فصل: سنة ثلاث عشرة وثمانمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة ثلاث عشرة وثمانمائة:

أهلت والخليفة المستعين بالله أبو الفضل العباسي بن محمد، والسلطان الملك الناصر فرج بن برقوق، ونائب الشام الأمير نوروز، ولم يتمكن من المباشرة بل هو محصور بحماة، والأمير شيخ وجماعته يحيطون به، ونائب حلب الأمير دمرداش، وهو بحماة مع نوروز، وعنده أيضاً نائبي حماة وطرابلس، ونائب صفد الأمير شاهين الزردكاش، ونائب غزة الأمير يشبك الموساوي الأفقم.
والذهب في القاهرة بمائة وثمانين المثقال، وبمائة وستين الدينار المشخص، والأردب القمح بمائتي درهم، وقد هافت الزروع، إلا قليلاً، بسبب ريح هبت، سيما الشعير فإنه كاد يهيف كله، والفلوس كل رطل منها بستة دراهم، تسمية لا معنى لها، والفضة إن وجدت فكل درهم نقرة خالص باثني عشر درهماً ممن الفلوس التي زنتها رطلان. وكل درهم كاملي بستة وسبعة دراهم من الفلوس.
شهر المحرم، أوله الثلاثاء: في ثالثه: قدم الأمير شاهين، دوادار الأمير شيخ، إلى حلب، على عسكر، فقاتله أهلها من أعلى السور، فلم يزل حتى أصعد جماعة من عسكره فوق السور بسلالم قد أحضرها معه، فأخذوا له المدينة في خامسه، وامتنع من كان يقاتله بالقلعة.
وفي عاشره: خلع السلطان على الأمير قراجا شاد الشراب خاناه، وجعله دواداراً كبيراً، عوضاً عن الأمير قجاجق بعد موته، وخلع على سودن الأشقر، واستقر شاد الشراب خاناه.
وفيه كانت وليمة الأمير بكتمر جلق، وزفت عليه ابنة السلطان ليلاً، فبني عليها ليلة الجمعة حادي عشره.
وفي ليلة السبت ثاني عشره: أخرج من قلعة دمشق سودن الجلب، ومن معه من المسجونين، وتوجه بهم الأمير ألطنبغا القرمشي إلى قلعة المرقب، فسجنهم بها، وعاد إلى دمشق.
وفي ليلة الاثنين حادي عشرينه: اجتمع رجلان بصالحية دمشق، أحدهما تراس والآخر قيم حمام، وشربا الخمر، فأصبحا محرقين، ولم يكن عندهما نار، ولا وجد أثر الحريق في غير يديهما، وبعض ثيابهما. وقد مات أحدهما، وفي الآخر رمق، فأقبل الناس أفواجاً أفواجاً لرؤيتهما، والاعتبار بحالهما.
وفي هذا الشهر: فشا الطاعون ببلاد الشام، فعم طرابلس وحوران وبالس ودمشق، ووقع جراد بالرملة والساحل. وفيه توجه السلطان أحمد بن أويس من بغداد إلى توريز، ليأخذها من قرا يوسف، وقد سار عنها إلى أرزنكان.
شهر صفر، أوله الأربعاء.
في ثانيه: قدم الأمير ألطنبعا القرمشي من قلعة المرقب إلى دمشق، بعدما مر على الأمير شيخ وعمله نائب الغيبة بدمشق، وأذن لسودن بقجة أن يخرج ويسير من دمشق للدورة لأخذ مال يرتفق به.
وفي يوم الخميس ثالث عشرينه: خرج الأمير بكتمر الناصري جلق الأتابك وخيم بالريدانية ظاهر القاهرة، ليشير جاليش العسكر إلى الشام، ومعه الأمير طوغان الحسني رأس نوبة النوب، والأمير سنقر الرومي، والأمير يلبغا الناصري حاجب الحجاب، والأمير خاير بك، والأمير ألطنبغا العثماني، والأمير شاهين الفرم رأس نوبة، وعدة من أمراء الطبلخاناه، وغيرهم.
وفيه نودي بالقاهرة أن تكون الفلوس باثني عشر درهماً الرطل، وكانت بستة دراهم الرطل، وقد بلغ المثقال الذهب إلى مائتين، والدينار المشخص إلى مائة وثمانين، فغلقت الأسواق، وتعطلت أسباب الناس، فنودي بذلك في يوم الجمعة، وهدد من خالف، فاشتد الأمر، وفقد الخبز وغيره من المأكل، فلم يقدر على شيء منها، فغضب السلطان، وهم أن يركب بنفسه بعد صلاة الجمعة، ويضع السيف في العامة، فما زال الأمراء به حتى كف عن الركوب. وبات الناس في كربة. وأصبحوا يوم السبت خامس عشرينه، فسأل الأمراء السلطان في أمر سعر الفلوس، وما زالوا به حتى رسم- بعد جهد- أن يكون الرطل بتسعة، فنودي بذلك في القاهرة، فسكن الحال قليلاً، وظهرت المآكل، ثم نودي في يوم الاثنين سابع عشرينه أن تكون الفلوس بستة دراهم الرطل، كما كانت، ففتحت الأسواق، وعاد الأمر كما كان أولاً. وكان لهذا الحادث سبب، وهو أن السلطان اشتري نعالاً للخيل، وسك حديداً لأجل السفر، فحسب ثمنها كل رطل باثني عشر، فقال: هذا غبن أن يكون الحديد الأسود باثني عشر درهماً الرطل، والنحاس المصفى المسكوك- وهو الفلوس- كل رطل بستة دراهم، ووجد عنده عشرة آلاف قفة من الفلوس، زنة كل قفة مائة رطل، عنها ستمائة درهم، قد حملت إلى القلعة لتنفق في المماليك عند السفر إلى الشام، فأراد أن يجعل الرطل الفلوس بخمسة عشر ليعطي القفة الفلوس التي حسبت عليه بستمائة في النفقة بألف وخمسمائة، وتخيل في ذلك ربحاً عظيماً إلى الغاية، وخشي ألا يتمشى له هذا، فرسم أن تكون الرطل باثني عشر درهماً، ثم وجع عنه إلى تسعة، ثم إلى ستة. وسبب رجوعه تنمر المماليك عليه، ليفطنهم بما أراده من الفائدة عليهم، وحدثوه غير مرة فلم يجد بداً من عود الأمر إلى حاله، خشية نفورهم عنه وقت حاجته إليهم.
وفي سابع عشرينه: رحل الأمر بكتمر من الريدانية بمن معه يريد الشام.
وفي يوم الخميس سلخه: عمل السلطان المولد النبوي ليلاً، بعمارته التي أنشأها في الحوش من قلعة الجبل، على عادته، وحضر القضاة، فجلسوا صفاً عن يساره، وجلس عن يمينه الشيخ إبراهيم بن زقاعة، والشيخ نصر الله الجلالي، ومشايخ العلم، ومدت الأسمطة، وفرقت الخلع.
شهر وبيع الأول، أوله الجمعة: وفي يوم الاثنين رابعه: ركب السلطان من قلعة الجلبل إلى الريدانية بعساكره، فنزل بمخيمه، وبات به، ثم عاد من الغد إلى التربة التي أنشأها على قبر أبيه، خارج باب النصر، في سفح الجبل، وقرر في مشيختها صدر الدين أحمد بن جمال الدين محمود العجمي، ورتب عنده أربعين صوفياً، وأجرى عليهم الخبز واللحم الضأن المطبوخ أنواعاً في كل يوم، مع المعاليم في كل شهر.
وفي سادسه: أخذ ما في الطواحين والمعاصر من الخيل والبغال، وسيرت إلى العسكر، فتضرر الناس بالقاهرة من ذلك.
وفيه تقرر الصلح بين الأمير شيخ والأمير نوروز، بعدما اشتد الأمر بحماة، وقلت العلوفات منها، حتى أخذت حصر الجامع، وقدمت للخيل، فأكلتها من الجوع. وحلف كل منهما لصاحبه بموافقته، وما ذاك عن حب ولا رغبة سوى الخوف من السلطان أن يظفر بأحدهما فيتطرق إلى أخذ الآخر. فلما تم صلحهما عزما على أخذ دمرداش نائب حلب، وابن أخيه قرقماش. فلما أحسا بذلك، فر دمرداش من حماة، ولحق بالعجل بن نعير، ثم سار إلى السلطان، فقدم عليه. وسار ابن أخيه إلى إنطاكية. وتوجه نوروز إلى حلب، فدخلها في عاشره، وتسلم قلعتها من بيتحار مملوك دمرداش، وفر الأمير مقبل الرومي، ولحق بالسلطان وهو على غزة، وعاد الأمير شيخ إلى دمشق، فقدمها في ثامن عشره، ومعه الأمير يشبك بن أزدمر، وسودن الجلب، وقد أفرج عنه وعن أصحابه من سجنهم بقلعة المرقب، وترك خامه على قبة يلبغا- خارج دمشق- وأشاع أنه يسير إلى غزة، ونزل بدار السعادة.
وأظهر بدمشق، ونوروز بحلب، الخروج عن طاعة السلطان، وأعلنا بذلك. وصارا يكتبان في كتبهما ومراسيمهما بدل الملكي الناصري ما مثاله الملك لله فظهر ما كان خافياً، وانكشف ما كان خافياً، وانكشف ما كان من سنين مستوراً.
وفي يوم السبت تاسعه: استقل السلطان بالمسير من الريدانية يريد الشام، ومعه من الأمراء الألوف تغري بردى الأتابك، وقنباي، وقجق العيساوي، وسودن الأسندمري، وسودن من عبد الرحمن، وسودن الأشقر، وكمشبغا المزوق، وبرد بك لخازندار، وعدة من أمراء الطبلخاناه، والعشرات، والمماليك، والخليفة، والقضاة، وأرباب الوظائف. وجعل نائب الغيبة الأمير أرغون، وأنزله بباب السلسلة، وجعل بقلعة الجبل الأمير كمشبغا الجمالي نائب القلعة، وجعل بظاهر القاهرة الأمير أينال الصصلاني الحاجب الثاني، وأنفق في هذه الحركة مالاً عظيماً، فأعطى كل مملوك عشرين ألف درهم من الفلوس، وأعطى الأمير تغري بردى والأمير بكتمر حلق ثلاثة آلاف دينار لكل منهما، ولكل من المقدمين ألفين ألفين، ولكل من أمراء الطبلخاناه خمسمائة دينار، ولمن دونهم ثلاثمائة دينار، ولمن دونهم مائتي دينار. وأعطى لقاضي القضاة مجد الدين سالم الحنبلي مائة دينار. ولم يعط غيره من القضاة.
وفي ليلة الاثنين خامس عشرينه: توجه الأمير شيخ من دمشق، وأوقع بالعربان، وأخذ لهم جمالاً وأغناماً كثيرة، فرقها في أصحابه، وعاد، فكثر عنده الإرجاف بمسير السلطان، فلم يثبت للقائه، وخرج من دمشق يوم الثلاثاء سادس عشرينه، ومعه العسكر، وتبعه جانم نائب حماة، فلم يشعر الناس بدمشق في يوم الأربعاء سابع عشرينه إلا والأمير بكتمر جلق قد قدم بعد الظهر على حين غفلة، فأدرك أعقاب الأمير شيخ، وأخذ منه جماعة.
وقدم السلطان بعد العشاء من ليلة الخميس ثامن عشرينه، وقد ركب من بحيرة طبرية عصر يوم الأربعاء على جرائد الخيل، ليكبس الأمير شيخ ففاته، لأن النذير عندما أتاه يوم الأربعاء ركب من وقته ونجا بنفسه، فما بلغ سطح المزة إلا وبكتمر جلق بدمشق، فمر على وجهه، وتبعه أصحابه، وفي يوم الخميس قدمت أثقال السلطان. وفيه نودي بدمشق الأمان والاطمئنان، ولا ينزل أحد من العسكر في منزل أحد، ولا يشوش أحد منهم على أحد في بيع ولا شراء. ونودي أن الأمير نوروز هو نائب الشام. وقدم الأخناي مع العسكر، وقد لقي السلطان بالطريق، فأعاده إلى قضاء دمشق.
وفي يوم الجمعة: صلى السلطان الجمعة بالجامع الأموي، وخطب به، وصلى شهاب الدين أحمد الباعوني. ثم عوض الباعوني عن خطابة الجامع الأموي بخطابة القدس، وأضيفت خطابة الجامع الأموي للأخناي.
وفي هذا الشهر: كان قرا يوسف بالقرب من أرزنكان، فبلغه مسير أحمد بن أويس إلى توريز، وأنه اتفق مع شاه رخ بن تمرلنك وأخويه إسكندر وخليل، فاعرض قرا يوسف عن محاربة قرا يلك، واستعد لحرب بن أويس وعزم على لقائه.
وفيه بلغ الأردب القمح بالقاهرة مائتين وخمسين درهماً، والشعير إلى مائة وخمسين، والفول إلى مائة وستين. فلما سافر السلطان نزل القمح إلى مائة وعشرين، والشعير إلى ستين درهماً، والفول إلى تسعين درهماً.
شهر ربيع الآخر أوله السبت: في ثانيه: قدم الأمير شاهين الزردكاش نائب صفد إلى دمشق. وفيه استقر الأمير نكباي حاجب الحجاب بدمشق، واستقر تغري برمش- الذي كان أستادار الأمير شيخ، وفر من بعلبك وسار إلى القاهرة- فولى شاد الدواوين. ثم توجه إلى عزة ليجهز الإقامات للسلطان، وقدم دمشق فشرع في أمسه يقرر الشعير على ضياع الغوطة والمرج، فزاد على ظلم من قبله، وبالغ. فلما أصبح، عزله السلطان وولاه نيابة غزة، ثم في آخر النهار طلب وأخذت منه الخلعة التي لبسها بكرة النهار، وقبض عليه، وصودا.
وفي ثالثه: استقر الأمير يشبك الموساوي في نيابة طرابلس على مال مبلغه مائة ألف دينار، ومضى إليها. واستقر زين الدين أو بكر بن اليغموري في نيابة بعلبك، وأخوه شعبان في نيابة القدس.
وفي خامسه: قدم إلى القاهرة عاقل الخازندار من قبل السلطان، وعلى يده كتبه بقدومه دمشق.
وفي يوم الجمعة سادسه: سارت أطلاب السلطان والأمراء وغيرهم من دمشق إلى برزة. وصلى السلطان الجمعة بجامع بني أمية، وتوجه بعساكره، فنزل في مخيمه على برزة، وعمل شاهين الزردكاش نائب صفد على دمشق نائب الغيبة، فتحول إلى دار السعادة، ونزل بها، وتأخر بدمشق الأمير قنباي المحمدي لضعف به، وتخلف بها أيضاً القضاة الأربع، والوزير سعد الدين إبراهيم بن البشيري لجمع مال السلطان، وعمل أشياء اقترح عملها، وتأخر مجد الدين بن الهيصم ناظر الخاص أيضاً. وسار السلطان في طلب الأمير شيخ والأمير نوروز ومن معهما، وقد قصدوا حلب.
وفي سابع عشره: قدم ابن أبي الرداد إلى دمشق ليبشر السلطان بوفاء النيل في خامس مسرى.
وفيه قبض بدمشق على موسى الملكاوي، وضرب ليحضر صدر الدين علي بن الآدمي كاتب سر دمشق، وقاضي الحنفية بها، فدل عليه، فلما أتاه الطلب فر.
وفي خامس عشره: سار السلطان من حلب، بعدما قدم عليه الأمير دمرداش نائب حلب يريد أعداءه، وقد ساروا إلى عينتاب، فلما أحسوا بمسيره، مضوا إلى مرعش، ثم إلى ككسوا حتى أتوا إلى قيسارية الروم.
فنزل السلطان بأبلستين وأقام عليها، وكتب إلى الأميرين شيخ ونوروز ومن معهما يخيرهم بين الخروج من مملكته وبين الوقوف لمحاربته، أو الرجوع إلى طاعته، وأنه قد عزم على الإقامة بأبلستين السنتين والثلاث، حتى ينال غرضه منهم. فأجابه الأمير شيخ يعتذر عن حضوره بما خامر قلبه من شدة الخوف عند القبض عليه في سنة عشر وثمانمائة، وأنه لا يحارب السلطان ما عالق، بعدما حلف له في نوبة صرخد. وكرر الاعتذار عن محاربته الأمير بكتمر جلق، وذكر أن الذين معه إنما هم مماليكه، اشتراهم بماله من نحو عشر سنين، ولا يمكنهم مفارقته، وأنه ما أخذ من أوقاف دمشق إلا ما خرب، وصار لا ينتفع به، ولا يقام فيه شعائر الإسلام، فكان يأكلها من لا ستحقها.
وأنه لم يفعل ذلك إلا من فقره وعدم قدرته، وأنه إن لم يسمح السلطان له بنيابة الشام كما كان، فلينعم عليه بنيابة أبلستين، وعلى الأمير نوروز بملطية، وعلى يشبك ابن أزدمر بعينتاب، وعلى غيرهم من الأمراء ببقية القلاع، فإنهم أحق من التركمان والأكراد المفسدين. فلم يرض السلطان منهم بذلك، وصمم على الإقامة، وكتب يستدعي التراكمين وغيرهم.
وفي هذا الشهر: مات نيق، القائم بمدينة الكرك، فقام بعده أخوه يشبك، واستولى على قلعتها.
وفيه وقعت فتنة بجبل نابلس، بين ابن عبد الساتر وابن عبد القاد، شيخي العشير، ففر ابن عبد القادر، وكثرت الفتن بتلك البلاد، حتى انقطعت الدروب فلم تسلك. وفيه بعث تنبك نائب قلعة الروم إلى الأمير نوروز عشرين فرساً تقدمة، فعين لأخذ قلعة الروم وقلعة البيرة سودن تلي المحمدي على أربعمائة فارس، فنزل تنبك إلى البيرة، فقاتله مبارك شاه نائبها، وظفر به، واعتقله بالقلعة، فكتب السلطان بمسير مبارك شاه مع نكباي، وقد ولاه قلعة الروم حتى يتسلمها فمضى به وأخذها.
وفيه وصل قوا يوسف إلى توريز وقد جمع أحمد بن أويس قدر ستين ألف فارس، فيهم ابن الشيخ إبراهيم بن الدربندي، وأمراء البلاد، فاقتتلا قتالاً عظيماً في يوم الجمعة ثامن عشرينه، فانكسرت عساكر ابن أويس، وقتل هو وولده سلطان علي، في ليلة الأحد آخره، وقتل أيضاً كثير من الأمراء، وأسر ابن الشيخ إبراهيم، وعدة من الأمراء، ونهبت أموالهم، وملك قرا يوسف بلاد توريز وغيرها، وقدم كتابه بهذا إلى السلطان، ويقال أن ابن أويس لما وقعت الكسرة اختفى في عين ماء، ودخل عليه بعض فرسان قرا يوسف ليقتله، فعرفه بنفسه، فأخذه، وأعلم قرا يوسف به، فأحضره إليه وبالغ في إكرامه، ووكل به أحد أمرائه، فلم يرض كثير ممن مع قرا يوسف بذلك، وما زالوا به حتى قتله خنقاً.
شهر جمادى الأولى، أوله الاثنين: في سابعه: قض على صدر الدين علي بن الآدمي، وسجن بقلعة دمشق.
وفي خامس عشرينه: قدم كتاب السلطان من أبلستين إلى دمشق، فلم يؤخذ من البساتين نصف ما كان يأخذه شيخ ونوروز. هذا وأهل القرى بأجمعهم يجبى منهم الشعير الذي وظف عليهم. ثم قرر عليهم شعير آخر ليزرع القصيل برسم رعي الخيول السلطانية.
وفي سلخه: قدم محمد التركماني من أبلستين إلى دمشق، وقد ولي نيابة الكرك. وولي علاء الدين علي الحلبي قاضي غزة خطابة القدس مع قضاء غزة، فنزل غزة قبل رحيل الناصر من القاهرة، واستقر عوضه شهاب الدين بن حجر فكان في مدة تسعة أشهر قد ولي خطابة القدس خمسة، أحدهم وليها مرتين.
وفي هذا الشهر: سار الأمير عثمان بن أمير طرعلي- المعروف بقرايلك- إلى طأة أرزنجان، وحرق قراها، وجلا رعيتها معه إلى بلاده.
وفيه اقتتل أمير سليمان بن خوندكار أبي يزيد بن مواد بن أورخان بن عثمان مع أخيه موسى جلبي وهزمه، ففر موسى إلى أفلاق، فحصره سليمان، وكان أخوهما كرشجي مقيماً ببرصا.
وفيه خامر على الأمير ناصر الدين محمد باك بن قرمان صهره ابن كريمان ولحق بكرشجي في عسكره. وفيه قدم على السلطان بأبلستين كثير من طوائف التركمان والعربان، ونواب القلاع، وأتته رسل ماردين، ورسل قرا يوسف، وقرا يلك، بتقادمهم. فلما ملت عساكره من طول الإقامة خشي تفرقهم عنه، ورحل من أبلستين وقد التزم له ابنا دلغادر- محمد وعلي- بأخذ أعدائه أو طردهم من البلاد. ومضى على الفرات إلى قلعة الروم، وقبض على نائبها تنبك، وقرر عوضه طوغان الطويل، وسار على البيرة إلى سودن الجلب، فقدمها.
شهر جمادى الآخرة، أوله الأربعاء: في رابعه: قدم الخبر من دمشق بأن سودن الجلب مارق الأميرين شيخا ونوروز، ومر على القريتين في نحو عشرة فرسان، يريد الكرك، فانزعج العسكر، وخرج الأمير نكباي في طلبه، فلم يدركه، ودخل الجلب إلى الكرك وملكها، وقدم الخبر بأن قرقماس ابن أخي دمرداش، وجانم، فارقا الجماعة أيضاً وقصدا حلب، فلما وصلا ملطية مضى جانم في طائفته من طريق، ومضى قرقماس من أخرى، فقدم قرقماس على السلطان بحلب، فأكرمه وأنعم عليه.
وفي هذا الشهر: سار حيدر- نائب قلعة المرقب- من طرابلس على عسكر ونزل عليها، وبها بدر الدين حسن بن محب الدين أستادار الأمير شيخ، وأولاد الكويز. وفيه سار تنكز نائب حصن الأكراد ومعه ابن أيمان بتركمانه لأخذها.
وقد نزل علي بن صوجي ببيوته وحواشيه وتركمانه على برج السلطان- قريباً من صهيون- لحصارها، وكان السلطان قد ولي نيابتها بلبان ليأخذها من كزل، أحد أصحاب الأمير شيخ.
وفيه وصل إلى ميناء يافا، أربع قطع، فيها نحو سبعمائة من الفرنج، فأسروا جماعة من المسلمين، وأخذوا مركباً فيه خام للسلطان قدم من مصر، وفيه قدم أيضاً إلى يافا، مركب فيه فرنج، معهم أخشاب، وعجل، وصناع، برسم عمارة بيت لحم، بالقدس، حيث مولد عيسى عليه السلام، وبيدهم مرسوم السلطان بتمكينهم من العمل، فدعوا الناس للعمل بالأجرة، فأتاهم عدة من القلعة والصناع، وشرعوا في إزاحة ما بطريقهم من الأوعار.
وكان سبب هذا أن موسى- صبي بطرك النصارى الملكانية- سأل السلطان لما قدم إلى القدس، بعد نوبة صرخد، في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، أن يمكن النصارى من إعادة عمارة مولد عيسى- بيت لحم- على ما كان عليه، فكتب له بذلك مرسوماً، فطار به كل مطار، وبعثه إلى بلاد الفرنج فاغتنموا الفرصة، وبعثوا هؤلاء، فبدءوا بتوسعة الدرب، الآخذ من ميناء روبيل إلى القدس، وقصدوا أن يصير سعته بحيث يمر فيه عشرة فرسان متواكبين، فأنه لم يكن يسع غير فارس واحد بمشقة، وأحضروا معهم دهناً إذا وضعوه على تلك الصخرة، سهل قطعها.
وفيه خلع السلطان على الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش- ويقال له سيدي الصغير- وولاه نيابة صفد، واستقر بالأمير جانم في نيابة طرابلس، واستقر بجركس الذي يقال له أبو تنم، حاجب الحجاب بدمشق، وعزل نكبية عنها، وأنعم عليه بإمرة في ديار مصر، وولي الأمير بكتمر جلق نيابة الشام، وأنعم بتقدمته على الأمير دمرداش نائب حلب.
شهر رجب، أوله الخميس: في خامسه: برز الأمير ألطنبغا العثماني، والأمير قنباي المحمدي من دمشق يريدان حلب، وقد أتاهما الطلب من السلطان. وفيه نودي بدمشق، ألا يتأخر بها أحد ممن قدم من ممالك السلطان من حلب.
وفي سادسه: وصل إلى دمشق، متسلم الأمير بكتمر جلق. وقدم أيضاً فيروز الخازندار، لإخراج من بدمشق من المماليك، ولأخذ مال، وسلاح، فأقام يومه وبات، ثم أصبح فركب العسكر، ووقفوا تحت القلعة، وعليهم آلة الحرب، فدقت كوسات القلعة حربياً، ورفع علم السلطان على باب الناصر، ونودي: من أطاع السلطان فليقف تحت الصنجق السلطاني، فسارع العسكر إليه، إلا قليلاً منهم، تحيزوا إلى الميدان، ودقوا طبلاً، وقبضوا على الأمير قنباي المحمدي، وعلى نكباي الحاجب، وساروا والطلب في أثرهم، فلم يقدر عليهم، وساروا إلى الكرك، وكبيرهم بردبك الخازندار، وكان قد بعثه السلطان، من حلب، فانحل عنه كثير ممن خرج معه، وبقي في نفر قليل، فأدخله سودن الجلب إلى الكرك، وسكن الشر بدمشق في يومه.
وفي تاسع عشره: قدم دمشق، الأمير تغري بردى بن أخي دمرداش، ويقال له سيدي الكبير، يريد صفد، وقد ولاه السلطان نيابتها، عوضاً عن شاهين الزردكاش، نائب الغيبة بدمشق، فلما قدم أخوه قرقماس إلى حلب طالعاً وولاه صفد، عوضه عنها بحلب، وأقر هذا على صفد.
وفي هذه الأيام: فرض على قرى دمشق وعلى بساتينها ذهباً يجبى من أهلها، سوى ما عليهم من الشعير، وفرض أيضاً على طواحين دمشق وحماماتها وحوانيتها مال جبى منهم.
وفي رابع عشرينه: وصلت خلعة سودن الجلب إلى دمشق، باستقراره في نيابة الكرك، وسارت إليه.
وفي ثامن عشرينه: توجه الأمير تغري بردى نائب صفد من دمشق إلى صفد.
وفيه أدير محمل الحاج بدمشق، فبينما الناس في التفرج عليه، إذ أتاهم خبر وصول السلطان من حلب، فماج الناس، وقدم السلطان بعد العصر في طائفة من خواصه، ونزل بدار السعادة. وسبب ذلك أن الخبر ورد عليه بأن شيخ ونوروز وصلا عينتاب، وسارا على البريد، فبعث عسكراً في طلبهما وركب من حلب على حين غفلة في ثالث عشرينه، وسار إلى دمشق في أربعة أيام، ثم قدم الأمير الكبير تغري بردى، ثم قدم الأمير بكتمر نائب الشام في تاسع عشرينه، ومعه الأمير دمرداش، والأمير جانم نائب طرابلس، فنزلوا منازلهم بدمشق.
وفي هذا الشهر: قدم محمد شاه بن قرا يوسف بغداد، وقد امتنع من بها من تسليمه، فحاصرها مدة عشرة أشهر، فكانت فيها أمور عجيبة، حاصلها أن قرا يوسف لما هزم ابن أويس وقتله، بلغ ذلك أهل بغداد، وكان عليها من قبل أحمد بن أويس مملوكه بخشايش، فلم يصدق ذلك، واستمر على الخطة له. فبعث قرا يوسف ابنه، فلما قارب بغداد بعث إلى الأعيان يعدهم ويرغب إليهم في تمكينهم من البلد، فأبوا عليه وقالوا لرسوله، إن ابن أويس لم يقتل وإنما هو حي، وأقاموا صبياً لم يبلغ الحلم، يقال له أويس، من أخي أحمد أويس وسلطنوه. فنزل بن قرا يوسف على بغداد، فقاتلوه من فوق الأسوار مدة أربعة أشهر، ثم قامت ببغداد ضجة عظيمة في الليل، قتل فيها بخشايش، وأصبح ملقى في بعض الشوارع. وأشيع أن الذي أمر بقتله أحمد بن أويس، وأنه في بعض الدور ببغداد، فصار يخرج من الدار- التي قيل أنه بها- أوامر على لسان رجلين، أحدهما يقال له المحب، والآخر يقال له ناصر الدين، وقام بعد بخشايش عبد الرحيم بن الملاح، وأعيدت الخطبة باسم أحمد بن أويس، وضربت السكة باسمه، وانقطع ذكر أويس الصبي، فسار محمد شاه بن قرا يوسف عن بغداد، وكتب إلى أبيه، يخبره بما وقع ببغداد، فخرج من بغداد عسكر نحو خمسمائة وكبسوا بعض أمراء ابن قرا يوسف، فقتل وأسر عده من أصحابه، وكان في جهة غير جهة ابن قرا يوسف، وزعموا أن هذا بأمر أحمد بن أويس، ثم قتل المحب وناصر الدين، وعبد الرحيم الملاح ببغداد، ونسبوا قتلهم أيضاً إلى أحمد بن أويس، فلما كان بعد إشاعة حياته بأربعين يوماً، أشيعت وفاته، وكان الذي أشاع وفاته، أم الصبي أويس، وذلك أنها استدعت الأعيان، وأعلمتهم أنها هي التي أمرت بما وقع من القتل، وإشاعة حياة أحمد بن أويس، وأنه ليس بحي، وما زالت بهم حتى أعادوا ابنها أويس إلى السلطنة، وعملوا عزاء أحمد بن أويس ببغداد. فلما بلغ ذلك ابن قرا يوسف عاد إلى بغداد وحاصرها، فأشيع أيضاً أن أحمد بن أويس حي لم يمت، فعوقب جماعة ممن ذكر هذا، ثم بعد أربعة أشهر من إظهار موت أحمد بن أويس وقعت ضجة عظيمة ببغداد على حين غفلة، وقيل ظهر أحمد بن أويس، فاجتمع الناس إلى دار، فخرج إليهم منها رجل في زي أحمد بن أويس على فرس، فقبلوا له الأرض، وتناقل الناس حياته. ثم سألوا ذلك الشخص أن يروه رؤية بتبين لهم فيها أكثر من المرة الأولى، فوعدوا بذلك في دار عينت لهم، فلما صاروا إليها خرج إليهم عند غروب الشمس شخص راكب على فرس في زي أحمد بن أويس، فصاح غوغاء العامة هذا السلطان أحمد، وتناقلوا ذلك، ثم أشاعوا أنه غير موجود، فكانت مدة إشاعة وجوده ثانيا خمسة عشر يوماً، وفي أثنائها خرج من بغداد نحو خمسمائة فارس إلى جهة البصرة بأمر أحمد بن أويس على زعمهم، ثم خرجت أم الصبي أويس به ومعها خواصها، وسارت من بغداد إلى ششتر.
فبعث أهل بغداد إلى ابن قرا يوسف يستدعونه، وقد رحل عندما أشيع ظهور أحمد ابن أويس مرة ثانية، فقدم ودخلها في أثناء سنة أربع عشرة وثمان مائة فكان خبر بغداد هذا من أغرب ما يحكي.
شهر شعبان، أوله الجمعة: فيه قدم الأمير قرقماس نائب حلب إلى دمشق، فأكرمه السلطان وأنعم عليه.
وفي ثالثه: قدم الأمير تمراز الناصري نائب السلطة في خمسين فارساً، وقد فارق الأمير شيخ، فركب السلطان وتلقاه، وبالغ في إكرامه، وأنعم عليه بما يليق به.
وفي ثامنه: توجه قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن البلقيني من دمشق إلى القاهرة، لتجهيز صرر المال المحمولة مع الحاج إلى مكة والمدينة على العادة، وتوجه مجد الدين بن الهيصم ناظر الخاص أيضاً.
وفي خامسه: قدم الخبر على السلطان بدخول الأمير شيخ قلعة صرخد. وفيه أفرج عن الصدر علي بن الآدمي، ثم قبض عليه من الغد، وأعيد إلى السجن.
وفي سابعه: سمر بدمشق ستة من أصحاب الأمير شيخ ووسطوا.
وفي ثاني عشرة: استقر نائب الغيبة بديار مصر، في حسبة القاهرة، بزين الدين محمد بن شمس الدين محمد الدميري، عوضاً عن شمس الدين محمد المناوي الملقب ببدنة والمعروف بالطويل بعد وفاته.
وفي خامس عشره: ورد الخبر على السلطان بوصول الأميرين شيخ ونوروز في نحو مائتين وخمسين فارساً إلى أرض البلقاء، وأنهم في قل وجهد، وليس معهم غلمان تخدمهم، وكان من خبرهم أن السلطان لما سار عن أبلستين قدم الجماعة من قيسارية إلى أبلستين، فمنعهم ابن دلغادر وقاتلهم، فانكسروا منه وفروا إلى عينتاب، وعندما قاربوا تل باشر تمزقوا، وأخذت كل طائفة تسلك جهة من الجهات، فلحق بحلب ودمشق منهم عدة وافرة، واختفى منهم جماعة، ومر شيخ ونوروز في خواصهما على البر إلى تدمر، فامتاروا منها، ومضوا مسرعين إلى صرخد، فلم يقر لهم قرار بها، فمضوا إلى البلقاء، ودخلوا بيت المقدس، وتوجهوا إلى غزة فأقاموا بها. فأخرج السلطان إليهم الأمير بكتمر نائب الشام على عسكر، فسار إلى زرع، وكتب يطلب نجدة، فخرج إليه من دمشق الأمير طوغان الدوادار على عسكر في خامس عشرينه.
وفي سادس عشره: وصل مجد الدين بن الهيصم ناظر الخاص إلى القاهرة، واشتد في طلب الأموال من المصادرات فلم يمهل، ومات في ليلة العشرين منه، فسر الناس بموته سروراً عظيماً.
وفي خامس عشرينه: كتب السلطان إلى أرغون كاشف الرملة بمنع الفرنج من عمارة بيت لحم، والقبض عليهم، وعلى من معهم من الصناع، وأخذ ما عندهم من السلاح والآلات والمال، والجمال التي استأجروها لنقل آلات، وحمل ما معهم من العجل والدهن الذي إذا وضع على الحجارة هان قطعها، فختم أرغون على مخازن ثلاثة من الفرنج، وقبض عليهم، وحملهم، ومعهم ما رسم به.
وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه: دخل الأميران شيخ ونوروز بمن معهما إلى غزة، وقد مات من أصحابهما الأمير تمربغا المشطوب نائب حلب، والأمير أينال المنقار، بطاعون في مدينة حسبان. وقدم عليهما بغزة الأمير سودن الجلب من الكرك، فتتبعوا ما بغزة من الخيول وأخذوها.
شهر رمضان، أوله الأحد: في ثانيه: وصل الأمير طوغان الدوادار والأمير قنبك رأس نوبة، والأمير ألطنبغا العثماني، والأمير أسنبغا الزردكاش، والأمير يشبك الموساوي الأفقم، والأمير سودن الظريف، والأمير تمراز الناصري نائب السلطنة- كان- في عدة من المماليك السلطانية إلى قاقون، وهناك الأمير بكتمر شلق نائب الشام وكثير من المماليك، فساروا جميعاً مجدين في السير إلى غزة، فقدموها عصر يوم الثلاثاء ثالثه، وقد رحل الأميران شيخ ونوروز ومن معهما بكرة النهار عندما قدم الأمير سودن بقجة وشاهين الدوادار من الرملة، وأخبرا بقدوم عسكر السلطان، فنهبوا غزة وأخذوا منها خيولاً كثيرة وغلالاً، فتبعهم الأمير خير بك نائب غزة إلى الزعقة، وكشافته في أثرهم إلى العريش، وعندما قدم العسكر إلى غزة بعث الأمير بكتمر بالأميرين شجاع الدين شاهين الزردكاش وسيف الدين أسنبغا الزردكاش إلى قلعة الجبل من على البرية ليخبر من بها بقدوم العسكر، فسارا وقدم الخبر من القاهرة وقلعة الجبل على الأمير بكتمر في كتاب الأمير سيف الدين أرغون نائب الغيبة بأنه قد حصن قلعة الجبل، والإصطبل السلطاني والحوش، ومدرسة السلطان حسن، ومدرسة الأشرف، وأنه ومن معه قد استعدوا للقاء شيخ ونوروز. فسار شاهين الزردكاش بمن معه من غزة عصر يوم الخميس خامسه يريد القاهرة.
وفيه ورد الخبر بموت جماعة من أصحاب الأميرين شيخ ونوروز، منهم تمربغا المشطوب نائب حلب وأينال المنقار، وألطنبغا بابا، وشاهين دوادار الأمير شيخ، وأن شاهين هذا مات بالعريش.
وفيه سقط الطائر من قطيا إلى قلعة الجبل، وقد سرحه الأمير فخر الدين عبد الغني ابن أبي الفرج- متولي قطيا وكاشف الوجه البحري- بخبر وصول الأميرين شيخ ونوروز إلى قطيا، وأن من معهما نهبها، وأنه تنحى إلى جهة الطينة، وأنهم ساروا من قطيا يريدون القاهرة. فأخذ الأمير أرغون ومن معه أهبتهم، وعزم الأمير كافور- زمام الآدر السلطانية- أن يسير بالأميرين فرج ومحمد ولدي السلطان مع الحريم السلطاني إلى ثغر الإسكندرية، حسب ما رسمه به، فلم يتمكن من ذلك لضيق الوقت، وقلة الأمن، وكثرة الفتن في البر والبحر، فلما كان يوم الأحد ثامنه، وصل الأمير شيخ، والأمير نوروز، والأمير يشبك بن أزدمر، والأمير بردبك، والأمير منباي، والأمير سودن بقجه، والأمير سودن المحمدي، ويشبك العثماني، وقمش، وقوزي، وأتباعهم، ومعهم جمع كثير من الزهور، وبني وائل من عرب الشرقية، وأمير سعيد كاشف الشرقية وهو معزول عنها، فبلغهم تحصين القلعة والمدرستين، وأن الأمير أرغون ومن معه من الأمراء قبضوا على أربعين مملوكاً من النوروزية الذين يمشون في الخدمة السلطانية، وسجنوهم بالبرج من قلعة الجبل، خوفاً من غدرهم، فسار الأمير شيخ بمن معه من ناحية المطرية إلى جهة بولاق، ومضوا على الميدان الكبير إلى الصليبة، وخرجوا إلى الرميلة تحت القلعة من سويقة منعم، فرماهم الممالك السلطانية بالمدافع والنشاب. وبرز لهم الأمير أينال الصصلاني الحاجب بمن معه، وقد وقف عند باب السلسلة، فتقنطر من القوم فارسان، وانهزموا، ثم عادوا ونزلوا في بيت الأمير نوروز، حيث كان سكنه بالرميلة، وفي بيت الأمير أينال حطب بجواره، وقد اجتمع معهم من الغوغاء خلائق، وأقام الأمير شيخ رجلاً في ولاية القاهرة فنادي بالأمان والاطمئنان، ووعدوا الناس بترخيص سعر الذهب، وسعر القمح، ورغبوهم بإزالة المظالم، فمال إليهم جمع من العامة، فأقاموا على ذلك يوم الحد، وملكوا مدرسة الأشرف تجاه الطبلخاناه. ثم أخذوا مدرسة السلطان حسن تجاه الإسطبل، وهزموا من كان فيهما من المقاتلة، وأقاموا بهما رماة من أصحابهم، ورموا على الإسطبل يومهم وليلتهم، ففر الأمير أرغون من بشبغا نائب الغيبة، والتجأ إلى باب السر، وسأل أن يكون مع الأمير جرباش والأمير كمشبغا الجمالي بداخل القلعة، فأدخلاه بمفرده، من غير أن يدخل معه أحد من مماليكه.
فلما كان ليلة الاثنين: كسوت خوخة أيدغمش- بجوار باب زويلة- وعبر طائفة من الشاميين إلى القاهرة، ومعهم طوائف من العامة، ففتحوا باب زويلة. وكان الأمير حسام الدين حسين الأحول والي القاهرة قد أغلقه، وجميع أبواب القاهرة، على ما جرت به العادة من ذلك في أوقات الفتنة.
ثم أنهم كسروا خزانة شمايل التي هي سجن أصحاب الجرائم، وأخرجوا من بها من المسجونين، وكسروا سجن حارة الديلم، وسجن رحبة باب العيد، وأفرجوا عمن بهما، وانتشروا في حارات القاهرة وظواهرها. ونهبوا بيت الأمير كمشبغا الجمالي، وتتبعوا الخيول البغال، فأخذوا منها شيئاً كثيراً. وفتحوا حاصل الديوان المفرد بين القصرين، وأخذوا منه مالاً، فداخل الناس خوف عظيم.
هذا وقد ملك الأمير شيخ باب السلسلة، واستولى على الإسطبل، وجلس في الحراقة، ومشى الأمير نوروز ومعه يشبك بن أزدمر، وبردبك، وقنباي المحمدي الخازندار، ويشبك العثماني، وقمش في بكرة يوم الثلاثاء إلى باب القلعة- وهو مغلوق- وطلبوا فتحه، فاعتل الأمراء عليهم بأن مفاتيحه عند الزمام، فاستدعوه، فأتاهم وكلمهم من وراء الباب، فسلموا عليه من عند الأمير شيخ، ومن عند أنفسهم، وسألوه الفتح لهم، فقال: ما يمكن، فإن حريم السلطان في القلعة، فقالوا ما لنا غرض في النهب، وإنما نريد أن نأخذ ابن أستاذنا، يعنون فرج بن السلطان الناصر فرج، فقال وإيش أصاب السلطان؟ قالوا: لو كان السلطان حياً ما كنا هنا، فلم يفتح لهم. فهددوه بإحراق الباب، فقال: إن كنتم إنما تريدون ابن أستاذكم فليحضر إلى باب السر منكم اثنان أو ثلاثة، وتحضر القضاة، واحلفوا أنكم لا تغدرون به، ولا تمسوه بسوء، وكان بلغهم- بالقلعة- قرب العسكر، فسرحوا الطائر باستعجالهم، وأنهم في الحصار، ومتى ما لم يدركوا أخذوا، فأخذ الزمام في مدافعة الجماعة، والتمويه عليهم، وتسويفهم رجاء أن يحضر العسكر، فبينما هو في ذلك، إذ لاحت بيارق العسكر لمن وقف يرقبهم من المماليك بأعلى موادن القلعة، وقد ارتفع العجاج، وأقبلوا سائقين خيولهم سوقاً عظيماً، جهد طاقتهم، فضجوا بالتكبير والتهليل، وأن السلطان وصل، فخارت قوى الجماعة، ولم يثبتوا للقائه، وركبوا من ساعتهم، ووقفوا قريباً من باب السلسلة وفيهم الأمير شيخ، فدهمهم العسكر، فولوا هاربين نحو باب القرافة، والعسكر في أثرهم، فكبى بالأمير شيخ جواده في باب القرافة، فبادر إليه أصحابه وأركبوه غيره، ومروا به على وجوههم، وقد نزل الأمير طوغان الدوادار بباب السلسلة من القلعة، فقبض العسكر من الشاميين جماعة، منهم قرا يشبك قريب الأمير نوروز، وبردبك رأس نوبة نوروز، وبرسباي الطقطائي أمير جاندار- كان- وثمانية وعشرون فارساً. وحضر سودن الحمصي فاعتقل الجميع بالبرج، وجرح يشبك بن أزدمر. وتبعهم العسكر إلى طموه. فقدم الخبر ليلة الأربعاء حادي عشره بنزول الأمير شيخ في طائفة بأطفيح، وأن شعبان بن محمد بن عيسى العائدي توجه بهم إلى نحو الطور، فنودي في يوم الأربعاء بالقاهرة ومصر بتحصيل من تسحب أو اختفى من الشاميين ثم قدم الخبر بوصولهم إلى السويس، فإنهم أخذوا ما هنالك للتجار علفاً، وزاداً، وجمالاً، وسار بهم شعبان بن عيسى في درب الحاج إلى نخل، فأخذوا عدة من جمال العربان، وأن شعبان أمدهم بالشعير والزاد، وأنهم افترقوا فرقتين، فرقة رأسها الأمير نوروز ومعه يشبك ابن أزدمر، وسودن بقجة، وفرقة رأسها الأمير شيخ، ومعه سودن تلي المحمدي، وسودن صقل، وجماعة. وأنهم لما وصلوا إلى الشوبك دفعهم أهله وصدوهم، فساروا إلى الكرك، فنزل إليهم الأمير سودن الجلب، وتلقاهم، وأدخلهم المدينة، وأنزلهم، فاستقروا بها، وتتبع الأمير حسام الدين والي القاهرة من كان انتمى إلى الشاميين، وأخذ منهم مالاً، حتى منعه الأمير طوغان من ذلك.
وفي يوم الخميس ثاني عشره: خلع الأمير أرغون نائب الغيبة على القاضي تاج الدين عبد الوهاب بن نصر الله، واستقر في نظر الكسوة ووكالة بيت المال، بعد موت شمس الدين الطويل، مضافاً لما بيده من نظر الأحباس وتوقيع الدست، وتوقيع نائب الغيبة، ونيابة القضاء، عن قاضي القضاة ناصر الدين محمد بن العديم الحنفي.
وفي خامس عشره: اشتدت مضرة الأمير بكتمر جلق بالناس، وألزم زين الدين محمد بن الدميري محتسب القاهرة بألفي دينار، ثمن قمح يبيعه له على الناس، وطلب من جماعة من تجار الشام مالاً، وأخذ من الأمير منكلي الأستادار ألف دينار.
وفي سادس عشره: سار الأمير بكتمر من القاهرة بالعسكر يريد دمشق، وتأخر الأمير طوغان الدوادار ويشبك الموساوي، وأسنبغا الزردكاش، وشاهين الزردكاش.
وفي ثاني عشرينه: وصل الأمير بكتمر إلى غزة بمن معه، فبث قصاده في كشف أخبار الأميرين شيخ ونوروز. وأما دمشق فإن شهر رمضان افتتح بمصادرة الناس، فأخذ من الخانات والحمامات والطواحين والحوانيت والبساتين أجرتها من ثلاثة أشهر، سوى ما أخذ قبل ذلك، وطلب جماعة من الناس اتهموا بأن عندهم ودائع للشيخية، وعوقبوا وكبست عدة دور. وقدم في عاشره ولد الجلال التباني شمس الدين محمد، وشرف الدين يعقوب، ومحب الدين محمد بن الشحنة الحلبي، وشهاب الدين بن سفري إمام نوروز في الحديد إلى دمشق، وقد قبض عليهم من حلب، فسجنوا بقلعة دمشق، وأرجف بقتلهم.
وفي حادي عشره: أعيد شهاب الدين أحمد بن الكشك إلى قضاء الحنفية بدمشق، وكان منصب قضاء الحنفية شاغراً من حين قدم السلطان. وفيه قدم الأمير تغري بردى نائب صفد إلى دمشق، فأكرمه السلطان، وأنعم عليه.
وفي ثاني عشرينه: قدم الأمير جانم نائب طرابلس إلى دمشق، فأكرمه السلطان، وأنعم عليه، وكان قد بعث يستدعيهما. وفيه ألزم مباشرو مدارس دمشق بألف دينار، وكلف القضاة يجمعها. وفيه استقر نجم الدين عمر بن حجي قاضي دمشق في قضاء طرابلس، وقدم نائب حماة أيضاً.
وقد كان في يوم الثلاثاء سابع عشره: خرجت أطلاب الأمراء تريد أخذ الأميرين شيخ ونوروز، وهم الأمير الكبير تغري بردى، والأمير دمرداش نائب حلب، وتغري بردى نائب صفد، وجانم نائب طرابلس، والأمير يلبغا الناصري، في طائفة من المماليك السلطانية، فقدم الخبر بدخول الجماعة إلى القاهرة، وخروجهم منها، متوجه في تاسع عشره أقبغا دوادار الأمير يشبك- وهو من جملة أمراء العشرات- إلى القاهرة، ومعه التشاريف إلى أمراء مصر، وأمراء العسكر، لشكرهم، والثناء عليهم. هذا وقد وشي إلى السلطان بأن الأمير طوغان الدوادار، والأمير بكتمر جلق قصراً في أمر أعداء السلطان، وأنه لم يكن بينهم وبين الأعداء في مدة السفر إلا نحو بريد واحد، ولو أرادا لأخذا الأعداء، فأسر السلطان ذلك في نفسه، وحقده عليهما، ولم يسعه إلا مجاملتهما، والإغضاء عن هذا.
وفي تاسع عشرينه: قدم الأمير قرقماس نائب حلب إلى دمشق باستدعاء، فأكرمه السلطان، وأنعم عليه. وأما حلب فإن قرقماس هذا كان قد سار منها لمحاربة أولاد ابن بيشان في حادي عشره، وكتب إلى أولاد ابن كبك وإلى كردي بن كندر بملاقاته، فمضى عن حلب يوماً وليلة، وأوقع ببيوت أولاد ابن بيشان فيما بين مرعش وكينوك، فقاتلوه قتالاً شديداً، قتل فيه منهم نحو مائتي رجل، وانكسر من بقي، فأتاه أولاد بن كبك في أخو القتال بنحو مائتي فارس، فرمى أيدغمش بن كبك بسهم في صدره خرج من قفاه فمات، وجرح أخوه حسين بن كبك في وجهه. ثم سار نائب حلب إلى عينتاب، وقبض على حسين ابن كبك وأعيان أصحابه، وقيدهم، وبعثهم إلى حلب، ومشي على بيوتهم وساق أعيانهم، ورجع، فلما وصل حسين بن كبك قريباً من أعزاز، أدركه تركمانه، واستنقذوه- ومن أسر معه- ومضوا بهم، فلم يقدر عليهم، وقدم قرقماس إلى حلب، وجهز مما أخذه من الأغنام أربعة آلاف رأس إلى مطابخ السلطان وسار من حلب، في تاسع عشره يريد دمشق، فقدمها ومعه صغير، له من العمر نحو خمس سنين، اسمه حسن ابن السلطان أحمد بن أويس فرت به مرضعته من بغداد. وقدم أيضاً اسفنديار قاصد قرايلك.
وورد الخبر بأن الأمير سلمان بن عثمان حصر أخاه جلبي ببلاد أفلاق، وأن أخاه محمد كرشجي ولى ابنه مراد البلاد الرومية، وأن ابن قرمان حاصر بلاد ابن كريمان وأحرقها، وأن دلغادر منع من الزرع بأبلستين.
شهر شوال، أوله الاثنين: فيه دقت البشائر بقلعة دمشق لأخذ قلعة صرخد.
وفي حادي عشره: قبض على الأمير جانبك القرمي، فضربه السلطان ضرباً مبرحاً، وسجنه بقلعة دمشق.
وفي خامس عشره: خرج محمل الحاج من دمشق صحبة الأمير تنكز بلغا الحططي.
وفي سابع عشره: توجه الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش من دمشق عائداً إلى نيابة حلب على عادته، وتوجه قاضي القضاة شمس الدين محمد الأخناي، وتاج الدين رزق الله ناظر الجيش، وغرس الدين خليل الأشقتمري الأستادار من دمشق، لتجهيز الإقامات من بلاد عجلون، برسم سفر السلطان إلى الكرك، وفي عشرينه أخرج بالمماليك المقبوض عليهم من سجنهم بقلعة دمشق، وسيقوا في الحديد إلى مصر وهم بأسوأ حال.
وفي رابع عشرينه: قدم شمس الدين محمد بن شعبان من دمشق إلى القاهرة، وعلى يده توقيع باستقراره في حسبة القاهرة على عادته، عوضاً عن زين الدين محمد بن الدميري، وكان قد توجه إلى دمشق، وسعى حتى خلع عليه بها، وكتب توقيعه ومال إلى الأمير أرغون نائب الغيبة بتمكينه من مباشرة الحسبة، فأمضى الأمير أرغون ذلك، وخلع عليه في غده، وعزل أبن الدميري، وكل ذلك بمال وعد به.
شهر ذي القعدة، أوله الأربعاء: في ثانيه: قدم الأمير الكبير دمرداش بمن معه من العسكر إلى بلد الخليل عليه السلام، فأقام به، وبث القصا، ذلك من أخبار أهل الكرك.
وفي سابعه: وصل إلى القاهرة من دمشق الأمير تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم الأستادار، والوزير الصاحب سعد الدين إبراهيم بن البشيري، لتحصيل الأموال، فأسعر ابن الهيصم البلد ناراً، وطلب جماعة قد ورثوا من مات لهم في مدة غيبة السلطان، ما بين أولاد ذكور وإناث وزوجات، وإخوة وأخوات ونحو ذلك، وألزمهم برد ما أخذوا من الإرث الشرعي، فمنهم من أخذ ما ورثه، ومنهم من صالحه ببعض شيء من إرثه، فشنعت القالة بأنهم قد أبطلوا أحكام الله- سبحانه- في المواريث.
وفي عاشره: دخل الأمير جانم إلى طرابلس.
وفي رابع عشره: نودي بدمشق بالعسكر أن يلبسوا سلاحهم، ويقفوا بأجمعهم عند باب النصر في يوم الجمعة. وفيه تتبعت الحمير بدمشق، وأخذت من البساتين وسائر المواضع، لتحمل عليها الأمتعة للسفر، فنزل بالناس من هذا ضرر كبير.
وفي ليلة الأربعاء خامس عشره: خسف جرم القمر كله.
وفي يوم الأربعاء هذا: ركب السلطان من دار السعادة إلى الغوطة، فكبس عقرباء ونهبها، على أن الأمير شيخ قد اختفى بها، فلم يوجد، وتبين كذب ما قيل، وحل بأهل الناحية بلاء عظيم.
وفي يوم الجمعة سابع عشره: خرج السلطان من دمشق ونزل بقبة يلبغا، وتبعه من بقي معه من العسكر، فبات بمخيمه، واستقل بالمسير من الغد يريد الكرك، وعاد الأمير بكتمر جلق نائب الشام وعليه تشريف جليل، فنزل بدار السعادة على العادة.
وفي سادس عشرينه: ورد الخبر بأن الأمير شيخ نزل من قلعة الكرك، وعبر الحمام بالمدينة ومعه الأمير قنباي المحمدي، والأمير سودن بقجة، وطائفة يسيرة، فبادر شهاب الدين أحمد بن أبي العباس حاجب الكرك إليه، ومعه جمع كبير من أهل البلد، واقتحموا الحمام ليقتلوه، فسبقهم بعض المماليك وأعله بهم، فنهض ولبس ثيابه، ووقف في مسلخ الحمام عند الباب، ومعه أصحابه، فدفع عن نفسه، وقاتل القوم حتى أدركه الأمير نوروز ومعه بقية عسكره، وهزموهم، فأصاب الأمير شيخ بهم غار في بدنه، وخرج منه دم كثير كاد يأتي على نفسه، وحمل إلى قلعة الكرك فأقام ثلاثة أيام لا يعقل وهو في غيبة عن حسه. وقتل في وقعة الحمام الأمير سودن بقجة، وحمل الأمير نوروز على حاجب الكرك. وقتل ممن معه جماعة.
وفي سلخه: ألزم بكتمر نائب الشام قضاة دمشق بحمل عشرة قراقل وألزم تجارها بعشرة أخرى.
وفي هذا الشهر: كثرت الفتن بين التركمان، وخربوا قرى كثيرة ببلاد حلب. وفيه قدم رسل ابن عثمان متملك الروم إلى حلب. وفيه خالف أقبغا شيطان- أحد أصحاب الأمير شيخ- عليه، وسار من قلعة المرقب في عشرين رجلاً، وقدم حلب، منتمياً إلى طاعة السلطان، وفيه تنكر سودن الجلب عن الأمراء النازلين عنده بالكرك، وسار عنهم حتى عدى الفرات، فبعث معه يغمور من يوصله إلى ماردين، فلما نزل بها أقام ثلاثاً، وعزم على المضي إلى قرا يوسف، فأتاه الخبر بأن أيدكي بك ملك الترك، والشيخ إبراهيم الدربندي، وشاه رخ ابن تيمورلنك ملك جقطاي، قد اجتمعوا على محاربة قرا يوسف، فتحير في أمره.
وفي يوم الجمعة رابع عشرينه: نزل السلطان على مدينة الكرك، وحصرها.
شهر ذي الحجة، أوله الخميس: وفي خامسه: ورد مرسوم السلطان إلى دمشق بطلب نواب الشام.
وفي سابعه: وصل حريم السلطان من دمشق إلى قلعة الجبل، صحبة الأمير كزل العجمي، ووصل معه قضاة القضاة الثلاث بديار مصر، وجماعة كثيرة ممن كان بدمشق مع العسكر، وقدم مرسوم السلطان بإعادة زين الدين محمد بن الدميري إلى حسبة القاهرة، فخلع عليه في حادي عشره، وعزل ابن شعبان.
وفي ثالث عشره: قدم رسول محمد شاه بن قرا يوسف صاحب بغداد.
وفي تاسع عشره: خرج الأمير بكتمر جلق نائب الشام من دمشق، ونزل قبة يلبغا، فقدم عليه الخبر بأن الأميرين تغري بردى وتمراز الناصري دخلا بين السلطان وبين الأميرين شيخ ونوروز في الصلح، وصعدا إليهما بقلعة الكرك ونزلا ومعهما الأمير سودن تلي المحمدي، ويشبك العثماني، وقرروا مع السلطان نزول الأمير شيخ والأمير نوروز إلى خدمته غداً، وأنهما نزلا إليه من الكرك، فخلع عليهما وعلى جماعة ممن معهما بضع عشرة خلعة، فسار الأمير بكتمر من قبة يلبغا ليلة الخميس ثاني عشرينه يريد الكرك، فقدم الخبر بانتقاض الصلح بين السلطان وبين الأميرن شيخ ونوروز، ثم ترددت الرسل بينهما وبين السلطان، حتى انعقد الصلح على أن يستقر الأمير الكبير تغري بردى في نيابة الشام، عوضاً عن الأمير بكتمر، ويستقر الأمير شيخ في نيابة حلب، عوضاً عن الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش، وتستمر قلعة المرقب بيده، ويستقر الأمير نوروز في نيابة طرابلس، عوضاً عن الأمير جانم، ويستقر جانم أمير مائة مقدم ألف بديار مصر، ويكون أمير مجلس، ويستقر الأمير تغري بردى ابن أخي دمرداش في نيابة حماة على عادته، وينقل سودن من عبد الرحمن من صفد إلى إمرة مائة تقدمة ألف بديار مصر، وأن يكون الأمير يشبك بن أزدمر أتابك على العسكر بدمشق، ويكون الأمير قنباي المحمدي أميراً بحلب، وشرط السلطان على الأميرين شيخ ونوروز ألا يخرجا إمرة ولا إقطاعاً ولا غير ذلك إلا بمرسوم سلطاني، وألا ينفرد أحد منهما بأمر يتعلق بالسلطة، وأن يسلما قلعة الكرك ومدينتها للسلطان، ويسلم الأمير شيخ قلعة صرخد وقلعة صهيون للسلطان، وحلف الجميع للسلطان على الوفاء له بما ذكر، والإقامة على طاعته.
وحلف لهم السلطان أيضاً، وخلع عليهم خلعاً جليلة، ومد لهم سماطاً، أكلوا معه عليه.
ثم رحل السلطان عن الكرك يريد القدس بمن معه، وتوجه الأمير تغري بردى نائب الشام إلى جهة دمشق، فأقام السلطان بالقدس خمسة أيام، وسار يريد القاهرة، فقدم دوادار الأمير تغري بردى إلى دمشق متسلماً لها في ثامن عشرينه، ونزل بدار السعادة، فكانت مدة الأمير بكتمر جلق بدمشق بعد رحيل السلطان منها إلى الكرك سبعة وثلاثين يوماً، وكانت مدته في النيابة الأولى عشرين يوماً.
وفي هذا الشهر ذي الحجة: فشا الطاعون بدمشق وضواحيها. وكان في أول هذا العام وباء ببلاد فلسطين وحوران وعجلون ونابلس وطرابلس، فمات خلق كثير جداً، وانحلت الأسعار بديار مصر في آخر هذه السنة، فأبيع الأردب القمح بمائة وثلاثين فما دونها، والأردب الشعير بثمانين درهما فما دونها، والأردب الفول بمائة فما دونها.
هذا والدينار الأفرنتي بمائتي درهم من الفلوس، والمثقال الهرجة بمائتي درهم وعشرين درهما، والدينار الناصري- وهو على وزن الأفرنتي- بمائتي درهم الدينار، وبطل الدينار السالمي الذي ضربه الأمير يلبغا السالمي في أيام ولايته، وكان يتعامل به عدداً به، فمنه ما زنته مثقال، ومنه ما زنته نصف مثقال وربع مثقال، وعليه سكة أهل الإسلام، فاستحسنه الناس، وراج بينهم، فأراد السلطان أن يكون له اسم في ذلك، فجدد ضرب الدينار الناصري على وزن الأفرنتي، وأكثر من ضربه، فراج كرواج الأفرنتي، وقل السالمي في أيدي الناس، لكن دخل الغش في الناصري والأفرنتي، فصار ما ذكرنا بأيدي الناس من الذهب، شيء يقال له خارج الدار، وهو يعمل بغير دار الضرب افتئاتا على السلطان، وينقص سعره قليلاً، وشيء يقال له التركي، وهو دينار من بلاد الفرنج، وسعره أقل من سعر الأفرنتي، ودينار آخر يقال له المغربي، يجلب من بلاد المغرب، عليه سكة أهل الإسلام، ودينار من ضرب الإسكندرية، وأما الفلوس، فإنها النقد الرائج بديار مصر كلها، حاضرتها وريفها، إليها حسب أثمان المبيعات كلها، وقيم الأعمال بأجمعها، ويتعامل بها كما قرره السالمي وزناً، على أن كل رطل مصري منها بستة دراهم، وبلغت الفضة النقرة التي لم تغش بثلاثة عشر درهماً من الفلوس، زنة كل درهم منها، وقلت الفضة الكاملية، فلم تكد توجد.
وحج بالناس من مصر في هذه السنة الأمير الطواشي فارس الدين شاهين الحسني. وأخذت في هذه السنة مدينة أشقيرة من بلاد الأندلس، وذلك أن الطاغية صاحب قشتالة لما أوقع بالمسلمين في الزقاق، كثرت غاراته في بلاد المسلمين بالأندلس، وكثرت غاراتهم أيضاً على بلاد قشتالة، وكان ألفنت قد قام بأمر أخيه دون، وكان عارفاً بالحروب والمكايد، شجاعاً، درياً، شديد البأس، فجمع لحرب المسلمين، ونزل على أنتقيرة- تجاه مالقة- أول ذي الحجة، فلم يستنجد أبو الحجاج يوسف بن يوسف بن محمد بن إسماعيل بن نصر بن الأحمر- صاحب غرناطة- عساكر فاس كما هي العادة، بل رأى أن في عسكره كفاية، وجهز أخويه محمد وعلياً على عسكر الأندلس، وقد جمع أهل القرى بأسرها، وخرجوا من غرناطة في ثامن عشر ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، ونزلوا على حصن أرشذونة- وهو على ستة أميال من أنتقيرة- حتى تكاملت الجموع في ثامن عشرينه، ثم ساروا في ليلة التاسع والعشرين وعسكروا تجاه العدو، بسفح جبل المدرج، فما استقرت، وقد أعجبتهم أنفسهم بهم الدار حتى زحف العدو لحربهم، فثاروا لقتاله، وقد أعجبتهم أنفسهم، واغتروا بكثرتهم، وتباهوا بزينتهم، ولم يراقبوا الله في أمرهم، فما أحد إلا ومعه نوع من المعاصي كالخمر والأحداث، حتى لقد أخبرني من شهد الوقيعة انه سمع عالم الأندلس- أبا يحيى بن عاصم- يقول: ما أظن إلا أنا مخذولون. فلما اشتد القتال في الليل، انهزم العدو بعد ما قتل من المسلمين عشرة فرسان، ولما كان أول يوم من محرم سنة ثلاث عشرة، نادى أخو السلطان في العسكر بالنقة، وكانت نفقة السفر قد أخرت عن وقتها، لئلا يأخذها العسكر ولا يشهدوا الحرب، وجعلت عند حضور الجهاد، فهم في أخذ النفقة، وإذا بالعدو وقد أقبل عند طلوع الشمس، فخرجت المطوعة وقاتلتهم، وأقام العسكر بأجمعهم لأخذ النفقة، وعلم العدو بذلك فرجعوا كأنهم منهزمين، والمطوعة تتبعهم. وتنادي في العسكر: يا أكالين الحرام العامة هزمت النصارى، وأنتم في خيامكم جلوس.
فلما وصل العدو إلى معسكرهم، وقفوا للحرب، وقد اجتمع جميع رجالة المسلمين طمعاً في الغنيمة، فإذا العدو وقد خندق على معسكره ورتب عليه الرماة، فسقط في أيديهم، ووقفوا إلى الظهر في حيرة، فخرج أمراء الطاغية عند ذلك من جوانب الخندق، وحملوا على المسلمين، فقتلوا من قاتلهم، وأسروا من ألقى منهم سلاحه، حتى وصلوا مخيم المسلمين، فركب طائفة من بني مرين وبني عبد الواد، وقاتلوا على أطراف خيمهم قليلاً، وانهزموا هم وجميع أهل الأندلس، بحيث خرج أخوا السلطان بمن معهما مشاة إلى الجبل على أقدامهم، فأحاط العدو بجميع ما كان معهم، وأكثروا من القتل فيهم.
وكانت عدة من قتل من المعروفين من أهل غرناطة خاصة مائة ألف إنسان، سوى من لم يعرف، وسوى أهل أقطار الأندلس، بحرها وبرها، سهلها وجبلها، فإنهم عالم لا يحصيه إلا الله تعالى. واستشهد أبو يحيى بن عاصم في عدة من الفقهاء. وأقام النصارى ثلاثة أيام يتتبعون المسلمين، فيقتلون ويأسرون.
وبعث الطاغية إلى أعماله يخبرهم بنصرته. فلما بلغ ذلك أهل أبده وسبته، وأهل حيان، خرجوا إلى وادي أش- وهو بيد المسلمين- ولزلوا قريباً من حصن أرتنة، فاستغاث أهل الحصن بأهل غرناطة، فأمدوهم بعسكر، فصار النصارى إلى حصن مشافر، وقاتلوا أهله حتى أخذوا الربض، وشرعوا في تعليق الحصن. وإذا بعسكر غرناطة قد جاءهم في سابع المحرم، فأوقعوا بهم وقيعة شنعاء، أفنوهم فيها، وأسروا منهم زيادة على ألف وخمسمائة، وعادوا إلى غرناطة بهم، فدخلوا في تاسعه، وبلغ ذلك الطاغية- وهو على حصار أنتقيرة- فكف أصحابه عن الدخول بعدها إلى بلاد المسلمين، وأقام على الحصار ستة أشهر حتى ضعفت أحوال المسلمين بأنتقيرة، ورفعوا كرائم أموالهم إلى حصنها، وتعلقوا به، فملك الطاغية المدينة بما فيها من الأزواد والأمتعة. ووقع مع هذا في المسلمين الوخم، فمات منهم جماعة كثيرة، فاضطرهم الحال إلى طلب الأمان ليلحقوا ببلاد المسلمين بأموالهم فأمنهم ألفنت على أن يخرجوا بما يطيقون حمله، فخرجوا بأجمعهم إلى معسكره، فوفي لهم، حتى أن بعض البطارقة من أكابر أمرائه أخذ بنتا جميلة، وخلا بها يومه كله، ثم خلى سبيلها. فوقفت بها أمها، وشكت ما نزل بها، فقال لها: أتعرفيه قالت: إذا رأيته عرفته فنادى بحضور جميع من معه، فأتوا بأسرهم، ووقفوا صفوفاً، فقال للمرأة: سيري فيهم حتى تعرفي غريمك. فما زالت تتصفح وجوههم إلى أن رأت خصمها، فقادته إليه، فشنقه لوقته. وجهز جميع المسلمين، وبعث من أوصلهم إلى غرناطة، فلم يفقد أحد منهم، ولا شراك نعل وأقام بأنتقيرة من يثق به، وعاد عنها قافلاً إلى بلاده في أوائل جمادى الآخرة، فكانت هذه الحادثة من أشنع ما أصاب المسلمين بالأندلس، ولا قوة إلا بالله.

.ومات في هذه السنة ممن له ذكر:

قجاجق دوادار السلطان، في سادس المحرم، وكان أشبه بالنساء منه بالرجال، فشهد السلطان دفنه، بعدما صلى عليه.
وتوفي كريم الدين محمد بن محمد بن نعمان بن هبة الله الهوى، محتسب القاهرة، في حادي عشر شعبان، وكان من فضائح الزمان.
وتوفي مجد الدين عبد الغني بن الهيصم ناظر الخاص، في ليلة الأربعاء عشرين شعبان. وكان من ظلمة الأقباط.
وتوفي قاضي القضاة تقي الدين عبد الرحمن بن تاج الرياسة محمد بن عبد الناصر المحلي الزبيري الشافعي، في يوم الأحد أول شهر رمضان. ومولده سنة أربع وثلاثين وسبعمائة وولي قضاء القضاة- كما تقدم- نحو ثلاثين شهراً، حسنت فيها سيرته ثم عزل، فلزم بيته نحو ثلاث عشرة سنة، حج فيها مرتين، وجاور بمكة سنة. وأول من حكم عنه قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن جماعة.
وتوفي شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الملك الدميري المالكي، يوم الاثنين تاسع شهر رمضان، وولي حسبة القاهرة في الأيام الأشرفية شعبان، وبعده غير مرة. وولي نظر الأحباس، ونظر المارستان، وقضاء العسكر على مذهب مالك. وكان عارياً من العلم.
وتوفي الشيخ شمس الدين محمد بن علي القطان الشافعي، في أول شهر شوال وكان من أعيان الفقهاء النحاة القراء.
وتوفي شمس الدين محمد بن عبد الخالق المناوي المعروف ببدنه، ويعرف بالطويل أيضاً، في رجب، وولي حسبة القاهرة، ووكالة بيت المال، ونظر الكسوة، ونظر الأوقاف. وكان غاية في الجهل.
وتوفي الأمير قراجا دوادار السلطان، في منزلة الصالحية، وهو صحبة السلطان يريد الشام، يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الآخر، ودفن بها.
وتوفي الأمير قرا تنبك الحاجب، أحد أمراء الطبلخاناه بالقاهرة، في أول شوال.
وتوفي القان أحمد بن شيخ حسن بن شيخ حسين بن أقبغا بن أيلكان، صاحب بغداد، مقتولاً في ليلة الأحد آخر شهر ربيع الآخر، وكان جلوسه سلطاناً في صفر سنة أربع وثمانين وسبعمائة وقتل الأمير سلمان بن بايزيد بن عثمان، وملك أخوه موسى الجزيرة الرومية وأعمالها. وملك محمد بن عثمان القرية الخضراء وأعمالها، وهي يقال لها برصا بالرومية.