فصل: كِتَابُ الْقَضَاءِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العقود الدرية في تنقيح الفتاوي الحامدية



.كِتَابُ الْحَوَالَةِ:

(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ دَيْنٌ شَرْعِيٌّ عَلَى عَمْرٍو فَأَحَالَهُ عَمْرٌو عَلَى بَكْرٍ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ لِعَمْرٍو وَقَبِلَ الْكُلُّ الْحَوَالَةَ ثُمَّ مَاتَ الْمُحِيلُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الْمَبْلَغِ فَهَلْ تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِمَوْتِهِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَلَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمُحْتَالِ الْمَالَ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُحِيلِ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ فَالْمُحْتَالُ مَعَ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ بِالْحَوَالَةِ وَكَذَا لَوْ قَيَّدَ بِدَيْنِهِ الَّذِي عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ يَتَسَاوَى الْمُحْتَالُ مَعَ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ بَزَّازِيَّةٌ وَخُلَاصَةٌ وَمُقْتَضَاهُ بُطْلَانُ الْحَوَالَةِ بِمَوْتِ الْمُحِيلِ وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيُّ وَعِبَارَتُهُ مَاتَ الْمُحِيلُ تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ حَتَّى لَا يَخْتَصَّ الْمُحْتَالُ بِمَالِهِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بَلْ أُسْوَةٌ لِغُرَمَائِهِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ إلَّا أَنَّهَا جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ وَبِالْمَوْتِ سَقَطَتْ وَتَعُودُ الْمُطَالَبَةُ إلَى تِرْكَتِهِ وَعَنْ زُفَرَ خِلَافُهُ وَإِنْ تَوَى مَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بَلْ تُفْسَخُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى انْتَهَتْ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ يَنْبَغِي حِفْظُهَا.
(أَقُولُ) اعْلَمْ أَنَّ الْحَوَالَةَ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ وَمُقَيَّدَةٌ فَالْمُقَيَّدَةُ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ عَيْنٍ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً أَوْ غَصْبٍ أَوْ نَحْوِهِ وَالْمُطْلَقَةُ أَنْ يُرْسِلَهَا وَلَا يُقَيِّدَهَا بِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَهُ عَيْنٌ لَهُ أَوْ لَا بِأَنْ قَبِلَهَا مُتَبَرِّعًا وَالْكُلُّ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُقَيَّدَةِ وَكِيلٌ بِالدَّفْعِ وَفِي الْمُطْلَقَةِ مُتَبَرِّعٌ وَحُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ حَقُّ الْمُحِيلِ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ وَلِلْمُحَالِ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ بَعْدَ أَدَائِهِ إنْ كَانَتْ بِرِضَاهُ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فِي حَقِّ الْمُحِيلِ تَأَجَّلَ فِي حَقِّ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ بِمَوْتِ الْمُحِيلِ وَيَحِلُّ بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَحُكْمُ الْمُقَيَّدَةِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُحْتَالِ عَلَى مِثَالِ الرَّاهِنِ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِأَخْذِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْنِ وَلَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُحْتَالِ كَانَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ الْمُحَالُ بِهِمَا بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ لِكَوْنِهِ مَالَ الْمُحِيلِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ لَمْ يَمْلِكْهُ بِهَا لِلُزُومِ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ بِهَا فِي دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ دَيْنِ الْمُحِيلِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَلَيْهِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ فَاخْتَصَّ بِهِ الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ مَدْيُونًا بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ لِبَرَاءَةِ الْمُحِيلِ وَصَارَ الْمُحْتَالُ مِنْ غُرَمَاءِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِذَا قَسَمَ الدَّيْنَ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ لَا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِحِصَّةِ الْغُرَمَاءِ لِاسْتِحْقَاقِ الدَّيْنِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ أَنَّ قَوْلَهُ قَبْلَهُ وَلَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُحْتَالِ إلَخْ خَاصٌّ بِالْمُقَيَّدَةِ وَهُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ كَانَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ الْمُحَالُ بِهِمَا بَيْنَ غُرَمَائِهِ فَقَوْلُهُ الْمُحَالُ بِهِمَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُقَيَّدَةُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْمُحِيلِ وَكَذَا قَوْلُهُ لِاسْتِحْقَاقِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ أَثَرُ اسْتِحْقَاقِ الدَّيْنِ فِي الْمُطْلَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَقَيَّدُ بِدَيْنٍ وَلَا عَيْنٍ وَكَذَا قَوْلُ الْوَلْوَالِجِيَّةِ وَلَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ تَحَاصَّ غُرَمَاؤُهُ فِيمَا عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَلَا يُسَلَّمُ لِلْمُحْتَالِ إلَّا مَا قُبِضَ قَبْلَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْمُحِيلِ إلَخْ فَهَذَا التَّعْلِيلُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمُقَيَّدَةُ وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً فَلَا تَبْطُلُ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَلَا تَنْقَطِعُ فِيهَا مُطَالَبَةُ الْمُحِيلِ عَنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ فَإِذَا أَدَّى سَقَطَ مَا عَلَيْهِ قِصَاصًا وَلَوْ تَبَيَّنَ بَرَاءَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ لَا تَبْطُلُ أَيْضًا وَلَوْ أَنَّ الْمُحَالَ أَبْرَأَ ذِمَّةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ صَحَّ الْإِبْرَاءُ إلَخْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَوَالَةَ الْمُطْلَقَةَ تَبَرُّعٌ كَمَا مَرَّ وَإِذَا كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مَدْيُونًا لِلْمُحِيلِ لَا تَتَقَيَّدُ بِدَيْنِهِ وَلِذَا كَانَ لِلْمُحِيلِ مُطَالَبَتُهُ بِهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَلَا تَبْطُلُ بِقِسْمَةِ دَيْنِ الْمُحِيلِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ لَمْ يَبْقَ مِنْ غُرَمَائِهِ بَلْ صَارَ مِنْ غُرَمَاءِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ فَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَةَ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُحِيلِ بَلْ تَبْقَى مُطَالَبَةُ الْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَإِنْ أُخِذَ مِنْهُ دَيْنُ الْمُحِيلِ وَقُسِمَ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَهَذَا جَارٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ مُشْكِلٌ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا اشْتَرَى زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو أَقْمِشَةً مَعْلُومَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي الذِّمَّةِ أَحَالَ بِهِ الْبَائِعُ عَلَى بَكْرٍ حَوَالَةً شَرْعِيَّةً مَقْبُولَةً بِرِضَا الْكُلِّ ثُمًّ ظَهَرَ عَيْبٌ قَدِيمٌ فِي بَعْضِ الْأَقْمِشَةِ وَيُرِيدُ رَدَّهَا بِخِيَارِ الْعَيْبِ فَهَلْ إذَا رَدَّهَا بِالْعَيْبِ تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِقَدْرِ مَا قَابَلَ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهُ ثُمَّ أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى غَرِيمِهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي عَلَيْهِ ثُمَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُبْطِلُ الْحَوَالَةَ إلَخْ بَحْرٌ.
(سُئِلَ) فِي الْمَدْيُونِ إذَا أَحَالَ رَبُّ الدَّيْنِ بِدَيْنِهِ عَلَى مَدْيُونٍ لَهُ بِرِضَاهُ وَضَمِنَهُ فِي ذَلِكَ فَهَلْ يَصِحُّ الضَّمَانُ وَيُطَالِبُ أَيَّهُمَا شَاءَ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَقَالَ الطَّالِبُ أَحِلْنِي بِمَالِي عَلَيْك عَلَى فُلَانٍ عَلَى أَنَّك ضَامِنٌ لِذَلِكَ فَفَعَلَ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ الضَّمَانَ عَلَى الْمُحِيلِ فَقَدْ جَعَلَ الْحَوَالَةَ كَفَالَةً؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ عَدَمِ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ كَفَالَةٌ.
(سُئِلَ) فِي نَاظِرِ وَقْفٍ أَحَالَ زَيْدًا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ عَلَى مُسْتَأْجِرِ بَعْضِ أَقْلَامِ الْوَقْفِ ثُمَّ مَاتَ النَّاظِرُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ زَيْدٌ الدَّيْنَ ثُمَّ تَوَلَّى الْوَقْفَ نَاظِرٌ آخَرُ فَهَلْ لِلْمُتَوَلِّي الْجَدِيدِ قَبْضُ مَالِ الْوَقْفِ وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَنَقْلُهَا مَا تَقَدَّمَ آنِفًا. (أَقُولُ) هَذَا إذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ مُقَيَّدَةً كَمَا عَلِمْت تَحْقِيقَهُ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِمُسْتَحِقٍّ فِي وَقْفٍ أَهْلِيٍّ دَرَاهِمُ مَعْلُومَةٌ تَحْتَ يَدِ نَاظِرِ الْوَقْفِ هِيَ قَدْرُ اسْتِحْقَاقِهِ مِنْ الْوَقْفِ فَأَحَالَ دَائِنَهُ عَلَى النَّاظِرِ الْمَزْبُورِ بِهَا وَقَبِلَ كُلٌّ مِنْهُمْ الْحَوَالَةَ فَهَلْ تَكُونُ الْحَوَالَةُ الْمَزْبُورَةُ صَحِيحَةً؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْعَلَائِيِّ. (أَقُولُ) وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَقَيَّدَهَا بِمَا إذَا كَانَ مَالُ الْوَقْفِ فِي يَدِ النَّاظِرِ وَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا أَحَالَ زَيْدٌ الْمُسْتَحِقُّ فِي وَقْفٍ أَهْلِيٍّ عَمْرًا عَلَى نَاظِرِ الْوَقْفِ لِيَدْفَعَ دَيْنَهُ لَهُ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِ فِي مُدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُحِيلُ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَآلَتْ حِصَّةُ الْمُحِيلِ إلَى غَيْرِهِ فَهَلْ تَكُونُ الْحَوَالَةُ الْمَزْبُورَةُ غَيْرَ صَحِيحَةٍ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَنَقْلُهَا مَا تَقَدَّمَ آنِفًا.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا احْتَالَ زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو بِمَبْلَغٍ مَعْلُومٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ تَوِيَ الْمَالُ هَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ؟ وَمَا التَّوَى؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ بِالْمَالِ عَلَى الْمُحِيلِ إذَا تَوِيَ حَقُّهُ وَهُوَ بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا أَوْ إنْكَارِهِ الْحَوَالَةِ وَحَلْفِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَالتَّوَى عَلَى وَزْنِ الْحَصَى: هُوَ الْهَلَاكُ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمُتُونِ وَالْخَيْرِيَّةِ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِيَتِيمَيْنِ بِذِمَّةِ زَيْدٍ مَبْلَغٌ مَعْلُومٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَاحْتَالَ وَصِيُّهُمَا بِهِ عَلَى عَمْرٍو الْأَمْلَإِ مِنْ الْمَدْيُونِ وَفِي الْحَوَالَةِ الْمَرْقُومَةِ خَيْرٌ لَهُمَا حَوَالَةً شَرْعِيَّةً مَقْبُولَةً مِنْ الْجَمِيعِ فَهَلْ تَكُونُ الْحَوَالَةُ الْمَزْبُورَةُ صَحِيحَةً؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي الْخَانِيَّةِ احْتَالَ الْوَصِيُّ أَوْ الْأَبُ بِمَالِ الصَّغِيرِ إنْ كَانَ الثَّانِي أَمَلَأَ مِنْ الْأَوَّلِ جَازَ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ لَمْ يَجُزْ إلَخْ أَدَبُ الْأَوْصِيَاءِ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ مِنْ الْحَوَالَةِ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا بِغَيْرِ دَيْنٍ وَلَا عَيْنٍ وَلَا كَفِيلٍ قَبْلَ دَفْعِ مَالِ الْحَوَالَةِ وَيُرِيدُ الْمُحْتَالُ الرُّجُوعَ عَلَى الْمُحِيلِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ كَمَا فِي غَالِبِ الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا أَحَالَ زَيْدٌ عَمْرًا بِدَيْنِهِ عَلَى بَكْرٍ الْغَائِبِ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ وَلَمْ يَقْبَلْ الْحَوَالَةَ وَلَمْ يَرْضَ بِهَا فَهَلْ تَكُونُ الْحَوَالَةُ غَيْرَ صَحِيحَةٍ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ دَيْنٌ شَرْعِيٌّ بِذِمَّةِ عَمْرٍو وَلِعَمْرٍو دَيْنٌ شَرْعِيٌّ بِذِمَّةِ بَكْرٍ فَتَوَافَقَ بَكْرٌ مَعَ زَيْدٍ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ بَكْرٌ لَهُ الَّذِي لَهُ عَلَى عَمْرٍو مِنْ دَيْنِ عَمْرٍو عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْحَوَالَةِ مِنْ عَمْرٍو وَتَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْبَةِ عَمْرٍو ثُمَّ عَلِمَ عَمْرٌو بِذَلِكَ فَأَجَازَهُ وَرَضِيَ بِهِ ثُمَّ امْتَنَعَ بَكْرٌ مِنْ دَفْعِ ذَلِكَ بِدُونِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ وَيُرِيدُ زَيْدٌ مُطَالَبَةَ بَكْرٍ بِدَيْنِهِ الْمَزْبُورِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ قَالَ فِي الدُّرَرِ وَشَرْطٌ حُضُورُ الثَّانِي يَعْنِي لَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ فِي غَيْبَةِ الْمُحْتَالِ لَهُ إلَّا أَنْ يَقْبَلَ أَيْ الْحَوَالَةَ فُضُولِيٌّ لَهُ أَيْ لِأَجْلِ الْغَائِبِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ لَا حُضُورُ الْبَاقِيَيْنِ أَمَّا عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُحِيلُ فَبِأَنْ يَقُولَ رَجُلٌ لِلدَّائِنِ لَك عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاحْتَلْ بِهَا عَلَيَّ فَرَضِيَ الدَّائِنُ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَأَمَّا عَدَمُ اشْتِرَاطِ حُضُورِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَبِأَنْ يُحِيلَ الدَّائِنَ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ ثُمَّ عَلِمَ الْغَائِبُ فَقَبِلَ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْكَنْزِ وَتَصِحُّ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ بِرِضَا الْمُحْتَالِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ. اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ وَأَرَادَ مِنْ الرِّضَا الْقَبُولَ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ قَبُولَهُمَا فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ. اهـ.
وَنَقَلَهُ الْعَلَائِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ ثُمَّ قَالَ لَكِنْ فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا الشَّرْطُ قَبُولُ الْمُحْتَالِ أَوْ نَائِبِهِ وَرِضَا الْبَاقِيَيْنِ لَا حُضُورُهُمَا وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. اهـ.
أَيْ صَاحِبُ التَّنْوِيرِ فِي الْمِنَحِ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ دَيْنٌ بِذِمَّةِ عَمْرٍو فَأَحَالَهُ عَمْرٌو بِهِ عَلَى بَكْرٍ وَلَمْ يَكُنْ لِعَمْرٍو عَلَى بَكْرٍ الْمَزْبُورِ دَيْنٌ شَرْعِيٌّ حَوَالَةً شَرْعِيَّةً مَقْبُولَةً مِنْ الْجَمِيعِ فَهَلْ تَكُونُ الْحَوَالَةُ الْمَزْبُورَةُ صَحِيحَةً؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ قَدْ تَكُونُ بِدُونِ دَيْنٍ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ.
(سُئِلَ) فِيمَا لَوْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الْمُحِيلَ عَمَّا كَانَ عَلَى الْمُحِيلِ ثُمَّ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا بِغَيْرِ عَيْنٍ وَلَا دَيْنٍ وَلَا كَفِيلٍ فَهَلْ يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ وَتَكُونُ الْبَرَاءَةُ الْمَزْبُورَةُ غَيْرَ صَحِيحَةٍ؟
(الْجَوَابُ): الْمُصَحَّحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَوَالَةَ تُوجِبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي جَامِعِ الرُّمُوزِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا كَمَا فِي صُوَرِ الْمَسَائِلِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ الْهُمَامُ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ لَهُ الْمُحِيلَ عَمَّا كَانَ عَلَى الْمُحِيلِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ لَا يَصِحُّ. اهـ.
وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا تَوِيَ الْمَالُ بِأَنْ يَمُوتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَسْئُولُ عَنْهَا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ لِمَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا غَابَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ قَبْلَ دَفْعِ شَيْءٍ مِنْ الْمُحَالِ بِهِ وَيُرِيدُ الْمُحْتَالُ الرُّجُوعَ عَلَى الْمُحِيلِ بِمُجَرَّدِ غَيْبَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَهَلْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا آجَرَ زَيْدٌ أَرْضَهُ مِنْ عَمْرٍو بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ أَحَالَ بِهَا بَكْرًا عَلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْأَرْضَ مَرْهُونَةٌ مِنْ قِبَلِ زَيْدٍ عِنْدَ زَوْجَتِهِ بِدَيْنٍ اسْتَدَانَهُ مِنْهَا قَبْلَ الْإِجَارَةِ وَلَمْ تُجِزْ زَوْجَتُهُ الْإِجَارَةَ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهَا دَيْنَهَا وَلَمْ يَنْتَفِعْ عَمْرٌو بِالْمَأْجُورِ أَصْلًا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ وَيُرِيدُ بَكْرٌ الْمُحْتَالُ مُطَالَبَةَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِمَبْلَغِ الْحَوَالَةِ بِلَا وَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَهَلْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ بِمَبْلَغٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ ثَمَنَ أَمْتِعَةٍ فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَا وَذَكَرَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَحَالَ عَلَيْهِ بِالْمَبْلَغِ رَجُلًا بِمِصْرَ حَوَالَةً مَقْبُولَةً مِنْ الْكُلِّ فَصَدَّقَهُ الْمُدَّعِي وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ الْمَبْلَغَ لِلْمُحْتَالِ وَأَنَّ الْمُحْتَالَ وَكَّلَهُ فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَكَيْفَ الْحُكْمُ؟
(الْجَوَابُ): حَيْثُ اعْتَرَفَ الْمُدَّعِي بِالْإِحَالَةِ لَا تَصِحُّ مِنْهُ دَعْوَى الْوَكَالَةِ قَالَ فِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ تَوَكَّلَ الْمُحِيلُ بِقَبْضِ دَيْنِ الْحَوَالَةِ لَمْ يَصِحَّ. اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ.
(فُرُوعٌ) إذَا أَحَالَ الطَّالِبُ إنْسَانًا عَلَى مَدْيُونِهِ وَبِالدَّيْنِ كَفِيلٌ بَرِئَ الْمَدْيُونُ مِنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ وَبَرِئَ كَفِيلُهُ وَيُطَالَبُ الْمُحْتَالُ الْأَصِيلُ لَا الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ شَيْئًا لَكِنَّهَا بَرَاءَةٌ مَوْقُوفَةٌ وَكَذَا إذَا أَحَالَ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ بَطَلَ حَقُّهُ فِي حَبْسِ الرَّهْنِ وَلَا يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُحْتَالِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ إذَا قَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو إنَّ بَكْرًا أَحَالَنِي عَلَيْك بِأَلْفٍ فَأَعْطِنِيهَا وَإِنْ قَالَ بَكْرٌ مَا أَحَالَنِي فَارْجِعْ بِهَا عَلَيَّ فَأَعْطَاهُ عَمْرٌو ثُمَّ إنْ بَكْرًا مَاتَ أَوْ غَابَ هَلْ لِعَمْرٍو الرُّجُوعُ عَلَى زَيْدٍ أَمْ لَا أَجَابَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ إنْ اعْتَرَفَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ الَّذِي أُحِيلَ بِهِ عَلَيْهِ وَدَفَعَ إلَى الْمُحْتَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُحْتَالِ مَا لَمْ يَعْرِفْ الْحَالَ فَإِنْ صَدَّقَ الْمُحِيلُ الْمُحْتَالَ تَمَّ الْأَمْرُ وَإِنْ أَنْكَرَ الْحَوَالَةَ وَأَخَذَ دَيْنَهُ مِنْ الْمَدْيُونِ رَجَعَ الْمَدْيُونُ عَلَى الْمُحْتَالِ بِمَا قَبَضَ مِنْهُ وَكَذَا إنْ مَاتَ أَوْ غَابَ وَلَمْ يَعْلَمْ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ بِشَيْءٍ. اهـ.
(أَقُولُ) وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ إنْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ لِلْمُحِيلِ وَدَفَعَهُ لِلْمُحْتَالِ عَلَى وَجْهِ الْحَوَالَةِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ عَلَى الْمُحْتَالِ إنْ صَدَّقَهُ الْمُحِيلُ فِي الْحَوَالَةِ وَكَذَا إذَا جَهِلَ الْحَالَ وَأَمَّا إذَا كَذَّبَهُ وَأَخَذَ دَيْنَهُ مِنْ الْمَدْيُونِ رَجَعَ الْمَدْيُونُ عَلَى الْقَابِضِ بِمَا قَبَضَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.كِتَابُ الْقَضَاءِ:

(سُئِلَ) فِيمَا إذَا ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو بِأَنَّ لَهُ بِذِمَّةِ بَكْرٍ الْغَائِبِ مَبْلَغًا قَدْرُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ كَذَا وَأَنَّ عَمْرًا الْمَزْبُورَ كَفِيلٌ عَنْ بَكْرٍ كَفَالَةً مُطْلَقَةً بِكُلِّ مَا لَهُ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ عَمْرٌو بِالْكَفَالَةِ الْمَزْبُورَةِ وَأَجَازَهَا زَيْدٌ الْمَذْكُورُ وَأَنْكَرَ عَمْرٌو أَنَّ لَهُ عَلَى بَكْرٍ الْغَائِبِ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ فَأَقَامَ زَيْدٌ بَيِّنَةً شَرْعِيَّةً فِي وَجْهِ عَمْرٍو شَهِدَتْ بِأَنَّ الْمَبْلَغَ الْمَزْبُورَ بِذِمَّةِ بَكْرٍ الْغَائِبِ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ الْمُتَدَاعِي لَدَيْهِ بِالْمَبْلَغِ الْمَزْبُورِ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو الْكَفِيلِ وَبَكْرٍ الْغَائِبِ فَهَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ قَضَاءً عَلَى عَمْرٍو الْكَفِيلِ وَبَكْرٍ الْغَائِبِ؟
(الْجَوَابُ): حَيْثُ كَانَتْ الْكَفَالَةُ مُطْلَقَةً كَمَا ذَكَرَ وَأَجَازَهَا الْمُدَّعِي شِفَاهًا يَكُونُ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ قَضَاءً عَلَى عَمْرٍو الْحَاضِرِ وَبَكْرٍ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ صَارَ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ صَرَّحَ بِهَا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
(سُئِلَ) هَلْ يَصِحُّ حُكْمُ الْحَاكِمِ لِأَبِيهِ وَابْنِهِ أَمْ لَا؟
(الْجَوَابُ): هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهَا قَالَ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُدُورِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُبَارَكِ الْمَعْرُوفِ بِهِ وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ بَاطِلٌ. اهـ.
وَهِيَ دَوَّارَةٌ فِي مُتُونِ الْمَذْهَبِ مِنْ بَابِ التَّحْكِيمِ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ مِنْ كُتُبِ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ إمَامِ دَارِ الْهِجْرَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ لِمَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ. اهـ.
قَالَ شَارِحُهُ التَّتَّائِيُّ كَابْنِهِ وَأَبِيهِ وَزَوْجَتِهِ وَنَحْوِهِمْ. اهـ.
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ فِي التُّحْفَةِ تَحْتَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ وَكَذَا أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ؛ لِأَنَّهُمْ أَبْعَاضُهُ فَكَانُوا كَنَفْسِهِ. اهـ.
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مُوسَى الْحَجَّاوِيُّ فِي كِتَابِ الْإِقْنَاعِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ الْمُحَدِّثِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ وَلَا لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَقَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مَوَانِعُ الشَّهَادَةِ سِتَّةٌ أَحَدُهَا قَرَابَةُ الْوِلَادَةِ فَلَا تُقْبَلُ مِنْ عَمُودِيِّ النَّسَبِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مِنْ وَالِدٍ وَإِنْ عَلَا وَلَوْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَوَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ.
(سُئِلَ) فِي امْرَأَةٍ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا بَعْدَ وُقُوعِ طَلَاقٍ مِنْهُ عَلَيْهَا غَيْبَةً شَرْعِيَّةً وَتَضَرَّرَتْ مِنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْمُنْفِقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَرَفَعَتْ أَمْرَهَا لِقَاضٍ حَنْبَلِيٍّ فَقَضَى عَلَيْهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ مُوَافِقًا مَذْهَبَهُ مُسْتَوْفِيًا شَرَائِطَهُ فَهَلْ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؟
(الْجَوَابُ): يَنْفُذُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَنَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ثُمَّ أَفْتَى الْمُؤَلِّفُ كَذَلِكَ بِنَفَاذِ قَضَاءِ الْحَنْبَلِيِّ عَلَى الْغَائِبِ فِيمَا دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ مِنْ دَعْوَى دَيْنٍ لِزَيْدٍ بِذِمَّةِ الْغَائِبِ وَبِأَخْذِهِ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ الَّذِي تَحْتَ يَدِ شَرِيكِهِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ.
(سُئِلَ) فِي الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ بِدُونِ وَكَالَةٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَلَا وَجْهٍ شَرْعِيٍّ هَلْ تَكُونُ غَيْرَ مَسْمُوعَةٍ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ. (أَقُولُ) قَالَ فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ لِلْعَلَائِيِّ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ وَلَا لَهُ أَيْ لَا يَصِحُّ بَلْ وَلَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ بَحْرٌ إلَّا بِحُضُورِ نَائِبِهِ إلَخْ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ قُضِيَ عَلَى غَائِبٍ بِلَا نَائِبٍ يَنْفُذُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ وَرَجَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَفِي الْمُنْيَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَمَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ تَوَقَّفَهُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ إلَخْ وَكَتَبْت فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ لَيْسَ قَوْلًا ثَالِثًا بَلْ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي كَمَا فِي الْبَحْرِ وَأَنَّ قَوْلَ التَّنْوِيرِ وَلَوْ قُضِيَ عَلَى غَائِبٍ إلَخْ مَعْنَاهُ لَوْ قَضَى مَنْ يَرَى جَوَازَهُ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ قَبْلَهُ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ؛ لِأَنَّهُ فِي الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ الْقَاضِي شَافِعِيًّا يَرَاهُ أَوْ حَنَفِيًّا لَا يَرَاهُ أَوْ خَاصٌّ بِمَنْ يَرَاهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ يَرَاهُ لِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ كَمَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَكِنْ اعْتَرَضَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ بِتَصْرِيحِ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْحَنَفِيّ وَبِمَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَلَوْ قَضَى نَفَذَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَنْفُذُ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَفَعَ لِآخَرَ لَا يَنْقُضُهُ. اهـ.
وَنَحْوُهُ فِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ وَقَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَا حَاصِلُهُ أَقُولُ قَدْ اضْطَرَبَتْ آرَاؤُهُمْ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَلَهُ فَيَنْبَغِي عِنْدِي أَنْ يُحْتَاطَ وَيُلَاحَظُ الْحَرَجُ وَالضَّرُورَاتُ فَيُفْتَى بِحَسَبِهَا جَوَازًا أَوْ فَسَادًا صِيَانَةً لِلْحُقُوقِ مَعَ أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ ذَهَبَ إلَى جَوَازِهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَفِيهِ عِنْدَنَا رِوَايَتَانِ وَالْأَحْوَطُ نَصْبُ وَكِيلٍ عَنْهُ يَعْرِفُ أَنَّهُ يُرَاعِي جَانِبَ الْغَائِبِ وَلَا يُفَرِّطُ فِي حَقِّهِ. اهـ.
مُلَخَّصًا وَارْتَضَاهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ فَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لَكِنْ إذَا لُوحِظَ الْحَرَجُ وَالضَّرُورَةُ يَجِبُ اعْتِبَارُ عَدَمِ إمْكَانِ مُرَاجَعَةِ الْغَائِبِ وَإِحْضَارِهِ حَتَّى لَوْ أَمْكَنَ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ. اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا ادَّعَى زَيْدٌ النَّاظِرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْفَارٍ أَنَّهُمْ وَبَقِيَّةُ أَهَالِي قَرْيَةِ كَذَا غَصَبُوا قِطْعَةَ أَرْضٍ مَعَ آخَرِينَ مِنْ مَزْرَعَتِهِ الْجَارِيَةِ تَحْتَ نِظَارَتِهِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِمْ وَكَتَبَ بِذَلِكَ حُجَّةً فَهَلْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ نَافِذٌ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِمْ؟
(الْجَوَابُ): الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ نَافِذٌ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِمْ فَقَطْ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِمْ لِمَا قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ إنَّ الْقَضَاءَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ إلَّا فِي خَمْسَةٍ فَفِي أَرْبَعَةٍ يَتَعَدَّى إلَى كَافَّةِ النَّاسِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى أَحَدٍ فِيهِ بَعْدَهُ فِي الْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالنَّسَبِ وَوَلَاءِ الْإِعْتَاقِ وَالنِّكَاحِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالْقَضَاءُ بِالْوَقْفِ يَقْتَصِرُ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْكَافَّةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَالَ أَيْضًا لَا يَنْتَصِبُ أَحَدٌ خَصْمًا عَنْ أَحَدٍ قَصْدًا بِغَيْرِ وَكَالَةٍ وَنِيَابَةٍ وَوَلَاءٍ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ أَحَدُ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِي الثَّانِيَةُ أَحَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِي كَذَا حَرَّرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ عَنْ الْقُنْيَةِ وَقَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ ادَّعَتْ تَعْلِيقَ طَلَاقِ نَفْسِهَا بِنِكَاحِ غَيْرِهَا وَبَرْهَنَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ فَفِي قَبُولِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ إذْ نِكَاحُ فُلَانَةَ شَرْطُ طَلَاقِهَا فَلَا تَنْتَصِبُ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الشَّرْطِ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ فِي الْجَوَابِ فِيمَا لَوْ كَانَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ شَرْطًا لِلْمُدَّعِي بِهِ عَلَى الْحَاضِرِ يُنْظَرُ لَوْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ الْغَائِبُ كَدُخُولِ الدَّارِ وَغَيْرِهِ يَصِيرُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْهُ لَا لَوْ دَائِرًا بَيْنَ نَفْعٍ وَضُرٍّ. اهـ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا تَرَافَعَ زَيْدٌ مَعَ عَمْرٍو عِنْدَ قَاضٍ بِخُصُوصِ دَعْوَى وَكَانَ الْحَقُّ ثَابِتًا بِيَدِ زَيْدٍ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِخُصُوصِ الدَّعْوَى الْمَذْكُورَةِ بِثُبُوتِ الْحَقِّ لِعَمْرٍو بِخِلَافِ الشَّرْعِ وَأَعْطَاهُ بِذَلِكَ حُجَّةً فَهَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ غَيْرَ نَافِذٍ وَالْحُجَّةُ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ أَمْ لَا؟
(الْجَوَابُ): إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِخِلَافِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَأَعْطَى بِذَلِكَ حُجَّةً لَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَلَا يُعْمَلُ بِالْحُجَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْحَالَةَ هَذِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «قَاضٍ فِي الْجَنَّةِ وَقَاضِيَانِ فِي النَّارِ} أَيْ قَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ وَحَكَمَ بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ وَحَكَمَ بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ وَكَذَا قَاضٍ قَضَى عَلَى جَهْلٍ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ الْقَضَاءُ بِالْحَقِّ مِنْ أَقْوَى الْفَرَائِضِ وَأَشْرَفِ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ كُلَّ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ وَالتَّعْدِيلِ مَعَ وُجُودِ الْمَنْعِ عَنْ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فَهَلْ لَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ؟
(الْجَوَابُ): الْقُضَاةُ مَأْمُورُونَ بِالْحُكْمِ بَعْدَ التَّعْدِيلِ وَالتَّزْكِيَةِ لَا قَبْلَهُ فَلَوْ حَكَمَ قَبْلَهُ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَقَدْ أَفْتَى بِمِثْلِ ذَلِكَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُفْتِي الْمَمَالِكِ الْعُثْمَانِيَّةِ عَبْدُ اللَّهِ أَفَنْدِي حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا فُصِلَتْ الدَّعْوَى مَرَّةً وَحَكَمَ بِهَا بِتَمَامِ مُقْتَضَى الشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَكَتَبَ بِذَلِكَ حُجَّةً شَرْعِيَّةً فَهَلْ لَا تُعَادُ وَلَا تُسْمَعُ مَرَّةً أُخْرَى؟
(الْجَوَابُ): الدَّعْوَى مَتَى فُصِلَتْ مَرَّةً بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ لَا تُنْقَضُ وَلَا تُعَادُ. (أَقُولُ) هَذَا حَيْثُ لَا فَائِدَةَ فِي إعَادَتِهَا فَلَوْ كَانَ فِيهَا فَائِدَةٌ كَمَا لَوْ جَاءَ الْمُدَّعِي بِدَفْعٍ صَحِيحٍ فَإِنَّهَا تُعَادُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا خَلَعَ السُّلْطَانُ وَوَلِيَ السَّلْطَنَةَ غَيْرُهُ وَلِلْمَخْلُوعِ قُضَاةٌ كَانَ وَلَّاهُمْ وَلَمْ يَعْزِلْهُمْ الْمَنْصُوبُ وَلَمْ يُقَرِّرْهُمْ فَهَلْ تَكُونُ قُضَاةُ الْمَخْلُوعِ عَلَى حَالِهِمْ أَحْكَامُهُمْ نَافِذَةٌ وَأُمُورُهُمْ جَائِزَةٌ وَلَا يَنْعَزِلُونَ بِخَلْعِهِ حَتَّى يَعْزِلَهُمْ الْمَنْصُوبُ أَعَزَّ اللَّهُ أَنْصَارَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمُحِيطِ وَالْإِمَامُ الْكَاشَانِيُّ فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَاضِلُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ فِي مَسْأَلَةِ الْوِلَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ بِالشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَهِدَايَةِ النَّاطِفِيِّ.
وَعِبَارَةُ الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ مَوْتِ الْخَلِيفَةِ وَالْقَاضِي مَا نَصُّهُ وَلَوْ مَاتَ الْخَلِيفَةُ أَوْ خُلِعَ وَوُلِّيَ غَيْرُهُ بِأَنْ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى خَلْعِهِ وَالِاسْتِبْدَالِ بِهِ وَلَهُ قُضَاةٌ وَوُلَاةٌ لَا يَنْعَزِلُونَ بِمَوْتِهِ أَوْ خَلْعِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ لِلْمُسْلِمِينَ نُصِّبُوا لِمَصَالِحِهِمْ فَكَانَ نَائِبًا عَنْهُمْ فِي تَقْلِيدِ هَؤُلَاءِ وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى حَالِهِمْ فَتَبْقَى نُوَّابُهُمْ عَلَى حَالِهِمْ وَكَذَا لَوْ مَاتَ وَالِي الْمَدِينَةِ وَلَهُ عُمَّالٌ لَا يَنْعَزِلُونَ؛ لِأَنَّهُمْ نُصِّبُوا لِمَصَالِحِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَكَانَ نَائِبًا عَنْهُمْ. اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ {كُلُّ مَا يُخْرِجُ الْوَكِيلَ عَنْ الْوَكَالَةِ يَخْرُجُ بِهِ الْقَاضِي عَنْ الْقَضَاءِ} إلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا مَاتَ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ وَالْخَلِيفَةُ إذَا مَاتَ أَوْ خُلِعَ لَا تَنْعَزِلُ قُضَاتُهُ وَوُلَاتُهُ.
وَلَوْ اُسْتُخْلِفَ الْقَاضِي بِإِذْنِ الْإِمَامِ ثُمَّ مَاتَ الْقَاضِي لَا يَنْعَزِلُ خَلِيفَتُهُ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْإِمَامِ فِي الْحَقِيقَةِ لَا نَائِبُ الْقَاضِي وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ أَيْضًا كَمَا لَا يَنْعَزِلُ الْقَاضِي وَلَا يَمْلِكُ الْقَاضِي عَزْلَ الْخَلِيفَةِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْإِمَامِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ كَالْوَكِيلِ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ الْوَكِيلِ الثَّانِي. اهـ.
وَقَالَ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَفِي الْأَشْبَاهِ وَإِذَا عُزِلَ الْقَاضِي يَنْعَزِلُ نَائِبُهُ وَإِذَا مَاتَ لَا وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ السُّلْطَانِ وَالْعَامَّةِ. اهـ.
لَكِنْ لَوْ فُوِّضَ إلَيْهِ الْعَزْلُ حَقِيقَةً أَوْ كِنَايَةً كَمَا إذَا قِيلَ لَهُ اصْنَعْ مَا شِئْت فَلَهُ عَزْلُ نَائِبِهِ بِلَا تَفْوِيضِ الْعَزْلِ صَرِيحًا؛ لِأَنَّ النَّائِبَ كَوَكِيلِ الْوَكِيلِ. اهـ.
وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ قَضَاءُ الْأَمِيرِ جَائِزٌ مَعَ وُجُودِ قَاضِي الْبَلَدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مُوَلَّى مِنْ الْخَلِيفَةِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَقَالَ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ قَضَاءَ أَمِيرِ مِصْرَ الْمُسَمَّى بِالْبَاشَا مَعَ وُجُودِ قَاضِيهَا الْمُوَلَّى مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ غَيْرُ جَائِزٍ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو دَعْوَى شَرْعِيَّةٍ فَأَرْسَلَ زَيْدٌ بَكْرًا رَسُولًا لِيُحْضِرَ عَمْرًا إلَى مَجْلِسِ الشَّرْعِ وَلَمْ يَكُنْ عَمْرٌو مُتَمَرِّدًا فَهَلْ تَكُونُ أُجْرَةُ بَكْرٍ عَلَى زَيْدٍ أَوْ لَا؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ تَكُونُ أُجْرَةُ بَكْرٍ عَلَى زَيْدٍ الْمُرْسِلِ الْمُدَّعِيَ الْمَذْكُورَ هُوَ الْأَصَحُّ كَذَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَمَرِّدًا فَفِي الْخَانِيَّةِ عَلَى الْمُتَمَرِّدِ هُوَ الصَّحِيحَ وَالْحَالَةَ هَذِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْعَلَائِيِّ وَالْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْقَضَاءِ.
(سُئِلَ) فِيمَا لَوْ قَضَى شَافِعِيٌّ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ وَحَكَمَ بِذَلِكَ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِهِ مُسْتَوْفِيًا شَرَائِطَهُ عَالِمًا بِالْخِلَافِ بَعْدَ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَهَلْ يَنْفُذُ أَمْ لَا؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ وَعَلَى كُلِّ مَنْ رُفِعَ إلَيْهِ مِنْ الْقُضَاةِ إمْضَاؤُهُ وَالْحَالَةَ هَذِهِ فَلَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَلَوْ قَضَى بِصِحَّةِ بَيْعِهِ نَفَذَ وَهَلْ يَبْطُلُ التَّدْبِيرُ قِيلَ نَعَمْ نَعَمْ لَوْ قَضَى بِبُطْلَانِ بَيْعِهِ صَارَ كَالْحُرِّ عَلَائِيٌّ مِنْ بَابِ التَّدْبِيرِ وَلَوْ فُوِّضَ إلَى غَيْرِهِ لِيَقْضِيَ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِهِ نَفَذَ إجْمَاعًا بَزَّازِيَّةٌ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى جَمَاعَةٍ مَالًا فَأَنْكَرُوهُ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ وَحُكِمَ بِهِ فَادَّعَوْا الْإِبْرَاءَ الْعَامَّ مِنْهُ بَعْدَ تَارِيخِ الْمَالِ الْمَذْكُورِ فَهَلْ يُقْبَلُ بُرْهَانُهُمْ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ يُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي التَّنْوِيرِ فِي شَتَّى الْقَضَاءِ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ دَارٌ مَعْلُومَةٌ وَحِصَصٌ مَعْلُومَاتٌ قَائِمَاتٌ فِي أَرَاضِي وَقْفٍ مَعْلُومَةٍ وَعِدَّةٌ مِنْ بَقَرٍ وَمِشَدُّ مَسَكَةٍ فِي أَرَاضِي وَقْفٍ مَعْلُومَةٍ فَبَاعَا ذَلِكَ جَمِيعَهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ زَيْدٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ ثَمَنَ كُلٍّ مِنْ الْمَبِيعَاتِ وَصَدَرَ ذَلِكَ لَدَى حَاكِمٍ حَنْبَلِيٍّ حَكَمَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ وَكُتِبَ بِذَلِكَ صَكٌّ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ بَاطِلٌ عَلَى مَذْهَبِهِ لِكَوْنِهِ وَقَّعَ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ وَهُوَ مِشَدُّ الْمِسْكَةِ وَلَمْ يُبَيَّنْ لِلْمَعْدُومِ ثَمَنٌ وَأَنَّ أَرَاضِيَ الْأَوْقَافِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى مُسْتَحَقِّيهَا لَا تُسَمَّى مُسْكَةً فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَسْبَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ كُلِّهِ مُفْتٍ حَنْبَلِيٌّ مُعْتَمِدًا فِي ذَلِكَ عَلَى صَحِيحِ نُقُولِ مَذْهَبِهِ وَحَكَمَ حَاكِمٌ حَنْبَلِيٌّ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ وَبِعَدَمِ الْعَمَلِ بِالصَّكِّ الْمَزْبُورِ مُسْتَوْفِيًا شَرَائِطَهُ بَعْدَ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ وَكَتَبَ بِذَلِكَ حُجَّةً شَرْعِيَّةً فَهَلْ يَعْمَلُ بِمَضْمُونِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهِ شَرْعًا؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا ادَّعَى زَيْدٌ مَالًا عَلَى عَمْرٍو فَقَالَ مَا لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ وَلَا أَعْرِفُك ثُمَّ بَرْهَنَ عَمْرٌو عَلَى الْإِبْرَاءِ فَهَلْ لَا تُقْبَلُ لِتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ؟
(الْجَوَابُ): حَيْثُ زَادَ كَلِمَةَ وَلَا أَعْرِفُك لَا يُقْبَلُ لِتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي شَتَّى الْقَضَاءِ مِنْ التَّنْوِيرِ.
(سُئِلَ) فِي فَقِيرٍ ذِي عِيَالٍ وَحِرْفَةٍ يَكْتَسِبُ مِنْهَا وَيُنْفِقُ عَلَى عِيَالِهِ مِنْ كَسْبِهِ وَيَفْضُلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِجَمَاعَةٍ يُكَلِّفُونَهُ بِلَا وَجْهٍ شَرْعِيٍّ إلَى دَفْعِ جَمِيعِ كَسْبِهِ مِنْ دَيْنِهِمْ فَهَلْ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ بَلْ يَأْخُذُونَ فَاضِلَ كَسْبِهِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الْقَضَاءِ سُئِلَ الْمَرْحُومُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عِمَادُ الدِّينِ أَفَنْدِي الْعِمَادِيُّ عُفِيَ عَنْهُ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى رَجُلٍ دُيُونٌ ثَابِتَةٌ لِجَمَاعَةٍ وَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَلَهُ قَدْرُ اسْتِحْقَاقٍ فِي وَقْفٍ أَهْلِيٍّ فَهَلْ يُوَزِّعُ مَا يَفْضُلُ مِنْ قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِ الْمَزْبُورِ عَنْ نَفَقَتِهِ بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ الْمَزْبُورَةِ بِحَسَبِ دُيُونِهِمْ الْجَوَابُ نَعَمْ وَكَتَبْت عَلَيْهِ الْجَوَابُ كَمَا بِهِ عَمُّ الْوَالِدِ أَجَابَ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ الْمَدْيُونِ تَيْمَارٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى قُرًى وَمَزَارِعَ لَهَا غَلَّاتٌ تَفِي نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ عِيَالِهِ وَيَفْضُلُ مِنْهَا شَيْءٌ وَيَمْتَنِعُ مِنْ أَدَاءِ دَيْنِهِ مِنْهُ وَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ فَهَلْ يُصْرَفُ الْفَاضِلُ الْمَذْكُورُ لِدَيْنِهِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ.
(سُئِلَ) فِي مَدْيُونٍ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ حَتَّى حُبِسَ فِي حَبْسِ الْقَاضِي وَالْحَالُ أَنَّ لَهُ عَقَارًا وَغَيْرَهُ يُمْكِنُهُ الْوَفَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ إذَا بَاعَهُ إلَّا أَنَّهُ مُتَمَرِّدٌ مُتَعَنِّتٌ فِي بَيْعِ ذَلِكَ فَهَلْ يَبِيعُ الْقَاضِي عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ الْحَالُ مَا ذَكَرَ؟؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ تَرِكَةٍ مُسْتَغْرَقَةٍ بِدُيُونٍ عَلَيْهِ بَاعَهَا الْوَرَثَةُ بِدُونِ إذْنٍ مِنْ الْقَاضِي فَهَلْ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُمْ وَلِلْغُرَمَاءِ نَقْضُهُ؟
(الْجَوَابُ): وِلَايَةُ بَيْعِ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ لِلْقَاضِي لَا لِلْوَرَثَةِ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ إذْ الدَّيْنُ لِغَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي فَتَاوَى الْأَنْقِرْوِيِّ عَنْ الْقُنْيَةِ تَرِكَةٌ مُسْتَغْرَقَةٌ بِالدَّيْنِ وَجَاءَ غَرِيمٌ يَدَّعِي دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّمَا بَيِّنَتُهُ عَلَى الْوَارِثِ لَا عَلَى غَرِيمٍ آخَرَ وَلَكِنْ لَا يَحْلِفُ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ النُّكُولُ الَّذِي هُوَ إقْرَارٌ وَالْوَارِثُ لَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ وَالتَّرِكَةُ مُسْتَغْرَقَةٌ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَلَا يَظْهَرُ الدَّيْنُ فِي حَقِّ غَرِيمٍ آخَرَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَظْهَرَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَكِنْ هَذَا لَا يَحْلِفُ لِأَمْرٍ مَوْهُومٍ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ أُخْتٍ شَقِيقَةٍ حَاضِرَةٍ وَعَنْ أَخٍ شَقِيقٍ غَائِبٍ وَابْنِ عَمٍّ عُصْبَةٍ وَخَلَّفَ تَرِكَةً فَجَعَلَ الْقَاضِي نَصِيبَ الْغَائِبِ مِنْ التَّرِكَةِ تَحْتَ يَدِ الْأُخْتِ الْمَزْبُورَةِ لِتَحْفَظَهُ فِي حِرْزٍ مِثْلِهِ إلَى رُجُوعِ الْأَخِ وَهِيَ أَمِينَةٌ فَقَامَ ابْنُ الْعَمِّ يُرِيدُ رَفْعَ يَدِ الْأُخْتِ عَنْ ذَلِكَ بِدُونِ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ فَهَلْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ إيدَاعِ مَالِ الْغَائِبِ وَالْمَفْقُودِ عِمَادِيَّةٌ مِنْ الْفَصْلِ الْخَامِسِ عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ وَفِيهِ أَيْضًا وَهَذَا تَنْصِيصٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ قَيِّمًا لِحِفْظِ مَالِ الْغَائِبِ. اهـ.
وَفِي الْفُصُولَيْنِ بِرَمْزِ ف ش لِلْقَاضِي نَصْبُ الْوَصِيِّ لَوْ كَانَ وَارِثُهُ غَائِبًا وَيَكْتُبُ فِي نُسْخَةِ الْوِصَايَةِ أَنَّهُ جَعَلَهُ وَصِيًّا وَوَارِثُهُ غَائِبٌ مُدَّةَ السَّفَرِ. اهـ.
فَالظَّاهِرُ مِنْ الْعِبَارَةِ أَنَّ لِلْقَاضِي الْإِيدَاعَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً؛ لِأَنَّهُ لِلْحِفْظِ فَقَطْ وَمِنْهُ اُسْتُفِيدَ جَوَابُ الْحَادِثَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَقَالَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْفُصُولَيْنِ وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الْفَتَاوَى وَيَنْصِبُ وَصِيًّا عَنْ الْمَفْقُودِ لِحِفْظِ حُقُوقِهِ وَلَا يَنْصِبُ عَنْ الْغَائِبِ. اهـ.
فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّقْلُ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ عَنْ الْغَائِبِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الثَّانِي عَلَى مَا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا وَلَمْ تَكُنْ غَيْبَتُهُ مُنْقَطِعَةً وَعَلَى مَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ الضَّرُورَةُ وَسَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ وَتَقَدَّمَ مَا يُؤَيِّدُهُ أَيْضًا. اهـ.
كَلَامُ خَيْرِ الدِّينِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَبْعَثَ مَالَ الْغَائِبِ إلَى الْغَائِبِ إذَا خَافَ الْهَلَاكَ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الْيَتِيمِ مِنْ وَالِدِهِ إذَا كَانَ الْوَالِدُ مُسْرِفًا مُبَذِّرًا وَيَضَعَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْيَتِيمُ خَانِيَةً مِنْ فَصْلِ مَنْ يَقْضِي فِي الْمُجْتَهَدَاتِ.
(أَقُولُ) وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ لِلْقَاضِي قَبْضَ دَيْنِ غَائِبٍ مِنْ مَحْبُوسِهِ وَلَهُ أَنْ يَضَعَهُ عِنْدَ عَدْلٍ وَلَهُ قَبْضُ مَغْصُوبِهِ مِنْ غَاصِبِهِ وَأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ إقْرَاضِ مَالِهِ وَلَهُ وِلَايَةُ بَيْعِ مَنْقُولِهِ إذَا خَافَ عَلَيْهِ التَّلَفَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ فَلَوْ عَلِمَ مَكَانَهُ بَعَثَ إلَيْهِ وَلَهُ إيفَاءُ دُيُونِ الْغَائِبِ بِمَالِهِ بِالْحِصَصِ وَبَيْعُ مَالِهِ لِإِيفَاءِ دَيْنِهِ إذَا كَانَ دَيْنُهُ ثَابِتًا عِنْدَهُ وَجَمَعَ مَسَائِلَ كَثِيرَةً فِيمَا يَمْلِكُهُ الْقَاضِي لَمْ يَجْمَعْهَا غَيْرُهُ جَزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا فَرَاجِعْهَا عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَكُرِهَ التَّقْلِيدُ لِمَنْ خَافَ الْحَيْفَ وَإِنْ أَمِنَهُ لَا.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ عَنْ تَرِكَةٍ وَلَا وَارِثَ لَهُ وَلِزَيْدٍ بِذِمَّتِهِ مَبْلَغُ دَيْنٍ مَعْلُومٍ فَنَصَبَ الْقَاضِي وَكِيلَ بَيْتِ الْمَالِ وَصِيًّا فِي الْخُصُوصِ الْمَذْكُورِ وَأَثْبَتَ زَيْدٌ مَبْلَغَهُ بِالْبَيِّنَةِ الْمُزَكَّاةِ وَحَلَفَ عَلَى بَقَاءِ الْمَبْلَغِ بِذِمَّةِ الْمُتَوَفَّى فَحَكَمَ الْقَاضِي لَهُ بِالْمَبْلَغِ بَعْدَ جُحُودِ الْوَكِيلِ الْمَذْكُورِ ذَلِكَ وَكَتَبَ بِهِ حُجَّةً شَرْعِيَّةً فَهَلْ يَعْمَلُ بِمَضْمُونِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهِ شَرْعًا؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ. (أَقُولُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ فَجَاءَ مُدَّعٍ لِلدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ نَصَّبَ الْقَاضِيَ وَكِيلًا لِلدَّعْوَى كَمَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ وَكِيلَ بَيْتِ الْمَالِ لَيْسَ بِخَصْمٍ. اهـ.
كَلَامُ الْبَحْرِ وَكَتَبْت عَلَيْهِ عَنْ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا وَكَّلَهُ السُّلْطَانُ بِجَمْعِهِ وَحِفْظِهِ أَمَّا إذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَدَّعِيَ وَيُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْضًا تُسْمَعُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَيَتَفَرَّعُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُزَارِعَ لَا يَصْلُحُ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي الْمِلْكَ فِي الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ الْمُقَاطِعُ الْمُسَمَّى بِلُغَتِهِمْ تَيْمَارِيَّا. اهـ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ بِيَدِ زَيْدٍ عَقَارٌ مَوْرُوثٌ لَهُ وَلِعَمْرٍو الْغَائِبِ عَنْ مُوَرِّثِهِمَا فُلَانٍ فَادَّعَى نَاظِرُ وَقْفٍ عَلَى زَيْدٍ بِجَرَيَانِ الْعَقَارِ فِي الْوَقْفِ وَأَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ ثُبُوتًا شَرْعِيًّا لَدَى حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ حَكَمَ بِذَلِكَ لِجِهَةِ الْوَقْفِ فَهَلْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ يَسْرِي عَلَى عَمْرٍو؟
(الْجَوَابُ): بَعْضُ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ عَنْ جَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَوَجَّهَتْ عَلَى الْمَيِّتِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ يَكُونُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَالْقَضَاءُ عَلَى بَعْضِهِمْ قَضَاءٌ عَلَى كُلِّهِمْ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ.
(أَقُولُ) وَفِي الْبَحْرِ إنَّمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِي بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ كَوْنُ الْعَيْنِ كُلِّهَا فِي يَدِهِ وَأَنْ لَا تَكُونَ مَقْسُومَةً وَأَنْ يُصَدِّقَ الْغَائِبُ عَلَى أَنَّهَا إرْثٌ عَنْ الْمَيِّتِ. اهـ.
وَتَمَامُ بَيَانِ ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِيهِ فَرَاجِعْهُ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَلَوْ ادَّعَى دَارًا إرْثًا لِنَفْسِهِ وَلِأَخٍ لَهُ غَائِبٍ إلَخْ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا وَرَدَ أَمْرٌ شَرِيفٌ سُلْطَانِيٌّ بَعْدَ سَمَاعِ دَعْوَى زَيْدٍ بِكَذَا عَلَى عَمْرٍو فَسَمِعَهَا الْقَاضِي وَلَمْ يَلْتَفِتْ لِمَضْمُونِ الْأَمْرِ الشَّرِيفِ وَمَنَعَ عَمْرًا مِنْ مُعَارَضَةِ زَيْدٍ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْأَمْرِ الْمَذْكُورِ وَكَتَبَ لَهُ حُجَّةً بِالْمَنْعِ فَهَلْ لَا يَعْمَلُ بِهَا لِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ سَمَاعِهَا؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ وَتَقْيِيدُهُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَاسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الْخُصُومَاتِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ السُّلْطَانُ إذَا وَلَّى الْقَضَاءَ رَجُلًا وَاسْتَثْنَى خُصُومَةً، أَوْ رَجُلًا مُعَيَّنًا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا يَصِيرُ قَاضِيًا فِي تِلْكَ الْخُصُومَةِ إذَا قَالَ لَهُ لَا تَسْمَعْ حَوَادِثَ فُلَانٍ حَتَّى أَرْجِعَ مِنْ السَّفَرِ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ وَلَوْ قَضَى لَا يَنْفُذُ. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَلَّدَ السُّلْطَانُ رَجُلًا لِلْقَضَاءِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْمَعَ قَضِيَّةَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ يَصِحُّ الشَّرْطُ وَلَا يَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي عَلَى هَذَا الرَّجُلِ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ فَوَقَعَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَالْمُدَّعِي يُرِيدُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضٍ مِنْهُمَا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُرِيدُ الْآخَرَ فَلِمَنْ يَكُونُ الْخِيَارُ؟
(الْجَوَابُ): الْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَبِمِثْلِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ ابْنُ نُجَيْمٍ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالشَّيْخُ الْحَانُوتِيُّ وَالْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ كَمَا فِي فَتَاوِيهِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لِمَا إذَا أَرَادَ الْمُدَّعِي قَاضِيَ مَحَلَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَاضِيَ مَحَلَّةِ الْمُدَّعِي وَلِمَا إذَا تَعَدَّدَ الْقُضَاةُ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَكَثُرُوا كَمَا فِي الْقَاهِرَةِ فَأَرَادَ الْمُدَّعِي شَافِعِيًّا مَثَلًا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَالِكِيًّا مَثَلًا وَلَمْ يَكُونَا فِي مَحَلَّتِهِمَا فَإِنَّ الْخِيَارَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ أَفْتَيْت مِرَارًا. اهـ.
(أَقُولُ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْبَحْرِ وَالدُّرِّ الْمُخْتَارِ أَوَّلَ كِتَابِ الدَّعْوَى وَكَتَبْت فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِمَا أَنَّ التَّحْرِيرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا حَقَّقَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْخِلَافِ وَتَصْحِيحُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ قَاضِيَانِ كُلًّا مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ وَقَدْ أُمِّرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْحُكْمِ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ فَقَطْ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْعِمَادِيِّ فِي الْفُصُولِ.
وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ فَأَرَادَ الْعَسْكَرِيُّ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي الْعَسْكَرِ فَهُوَ عَلَى هَذَا أَيْ هَذَا الْخِلَافِ وَلَا وِلَايَةَ لِقَاضِي الْعَسْكَرِ عَلَى غَيْرِ الْجُنْدِيِّ فَقَوْلُهُ وَلَا وِلَايَةَ إلَخْ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى مَا قُلْنَا أَمَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَأْذُونًا بِالْحُكْمِ عَلَى أَيٍّ مَنْ حَضَرَ عِنْدَهُ مِنْ مِصْرِيٍّ وَشَامِيٍّ وَحَلَبِيٍّ وَعَسْكَرِيٍّ وَغَيْرِهِمْ كَمَا فِي قُضَاةِ زَمَانِنَا فَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِمُوَافَقَتِهِ لِتَعْرِيفِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الَّذِي لَهُ الْخُصُومَةُ فَيَطْلُبُهَا عِنْدَ أَيِّ قَاضٍ أَرَادَ وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا وَجْهَ لَهُ. اهـ.
وَأَرَادَ بِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ صَاحِبَ الْبَحْرِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيِّ هُوَ مَعْنَى مَا نَقَلَهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ خَطِّ صَاحِبِ التَّنْوِيرِ عَلَى هَامِشِ الْبَزَّازِيَّةِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي الْمِنَحِ إنَّ كُلَّ عِبَارَاتِ أَصْحَابِ الْفَتَاوَى يُفِيدُ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلُّ قَاضٍ فِي مَحَلَّةٍ.
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوِلَايَةُ لِقَاضِيَيْنِ أَوْ لِقُضَاةٍ عَلَى مِصْرٍ وَاحِدٍ عَلَى السَّوَاءِ يُعْتَبَرُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ فَلَهُ الدَّعْوَى عِنْدَ أَيِّ قَاضٍ أَرَادَهُ إلَخْ فَقَوْلُهُ كُلُّ قَاضٍ فِي مَحَلَّةٍ أَيْ مَأْمُورٌ بِالْحُكْمِ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ فَقَطْ فَاغْتَنِمْ هَذَا الْمَقَامَ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ بَعِيدًا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأَفْهَامِ.
وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ عَنْ شَخْصٍ ادَّعَى بِحَقٍّ فِي تَرِكَةِ مَيِّتٍ لَهُ أَوْلَادٌ بَالِغُونَ وَأَطْفَالٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَهَلْ يَنْفُذُ الْحُكْمُ عَلَى الْجَمِيعِ فَأَجَابَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ الْبَالِغِينَ ثَبَتَ الدَّيْنُ فِي حَقِّ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ.
وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَوَرَثَتُهُ غَائِبُونَ هَلْ يَسُوغُ ثُبُوتُ الْحَقِّ عَلَى الْمَيِّتِ فِي غَيْبَةِ وَرَثَتِهِ أَمْ لَا فَأَجَابَ: الْمَيِّتُ إذَا كَانَتْ تَرِكَتُهُ فِي بَلْدَةِ مَوْتِهِ وَأَرَادَ أَصْحَابُ الدُّيُونِ إثْبَاتَ دُيُونِهِمْ وَالْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ غَائِبُونَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً أَوْ صِغَارٌ فَالْقَاضِي يُنَصِّبُ وَصِيًّا عَنْ الْمَيِّتِ وَيُثْبِتُ عَنْ الدَّيْنِ وَيَدْفَعُهُ إلَى أَرْبَابِهِ بَعْدَ اسْتِخْلَافِهِمْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةً لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُمْ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْوَارِثُ وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ صَغِيرًا يُنَصَّبُ عَنْهُ وَصِيٌّ وَيَثْبُتُ الدَّيْنُ عَلَيْهِ وَيَقْضِي دَيْنَهُ بَعْدَ اسْتِحْلَافِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْبِضُوا الدَّيْنَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَلَمْ يُبْرِئُوا الْمَيِّتَ وَلَمْ يَحْتَالُوا بِدُيُونِهِمْ عَلَى أَحَدٍ وَلَمْ يَعْتَاضُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ يَقْبِضُهُمْ مِنْ التَّرِكَةِ.
وَسُئِلَ أَيْضًا إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِحَقٍّ فَأَنْكَرَ فَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً شَهِدَتْ لَهُ فَتُسْحَبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَطَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ الْحَاكِمِ الْحُكْمَ عَلَيْهِ لِيَذْهَبَ خَلْفَهُ فَأَجَابَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ وَإِنْ طَلَبَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا إلَى قَاضِي الْبَلْدَةِ الَّتِي بِهَا الْغَرِيمُ بِصُورَةِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ يَكْتُبُ لَهُ الْقَاضِي بِشُرُوطِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي.
وَسُئِلَ أَيْضًا إذَا تَحَاكَمَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ بَيْنَ يَدَيْ قَاضٍ هَلْ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا قِيَامًا وَجُلُوسًا فَأَجَابَ نَعَمْ.
وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ الْحَاكِمِ إذَا قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي ذَلِكَ هَلْ هُوَ حُكْمٌ فَأَجَابَ الصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي حُكْمٌ مِنْهُ.
وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ رَجُلٍ سَأَلَ مِنْ الْحَاكِمِ أَنْ يُحَلِّفَ غَرِيمَهُ أَنْ لَا يَشْكُوَهُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ فَأَبَى الْغَرِيمُ الْحَلِفَ فَأَجَابَ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى الْحَلِفِ وَإِنَّمَا يَنْهَاهُ عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُ مِنْ غَيْرِ الشَّرْعِ فَإِذَا نَهَاهُ ثُمَّ شَكَاهُ مِنْ غَيْرِ الشَّرْعِ أَدَّبَهُ وَغَرَّمَهُ جَمِيعَ مَا غَرِمَ بِسَبَبِ الشِّكَايَةِ.
وَسُئِلَ أَيْضًا هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِوَقْفٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ ثُبُوتُ مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُؤَجِّرِ وَحِيَازَتِهِ أَمْ لَا فَأَجَابَ إنَّمَا يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا وَقَفَهُ أَوْ أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْإِيجَارِ أَوْ الْبَيْعِ لِمَا بَاعَهُ إمَّا بِمِلْكٍ أَوْ نِيَابَةٍ وَكَذَا فِي الْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يَحْكُمُ بِالصِّحَّةِ بَلْ بِنَفْسِ الْوَقْفِ وَالْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ.
وَسُئِلَ أَيْضًا إذَا أَخْبَرَ حَاكِمٌ حَاكِمًا بِقَضِيَّةٍ هَلْ يَكْفِي إخْبَارُهُ وَيَسُوغُ لِلْحَاكِمِ الْعَمَلُ بِهَا أَمْ لَا فَأَجَابَ لَا يَكْفِي إخْبَارُهُ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ شَاهِدٍ آخَرَ.
وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ حَنَفِيٍّ تَحَمَّلَ شَهَادَةً فِي شَيْءٍ لَا تَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِهِ كَالسَّلَمِ الْحَالِّ مَثَلًا وَكَتَبَ بِهَا مَسْطُورًا وَكَانَ قَاضِيًا تَحَاكَمَا إلَيْهِ فَهَلْ يَسُوغُ لَهُ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ أَمْ لَا فَأَجَابَ إذَا عَلِمَ مَا لَا يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِهِ وَكَانَ قَاضِيًا وَطُلِبَ مِنْهُ الْحُكْمُ فِيهِ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ إنْ لَمْ يَرَهُ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ.
وَسُئِلَ أَيْضًا إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى شَخْصٍ عِنْدَ حَاكِمٍ بِدَعْوَى وَأَحْضَرَ بَعْضٌ بَيِّنَةً شَهِدَتْ ثُمَّ عَلِمَ الْمُدَّعِي أَنْ لَيْسَ لَهُ خَلَاصٌ عِنْدَ مَذْهَبِ هَذَا الْقَاضِي فَقَالَ الْمُدَّعِي أَنَا رَفَعْت طَلَبِي عَنْ خَصْمِي فِي هَذَا الْوَقْتِ يَقْصِدُ بِذَلِكَ الذَّهَابَ إلَى قَاضٍ آخَرَ هَلْ يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ وَيَدْفَعُهُ عَنْهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَجَابَ نَعَمْ مَا لَمْ يَطْلُبْ مِنْ الْقَاضِي الْحُكْمَ لَهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ حَقَّهُ وَيُمَكِّنَهُ الْقَاضِي مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا تَرَكَ يُتْرَكُ.
وَسُئِلَ أَيْضًا هَلْ يُشْتَرَطُ لِقَاضِي الشَّرْعِ الْإِعْذَارُ لِلْخَصْمِ وَإِنْ أُعْذِرَ إلَيْهِ فَسَوَّفَ مِنْ وَقْتٍ إلَى وَقْتٍ آخَرَ مَا الْحُكْمُ فِيهِ فَأَجَابَ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِحَقٍّ وَزُكُّوا وَالْخَصْمُ لَمْ يُبْدِ دَافِعًا شَرْعِيًّا حَكَمَ الْقَاضِي وَإِنْ طَلَبَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَخِّرَ الْحُكْمَ لِيَجِيءَ بِالدَّافِعِ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ لَمْ يَجِئْ بِالدَّافِعِ قَضَى عَلَيْهِ.
(فُرُوعٌ):
رَجُلٌ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجَهَا فَتَزَوَّجَهَا وَحَكَّمَا رَجُلًا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فِي الطَّلَاقِ الْمُضَافِ فَحَكَمَ بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِيهَا وَذَكَرَ فِي صُلْحِ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الرِّوَايَاتِ أَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ فِيمَا بَيْنَ الْمُتَحَاكِمَيْنِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْقَاضِي حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرْجِعَ عَنْ حُكْمِهِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ جَائِزٌ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ نَحْوُ الْكِنَايَاتِ وَالطَّلَاقِ الْمُضَافِ جَائِزٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَنْ أَصْحَابِنَا قَالَ إلَّا أَنَّ هَذَا مِمَّا يُعَلَّمُ وَلَا يُفْتَى بِهِ كَيْ لَا يَتَجَاسَرَ الْجُهَّالُ إلَى مِثْلِ هَذَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَا هُوَ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَوْ اسْتَفْتَى صَاحِبُ الْحَادِثَةِ عَنْ هَذَا فَقِيهًا فَأَفْتَاهُ بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ وَسَعَةِ أَنْ يُمْسِكَهَا فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْرَى بَعْدَهَا وَقَدْ كَانَ حَلَفَ بِلَفْظِ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَاسْتَفْتَى فَقِيهًا مِثْلَ الْأَوَّلِ فَأَفْتَاهُ بِصِحَّةِ الْيَمِينِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُضَافِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يُفَارِقُ الثَّانِيَةَ وَيُمْسِكُ الْأُولَى؛ لِأَنَّ فَتْوَى الْفَقِيهِ لِلْجَاهِلِ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى أَوْ حُكْمِ الْمَحْكُومِ إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ حُكْمِ الْقَاضِي وَحُكْمِ الْمُحَكَّمِ أَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ إذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي إنْ كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ أَمْضَاهُ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا أَبْطَلَهُ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَ حُكْمَ قَاضٍ آخَرَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ وَفِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ الْحَانُوتِيِّ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِدَفْعِ الْمَالِ لِوَكِيلِ امْرَأَةٍ ثُمَّ حَضَرَتْ الْمُوَكِّلَةُ وَقَالَتْ إنَّمَا وَكَّلْته فِي الْخُصُومَةِ لَا فِي الْقَبْضِ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ بِدَفْعِ الْمَالِ مُتَضَمِّنًا لِإِثْبَاتِ الْوَكَالَةِ بِالْقَبْضِ أَجَابَ قَالُوا إنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِقَوْلِ الْمُوَثِّقِ وَذَلِكَ بَعْدَ تَقَدُّمِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ تَفْصِيلِ الدَّعْوَى الَّتِي تَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْحُكْمُ وَيُشْتَرَطُ فِي تَفْصِيلِ الدَّعْوَى أَنْ يَذْكُرَ فِيهَا أَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ زُفَرَ مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْقَبْضِ فَلَا يَسُوغُ الْحُكْمُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ. اهـ.
اسْتَأْجَرَ إبِلًا إلَى مَكَّةَ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَدَفَعَ الْكِرَاءَ وَمَاتَ رَبُّ الدَّابَّةِ فِي الذَّهَابِ حَتَّى انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَرْكَبَهَا إلَى مَكَّةَ وَلَا يَضْمَنَ وَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ إلَى مَكَّةَ فَإِذَا أَتَى مَكَّةَ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَرَأَى أَنْ يَبِيعَ الدَّابَّةَ وَيَدْفَعَ بَعْضَ الْأُجْرَةِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ جَازَ فَعَلَى هَذَا لَوْ رَهَنَ رَجُلٌ عَيْنًا بِدَيْنٍ وَغَابَ الْمَدْيُونُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَرَفَعَ الْمُرْتَهِنُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَبِيعَ الرَّهْنَ بِدَيْنِ الْمُرْتَهِنِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَمَا إذَا غَابَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَقَبْلَ نَقْدِهِ الثَّمَنَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ الْمَبِيعَ وَيُوَفِّيَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ فُصُولُ الْعِمَادِيِّ مِنْ الْفَصْلِ الْخَامِسِ هَلْ لِنَائِبِ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ بِالرَّمْلَةِ أَنْ يَكْتُبَ لِنَائِبِ الْقَاضِي بِدِمَشْقَ الشَّامِ نَقْلَ الشَّهَادَةِ لِيَحْكُمَ بِهَا أَجَابَ حَيْثُ ثَبَتَ أَنَّ السُّلْطَانَ نَصَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُفَوِّضُ لِلْقُضَاةِ الِاسْتِنَابَةَ ثَبَتَتْ صِحَّةُ الْكِتَابَةِ بِذَلِكَ إذْ شَرْطُ كِتَابِ الْقَاضِي مِنْ قَاضٍ مُوَلَّى مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ يَمْلِكُ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ وَعِنْدَ التَّفْوِيضِ بِذَلِكَ كَانَتْ وِلَايَةُ النَّائِبِ مُسْتَنِدَةً لِإِذْنِ السُّلْطَانِ فَوَجَدَ الشَّرْطَ عَلَى أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ كَأَنَّهُ كَتَبَ قَاضِي الْقُدْسِ إلَى قَاضِي دِمَشْقَ إذْ كُلُّ نَائِبٍ قَامَ مَقَامَ مُسْتَنِيبِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَحْثِ الِاسْتِنَابَةِ فَظَهَرَ جَوَازُ الْكِتَابِ مِنْ نَائِبِ الْقَاضِي إلَى نَائِبِ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ مِنْ فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ خَيْرِ الدِّينِ إذَا تَعَلَّمَ كَاتِبُ الْمَحْضَرِ مِنْ الْمُفْتِي مَا هُوَ الْخَلَلُ فِي الْمُحْضَرِ مِنْ الدَّعْوَى وَغَيْرِهِ وَأَصْلَحَ الْخَلَلَ فَالْإِثْمُ عَلَى الْكَاتِبِ لَا عَلَى الْمُفْتِي بَزَّازِيَّةٌ قُبَيْلَ كِتَابِ الشَّهَادَةِ التَّنْفِيذُ إحْكَامُ الْحُكْمِ الصَّادِرِ مِنْ الْحَاكِمِ وَتَقْرِيرُهُ عَلَى مُوجِبِ مَا حَكَمَ بِهِ وَبِهِ يَكُونُ الْحُكْمُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ مِنْ خَطِّ الْعَلَّامَةِ النِّحْرِيرِ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَفَنْدِي الْعِمَادِيِّ.
اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْقَاضِي إذَا ارْتَشَى أَوْ فَسَقَ يَنْعَزِلُ أَمْ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ اخْتَارَ الْبُخَارِيُّونَ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا يَنْعَزِلُ قَالَ شَيْخُنَا وَإِمَامُنَا جَمَالُ الدِّينِ الْبَزْدَوِيُّ أَنَا مُتَحَيِّرٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا أَقْدِرُ أَنْ أَقُولَ تَنْفُذُ أَحْكَامُهُمْ لِمَا أَرَى مِنْ التَّخْلِيطِ وَالْجَهْلِ وَالْجُرْأَةِ فِيهِمْ وَلَا أَقْدِرُ أَنْ أَقُولَ لَا تَنْفُذُ أَحْكَامُهُمْ؛ لِأَنَّ أَهْلَ زَمَانِنَا كَذَلِكَ فَلَوْ أَفْتَيْت بِالْبُطْلَانِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى إبْطَالِ الْأَحْكَامِ أَجْمَعَ يَحْكُمُ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قُضَاةِ زَمَانِنَا أَفْسَدُوا عَلَيْنَا دِينَنَا وَشَرِيعَةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا الِاسْمُ وَالرَّسْمُ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى فِي قَاضٍ حَكَمَ فِي مَسْأَلَةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا عَلَى قَوْلٍ مُوَافِقٍ لِمَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مُخَالِفٍ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَصٌّ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ أَوْ كَانَ هُنَاكَ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَهَلْ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ أَمْ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ الْجَوَابُ الْأَصْلُ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِهَذَا يُرَجِّحُ الْمَشَايِخُ دَلِيلَهُ فِي الْأَغْلَبِ عَلَى دَلِيلِ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَيُجِيبُونَ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ مُخَالِفُهُ.
وَهَذَا أَمَارَةُ الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِالْفَتْوَى عَلَيْهِ إذْ التَّرْجِيحُ كَصَرِيحِ التَّصْحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَرْجُوحَ طَائِحٌ بِمُقَابَلَتِهِ بِالرَّاجِحِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَعْدِلُ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي عَنْ قَوْلِهِ إلَّا إذَا صَرَّحَ أَحَدٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِقَوْلٍ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةٍ لَمْ يُرَجَّحْ فِيهَا قَوْلُ غَيْرِهِ وَرَجَّحُوا فِيهَا دَلِيلَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى دَلِيلِهِ فَإِنْ حَكَمَ فِيهَا فَحُكْمُهُ غَيْرُ مَاضٍ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ الِانْتِقَاضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَتَاوَى الشَّلَبِيِّ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ مِنْ فَصْلِ التَّنَاقُضِ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ وَإِنْ اسْتَفَادَ الْعِلْمَ فِي حَالَةِ الْقَضَاءِ حَتَّى يَشْهَدَ مَعَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ قَالَ لَعَلَّ الْقَاضِيَ غَالِطٌ فِيمَا يَقُولُ فَيُشْتَرَطُ مَعَ عِلْمِهِ شَاهِدٌ آخَرُ حَتَّى يَصِيرَ عِلْمُهُ مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدٍ آخَرَ بِمَعْنَى شَاهِدَيْنِ. اهـ.