِرِهِمْ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ بِالْكُوفَةِ مِمَّنْ لَمْ يَدْرِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ، وَهَذَا فِي نَفْسِ السِّلَاحِ، فَأَمَّا مَا لَا يُقَاتَلُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةٍ كَالْحَدِيدِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَذَا فِي الْكَافِي.

.كِتَابُ اللَّقِيطِ:

اللَّقِيطِ وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ اسْمٌ لِحَيٍّ مَوْلُودٍ طَرَحَهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ أَوْ فِرَارًا مِنْ تُهْمَةِ الزِّنَا مُضَيِّعُهُ آثِمٌ وَمُحْرِزُهُ غَانِمٌ.
وَالِالْتِقَاطُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُهُ كَأَنْ وَجَدَهُ فِي الْمَاءِ، أَوْ بَيْنَ يَدَيْ سَبُعٍ، فَوَاجِبٌ.
وَاللَّقِيطُ حُرٌّ وَوَلِيُّهُ السُّلْطَانُ حَتَّى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا زَوَّجَهُ امْرَأَةً، أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَزَوَّجَهَا مِنْ آخَرَ لَمْ يَجُزْ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ أَحَدٌ، وَلَوْ دَفَعَهُ هُوَ إلَى غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
عَقْلُهُ وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا وُجِدَ مَعَ اللَّقِيطِ مَالٌ مَشْدُودٌ عَلَيْهِ، فَهُوَ لَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَشْدُودًا عَلَى دَابَّةٍ، وَهُوَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَوْضُوعًا بِقُرْبِهِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ، وَيَكُونُ لُقَطَةً، وَإِنْ وُجِدَ اللَّقِيطُ عَلَى دَابَّةٍ، فَهِيَ لَهُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ وَنَفَقَتُهُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَقِيلَ يُنْفِقُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَيْضًا، وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَوَلَاؤُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَارِثٍ وَلَا مَوْلَى لَهُ، فَتَرِكَتُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
إذَا جَاءَ الْمُلْتَقِطُ بِاللَّقِيطِ إلَى الْقَاضِي، وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ فَلِلْقَاضِي أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ فِي ذَلِكَ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي نَفَقَتَهُ وَمُؤْنَتَهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَتَى أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، فَالْقَاضِي يَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ، وَإِذَا قَبِلَ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ إنْ شَاءَ قَبَضَ اللَّقِيطَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَلَكِنَّهُ يُوَلِّيهِ مَنْ تَوَلَّى، وَيَقُولُ: قَدْ الْتَزَمْتَ حِفْظَهُ، فَأَنْتَ وَمَا الْتَزَمْتَ، هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي عَجْزَهُ عَنْ حِفْظِهِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إذَا عَلِمَ فَالْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ، وَيَضَعَهُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ لِيَحْفَظَهُ، فَإِنْ جَاءَ الْأَوَّلُ، وَسَأَلَ الْقَاضِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ، فَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرُدَّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ الْتَقَطَ لَقِيطًا، فَجَاءَ آخَرُ، وَانْتَزَعَهُ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ اخْتَصَمَا، فَالْقَاضِي يَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ وَجَدَ الْعَبْدُ لَقِيطًا وَلَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ، وَالْمَوْلَى يَقُولُ: لِعَبْدِهِ كَذَبْتَ بَلْ هُوَ عَبْدِي، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَلَوْ أَقَرَّ اللَّقِيطُ أَنَّهُ عَبْدُ فُلَانٍ، فَإِنْ كَذَّبَهُ، فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ صَدَّقَهُ فَإِنْ لَمْ تَجْرِ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ مِثْلُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَضَرْبِ قَاذِفِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ وَاحِدٍ إذَا ادَّعَاهُ، وَلَمْ يَدَّعِهِ الْمُلْتَقِطُ، وَقِيلَ يَصِحُّ فِي حَقِّ النَّسَبِ دُونَ إبْطَالِ الْيَدِ لِلْمُلْتَقِطِ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ، وَإِنْ ادَّعَاهُ، فَدَعْوَةُ الْمُلْتَقِطِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ مُسْلِمًا كَذَا فِي التَّبْيِينِ فَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي ذِمِّيًّا، فَهُوَ ابْنُهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَلَوْ ادَّعَاهُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ يَقْضِي لِلْمُسْلِمِ، وَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ يَقْضِي لِمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، فَلَوْ أَقَامَا يَقْضِي لَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يُقِيمَا، وَلَكِنْ وَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَاتٍ عَلَى جَسَدِهِ فَأَصَابَ وَالْآخَرُ لَمْ يَصِفْ يُجْعَلُ ابْنًا لِلْوَاصِفِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَلَوْ لَمْ يَصِفْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ يُجْعَلُ ابْنَهُمَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَوْ وَصَفَ أَحَدُهُمَا وَأَصَابَ فِي بَعْضِ مَا وَصَفَ وَأَخْطَأَ فِي الْبَعْضِ فَهُوَ ابْنُهُمَا، وَلَوْ وَصَفَا وَأَصَابَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ قَضَى لِلَّذِي أَصَابَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَحَدُهُمَا هُوَ غُلَامٌ، وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ جَارِيَةٌ يَقْضِي لِلَّذِي أَصَابَ فَلَوْ تَفَرَّدَ رَجُلٌ بِالدَّعْوَةِ، وَقَالَ هُوَ: غُلَامٌ، فَإِذَا هُوَ جَارِيَةٌ، أَوْ قَالَ جَارِيَةٌ فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ لَا يَقْضِي لَهُ أَصْلًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا ادَّعَى اللَّقِيطَ رَجُلَانِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ ابْنَتُهُ فَإِذَا هُوَ خُنْثَى، فَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا وَحُكِمَ بِكَوْنِهِ ابْنًا فَهُوَ لِلَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ جَوَّزَ إلَى خَمْسَةٍ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
امْرَأَةٌ ادَّعَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا فَإِنْ صَدَّقَهَا زَوْجُهَا، أَوْ شَهِدَتْ لَهَا الْقَابِلَةُ، أَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ صَحَّتْ دَعْوَتُهَا وَإِلَّا فَلَا، وَشَهَادَةُ الْقَابِلَةِ إنَّمَا يُكْتَفَى بِهَا فِيمَا إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ مُنْكِرٌ لِلْوِلَادَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ فَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ هَكَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ الزِّنَا يُقْضَى بِهِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَإِنْ ادَّعَاهُ امْرَأَتَانِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ وَلَكِنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حُجَّةٍ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَالتَّنَازُعِ وَالْحُجَّةُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْحُجَّةُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَإِنْ أَقَامَا ذَلِكَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُمَا وَمَا لَا فَلَا وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَإِنْ أَقَامَتْ إحْدَاهُمَا رَجُلَيْنِ وَالْأُخْرَى امْرَأَتَيْنِ يُجْعَلُ ابْنًا لِلَّتِي شَهِدَ لَهَا رَجُلَانِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِنْ أَقَامَتْ إحْدَاهُمَا الْبَيِّنَةَ دُونَ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ يُجْعَلُ ابْنًا لِلَّتِي قَامَتْ لَهَا الْبَيِّنَةُ وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَتَانِ اللَّقِيطَ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ عَلَى حِدَةٍ بِعَيْنِهِ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ مِنْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَصِيرُ وَلَدُهُمَا مِنْ الرَّجُلَيْنِ جَمِيعًا وَقَالَا لَا يَصِيرُ وَلَدُهُمَا وَلَا وَلَدُ الرَّجُلَيْنِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ ادَّعَاهُ رَجُلٌ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ لِلَّذِي ادَّعَى بُنُوَّتَهُ، وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْأَمَةِ قُضِيَ لِلَّذِي ادَّعَى النَّسَبَ مِنْ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ وَلَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْحُرَّةِ عَيَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا امْرَأَهُ أُخْرَى قُضِيَ بِالْوَلَدِ بَيْنَهُمَا وَهَلْ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَثْبُتُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَثْبُتُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلَانِ ادَّعَيَا نَسَبَ اللَّقِيطِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَأُرِّخَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقْضَى لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ سِنُّ الصَّبِيِّ فَإِنْ كَانَ سِنُّ الصَّبِيِّ مُشْتَبَهًا لَمْ يُوَافِقْ كُلًّا مِنْ التَّارِيخَيْنِ فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ التَّارِيخِ وَيُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَذَكَرَ خُوَاهَرْ زَادَهْ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يَقْضِي لِأَقْدَمْهُمَا تَارِيخًا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ يَقْضِي بِهِ بَيْنَهُمَا فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدَيْ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ وَيُقِيمُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَيُقِيمُ رَجُلٌ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ قُضِيَ لِصَاحِبِ الْيَدِ.
صَبِيٌّ فِي يَدَيْ امْرَأَةٍ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ ابْنُهَا وَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً امْرَأَةٌ وَادَّعَتْ الَّتِي فِي يَدَيْهَا الصَّبِيُّ أَنَّهُ ابْنُهَا وَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً يَقْضِي لِلَّتِي فِي يَدَيْهَا وَلَوْ شَهِدَتْ لِصَاحِبَةِ الْيَدِ امْرَأَةٌ وَشَهِدَ لِلْخَارِجَةِ رَجُلَانِ قُضِيَ لِلْخَارِجَةِ.
صَبِيٌّ فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَحُرٍّ تَحْتَهُ حُرَّةٌ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ امْرَأَتِهِ هَذِهِ وَأَقَامَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ ابْنُهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُنْسَبْ إلَى أُمِّهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالْوَلَدِ لِلْمُدَّعِي.
وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ ذِمِّيٍّ إنْ ادَّعَاهُ وَيَكُونُ اللَّقِيطُ مُسْلِمًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَانِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَابْنُ الذِّمِّيِّ اللَّقِيطِ إنَّمَا يَكُونُ مُسْلِمًا إذَا لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ فَإِنْ بَرْهَنَ بِشُهُودٍ مُسْلِمِينَ قُضِيَ لَهُ بِهِ وَصَارَ تَبَعًا فِي دِينِهِ، وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ، وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمَكَانُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا- أَنْ يَجِدَهُ مُسْلِمٌ فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ كَالْمَسْجِدِ أَوْ الْقَرْيَةِ أَوْ الْمِصْرِ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ مُسْلِمًا، وَالثَّانِي- أَنْ يَجِدَهُ كَافِرٌ فِي مَكَانِ أَهْلِ الْكُفْرِ كَالْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَقَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهُمْ فَيَكُونُ كَافِرًا، وَالثَّالِثُ- أَنْ يَجِدَهُ كَافِرٌ فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَالرَّابِعُ- أَنْ يَجِدَهُ مُسْلِمٌ فِي مَكَانِ الْكَافِرِينَ فَفِي هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فَفِي كِتَابِ اللَّقِيطِ: الْعِبْرَةُ لِلْمَكَانِ هَكَذَا فِي التَّبْيِينِ وَعَلَيْهِ جَرَى الْقُدُورِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ.
لَوْ أَدْرَكَ اللَّقِيطُ كَافِرًا إنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ وَجَدَهُ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ كُلُّ مَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا إذَا بَلَغَ كَافِرًا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ لَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ عَبْدٍ إذَا ادَّعَاهُ وَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ: هُوَ وَلَدِي مِنْ زَوْجَتِي وَهِيَ أَمَةٌ فَصَدَّقَهُ مَوْلَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَيَكُونُ حُرًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ مِنْ الذِّمِّيِّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إذَا كَانَ حُرًّا، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَالذِّمِّيُّ أَوْلَى.
وَلَا يَرِقُّ اللَّقِيطُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ مُسْلِمِينَ إلَّا إذَا اُعْتُبِرَ كَافِرًا بِوُجُودِهِ فِي مَوْضِعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَكَذَا إذَا صَدَّقَهُ اللَّقِيطُ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَا يُسْمَعُ تَصْدِيقُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ صَغِيرًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَادَّعَى أَنَّهُ عَبْدُهُ وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَبْدًا لَهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ وَإِنْ صَدَّقَهُ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا أُجْرِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأَحْرَارِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَحَدِّ قَاذِفِهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
لَوْ كَانَ اللَّقِيطُ امْرَأَةً فَأَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ فَصَدَّقَهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ كَانَتْ أَمَةً لَهُ إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ زَوْجٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إبْطَالِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا بِنْتُ أَبِي الزَّوْجِ فَصَدَّقَهَا أَبُو الزَّوْجِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَبْطُلُ النِّكَاحُ فَإِنْ أَعْتَقَهَا الْمُقَرُّ لَهُ وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارُ الْعِتْقِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَأَقَرَّتْ بِالرِّقِّ يَصِيرُ طَلَاقُهَا ثِنْتَيْنِ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَلَوْ كَانَ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ كَانَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، وَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ إذَا أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ بَعْدَ مَا مَضَتْ حَيْضَتَانِ كَانَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ.
لَوْ ادَّعَى الْمُلْتَقِطُ أَنَّ اللَّقِيطَ عَبْدُهُ بَعْدَمَا عَرَفَ أَنَّهُ لَقِيطٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَإِذَا مَاتَ اللَّقِيطُ وَتَرَكَ مَالًا أَوْ لَمْ يَتْرُكْ فَادَّعَى رَجُلٌ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ صَبِيٌّ فِي يَدَيْ رَجُلٍ لَا يَدَّعِيهِ أَقَامَتْ امْرَأَةٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا وَلَدَتْهُ وَلَمْ تُسَمِّ أَبَاهُ وَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَلَمْ يُسَمِّ أُمَّهُ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ ابْنَ هَذَا الرَّجُلِ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا وَلَدَتْهُ عَلَى فِرَاشِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ هَذَا الرَّجُلِ أَوْ يَدِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَإِنَّهُ يُجْعَلُ ابْنَ هَذَا الرَّجُلِ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ التَّرْجِيحُ بِالْيَدِ.
صَبِيٌّ فِي يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنَّهُ ابْنُهُ وَأَقَامَ الَّذِي فِي يَدِهِ بَيِّنَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ ابْنُهُ قُضِيَ لِلذِّمِّيِّ وَيُرَجَّحُ الذِّمِّيُّ عَلَى الْمُسْلِمِ بِحُكْمِ يَدِهِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
لَوْ أَدْرَكَ اللَّقِيطُ وَوَالَى رَجُلًا جَازَ وَلَاؤُهُ فَإِنْ كَانَ جَنَى جِنَايَةً فَعَقْلُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ لَوْ وَالَى رَجُلًا لَا يَصِحُّ وَلَاؤُهُ وَلَا يَمْلِكُ الْمُلْتَقِطُ عَلَى اللَّقِيطِ ذَكَرًا كَانَ اللَّقِيطُ أَوْ أُنْثَى تَصَرُّفًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ لَا غَيْرُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتِنَهُ فَإِنْ فَعَلَ وَهَلَكَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ ضَامِنًا وَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَنْقُلَ اللَّقِيطَ حَيْثُ شَاءَ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ ذَكَرَهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ وُجِدَ مَعَ اللَّقِيطِ مَالٌ، أَمَرَ الْقَاضِي الْمُلْتَقِطَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ فَمَا اشْتَرَى لَهُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ.
وَإِذَا قُتِلَ اللَّقِيطُ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ وَتَكُونُ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ قُتِلَ عَمْدًا فَصَالَحَ الْإِمَامُ الْقَاتِلَ عَلَى الدِّيَةِ جَازَ وَلَوْ عَفَا عَنْ الْقَاتِلِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ الْقَاتِلَ فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-.
وَإِذَا أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى اللَّقِيطِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إنْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ فِي ذَلِكَ مُتَطَوِّعٌ وَإِنْ أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَمَرَهُ إنْ كَانَ الْقَاضِي أَمَرَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى أَنْ يَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَبٌ كَانَ لِلْمُلْتَقِطِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى أَبِيهِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَبٌ فَلَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ إذَا كَبِرَ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَمَرَهُ بِالْإِنْفَاقِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ يَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَالْأَصَحُّ مَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا أَدْرَكَ اللَّقِيطُ وَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ عَبْدٌ لِفُلَانٍ وَلِامْرَأَتِهِ عَلَيْهِ صَدَاقٌ فَصَدَاقُهَا عَلَيْهِ لَازِمٌ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى إبْطَالِهِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَدَانَ دَيْنًا أَوْ بَايَعَ إنْسَانًا أَوْ كَفَلَ كَفَالَةً أَوْ وَهَبَ هِبَةً أَوْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ وَسَلَّمَ أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ عَبْدٌ لِفُلَانٍ لَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

.كِتَابُ اللُّقَطَةِ:

هِيَ مَالٌ يُوجَدُ فِي الطَّرِيقِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ، كَذَا فِي الْكَافِي.
الْتِقَاطُ اللُّقَطَةِ عَلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ مِنْ ذَلِكَ يُفْتَرَضُ وَهُوَ مَا إذَا خَافَ ضَيَاعَهَا، وَنَوْعٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُفْتَرَضُ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَخَفْ ضَيَاعَهَا وَلَكِنْ يُبَاحُ أَخْذُهَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّ التَّرْكَ أَفْضَلُ أَوْ الرَّفْعَ؟ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ الرَّفْعَ أَفْضَلُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
سَوَاءٌ كَانَتْ اللُّقَطَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ عُرُوضًا أَوْ شَاةً أَوْ حِمَارًا أَوْ بَغْلًا أَوْ فَرَسًا أَوْ إبِلًا وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ فَإِنْ كَانَ فِي الْقَرْيَةِ فَتَرْكُ الدَّابَّةِ أَفْضَلُ.
وَإِذَا رَفَعَ اللُّقْطَةَ يُعَرِّفُهَا فَيَقُولُ: الْتَقَطْتُ لُقَطَةً، أَوْ وَجَدْتُ ضَالَّةً، أَوْ عِنْدِي شَيْءٌ فَمَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَطْلُبُ دُلُّوهُ عَلَيَّ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَيُعَرِّفُ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ فِي الْأَسْوَاقِ وَالشَّوَارِعِ مُدَّةً يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَلُقَطَةُ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ سَوَاءٌ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، ثُمَّ بَعْدَ تَعْرِيفِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ الْمُلْتَقِطُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَحْفَظَهَا حِسْبَةً وَبَيْنَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَمْضَى الصَّدَقَةَ يَكُونُ لَهُ ثَوَابُهَا وَإِنْ لَمْ يُمْضِهَا ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ أَوْ الْمِسْكِينُ إنْ شَاءَ لَوْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ فَإِنْ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْفَقِيرِ وَإِنْ ضَمِنَ الْفَقِيرُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ أَوْ الْمِسْكِينِ قَائِمَةً أَخَذَهَا مِنْهُ، كَذَا فِي شَرْحِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ.
كُلُّ لُقَطَةٍ يُعْلَمُ أَنَّهَا كَانَتْ لِذِمِّيٍّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَصَدَّقَ بِهَا وَلَكِنْ تُصْرَفُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
ثُمَّ مَا يَجِدُهُ الرَّجُلُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَطْلُبُهُ كَالنَّوَى فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَنْتَفِعَ بِهَا إلَّا أَنَّ صَاحِبَهَا إذَا وَجَدَهَا فِي يَدِهِ بَعْدَ مَا جَمَعَهَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَلَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْآخِذِ، هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- فِي شَرْحِ كِتَابِ اللُّقْطَةِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ.
وَنَوْعٌ آخَرُ يُعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ يَطْلُبُهُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَسَائِرِ الْعُرُوضِ وَأَشْبَاهِهَا وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَحْفَظَهَا وَيُعَرِّفَهَا حَتَّى يُوَصِّلَهَا إلَى صَاحِبِهَا وَقُشُورِ الرُّمَّانِ وَالنَّوَى إذَا كَانَتْ مُجْتَمَعَةً فَهِيَ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي وَفِي غَصْبِ النَّوَازِلِ إذَا وَجَدَ جَوْزَةً ثُمَّ أُخْرَى حَتَّى بَلَغَتْ عَشْرًا وَصَارَ لَهَا قِيمَةٌ فَإِنْ وَجَدَهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَهِيَ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وَجَدَهَا فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا مِنْ الثَّانِي.
وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ الْحَطَبُ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْمَاءِ لَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ، وَكَذَلِكَ التُّفَّاحُ وَالْكُمَّثْرَى إذَا وُجِدَ فِي نَهْرٍ جَارٍ لَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ وَإِنْ كَثُرَ.
إذَا مَرَّ فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ بِثِمَارٍ سَاقِطَةٍ تَحْتَ الْأَشْجَارِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْأَمْصَارِ لَا يَسَعُهُ التَّنَاوُلُ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ صَاحِبَهَا قَدْ أَبَاحَ ذَلِكَ إمَّا نَصًّا أَوْ دَلَالَةً بِالْعَادَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَائِطِ وَالثِّمَارِ مِمَّا يَبْقَى كَالْجَوْزِ وَنَحْوِهِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَهَا قَدْ أَبَاحَ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ النَّهْيُ إمَّا صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الرَّسَاتِيقِ الَّتِي يُقَالُ بِالْفَارِسِيَّةِ بيرادسته، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ الثِّمَارِ الَّتِي تَبْقَى لَا يَسَعُهُ الْأَخْذُ إذَا عَلِمَ الْإِذْنَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الثِّمَارِ الَّتِي لَا تَبْقَى يَسَعُهُ الْأَخْذُ بِلَا خِلَافٍ مَا لَمْ يَعْلَمْ النَّهْيَ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الثِّمَارُ سَاقِطَةً تَحْتَ الْأَشْجَارِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَلَى الْأَشْجَارِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَأْخُذَهُ فِي مَوْضِعٍ مَا إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ إلَّا إذَا كَانَ مَوْضِعًا كَثِيرَ الثِّمَارِ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَيَسَعُهُ الْأَكْلُ وَلَا يَسَعُهُ الْحَمْلُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا إذَا مَضَى عَلَيْهِ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ يَفْسُدُ فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا نَحْوَ حَبِّ الْعِنَبِ وَمِثْلِهَا يَأْكُلُهَا مِنْ سَاعَتِهِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يَبِيعُهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي وَيَحْفَظُ ثَمَنَهَا.
وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى النَّفَقَةِ إنْ كَانَ شَيْئًا يُمْكِنُ إجَارَتُهُ يُؤَاجِرُهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا مَنْفَعَةٌ أَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا وَخَافَ أَنْ تَسْتَغْرِقَ النَّفَقَةُ قِيمَتَهَا بَاعَهَا وَأُمِرَ بِحِفْظِ ثَمَنِهَا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا وَطَلَبَهَا مَنَعَهَا إيَّاهُ حَتَّى يُوفِيَ النَّفَقَةَ الَّتِي أَنْفَقَ عَلَيْهَا، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَمَا أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى اللُّقَطَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ فَهُوَ تَبَرُّعٌ، كَذَا فِي الْكَافِي.
وَبِإِذْنِ الْقَاضِي يَكُونُ دَيْنًا، وَصُورَةُ إذْنِ الْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَنْفِقْ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ فَلَوْ أَمَرَهُ بِهِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ لَا يَكُونُ دَيْنًا وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَلَا يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لُقَطَةٌ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مُقَيِّدًا بِأَنْ يَقُولَ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ الثِّقَاتِ: إنَّ هَذَا ادَّعَى أَنَّ هَذِهِ لُقَطَةٌ وَلَا أَدْرِي أَهُوَ صَادِقٌ أَمْ كَاذِبٌ وَطَلَبَ أَنْ آمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَاشْهَدُوا أَنِّي أَمَرْتُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ، وَإِنَّمَا يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا لَظَهَرَ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ، فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ يُؤْمَرُ بِبَيْعِهَا وَإِذَا بَاعَهَا أُعْطِيَ الْمُلْتَقِطُ مَا أَنْفَقَ فِي الْيَوْمَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
إنْ بَاعَ الْقَاضِي اللُّقَطَةَ أَوْ بَاعَ الْمُلْتَقِطُ بِأَمْرِ الْقَاضِي ثُمَّ حَضَرَ صَاحِبُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ، وَإِنْ بَاعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي ثُمَّ حَضَرَ صَاحِبُهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَانَ لِصَاحِبِهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ، وَإِنْ شَاءَ أَبْطَلَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ عَيْنَ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ هَلَكَتْ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْبَائِعَ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْفُذُ الْبَيْعُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَيَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتَهَا وَرَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ أَخَذَ شَاةً أَوْ بَعِيرًا فَأَمَرَ الْقَاضِي أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا ثُمَّ هَلَكَتْ الدَّابَّةُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهَا بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا، وَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ مُحْتَاجًا فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَ اللُّقَطَةَ إلَى نَفْسِهِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ غَنِيًّا لَا يَصْرِفُهَا إلَى نَفْسِهِ بَلْ يَتَصَدَّقُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَوْ أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ، كَذَا فِي الْكَافِي.
الِانْتِفَاعُ بِاللُّقَطَةِ بَعْدَ الْمُدَّةِ جَائِزٌ لِلْغَنِيِّ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ قَرْضًا، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً عَرْضًا أَوْ نَحْوَهُ فَلَمْ يَجِدْ صَاحِبَهَا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا فَبَاعَهَا وَأَنْفَقَ ثَمَنَهَا عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ أَصَابَ مَالًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِمِثْلِ مَا أَنْفَقَ هُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
اللُّقَطَةُ أَمَانَةٌ إذَا أَشْهَدَ الْمُلْتَقِطُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِيَحْفَظَهَا فَيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَلَوْ هَلَكَتْ بِغَيْرِ صُنْعٍ مِنْهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا صَدَّقَهُ الْمَالِكُ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ ضَمِنَهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ وَقَالَ: أَخَذْتُهَا لِلرَّدِّ لِلْمَالِكِ وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
إنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا يُشْهِدُهُ عِنْدَ الرَّفْعِ أَوْ خَافَ أَنَّهُ لَوْ أَشْهَدَ عِنْدَ الرَّفْعِ يَأْخُذُهُ مِنْهُ ظَالِمٌ فَتَرَكَ الْإِشْهَادَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا، وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُشْهِدُهُ فَلَمْ يَشْهَدْ حَتَّى جَاوَزَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْإِشْهَادَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ الْتَقَطَ لُقَطَةً أَوْ ضَالَّةً، أَوْ قَالَ: عِنْدِي لُقَطَةٌ فَمَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَطْلُبُ لُقَطَةً فَدُلُّوهُ عَلَيَّ فَلَمَّا جَاءَ صَاحِبُهَا قَالَ: قَدْ هَلَكَتْ فَهُوَ مُصَدَّقٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
وَلَوْ وَجَدَ لُقَطَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَقَالَ: مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يُرِيدُ لُقَطَةً فَدُلُّوهُ عَلَيَّ، فَهَذَا تَعْرِيفٌ لِلْكُلِّ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ هَلَكَ الْكُلُّ عِنْدَهُ.
فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ إذَا وَجَدَ لُقَطَةً فِي طَرِيقٍ أَوْ مَفَازَةٍ وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يُشْهِدُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَخْذِ، قَالَ: يُشْهِدُ إذَا ظَفِرَ بِمَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَا يَضْمَنُ الْمُلْتَقِطُ إلَّا بِالتَّعَدِّي عَلَيْهَا أَوْ بِالْمَنْعِ عِنْدَ الطَّلَبِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إذَا قَالَ الرَّجُلُ: وَجَدْتُ لُقَطَةً وَضَاعَتْ فِي يَدِي وَقَدْ كُنْتُ أَخَذْتُهَا لِأَرُدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ وَأَشْهَدْتُ بِذَلِكَ، وَصَاحِبُهَا يَقُولُ: مَا كَانَتْ لُقَطَةً وَإِنَّمَا وَضَعْتُهَا بِنَفْسِي لِأَرْجِعَ وَآخُذَهَا فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ لَيْسَ بِقُرْبِهِ أَحَدٌ أَوْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ إذَا حَلَفَ أَنَّهَا ضَاعَتْ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي مَا قِصَّتُهَا ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ، وَإِنْ كَانَ قَالَ الْمُلْتَقِطُ: أَخَذْتُهَا مِنْ الطَّرِيقِ، وَقَالَ صَاحِبُهَا: أَخَذْتَهَا مِنْ مَنْزِلِي، ضَمِنَ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَإِنْ وَجَدَهَا فِي دَارِ قَوْمٍ أَوْ دِهْلِيزِهِمْ أَوْ فِي دَارٍ فَارِغَةٍ ضَمِنَ إذَا قَالَ صَاحِبُهَا: وَضَعْتُهَا لِأَرْجِعَ وَآخُذَهَا، وَفِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ الْمَالِكُ: أَخَذْتَ مَالِي غَصْبًا، وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ: كَانَتْ لُقَطَةً وَقَدْ أَخَذْتُهَا لَكَ فَالْمُلْتَقِطُ ضَامِنٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.
وَإِذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ فِي يَدِ مُسْلِمٍ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ وَأَقَامَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةَ وَأَقَرَّ الْمُلْتَقِطُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُقِرَّ، وَلَكِنْ قَالَ: لَا أَرُدُّهَا عَلَيْكَ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَتْ فِي يَدِهِ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ.
وَإِذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ فِي يَدَيْ مُسْلِمٍ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ كَافِرَيْنِ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ.
وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ فِي يَدَيْ كَافِرٍ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَكَذَلِكَ قِيَاسًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدَيْ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمَا قِيَاسًا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْكَافِرِ وَقُضِيَ بِمَا فِي يَدِ الْكَافِرِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
.
إذَا أَقَرَّ بِلُقَطَةٍ لِرَجُلٍ وَأَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ يُقْضَى بِهَا لِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
لَوْ ادَّعَى اللُّقْطَةَ رَجُلٌ وَأَتَى بِالْعَلَامَاتِ فَالْمُلْتَقِطُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ إلَيْهِ وَأَخَذَ كَفِيلًا، وَإِنْ شَاءَ طَلَبَ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
فَلَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِالْحِلْيَةِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ فَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ قَائِمَةً فِي يَدَيْ الْأَوَّلِ يَأْخُذُهَا صَاحِبُهَا مِنْهُ إذَا قَدَرَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآخِذِ، وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهَا فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْآخِذَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الدَّافِعَ وَذُكِرَ فِي الْكِتَابِ إنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ دَفَعَ بِقَضَاءِ قَاضٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ضَمِنَ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
لَوْ أَقَرَّ الْمُلْتَقِطُ بِاللُّقَطَةِ لِرَجُلٍ وَدَفَعَهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ ثُمَّ أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ ضَمَّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِقَضَاءٍ فِي رِوَايَةٍ لَا يَضْمَنُ، قِيلَ: هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
رَجُلٌ الْتَقَطَ لُقَطَةً لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا تَحَوَّلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ أَعَادَهَا إلَيْهِ وَبَيْنَ مَا إذَا أَعَادَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: إنَّمَا يَبْرَأُ إذَا أَعَادَهَا قَبْلَ التَّحَوُّلِ أَمَّا إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ مَا تَحَوَّلَ يَكُونُ ضَامِنًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي الْمُخْتَصَرِ، هَذَا إذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ لِيُعَرِّفَهَا فَإِنْ كَانَ أَخَذَهَا لِيَأْكُلَهَا لَمْ يَبْرَأْ عَنْ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَدْفَعْ إلَى صَاحِبِهَا وَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا ثُمَّ نَزَلَ عَنْهَا وَتَرَكَهَا فِي مَكَانِهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَكُونُ ضَامِنًا.
وَمِنْهَا إذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ ثُمَّ نَزَعَ وَأَعَادَهُ إلَى مَكَانِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَهَذَا إذَا لَبِسَ كَمَا يُلْبَسُ الثَّوْبُ عَادَةً، أَمَّا إذَا كَانَ قَمِيصًا فَوَضَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى مَكَانِهِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا.
وَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْخَاتَمِ فِيمَا إذَا لَبِسَهُ فِي الْخِنْصَرِ يَسْتَوِي فِي الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى أَمَّا إذَا لَبِسَهُ فِي أُصْبُعٍ أُخْرَى ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى مَكَانِهِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا فِي قَوْلِهِمْ، وَإِنْ لَبِسَهُ فِي خِنْصَرِهِ عَلَى خَاتَمٍ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا أَنَّهُ يَتَخَتَّمُ بِخَاتَمَيْنِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا فِي قَوْلِهِمْ إذَا أَعَادَهُ إلَى مَكَانِهِ قَبْلَ التَّحَوُّلِ.
وَمِنْهَا إذَا تَقَلَّدَ بِسَيْفٍ ثُمَّ نَزَعَهُ وَأَعَادَهُ إلَى مَكَانِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَكَذَا إذَا كَانَ مُتَقَلِّدًا بِسَيْفٍ فَتَقَلَّدَ بِهَذَا السَّيْفِ كَانَ ذَلِكَ اسْتِعْمَالًا، وَإِنْ كَانَ مُتَقَلِّدًا بِسَيْفَيْنِ فَتَقَلَّدَ بِهَذَا السَّيْفِ أَيْضًا ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى مَكَانِهِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا فِي قَوْلِهِمْ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إذَا كَانَ فِي الْمَقْبَرَةِ حَطَبٌ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْتَطِبَ مِنْهَا، وَهَذَا إذَا كَانَ يَابِسًا أَمَّا إنْ كَانَ رَطْبًا فَيُكْرَهُ وَإِذَا سَقَطَ فِي الطَّرِيقِ فِي أَيَّامِ يُصْنَعُ الْقَزُّ وَرَقُ شَجَرِ التُّوتِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَإِنْ أَخَذَ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُنْتَفَعٌ، وَإِنْ كَانَ شَجَرًا لَا يُنْتَفَعُ بِوَرَقِهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ.
رَجُلٌ أَلْقَى شَاةً مَيِّتَةً عَلَى الطَّرِيقِ فَجَاءَ آخَرُ وَأَخَذَ صُوفَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ، وَلَوْ جَاءَ صَاحِبُ الشَّاةِ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصُّوفَ مِنْهُ وَلَوْ سَلَخَهَا وَدَبَغَ جِلْدَهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُ الشَّاةِ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجِلْدَ وَيَرُدَّ مَا زَادَ الدَّبَّاغُ فِيهِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
مَبْطَخَةٌ بَقِيَتْ فِيهَا الْبَطَاطِيخُ فَانْتَهَبَهَا النَّاسُ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ إذَا تَرَكَهَا أَهْلُهَا لِيَأْخُذَ مَنْ شَاءَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
سَكْرَانُ هُوَ ذَاهِبُ الْعَقْلِ نَامَ فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ ثَوْبُهُ فِي الطَّرِيقِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ لِيَحْفَظَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الثَّوْبَ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ وَإِنْ أَخَذَ الثَّوْبَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ أَوْ الْخَاتَمَ مِنْ يَدِهِ أَوْ كِيسًا مِنْ وَسَطِهِ أَوْ دِرْهَمًا مِنْ كُمِّهِ وَهُوَ يَخَافُ الضَّيَاعَ فَأَخَذَهُ لِيَحْفَظَهُ كَانَ ضَامِنًا.
إذَا اجْتَمَعَ فِي الطَّاحُونَةِ مِنْ دُقَاقِ الْمَطْحَنِ: قَالَ بَعْضُهُمْ يَكُونُ لِصَاحِبِ الطَّاحُونَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَهَذَا أَحْسَنُ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِمَنْ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ بِالرَّفْعِ.
وَمَا يَجْتَمِعُ عِنْدَ الدَّهَّانِينَ فِي إنَائِهِمْ مِنْ الدُّهْنِ يَقْطُرُ مِنْ الْأُوقِيَّةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ كَانَ الدُّهْنُ يَسِيلُ مِنْ خَارِجِ الْأُوقِيَّةِ فَذَلِكَ يَكُونُ لِلدَّهَّانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَبِيعٍ، وَإِنْ كَانَ الدُّهْنُ يَسِيلُ مِنْ دَاخِلِ الْأُوقِيَّةِ أَوْ مِنْ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ أَوْ لَا يَعْلَمُ فَإِنْ زَادَ الدَّهَّانُ لِكُلِّ مُشْتَرٍ شَيْئًا فَمَا يَقْطُرُ يَكُونُ لِلدَّهَّانِ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ لَا يَطِيبُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا.
قَوْمٌ أَصَابُوا بَعِيرًا مَذْبُوحًا فِي طَرِيقِ الْبَادِيَةِ إنْ وَقَعَ فِي ظَنِّهِمْ أَنَّ صَاحِبَهُ أَبَاحَهُ لِلنَّاسِ لَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ وَأَكْلِهِ.
رَجُلٌ ذَبَحَ بَعِيرًا لَهُ وَأَذِنَ بِانْتِهَابِهِ جَازَ ذَلِكَ.
رَجُلٌ نَثَرَ سُكَّرًا فَوَقَعَ فِي حِجْرِ رَجُلٍ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ آخَرُ مِنْهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الْحِجْرِ فَتَحَ الْحِجْرَ لِيَقَعَ فِيهِ السُّكَّرُ، وَإِنْ كَانَ فَتَحَ لِيَقَعَ فِيهِ السُّكَّرَ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ لَا يَكُونُ الْمَأْخُوذُ لِلْآخِذِ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْثُرَهَا فِي عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَنَثَرَهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ، وَلَوْ دَفَعَ الْمَأْمُورُ إلَى غَيْرِهِ لِيَنْثُرَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ وَلَا أَنْ يَحْبِسَ مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ، وَفِي السُّكَّرِ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ لِيَنْثُرَ وَبَعْدَمَا نَثَرَ الثَّانِي كَانَ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يَلْتَقِطَ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَضَعَ طَسْتًا عَلَى سَطْحٍ فَاجْتَمَعَ فِيهِ مَاءُ الْمَطَرِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَرَفَعَ ذَلِكَ فَتَنَازَعَا إنْ وَضَعَ صَاحِبُ الطَّسْتِ الطَّسْتَ لِذَلِكَ فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَزَهُ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ لِذَلِكَ فَهُوَ لِلرَّافِعِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ غَيْرُ مُحْرَزٍ.
رَجُلَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَثْلَجَةٌ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنْ مَثْلَجَةِ صَاحِبِهِ ثَلْجًا وَجَعَلَهُ فِي مَثْلَجَةِ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ قَدْ اتَّخَذَ مَوْضِعًا يَجْتَمِعُ فِيهِ الثَّلْجُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهِ فَلِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَثْلَجَةِ الْآخِذِ إنْ لَمْ يَكُنْ خَلَطَهُ الْآخِذُ بِغَيْرِهِ أَوْ يَأْخُذَ قِيمَتَهُ يَوْمَ خَلْطِهِ إنْ خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ لَمْ يَتَّخِذْ مَوْضِعًا لِيَجْتَمِعَ فِيهِ الثَّلْجُ بَلْ كَانَ مَوْضِعًا يُجْمَعُ فِيهِ الثَّلْجُ فَأَخَذَ الْآخِذُ مِنْ الْحَيِّزِ الَّذِي فِي حَدِّ صَاحِبِهِ لَا مِنْ الْمَثْلَجَةِ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْمَثْلَجَةِ كَانَ غَاصِبًا، وَرُدَّ عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ عَيْنُ ثَلْجِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ خَلَطَهُ بِمَثْلَجَتِهِ أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ خَلَطَهُ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى.
رَجُلٌ دَخَلَ أَرْضَ أَقْوَامٍ يَجْمَعُ السِّرْقِينَ وَالشَّوْكَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا مَنْ دَخَلَ أَرْضَ رَجُلٍ لِلِاحْتِشَاشِ أَوْ لِالْتِقَاطِ السُّنْبُلَةِ إنْ تَرَكَهَا صَاحِبُهَا فَصَارَ تَرْكُهُ كَالْإِبَاحَةِ، فَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِلْيَتَامَى إنْ كَانَ لَوْ اسْتَأْجَرَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا يَبْقَى لِلصَّبِيِّ بَعْدَ مُؤْنَةِ الْأَجْرِ شَيْءٌ ظَاهِرٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَفْضُلُ مِنْهُ أَوْ فَضَلَ شَيْءٌ قَلِيلٌ مِمَّا لَا يُقْصَدُ إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِتَرْكِهِ وَلَا بَأْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَلْتَقِطَ سَاحَةً بَيْضَاءَ يَطْرَحُ فِيهَا أَصْحَابُ السِّكَّةِ التُّرَابَ وَالسِّرْقِينَ وَالرَّمَادَ وَنَحْوَهُ حَتَّى اجْتَمَعَ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ فَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ السِّكَّةِ طَرَحُوهَا عَلَى مَعْنَى الرَّمْيِ لَهَا وَكَانَ صَاحِبُ السَّاحَةِ هَيَّأَ السَّاحَةَ لِذَلِكَ فَهِيَ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُهَيِّئْ السَّاحَةَ لِذَلِكَ فَهِيَ لِمَنْ سَبَقَ عَلَيْهَا بِالرَّفْعِ.
حَمَامٌ بَرِّيٌّ دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ فَفَرَّخَ فِيهَا فَجَاءَ آخَرُ وَأَخَذَهُ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ رَدَّ الْبَابَ وَسَدَّ الْكُوَّةَ فَهُوَ لِصَاحِبِ الدَّارِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ صَاحِبُ الدَّارِ ذَلِكَ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ حَمَامٌ فَجَاءَ حَمَامٌ آخَرُ فَفَرَّخَ فَلِصَاحِبِ الْأُنْثَى فَرْخُهَا.
يُكْرَهُ إمْسَاكُ الْحَمَامَاتِ إنْ كَانَ يَضُرُّ بِالنَّاسِ وَمَنْ اتَّخَذَ بُرْجَ الْحَمَامِ فِي قَرْيَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْفَظَهَا وَيَعْلِفَهَا وَلَا يَتْرُكَهَا بِغَيْرِ عَلَفٍ حَتَّى لَا يَتَضَرَّرَ بِهَا النَّاسُ فَإِنْ اخْتَلَطَ بِهَا حَمَامٌ أَهْلِيٌّ لِغَيْرِهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَإِنْ أَخَذَهُ يَطْلُبُ صَاحِبَهُ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ وَفَرَّخَ عِنْدَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ غَرِيبَةً لَا يَتَعَرَّضُ لِفَرْخِهِ فَإِنَّهُ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ لِصَاحِبِ الْبُرْجِ وَالْغَرِيبُ ذَكَرًا فَالْفَرْخُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْفَرْخَ وَالْبَيْضَ لِصَاحِبِ الْأُمِّ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِي بُرْجِهِ غَرِيبًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
مَنْ أَخَذَ بَازِيًا أَوْ شِبْهَهُ فِي سَوَادٍ أَوْ مِصْرٍ، وَفِي رِجْلَيْهِ تِبْرٌ وَجَلَاجِلُ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّهُ أَهْلِيٌّ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَ لِيَرُدَّهُ عَلَى أَهْلِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذَ ظَبْيًا فِي عُنُقِهِ قِلَادَةٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ قَاطَعَ دَارًا سِنِينَ مَعْلُومَةً فَسَكَنَهَا وَاجْتَمَعَ فِيهَا سِرْقِينٌ كَثِيرٌ وَقَدْ جَمَعَهُ الْمَقَاطِعُ، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَكُونُ السِّرْقِينُ لِمَنْ هَيَّأَ مَكَانَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَأَخَذَ مِنْهَا فَهُوَ لِمَنْ سَبَقَ بِرَفْعِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ السُّغْدِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَهُوَ لِمَنْ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُهَيِّئْ مَكَانًا حَتَّى قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَ حَائِطًا وَجَعَلَ مَوْضِعًا يَجْتَمِعُ فِيهِ الدَّوَابُّ فَسِرْقِينُهَا لِمَنْ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ.
رَجُلٌ لَهُ دَارٌ يُؤَاجِرُهَا فَجَاءَ إنْسَانٌ بِإِبِلٍ وَأَنَاخَ فِي دَارِهِ وَاجْتَمَعَ مِنْ ذَلِكَ بَعْرٌ كَثِيرٌ، قَالُوا إنْ تَرَكَ صَاحِبُ الدَّارِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ رَأْيِهِ أَنْ يَجْمَعَ فَكُلُّ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رَأْيِ صَاحِبِ الدَّارِ أَنْ يَجْمَعَ السِّرْقِينَ وَالْبَعْرَ فَصَاحِبُ الدَّارِ أَوْلَى.
امْرَأَةٌ وَضَعَتْ مُلَاءَتَهَا فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ أُخْرَى وَوَضَعَتْ مُلَاءَتَهَا ثُمَّ جَاءَتْ الْأُولَى وَأَخَذَتْ مُلَاءَةَ الثَّانِيَةِ وَذَهَبَتْ لَا يَنْبَغِي لِلثَّانِيَةِ أَنْ تَنْتَفِعَ بِمُلَاءَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمِلْكِ الْغَيْرِ، فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَنْتَفِعَ بِهَا قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ تَتَصَدَّقَ هِيَ بِهَذِهِ الْمُلَاءَةِ عَلَى ابْنَتِهَا إنْ كَانَتْ فَقِيرَةً عَلَى نِيَّةِ أَنْ يَكُونَ ثَوَابُ الصَّدَقَةِ لِصَاحِبَتِهَا إنْ رَضِيَتْ ثُمَّ تَهَبُ الِابْنَةُ الْمُلَاءَةَ مِنْهَا فَيَسَعُهَا الِانْتِفَاعُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْمُكَعَّبِ إنْ سُرِقَ وَتُرِكَ لَهُ عِوَضٌ.
رَجُلٌ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَضَاعَتْ مِنْهُ فَوَجَدَهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الرَّجُلِ.
رَجُلٌ غَرِيبٌ مَاتَ فِي دَارِ رَجُلٍ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ وَخَلَّفَ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَصَاحِبُ الدَّارِ فَقِيرٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذَا الْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ اللُّقْطَةِ.
رَجُلٌ غَابَ وَجَعَلَ دَارِهِ فِي يَدِ رَجُلٍ لِيَعْمُرَهَا وَدَفَعَ إلَيْهِ مَالًا لِيَعْمُرَهَا ثُمَّ فُقِدَ الدَّافِعُ فَلَهُ أَنْ يَحْفَظَ الْمَالَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمُرَ الدَّارَ إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
ذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْعُيُونِ رَجُلٌ سَيَّبَ دَابَّتَهُ فَأَخَذَهَا إنْسَانٌ فَأَصْلَحَهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا فَإِنْ قَالَ عِنْدَ التَّسَيُّبِ: جَعَلْتُهَا لِمَنْ أَخَذَهَا فَلَا سَبِيلَ لِصَاحِبِهَا عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا، وَكَذَلِكَ فِيمَنْ أَرْسَلَ صَيْدًا لَهُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِهَا مَعَ يَمِينِهِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.