فصل: سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة:

شهر اللّه الحرام، أوله السبت: في ثالثه: قدمت التجريدة المجهزة في البحر، بغير طائل.
وفي رابعه: قدم قاصد الأمير عثمان قرا يُلك بكتابه، وتسعة أكاديش تقدمة للسلطان، وبعث بدراهم، عليها سكة السلطان.
وفي حادي عشره: قبض على الأمير بردبك الإسماعيلي، أحد أمراء الطبلخاناه وحاجب ثاني، وأخرج إلى دمياط. وأنعم بإقطاعه على الأمير تغري بردي البكلمشي، المعروف بالمؤذي، أحد رءوس النوب. واستقر الأمير جانبك الذي عزل من نيابة الإسكندرية حاجبا، عوض الإسماعيلي.
وفي خامس عشره: قدم الأمير جقمق من الحج، بمن معه، على الرواحل.
وفيه شرع سودن المحمدي- المجهز لعمارة الحرمين- في هدم سقف الكعبة.
وفي ثاني عشرينه:- الموافق لآخر أيام النسئ نودي على النيل بزيادة إصبعين، لتتمة تسعة عشر ذراعاً ونصف ذراع.
وفيه خلع على الأمير دولات خجا وأعيد إلى ولاية القاهرة، عوضًا عن التاج الشويكي وكان أخوه عمر يتحدث عنه في الولاية، وقد ترفع عنها بمنادمته السلطان.
وفي ثالث عشرينه: قدم الركب الأول من الحاج. ووافق هذا اليوم نوروز القبط. ونودي فيه بزيادة إصبعين لتتمة تسعة عشر ذراعاً وأربعة عشر إصبعاً. وهذه زيادة كبيرة يندر أن يكون يوم النوروز والنيل على ذلك.
وفي رابع عشرينه: قدم المحمل ببقية الحاج، وقد هلك جماعة من المشماة، وتلفت جمال كثيرة.
وفي يوم الخميس سابع عشرينه: عملت الخدمة السلطانية وأقيم الموكب بالإيوان المسمى دار العدل من قلعة الجبل، بعد ما هُجر مدة. وأحضر رسول شاه رخ بن تيمور ملك المشرق، وهو من أشراف شراز- يقال له السيد تاج الدين علي، فدفع ما على يده من الكتاب، وقدم الهدية، تتضمن كتابه وصول هدية السلطان المجهزة إليه. وأنه نذر أن يكسو الكعبة البيت الحرام، وطلب أن يبعث إليه من يتسلمها، ويعلقها من داخل البيت. واشتملت الهدية على ثمانين ثوب حرير أطلس، وألف قطعة فيروز ليست بذاك، تبلغ فيمة الجميع ثلاثة آلاف دينار. ولم يكلف الرسول أن يقبل الأرض رعاية لشرفه. ووجد تاريخ الكتاب في ذي الحجة سنة ست وثلاثين. وكان قدومه من هراة إلى هرمز، ومن هرمز إلى مكة. ثم قدم صحبة ركب الحاج، فأنزل وأجري له ما يليق به.
وفي ثامن عشرينه: وصل من القدس مائة وعشرة رجال من الفرنج الجرجان، وقد قدموا لزيارة قمامة على عادتهم، فاتهموا أن فيهم عدة من أولاد ملوك الكيتلان الذين كثر عيثهم وفسادهم في البحر، فأحضروا ليكشف عن حالهم، وهم بأسوأ حال فسجنوا مهانين. ثم أفرج عنهم بعد أيام، وقد مات منهم عدة.
شهر صفر، أوله الاثنين: في سادسه: رُسم باستقرار سراج الدين عمر بن موسى بن حسن الحمصي- قاضي طرابلس- في قضاء القضاة الشافعية بدمشق، عوضاً عن بهاء الدين محمد بن نجم الدين بن عمر بن حجي. وقد وَعد بأربعة آلاف دينار يقوم بها. واستقر عوضه في قضاء طرابلس صدر الدين محمد بن شهاب الدين أحمد بن محمد النويري، بمبلغ ألف وثلاثمائة دينار. وأُعيد القاضي شمس الدين محمد بن علي بن محمد الصفدي إلى قضاء القضاة الحنفية بدمشق، على أن يقوم بألفي دينار. وعزل شمس الدين محمد بن شهاب الدين أحمد بن نجم الدين محمود بن الكشك.
وفي سادسه: عُقد بين يدي السلطان مجلس جمع فيه قضاة القضاة الأربع بسبب نذر شاه رخ أن يكسو الكعبة، فأجاب قاضي القضاة بدر الدين العيني بأن نذره لا ينعقد، فانفضوا على ذلك.
وفيه خلع على نكار الخاصكي، واستقر شاه جدة. وخُلع معه على علم الدين عبا الرزاق الملكي، واستقر عوضاً عن سعد الدين بن المرة. وساروا بعد أيام إلى مكة- شرفها الله تعالى- في البحر.
وفى تاسعه- الموافق لسابع عشر توت: وهو يوم عيد الصليب عند قبط مصر- نودي بزيادة إصبع لتتمة عشرين ذراعاً وعشر أصابع.
وفي ثالث عشره: كتب إلى مكة- شرفها الله تعالى- بأن يتحدث الأمير سودن المحمدي المجرد هناك في نظر الحرم. وكتب أيضاً بألا يؤخذ من التجار الواردين إلى جدة من الهنود سوى العُشر فقط، وأن يؤخذ من التجار الشاميين والمصريين إذا وردوا جدة ببضائع اليمن عشران. وأنَّ من قدم إلى جدة من التجار اليمنيين ببضاعة تؤخذ بضاعته بأًجمعها للسلطان من غير ثمن يدفع له عنها.
وسبب ذلك أن تجار الهند في هذه السنين صاروا عند ما يعيرون من باب المندب يجوزون عن بندر عدن حتى يرسوا بساحل جدة كما تقدم، فأقفرت عدن من التجار، واتضع حال مَلِك اليمن لقلة متحصله. وصارت جدة هي بندر التجار، ويحصل لسلطان مصر من عشور التجار مال كبير. وصار نظر جدة وظيفة سلطانية، فإنه يؤخذ من التجار الواردين من الهند عشور بضائعهم. ويؤخذ مع العشور رسوم تقررت للناظر والشاد، وشهود القبان، والصيرفي، ونحو ذلك من الأعوان وغيرهم. وصار يحمل من قبل سلطان مصر مرجان ونحاس ويخر ذلك مما يحمل من الأصناف إلى بلاد الهند، فيطرح على التجار. وتشبه به في ذلك غير واحد من أهل الدولة. فضاق التجار بذلك ذرعاً، ونزل جماعة منهم في السنة الماضية إلى عدن، فتنكر السلطان بمصر عليهم؛ لما فاته من أخذ عشورهم، وجعل عقوبتهم أن من اشترى بضاعة من عدن وجاء بها إلى جدة، إن كان من الشاميين أو المصريين، أن يضاعف عليه العشر بعُشرَين، وإن كان من أهل اليمن أن تؤخذ بضاعته بأسرها. فمن لطف الله تعالى بعباده أنه لم يعمل بشيء من هذا الحادث، لكن قرئت هذه المراسيم تجاه الحجر الأسود، فراجع الشريف بركات ابن عجلان أمير مكة في أمرها للسلطان، حتى عفا عن التجار وأبطل ما رسم به.
وكانت العادة التي أدركناها أن الحرم يلي نظره فاضي مكة الشافعي، فبذل بعض التجار العجم المجاورين بمكة- وهو داود الكيلاني- مالا للسلطان حتى ولاه نظر الحرم، وعزل عنه أبا السعادات جلال الدين محمد بن ظهيرة قاضي مكة في السنة الماضية. فلما قدم مكة وقُرئ توقيعه تجاه الحجر الأسود على العادة، أنكره الشريف بركات، وراجع السلطان في كتابه إليه بأن الففراء وغيرهم من أهل الحرم لم يرضوا بولاية داود، وأنه منعه من التحدث، وأقام سودن المحمدي المجهز لعمارة الحرم يتحدث في النظر حتى يرد ما يعتمد عليه، فكتب لسودن المحمدي في التحدث في نظر الحرم، فباشر ذلك.
وفي يوم الخميس ثالث عشره: ثارت مماليك السلطان سكان الطباق بقلعة الجبل، وطلبوا القبض على المباشرين بسبب تأخر جوامكهم في الديوان المفرد، ففر المباشرون منهم، ونزلوا من القلعة إلى بيوتهم بالقاهرة، فنزل جمع كبير من المماليك إلى القاهرة، ومضوا إلى بيت القاضي زين الدين عبد الباسط ناظر الجيش، وهو يومئذ عظيم الدولة، وصاحب حلِّها وعقدها، فنهبوا ما قدروا عليه. وقصدوا بعده بيت الوزير أمين الدين إبراهيم بن الهيصم، وبيت الأمير كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ أستادار، فنهبوهما. ولم يقدروا على أحد من الثلاثة؛ لفرارهم منهم، فكان يوماً شنيعاً.
وفي يوم الثلاثاء غده: غُلقت أسواق القاهرة وماج الناس في الشوارع والأزقة، وفر الأعيان من دورهم لإشاعة كاذبة بأن المماليك قد نزلوا من القلعة للنهب. وكان ذلك من أشنع ما جرى، إلا أن الحال سكن بعد ساعة؛ لظهور كذب الإشاعة، وأن المماليك لم تتحرك.
وفي سابع عشره: ركب القاضي زين الدين عبد الباسط إلى القلعة بعد ما نزل له الأمراء في أمسه بأن يتوجه إلى الإسكندرية، فما زال حتى انصلح حاله. وركب بقية المباشرين إلى القلعة للخدمة السلطانية على العادة، فتقرر الأمر على أن يقوم عبد الباسط للوزير من ماله بخمسمائة ألف درهم مصرية، عنها نحو ألفي دينار أشرفية، تقوية له، وأن السلطان يساعد أستادار بعليق المماليك لشهر، ونزلوا وقد أمنوا واطمأنوا.
وفي يوم الأربعاء: هذا نودي على النيل بزيادة إصبع لتتمة عشرين ذراعاً وأحد عشر إصبعاً. وكان قد نقص بعد عيد الصليب عند ما فتحت جسور عديدة لري النواحي، فرد النقص في هذه المدة، وزاد إصبعاً، وقد طبق الماء جميع أراضي مصر، قبليها وبحريها، وشمل الري حتى الروابي؛ ولله الحمد.
وفي يوم الخميس- ثامن عشره:- نودي بزيادة إصبع لتتمة عشرين ذراعاً ونصف.
وفي يوم الجمعة- تاسع عشره:- عين شمس الدين بن سعد الدين بن قطارة لنظر الدولة، وألزم بتكفية يومه. ورُسم بطلب الأمير أرغون شاه الوزير- كان- من دمشق، وهو أستادار بها؛ ليستقر في الوزارة، عوضاً عن أمين الدين إبراهيم بن الهيصم، بعد ما تنكر السلطان على أستادار كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ من أجل أنه عرض عليه الوزارة فلم يقبلها، فرسم بعقوبته، وضمنه ناظر الخاص سعد الدين إبراهيم ابن كاتب حكم.
وفيه بدأ النقص في ماء النيل، وهو سابع عشرين توت.
وفي يوم السبت عشرينه: خلع على أستادار كريم الدين على عادته. وخلع على الوزير أَمين الدين واستقر بعد الوزارة في نظر الدولة، كما كان قبل الوزارة.
وألزم بتكفية الدولة إلى حين قدوم الأمير أرغون شاه، فاختفى في ليلة الاثنين.
وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه: قبض على الأمير كريم الدين أستادار، وألزم سعد الدين ناظر الخاص بولاية الوزارة، فلم يوافق على ذلك.
وفيه سار الشريف تاج الدين علي- رسول شاه رخ- وصحبته الأمير أقطوة المؤيدي المهمندار. وأُجيب شاه رخ عن طلبه كسوة الكعبة باًن العادة قد جرت ألا يكسوها إلا ملوك مصر، والعادة قد اعتبرت في الشرع في مواضع وجُهزت إليه هدية.
وفي خامس عشرينه: تغير السلطان علي سعد الدين ناظر الخاص لامتناعه من ولاية الوزارة، وأمر به فضرب- وقد بطح على الأرض- ضرباً مبرحاً. ثم نزل إلى داره.
وفي هذا الشهر: ارتفع سعر اللحم، وقلَّ وجوده في الأسواق. وارتفع سعر الأجبان وعدة أصناف من المأكولات، مع رخاء سعر الغلال.
وفيه طرح من شون السلطان عشرة آلاف أردب من الفول على أصحاب البساتين والمعاصر وغيرها من الدواليب، بسعر مائة وخمسة وسبعين درهماً من الفلوس كل أردب. ورسم ألا يحمي أحد ممن له جاه، فلم يعمل بذلك. ونجا من الطرح من له جاه، وابتلي به من عداهم. فنزل بالناس منه خسارات متعددة، لا من زيادة السعر، بل من كثرة الكُلف.
وفي يوم الخميس خامس عشرينه: ضُرب الوزير الصاحب أستادار كريم الدين ابن كاتب المناخ بالمقارع، وقد عري من ثيابه زيادة على مائة شيب. ثم ضُرب على أكتافه بالعصي ضرباً مبرحاً، وعصرت رجلاه بالمعاصر. وكان له- منذ قُبض عليه وهو مسجون ومقيد- عدةُ مرسمون عليه في موضع بالقلعة ثم أنزل في يوم الجمعة غد من القلعة، وأركب بغلاً، ومضى به إلى الأعوان الموكلون به، إلى بيت الأمير التاج وإلى القاهرة؛ ليورد ما ألزم به وقد حوسب، فوقف عليه خمسة وخمسون ألف دينار ذهباً، صولح عنها بعشرين ألف دينار، فشرع في بيع موجوده وإيراد المال.
شهر ربيع الأول، أوله الثلاثاء: فيه خُلع على سعد الدين إبراهيم ناظر الخاص جبة. واستقر على عادته.
وخلع على أخيه جمال الدين يوسف، واستقر في الوزارة. وكانت منذ تغيب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم، وسعد الدين ناظر الخاص يباشرها، ويسدد أمورها من غير لبس تشريف، فغرم فيها جملة مال لعجز جهاتها عن مصارفها: وخلع أيضاً على ابن قطارة، واستقر في نظر الدولة.
وفي ليلة الجمعة رابعه: عمل المولد النبوي بين يدي السلطان بقلعة الجبل على العادة. وضبط الوزير أمور الدولة ونفذ أحوالها بقوة. وقطع عدة مرتبات من لحم ودراهم. ولم يفرج لأحد من أرباب الجهات عن شيء له عليه مقرر فهابه الناس وطلبت الغلال للبذر، فارتفع السعر قليلاً. وطرحت من الغلال على الناس ما بلغت جملته بما تقدم ذكره ثمانية عشر ألف أردب فولاً وثمانية آلاف أردب قمحاً، فنزل بالناس في هذا الشهر شدائد.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه: أفرج عن الصاحب كريم الدين من ترسيم التاج فسار إلى داره، بعد ما حمل نحو عشرين ألف دينار، وضمنه فيما بقي جماعة من الأعيان وفي هذا الشهر: انتهت عمارة سقف الكعبة- شرفها الله تعالى- على يد سودن المحمدي، وشرع في هدم المنارة التي على باب اليمني من المسجد الحرام، فهدمت وبنيت بناء عالياً.
شهر ربيع الآخر، أوله الخميس: في ثالثه- قبيل الظهر بقليل-: حدثت زلزلة بالقاهرة اهتزت لها الدور هزة، فلو قد طالت قليلاً لأخربت ما زلزلت.
وفي رابعه: قدم الأمير أرغون شاه المطلوب للوزارة من دمشق فأخذت تقدمته وفي خامسه: ركب السلطان من قلعة الجبل باكراً، وشق القاهرة، فمضى للصيد ورجع من آخر نهار يوم الأربعاء. وتكرر ركوبه لذلك مرتين أخريين، يبيت في كل مرة ثم يعود.
وفي هذا الشهر: كثرت الأمطار ببلاد غزة وعامة بلاد الشام، فانتفعوا بها.
وفيه ارتفع بالقاهرة سعر اللحم والخبز والجبن واللبن والعسل وعدة من الأقوات حتى بلغ بعضها مثلي ثمنه، مع رخاء سعر القمح والشجر، وغلاء الأرز أيضاً.
وفيه احترقت مركب بساحل الطور، تلف فيها بضائع كثيرة. وفيه منع التجار بالإسكندرية من بيع البهار على الفرنج، فأضرهم ذلك.
شهر جمادى الأولى، أوله الجمعة: في ثانيه: ركب السلطان إلى الصيد، وشق القاهرة وعاد آخر يوم الثلاثاء خامسه، وهذه رابع ركبة له للصيد.
وفي سابعه: سافر الأمير غرس الدين خليل بن شاهين نائب الإسكندرية وناظرها بعد ما حمل خمسة آلاف دينار ذهباً، سوى قماش وغيره بألف دينار. وكان قد قدم من الثغر في الشهر الماضي.
وفي هذه الأيام وقع الشروع في حركة سفر السلطان إلى الشام.
وفي خامس عشره: خلع على دولات خجا والي القاهرة، واستقر في ولاية منفلوط وكاشف القبض. وشغرت ولاية القاهرة إلى يوم الأحد سابع عشره، فخلع على علاء الدين علي بن ناصر الدين محمد بن الطلاوي، وأعيد إلى ولاية القاهرة على أن يحمل ألفاً ومائتي دينار وكان له منذ عزل من الولاية بضع عشرة سنة يتسخط في أذيال الخمول.
وفي هذه الأيام: حمل إلى مكة- شرفها الله تعالى- من الرخام ما ذرعه ستون ذراعاً لحرمة الحجر وشاذروان البيت. وحمل من الجبس خمسون حملا؛ لبياض أروقة المسجد الحرام، ومن الحديد عشرة قناطير لعمل مسامير، وأربعون قطعة خشب لشد أروقة المسجد الحرام.
وفي سلخه: برز الأمير تمراز رأس نوبة النوب، وصحبته عدة مائتي مملوك، وخجا سودن رأس نوبة من أمراء الطبلخاناه، وأمير أخر من أمراء العشرات؛ ليتوجهوا إلى الوجه القبلي، وذلك أن الأمير تغري برمش- أمير أخور- خرج إلى سرحة الوجه القبلي لأخذ تقادم العربان وغيرهم، فلقيه علي بن غريب على ناحية دهروط، وهو يومئذ يلي أمر هوارة البحرية؛ ليحضر تقدمته على العادة.
وحضر ملك الأمراء بالوجه القبلي- وهو محمد الصغير- وجاءت طائفة من محارب وطائفة من فزارة ليقدموا تقادمهم، فاقتضى الحال إرسال ملك الأمراء وعلي ابن غريب معهم لأخذ التقادم منهم، فغدروا بهم، وثاروا عليهم، فقاتلهم ملك الأمراء، وعاد مهزوماً، وقد جرح، وقتل عدة من جماعته. ثم إن السلطان عين لكشف الوجه القبلي الصاحب كريم الدين ابن كاتب المناخ.
وفي هذا الشهر: قبض الأمير قرقماس نائب حلب على الأمير فياض ابن الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر بمرعش. وأقام بدله عليها حمزة باك بن علي باك بن دلغادر. هذا وأبوه ناصر الدين محمد بن دلغادر علي أبلستين وقيصرية الروم وهما بيده. وسبب ذلك أنه كان في نيابة مرعش الأمير حمزة بك بن الأمير علي بك بن دلغادر، فوثب عليه فياض المذكور، وولي مرعش بغير مرسوم.
شهر جمادى الآخرة، أوله السبت: فيه خلع على الأمير الوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ، واستقر كاشف الوجه القبلي. ورسم أن يستقر محمد الصغير المعزول عن الكشف دواداره، وأمير على الذي كان كاشفاً بالوجه القبلي والوجه البحري رأس نوبته. ونزل من القلعة إلى داره في موكب جليل.
وفي سادسه: خلع على الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم، واستقر شريكاً لعبد العظيم بن صدقة في نظر الديوان المفرد.
وقدم الخبر بأن الأمير عثمان قرا يلك صاحب آمد وماردين نزل على ظاهر الرها، وأخذ في جمع جمائعه، وأن ابنه نهب معاملة دوركي ومعاملة ملطية.
وفي يوم الأحد سادس عشره: قبض السلطان على سعد الدين ناظر الخاص، وأخيه الوزير جمال الدين يوسف، وأوقع الحوطة على دارهما، ثم أفرج عنهما من الغد. وخلع على ناظر الخاص باستمراره على عادته. وعزل أخوه عن الوزارة، وألزما بحمل ثلاثين ألف دينار فنزلا وشرعا في بيع موجودهما وإيراد المال المذكور وفيه ألزم تاج الدين عبد الرهاب بن الشمس نصر الله الخطير بن الوجيه توما ناظر الاصطبل بولاية الوزارة، وخلع عليه من الغد يوم الثلاثاء ثامن عشره.
وفيه قدم سيف الأمير أركماس الجلباني أحد مقدمي الألوف بدمشق، وقد مات.
وفيه خلع على الأمير التاج الشويكي، واستقر مهمنداراً عوضاً عن الأمير أقطوة المتوجه رسولاً إلى شاه رخ.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشره: رسم بإقطاع أركماس الجلباني لتِمْراز المؤيدي. وأنعم بطبلخاناه تمراز على الأمير سنقر العزي نائب حمص، واستقر عوضه طغرق أحد أمراء دمشق.
وفي العشرين منه: خلع على شمس الدين أبي الحسن ابن الوزير تاج الدين الخطير، واستقر في نظر الاصطبل عوضاً عن أبيه.
وفي يوم الأحد ثالث عشرينه: توجه الأمير الكبير أينال الجكمي والأمير جقمق أمير سلاح، والأمير يشبك حاجب الحجاب والأمير قانباي الحمزاوب، في عدة من الأمراء إلى العرب بالوجه البحري، وذلك أن لبيد عرب برقة قدم منهم طائفة بهدية، وسألوا أن ينزلوا البحيرة، فلم يجابوا إلى ذلك وخلع عليهم، فعارضهم أهل البحيرة في طريقهم، وأخذوا منهم خلعهم. وكان السلطان يلهج كثيراً بإخراج تجريدة إلى البحيرة، فبلغهم ذلك فأخذوا حذرهم.
واتفق مع ذلك أن شتاء هذه السنة لم يقع فيه مطر ألبتة، لا بأرض مصر ولا بأرض الشام، فدفة دافة من لبيد إلى البحيرة لمحل بلادهم، وصالحوا أهل البحيرة، وساروا إلى محارب وغيرها من العرب بالوجه القبلي لرعي الكثير من الأراضي البور. وكان قد كتب إلى الكاشف بألا يمكنهم من المراعي حتى يأخذ منهم مالاً، فأنفوا من ذلك؛ لأنه حادث لم يعهد قبل ذلك، وأظهروا الخلاف، فخرجت إليهم هذه التجريدة.
وفي هذا الشهر: رسم أن يكشف عن شروط واقفي المدارس والخوانك، ويعمل بها. وندب لذلك قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر الشافعي، فبدأ أولا بمدرسة الأمير صرغتمش بخط الصليبة وقرأ كتاب وقفها. وقد حضر معه رفقاؤه الثلاث قضاة القضاة، فأجل في الأمر، فلم يعجب السلطان ذلك، وأراد عزل جماعة من أرباب وظائفها، فروجع في ذلك حتى أقرهم على ما هم عليه. وأبطل الكشف عما رسم به، فسر الناس بهذا لأنهم كانوا يتوقعون تغييرات كثيرة.
وفيه اشتد قلق الناس لقلة البرد في فصل الشتاء، وعدم المطر، وهبوب رياح حارة في أوقات عديدة، خوفاً على الزرع. ولله الأمر.
شهر رجب، أوله الاثنين: في ثامنه: أدير محمل الحاج بمصر والقاهرة، وكانت العادة ألا يدار إلا بعد النصف من رجب، فأدير في هذه الدولة قبله غير مرة.
وفي ثامن عشره: خلع على الأمير تمرباي الدوادار الثاني، واستقر أمَير الحاج، وخلع على الأمير صلاح الدين محمد بن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله محتسب القاهرة، ليكون أمير الركب الأول.
وفي حادي عشرينه: ورد الخبر بأن العرب- من محارب- لما علموا نزول الأمير أينال الجكمي على الفيوم، ساروا إلى جهة الواحات. ثم بدا لهم فنزلوا بالأشمونين فركب الأمير كريم الدين الكاشف، والأمير تغري برمش أمير أخور، والأمير تمراز رأس نوبة النوب، وقاتلوهم وهزموهم، وظفروا منهم بستمائة جمل، غير ما نهب لهم وإن ذلك كان في يوم الثلاثاء سادس عشره.
وفي حادي عشرينه: قدم الأمير فياض ابن الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر تحت الحوطة، فسجن بقلعة الجبل.
وفي هذا الشهر: بعث الملك شهاب الدين أحمد بدلاي بن سعد الدين سلطان المسلمين بالحبشة، أَخاه خير الدين لقتال أمحرة الكفرة، ففتح عدة بلاد من بلاد الحطي ملك الحبشة، وقتل أميرين من أمرائه، وحرق البلاد، وغنم مالاً عظيماً، وأكثر من القيل في أمحرة النصارى، وخرب لهم ست كنائس.
هذا وقد شنع بعامة بلاد الحبشة الوباء العظيم، فمات فيه من المسلمين ومن النصارى عالم لا يحصى، حتى لقد بالغ القائل بأنه لم يبق ببلاد الحبشة أحد.
وهلك في هذا الوباء الحطي ملك الحبشة الكافر، وأقيم بدله صبي صغير.
شهر شعبان، أوله الأربعاء: وفي سادسه: قدم بقية المماليك والأمراء المجردين إلى العرب بالوجه القبلي.
وفى سادس عشره: خلع على الأمير قانباي الحمزاوي أحد الأمراء الألوف. واستقر في نيابة حماه عوضاً عن الأمير جلبان. ونقل جلبان إلى نيابة طرابلس عوضاً عن الأمير طراباي بعد موته. وأنعم بإقطاع قانباي وإمرته على الأمير خجا سودن أحد أمراء الطبلخاناه. ووفرت امرأة خجا سودن وأُضيف إقطاعه إلى الدولة للوزير؛ تقوية للوزير تاج الدين.
وفي يوم الجمعة سابع عشره: نودي بمنع الناس من المعاملة بالفلوس، وألا يتعامل الناس إلا بالفلوس التي ضربها السلطان. وكان من خبر ذلك أن الفلوس الجدد لما ضُرب في سنة تسع وخمسين وسبعمائة عمل زنة كل فلس منها مثقال، على أن الدرهم الفضة المعاملة يعد فيه منها أربعة وعشرون فلساً، فكانت زنة القفة الفلوس مائة وثمانية عشر رطلاً، عنها خمسمائة درهم من الفضة الظاهرية، معاملة مصر والشام. والمثقال الذهب الهرجة المضروب بسكة الإسلام يصرف بعشرين درهماً من هذه الدراهم، ويزيد تارة ثمن درهم على العشرين درهماً، وتارة ربع درهم عليها. ثم تزايد صرف الدينار في آخر الأيام الظاهرية برقوق، حتى بلغ نحو خمسة وعشرين درهماً. وكان النقد الرائج بديار مصر وأرض الشام الفضة المذكورة، ويعمل ثلثها نحاس، وثلثاها فضة. ثم يلي الفضة المذكورة في المعاملة الذهب المختوم الإسلامي، ولا يعرف دينار غيره. وكانت الفلوس أولاً إنما هي برسم شراء المحقرات، التي لا تبلغ قيمتها درهم. فلما كانت الأيام الظاهرية برقوق، وقام بتدبير الأموال الأمير جمال الدين محمود بن علي بن أصفر عينه أستادار، أكثر من ضرب الفلوس الجدد المذكورة، حتى صارت هي النقد الرائج بديار مصر، وقلت الدراهم. فلما كانت الأيام الناصرية فرج بن برقوق، تفاحش في دولته أمر نقود مصر، وكادت الدراهم الفضة المعاملة التي تقدم ذكرها أن تعدم، وصارت تباع كما تباع البضائع، فبلغت كل مائة درهم منها إلى ثلاثمائة وستين درهماً من الفلوس، التي يعد عن كل درهم منها أربعة وعشرون فلساً. وزاد سعر الذهب، وراج منه الدينار الأفرنتي، وهو ضرب الفرنج، حتى عدمت الدنانير الذهب الهرجه المختومة بسكة الإسلام، وبلغ الدينار الأفرنتي المذكور مائتين وستين درهماً من الفلوس المذكورة وفسدت مع ذلك هذه الفلوس، فعملت كل قنطار مصري- وهو مائة رطل مصرية- بستمائة درهم وصارت معاملة الناس بها في ديار مصر كلها بالوزن لا بالعدد، فيحسب في كل رطل منها ستة دراهم، وصارت قيم الأعمال وثمن المبيعات كلها- جليلها وحقيرها- وأجرة البيوت والبساتين، وسجلات الأراضي كلها، ومهور النساء، وسائر إنعامات السلطان، إنما هي بالفلوس، وصار النقدان- اللذان هما الذهب والفضة- ينسبان إلى هذه الفلوس، فيقال كل دينار بكذا أو كذا من الفلوس، وكل درهم من الفضة إن وجد- ولا يكاد يوجد- بكذا من الفلوس، فلم يبق للناس بديار مصر نقد سوى الفلوس. ثم بعد الفلوس، الذهب الأفرنتي أو الذهب السالمي أو الذهب الناصري، وهو بأنواعه إنما ينسب إلى الفلوس. وصار الذهب مع ذلك أصنافاً، الهرجة وهو قليل جداً، والأفرنتي وهو من الذهب النقد الرائج، والسالمي وهي دنانير ضربها الأمير يلبغا السالمي أستادار زنتها مثقال كل دينار، والناصري وهي دنانير ضربها الملك الناصر فرج بن برقوق.
فلما كانت الأيام المؤيدية شيخ ضرب دراهم عرفت بالمؤيدية، تعامل الناس بها عدداً مدة أيامه، وحسن موقعها من الناس، فصارت النقود بمصر الفلوس، والذهب بأنواعه والفضة المؤيدية. والنقد الرائج منها إنما هو الفلوس، وإليها تنسب قيم الأعمال وثمن المبيعات، كما تقدم.
فلما كانت الأيام الأشرفية برسباي رد الدراهم إلى الوزن، وأبطل المعاملة بها بالعدد، فإنه كثر قص المفسدين منها فتعنت الناس في أخذها. واستمرت المعاملة بالدراهم وزْناً. وضرب أَيضاً دراهم أشرفية، يصرف كل درهم وزناً بعشرين درهماً من الفلوس. ثم تزايد سعر الفلوس حتى بلغ كل قنطار منها ألفاً وثمانمائة، فتعمل الناس بها من حساب كل رطل بثمانية عشر درهمًا فلوسا. وما زالت تقل لكثرة ما يحمل التجار منها إلى بلاد الهند وغيرها، وما يضرب منها بالقاهرة أواني كالقدور التي يطبخ فيها ونحوها من آلات النحاس. وصار على من يتولى ضرب الفلوس أواني ضماناً مقرراً لديوان الخاص، في كل شهر خمسة عشر ألف درهم. ثم زاد مبلغ الضمان عن ذلك، فاقتضى رأي السلطان بعد اختلاف واضطراب كثير في مدة أيام أن يضرب فلوساً، يعد في كل درهم من دراهم الدينار ثمانية فلوس، على أن الدينار الأشرفي بمائتين وخمسة وثمانين درهماً، والدينار الأفرنتي بمائتين وثمانين. فتكون هذه الفلوس الأشرفية كل رطل منها بسبعة وعشرين درهماً. ويؤخذ في كل دينار أشرفي ألفان ومائتا فلس وثمانون فلساً. فلما ضربت الفلوس على هذا الحكم، نودي أن يتعامل الناس بها، وألا يتعاملوا. بما في أيديهم من الفلوس القديمة، بل يحملوها إلى دار الضرب على حساب كل رطل بثمانية عشر. وما أحسن هذا لو استَمر.
شهر رمضان، أوله الخميس: في خامسه: خلع على محمد الصغير، وأعيد إلى كشف الوجه القبلي، عوضاً عن الصاحب كريم الدين.
وفيه توجه الأمير قانباي إلى محل كفالته من نيابة حماة، بعد ما اقترض نحو خمسة آلاف دينار بفوائد حتى تجهز بها لقلة ذات يده. وهذا من نوادر ما يحكى عن أمراء مصر.
وفي خامس عشره: قدم الصاحب كريم الدين من الوجه القبلي، فنزل داره.
وفي هذه الأيام- وموافقتها من شهور القبط برمودة:- وقع بالقاهرة ومصر مطر كثير غزير، دلفت منه سقوف البيوت، وسال جبل المقطم سيلاً عظيما، أقام منه الماء بالصحراء عدة أيام. وهذا أيضاً في هذا الوقت مما يندر وقوعه بأرض مصر.
وفي هذا الشهر: الأمير قرقماس نائب حلب منها بالعسكر، ونزل العمق، وجمع تركمان الطاعة؛ وسبب ذلك أن الأمير صارم الدين إبراهيم بن قرمان قصد أخذ مدينة قيصرية من الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر نائب أبلستين في الأيام المؤيدية شيخ. وكان ابن دلغادر قد تغلب عليها، وانتزعها من بني قرمان، وولي عليها ابنه سليمان، فترامى ابن قرمان على السلطان في هذه الأيام أن يِملكه- بإعانته بعسكر حلب- بمدينة قيصرية، ووعد بمال، وهو عشرة آلاف دينار في كل سنة، وثلاثون بختيا، وثلاثون فرساً، سوى خدمة أركان الدولة. فكتب السلطان إلى نائب حلب أن يخرج إلى العمق ويجمع العساكر لأخذ قيصرية. وبعث بذلك الأمير خش كلدي مقدم البريدية، فخرج في ثاني عشر رمضان هذا، ونزل العمق، وجمع تركمان الطاعة، وكتب إلى ابن قرمان بأن يسير بعسكره إلى قيصرية.
وفي هذا الشهر: أيضاً ورد الخبر بأن أصبهان بن قرا يوسف حاكم بغداد توجه لأخذ الموصل، فبعث زينال الحاكم بها إلى الأمير عثمان قرا يلوك صاحب آمد بمفاتيح الموصل، وحثه على المسير إليها، فبعث نائبه محمود بن قرا يلوك، ومعه بشلمش أحد أمرائه في مائتي فارس، فلما قدموا على زينال، جعلهم في الموصل كالمسجونين، مدةَ، فجهز محمود إلى أبيه قرا يلوك يعلمه بحاله، فأمده بأخيه محمد بيك بن قرا يلوك على ألف فارس، فنزل على الموصل مدة ولم يتمكن من رؤية أخيه محمود، فسار قرا يلوك بنفسه من مشتاه برأس عين، ونزل على نصيبين، فبلغه توجه اسكندر بن قرا يوسف إليه، وقد فر من شاه رخ ملك المشرق، وكان الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر لما بلغه خروج العساكر من حلب لأخذ قيصرية منه بعث بامرأته الحاجة خديجة خاتون بتقدمة للسلطان، ومعها مفاتيح قيصرية، وأن يكون زوجها المذكور نائب السلطنة بها، وأن يفرج عن ولدها فياض المسجون بقلعة الجبل. وكتب على يدها بذلك كتاباً، ووعد بمال، فقدمت حلب في سابع عشرينه.
شهر شوال، أوله يوم السبت: في رابعه: قدم كتاب الخان شاه رخ ملك المشرق، يتضمن أنه عازم على زياد القدس الشريف وأرعد فيه وأبرق، وأنكر أخذ المكوس من التجار بجدة.
في رابع عشره: خلع على علاء الدين علي بن التلواني أحد أجناد الحلقة، واستقر في نيابة دمياط، عوضاً عن سودن المغربي أحد المماليك الظاهرية برقوق.
وفي خامس عشره: خلع على الأمير تاج الدين الشويكي أحد ندماء السلطان وجلسائه، وأعيد إلى ولاية القاهرة عوضاً عن ابن الطبلاوي، بحكم عزله. فأقام أخاه الأمير عمر يتحدث في الولاية عنه.
وفي ثامن عشره: خرج محمل الحاج صحبة الأمير تمرباي الدوادار، فنزل بركه الحاج. ورحل في ثاني عشرينه الركب الأول صحبة الأمير صلاح الدين محمد بن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله وفيهم خوند فاطمة بنت الملك الظاهر ططر زوجة السلطان. وقد أذن لوالده الصاحب بدر الدين أن يتحدث في الحسبة، حتى يقدم من الحج. ورحل الأمير تمرباي بالمحمل وبقية الحاج في يوم الأحد ثالث عشرينه.
وفي هذا الشهر: زاد ماء النيل نحو أربعة أذرع قبيل أوان الزيادة، فأغرق كثيرًا من مقاتي البطيخ. واستمرت الزيادة إلى ثالث بؤونة، وهذا مما يستغرب وقوعه، فتلف للناس مال عظيم بسبب ذلك.
وفي هذا الشهر: قدمت خديجة خاتون امرأة الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر إلى القاهرة، فأنزلت، وأقيم لها بما يليق بها. وقبلت هديتها لما صعدت قلعة الجبل. وأفرج لها عن ولدها فياض، وخلع عليه وولي نيابة مرعش وكان الأمير إبراهيم بن قرمان قد بلغه توجه خديجة خاتون إلى القاهرة، فبعث يسأل أن تكون قيصرية له. فقدم قاصده إلى حلب في ثامن عشرين شهر شوال هذا، ووعد بالمال المذكور وقد رحل الأمير قرقماس نائب حلب في رابع عشرينه من مرج دابق يريد عينتاب، بعد ما أقام بالعمق خمساً وثلاثين ليلة.
وفي هذا الشهر: ظهر الأمير جانبك الصوفي، بعد ما أقام منذ خرج من سجن الإسكندرية في شهر شعبان سنة ست وعشرين لا يوقف له على خبر، حتى قدم في يوم الثلاثاء حادي عشر شوال هذا إلى مدينة حلب تركماني يقال له محمد، قد قبض عليه الأمير قرقماس نائب حلب بالعمق، ومعه كتاب جانبك الصوفي في سابعه، فسجن بقلعة حلب، وجهز الكتاب إلى السلطان.
شهر ذي القعدة، أوله يوم الاثنين: فيه نزل الأمير قرقماس نائب حلب بمن معه عينتاب، وقد جمع التركمان على كينوك، فأتاه الخبر بأن حمزة بن دلغادر خرج عن الطاعة، وتوجه إلى ابن عمه سليمان ابن ناصر الدين محمد بن دلغادر، بعد ما بعث إليه، وحلفه له. وأن دوادار الأمير جانبك الصوفي ومحمد بن كندغدي بن رمضان التركماني وصلا إلى الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر بأبلستين، وحلفاه أنه إذا قدم عليه جانبك الصوفي لا يسلمه، ولا يخذله، وأن جانبك كان عند أسفنديار، فسار من عنده يريد سليمان بن دلغادر، فخرج إليه، وتلقاه هو وأمراؤه التركمان، وكان السلطان قد جهز خديجة خاتون- كما تقدم ذكره- فسارت بابنها فياض في أوائل هذا الشهر. وقد جمع الأمير صارم الدين إبراهيم بن قرمان، ونزل على قيصرية، فوافقه أهلها، وسلموها له. ففر سليمان بن ناصر الدين محمد بن دلغادر، فبلغه ظهور جانبك الصوفي، وأنه اجتمع عليه الأمير أسلماس بن كبك، ومحمد بن قطبكي، وهما من أمراء التركمان، ونزلوا على ملطية. فقدم على أبيه بأبلستين، ولم يبلغهما خبر الإفراج عن ولده فياض، وخروجه مع أمه خديجة من القاهرة، فأراد أن يتخذ يدًا عند السلطان؛ ليفرج عن ابنه فياض، وينعم له بقيصرية، فجهز في ذلك ابنه سليمان، بعد عوده منهزماً من قيصرية، بكتابه.
وقدم الخبر بأن اسكندر بن قرا يوسف مشى على قرا يلوك وغزا على مدينة أرزن الروم وأخذها. فعاد قرا يلوك إلى آمد، وخرج منها بعد ليلة إلى أرقنين خوفاً من اسكندر. وأن كتاب الأمير جانبك الصوفي ورد على الأمير بلبان نائب درنده، فقبض على قاصده، وسجنه، وحمل كتابه إلى السلطان.
وفى سابع عشرينه: عاد الأمير قرقماس نائب حلب إليها، بعد غيبته عنها بالعمق ومرج دابق وعينتاب خمسة وسبعين يوماً، وقد فات أخذ قيصرية؛ لاستيلاء إبراهيم بن قرمان عليها. وكان القصد أخذها واستنابة أحد أمراء السلطان بها، ولظهور جانبك لصوفي، وانتمائه إلى ابن دلغادر، ووصلت خديجة خاتون وابنها فياض إلى زوجها ناصر الدين محمد بن دلغادر فبلغ مراده، وترك مداة السلطان، وأشغل فكر الدولة؛ لأنه قد جاء من خروج جانبك ما هو أدهى وأمر.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرينه- وهو سابع عشرين بؤونة:- ابتدأ بالنداء على النيل، فزاد إصبعين، وجاءت القاعدة أحد عشر ذراعاً وعشر أصابع، وهذا مما يندر وقوعه، ولم ندرك مثله.
وفي سادس عشرينه: لم يناد على النيل إلى سلخه، ونقص ستة عشر إصبعا.
شهر ذي الحجة، أوله الأربعاء: في سادسه: نودي بزيادة إصبع من النقص، واستمرت الزيادة في كل يوم.
وفي تاسعه: أضيف إلى زين الدين عمر بن شهاب الدين أحمد بن صلاح الدين محمد بن السفاح كاتب السر بحلب نظر الجيش بها، عوضاً عن جمال الدين يوسف بن أبي أصيبعة، بمال وعد به.
وفي سابع عشره: خرج على مبشري الحاج طائفة من عنزة، فأخذت جميع ما معهم، وقتلوا منهم مملوكاً، وتركوهم حفاة عراة، بادية عوراتهم، فمشوا إلى أن لقوا أرباب الأدراك من جهينة بأرض السماوة فآووهم، وذبحوا لهم الأغنام، وأضافوهم، وكسوهم من ملابسهم، وحملوهم إلى القاهرة، وقد قلق الناس بهذا لتأخرهم عن عادة قدومهم عدة أيام.
وحج في هذه السنة الملك الناصر حسن بن أبي بكر بن حسن بن بدر الدين متملك ديوة- التي تسميها العامة دينة، وهي جزائر في البحر تجاور سيلان.
وفيها وقع وباء عظيم ببلاد كرمان. وأبتدأَ في مدينة هراة من بلاد خراسان، في شهر ربيع الأول، وشنع، فمات فيه عالم عظيم، يقول المكثر ثمانمائة ألف.
وخرج شاه رخ منها في ثاني عشر شهر ربيع الأول هذا، وقد جمع عسكراً عظيماً يريد قتال اسكندر بن قرا يوسف. وتأهب ومن معه لمدة أربع سنين، وسبب ذلك أن اسكندر نزل على شماخي من مملكة شروان، وقاتل ملكها خليل بن إبراهيم شيخ الدربندية مدة. فلما كان في بعض الأيام توجه اسكندر من معسكره للصيد، فهجم خليل في غيبته على المعسكر، وقتل وأسر ابن اسكندر وابنَه وزوجتَه، وبعث بالابن إلى شاه رخ، فأكرمه وتركه يركب معه أياماً. ثم حمله إلى سمرقند وأوقف خليل بنت اسكندر وزرجته في الخرابات للزنا بهما. فلما رجع اسكندر من متصيده ألح في القتال، حتى أخذ شماخي وخربها، حتى جعلها دكاً، ونهب أموال أهلها، وأفحش في قتلهم، وسبيهم، وفد فر خليل وبعث يستنجد بشاه رخ، ويترامى على الخاتون امرأته، فما زالت به حتى خرج لقتاله. وكان اسكندر في سماحي بابنة خليل وامرأته، فأوقفهما تزنا بهما، وألزمهما أن يزني بكل واحدة، خمسون رجلاً في كل يوم؛ نكاية في خليل.
وفيها كانت بينِ إفرنج حروب سببها أن ألفن الذي يقال له ألفنه صاحب مملكة أرغون، وهو الذي غزا مدينة أغرناطة من الأندلس وأخذ من المسلمين الخميرة وغيرها، وكان وصياً على ولد أخيه بقتالة، فلما هلك قام من بعده ابنه بترو بن ألفنه صاحب برشلونة وبلنسية، وغير ذلك من مملكة أرغون، حتى هلكت ملكة نابل فاستضاف الجنويون مملكة نابل إلى مملكتهم، فشق ذلك على بترو بن ألفنت، وسار إليهم في أربعين قطعة في البحر، ونزل على قلعة كايات، وحصرها إلى أن أخذها عنوة وخرجها بعد أن صلب ثلاثة من رؤسائها على السور وأسر جميع من فيها، وتوجه إلى جزيرة غيطلة، وهي من أجل مملكة نابل، وأقام عليها مدة، فبعث الجنويون إلى المنتصر أبي عبد اللهّ محمد صاحب تونس ومملكة إفريقية رجلاً من أخواله، أمه جنوية، يستنجدونه على بترو، فأمدهم بمال، وجهز لهم اثني عشر مركبة حربية. فلما قدمت عليهم مع رسولهم نجدة صاحب تونس، ساروا في خمسة وأربعين مركبا- منها ثمانية عشر كباراً وخمسة عشر غرابا- وقد اشتد الأمر على أهل غيطلة وكثرت محاربتهم لبترو، فلقوه وحاربوه، فانتخب ألفاً من عسكره، ونزل في مركب عظيم ليخالفهم إلى بلادهم. ففطنوا به، فأدركوه، وحاربوه حتى غلبوه وأسروه وأخويه، ومن معه في آخر يوم من ذي الحجةَ. وعادوا بهم إلى بلادهم، وسجنوه وأخويه وردوا إلى المنتّصر مراكبه الخمسة عشر.
وفيها قوي عرب إفريقية وحصروا مدينة تونس. وذلك أن المنتصر أبا عبد الله محمد ابن الأمير أبي عبد الله محمد ابن السلطان أبي فارس عبد العزبز، لما قام في سلطنة أفريقية بعد موت جده عبد العزيز بن أبي العباس أحمد في سفره بنواحي تلمسان، قدم إلى مدينة تونس دار ملكه في يوم عاشوراء، وأقام بها أياماً، ثم خرج إلى عمرة، ونزل بالدار التي بناها جده أبو فارس، وضيق على العرب ومنعهم من الدخول إلى بلاد إفريقية. وكان مريضاً، فاشتد به المرض، وفر من عنده الأمير زكريا ابن محمد ابن السلطان أبي العباس وأمه ابنة السلطان أبي فارس عبد العزيز بن أَبي العباس، ونزل عند العرب المخالفين على المنتصر.
فسار عند ذلك المنتصر من عمرة عائدا إلى تونس، وقد تزايد مرضه، فتبعه زكريا ومعه العرب حتى نزلوا على مدينة تونس، وحصروها عدة أيام، فخرج عثمان أخو المنتصر من قسنطينة، وقدم تونس فسر به المنتصر هذا، والفقيه أبو القاسم البرزلي مفتي البلد وخطيبها يجول في الناس بالمدينة، ويحرضهم على قتال العرب، ويخرجهم فيقاتلون العرب، ويرجعون مدة أيام، إلى أن حمل العرب عليهم حملة منكرة، هزموهم، وقتَل من الفريقين عدد كبير. كل ذلك والمنتصر ملقى على فراشه لا يقدر أن ينهض للحرب، من شدة المرض.

.ومات في هذه السنة ممن له ذكر:

الحطي ملك الحبشة:
ومات ملك كربرجة- من بلاد الهند- وهو السلطان شهاب الدين أبو المغازي أحمد شاه بن أحمد بن حسن شاه بن بهمن، في شهر رجب، بعد ما أقام في المملكة أربع عشرة سنة. وقام من بعده ابنه ظفر شاه، واسمه أحمد. وكان من خير ملوك زمانه. وقد ذكرت ترجمته في كتاب درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة.
ومات الأمير سيف الدين طراباي نائب طرابلس، بكرة نهار السبت، رابع شهر رجب، من غير وعك ولا تقدم مرض، بل صلى الجمعة، وصلى الصبح، فمات في مصلاه فجأة. وهو أحد المماليك الظاهرية برقوق وممن نبغ بعد موته، واشتهر ذكره. ثم خرج عن طاعة الناصر فرج فيمن خرج، وتنقل في أطوار من المحن، اٍ لي أن صار من أعظم الأمراء بديار مصر. ثم سجن عدة سنين بالإسكندرية في الأيام الأشرفية، ثم أفرج عنه وعمل في نيابة طرابلس، وكان عفيفاً عن القاذورات، متديناً.
وقتل الشريف زهير بن سليمان بن زيان بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني في محاربة أمير المدينة النبوية مانع بن علي بن عطية بن منصور بن جماز بن شيحة في شهر رجب. وقتل معه عدة من بني حسين، منهم ولد عزيز بن هيازع بن هبة بن جماز بن منصور بن جماز بن شيحة، وكان زهير هذا فاتكاً، يسير في بلاد نجد، وبلاد العراق، وأرضالحجاز، في جمع كبير فيه نحو ثلاثمائة فرس، وعدة رماة بالسهام، فيأخذ القفول، وخرج في سنة أربع وثلاثين وثمانمائة على ركب عُمَّار، توجهوا إلى مكة من القاهرة، وكنت فيهم، ونحن محرمون بعد رحيلنا من رابغ، فحاربنا، وقتل منا عدة رجال، ثم صالحناه بمال تجابيناه له، حتى رحل عنا.
ومات أمير زاه إبراهيم بن القان معين الدين شاه رخ سلطان ابن الأمير تيمور كوركان، متولي شيراز، في شهر رمضان. وكان قد جهز جيشاً إلى البصرة في شعبان، فملكوها له. ثم وقع بينهم وبين أهل البصرة خلاف، واقتتلوا ليلة عيد الفطر، فهزم أهل البصرة أصحاب إبراهيم، وقتلوا منهم عدة. فورد عليهم خبر موته، فسروا به. وكان من أجلّ الملوك، وله فضيلة، ويكتب الخط الذي لا أحسن منه في خطوط أهل زماننا.
ومات صاحب مملكة كرمان، بأي سنقر بن شاه رخ بن تيمور لنك، في العشر الأول من ذي الحجة، وكان ولي عهد، وعنده جرأة وشجاعة وإقدام، فعظم مصابه على أبيه.