فصل: باب: الحيض والاستحاضة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العناية شرح الهداية



.باب: الحيض والاستحاضة:

(أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَقَلُّ الْحَيْضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّقْدِيرِ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَوْمَانِ وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ إقَامَةٌ لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ.
قُلْنَا هَذَا نَقْصٌ عَنْ تَقْدِيرِ الشَّرْعِ (وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ) لِمَا رَوَيْنَا، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّقْدِيرِ بِخَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا ثُمَّ الزَّائِدُ وَالنَّاقِصُ اسْتِحَاضَةٌ، لِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْعِ يَمْنَعُ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ.
الشَّرْحُ:
(بَابُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ) اخْتَلَفَ الشَّارِحُونَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِأَنَّهُمَا مِنْ الْأَحْدَاثِ أَوْ الْأَنْجَاسِ، فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى الثَّانِي، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَنْسَبُ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ يَقُولُ بَعْدَ هَذَا بَابُ الْأَنْجَاسِ وَتَطْهِيرِهَا.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَحْدَاثِ الَّتِي يَكْثُرُ وُقُوعُهَا ذَكَرَ مَا هُوَ أَقَلُّ وُقُوعًا مِنْهُ وَلَقَّبَ الْبَابَ بِالْحَيْضِ دُونَ النِّفَاسِ لِكَثْرَتِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ حَالَةً مَعْهُودَةً فِي بَنَاتِ آدَمَ دُونَ النِّفَاسِ.
وَالْحَيْضُ لُغَةً، هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ، وَمِنْهُ حَاضَتْ الْأَرْنَبُ، وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ: هُوَ دَمٌ يَنْفُضُهُ رَحِمُ الْمَرْأَةِ السَّلِيمَةِ عَنْ الدَّاءِ وَالصِّغَرِ.
قَوْلُهُ: السَّلِيمَةُ عَنْ الدَّاءِ احْتِرَازٌ عَنْ النِّفَاسِ، وَقَوْلُهُ: (وَالصِّغَرِ احْتِرَازٌ عَمَّا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ)، وَشَرْطُهُ تَقَدُّمُ نِصَابِ الطُّهْرِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَفَرَاغُ الرَّحِمِ عَنْ الْحَبَلِ (أَقَلُّ الْحَيْضِ) أَيْ أَقَلُّ مُدَّتِهِ (ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ) عِنْدَنَا، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَانِ وَأَكْثَرُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَقَالَ مَالِكٌ: مَا يُوجَدُ وَلَوْ بِسَاعَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ.
وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ وَعَائِشَةُ وَوَائِلَةُ وَأَنَسٌ وَابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «أَقَلُّ الْحَيْضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُمْ كَالْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ قِيَاسًا.
وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الدَّمَ لَا يَسِيلُ عَلَى الدَّوَامِ بَلْ يَسِيلُ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى فَيُقَامُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ سَبْعٌ وَسِتُّونَ سَاعَةً عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ مَقَامَ الْكَمَالِ.
وَلِمَالِكٍ أَنَّ هَذَا نَوْعُ حَدَثٍ فَلَا يُقَدَّرُ أَقَلُّهُ شَيْءٌ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ.
وَلِلشَّافِعِيِّ أَنَّ السَّيَلَانَ لَمَّا اسْتَوْعَبَ جَمِيعَ السَّاعَاتِ عَرَفْنَا أَنَّ الدَّمَ مِنْ الرَّحِمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِظْهَارِ بِشَيْءٍ آخَرَ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ نَقَصَ عَنْ تَقْدِيرِ الشَّرْعِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَالزَّائِدُ عَلَيْهَا اسْتِحَاضَةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي نُقْصَانِ دِينِ الْمَرْأَةِ «تَقْعُدُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمُرِهَا لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي» وَالْمُرَادُ بِهِ زَمَنُ الْحَيْضِ، وَالشَّطْرُ هُوَ النِّصْفُ.
وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» وَلِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْعِ يَمْنَعُ إلْحَاقَ غَيْرِهِ بِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالشَّطْرِ حَقِيقَتَهُ؛ لِأَنَّ فِي عُمُرِهَا زَمَانَ الصِّغَرِ وَمُدَّةَ الْحَبَلِ وَزَمَانَ الْإِيَاسِ وَهِيَ لَا تَحِيضُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُقَارِبُ الشَّطْرَ حَيْضًا، وَإِذَا قَدَّرْنَا بِالْعَشَرَةِ بِهَذِهِ الْآثَارِ كَانَ مُقَارِبًا بِالشَّطْرِ وَحَصَلَ التَّوْفِيقُ.
وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ الْتَزَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّطْرِ حَقِيقَتُهُ وَهُوَ النِّصْفُ وَقَالَ هُوَ حَاصِلٌ فِيمَا قُلْنَا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا بَلَغَتْ لِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ حَاضَتْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَاتَتْ بَعْدَ سِتِّينَ سَنَةً كَانَتْ تَارِكَةً لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ شَطْرَ عُمُرِهَا. (وَمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ) حَتَّى تَرَى الْبَيَاضَ خَالِصًا (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا تَكُونُ الْكُدْرَةُ حَيْضًا إلَّا بَعْدَ الدَّمِ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الرَّحِمِ لَتَأَخَّرَ خُرُوجُ الْكَدِرِ عَنْ الصَّافِي.
وَلَهُمَا مَا رَوَى أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جَعَلَتْ مَا سِوَى الْبَيَاضِ الْخَالِصِ حَيْضًا وَهَذَا لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا وَفَمُ الرَّحِمِ مَنْكُوسٌ فَيَخْرُجُ الْكَدْرُ أَوَّلًا كَالْجَرَّةِ إذَا ثُقِبَ أَسْفَلُهَا، وَأَمَّا الْخُضْرَةُ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ تَكُونُ حَيْضًا وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْغِذَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا تَرَى غَيْرَ الْخُضْرَةِ تُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْمَنْبَتِ فَلَا تَكُونُ حَيْضًا.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ: وَمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ) بَيَانُ أَلْوَانِهِ وَهِيَ سِتَّةٌ: السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ وَالْخُضْرَةُ وَالتُّرْبِيَّةُ، وَلَمْ يَذْكُرْ السَّوَادَ؛ لِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ عَبِيطٌ مُحْتَدِمٌ» أَيْ طَرِيٌّ شَدِيدُ الْحُمْرَةِ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ، وَأَمَّا الْحُمْرَةُ فَهِيَ اللَّوْنُ الْأَصْلِيُّ لِلدَّمِ، إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّوْدَاءِ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ، وَعِنْدَ غَلَبَةِ الصَّفْرَاءِ يَرِقُّ فَيَضْرِبُ لِلصُّفْرَةِ، وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ لِمَنْ افْتَصَدَ، فَالصُّفْرَةُ أَيْضًا مِنْ أَلْوَانِ الدَّمِ إذَا رَقَّ، وَقِيلَ هِيَ كَصُفْرَةِ التِّبْنِ أَوْ كَصُفْرَةِ الْقَزِّ.
وَأَمَّا الْكُدْرَةُ فَلَوْنُهَا كَلَوْنِ الْمَاءِ الْمُكَدَّرِ وَهِيَ حَيْضٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى تَرَى الْبَيَاضَ خَالِصًا سَوَاءٌ رَأَتْ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ فِي آخِرِهَا (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَكُونُ الْكُدْرَةُ حَيْضًا إلَّا بَعْدَ الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الرَّحِمِ لَتَأَخَّرَ خُرُوجُ الْكَدِرِ عَنْ الصَّافِي)؛ لِأَنَّ الْكُدْرَةَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ تَتَّبِعُ صَافِيَهُ فَلَوْ جَعَلْنَاهَا حَيْضًا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهَا دَمٌ كَانَتْ مَقْصُودَهُ لَا تَبَعًا.
(وَلَهُمَا مَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جَعَلَتْ مَا سِوَى الْبَيَاضِ الْخَالِصِ حَيْضًا) حَدَّثَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالدَّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ يَسْأَلْنَهَا عَنْ الصَّلَاةِ فَتَقُولُ لَهُنَّ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ.
وَالْقَصَّةَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ: شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ أَقْبَالِ النِّسَاءِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ شِبْهَ الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ، وَقِيلَ هِيَ الْجِصُّ شُبِّهَتْ الرُّطُوبَةُ الصَّافِيَةُ بَعْدَ الْحَيْضِ بِالْجِصِّ: يَعْنِي تَخْرُجُ الْخِرْقَةُ الَّتِي تَحْشِي بِهَا كَالْجِصِّ الْأَبْيَضِ، قِيلَ وَيُعْتَبَرُ اللَّوْنُ حِينَ تَرْفَعُ الْخِرْقَةَ وَهِيَ طَرِيَّةٌ لَا بَعْدَ الْجَفَافِ؛ لِأَنَّ اللَّوْنَ يَتَغَيَّرُ بِالْأَسْبَابِ، وَهَذَا يَعْنِي مَا فَعَلَتْ عَائِشَةُ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا سَمِعْت ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ عَبِيطٌ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِحَيْضٍ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ فِعْلِ عَائِشَةَ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِهِ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ.
وَقَوْلُهُ: (وَفَمُ الرَّحِمِ مَنْكُوسٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِتَأَخُّرِ خُرُوجِ الْكَدِرِ عَنْ الصَّافِي وَكَأَنَّهُ قَوْلٌ بِالْمُوجِبِ: أَيْ نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَخْرَجُ مِنْ أَسْفَلَ.
أَمَّا إذَا كَانَ كَالْجَرَّةِ ثُقِبَ أَسْفَلُهَا فَإِنَّ الْكُدْرَةَ تَخْرُجُ أَوَّلًا، وَأَمَّا الْخُضْرَةُ فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وُجُودَهَا.
وَقَالَ مُسْتَبْعِدًا كَأَنَّهَا أَكَلَتْ فَصِيلًا.
وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ أَنَّ الْخُضْرَةَ نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ (إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ كَانَتْ حَيْضًا، وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْغِذَاءِ كَأَنَّهَا أَكَلَتْ غِذَاءً فَاسِدًا) أَفْسَدَ صُورَةَ دَمِهَا (وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً) أَيْ آيِسَةً وَهِيَ أَنْ تَكُونَ فِي خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، وَقِيلَ فِي خَمْسِينَ، وَقِيلَ فِي سَبْعِينَ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْمَنْبَتِ فَإِنَّ الدَّمَ فِي الْأَصْلِ لَا يَكُونُ أَخْضَرَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ التُّرْبِيَّةَ وَهِيَ مَا يَكُونُ لَوْنُهُ كَلَوْنِ التُّرَابِ وَهِيَ نِسْبَةٌ إلَى التُّرَابِ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ فَهِيَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ.
وَرُوِيَ التَّبْرِئَةُ بِوَزْنِ التَّرْبِعَةِ وَالتُّرْبِيَّةُ بِوَزْنِ التَّرْعِيَّةِ، وَهِيَ لَوْنٌ خَفِيٌّ يَسِيرٌ أَقَلُّ مِنْ صُفْرَةٍ وَكُدْرَةٍ، وَقِيلَ هِيَ مِنْ التُّرْبَةِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى لَوْنِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَانَ الْحَيْضِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَدْنَى مُدَّةٍ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ فِيهَا.
قَالَ أَبُو نَصْرٍ بْنُ سَلَّامٍ: بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ إذَا رَأَتْ الدَّمَ وَتَمَادَى بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسَبْعِ سِنِينَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَدَّرَهُ بِتِسْعِ سِنِينَ، وَأَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ قَدَّرَهُ بِثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ. (وَالْحَيْضُ يُسْقِطُ عَنْ الْحَائِضِ الصَّلَاةَ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهَا الصَّوْمَ وَتَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ) لِقَوْلِ «عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَتْ إحْدَانَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا تَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ»، وَلِأَنَّ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ حَرَجًا لِتَضَاعُفِهَا وَلَا حَرَجَ فِي قَضَاءِ الصَّوْمِ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَالْحَيْضُ يُسْقِطُ عَنْ الْحَائِضِ الصَّلَاةَ) هَذَا بَيَانُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا: إنَّهَا اثْنَا عَشَرَ: ثَمَانِيَةٌ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَأَرْبَعَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْحَيْضِ دُونَ النِّفَاسِ، فَأَمَّا الثَّمَانِيَةُ: فَتَرْكُ الصَّلَاةِ لَا إلَى قَضَاءٍ، وَتَرْكُ الصَّوْمِ إلَى قَضَاءٍ، وَحُرْمَةُ الدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ، وَحُرْمَةُ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَحُرْمَةُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَحُرْمَةُ مَسِّ الْمُصْحَفِ بِدُونِ الْغِلَافِ، وَحُرْمَةُ جِمَاعِهَا، وَالثَّامِنُ وُجُوبُ الْغُسْلِ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ.
وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ: الْمَخْصُوصَةُ بِالْحَيْضِ، فَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ، وَالِاسْتِبْرَاءُ، وَالْحُكْمُ بِبُلُوغِهَا، وَالْفَصْلُ بَيْنَ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ.
فَالسَّبْعَةُ الْأُولَى تَتَعَلَّقُ بِبُرُوزِ الدَّمِ عِنْدَهُمَا بِمُجَاوَزَتِهِ مَوْضِعَ الْبَكَارَةِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْإِحْسَاسِ بِالْبُرُوزِ، فَلَوْ تَوَضَّأَتْ وَوَضَعَتْ الْكُرْسُفَ ثُمَّ أَحَسَّتْ بِنُزُولِ الدَّمِ مِنْ الرَّحِمِ إلَى الْكُرْسُفِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ثُمَّ رَفَعَتْ الْكُرْسُفَ بَعْدَ غُرُوبِهَا فَالصَّوْمُ تَامٌّ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا تَقْضِيهِ.
وَالثَّامِنُ يَتَعَلَّقُ بِنِصَابِ الْحَيْضِ وَيَسْتَنِدُ إلَى ابْتِدَائِهِ، وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ تَتَعَلَّقُ بِانْقِضَائِهِ.
قَوْلُهُ: (يَسْقُطُ) عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ نَفْسَ الْوُجُوبِ ثَابِتٌ عَلَيْهَا كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِقِيَامِ الذِّمَّةِ الصَّالِحَةِ لِلْإِيجَابِ لَكِنْ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ يَسْقُطُ مَجَازًا لِلْمَنْعِ، وَإِنَّمَا قَالَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ وَلَمْ يَقُلْ يَسْقُطُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يُقْضَى، قِيلَ الْمُبْتَدِئَةُ إذَا رَأَتْ دَمًا تَرَكَتْ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ عِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِ بُخَارَى، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَتْرُكُ حَتَّى يَسْتَمِرَّ الدَّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَتَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ لِقَوْلِ عَائِشَةَ فِيمَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً سَأَلْت قَالَتْ: مَا بَالُ إحْدَانَا تَقْضِي صِيَامَ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ كَانَتْ إحْدَانَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَهُرَتْ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ».
فَإِنْ قِيلَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ يَبْتَنِي عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي الْأَحْكَامِ فَكَيْفَ تَخَلَّفَ هَذَا الْحُكْمُ هَاهُنَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ ذَلِكَ لَكِنَّ هَذَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ.
قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ حَرَجًا) ظَاهِرٌ، وَعَدَمُ وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِمُحْتَاجٍ إلَى دَلِيلٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا الْمُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ قَضَاءُ الصِّيَامِ، وَقَدْ انْضَافَ إلَى النَّصِّ عَدَمُ اشْتِمَالِهِ عَلَى الْحَرَجِ فَوَجَبَ. (وَلَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ) وَكَذَا الْجُنُبُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي إبَاحَةِ الدُّخُولِ عَلَى وَجْهِ الْعُبُورِ وَالْمُرُورِ.
الشَّرْحُ:
قَوْلُهُ: (وَلَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَكَذَا الْجُنُبُ) لِمَا ذُكِرَ فِي السُّنَنِ مُسْنَدًا إلَى عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «وُجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ إلَى الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» (وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَتِهِ الدُّخُولَ عَلَى وَجْهِ الْعُبُورِ وَالْمُرُورِ) فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الدُّخُولِ لِلْمُرُورِ وَبَيْنَهُ لِلْمُقَامِ فِيهِ وَلَا تَمَسُّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}؛ لِأَنَّ أَهْلَ التَّفْسِيرِ قَالُوا إلَّا هَاهُنَا بِمَعْنَى وَلَا أَوْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ حَقِيقَتُهَا إذْ الْكَلَامُ لِلْحَقِيقَةِ.
وَقَوْلُهُ: {إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} أَيْ إلَّا مُسَافِرِينَ، وَالْمُسَافِرُ يُسَمَّى عَابِرًا فَيَكُونُ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا مُسَافِرِينَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُمْ الصَّلَاةُ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ بِالتَّيَمُّمِ، وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: مُسَافِرٌ مَرَّ بِمَسْجِدٍ فِيهِ عَيْنُ مَاءٍ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: جَازَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مُجْتَازًا. (وَلَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ) لِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ.
الشَّرْحُ:
قَوْلُهُ: (وَلَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ)؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ قِيلَ فَإِذَا كَانَ الطَّوَافُ فِي الْمَسْجِدِ كَانَ الْحُكْمُ مَعْلُومًا مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ قَدْ يَكُونُ عِنْدَ الطَّهَارَةِ فَيُوهَمُ جَوَازَ الطَّوَافِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ طَافَتْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ وَجَازَ لِلطَّاهِرَةِ، وَلَوْ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ كَانَ أَشْمَلَ لِتَنَاوُلِهِ حِينَئِذٍ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ وَخَارِجَهُ وَأَدْفَعَ لِلسُّؤَالِ. (وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا) أَيْ لَا يَطَؤُهَا ظَاهِرٌ. (وَلَيْسَ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَالنُّفَسَاءِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْحَائِضِ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ مَا دُونَ الْآيَةِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الطَّحَاوِيِّ فِي إبَاحَتِهِ.
الشَّرْحُ:
قَالَ: وَلَيْسَ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ الْجُنُبِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُهَا لِلْحَائِضِ لِكَوْنِهَا مَعْذُورَةً مُحْتَاجَةً إلَى الْقِرَاءَةِ عَاجِزَةً عَنْ تَحْصِيلِ الطَّهَارَةِ، بِخِلَافِ الْجُنُبِ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ بِالْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ (وَهُوَ) أَيْ الْحَدِيثُ (بِإِطْلَاقِهِ) أَيْ بِعُمُومِهِ؛ لِأَنَّ شَيْئًا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ (يَتَنَاوَلُ مَا دُونَ الْآيَةِ) فَتُمْنَعُ عَنْ قِرَاءَتِهِ كَالْآيَةِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الطَّحَاوِيِّ فِي إبَاحَةِ قِرَاءَةِ مَا دُونَ الْآيَةِ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْجُنُبِ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْقُرْآنِ حُكْمَانِ: جَوَازُ الصَّلَاةِ، وَمَنْعُ الْحَائِضِ عَنْ الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ فِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ يُفْصَلُ بَيْنَ الْآيَةِ وَمَا دُونَهَا فَكَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ الْآخَرِ.
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يَمْنَعُ عَنْ قِرَاءَةِ مَا دُونَ الْآيَةِ أَيْضًا عَلَى قَصْدِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، كَمَا يَمْنَعُ عَنْ قِرَاءَةِ الْآيَةِ التَّامَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ قُرْآنٌ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْقِرَاءَةَ نَحْوُ أَنْ يَقْرَأَ الْحَمْدُ لِلَّهِ شُكْرًا لِلنِّعْمَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ.
قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ: لَا أُفْتِي بِهَذَا وَإِنْ رُوِيَ عَنْهُ، وَقِيلَ الْمُخْتَارُ الْجَوَازُ. (وَلَيْسَ لَهُمْ مَسُّ الْمُصْحَفِ إلَّا بِغِلَافِهِ، وَلَا أَخْذُ دِرْهَمٍ فِيهِ سُورَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ إلَّا بِصُرَّتِهِ وَكَذَا الْمُحْدِثُ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ إلَّا بِغِلَافِهِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ» ثُمَّ الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ حَلَّا الْيَدَ فَيَسْتَوِيَانِ فِي حُكْمِ الْمَسِّ وَالْجَنَابَةُ حَلَّتْ الْفَمُ دُونَ الْحَدَثِ فَيَفْتَرِقَانِ فِي حُكْمِ الْقِرَاءَةِ وَغِلَافُهُ مَا يَكُونُ مُتَجَافِيًا عَنْهُ دُونَ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ كَالْجِلْدِ الْمُشْرَزِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَيُكْرَهُ مَسُّهُ بِالْكُمِّ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ بِخِلَافِ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ لِأَهْلِهَا حَيْثُ يُرَخَّصُ فِي مَسِّهَا بِالْكُمِّ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةٌ، وَلَا بَأْسَ بِدَفْعِ الْمُصْحَفِ إلَى الصِّبْيَانِ لِأَنَّ فِي الْمَنْعِ تَضْيِيعَ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَفِي الْأَمْرِ بِالتَّطْهِيرِ حَرَجًا بِهِمْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.
الشَّرْحُ:
(وَلَيْسَ لَهُمْ) أَيْ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْجُنُبِ (مَسُّ الْمُصْحَفِ إلَخْ) ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ.
فَإِنْ قُلْت: مَا بَالُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَسْتَدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ} فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي النَّهْيِ عَنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ لِغَيْرِ الطَّاهِرِ.
قُلْت: لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ حَمَلَهُ عَلَى الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ فَكَانَ مُحْتَمِلًا فَتُرِكَ الِاسْتِدْلَال بِهِ.
وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ حَلَّا الْيَدَ إلَخْ) لِبَيَانِ مُشَارَكَتِهِمَا فِي حُرْمَةِ الْمَسِّ وَافْتِرَاقِهِمَا فِي حُكْمِ الْقِرَاءَةِ.
وَتَقْرِيرُهُ لَمَّا ثَبَتَ حُكْمُ الْحَدَثَيْنِ فِي الْيَدِ لَمْ يَجُزْ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِالْيَدِ لَهُمَا جَمِيعًا، وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْحَدَثِ فِي الْفَمِ حَيْثُ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ وَثَبَتَ حُكْمُ الْجَنَابَةِ فِيهِ حَيْثُ وَجَبَ غَسْلُهُ جَازَتْ قِرَاءَةُ الْمُحْدِثِ دُونَ الْجُنُبِ.
قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: فَإِنْ غَسَلَ الْجُنُبُ فَمَه لِيَقْرَأَ أَوْ يَدَهُ لِيَمَسَّ أَوْ غَسَلَ الْمُحْدِثُ يَدَهُ لِيَمَسَّ لَمْ يُطْلَقْ الْقِرَاءَةُ وَلَا الْمَسُّ لِلْجُنُبِ، وَلَا الْمَسُّ لِلْمُحْدِثِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَجَزَّأُ وُجُودًا وَلَا زَوَالًا (وَغِلَافُهُ مَا كَانَ مُتَجَافِيًا عَنْهُ) أَيْ مُتَبَاعِدًا بِأَنْ يَكُونَ شَيْئًا ثَالِثًا بَيْنَ الْمَاسِّ وَالْمَمْسُوسِ، وَلَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِهِ كَالْجِلْدِ الْمُشْرِزِ فَيَنْبَغِي أَلَّا يَكُونَ تَابِعًا لِلْمَاسِّ كَالْكُمِّ وَلَا لِلْمَمْسُوسِ كَالْجِلْدِ الْمُشْرِزِ.
قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ: اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْغِلَافِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْجِلْدُ الَّذِي عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْكُمُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْخَرِيطَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ تَبَعٌ لِلْمُصْحَفِ وَالْكُمُّ تَبَعٌ لِلْحَامِلِ وَالْخَرِيطَةُ لَيْسَتْ بِتَبَعٍ لِأَحَدِهِمَا، فَقَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ رَدٌّ لِلْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ الثَّانِي) رَدَّ الثَّانِي.
وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ) يَعْنِي كُتُبَ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ (حَيْثُ يُرَخَّصُ لِأَهْلِهَا فِي مَسِّهَا بِالْكُمِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً) وَفِيهِ إشَارَةٌ أَنَّ مَسَّهَا بِلَا طَهَارَةٍ مَكْرُوهٌ.
وَقَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِدَفْعِ الْمُصْحَفِ إلَى الصِّبْيَانِ) مَعْنَاهُ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْفَعَ الطَّاهِرُونَ الْمُصْحَفَ إلَى الصِّبْيَانِ الْمُحْدِثِينَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يُمْنَعَ عَنْهُمْ الْمُصْحَفُ وَفِيهِ تَضْيِيعُ حِفْظِ الْقُرْآنِ، وَيُؤْمَرُ بِالتَّطْهِيرِ وَفِيهِ حَرَجٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُكَلَّفُوا بِذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَفِي الْأَمْرِ بِالتَّطْهِيرِ وَفِي أَمْرِ الْأَوْلِيَاءِ بِتَطْهِيرِ الصِّبْيَانِ كَنَهْيِهِمْ عَنْ إلْبَاسِ الذُّكُورِ مِنْهُمْ الْحَرِيرَ حَرَجٌ بِالْأَوْلِيَاءِ أَوْ الْمُعَلِّمِينَ الدَّافِعِينَ.
وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّ دَفْعَ الْمُصْحَفِ أَوْ اللَّوْحِ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ الْقُرْآنُ إلَيْهِمْ مَكْرُوهٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّافِعَ مُكَلَّفٌ بِعَدَمِ الدَّفْعِ. قَالَ (وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ) لِأَنَّ الدَّمَ يَدِرُّ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاغْتِسَالِ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الِانْقِطَاعِ (وَلَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَمَضَى عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ بِقَدْرِ أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةُ حَلَّ وَطْؤُهَا) لِأَنَّ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا فَطَهُرَتْ حُكْمًا.
(وَلَوْ كَانَ انْقَطَعَ الدَّمُ دُونَ عَادَتِهَا فَوْقَ الثَّلَاثِ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ) لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِاجْتِنَابِ (وَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ حَلَّ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ) لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الْعَشَرَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ لِلنَّهْيِ فِي الْقِرَاءَةِ بِالتَّشْدِيدِ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ) إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ عَادَتِهَا لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَدِرُّ، بِكَسْرِ الدَّالِ وَضَمِّهَا: أَيْ يَسِيلُ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى فَلَا بُدَّ مِنْ الِاغْتِسَالِ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الِانْقِطَاعِ بِوُجُودِ مَا زَادَ عَلَى زَمَنِ عَادَتِهَا مِنْ مُدَّةِ الِاغْتِسَالِ فَيَحِلُّ وَطْؤُهَا لِصَيْرُورَتِهَا مِنْ الطَّاهِرَاتِ حَقِيقَةً.
(وَلَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَمَضَى عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ بِقَدْرِ أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ حَلَّ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا) عَلَيْهَا فَصَارَتْ مِنْ الطَّاهِرَاتِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ إذَا حَكَمَ عَلَيْهَا بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَلَا تَصِحُّ حَالَ كَوْنِهَا حَائِضًا دَلَّ أَنَّهُ حُكْمٌ بِطَهَارَتِهَا.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ كَامِلٌ، وَقِيلَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ كَامِلٌ صِفَةً لِلْوَقْتِ كَانَ مَرْفُوعًا وَلَيْسَ بِمَرْوِيٍّ، وَإِنْ كَانَ صِفَةً لِلصَّلَاةِ كَانَ الْوَاجِبُ كَامِلَةً.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْوَقْتِ، وَالْجَرُّ لِلْجِوَارِ كَمَا فِي جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ، وَمَعْنَاهُ الْكَمَالُ فِي السَّبَبِيَّةِ، فَإِنَّهُ إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتَتَحَرَّمَ لِلصَّلَاةِ كَانَ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ كَامِلًا فِي إيجَابِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا، كَمَا أَنَّ مُضِيَّ كَمَالِ الْوَقْتِ عَلَيْهَا وَهِيَ مُنْقَطِعَةُ الْحَيْضِ كَامِلٌ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ مُضِيَّ كَمَالِ الْوَقْتِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ انْقَطَعَ دَمُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَدَامَ الِانْقِطَاعُ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ شَرْطٌ فِي كَوْنِهَا مِنْ الطَّاهِرَاتِ فِي حِلِّ الْقُرْبَانِ وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى إلَّا أَنَّ الْأُولَى أَوْضَحُ فِي تَأْدِيَتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ انْقَطَعَ الدَّمُ دُونَ عَادَتِهَا) ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ: (فَوْقَ الثَّلَاثِ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ خَارِجٌ مَخْرَجَ الْغَالِبِ (وَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ حَلَّ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ) وَحِلُّ الْوَطْءِ لَيْسَ بِمُتَوَقِّفٍ عَلَى انْقِطَاعِ الدَّمِ لَكِنْ ذَكَرَهُ بِمُقَابَلَةِ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ، وَذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا مَزِيدَ لِلْحَيْضِ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَتَجِبُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ الدَّمِ بِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ، فَإِذَا أَدْرَكَتْ جُزْءًا مِنْ الْوَقْتِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا كَانَ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَإِنَّ فِيهِ مُدَّةَ الِاغْتِسَالِ مِنْ جُمْلَةِ حَيْضِهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فِيهِ وَتَتَحَرَّمَ لِلصَّلَاةِ لِتَصِيرَ مُدْرِكَةً لِجُزْءِ مِنْ الْوَقْتِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ لِيَجِبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ.
وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ حَلَّ وَطْؤُهَا: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَطْؤُهَا (قَبْلَ الِاغْتِسَالِ لِلنَّهْيِ فِي الْقِرَاءَةِ بِالتَّشْدِيدِ) فَإِنَّ ظَاهِرَ النَّهْيِ فِيهَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْقُرْبَانِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ فِي الْحَالَيْنِ بِإِطْلَاقِهِ كَمَا قَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ. قَالَ (وَالطُّهْرُ إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ فَهُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي) قَالَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ اسْتِيعَابَ الدَّمِ مُدَّةَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ كَالنِّصَابِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ هُوَ آخِرُ أَقْوَالِهِ أَنَّ الطُّهْرَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يُفْصَلُ، وَهُوَ كُلُّهُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي لِأَنَّهُ طُهْرٌ فَاسِدٌ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ، وَالْأَخْذُ بِهَذَا الْقَوْلِ أَيْسَرُ، وَتَمَامُهُ يُعْرَفُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ (وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا) هَكَذَا نُقِلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا تَوْقِيفًا (وَلَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهِ) لِأَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ فَلَا يَتَقَدَّرُ بِتَقْدِيرٍ إلَّا إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَاحْتِيجَ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ) إذَا أَحَاطَ الدَّمُ بِطَرَفَيْ مُدَّةِ الْحَيْضِ كَانَ (كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي) فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَجْهُهُ (مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ) أَنَّ اسْتِيعَابَ الدَّمِ مُدَّةَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ (فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ) وَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَهُمَا تَبَعٌ لَهُمَا (كَالنِّصَابِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ) فَإِنَّ شَرْطَ وُجُوبِهَا كَمَالُ النِّصَابِ فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ، وَالنُّقْصَانُ فِي خِلَالِهِ لَا يَضُرُّ، مِثَالُهُ: مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ كُلُّهَا كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي لِإِحَاطَةِ الدَّمِ بِطَرَفَيْ الْعَشَرَةِ، وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَتِسْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ هُوَ آخِرُ أَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الطُّهْرَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يُفْصَلُ) بَيْنَ الدَّمَيْنِ (وَهُوَ كُلُّهُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي؛ لِأَنَّهُ طُهْرٌ فَاسِدٌ) لَا يَصْلُحُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الطُّهْرِ الصَّحِيحِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الصَّحِيحِ شَرْعًا فَكَانَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي.
مِثَالُهُ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا، فَالْعَشَرَةُ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ عِنْدَهُ حَيْضٌ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا بِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَتِسْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا (قَوْلُهُ: وَالْأَخْذُ بِهَذَا الْقَوْلِ) أَيْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (أَيْسَرُ) يَعْنِي لِلْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَفَاصِيلُ يَشُقُّ ضَبْطُهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ إحَاطَةَ الدَّمِ لِلطَّرَفَيْنِ شَرْطٌ بِالِاتِّفَاقِ، لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِطَرَفَيْ مُدَّةِ الْحَيْضِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ بُدَاءَةُ الْحَيْضِ وَلَا خَتْمُهُ بِالطُّهْرِ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ ضِدُّ الْحَيْضِ وَالشَّيْءُ لَا يُبْدَأُ بِضِدِّهِ وَلَا يُخْتَمُ بِهِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِطَرَفَيْ الطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ، وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بُدَاءَةُ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَخَتْمُهُ بِهِ أَيْضًا، وَيَجُوزُ بُدَاءَتُهُ بِهِ إذَا كَانَ قَبْلَهُ فَقَطْ وَلَا يُخْتَمُ بِهِ حِينَئِذٍ، وَيَجُوزُ خَتْمُهُ بِهِ إذَا كَانَ بَعْدَهُ دَمٌ لَا قَبْلَهُ، مِثَالُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ الْمَسَائِلِ امْرَأَةٌ عَادَتُهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، فَرَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا بِيَوْمٍ يَوْمًا دَمًا ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَتَهَا ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا فَعِنْدَهُ خَمْسَتُهَا حَيْضٌ إذَا جَاوَزَ الْمَرْئِيَّ عَشَرَةً لِإِحَاطَةِ الدَّمَيْنِ بِزَمَانِ عَادَتِهَا وَإِنْ لَمْ تَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُجَاوِزْ فَيَكُونُ جَمِيعُ ذَلِكَ حَيْضًا، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ قَبْلَ خَمْسَتِهَا يَوْمًا دَمًا ثُمَّ طَهُرَتْ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ خَمْسَتِهَا ثُمَّ رَأَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ طَهُرَتْ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ خَمْسَتِهَا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَحَيْضَتُهَا خَمْسَتُهَا عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْخَمْسَةِ وَخَتْمُهَا بِالطُّهْرِ لِوُجُودِ الدَّمِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، وَإِنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ الدَّمُ دُونَ الثَّلَاثَةِ لَا يَكُونُ فَاصِلًا بِالِاتِّفَاقِ، وَمَا دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ آنِفًا.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا بَلَغَ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا، فَإِنْ اسْتَوَى الدَّمُ وَالطُّهْرُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ.
أَوْ غَلَبَ الدَّمُ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ غَلَبَ الطُّهْرُ صَارَ فَاصِلًا وَحِينَئِذٍ إنْ لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا، وَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ جُعِلَ حَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَقَدِّمَ أَوْ الْمُتَأَخِّرَ، وَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُعِلَ أَسْرَعُهُمَا إمْكَانًا حَيْضًا فَقَطْ إذْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ تَامٌّ.
مِثَالُهُ: مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْأَرْبَعَةُ حَيْضٌ، وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا حَيْضًا لِغَلَبَةِ الطُّهْرِ، وَإِنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا فَالسِّتَّةُ كُلُّهَا حَيْضٌ لِاسْتِوَائِهِمَا فَغَلَبَ الدَّمُ لِمَا أَنَّ اعْتِبَارَ الدَّمِ يُوجِبُ حُرْمَةَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَاعْتِبَارُ الطُّهْرِ يُوجِبُ حِلَّ ذَلِكَ، وَإِذَا اسْتَوَى الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ يَغْلِبُ الْحَرَامُ كَمَا فِي التَّحَرِّي فِي الْأَوَانِي، فَإِنَّ الْغَلَبَةَ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَوْ كَانَا سَوَاءً لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي، فَهَذَا مِثْلُهُ، وَإِنْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ غَالِبٌ فَصَارَ فَاصِلًا، وَالْمُتَقَدِّمُ بِانْفِرَادِهِ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا فَجَعَلْنَاهُ حَيْضًا، وَإِنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُهُمَا إمْكَانًا: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اسْتَوَى الدَّمُ بِالطُّهْرِ فَلِمَ لَمْ يُجْعَلْ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي.
أُجِيبَ بِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ عَشَرَةٌ، وَالْمَرْئِيُّ فِي الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةٌ دَمٌ وَسِتَّةٌ طُهْرٌ وَيَوْمٌ دَمٌ، فَكَانَ الطُّهْرُ غَالِبًا فَلِهَذَا صَارَ فَاصِلًا.
قَالَ (وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) أَقَلُّ الطُّهْرِ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا (هَكَذَا رَوَى عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ مِقْدَارٌ، وَالْمَقَادِيرُ فِي الشَّرْعِ لَا تُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا.
وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقَامَ الشَّهْرَ فِي حَقِّ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ مَقَامَ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ، وَمَا أُضِيفَ إلَى شَيْئَيْنِ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نِصْفُ الشَّهْرِ حَيْضًا وَنِصْفُهُ طُهْرًا، إلَّا أَنَّهُ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى نُقْصَانِ الْحَيْضِ عَنْ النِّصْفِ فَيَبْقَى الطُّهْرُ عَلَى ظَاهِرِ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال مَنْقُولٌ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ إلَّا تَوْقِيفًا، وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ مُدَّةَ الطُّهْرِ نَظِيرُ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُعِيدُ مَا كَانَ سَقَطَ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَكَذَلِكَ أَقَلُّ مُدَّةِ الطُّهْرِ، وَلِهَذَا قَدَّرْنَا أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اعْتِبَارًا بِأَقَلِّ مُدَّةِ السَّفَرِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُؤَثِّرُ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، لَكِنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى السَّمَاعِ بِجَعْلِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي مُدَّةِ الْإِقَامَةِ وَارِدَةً فِيهِ لِتَسَاوِيهِمَا فِيمَا ذَكَرْنَا فَكَانَ مِنْ بَابِ الدَّلَالَةِ وَفِيهِ بُعْدٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهِ) أَيْ لِأَكْثَرِ الطُّهْرِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا تُصَلِّي وَتَصُومُ مَا دَامَتْ تَرَى الطُّهْرَ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ عُمُرَهَا.
وَقَوْلُهُ:؛ (لِأَنَّهُ) أَيْ الطُّهْرَ (يَمْتَدُّ إلَى سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ فَلَا يَتَقَدَّرُ بِتَقْدِيرٍ إلَّا إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَاحْتِيجَ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ) فَإِنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ لِأَكْثَرِهِ غَايَةً عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، خِلَافًا لِأَبِي عِصْمَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ فَإِنَّهُ لَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهِ عِنْدَهُمَا عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالسَّمَاعِ وَلَا سَمَاعَ هَاهُنَا، وَعَلَى هَذَا إذَا بَلَغَتْ امْرَأَةٌ فَرَأَتْ عَشَرَةً دَمًا وَسَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعِنْدَهُمَا طُهْرُهَا مَا رَأَتْ وَحَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ تَدَعُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ مِنْ أَوَّلِ زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَتُصَلِّي سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ سِتِّ سِنِينَ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا.
وَأَمَّا الْعَامَّةُ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي التَّقْدِيرِ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ: طُهْرُهَا تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةٌ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَتِسْعَةَ عَشَرَ بِيَقِينٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ سَلَمَةَ: طُهْرُهَا سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا حَيْضٌ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَيُرْفَعُ عَنْ كُلِّ شَهْرٍ فَيَبْقَى سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيُّ: طُهْرُهَا سِتَّةُ أَشْهُرٌ إلَّا سَاعَةً، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْمُدَّةِ الَّتِي تَرْتَفِعُ الْحَيْضُ فِيهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَهُوَ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ، إلَّا أَنَّ مَا عَلَيْهِ الْأَصْلُ أَنَّ مُدَّةَ الطُّهْرِ أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ الْحَبَلِ فَنَقَصْنَا مِنْهُ شَيْئًا يَسِيرًا وَهُوَ سَاعَةً فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا إلَّا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَتَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كُلُّ طُهْرٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً وَكُلُّ حَيْضٍ عَشَرَةُ أَيَّامٍ.
وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ: طُهْرُهَا شَهْرَانِ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ وَالْحَيْضُ وَالطُّهْرُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فِي الشَّهْرَيْنِ عَادَةً، إذْ الْغَالِبُ أَنَّ النِّسَاءَ يَحِضْنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً فَإِذَا طَهُرَتْ شَهْرَيْنِ فَقَدْ طَهُرَتْ فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا، وَالْعَادَةُ تَنْتَقِلُ بِمَرَّتَيْنِ فَصَارَ ذَلِكَ الطُّهْرُ عَادَةً لَهَا، فَوَجَبَ التَّقْدِيرُ بِهِ.
قِيلَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُفْتِي وَالنِّسَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخْرَى تَرَكْتهَا مَخَافَةَ الْإِطْنَابِ.
وَلَمَّا كَانَ فِي الْأَقْوَالِ فِيهِ كَثْرَةٌ أَعْرَضَ الْمُصَنِّفُ عَنْهَا، وَقَالَ (وَيُعْرَفُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ). (وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ) كَالرُّعَافِ الدَّائِمِ لَا يَمْنَعُ الصَّوْمَ وَلَا الصَّلَاةَ وَلَا الْوَطْءَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «تَوَضَّئِي وَصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» وَإِذَا عُرِفَ حُكْمُ الصَّلَاةِ ثَبَتَ حُكْمُ الصَّوْمِ وَالْوَطْءُ بِنَتِيجَةِ الْإِجْمَاعِ (وَلَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ) وَلَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ دُونَهَا رَدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا، وَاَلَّذِي زَادَ اسْتِحَاضَةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» وَلِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ يُجَانِسُ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَيُلْحَقُ بِهِ، وَإِنْ ابْتَدَأَتْ مَعَ الْبُلُوغِ مُسْتَحَاضَةً فَحَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ لِأَنَّا عَرَفْنَاهُ حَيْضًا فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِالشَّكِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ كَالرُّعَافِ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ: (بِنَتِيجَةِ الْإِجْمَاعِ) قِيلَ: أَيْ بِدَلَالَتِهِ، وَتَقْرِيرُهُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَهُوَ يُوجِبُ وُجُوبَ الصَّوْمِ وَحِلَّ الْوَطْءِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الدَّمَ عَدَمًا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ مَعَ الْمُنَافَاةِ الثَّابِتَةِ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِ مُنَافِيًا لِشَرْطِهَا فَلَأَنْ يُجْعَلَ عَدَمًا فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَالْوَطْءِ اللَّذَيْنِ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا أَوْلَى.
قَالَ فِي الْكَافِي: تَفْسِيرُ نَتِيجَةِ الْإِجْمَاعِ بِدَلَالَتِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ لَفْظًا وَلَا مَعْنًى، وَالتَّفْسِيرُ بِالْحُكْمِ أَشَدُّ طِبَاقًا.
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ: قَدْ يَجُوزُ أَنْ تُسَمَّى نَتِيجَتُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ دَلَالَةَ النَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ لَا تَكُونُ إلَّا بِهِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَثْبُتَ قَبْلَهُ فَكَأَنَّهَا نَتِيجَتُهُ، وَالنَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ أَصْلٌ، وَلَوْ فَسَّرَ بِالْحُكْمِ لَأَوْهَمَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَيْهِ قَصْدًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلِذَلِكَ فُسِّرَتْ بِالدَّلَالَةِ.
وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ) تَعَرُّضٌ مِنْهُ لِمَا هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الدَّمَ إذَا زَادَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ دُونَ الْعَشَرَةِ (رُدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا) بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا.
وَأَمَّا إذَا زَادَ عَلَى عَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ دُونَ الْعَشَرَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ فَذَهَبَ أَئِمَّةُ بَلْخِي إلَى أَنَّهَا تُؤْمَرُ بِالِاغْتِسَالِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ حَالَ الزِّيَادَةِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ الدَّمُ قَبْلَ الْعَشَرَةِ كَانَ حَيْضًا، وَإِنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ كَانَ اسْتِحَاضَةً فَلَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ مَعَ التَّرَدُّدِ.
وَقَالَ مَشَايِخُ بُخَارَى: لَا تُؤْمَرُ بِالِاغْتِسَالِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّا عَرَفْنَاهَا حَائِضًا بِيَقِينٍ، وَدَلِيلُ بَقَاءِ الْحَيْضِ هُوَ رُؤْيَةُ الدَّمِ قَائِمٌ وَلَا يَكُونُ اسْتِحَاضَةً حَتَّى تَسْتَمِرَّ فَيُجَاوِزُ الْعَشَرَةَ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا تُؤْمَرُ بِالِاغْتِسَالِ وَالصَّلَاةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا، فَإِنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ أُمِرَتْ بِقَضَاءِ مَا تَرَكَتْ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَيَّامِ عَادَتِهَا.
قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَقَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي زَادَ) يَعْنِي عَلَى الْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ اسْتِحَاضَةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ مَنْ زَادَ دَمُهَا عَلَى عَشَرَةٍ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَالْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، وَأَيَّامُ أَقْرَائِهَا أَيَّامُ عَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ، فَمَا زَادَ عَلَيْهَا لَا تَدَعُهَا فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ لِلْإِضَافَةِ فَائِدَةٌ.
وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الزَّائِدَ) دَلِيلٌ آخَرُ، وَتَقْرِيرُهُ: الزَّائِدُ (عَلَى الْعَادَةِ يُجَانِسُ الزَّائِدَ عَلَى الْعَشَرَةِ) وَكُلُّ مَا يُجَانِسُ الزَّائِدَ عَلَى الْعَشَرَةِ يَلْحَقُ بِهِ، فَالزَّائِدُ عَلَى الْعَادَةِ يَلْحَقُ بِالزَّائِدِ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَأَمَّا أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ يُجَانِسُ الزَّائِدَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَمِنْ حَيْثُ النُّدْرَةُ وَكَوْنُهُمَا زَائِدَيْنِ عَلَى الْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ.
وَعُورِضَ بِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا بِخِلَافِ الزَّائِدِ عَلَى الْعَشَرَةِ فَأَنَّى يَتَجَانَسَانِ؟ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ يُجَانِسُ الْعَادَةَ فِي كَوْنِهِمَا فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ فَتَعَارَضَ التَّجَانُسُ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُمَا لَوْ اتَّحَدَا فِي إمْكَانِ الْحَيْضِ أَوْ عَدَمِهِ كَانَا مُتَمَاثِلَيْنِ وَلَمْ نَدَعْ ذَلِكَ، وَإِنَّ التَّجَانُسَ بَيْنَ الزَّائِدَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَبَيْنَ الزَّائِدِ وَالْعَادَةِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرْتُمْ، فَكَانَ مَا ذَكَرْنَا رَاجِحًا: وَأَمَّا أَنَّ كُلَّ مَا يُجَانِسُ الزَّائِدَ عَلَى الْعَشَرَةِ يَلْحَقُ بِهِ فَلِأَنَّ الْجِنْسِيَّةَ عِلَّةُ الضَّمِّ.
وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ ابْتَدَأَتْ مَعَ الْبُلُوغِ مُسْتَحَاضَةً) رُوِيَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَمَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَجَعَلَ الْمُسْتَحَاضَةَ مِنْ بَابِ جُنَّ وَأُغْمِيَ؛ لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهَا، وَجَعْلُ مُسْتَحَاضَةٍ نَصَبًا عَلَى الْحَالِ الْمُقَدَّرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ حَالَ ابْتِدَاءِ رُؤْيَتِهَا الدَّمَ لَمْ يَثْبُتْ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْعَشَرَةِ أَنَّهَا كَانَتْ مُقَدَّرَةَ الِاسْتِحَاضَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ رُؤْيَتِهَا الدَّمَ.
وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّا عَرَّفْنَا حَيْضًا) أَيْ عَرَفْنَا الدَّمَ الْمَرْئِيَّ فِي الْعَشَرَةِ حَيْضًا (فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ حَيْضًا بِالشَّكِّ) وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَرْئِيَّ فِي الْعَشَرَةِ حَالَ وُجُودِهِ حَكَمْنَا بِكَوْنِهِ حَيْضًا وَلِهَذَا لَوْ انْقَطَعَ الدَّمُ عَلَى الْعَشَرَةِ حَكَمْنَا بِكَوْنِهِ كُلِّهِ حَيْضًا، فَإِذَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ وَقَعَ الشَّكُّ فِي كَوْنِ الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثَةِ حَيْضًا أَوْ لَا فَلَا يَزُولُ ذَلِكَ الْيَقِينُ بِهَذَا الشَّكِّ الَّذِي حَدَثَ الْآنَ.