فصل: سنة إحدى وعشرين وثماني مائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة إحدى وعشرين وثماني مائة:

أهل شهر الله المحرم بيوم الثلاثاء.
فيه قدم مبشرو الحاج، وأخبروا بسلامتهم.
وفي ثالثه: أعرس الأمير فخر الدين ببعض جواري السلطان، وعمل مهماً جليلاً ذبح فيه ثمانية وعشرين فرساً وأغناماً، بلغ زنة لحمها عشرة آلاف رطل، ومن الدجاج ألفين ومائة طائر، ومن الأوز ثلاثة آلاف طائر، ومن الدقيق ستة وخمسين قنطاراً، ومن الزبيب خمسين قنطاراً عملت مشروباً.
وفي رابعه: ركب السلطان إلى جامع أحمد بن طولون وصلى فيه الجمعة، ثم عدى النيل، وسرح إلى ناحية أوسيم.
وفي حادي عشره: كتب من المخيم على يد الأمير حكم الخاصكي بخروج عسكر من دمشق ومن حمص وحماة، والأمير حديثة بن سيف أمير آل فضل، إلى قتال التركمان. وكذلك أن الأمير ألطنبغا الجكمي- نائب درندة- ركب على حسين كبك، فتقنطر به فرسه، فقبض عليه وقتل، ونزل حسين على ملطية وحصرها.
وفي خامس عشره: قدم الأمير بدر الدين حسن بن محب الدين الأستادار من الوجه القبلي.
وفي سادس عشره: قدم الخبر بأن الأمير يشبك الدوادار أمير الحاج لما قدم المدينة النبوية، بعد انقضاء الحج، أظهر أنه يسير إلى الركب العراقي، يبتاع منه جمالاً، ومضى في نفر يسير، وتسحب صحبة الركب العراقي خوفاً أن يصيبه من السلطان ما أصاب الأمير أقباي نائب الشام.
وفي ثالث عشرينه: نودي بالقاهرة أن جميع الباعة من الجبانين والطباخين والخبازين واللحامين، ونحوهم، يحمل كل واحد منهم عشرة مسارج إلى بولاق، لتعرض على الأمير التاج، فشرعوا في تحصيل المسارج، وحملوها إلى الأمير تاج الدين الشويكي. وفيه قدم محمل الحاج الأربعاء.
وفي ليلة الخميس رابع عشرينه: كان الوقيد ببر منبابة، بين يدي السلطان، وذلك أنه سار من وسيم، ونزل بالقصر الذي أنشأه ابن البارزي بحري منبابة على النيل، وألزم الأمراء بحمل الزيت والنفط، فجمع من ذلك شيء كثير، وأخذ من البيض، وقشر النارنج، ومن المسارج الفخار التي أحضرها الباعة عدد كثير جداً، وعمل فيها فتايل القطن المغموسة بالزيت، وأشعلت بالنار، ثم أرسلت في النيل بعد غروب الشمس بنحو ساعة، وأطلقت النقوط وقد امتلأ البران بطوائف الناس، ومر لهم جميعاً من السخف ما لم نعهد مثله لملك قط.
وفي خامس عشرينه: قدم محمل الحاج ببقيتهم. وفيه عدى السلطان النيل، وصعد قلعة الجبل.
وفي يوم السبت سادس عشرينه: قبض على الأمير سيف الدين بيبغا المظفري: أحد مقدمي الألوف، وأمير سلاح، وحمل مقيداً إلى الإسكندرية، ليعتقل بها. وفيه وجد السجن المستجد بجوار باب الفتوح قد نقب، وفر منه جماعة من المعتقلين.
وفي ثامن عشرينه: نودي بالقاهرة أن كل غريب ينزح إلى وطنه، فإنه كان قد كثرت بالقاهرة أصناف الطوائف من القلندرية وغيرهم من العجم، فاضطربت الأعاجم، ثم تركوا على حالهم.
شهر صفر، أوله الأربعاء: أهل والناس بالقاهرة ومصر في ضيق من قلة الفلوس، فإن السلطان- كما تقدم- طرح على التجار والباعة الذهب، يريد بدله فلوسا، فقلت في الأيدي، من الشح بإخراجها، حتى عزت بعد هوانها.
وفي رابعه: وسط قرقماس متولي كختا وخمسة عشر رجلاً معه، خارج باب النصر. وكانوا فيمن أحضره السلطان معه في الحديد، وسجنوا بالقلعة.
وفي سادسه: ركب السلطان بثياب جلوسه، ومعه ابنه الأمير إبراهيم في نفر يسير، إلى جامعه بجوار باب زويلة، ثم توجه منه إلى دار الأمير فخر الدين فأكل عنده، وقدم له فخر الدين خمسة آلاف دينار، ثم توجه إلى بيت الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، ونزل عنده، فقدم له ثلاثة آلاف دينار، وعرض عليه خزانة الخاص، فأنعم منها على ولده، وعلى من معه من الأمراء، بعدة ثياب حرير، وفرو سمور، ثم عاد إلى القلعة.
وفي عاشره: نودي أن يكون سعر الدينار المختوم بمائتين وخمسين وكان بمائتين وثمانين، وأن يكون الدينار الأفرنتي بمائتين وثلاثين، وكان بمائتين وستين وأن تكون الفلوس على حالها، كل رطل بستة دراهم، والمؤيدي بحاله، كل نصف بتسعة دراهم.
وفي سادس عشره: نودي أن يكون سعر الدينار المختوم بمائتين وثلاثين، والدينار الأفرنتي بمائتين وعشرة، وأن يكون المؤيدي بسبعة دراهم، حتى يصرف بالدينار الأفرنتي من المؤيدية بمبلغ ثلاثين، فماج الناس، وكثر قلقهم وكلامهم، لما نزل بهم من الخسارة، فلم يعتد بهم، واستمر الحال على ذلك.
وفي سابع عشره: طلب الأمير علاء الدين أقبغا شيطان- والي القاهرة ومحتسبها وشاد الدواوين- جميع أرباب المعايش، وقرر أسعار المبيعات على حططتها بقدر ما انحط من سعر الذهب والفضة، وتشدد عليهم، فلم يجدوا بداً من امتثال ما أمر به، على مضض وكره، فغرم كثير من الناس غرامات متعددة.
وفي ثاني عشرينه: ركب السلطان لعيادة الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي، من وعك به، ثم مضى إلى بيت الأمير جقمق الدوادار، وأقام عنده يومه كله، وعاد من آخره إلى القلعة على حالة غير مرضية في الديانة من شدة السكر.
شهر ربيع الأول، أوله الجمعة: في ثالثه: قدم علاء الدين محمد الكيلاني الشافعي، أحد فضلاء العجم، من بلاد الشرق، فبدأ أولاً بزيارة قبر الإمام الشافعي، ثم نزل بالقاهرة، فأكرمه الناس، وأتاه قضاة القضاة والفقهاء للسلام عليه، ثم اجتمع بالسلطان، وتردد إلى مجلسه مع الفقهاء.
وفي يوم الاثنين حادي عشره: جمع الأمير أقبغا شيطان أهل الأسواق من تجار البز وغيرهم، وأنكر عليهم مخالفة ما رسم به في سعر الذهب والفضة، وبالغ في تهديدهم ووعيدهم، من أجل أنهم لم يحطوا من سعر البضائع بقدر ما انحط من سعر الدينار والدرهم، وضمن بعض أكابر الأسواق لبعض، وواعدهم الحضور بين يدي السلطان في يوم الجمعة، وصرفهم، فكثر الإرجاف بهم، وتوقف أحوال الناس، وقل جلب البائع، وكثرت خسارات الناس.
وفي رابع عشره: انقطع السلطان عن حضور الموكب بالقصر على العادة، لانتقاض ألم رجله عليه.
وفيه قدم الخبر بأن الأمير برديك الخليلي- نائب طرابلس- خرج للدورة، فلما عاد بلغه اتفاق قضاة طرابلس وأمرائها ورعيتها على منعه من الدخول إلى البلد، كراهة فيه، لكثرة ظلمه وطمعه، فأقام بعد مراسلتهم في جهة من الجهات، حتى يرد مرسوم السلطان، ثم سار إلى جهة مصر، فكتب أهل طرابلس إلى السلطان بقبيح سيرته وأخذه الأموال بغير حق، ومخالفته المراسم السلطانية، فرسم السلطان بإحضاره.
وقدم الخبر بقيام أهل المحلة- من النواحي الغربية- على الوالي بها ورجمه، بسبب طلب الفلوس، وذلك أنه حمل إلى الغربية مبلغ كبير من الذهب لتؤخذ به الفلوس، بسعر مائتين وعشرة الأفرنتي، فنزل بالناس بلاء عظيم، وعملوا في الحديد، ونزح كثير منهم إلى القاهرة في طلب الفلوس، فانحط سعر الدينار إلى مائة وسبعين، لعزة الفلوس، وهوان الذهب.
وفي يوم الجمعة خامس عشره: جمع الأمير أقبغا شيطان التجار وكبار المتعيشين، ومضى بهم إلى قلعة الجبل، وقد اشتد خوفهم من السلطان، وشنعت القالة بالإرجاف فإذا بالسلطان في شغل عنهم بألم رجله، فلم يروه بل أوقفهم الأمير جقمق الدوادار، وقرر معهم أن يكون المؤيدي هو النقد المتعامل به، دون غيره من الذهب والفلوس، فلا يباع ويشتري إلا بالدراهم المؤيدية، ويدفع الذهب أو الفلوس عوضاً عنها، ليكون النقد الرابح المنسوب إليه ثمن المبيعات، وقيم الأعمال هي المؤيدية، وأن لا يأخذ التاجر في كل مائة درهم اشترى بها الفائدة سوى درهمين، وحذرهم من مخالفة ذلك، ثم أفرج عنهم، فانصرفوا، وكأنما ردت إليهم الحياة بعد الموت. ونودي من الغد على الخيل في سوقها تحت القلعة بالدراهم المؤيدية، وعمل كذلك في بقية أسواق القاهرة، فبطل النداء على البضائع بالفلوس من يومئذ. وفيه نودي أن يكون الدينار على حاله بمائتين وعشرة، والمؤيدي بسبعة دراهم فلوساً، إلا في الديون القديمة، وأجر الأملاك، وجوامك الغلمان، فإن المؤيدي يحسب بتسعة كما كان، فظهر ارتفاع الأسعار فيما نودي عليه بالمؤيدية.
وفي هذا الشهر: تنكر السلطان على قاضي القضاة جلال الدين بن البلقيني لاستكثاره من النواب، فكثرت القالة وتجرأ عليه رفاقه، فعزل طائفة من نوابه، واقتصر منهم على أربعة عشر.
وفي ثامن عشره: خلع على الشريف حسن بن الشريف علي بن محمد بن على الأرموي، بنقابة الأشراف، عوضاً عن والده بعد وفاته، واستقر الأمير فخر الدين في نظر وقف الأشراف، لصغر سن الشريف.
وفي ثامن عشرينه: قدم الأمير بردبك الخليلي نائب طرابلس، وقدم الخبر بكثرة الأمطار بالغربية، وأنه سقط برد، منه ما زنة الحبة الواحدة مائة درهم، تلف منه زروع كثيرة قد استحق حصادها، حتى أن مارساً فيه ثمانمائة فدان تلف عن آخره، وهلكت عدة أغنام بوقوعه عليها.
وفي سلخه: قدم الأمير سودن الأسندمري من الإسكندرية، وقد أفرج عنه، وكان مسجوناً بها منذ زالت الدولة الناصرية فرج. وفيه قدم الشيخ شمس الدين محمد بن عطاء الله الهروي ناظر القدس والخليل، ومدرس الصلاحية بالقدس، فأكرمه السلطان، وأنزله، وبعث إليه الأمراء عدة تقادم. وأجرى له راتب.
شهر ربيع الآخر، أوله الأحد: أهل هذا الشهر وألم السلطان متزايد من رجله، وهو منقطع ملازم للفراش، والناس في ضيق من تعذر وجود الفلوس، وقلة وجود المآكل بالأسواق، منذ نودي على المؤيدية بسبعة دراهم.
وفي ثانيه: قبض على الأمير أرغون شاه الوزير، وعلى الأمير أقبغا شيطان وسلما إلى الأمير فخر الدين، متتبع حواشيهما وأسبابهما، ودورهما.
وفيه استقر الأمير بردبك نائب طرابلس في نيابة صفد، وكتب بنفي عمر بن الهذباني إلى طرسوس، ثم كتب باستقراره في نيابة بهسنى، عوضاً عن كمشبغا رأس نوبة جمال الدين، واستقر شاهين بن عبد العزيز- الحاجب بصفد- في نيابة قلعتها، عوضاً عن عمر بن الطحان.
وفيه قدم كتاب طغرول بن صقيل سيز على يد أخيه طرعلي، يسأل الأمان، وكان قد قدم إلى القاهرة، وسار في ركاب السلطان، ثم فر من دمشق فأمن، وقدمت مكاتبه الأمير شاهين الأيدكاري- نائب طرسوس- بأنه محصور مدة أربعة أشهر من إبراهيم بن رمضان، وقد عزم محمد بن قرمان على المشي إلى طرسوس.
وفي ثالثه: نقل الأمير علاء الدين علي أبن الأمير ناصر الدين محمد بن الطبلاوي، من ولاية مصر إلى ولاية القاهرة، عوضاً عن أقبغا شيطان.
وفي خامسه: أعيد شمس الدين محمد بن يعقوب الدمشقي إلى حسبة القاهرة، عوضاً عن أقبغا شيطان.
وفي يوم السبت سابعه: خلع على الأمير بدر الدين حسن بن محب الدين، واستقر في الوزارة، عوضاً عن أرغون شاه.
وفي عاشره: أفرج عن أرغون شاه، من غير عقوبة.
وفي ثاني عشره: خلع على قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد الأموي، وأعيد إلى قضاء القضاة المالكية بدمشق، عوضاً عن شرف الدين عيسى.
وفي سادس عشره: ضرب عنق بعض أعوان الظلمة المتصرفين بأبواب الوزراء، لتعرضه إلى ما يريق دمه شرعاً.
وفيه نقل سوق الرقيق من موضعه بخط المطاح فيما بين الوزيرية وخط الملحيين إلى فندق تجاه المشهد الحسيني، ثم أعيد إلى موضعه بعد قليل.
وفي سابع عشره: خلع على الأمير أرغون شاه وأركب فرساً، واستقر في إمرة لتركمان بثلاثين ألف دينار، وكتب أن ينقل الأمير سنقر نائب المرقب إلى نيابة قلعة دمشق، عوضاً عن شاهين، ويستقر ألطنبغا الجاموس في نيابة المرقب، ويستقر سودن الأسندمري- الذي أفرج عنه- حاجباً بطرابلس، عوضاً عن بزدار، واستقر في وزارة دمشق يعقوب الإسرائيلي، بعدما أسلم، وكان صيرفياً في يهوديته، واستقر في وزارة حلب علم الدين سليمان بن الجابي.
وفيه أوقع الأمير سودن القاضي- نائب الوجه القبلي- بعرب فزارة، ونهب أموالهم، وساق إلى السلطان منها ألف جمل وخمسين فرساً، وفر من نجا منهم إلى البحيرة، فأوقع بهم الأمير دمرداش نائب الوجه البحري، وقتل كثيراً منهم، ونهب ما معهم، وحمل إلى السلطان منه أربعمائة جمل وعشرين فرساً، ورءوس رجال كثيرة قد قطعها، فانحسم أمرهم وقدم الخبر بقتل منكلي بغا الأجرود وسودن الركني، من جماعة الأمير أقباي، وقتل علي بن نعير، وناصر الدين وزير حلب، وصلبهم على شرفات قلعة دمشق.
وقدم الخبر من حلب بوقعة عظيمة بين علي باك بن دلغادر وأخيه محمد باك، انتصر فيها محمد، وكسر أخاه، وغنم جميع موجوده، فأدركه الأمير يشبك نائب حلب بعد الواقعة وقد انتصر، فتلقاه وأضافه، وقدم له وحلف على الطاعة. وفيه جهز الأمير جار قطلو نائب حماة وصفد إلى الإسكندرية، فسجن بها عند حضوره من صفد إلى قطيا، فحمل منها.
وفي تاسع عشره: سار الأمير فخر الدين بن أبي الفرج إلى الوجه القبلي، وخيم بالجيزة، واستقل بالمسير من غده في طوائف كثيرة من العربان، وعدة من المماليك. وقد استعد للحرب، وأخذ معه الروايا والقرب والزاد ليتتبع العرب حيث ساروا.
وفيه ظهر بالمأذنة المؤيدية اعوجاج.
وفي ثالث عشرينه: استمر الأمير برسباي الدقماقي- أحد مقدمي الألوف- في نيابة طرابلس، عوضاً عن الأمير بردبك الخليلي، المنتقل إلى نيابة صفد، وأنعم بإقطاعه على الأمير فخر الدين على الوزير الأمير بدر الدين، وكان برسباي يلي كشف التراب وعمل الجسور بالغربية، فطلب منها، وخلع عليه فيه، واستقر أيضاً الأمير سودن الأسندمري أميراً كبيراً بطرابلس.
وفيه كتب محضر بهدم المأذنة المؤيدية، فهدمت من الغد، وغلق باب زويلة مدة ثلاثين يوماً.
شهر جمادى الأولى، أوله الاثنين: فيه سافر الأمير أرغون شاه إلى دمشق على تقدمة التركمان بها. وفيه تحرك عزم السلطان إلى الحجاز، فكتب إلى أمراء الحجاز بذلك.
وفي رابعه: قدم من الشام ألف وثلاثمائة حمل، جهزها الأمير تنبك ميق نائب الشام. وذلك أنه أوقع بعرب آل علي، قريباً من حمص، وكسرهم، وأخذ لهم ألفاً وخمسمائة حمل، باع منها رديئها، وجهز باقيها.
وفي يوم الخميس حادي عشره: ولد للسلطان ولد ذكر، سماه موسى، من أمة يقال لها طولو باي، فدقت البشائر، وكتب إلى الأقطار بذلك، فتوجه الطواشي مرجان الهندي إلى الشام للبشارة بولادته، وزينت القاهرة ومصر.
وفي سادس عشره: ابتدئ بالنداء على النيل ثلاثة أصابع، وجاءت القاعدة أربعة أذرع وثمانية أصابع.
وفي سابع عشره: كانت عقيقة الأمير موسى ابن السلطان، عمل فيها مدة جليلة، وخلع على الأمراء، وأركبوا خيولاً بقماش ذهب، بلغ المصروف عليها خمسة عشر ألف دينار.
وفي ثالث عشرينه: قدم الخبر بأن الأمير فخر الدين ركب في طلب هوارة، فتبعهم من سيوط مدة خمسة أيام، حتى أركبهم قريب أسوان، فقاتلوه عامة يومهم، فجرح كثير منهم، وقتل جماعة نحو المائتين وعشرين، وانهزم باقيتهم إلى الواحات فأحاط بأموالهم، وبعث خمسة رءوس من أعيانهم.
وفي يوم الجمعة خامس عشرينه: عرض السلطان مماليك الطباق بالقلعة، وعين منهم عدة للسفر معه إلى الحجاز، وأخرج الهجن، وجهز الغلال في البحر إلى مكة وينبع. وفيه كتب أن يستقر الأمير شاهين الزردكاش- حاجب الحجاب بدمشق- في نيابة حماة، عوضاً عن الأمير نكباي، ويستقر نكباي في الحجوبية.
وفي سابع عشرينه: ركب السلطان- ومعه ولده- الأمير إبراهيم، والأمراء، ونزل إلى المارستان المنصوري بخط بين القصرين، وهو بثياب جلوسه، فزار المرضى، وعاد إلى القلعة. وفيه فتح باب زويلة، ولم يعهد قط أنه أقام هذه المدة مغلوقاً.
وفيه كتب بإعادة إقطاع علي بن أبي بكر الجرمي إليه واستقراره في الإمرة على عادته، وجهز له تشريفي، وكتب إلى الأمير شاهين نائب الكرك أنه جهز إليه نائب عزة ونائب القدس، وكاشف الرملة، بمن معهم من العساكر، لضرب عربان بني عقبة وأخذهم، وجهز إليه فوقاني بوجهي حرير كمخا بطراز عريض، وكتب إلى المذكورين أن يتوجهوا إلى الكرك، لضرب بني عقبة وأخذهم صحبة نائب الكرك، وأسر إلى نائب غزة بأن يقبض عليه، ويوقع الحوطة على موجوده. وفيه جهز إلى ملطية مبلغ أربعين ألف دينار، لعمارة طاحونين وخان وقيسارية تشتمل على أربعين دكاناً وزاوية، وكتب إلى نائب طرابلس أن يتوجه إلى ملطية بعسكره، ويقيم مع نائبها لمعاضدته.
وفي ثامن عشرينه: منع قاضي القضاة جلال الدين بن البلقيني من الحكم.
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشرينه: خلع على الشيخ شمس الدين محمد بن عطاء الله الهروي، واستقر قاضي القضاة، عوضاً عن شيخ الإسلام جلال الدين بن اللقيني، ونزل من قلعة الجبل، ومعه الأمير جقمق الدوادار والأمير قطلوبعا التنمي رأس نوبة، وعدة من الأمراء والقضاة وغيرهم، إلى المدرسة الصالحية بين القصرين، وحكم على العادة، ومضى إلى داره، ثم بعث إلى قاضي القضاة جلال الدين بأن يحمل ما عنده من مال الحرمين والأوقاف، فأبى أن يسلمه ذلك إلا بإذن السلطان، وكان قاضي القضاة جلال الدين لما أعيد إلى وظيفة القضاء في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانمائة تصدى لمحاسبة مباشري أوقاف الحرمين وغيرهما بنفسه، فضبط عليهم ضبطاً زائداً، وخشي من تفريطهم، فجعل ما يتحصل من المال تحت يده، وصار ينفق ما يحتاج إليه من مصارف الحرمين وغيرهما، ففاض تحت يده نحو سبعة آلاف دينار، منها لجهة حرمي مكة والمدينة ستة آلاف دينار، ولجهة الجامع الطولوني والمدرسة الأشرفية ألف دينار. وهذا شيء لم يقع لقاض قبله في الدولة التركية.
وفي يوم الأربعاء غده: استدعى قاضي القضاة شمس الدين محمد الهروي شهود القاهرة ومصر، الجالسين بالحوانيت للتكسب بتحمل الشهادة وأدائها ليعرضوا عليه، فأوقفهم بين يديه، طائفة بعد أخرى، وأقرهم على ما هم عليه، ولم يستنب سوى عشرة، وكان قاضي القضاة جلال الدين قد انصرف ونوابه أربعة عشر، ثم زاد الهروي بعد ذلك في عدة النواب في الحكم حتى بلغوا نحو العشرين، وأقام أياماً يركب ويمر في الشوارع بهيئة العجم، وهو لابس فرجية مفتوحة عن صدره، ولعمامته عذبة مرخاة على يساره، وسلك في تحجبه مسلكاً غير مسلك القضاة، مع قلة الدراية بمصطلح البلد، وعادة الناس بمصر.
وفي يوم الجمعة: ترقب الناس ركوبه للقلعة ليخطب ويصلي بالسلطان في جامع القلعة، فبعث نائباً عنه، فإن لسانه فيه عجمة، وعنده حبسة، بحيث أنه إذا أراد أن يتكلم عسر عليه ابتداء الكلام قليلاً، وهو يعالجه علاجاً، ثم يتكلم بعجمة، وهذا لا يتأتى معه إقامة الخطبة، واتفق له أيضاً أنه حضر مع رفقائه قضاة القضاة الثلاث عند السلطان، فلما حان انصرافهم لم يستطع قراءة الفاتحة والدعاء كما هي العادة، فقرأ قاضي القضاة شمس الدين محمد الديري الحنفي فاتحة الكتاب، ودعا، ومن العادة أن لا يتقدم أحد في القراءة على قاضي القضاة الشافعي.
شهر جمادى الآخرة، أوله الأربعاء: في ثالثه: وقفت طائفة من بلد الخليل عليه السلام للسلطان، وشكوا الهروي على مال أخذه منهم في أيام نظره على بلد الخليل، وأنه طرح على بعضهم بيضاء وألزمه أن يحمل بعدده دجاجاً، فبعث السلطان إليه يأمره أن يخرج لهم مما يلزمه من الحق.
وفيه وشي للسلطان بالأمير جقمق الدوادار أنه موافق لقرايوسف، وذلك أنه اتصل بالسلطان رجل ادعى أنه من أولاد علي الدربندي، فأحسن إليه وأمر بتجهيزه للحج، فحج وعاد، فوشي بالأمير جقمق أنه لما كان السلطان بكختا حسن لرسول قرايوسف جذبه إلى البلاد الشامية، وأنه مشى بينه وبين قرايوسف بذلك، فبعث إليه قطعة بلخش ثمينة، فأعلم السلطان الأمير جقمق بما قيل عنه، ولم يسم القائل، وأظهر له أنه لم يصدق الناقل، فقلق جقمق قلقاً كبيراً، إلى أنكان في شهر تاريخه، أعاد ابن الدربندي الكلام، وأنه قدم إلى جقمق كتاب في المعني المذكور، فأسلمه السلطان في هذا اليوم إلى جقمق، وأعلمه بخبره، وما نقل عنه، فعاقبه فلم يثبت، وأحضر وتداً مجوفاً مسدوداً بالحديد من رأسه، وطيه كتاب رق لطيف مكتوب بالفارسية بماء الذهب معناه أنه للأمير جقمق من قرايوسف، أن القاضي حين وصل إليه أوصله رسالته وهديته، وأن هذا الكلام لم يرد إلينا منك وحدك، ولكن اعتمدنا عليك، وعد من الذين فروا جماعة، واللقاء بيننا وبينك حلب، ولك نياتها، فطلب الأمير جقمق الخراطين وأراهم الوتد المذكور، معرفة بعضهم وقال: أنا صنعت هذا لشخص شاب، ولم يعطني أجره فأحضر الشاب، وتنبع الكتاب من العجم، فوجد رجل أعجمي قد مرض، ونزل بالمارستان فأوقف على الكتاب فاعترف أنه خطه، فنفي الشاب إلى قوص، وطلب ابن الدربندي وعنف على ما عمل، فقال: الأمير ألطنبغا الصغير ألجأني إلى الكذب على الأمير جقمق، فلم يعبأ به ولا بقوله، وغرق في النيل. ومات العجمي المريض بالمارستان من ليلته.
وفي رابعه: قدم الخبر بأن الشيخ إبراهيم الدربندي مات، وأن قرايوسف بعث ابنه الخان على ستة آلاف فارس إلى شماخي فأتته عساكر بلاد الدشت، وكسرته، وقتل منه أناس كثير. فلما بلغ ذلك شاه ميرزه بن تيمورلنك، عزم على أن يصيف في تبريز لأجل قرايوسف، وأن بير عمر حاكم أرزن كان انكسر من عساكر الروم كسرة عظيمة، قتل فيها كثير من أصحابه وأن قرا يلك ركب على بلاد قرايوسف، وحارب من بماردين منهم وكسرهم، وقتل وأسر منهم نحو السبعين، وأخذ له ثمان قلاع ومدينتين، ورحل مائتين وعشرين قرية بأموالها وعيالها، ليسكنهم ببلاده، وأنه على حصار ماردين.
وفي ثامنه: قدم الأمير فخر الدين بن أبي الفرج من الوجه القبلي، ومعه من الأغنام عشرون ألف رأس، سوى ما تلف منها، فإنه أخذ أربعة وخمسين ألف رأس لم يحضر للسلطان إلا ما ذكر، ومن الرقيق العبيد والإماء ألف وثلاثمائة شخصاً، ومن البقر ثلاثة آلاف رأس، ومن الجاموس تسعة آلاف رأس، ومن الجمال ألفان، ومن القند والعسل والغلال شيء كثير جداً، قوم عليه بمائة ألف دينار، يقوم بها. وفيه رسم أن يستقر الأمير بردبك العجمي في نيابة سيس، وجهزت إليه الخلعة، عوضاً عن أقبغا.
وفي تاسعه: رسم بإخراج من لا وظيفة له من العجم، بين الفقهاء من الخوانك وغيرها ثم أهمل أمرهم.
وفي تاسع عشره: قدم الخبر بأن هوارة اجتمعوا- ما بين راكب وماشي- نحو الألفين، وأقبلوا يريدون الأمير سودن القاضي، وكان معه من الأمراء أينال الأزعري أحد مقدمي الألوف، فاقتتلوا قتالاً كبيراً قتل فيه من أصحاب الأميرين جماعة. ثم كانت الكسرة على هوارة، وقتل منهم جماعة، حمل منهم عشرون رأساً إلى السلطان. فتوجه الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي والأمير جقمق الدوادار، والأمير ططر رأس نوبة النوب، والأمير ألطنبغا المرقبي حاجب الحجاب، والأمير قطلو بغا في عدة من المماليك في حادي عشرينه نجدة لسودن القاضي.
وفي عشرينه: أعيد شمس الدين محمد بن الحاج عمر بن شعبان الجابي إلى حسبة القاهرة، وعزل ابن يعقوب.
وفي رابع عشرينه: قدم الخبر بأن نائب غزة، وكاشف الرملة ونائب القدس، ساروا نجدة للأمير شاهين نائب الكرك على العرب، فتلقاهم ليسير بهم، ويقاتل العرب، فامسكوه- كما أسر إليهم السلطان- وحمل مع نائب القدس إلى دمشق، وسجن بقلعتها، وقبض معه على حاجب الكرك، واعتقل بقلعتها، وسبب إمساك شاهين هذا لم يحضر لملاقاة السلطان عند عوده من بلاد الروم. وقدم الخبر بأن نائب حلب سار بالعسكر الحلبي ونواب القلاع، وأمراء تركمان الطاعة، ونزل على قلعة كركر، في ثاني جمادى الآخرة هذا، وحصر خليل نائبها، وقد جلا أهل كركر عنها، واستعد خليل بقلعتها وحصنها.
وفي هذا الشهر: شرع السلطان في بناء مارستان للمرضى، موضع مدرسة الملك الأشرف شعبان بن حسن تجاه الطلبخاناه من القلعة.
وفي آخره: نقل سوق الرقيق من مكانه إلى مكان بطرف البندقانيين.
شهر رجب، أوله الخميس: فيه وفى النيل ستة عشر ذراعاً، وزاد إصبعين، فركب السلطان النيل إلى المقياس حتى خلق بين يديه، ثم فتح الخليج على العادة، مكان يوماً مشهوداً، وغرق فيه جماعة انقلبت بهم المركب، فهلكوا.
وفي يوم الجمعة سادس عشره: ولد للسلطان ولد ذكر، من خوند ابنة الأمير تنم الحسني، نائب الشام سماه محمداً، وكناه بأبي المعالي، ونودي بزينة القاهرة ومصر، فزينتا.
وفي عشرينه: ورد الخبر بأن الأمراء أوقعوا بهوارة على ناحية جرجا فقتلوا منهم وأسروا نحو الخمسين، ومر باقيهم على طريق الواحات، وتركوا حريمهم وأموالهم.
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه: كانت عقيقة الأمير المعالي محمد ابن السلطان، وخلع على الأمراء، وأركبوا الخيل بالقماش الذهب، فتجاوز المصروف عليها خمسة عشر ألف دينار.
وفي ثالث عشرينه: قدم سيف بردبك الخليلي، نائب صفد، بعد موته.
شهر شعبان، أوله الجمعة: فيه وجد السلطان ورقة بمجلسه. فيها:
يا أيها الملك المؤيد دعوة ** من مخلص في حبيه لك ينصح

انظر لحال الشافعية نظرة ** فالقاضيان كلاهما لا يصلح

هذا أقاربه عقارب وابنه ** وأخ وصهر فعلهم مستقبح

غطوا محاسنه بقبح صنيعهم ** ومتى دعاهم للهدى لا يفلح

وأخو هراة بسيرة اللنك اقتدى ** فله سهام في الجوانح تجرح

لا درسه يقرأ ولا أحكامه ** تدري ولا حين الخطابة يفصح

واكشف هموم المسلمين بثالث ** فعسى فساد منهم يستصلح

فعرضها السلطان على الفقهاء الذين يحضرون مجلسه في يوم الأحد، فلم يعرفوا كاتبها، واستحسن السلطان الأبيات، وكانت ابتداء سقوط الهروي من عينه.
وفيه غرق ولد بعض الباعة في الخليج، فأخرجه أبوه ميتاً، فلم يمكن من دفنه إلا بعد استئذان الأمير علاء الدين علي بن الطبلاوي، والي القاهرة،- كما هي العادة- فأمر به عندما استأذنه إلى السجن، فسجن، وبعث إليه أنه لا سبيل إلى الإفراج عنك، حتى تحمل خمسة دنانير، مما زالوا به حتى وعدهم بذلك، وخرج وهو موكل به، فباع بضاعته التي يقيم منها أوده وأود عياله فأحرزت ثلاثة دنانير، ثم أخذ جميع ما عند امرأته- أم الغريق- وباعه، مبلغ ديناراً واحداً واقترض ديناراً، حتى كملت الخمسة دنانير التي للوالي، ثم اقترض شيئاً أخذه الموكلون عليه من أعوان الوالي، وشيئاً كفن به ولده ودمعه لمن دفنه، ثم ترك امرأته، وفر. وهذا من بعض ما تفعله الولاة، في هذا الزمن العجيب.
وفي يوم السبت ثامن شعبان: نودي على النيل بزيادة إصبعين، تتمة ثلاثة أصابع، من تسعة عشر ذراعا. وكان له من يوم النوروز- وهو يوم الاثنين سادس عشرين شهر رجب لم يزد، فإنه انتهى في يوم النوروز إلى إصبع من تسعة عشر ذراعاً. ثم نقص نصف ذراع، ثم تراجع قليلاً قليلاً، حتى ود النقص وزاد إصبعين، وكان منذ نقص النيل، ارتفع سعر الغلال.
وفيه قدم الأمراء من الوجه القبلي، بألفي جمل، واثني عشر ألف رأس من الغنم الضأن، سوى ما تفوقه الأمراء من الجمال، وعدتها نحو الألفين، وسوى ما نهب من الأغنام، وهو شي كثير جداً.
وفيه نودي أن لا يتعامل الناس بالدنانير الأفرنتية الناقصة عن درهم وثمن في الوزن، وأن من وجد معه دينار ناقص يقص، ويحضر به إلى دار الضرب، وأن يكون الدينار الأفرنتي التام على حاله بثلاثين مؤيدياً وكل مؤيدي بسبعة دراهم فلوساً، ليكون الأفرنتي بمائتين وعشرة دراهم فلوساً، والأصل في هذه الدنانير المشخصة، التي يؤتى بها من بلاد الفرنج، وتعرف بالأفرنتية، أن تكون زنة كل مائة دينار منها أحد وثمانين مثقالاً وربع مثقال، والمعاملة بها عدداً لا وزناً، فلم يتركها أهل الفساد على حالها، بل يردئوا منها، حتى فحش نقصها، نودي عليها، وقع كثير من الناس في الخسارة من أجل ما في الأيدي منها، ووجدت الصيارفة والباعة السبيل إلى أخذ أموال الناس، بحجة أن الدينار نقص بكذا وكذا، ويتحكم الصيرفي بما يريد فذهب كثير من أموال الناس في تغيير أحوال النقود، ولا قوة إلا بالله.
وفي تاسعه: قبض على الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، ناظر الخاص، بقلعة الجبل، وأنزل به مع بعض الأمراء المقدمين إلى بيت الأمير فخر الدين بن أبي الفرج، وسلم له، وكان قد تقدم من ابن نصر الله قبل ذلك بأيام يسيرة مفاحشة، خرج فيها عن الحد في حق ابن أبي الفرج، وشافهه في حضرة السلطان بعظائم تقتضي غضب السلطان عليه، فما شك أحد في هلاكه، فكان الأمر بخلاف ذلك، وأكرمه ابن أبي الفرج، وأنزله وقام له بما يليق به، وأرسل إلى داره يعد أهله بكل خير، ويأمر غلمانه وأتباعه أن يلازموا ما هم فيه من خدمته على عادتهم، وركب فخر الدين من الغد إلى السلطان، وقد نزل إلى بركة الحبش لعرض الهجن التي بها إلى الحجاز، فأقام عنده يومه كله، وهو يلج في السؤال أن يفرج عن ابن نصر الله، ويقره على ما بيده، إلى أن قبل شفاعته فيه، فلما عاد أركبه إلى داره، فبات بها وركب في بكرة يوم الثلاثاء ثاني عشره إلى القلعة، فخلع عليه خلعة الرضا والاستمرار، ونزل إلى داره، وقد سر الناس به سروراً كبيراً، وعدت هذه الفعلة من ابن أبي المرج نجداً لا يشابهه شيء من أخلاق أهل زماننا.
وقدم الخبر بأن الأمير يشبك نائب حلب أقام على كركر أربعين يوماً، مجداً في حصارها، حتى نفذ العليق من العسكر، فأخلى بلاد كركر من أهلها، وسيرهم إلى بلاد حلب، ورعى الكروم وحرقها، وحرق القرى حتى تركها بلاقع وعاد إلى حلب بمن معه، من غير أخذ قلعة كركر. وقدم الخبر بأن الأمير ناصر الدين محمد بيك بن علي بيك بن قرمان نزل على طرابلس، في خامس عشر رجب، وحاصرها، وسأل نائبها الأمير شاهين الأيدكاري النجدة، فكتب بخروج عساكر الشام إليها. واستقر الأمير عز الدين حمزة ابن الأمير شهاب الدين أحمد بن رمضان في نيابة أذنة، وإمرة التركمان، على عادة أبيه عوضاً عن إبراهيم بن رمضان، لانتمائه إلى ابن قرمان. وأنعم على عساكر حلب بعشرة آلاف دينار، نفقة كونهم توجهوا إلى كركر. واستقر في نيابة كختا الأمير بردبك الحمزاوي، عوضاً عن الأمير منكلي بغا، وأعيد منكلي بغا إلى إمرته بحماة.
وفي يوم الجمعة نصفه: نقص النيل عشر أصابع، بعد ما انتهى في الزيادة إلى عشر أصابع، من تسعة عشر ذراعاً.
وفي سادس عشره: ابتدئ بهدم دار التفاح، خارجباب زويلة، وهي جارية في وقف الأمير طقز دمر، على خانكاته بالقرافة، بعد ما دفع فيها ألف دينار أفرنتية، ليعتاض أهل الوقف بها مكاناً غيره.
وفي ثامن عشره: استقر الأمير مراد خجا أحد أمراء الألوف- في نيابة صفد وخلع عليه، وأنعم بتقدمته وإقطاعه على الأمير جلبان المؤيدي رأس نوبة السلطان، ورأس نوبة الأمير إبراهيم ابن السلطان.
وفي ثالث عشرينه: توجه الأمير أزدمر الظاهري- أحد مقدمي الألوف- في عدة الأمراء والمماليك السلطانية إلى بلاد الصعيد، لإقامة بها، وعاد الأمير جقمق الداودار بمن بقي معه.
وفيه قدم الخبر باستمرار ابن قرمان على حصار طرسوس ونزول قرايوسف على آمد، وفرار قرايلك منه، ونزوله على جانب الفرات تجاه قلعة نجمة، واستئذانه نائب حلب في التعدية، وأن أهل البلاد الحلبية عظم خوفهم، وعزموا على الفرار منها، مخافة أن يصيبهم مثل ما أصابهم في نوبة تمرلنك.
وفي يوم الاثنين خامس عشرينه شعبان: ركب السلطان من قلعة الجبل إلى ظاهر القاهرة، وعبر من باب النصر ومر في شارع المدينة إلى القلعة، وبين يديه الهجن التي عينها للسفر معه إلى الحجاز، وعليها حلي الذهب والفضة، فكان يوماً عظيماً، فما هو إلا أن استقر بالقلعة قدم الأمير بردبك الحمزاوي- أحد أمراء الألوف بحلب- ومعه نائب كختا- الأمير منكلي بغا- بكتاب نائب حلب والأمير عثمان بن طرعلي، المعروف بقرايلك، بأن قرايلك عدى الفرات من مكان يقال له زغموا ونزل على نهر المرزبان وذلك أنه بلغه أن قرايوسف قصد كبسه مما أحسن قرايلك إلا وقد هجمت فرقة من عسكر قرايوسف عليه من شميصات دخل بهم خليل نائب كركر، فأدركوا قرايلك عند رحيله من نهر المرزبان إلى مرج دابق، فقاتلهم في يوم الثلاثاء ثاني عشر شعبان هذا، وأخذوا بعض أثقاله، فنزل مرج دابق، ثم قدم حلب في نحو ألف فارس، باستدعاء الأمير يشبك له، فجفل من كان خارج سور مدينة حلب، ورحلوا ليلاً عن آخرهم. واضطرب من بداخل السور، وألقوا بأنفسهم من السور ورحل أجناد الحلقة ومماليك النائب المستخدمين، بحرمهم وأولادهم، فانثنى عزم السلطان عن السفر إلى الحجاز، وكتب إلى العساكر الشامية في المسير إلى حلب، والأخذ في تهيئة الإقامات. وأصبح يوم الثلاثاء سادس عشرينه وقد جمع الأمراء والخليفة وقضاة القضاة، وطلب شيخ الإسلام جلال الدين البلقيني، وقص عليهم خبر قرايوسف، وما حصل لأهل حلب من الخوف والفزع، وجفلتهم- هم وأهل حماة- وأن الحمار بلغ ثمنه خمسمائة درهم فضة، والأكديش إلى خمسين ديناراً، وأن قرايوسف في عصمته أربعون امرأة، وأنه لأيدين بدين الإسلام، وكتب صورة فتوى في المجلس فيها كثير من قبائحه، وأنه قد هجم على ثغور المسلمين، ونحو هذا من الكلام. فكتب شيخ الإسلام جلال الدين البلقيني وقضاة القضاة بجوار قتاله. وكتب الخليفة خطه بها أيضاً. وانصرفوا ومعهم الأمير مقبل الداودار فنادوا في الناس بالقاهرة بين يدي الخليفة وشيخ الإسلام وقضاة القضاة الأربع، بأن قرايوسف يستحل الدماء، ويسبي الحريم، ويخرب الديار، فعليكم بجهاده كلكم، بأموالكم وأنفسكم. فدهى الناس عند سماعهم هذا، واشتد قلقهم. وكتب إلى ممالك الشام أن ينادي بمثل ذلك في كل مدينة، وأن السلطان واصل إليهم بنفسه وعساكره. وكتب إلى الوجه القبلي بإحضار الأمراء.
وفيه بلغ ماء النيل في زيادته عشر أصابع، من تسعة عشر ذراعاً، ونقص في يومه إصبعين، بعدما نقص خمساً، وذلك قبل أوان نقصه فارتفع سعر الغلال، وتخوف الناس الغلاء.
وفي يوم الأربعاء سابع عشرينه: نودي بين يدي الأمير خرز نقيب الجيش في أجناد الحلقة بتجهيز أمرهم للسفر إلى الشام، ومن تأخر حل به كذا وكذا من العقوبة.
شهر رمضان، أوله الأحد: فيه قدم الخبر بأن قرايلك رحل من حلب، وأقام بها الأمير يشبك نازلاً بالميدان، وعنده نحو مائة وأربعين فارساً، وقد خلت حلب من أهلها، إلا من التجأ إلى قلعتها. فأتاه النذير ليلاً أن عسكرا قرايوسف قد أدركه، فركب قبيل الصبح فإذا مقدمته معلى وطأة بابلاً فواقعهم وهزمهم، وقتل وأسر جماعة، فأخبروه أنهم جاءوا لكشف خبر قرايلك، وأن قرايوسف بعين تاب. فعاد وتوجه إلى سرمين، فلما بلغ قرايوسف هزيمة عسكره، كتب إلى نائب حلب يعتذر عن نزوله بعين تاب، وأنه ما قصد إلا قرايلك، فإنه أفسد في ماردين، فبعث إليه صاروخان- مهمندار حلب- فلقيه على جانب الفرات، وقد جازت مجموعة الفرات وهو على نية الجواز، فأكرمه واعتذر عن وصوله إلى عين تاب، وحلف أنه لم يقصد دخول الشام، وأعاده بهدية للنائب، فسر السلطان بذلك.
وكان سبب حركة قرايوسف، أن الأمير فخر الدين عثمان بن طر علي بن محمد- ويقال له قرايلك- صاحب آمد، نزل في أوائل شعبان على مدينة ماردين من بلاد قرايوسف، فأوقع بأهلها، وأسرف في قتلهم، وسبي نساءهم، وباع الأولاد والنساء، حتى أبيع صغير بدرهمين، وحرق المدينة، ورجع إلى آمد، فلما بلغ قرايوسف ذلك، اشتد حنقه وسار، ومعه الطائفة المخالفة للسلطان، يريد أخذ قرايلك، ونزل على آمد، ثم رحل عنها في ثامن شعبان جريدة خلف قرايلك، وقطع الفرات من شميصات في عاشره ولحق قرايلك، وضربه على نهر المرزبان ففر منه إلى حلب، وهو في أثره، فتوجه قرايلك من حلب، وكان من مواقعة نائب حلب لعسكر قرايوسف ما ذكر.
وفي ثانيه: كتب ببيع الغلال المجهزة في البحر إلى الحجاز لرجوع السلطان عن السفر إلى الحج.
وفي خامسه: نودي في أجناد الحلقة، بالعرض على السلطان، فعرضوا عليه في يوم الجمعة سادسه، وابتدأ بعرض من يركب منهم في خدمة الأمراء، فخيرهم بين الاستمرار في جملة رجال الحلقة، وترك خدمة الأمراء وبين الإقامة في خدمة الأمراء وترك أخبار الحلقة فاختار بعضهم هذا وبعضهم هذا، فأخرج اقطاعات من أراد خدمة الأمراء، وصرف من خدمة الأمراء من أراد الإقامة على إقطاعه، وشكا إليه بعضهم قلة متحصل إقطاعه، فزاده، وكان هذا من جيد التدبير، فإن العادة كانت أن عسكر مصر في هذا الدولة التركية على ثلاثة أقسام قسم يقال لهم أجناد الحلقة، وموضوعهم أن يكونوا في خدمة السلطان، ولكل منهم إقطاع يقال له خبز، ونظيرهم في أيام الخلفاء أهل العطاء وأهل الديوان، وقسم يقال لهم مماليك السلطان، ولهم جوامك مقروة في كل شهر، وجرايات ولحوم في كل يوم، وكسوة في كل سنة، وقسم ثالث يقال لهم مماليك الأمراء وهم الذين يخدمون الأمراء، ويعتد بطائفة من إقطاع الأمير للعدة المقررة له منهم، فلذلك كانت عدة عساكر مصر كثيرة، ثم تغير هذا في الأيام الظاهرية برقوق ومن بعده، وصار الأمراء يأخذون إقطاعات الحلقة بأسماء مماليكهم، وطواشيتهم، وتخدم أجناد الحلقة عندهم وتأخذ المماليك السلطانية أيضاً الإقطاعات مع الجوامك، فقلت عدة الرجال، وكثر متحصل قوم، وقل لآخرين ما يحصل من الإقطاعات، وخربت عدة بلاد من كثرة المغارم، وعجز مقطعيها.
وفي سابعه: أفرج عن الأمير كمشبغا الفيسي أمير أخور، وعن قصروه من تمراز وكانا بالإسكندرية، وعن الأمير كزل العجمي حاجب الحجاب وكان، بصفد وعن الأمير شاهين نائب الكرك وكان بقلعة دمشق.
وفي تاسعه: قدم الخبر بأن قرايوسف أحرق أسواق عين تاب ونهبها، فصالحه أهلها على مائة ألف درهم، وأربعين فرساً، فرحل عنها بعد أربعة أيام، إلى جهة البيرة، وعدى معظم جيشه إلى البر الشرقي في يوم الاثنين سابع عشر شعبان، وعدى من الغد، ونزل ببساتين البيرة وحصرها، فقاتله أهلها يومين وقتلوا منه جماعة، فدخل البلد، ونهب، واحرق الأسواق، حتى بقيت رماداً، امتنع الناس منه ومعهم حريمهم بالقلعة، ثم رحل في تاسع عشره إلى جهة بلاده، بعد ما حرق ونهب جميع معاملة البيرة، فسر السلطان برجوع قرايوسف، وفتر عزمه عن السفر إلى الشام.
وقدم الخبر بأن ابن قرمان حارب أهل طرسوس، فقتل بين الفريقين خلق كثير، إلى أن رحل عنها في سابع شعبان من ألم اشتد بباطنه.
وإلى ثالث عشره: جلس السلطان لعرض أجناد الحلقة، فعرض عليه منهم زيادة على أربعمائة، ما بين غني وفقير، وكبير وصغير. فمن كان إقطاعه قليل المتحصل أشرك معه غيره، ومثال ذلك أن جندياً يتحصل من إقطاعه في السنة سبعة آلاف درهم فلوساً، وآخر يتحصل له ثلاثة آلاف، فألزم من إقطاعه ثلاثة آلاف أن يعطي الذي إقطاعه سبعة آلاف مبلغ ثلاثة آلاف ليسافر صاحب السبعة آلاف ويقيم الذي أعطى الثلاثة آلاف، وأفرد جماعة وجد إقطاعاتهم قليلة المتحصل ثم ضم أربعة منهم، وأمرهم أن يختاروا منهم واحداً يسافر، ويقوم الثلاثة بكلفته، ورسم أن المال المجتمع من أجناد الحلقة يكون تحت يد قاضي القضاة شمس الدين الهروي.
وفي رابع عشره: قدم كمشبغا الفيسي وقصروه من تمراز من الإسكندرية، فمثلا بين يدي السلطان ونزلا إلى دورهما.
وفي سابع عشره: ركب السلطان إلى خارج القاهرة، وعبر من باب الفتوح إلى القلعة.
وفي ثامن عشره: قدم الخبر من طرابلس بنزول التركمان- الأينالية والبياضية والأوشرية- على صافيتا من عمل طرابلس، جافلين من قرا يوسف، وأنهم نهبوا بلاداً، وأحرقوا منها جانباً، وأن الأمير برسباي الدقماقي النائب نهاهم عن ذلك، فلم يرجعوا، وأنه أمرهم بالعود إلى بلادهم بعد رجوع قرايوسف، فأجابوا بالسمع والطاعة، فركب عليهم برسباي ليأخذ مواشيهم وقاتلهم في يوم الثلاثاء سادس عشرين شعبان، فقتل منهم خلق كثير، منهم الأمير سودن الأسندمري، وثلاثة عشر من عسكر طرابلس، وانهزم باقيهم عراة، فغضب السلطان، ورسم بعزل برسباي عن نيابة طرابلس، واعتقاله بقلعة المرقب، وكتب بإحضار سودن القاضي نائب الوجه القبلي ليستقر في نيابة طرابلس.
وفي عشرينه: عرض السلطان أجناد الحلقة.
وفي ثالث عشره: ركب السلطان إلى المطعم خارج القاهرة، وعاد فلم يكد يستقر حتى في الساعة الرابعة، وشق القاهرة من باب زويلة، وخرج من باب القنطرة إلى السرحة، وعاد في يوم الأربعاء خامس عشرينه. وفيه ختمت قراءة صحيح البخاري بالقصر من قلعة الجبل، وحضر السلطان ختمه على العادة، وفرق على الجماعة الحاضرين من الفقهاء- وعدتهم سبعون- مبلغ مائة وأربعين مؤيدياً كل واحد، وخلع على قاضي القضاة شمس الدين محمد الهروي جبة صوف بفرو سمور على العادة.
وفي سابع عشرينه: عرض السلطان الأجناد على عادته، وتشدد في طلب المال منهم، فنزل بهم من ذلك شدائد، لفقر أكثرهم، وعجزهم عن القيام بما لزمهم، فلما انقضى مجلس العرض، ركب السلطان، وعدى النيل إلى بر الجيزة، وبات هناك، ثم عاد من الغد.
وفي هذا الشهر: أتلفت الدودة كثيراً من البرسيم المزروع بأراضي الجيزة.
وفيه قدم مصطفى ابن الأمير ناصر الدين محمد بن قرمان، إلى مدينة طرسوس، باستدعاء أهلها، من قبيح سيرة نائبها شاهين الأيدكاري، واستحلاله أموالهم ودماءهم، وأخذ المدينة وحصر القلعة، وقد امتنع بها شاهين الأيدكاري حتى أخذه، وبعث به ابنه، وأن قرايوسف لما مضى إلى بلاده مات ابنه بير بدق على ماردين، وعندما وصل إلى بلاده قبض على ولده اسكندر واعتقله، وأنه وقع بينه وبين ولده شاه محمد، صاحب بغداد.
شهر شوال، أوله الاثنين: في ثانيه: عرض السلطان الأجناد.
وفي خامسه: جلس للحكم بين الناس، وكان قد ترك ذلك، فعاد إليه، وضرب ابن الطبلاوي والي القاهرة بالمقارع بين يديه، ولم يعزله، واستقر الملطي في نيابة الوجه القبلي، عوضاً عن سودن القاضي.
وفي ليلة السبت سادسه: ركب السلطان، وسرح إلى جهة سرياقوس.
وفي ثامنه: قدم الأمير سودن القاضي من الوجه القبلي، وتمثل بمخيم السلطان من السرحة.
وفي عاشره: عاد السلطان من السرحة إلى القلعة.
وفي ثاني عشره: ركب إلى الصيد، وعاد في ثالث عشره، وقد وعك بدنه، وعاوده ألم رجله، فلزم الفراش.
وفي خامس عشره: خلع على الأمير سودن القاضي، واستقر في نيابة طرابلس عوضاً عن الأمير برسباي الدقماقي، وخلع على الأمير كمشبغا الفيسي، واستقر أميراً كبيراً بطرابلس.
وفي سادس عشره: خلع على الأمير سيف الدين أبي بكر ابن الأمير قطلوبك، المعروف بابن المزوق، واستمر أستادار السلطان، بعد وفاة الأمير فخر الدين عبد الغني ابن أبي الفرج وخلع على ناصر الدين محمد بن البارزي كاتب السر، واستقر في نظر وقف الأشراف عوضاً عن ابن أبي الفرج، واشتملت تركة ابن أبي الفرج على نحو ثلاثمائة ألف دينار، منها صندوق فيه مبلغ اثنين وسبعين ألف دينار، وثلاثة مساطير بمبلغ سبعين ألف دينار وغلال وفرو وقماش وعدة بضائع بنحو مائة ألف دينار، أحاط السلطان بها كلها.
وفي حادي عشرينه: خرج محمل الحاج إلى البركة مع الأمير جلبان أمير أخور، ورحل في رابع عشرينه، بعد أن تقدمه الركب في أمسه.
وفي هذا الشهر: عز وجود التبن، حتى أبيع الحمل بدينار، بعد خمسة أحمال بدينار. وفيه كثرت الفتن بالوجه البحري. وانقضى الشهر والسلطان مريض.
شهر ذي القعدة. أوله الثلاثاء: في ثالثه: قبض على الوزير بدر الدين حسن بن محب الدين عبد الله الطرابلسي. وسلم إلى الأمير أبي بكر الأستادار، بعد إخراق السلطان به، ومبالغته في إهانته لسوء تدبيره، وقبح سيرته، وخبث سريرته. وتتبعت حواشيه أتباعه فقبض عليهم ثم أفرج عنهم، وفيه خلع على الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله خلع الوزارة، مضافاً لنظر الخاص. وأنعم عليه مرة ماله وتقدمة ألف، فنزل الأمراء وأهل الدولة معه، وسر الناس به، وفيه دقت الطبلخاناه على بابه بعد غروب الشمس على عادة الأمراء الأكابر ولم يقع في الدولة التركية مثل هذا لوزير صاحب قلم.
وفيه خلع على الأمير جربغا دوادار الأمير يشبك نائب حلب، واستمر على عادته، وكان قد قدم في سادس عشرين شوال، وصحبته شهاب بن أحمد بن صلاح الدين صالح بن محمد، كاتب سر حلب بطلب، لشكوى نائب حلب منها، فسار جربغا وتأخر ابن السفاح بالقاهرة وكتب بقبض على قرمش الأمير الكبير بحلب وسجنه بقلعتها.
وفي خامسه: ركب السلطان المحفة- وهو مريض- وسرح، ثم عاد من آخره.
وفي سابعه: استقر شمس الدين محمد بن يعقوب في وزارة دمشق.
وفي تاسعه: خلع على الشيخ الأمجد رفائيل- كاتب الجيزة- واستقر بطرك اليعاقبة، عوضاً عن متى بعد موته.
وفي عاشره: ركب السلطان ونزل إلى بيت كاتب سره، ناصر الدين محمد بن البارزي، المطل على النيل، وعدى الأمراء إلى بر الجيزة ثم سار السلطان من بيت كاتب السر في يوم الجمعة حادي عشره إلى السرحة ببركة الحجاج، وركب من الغد النيل يريد سرحة البحيرة، ونزل بالبر الغربي على الطرانة، وانتهي إلى مريوط فأقام بها أربعة أيام. ورسم بعمارة بستان السلطان بها، وقد تهدم، واستأجر مريوط من مباشري وقف الملك المظفر بيبرس الجاشنكير على الجامع الحاكمي، وتقدم بعمارة سواقيه، ومعاهد الملك الظاهر بيبرس البندقداري، وعاد.
وفي هذا الشهر: عز وجود لحم الضأن بأسواق القاهرة، ولم يرتفع سعره.
وفيه أفرج عن الشريف عجلان بن نعير الحسيني أمير المدينة، وللإفراج عنه خبر فيه معتبر: وهو أن عز الدين عبد العزيز بن علي البغدادي الحنبلي- أحد جلساء السلطان- رأى في منامه كأنه في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد انفتح قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج منه صلى الله عليه وسلم، وجلس وعليه أكفانه، وأشار بيده المقدسة إلى عز الدين فقام إليه حتى دنا منه، فقال له: قل للمؤيد يفرج عن عجلان فانتبه وصعد على عادته إلى مجلس السلطان، وحلف له بالأيمان الحرجة أنه ما رأى عجلان قط ولا بينه وبينه معرفة، وقص عليه رؤياه، فسكت حتى انفض المجلس، وخرج إلى مرمى نشاب استجدها بالقلعة، فأحضر الشريف عجلان، وخلى عنه، وقد حدثني عز الدين بالرؤيا، وأقسم لي بالله أنه ما كان قبل رؤياه يعرف عجلان، ولا رآه قط، وهو غير متهم فيما تحدث به شهر ذي الحجة، أوله الخميس: فيه قل وجود الخبز بالأسواق، وازدحم الناس في طلبه ثلاثة أيام، ثم كسد وارتفعت الأسعار، حتى تجاور الأردب من الشعير والفول مائتين وخمسين درهماً.
ووافى عيد الأضحى والسلطان بناحية وردان وهو عائد، فصلى به صلاة العيد وخطب ناصر الدين محمد بن البارزي كاتب السر. وكان الحال بالقاهرة في الأضاحي بخلاف ما نعهد، لقلة ما ذبح، فإن السلطان والأمراء لم يفرقوا الأضاحي، كما جرت به العادة.
وفي ثاني عشره: قدم السلطان من سرحة البحيرة، وعدى النيل إلى بيت كاتب السر، وأقام به إلى بكرة يوم الثلاثاء ثالث عشره، وركب إلى القلعة وألم رجله لم يبرح. وتقدم إلى الأمراء بتجهيزهم للسفر إلى الشام.
وفي خامس عشره: عرض السلطان أجناد الحلقة على عادته، وعين منهم من يسامر، وألزم من يقيم بالمال، كما تقدم. وفيه قدمت أم إبراهيم بن رمضان التركماني من بلاد الشرقي، وتمثلت بين يدي السلطان، فوسم بتعويقها، فعوقت.
وفي تاسع عشره: عرض السلطان أجناد الحلقة، ثم ركب في خاصته بثياب جلوسه إلى جامعه بجوار باب زويلة، واجتمع عنده القضاة فتنافس كل من القاضيين شمس الدين الهروي، وشمس الدين محمد الديري، وخرجا عن الحد حتى تسابا سباباً قبيحاً بحضرة السلطان، وقد اجتمع من طوائف الناس خلق كثير، وانفضوا وعناية السلطان بالهروي. فكان هذا مما لا يليق بالقضاة. وفيه بلغ الأردب القمح مائتين وستين درهماً، والأردب الفول ثلاثمائة درهم، لقلته. وكثر كساد الأسواق، وتوقف حال الناس، وقلة فوائدهم.
وفي ثاني عشرينه: ركب السلطان للصيد، وشق القاهرة من باب النصر.
وفي رابع عشرينه: أفرج عن الأمير بدر الدين حسن بن محب الدين، وأقام بالمدرسة الفخرية موكلاً به، ومرسماً عليه. وفيه ركب السلطان للصيد، وعاد من يومه.
وفي يوم الثلاثاء خامس عشرينه: جلس السلطان بالإسطبل لعرض أجناد الحلقة، على عادته، وتشدد في طلب المال ممن عين للإقامة، وضرب عدة منهم.

.ومات في هذه السنة ممن له ذكر:

الشريف النقيب شرف الدين أبو الحسن علي بن الشريف النقيب فخر الدين أبي علي أحمد بن الشريف النقيب شرف الدين أبو محمد علي بن شهاب الدين حسن بن محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن محمد بن زيد بن الحسين بن مظفر بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب الأرموي، نقيب الأشراف، في يوم الاثنين تاسع عشر ربيع الأول، وكان يعد من رؤساء البلد، كرماً وأفضالاً من غير شهرة بعلم ولا نسك.
ومات فيه عبد الله بن علاء الدين علي بن محي الدين يحيي بن فضل الله العمري، وقد حمل واشتدت فاقته، وهو آخر من بقي من أولاد علاء الدين بن فضل الله.
ومات الأمير أجترك القاسمي، وقد تنقل في عدة ولايات، منها نيابة غزة.
وقتل الأمير حسين بن كبك، أحد أمراء التركمان، في ثالث جمادى الأولى، وكان من خبر قتله أن الأمير تغري بردى الجكمي- أحد العصاة على السلطان- فر والسلطان على مدينة كختا فيمن تسحب، ثم لحق بالأمير منكلي بغا نائب ملطية مع رفقته، فسأل السلطان في الصفح عنه، فصفح، وأقام عند منكلي بغا إلى أن قدم حسين ابن كبك على ملطية، وحصرها، فقرر الأمير منكلي بغا تغري بردى هذا، أنه يظهر الهرب، ويتسحب إلى حسين بن كبك، ويقيم عنده إلى أن يجد فرصة يقتله فيها، فخرج من ملطية فاراً إليه، فأكرمه، واستمر به عنده إلى أن توجه إلى بير عمر حاكم أرزنكان، في أول جمادى، فأنزله بير عمر في مخيم، وأجرى له ما يليق به، فلم يبت عنده سوى ليلة واحدة، وجلسوا لشرب الخمر في الليلة التي بعدها، حتى تفرق عن حسين أصحابه ودخل إلى مبيته، واستدعى بتغري بردى إليه ليكبسه، فعندما نام- وهو سكران- أخذ تعري بردى سيفه وحشاه في بطه، فلم يتنفس، وركب فرسه ليلاً إلى جهة شماخي وتوصل منها إلى ملطية، وقدم حلب، وجاء إلى مصر، فأكرمه السلطان، وخلع عليه، وأعطاه عشرة آلاف درهم فضة، وثلاثة أرؤس من الخيل كاملة العدة، وثياباً نفيسة، وإقطاعاً بديار مصر كثير المتحصل، وتقدم إلى الأمراء أن يخلع كل منهم عليه، فناله مال كبير، واستراح الناس من حسين بن كبك.
ومات بالقاهرة شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن أحمد القرقشندي الشافعي في ليلة السبت عاشر جمادى الآخرة، عن خمس وستين سنة، وقد كتب في الإنشاء، وبرع في العربية، وشارك في الفقه، وناب في الحكم، وعرف الفرائض ونظم ونثر. وصنف كتاب صبح الأعشى في صناعة الإنشا، جمع فيه جمعاً كبيراً مفيداً، وكتب في الفقه وغيره.
ومات الأمير بيسق الشيخي، أحد المماليك الظاهرية، في جمادى الآخرة بالقدس، وترقي حتى صار من أمراء الطلبخاناه، وأمير أخور، وولي إمرة الحج في الأيام الظاهرية والناصرية، وولي عمارة المسجد الحرام، لما احترق في سنة ثلاث وثمانمائة، ثم تنكر عليه الناصر فرج، وأخرجه من القاهرة إلى بلاد الروم منفياً، فأقام بها حتى تسلطن المؤيد شيخ قدم عليه، فلم يقبل عليه وأقام في داره مدة، ثم أخرجه إلى القدس بطالاً، فمات بها، وكان عارفاً بالأمور، متعصباً الفقهاء الحنفية على الشافعية، شرس الخلق، عسوفاً، كثير المال، وفيه بر وصدقات.
ومات الأمير علاء الدين أقبغا شيطان، مقتولاً في ليلة الخميس سادس شعبان، وقد جمع له بين ولاية القاهرة وحسبتها، وشد الدواوين، وكان يحسن المباشرة، ولم يشهر عنه تعاطي شيء من القاذورات المحرمة، كالخمر ونحوه.
ومات الأمير بردبك الخليلي بصفد، في ليلة الخميس نصف شهر رجب بها، وهو على نيابتها.
ومات الأمير سودن الأسندمري، مقتولاً في وقعة التركمان خارج طرابلس، في يوم الأربعاء سابع عشرين شعبان، وهو أحد مماليك الظاهرية، ومن جملة أمراء مصر، فلما قتل الناصر فرج، قبض عليه وسجن، ثم أفرج عنه، وعمل أميراً بطرابلس، فقتل بها عن قليل.
ومات الأمير أبو الفتوح موسى ابن السلطان، في يوم الأحد تاسع عشرين شهر رمضان، وهو في الشهر الخامس، فدمن بالجامع المؤيدي.
ومات الأمير فخر الدين عبد الغني ابن الأمير تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفوج، في يوم الاثنين نصف شوال، ودفن بجامعه.
ومات الأمير علاء الدين ألطنبغا العثماني الظاهري، نائب الشام، بطالاً بالقدس، في يوم الاثنين ثاني عشرين شوال.
ومات الأمير الطواشي بدر الدين لؤلؤ العزي كاشف الوجه القبلي، في يوم الأربعاء رابع عشرين شوال. ولي كشف الوجه القبلي في سنة ثلاث عشره، ثم في رجب سنة ثمان عشرة، وعزل وصودر وأخذ منه مال جزيل، بعد عقوبة شديدة، ثم ولي شد الدواليب السلطانية بالوجه القبلي، حتى مات، وكان من الحمقاء المتمعقلين، والظلمة الفاتكين، في هيئة متدين ناسك واعظ.
وتوفي شرف الدين محمد بن عز الدين أبي اليمن محمد بن عبد اللطف بن أحمد بن محمود بن أبي الفتح، الشهير بابن الكويك الربعي، الإسكندري، الشافعي، في يوم السبت سادس عشرين ذي القعدة، ومولده في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، بالقاهرة، وقد انفرد بأشياء لم يروها غيره. وتصدى للأسماع عدة سنين، فسمع عليه كثير من أهل القاهرة والقادمين إليها، وأضر قبل موته. وكان خيراً ساكناً كافا عن الشر، من بيت رياسة. وأول سماعه حضوراً سنة إحدى وأربعين وسبعمائة. ولم يشتهر بعلم.
ومات الأمير قطلوبغا الخليلي نائب الإسكندرية، في يوم الخميس خامس عشرين ذي الحجة، وكان قد ولي حاجباً بالقاهرة، ثم تعطل ستاً وعشرين سنة، فساءت حاله، إلى أن ولاه الملك المؤيد نيابة الإسكندرية، مباشرها مباشرة مشكورة، ومات وهو على نيابتها.
ومات الأستاذ إبراهيم بن باباي العواد، في ليلة الجمعة مستهل شهر ربيع الأول. وقد انتهت إليه الرياسة في الضرب بالعود. وكان أبي النفس، من ندماء السلطان، مقرباً عنده، وجدد عمارة بستان الحلبي المطل على النيل، وبه مات.