فصل: سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة:

أهلت والناس في أمر مريج لغيبة السلطان بالكرك، وعند الأمراء تشوش كبير، لما بلغهم من مصاب قطلوبغا الفخري. وصار الأمير أقسنقر نائب الغيبة في تخوف، فإنه بلغه أن جماعة من مماليك الأمراء الذين قبض عليهم قد باطنوا بعض الأمراء على الركوب عليه، فترك الركوب للموكب أياماً حتى اجتمعوا عنده، وحلفوا له. ثم اتفق رأيهم على أن كتبوا للسلطان كتاباً في خامس المحرم، بأن الأمور ضائعة لغيبة السلطان، وقد نافق عربان الصعيد، وطمع الناس، وفسدت الأحوال كلها، وسألوه الحضور. وبعثوا به الأمير طقتمر الصلاحي، فعاد جوابه في حادي عشره: بأنني قاعد في موضع أشتهي، وأي وقت أردت أحضر إليكم. وذكر طقتمر أن السلطان لم يمكنه من الاجتماع به، وأنه بعث من أخذ منه الكتاب، ثم أرسل إليه الجواب.
وفيه قدم الخبر بأن السلطان قتل الأمير طشتمر حمص أخضر والأمير قطلوبغا الفخري، وذلك أنه قصد أن يقتلهما بالجوع، فأقام يومين بلياليهما لا يطعمان طعاماً. فكسرا قيدهما، وقد ركب السلطان للصيد، وخلعا باب السجن ليلاً، وخرجا إلى الحارس وأخذ سيفه وهو نائم، فأحس بهما وقام يصيح حتى لحقه أصحابه، فأخذوهما. وبعثوا إلى السلطان بخبرهما، فقدم في زي العربان، ووقف على الخندق وبيده حربة، وأحضرهما وقد كثرت بهما الجراحات. فأمر السلطان يوسف بن البصارة ورفيقه بضرب أعناقهما، وأخذ يسبهما ويلعنهما، فردا عليه رداً قبيحاً، وضرب رقابهما، فاشتد قلق الأمراء.
وفيه قدم كتاب السلطان إلى الأمراء يطيب خواطرهم، ويعرفهم أن مصر والشام والكرك له، وأنه حيث شاء أقام، ورسم أن تجهز له الأغنام من بلاد الصعيد، وأكد في ذلك، وأوصى آقسنقر بأن يكون متفقاً مع الأمراء على ما يكون من المصالح.
فتنكرت قلوب الأمراء ونفرت خواطرهم، واتفقوا على خلع السلطان وإقامة أخيه إسماعيل، في يوم الأربعاء حادي عشريه، فكانت مدة ولايته ثلاثة أشهر وثلاثة عشر يوماً، منها مدة إقامته بالكرك ومراسيمه نافذة بمصر أحد وخمسون، وإقامته بمصر مدة شهرين وأيام.
وكانت سيرته سيئة، نقم الأمراء عليه فيها أموراً، منها أن رسله التي كانت ترد من قبله إلى الأمراء برسائله وأسراره أوباش أهل الكرك، فلما قدموا معه إلى مصر أكثروا من أخذ البراطيل وولاية المناصب غير أهلها، ومنها تحكمهم على الوزير وغيره، وحجبهم السلطان حتى عن الأمراء والمماليك وأرباب الدولة، فلا يمكن أحداً من رؤيته سوى يومي الخميس والإثنين نحو ساعة. ومع ذلك فإنه جمع الأغنام التي كانت لأبيه، والأغنام التي كانت لفوصون، وعدتها أربعة ألاف رأس وأربعماية من البقر التي استحسنها أبوه. وأخذ الطيور التي كانت بالأحواش على اختلاف أنواعها، وحملها على رءوس الحمالين إلى الكرك. وساق الأغنام والأبقار إليها، ومعهم عدة سقائين وسائر ما يحتاج إليه وعرض الخيول والهجن، وأخذ ما اختاره منها، ومن البخاتي وحمر الوحش والزراف والسباع، وسيرها إلى الكرك. وفتح الذخيرة، وأخذ ما فيها من الذهب والفضة، وهو ستمائة ألف دينار وصندوق فيه الجواهر التي جمعها أبوه في مدة سلطنته. وتتبع جواري أبيه حتى عرف المتمولات منهن، فكان يبعث إلى الواحدة منهن يعرفها أنه يدخل عليها الليلة، فإذا تجملت بحليها وجواهرها أرسل من يحضرها إليه، فإذا خرجت من موضعها ندب من يأخذ جميع ما عندها، ثم يأخذ جميع ما عليها حتى سلب أكثرهن ما بأيديهن، وعرض الركاب خاناه، وأخذ جميع ما فيها من السروج واللجم والسلاسل الذهب والفضة، ونزع ما عليها من الذهب والفضة. وأخذ الطائر الذهب الذي على القبة، وأخذ الغاشيه الذهب وطلعات الصناجق، وما ترك بالقلعة مالاً حتى أخده. وشنع في قتل أمراء أبيه، وأتلف موجودهم، وأحضر حريم طشتمر حمص أخضر من حلب وقد تجهزن للمسير، فأخذ سائر ما معهن، حتى لم يترك عليهن سوى قميص وسروال لكل واحدة. وأخذ أيضاً جميع ما مع حريم قطلوبغا الفخري، حتى لم تجد زوجته سرية تنكز ما تتقوت به، إلى أن بعث لهم جمال الكفاة شيئاً تجملوا به إلى القاهرة.

.السلطان عماد الدين أبو إسماعيل:

السلطان الملك الصالح عماد الدين أبو إسماعيل ابن الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون الألفي الصالحي.
جلس على تخت الملك يوم الخميس ثاني عشرى المحرم سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، بعد خلع أخيه باتفاق الأمراء على ذلك، لأنه بلغهم عنه أنه لما أخرجه الأمير قوصون فيمن أخرج إلى قوص أنه كان يصوم يومي الإثنين والخميس، ويشغل أوقاته بالصلاة وقراءة القرآن، مع العفة والصيانة عما يرمي به الشباب من اللهو واللعب. وحلف له الأمراء والعساكر، وحلف لهم السلطان ألا يؤذي أحداً، ولا يقبض عليه بغير ذنب يجمع على صحته. ودقت البشائر، ولقب بالملك الصالح عماد الدين، ونودي بالزينة.
وفيه فرق السلطان أخباز الأمراء البطالين ورسم بالإفراج عن المسجونين، وكتب بذلك إلى الوجه القبلي والوجه البحري، وألا يترك بالسجون إلا من وجب عليه القتل. وفيه أخرج السلطان عدداً كبيراً من سجون القاهرة ومصر، وتوجه القصاد للإفراج عن الأمراء من الإسكندرية.
وفيه استقر الأمير أرغون العلائي زوج أم السلطان الصالح رأس نوبة ويكون رأس المشورة ومدبر الدولة وكافل السلطان. واستقر الأمير آقسنقر السلاري نائب السلطنة. وفي يوم الجمعة ثالث عشريه: دعي للسلطان على منابر مصر والقاهرة، وكتب إلى الأمراء ببلاد الشام بالأمان والاطمئنان، وتوجه بذلك طقتمر الصلاحي.
وفيه كتب تقليد الأمير أيدغمش نيابة الشام، واستقر عوضه في نيابة حلب الأمير طقزدمر الحموي نائب حماة. واستقر في نيابة حماه الأمير علم الدين سنجر الجمولي.
وفيه كتب السلطان بحضور الحاج آل ملك، وحضور الأمير بيبرس الأحمدي إلى القاهرة.
وفيه كتب السلطان الملك الصالح إلى أخيه الناصر أحمد بالسلام، وإعلامه بأن الأمراء أقاموه في السلطنة، لأنهم علموا أن الملك الناصر أحمد ليس له رغبة في ملك مصر، وأنه يحب بلاد الكرك والشوبك، فهي بحكمك وملكك ورغب إليه في أن يبعث القبة والطير والغاشية والنمجاة، وتوجه بكتاب السلطان الأمير قبلاي.
وفيه خرج الأمير بيغرا ومعه عدة أمراء وأوجاقية، لجر الخيول السلطانية من الكرك.
وفي يوم الأربعاء ثامن عشريه: قدم الأمراء والمسجونون بالإسكندرية، وعدتهم ستة وعشرون أميراً، منهم قياقر، والمرقبي، وطيبغا المحمدي، وابن طوغان جق، ودقماق وأسنبغا بن البوبكري، وابن سوسون، وناصر الدين محمد بن المحسني والي القاهرة، وأمير علي بن بهادر، والحاج أرقطاي نائب طرابلس.
في يوم الخميس تاسع عشريه: وقفوا بين يدي السلطان، فرسم أن يجلس أرقطاي مكان الجاولي وأن يتوجه البقية على أمريات ببلاد الشام.
وفي يوم السبت أول صفر: قدم من غزة الأمير قماري، والأمير أبو بكر بن أرغون النائب، والأمير ملكتمر الحجازي، وصحبتهم الخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد والمقدم عنبر السحرتي، والمماليك السلطانية، مفارقين للناصر أحمد.
وفيه توجه الأمير طقزدمر الحموي لنيابة حلب.
وفي يوم الإثنين ثالثه: خلع على الأمير علم الدين سنجر الجاولي نائب حماة خلعة السفر، وخلع على أمير مسعود بن خطير خلعة السفر لنيابة غزة.
وفيه خلع على بدر الدين محمد بن محيي الدين بن يحيى بن فضل الله، واستقر في كتابة السر بدمشق، عوضاً عن أخيه شهاب الدين أحمد.
وفيه رسم بسفر مماليك قوصون ومماليك بشتاك إلى البلاد الشامية متفرقين، وكتب للنواب بإقطاعهم الأخباز شيئاً فشيئاً.
وفيه استقر الأمير جنكلي بن البابا في نظر المارستان، عوضاً عن الجاولي.
وفيه جلس الأمير آقسنقر السلاري النائب بدار النيابة، بعد ما عمرها وفتح بها شباكاً، ورسم له أن يعطي الأخباز من ثلاثمائة إلى أربعمائة دينار، ويشاور فيما فوق ذلك.
وفيه استقر المكين إبراهيم بن قروينة في نظر الجيش، وعين ابن التاج إسحاق لنظر الخاص، عوضاً عن جمال الكفاة، ناظر الجيش والخاص، لغيبته بالكرك، فقام الأمير جنكلي في ابقاء الخاص علي جمال الكفاة حتى يحضر.
وفي يوم الخميس سادسه: توجه الأمير سنجر الجاولي وأمير مسعود بن خطير، إلى محل ولايتهما.
وفيه أنعم السلطان على أخيه شعبان بإمرة طبلخاناة، وعلى خليل بن خاص ترك بإمرة طبلخاناة، ونودي بأن أجناد الحلقة، ومماليك السلطان وأجناد الأمراء، لا يركب أحد منهم فرساً بعد عشاء الآخرة، ولا يقعدوا جماعة يتحدثون.
وفي يوم الإثنين رابع عشريه: خلع على جميع الأمراء، كبيرهم وصغيرهم.
وفي يوم الثلاثاء خامس عشريه: قدم علاء الدين علي بن فصل الله كاتب السر، ومعه جمال الكفاة والشريف شهاب الدين بن أبي الركب، ومن الكرك، مفارقين للناصر أحمد. بحيلة دبرها جمال الكفاة. وكان قد بلغه عن الناصر أنه يريد قتلهم خوفاً من حضورهم إلى مصر، ونقلهم ما هو عليه من سوء السيرة، فبذل جمال الكفاة مالاً جزيلاً ليوسف بن البصارة حتى مكنهم من الخروج من المدينة. وأسر إليه السلطان الناصر أنه يبعث من يقتلهم ويأخذ ما معهم، فعرجوا في مسيرهم عن الطريق صحبة بدوي من عربان شطي إلى أن قدموا غزة، فخلصوا ممن خرج في طلبهم. فأقبل عليهم الأمراء والسلطان، وخلع عليهم بالاستمرار على وظائفهم.
وفي يوم الخميس سابع عشريه: نهب سوق خزانة البنود بالقاهرة، حتى عم النهب حوانيته كلها من النهب في الجانبين، وكسرت عدة جرار خمر من خزانة البنود، وهتكت نساء الفرنج. وبلغ ذلك الوالي، فركب نائبه لرد العامة عن الفرنج، فرجموه وردوه رداً قبيحاً إلى أن احتمى بالمدرسة الجمالية المجاورة لخزانة البنود، وأساءوا الأدب على الفقهاء المجاورين بها، فخرجوا يحملون المصاحف، ووقفوا للسلطان. فرسم السلطان بضرب الوالي على باب الجمالية، ونودي من الغد ألا يتعرض أحد لأسير من الفرنج وهدد من أخذ لهم شيئاً بالشنق.
وفيه قدم الخبر من حلب بأنه قد وقع في بلاد الموصل وبغداد وأصفهان وعامة بلاد الشرق غلاء شديد، حتى بلغ الرطل الخبز بالمصري إلى ثمانية دراهم نقرة، وأكلت الجيف. وصار من مات يلقى في العراء عجزاً عن مواراته، وفنيت الدواب عندهم.
ثم عقب هذا الغلاء جراد عظيم سد الأفق، ومنع الناس من كثرته رؤية السماء وأكل جميع الأشجار حتى خشبها. وانتشر الجراد إلى حلب ودمشق والقدس وغزة، فاض بما هناك ضرراً شديداً بالغاً، وأفسد الثمار كلها. فلما دخل الجراد الرمل هلك بأجمعه حتى ملأ الطرقات، وتحسنت أسعار بلاد الشام.
وفي هذا الشهر: عقد السلطان على بنت الأمير أحمد ابن الأمير بكتمر الساقي من بنت تنكز، وأصدقها عشرة ألاف دينار. وخلع السلطان على الأمير قماري وجميع أقاربها، وعمل مهماً عظيماً، ورسم أن يعمل لها بشخاناه وداير بيت زركش بثمانين ألف دينار.
وفيه أنعم السلطان على الأمير أرقطاي بتقدمة ألف، فطلب ناظر طرابلس بسبب تقرير ما نهب لأرقطاي أيام نيابته، فذكر أنه نهب له شيء كثير، من ذلك زردخاناه ضمن ثلاثين صندوقاً، وفيها نحو اثني عشر جوشنا، وفيها بركصطوانات حرير قيمة الواحدة منها زيادة على عشرين ألف درهم، ومن السروج والخيول والخيام والجمال وغيرها شيء كثير. فكتب إلى نواب الشام يتتبع من معه شيء من ذلك، وحمله إليه. وفيه أخرج الأمير قرمجي الحاجب إلى صفد حاجباً، بسؤاله.
وفيه خلع علي قراجا وأخيه أولاجا، واستقرا حاجبين.
وفيه سأل الأمير آقسنقر السلاري الإعفاء من النيابة، فلم يعف.
وفي يوم الخميس حادي عشر ربيع الأول: قدم الأمير الحاج آل ملك، من حماة.
وفيه قبض على فياض بن مهنا، لشكوى الأمير الحاج آل ملك منه، وسجن بالقلعة.
وفيه رسم للأمير طقتمر الأحمدي بنيابة طرابلس، بحكم وفاة الأمير طينال.
وفيه وقعت منازعة بين الأمير جنكلي بن البابا وبين الضياء المحتسب، بسبب وقف الملك المنصور أبي بكر على القبة المنصورية، فإنه أراد إضافته إلى المارستان وصرف متحصله في مصرف المارستان. فلم يوافقه الضياء، واحتج بأن لهذا مصرفاً عينه واقفه لقراء وخدام، ووافقه القضاة على ذلك. فاستقر وقف المنصور أبي بكر على ما شرطه لطلبة العلم والفقراء والأيتام، وقرر فيه نحو ستين نفر بمعاليم ما بين خبز ودراهم، فعم النفع به ويعرف اليوم هذا الوقف بالسيفي.
وفيه وشى الخدام للسلطان بقاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن جماعة، بأنه قد استولى على الأوقاف هو وأقاربه، ولم يوصلوا أربابها استحقاقهم. فرسم للطواشي محسن الشهابي والطواشي كافور الهندي بأن يتحدثا في المدرسة الأشرفية المجاورة للمشهد النفيسي، وكتب لهما توقيع بذلك، ورسم لعلم دار بنظر المدرسة الناصرية بين القصرين، وبنظر جامع القلعة. فشق ذلك على ابن جماعة، وسعى عند الأمير أرغون العلائي، فلم ينجح سعيه.
وفيه استقر سيمف الدين وأخوه، من آل فضل على أخباز آل مهنا، لسليمان بن مهنا وأخوته، بعد ما توفر منها جملة أقطعت للأجناد وأمراء الشام.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشريه: رسم للأمير ألطنبغا المارداني بنيابة حماة، عوضاً عن الأمير علم الدين سنجر الجاولي، وخلع عليه وركب البريد من يومه، وسار في خمسة من مماليكه، وسبب ذلك ترفعه على الأمير أرغون العلائي.
وفيه كتب بحضور الأمير سنجر الجاولي إلى نيابة غزة، عوضاً عن أمير مسعود بن خطير، ونقل أمير مسعود إلى إمرة طبلخاناة بدمشق.
وفيه قدم خبر من شطي بأن الناصر أحمد قرر مع بعض الكركيين أن يدخل إلى مصر ويقتل السلطان، فتشوش الأمراء من ذلك، ووقع الاتفاق على تجريد العسكر لقتاله.
وفي يوم الأربعاء رابع عشريه: خلع علي شجاع الدين عزلوا والي الأشمون، واستقر في ولاية القاهرة، عوضاً عن نجم الدين، واستمر نجم الدين على إمرته.
وفي يوم الخميس ثالث ربيع الآخر: توجهت التجريدة إلى الكرك صحبة بيغرا، وهي أول، التجاريد. وعقيب ذلك حدث بالسلطان رعاف مستمر، فاتهمت أمه أردو أم الأشرف كجك بأنها سحرته، وهجمت عليها، وأوقعت الحوطة على جميع موجودها، وضربت عدة من جواريها ليعترفوا عليها. فلم يكن غير قليل حتى عوفي السلطان، فرسم بزينة القاهرة ومصر، وحملت أم السلطان إلى مشهد السيدة نفيسة قنديل ذهب زنته رطلان وسبع أواق ونصف أوقية.
وفي يوم الجمعة خامس عشريه وهو آخر توت: انتهت زيادة النيل إلى ثمانية ذراعاً وتسعة أصابع.
وفيه قامت الزينة لعافية السلطان، ثم انتكس السلطان وعوفي.
وفي يوم الثلاثاء سادس جمادى الأولى: قدم الأمير بيبرس الأحمدي نائب صفد. وكان من خبره أن الناصر أحمد لما كان بالكرك قبل خلعه كتب لآقسنقر نائب غزة أن يركب إلى صفد ويقبض عليه، وأنه كتب لأمراء صفد بالاحتفاظ عليه. فبلغ ذلك الأحمدي من عيونه، فركب ليلاً بمن معه وهو مستعد، وخرج من صفد. فتبعه عسكرها، فمال عليهم وقتل منهم خمسة، وجرح جماعة وهو منهم. فبلغ ذلك آقسنقر نائب غزة، وقد قرب من صفد، فكر راجعاً إلى غزة، وكتب بالخبر إلى السلطان الناصر أحمد. ومر الأحمدي سائراً إلى دمشق، وفيها الأمير بيبرس الحاجب وطرنطاي الحاجب. فنزل الأحمدي ميدان الحصا، وخرج الأميران المذكوران في عدة من العسكر إليه فسلموا عليه وتوجعوا له، ثم عادوا. فقدم في ثاني يوم قدومه كتاب السلطان الناصر أحمد على نائب دمشق بإكرامه واحترامه، ثم قدم من الغد يوسف بن البصارة بكتاب السلطان الناصر أحمد إلى أمراء دمشق، بأنه قد طلب بيبرس الأحمدي إلى الكرك فعصى، وخرج من صفد بعد ما قتل جماعة منها، وأمرهم بأخذ الطرقات عليه ومسكه وحمله إلى الكرك. فأخدوا في أهبة الحرب، وركبوا لقتاله في يوم الخميس ثامن المحرم، وبعثوا إليه سراً يعرفونه بما ورد عليهم. فركب الأحمدي إلى لقائهم حتى تراءى الفريقان، فبعث إليه الأمراء بعض الحجاب يعلمه بمرسوم السلطان فيه، فأعاد الجواب باني طالع للسلطان إذا كان على كرسي ملكه بمصر، وأسير إليه وفي عنقي منديل، ليعاقبني أو يعفو عني. وأما سلطان يقيم بالكرك، ويضرب رقاب الأمراء، ويهتك حريمهم ويخرجهم بحيث يتصدق الناس عليهم، ثم يطلبني إليه، فلا سمع ولا طاعة. وهأنا لا أسلم نفسي حتى أموت على فرسي، ومن كان في نفسه مني فليأت إلى قتالي.
فلما سمعوا جوابه أمرهم ابن البصارة بأن يهجموا عليه ويمسكوه، فاحتجوا عليه بأن المرسوم لا يتضمن قتاله، وهذا الذي قلته يحتاج إلى قتال شديد. ولكنا نكتب إلى السلطان بما اتفق، ونستأذنه في قتاله، ونمتثل ما يرسم به، وتكفلوا له بحفظه حتى يعود بالجواب، فمشى ذلك عليه، وسار بكتبهم. واجتمع الأمراء بالأحمدي، وكتبوا إلى أمراء مصر بما اتفق، وكتبوا لأيدغمش نائب حلب وللحاج آل ملك بحماة، وعرفوا الجميع أن هذا الأمر إن تمادى بهم ركبوا جميعهم وعبروا لبلاد العدو، فكان هذا أكبر الأسباب في خلع الناصر أحمد. ولم يزل بيبرس الأحمدي بدمشق حتى كتب إليه الملك الصالح أن يقدم إلى مصر، فقدمها واستقر على إقطاعه.
وفي هذا الشهر: عزل أقبغا عبد الواحد من نيابة حمص، وأنعم عليه بإمرة مائة بدمشق.
وفي يوم الأحد عاشر جمادى الآخرة: خرج أروم بغا السلاح دار لنيابة طرابلس، غضباً عليه لمكاتبته الناصر أحمد له.
وفيه كتب بقدوم طقتمر الأحمدي إلى القاهرة.
وفيه قبض على جمال الكفاة ناظر الجيش والخاص، والموفق ناظر الدولة، والصفي ناظر البيوت، وزجماعة من الكتاب، وسلموا لشاد الدواوين.
وفيه قبض على ابن رخيمة مقدم الوالي وسبب القبض على جمال الكفاة كراهة آقسنقر السلاري النائب له، لنقله للسلطان أخباره، مع توقف الدولة على الوزير، وكثرة شكوى المماليك والخدام.
وكان السلطان قد كثر إنعامه على الخدام وحواشيهم، وعلى جواريه، ورتب لهم رواتب كبيرة، وأنعم عليهم بعدة رزق. وصار كثير من الناس يحملون إلى الخدام الهدايا، لتستقر لهم الرواتب والمباشرات وغيرها. فكثرت كلف الوزير وطلب الإعفاء، فرسم له ألا يمضي إلى بما كان بمرسوم الشهيد الملك الناصر محمد، فوفر ألفاص وأربعمائة دينار في كل شهر. وأخذ النائب يغري الأمير أرغون العلائي بجمال الكفاة، فتعين موسى بن التاج إسحاق لنظر الخاص بسعي الخدام، وتعين أمين الدين إبراهيم بن يوسف المعروف بكاتب طشتمر لنظر الجيش. وإبراهيم بن يوسف هذا كان من سامرة دمشق، كتب عند الأمير بكتمر الحاجب فأسلم، ثم كتب بعد مسك بكتمر عند بهاء الدين أرسلان الدوادار، ثم بعد موته عند الأمير طشتمر حمص أخضر، ومن بعد موته كتب عند الأمير قماري أستادار. ثم طلب هو وموسى بن التاج في يوم الإثنين حادي عشرة ليخلع عليهما، فقام الأمير جنكلي بن البابا والحاج آل ملك وأرقطاي في مساعدة جمال الكفاة، وتلطفوا بالنائب حتى كف عنه، على أن يحمل مالاً هو ورفيقه. فالتزم جمال الكفاة. بمائة ألف دينار، وخلع عليه وعلى بقية الممسوكين، فحمل المال شيئاً بعد شيء، ثم أعفى عما بقي منه.
وفيه قدم أياز الساقي على البريد بموت أيدغمش نائب الشام فجأة، فوقع الاختيار على استقرار الأمير طقزدمر الحموي في نيابة الشام، ويستقر عوضه في نيابة حلب ألطنبغا المارداني، ويستقر يلبغا اليحياوي عوضه في نيابة حماة. فكتب بذلك في يوم الخميس رابع عشره، وخرج يلبغا اليحياوي إلى نيابته بحماة، ومعه كل من يلوذ به.
وفيه قدم كتاب سليمان بن مهنا يسأل في الإفراج عن أخيه فياض، ورد ما أخرج عن آل مهنا من الإقطاعات، وإلا سار بعربه إلى الشرق. فأعيدت الإقطاعات إلى مهنا وأولاده، وأوقف إفراج فياض على ضمانه إياه.
وفيه أنعم على الأمير أرغون العلائي بعشرين ألف دينار ومائتي ألف درهم.
وفيه أنعم على الأمير بهادر الدمرداشي بثلاثة بلاد، زيادة على ما بيده.
وفيه قدم الخبر بأن قاضي القضاة الشافعي بدمشق تقي الدين السبكي لما أراد أن يخطب بالجامع الأموي لم يرض به أهل دمشق خطيباً، وكرهوا خطته، ولم يؤمنوا على دعائه، وصاحوا عليه صياحاً منكراً، وترك جماعة الصلاة، وقالوا ما نصلي خلفك، فثارت عليه العامة. فلما كانت الجمعة الثانية جرى أفحش ما جرى في الأولى، فآل الأمر إلى أن أشهد على نفسه أنه ترك الخطابة.
وفيه قدم الخبر بأن شطي وثب عليه رجل وهو مع العسكر على الكرك، فضربه بحربة أرداه عن فرسه فحمل إلى بيوته، وأن العسكر في شدة من الأمطار وقلة الواصل إليهم، وأن الناصر أحمد رد جواب كتاب السلطان إليه بما لا يليق. فكتب السلطان لأحمد بتعداد مساوئه، وتهديده بتخريب الكرك حجراً حجراً، وكتب بمسير عسكر غزة وصفد إلى نجدة الأمير بيغرا، وحمل الغلال والإقامات، وحشد العربان معهم، ومحاصرة الكرك.
وفيه أفرج عن فياض بن مهنا بمساعدة الأمير الحاج آل ملك، وسلم إلى الأمير أقسنقر السلاري النائب حتى يحضر كتاب أخيه سليمان بن مهنا.
وفيه أنعم على أرغون العلائي بإقطاع قماري بعد موته، واستقر تمر الموساوي أمير شكار عوضاً عن قماري.
وفيه خرج السلطان إلى سرياقوس على العادة، فقدم عليه التقي السبكي قاضي دمشق، فأقبل عليه السلطان والأمراء. فلما عاد السلطان من سرحة سرياقوس مرض أياماً حتى استرخت أعضاؤه، وصار العلائي وآقسنقر النائب يدبران أمور الدولة.
وفيه ورد الخبر بعافية شطي، وأنه ركب مع العسكر على الكرك، وقاتلوا أهلها وهزموهم إلى القلعة. فأذعن الناصر أحمد، وسأل أن يمهل حتى يكاتب السلطان، ليرسل من يتسلم منه القلعة، فرجعوا عنه. فلم يكن غير قليل حتى استعد، وقاتل بمن معه، فخرج جركتمر المارداني ليجهز ألفي راجل من غزة وصفد.
وفيه أنعم على فياض بالعود إلى بلاده، فتوجه إليها بعدما حلف على التزام الطاعة، وألا يتعرض لأمور التجار.
وفي رابع عشره: أخرج جماعة من الأمراء إلى الشام، منهم ملكتمر السرجواني وبكا الخضري، وقطلقتمر، وأباجي، ويحيى بن ظهير الدين بغا وأخيه، ثم أعيد ملكتمر من يومه.
وفيه قدمت رسل متملك الخطا، وقد خرجوا من بلادهم سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، ومعهم كتاب للسلطان الملك الناصر محمد، يتضمن أن بعض الفقراء قدم عليهم وأقام عندهم مدة، وهم يسجدون للشمس عند طلوعها، فمازال ينكر عليهم ذلك ويدعوهم إلى الإسلام حتى عرف به الملك، فأحضره إليه وسمع كلامه، ودعاه إلى الإسلام وهداه الله إليه وأسلم، فبعث رسله إلى مصر في طلب كتب العلم وإرسال رجل عارف يعلمهم شرائع الإسلام، فإن الرجل الذي هداهم به مات. فأقبل السلطان الملك الصالح إسماعيل عليهم، وخلع عليهم، ورسم بتجهيز الكتب العلمية لهم.
وفي يوم الإثنين ثاني رجب: أنعم على أربعة بإمريات طبلخاناة، منهم أمير حاجي ابن الناصر محمد.
وفيه أنعم على خمسة بإمريات عشرة، ونزلوا إلى المدرسة المنصورية على العادة بالقاهرة، فكان يوماً مشهوداً.
وفيه خلع على الأمير ملكتمر السرجواني، واستقر في الوزارة عوضاً عن نجم الدين محمود بن علي بن شروان وزير بغداد، لتوقف أحوال الدولة وشكوى المماليك السلطانية من تأخر جوامكهم.
وفي يوم الأربعاء رابعه: كانت فتنة رمضان أخى السلطان، وذلك أنه كان قد أنعم عليه بتقدمة ألف، فلما خرج السلطان إلى سرحة سرياقوس تأخر عنه بالقلعة، وتحدث مع جماعة من المماليك في إقامته سلطاناً. فلما مرض السلطان بالاسترخاء قوي أمره، وأشاع ذلك، وراسل بكا الخضري ومن خرج معه من الأمراء، وواعد من وافقه على الركوب بقبة النصر. فبلغ ذلك السلطان ومدبر دولته الأمير أرغون العلائي، فلم يعبأ به إلى أن أهل رجب جهز الأمير رمضان خيله وهجنه بناحية بركة الحبش، وواعد أصحابه على يوم الأربعاء. فبلغ الأمير أقسنقر أمير أخور عند الغروب من ليلة الأربعاء ما هم فيه من الحركة، فركب بمن معه، وندب عدة من العربان ليأتوه بخبر القوم إذا ركبوا. فلما أتاه خبرهم ركب وسار إليهم، وأخذهم عن أخرهم من خلف القلعة ليلاً، وساقهم إلى الإصطبل. وعرف أقسنقر أمير أخور السلطان وأرغون العلائي من باب السر بما فعله إليهما، فصعد بما ظفر به من أسلحة القوم. واتفقوا على طلب إخوة السلطان إلى عنده، والاحتفاظ بهم. فلما طلع الفجر خرج أرغون العلائي من بين يدي السلطان، وطلب الإخوة، ووكل ببيت رمضان حتى طلعت الشمس وصعد الأمراء الأكابر باستدعاء، وأعلمو بما وقع، فطلبوا رمضان إليهم فامتنع من الحضور، وهم يلحون في طلبه إلى أن خرجت أمه وصاحت عليهم، فعادوا عنه إلى أرغون العلائي.
فبعث أرغون عدة من الخدام والمماليك لإحضاره. فخرج رمضان في عشرين مملوكاً إلى خارج باب القلة، وسأل عن النائب أقسنقر السلاري، فقيل له أنه عند السلطان مع الأمراء، فمضى إلى باب القلعة، وسيوف أصحابه مصلتة، وركب من خيول الأمراء، ومر بمن معه إلى سوق الخيل تحت القلعة، فلم يجد أحداً من الأمراء، فتوجه جهة قبة النصر. ثم وقف رمضان ومعه بكا الخضري، وقد اجتمع الناس عليه.
وبلغ السلطان والأمراء خبره، فأخرج بالسلطان محمولاً بين أربعة لما به من الاسترخاء، وركب النائب وآقسنقر أمير أخور وقماري أخو بكتمر. وأقام أكابر الأمراء عند السلطان، ووقفت أطلابهم تحت القلعة، وضربت الكوسات حربيا، ونزل النقباء في طلب الأجناد. فوقف النائب بمن معه تجاه رمضان وقد كثر جمعه من أجناد الحسينية ومن مماليك بكا ومن العامة، وبعث يخبر السلطان بذلك، فمن شدة انزعاحه نهضت قوته، وقام على قدميه يريد الركوب بنفسه، فقام الأمراء وهنؤه بالعافية، وقبلوا له الأرض، وهونوا عليه أمر أخيه. فأقام السلطان إلى بعد الظهر، والنائب يراسل رمضان ويعده الجميل، ويخوفه العاقبة، وهو لا يلتفت إلى قوله. فعزم النائب على الحملة عليه بمن معه، وسار فلم يثبت العامه والمتجمعه من الأجناد مع رمضان، وانفلوا عنه، فانهزم رمضان هو وبكا الخضري في عدة من المماليك، وتوجهوا نحو البرية، والأمراء في طلبه، ثم عاد النائب إلى السلطان فلما كان بعد عشاء الآخرة من ليلة الخميس أحضر برمضان وبكا، وقد أدركوهما بعد المغرب عند البويب، ورموا بكا بالنشاب حتى ألقوه عن فرسه، وقد وقف فرس رمضان من شدة السوق، فوكل برمضان من يحفظه، وأذن للأمراء بنزولهم بيوتهم، فنزلوا وطلعوا بكرة يوم الخميس إلى الخدمة على العادة.
وجلس السلطان وطلب مماليك رمصان، فأحضروا. وأمر السلطان بحبسهم، وحبسوا أياماً، ثم فرقوا على الأمراء.
وفيه رسم لجمال الكفاة بتجهيز التشاريف للأمراء الأكابر، فحمل إلى كل من الأمير جنكلي بن البابا، والأمير بيبرس الأحمدي والأمير بيبرس الحاج آل ملك، والأمير قماري، والأمير أرقطاي، تشريف كامل وألف دينار، وللنائب أقسنقر السلاري تشريف وألفا دينار وفرسان، ولمقدمي الحلقة تشاريف بأقبية ساذجة مروزي، لأجل إعادتهم، فإنها كانت بغاليطق ملونة.
وفي يوم الخميس ثاني عشر: أمر السلطان ستة أمراء.
وفي يوم الإثنين سادس عشره: قدم الأمير بيغرا ومن معه من العسكر المجرد لقتال الناصر أحمد، بعد ما حاربوه. وكان قد جرح منهم جماعة، وقلت أزوادهم، فكتب السلطان بإحضارهم إلى الديار المصرية، ولما مثلوا بالخدمة خلع عليهم.
وفيه كتب السلطان باستقرار طرنطاي البشممقدار في نيابة غزة، عوضاً عن الجاولي، وقدم الجاولي إلى مصر.
وفي يوم الثلاثاء رابع عشريه: وسط الأمير بكا الخضري، ومعه مملوكان من المماليك السلطانية، بسوق الخيل تحت القلعة.
وفي هذا الشهر: استجد السلطان بالقلعة عمارة جليلة، وأقام أقجبا الحموي شاد العمائر، وقرر على أرباب الدواوين رخاماً يحملونه إليها. وقصد بذلك محاكاة عمارة الملك المؤيد بحماة المعروفة بالدهشية. فتوجه أقجبا وأبجيج المهندس إلى حماة حتى عرفا ترتيبها. وكتب السلطان إلى حلب بطلب ألفي حجر أبيض، وألفي حجر أحمر من دمشق فحملت وسخر لها الجمال. فبلغت أجرة الحجر منها ثمانية دراهم من دمشق واثني عشر درهماً من حلب. ووقع الاهتمام في العمل، فكان المصروف في العمارة كل يوم عشرة ألاف درهم.
وفي هذا الشهر: أيضاً وقف السلطان الملك الصالح ثلثي ناحية سندبيس، من القليوبية، على ستة عشر خادماً لخدمة الضريح الشريف النبوي، فتمت عدة خدام الضريح الشريف أربعون خادماً.
وفي يوم الخميس رابع شعبان: قدم الأمير علم الدين سنجر الجاولي من غزة.
وفيه قدم البريد بموت الأمير أرنبغا نائب طرابلس، فعملت عليه أوراق بحقوق سلطانية مبلغها ألفا ألف درهم.
وفيه قدمت أولاد الأمير أيدغمش من دمشق، فألزموا بتفاوت الإقطاعات التي انتقلت إلى أبيهم من مصر وحلب ودمشق، فبلغت جملة كثيرة باعوا فيها خيولاً وعصابة مرصعة لأمهم بلغت مائة ألف درهم. وباعوا حمام أيدغمش أبيهم خارج باب زويلة إلى خوند طغاي، وعدة أملاك أيضاً.
وفي يوم السبت ثالث شوال: توفي الأمير بهادر الجوباني.
وفي عاشره: توجه الأمير بيبرس الأحمدي والأمير كوكاي في ألفي فارس تجريدة لقتال الناصر أحمد بالكرك، وهي ثاني تجريدة. وكتب بخروج تجريدة من دمشق، وحمل المنجنيق ونصبه على الكرك.
وفي يوم الإثنين ثاني عشريه: صار نقل الأير يلبغا اليحياوي إلى حماة مع طلبه، فركب الأمير أرغون العلائي في عدة من الأمراء حتى زين خيله زينة عظيمة، ورتبها بنفسه، وشقوا القاهرة، وكتب لهم بالإقامات في الطرقات.
وفيه أيضاً أعيد نجم الدين محمود وزير بغداد إلى الوزارة، وأعفي ملكتمر السرجواني منها لتوقف أحوال الدولة. وخلع علي جمال الكفاة، واستقر مشير الدولة، بسؤال وزير بغداد في ذلك، فنزلا معاً بتشاريفهما. وصار جمال الكفاة يطلع بكرة النهار إلى باب القلعة ومعه الوزير، فيصرفان الأشغال. وطلب جمال الكفاة ضمان جميع الجهات وزاد في كل جهة نحو العشرين ألف درهم ومنع أن يحمل شيء من مال الجيزة، ولا يصرف منها إلا بمرسوم السلطان، فمشمت أحوال الدولة.
وفي يوم الأربعاء خامس ذي القعدة: استقر لاجين أمير أخور، عوضاً عن الأمير آقسنقر الناصري. وسبب ذلك أنه سأل أن يتزوج بخوند أردو أم الأشرف كجك، فأجيب إلى ذلك وتزوج بها، وكانت جميلة الصورة. ثم بعد زواجها بأيام سأل الأمير أقسنقر أن يمشي صرغتمش الناصري في خدمته، وكان قد اشتراه السلطان الناصر محمد بنحو مائة ألف درهم، دفع عنها السلطان قريباً من نحو خمسة ألاف دينار مصرية، لجماله، وبسببه كانت فتنة الأمير قوصون مع المماليك السلطانية، لما طلبه بالليل. وكان آقسنقر يهواه وهو يترفع عليه، فاستشار السلطان الأمير أرغون العلائي في إرسال صرغتمش إلى آقسنقر، فأنكر ذلك. ثم طلب السلطان صرغتمش، وعرفه بطلب أقسنقر له، فامتنع أشد امتناع، وقال: أقتل نفسي، ولا أمضي إليه وأمشي في خدمته فبعث السلطان إلى قماري والحجازي والنائب آقسنقر السلاري وعرفهم بذلك كله، فكلهم أنكر على آقسنقر الناصري طلبه صرغتمش وصابه، وأخذ الحجازي يتلطف بآقسنقر الناصري حتى كف عن طلبه على كره.
ثم رسم السلطان لآقسنقر الناصري أن يتوجه مع التجريدة إلى الكرك، وحمل إليه عشرة ألاف دينار وخسمائة جمل. وأخذ الأمراء في حمل التقادم إليه على حسب هممهم حتى لم يبق إلا سفره. ثم تخيل الأمير أرغون العلائي من سفره أن يخامر مع الناصر أحمد، فبعث إليه يمنعه من السفر، فشق عليه ذلك ولم يوافق، فأرسل إليه السلطان الأمير قماري أستادار، فتلطف به حتى وافق بشرط الإعفاء من الأمير أخورية فأعفي، وسكن الحجازي بالأشرفية من القلعة، وتحول آقسنقر إلى دار الحجازي.
وفي هذه السنة: بعث أرتنا صاحب الروم بهدية جليلة صحبة قاضي الروم، وسأل أن تجري على ما كان عليه الأمر في أيام الشهيد السلطان الناصر محمد من تجهيز التقليد بنيابة الروم.
وفيها رتب السلطان دروساً للمذاهب الأربعة بالقبة المنصورية، ووقف عليها وعلى قراء وخدام وغير ذلك ناحية دهمشا من الشرقية، فاستقر ذلك، وعرف بوقف الصالح. وفيها استقر علاء الدين علي بن عثمان بن أحمد بن عمرو بن محمد الزرعي في قضاء القضاة الشافعية بحلب، عوضاً عن البرهان إبراهيم الرسعني. ثم صرف الزرعي ببدر الدين إبراهيم بن الصد، أحمد بن عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن بن الخشاب المصري.
وفيها ولدت امرأة بدمشق مولوداً، برأسين وأربعة أيدي.
وفيها كان بعرفة يوم عرفة فتنة بين العرب والحجاج من قبل الظهر إلى غروب الشمس قتل فيها جماعة. وسببها أن الشريف رميثة بن أبي نمى أمير مكة شكا من بني حسن إلى أمير الحاج. فركب أمير الحاج في يوم عرفة بعرفة لحربهم، وقاتلهم وقتل من الترك ستة عشر فارساً، وقتل من جماعة بني حسن عدة، وانهزم بقيتهم، فنفر الناس من عرفة على تخوف، ولم ينهب لأحد شيء، ولا تزال بنو حسن بمنى. ثم رحل الحاج بأجمعهم يوم النفر الأول، ونزلوا الزاهر خارج مكة، وساروا منه ليلاً إلى بطن مرو. وفي يوم الخميس ثاني عشر ذي الحجة: رسم بتجريد الأمير أبي بكر بن أرغون النائب والأمير أصلم، والأمير أرنبغا.
وبلغت زيادة النيل في هذه السنة ثمانية عشر ذراعاً وتسعة أصابع.

.ومات فيها من الأعيان:

برهان الدين إبراهيم بن محمد السفاقسي المالكي في ذي الحجة، وله إعراب القرأن، وشرح ابن الحاجب في الفقه.
ومات الأمير أرنبغا الناصري، نائب طرابلس.
ومات الأمير أيدغمش الناصري، نائب الشام.
ومات الأمير بيبرس الأحمدي الحاجب وهو بدمشق، في رجب. وهو أحد المماليك الناصرية، ترقى في الخدم حتى صار أمير أخور، ثم عزل بأيدغمش، واستقر حاجباً. وتجرد إلى اليمن، ثم لما عاد سجن في العشرين من ذي القعدة سنة خمس وعشرين، وأقام معتقلاً تسع سنين وثمانية أشهر إلى أن أفرج عنه في ثاني عشرى رجب سنة خمس وثلاثين. وأخرج إلى حلب أميراً بها، ثم نقل إلى إمرة بدمشق، في سنة تسع وثلاثين، فمازال بها حتى مات. وله دار بالقاهرة داخل باب الزهومة بحارة العدوية، وحفيده أمير علي بن أمير أحمد بن الحاجب المقرئ.
ومات الأمير بكا الخطيري مقتولاً، في رابع عشرى رجب.
ومات الأمير بهادر الجوباني رأس نوبة.
ومات الأمير قماري أمير شكار، يوم الإثنين خامس جمادى الأولى.
ومات الأمير طشتمر حمص أخضر نائب صفد وحلب، مقتولاً بالكرك.
ومات الأمير سليمان بن مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن غضية بن فضل أمير آل فضل، بظاهر سلمية.
ومات الأمير طينال نائب صفد ونائب غزة ونائب طرابلس، وهو بصفد، في يوم الجمعة رابع ربيع الأول.
وتوفي تاج الدين أبو المحاسن عبد القادر بن عبد المجيد بن عبد الله بن متى اليماني المخزومي الشافعي الأديب الكاتب، بالقدس عن ثلاث وستين سنة. قدم القاهرة وأقام بها، وله شعر جيد.
ومات الحاجب صلاح الدين محمد بن إبراهيم، المعروف بابن البرهان.
وتوفي فخر الدين محمد بن يحيى بن عبد الله بن شكر المالكي، بمصر عن سبعين سنة.
وتوفي المقرئ بدر الدين محمد بن أحمد بن نصحان الدمشقي، شيخ القراء بها، عن خمس وسبعين سنة.
ومات الأمير قطلوبغا الفخري نائب الشام، مقتولاً بالكرك.
ومات سعد الملك مطرف، في حادي عشرين جمادى الأولى.